منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب
السلام عليكم ورحمة الله وبركـاتـه

أهلا وسهلا في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب نحن سعداء جدا في منتداك بأن تكون واحداً من أسرتنا و نتمنى لك الأستمرار و الاستمتاع بالإقامة معنا و تفيدنا وتستفيد منا ونأمل منك التواصل معنا بإستمرار في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب و شكرا.

تحياتي

ادارة المنتدي

https://ouargla30.ahlamontada.com/
منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب
السلام عليكم ورحمة الله وبركـاتـه

أهلا وسهلا في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب نحن سعداء جدا في منتداك بأن تكون واحداً من أسرتنا و نتمنى لك الأستمرار و الاستمتاع بالإقامة معنا و تفيدنا وتستفيد منا ونأمل منك التواصل معنا بإستمرار في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب و شكرا.

تحياتي

ادارة المنتدي

https://ouargla30.ahlamontada.com/


منتدى علمي ثقافي تربوي ديني رياضي ترفيهي
 
الرئيسيةالبوابة*الأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول


هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

للتسجيل اضغط هـنـا

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى ، فيرجى التكرم بزيارةصفحة التعليمـات، بالضغط هنا .كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيعو الإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب .

جمع القرآن عند علماء المسلمين

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
فقدت كلمة المرور
البحث فى المنتدى

منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب :: °ღ°╣●╠°ღ°.. المنتديات الإسلامية ..°ღ°╣●╠°ღ° :: القسم القرآن الكريم

شاطر
جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 20:58
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين


جمع القرآن عند علماء المسلمين
ثم إن علماء الشرع أطلقوا جمع القرآن(12) على أربعة معانٍ، وهي:
1 - حفظ القرآن في الصدور.
2 - تأليف سور القرآن الكريم.
3 - تأليف الآيات في السورة الواحدة من القرآن الكريم.
4 - كتابة القرآن الكريم في الصحف والمصاحف.
أما الإطلاق الأول فقد حصل في عصر النبي ?، حيث حفظ القرآنَ الكريمَ عن ظهر قلبٍ النبيُّ ? وجمعٌ من أصحابه ?، ومنه قوله ?: } إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ { :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ?: } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ! إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ {،(13) قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ.(14)
وعن قَتَادَةُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ?: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ?؟ قَالَ أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ.(15)
وأما الإطلاقان الثاني والثالث، فقال الزركشي: قال أبو الحسين أحمد بن فارسٍ في كتاب المسائل الخمس: جمع القرآن على ضربين: أحدهما: تأليف السور، كتقديم السبع الطُّوال ، وتعقيبها بالمئين، فهذا الضرب هو الذي تولاه الصحابة رضي الله عنهم(16) وأما الجمع الآخر، فضمُّ الآي بعضها إلى بعضٍ، وتعقيب القصة بالقصة، فذلك شيءٌ تولاَّه رسول الله ?،ـ(17) كما أخبر به جبريل عن أمر ربه ? .ـ(18)
وأما الإطلاق الرابع، فيتضمن مرحلتين: الأولى جمع متَفَرِّقِهِ في صحفٍ، وهو ما حدث في عصر الصِّدِّيق ?، والثانية: جمع تلك الصحف في مصحفٍ واحدٍ، وهو ما حدث في عصر عثمان بن عفان ?.ـ(19)












(12) انظر مناهل العرفان (1/239).
(13) الآيتان 16،17 من سورة القيامة.
(14) رواه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الوحي، باب 4، صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (1/39)ح 5.
(15) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? ح 5004 (8/663)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.
(16) بحث ترتيب السور، وهل هو توقيفي أو باجتهاد من الصحابة ? .يأتي في الفصل الثالث من الباب الأول - إن شاء الله.
(17) كما في حديث عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، وفيه: كَانَ النَّبِيُّ ? مِمَّا تَنَزَّلُ عَلَيْهِ الآيَاتُ فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ، وَيَقُولُ لَهُ: ضَعْ هَذِهِ الآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا. رواه وأبو داود في كتاب الصلاة باب من جهر بِها (1/208-209)ح 786، والترمذي في كتاب تفسير القرآن باب سورة التوبة (5/272) ح 3086، وأحمد في مسنده - مسند العشرة المبشرين بالجنة (1/92)ح 401، (1/111) ح 501.
(18) البرهان في علوم القرآن - الزركشي (1/258-259).
(19) دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة (7/148)، وانظر مناهل العرفان (1/239).



فضل حفظ القرآن الكريم

شرَّف الله أمة الإسلام بخصيصة لم تكن لأحد من أهل الْملل قبلهم، وهي أنَّهم يقرءون كتاب ربِهم عن ظهرقلبٍ، كما جاء في صفة هذه الأمة عن وهب بن منبه:(1) أمة أناجيلهم في صدورهم،(2) بخلاف أهل الكتاب، فقد كانوا يقرءون كتبِهم نظرًا، لا عن ظهر قلب.(3)
وقد تكفَّل الله بحفظ هذا الكتاب، كما قال: } إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ { ،(4) وكان من حفظه ? لكتابه أن وفَّقَ هذه الأمة إلى حفظه واستظهاره.
وقد تظاهرت الأدلة على فضل حفظ القرآن الكريم، وفضل حفظته على غيرهم من الْمسلمين، فمن ذلك:
1 - علوُّ منزلة حَافظ القرآن، الْماهر به، فعَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ? قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يَقْرأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ.(5)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ? : يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ، فَيَقْرَأُ، وَيَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً، حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيْءٍ مَعَهُ.(6)
2 - وما ورد من أن حافظ القرآن لا تحرقه النار، فعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ? قَالَ: لَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ جُعِلَ فِي إِهَابٍ(7) ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ.(Cool
قال ابن الأثير:(9) … وقيل الْمعنى: مَن علَّمهُ اللهُ القرآنَ لم تحرقْهُ نارُ الآخرةِ، فجُعِلَ جسمُ حافظ القرآن كالإهاب له..(10)
3 - ومنه تشفيعه في أهله، فعَنْ عَلِيٍّ ? قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ? : مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَفِظَهُ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ، وَشَفَّعَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبَ النَّارَ.(11)
4 - ومن ذلك أيضًا أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ? : إِنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ.(12)
5 - وكذلك إكرام والدي حافظ القرآن، وإعلاء منزلتهما، فعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيامَةِ، ضَوْءهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا - لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا؟(13)
6 - ومن ذلك أيضًا أن حملة القرآن مقدمون على أهل الجنة، قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ:(14) حَمَلَةُ الْقُرْآنِ عُرَفَاءُ(15) أَهْلِ الْجَنَّةِ.(16)
وعن طاوس أنه سأل ابن عباس - رضي الله عنهما: ما معنى قول الناس: أهل القرآن عرفاء أهل الجنة ؟ فقال: رؤساء أهل الجنة.(17)






(1) تابعي ثقة، ولد سنة 34 هـ، وأخذ عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد وغيرهم من الصحابة، كان إخباريًّا قصاصًا، غزير العلم بالإسرائليات وصحائف أهل الكتاب، ومن الْمشهورين بالعبادة والوعظ، تولي قضاء صنعاء. توفي سنة 110 هـ، وقيل سنة 113 هـ، وقيل سنة 114 هـ. سير أعلام النبلاء (4/544)، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (1/150).
(2) رواه البيهقي في دلائل النبوة باب صفة رسول الله ? في التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب، وصفة أمته (1/379).
(3) انظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/400).
(4) الآية 9 من سورة الحجر.
(5) رواه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير، سورة عبس. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (8/560) ح: 4937.
(6) رواه ابن ماجه في سننه: كتاب الأدب، باب ثواب القرآن. (2/1242) ح: 3780.
(7) الإهاب، ككِتَابٍ: الجِلْد. القاموس الْمحيط ( أهب ) ص 77.
(Cool رواه أحمد في الْمسند: مسند الشاميين (5/148) ح 16914، و (5/156) ح 16967، والدارمي في سننه: كتاب فضائل القرآن باب فضل من قرأ القرآن (2/430) ح 3310
(9) هو القاضي الرئيس العلامة الأوحد، مجد الدين أبو السعادات بن الأثير الجزري، صاحب جامع الأصول وغريب الحديث، وغير ذلك، توفي سنة 606? . سير أعلام النبلاء (21/488).
(10) النهاية في غريب الحديث والأثر (1/83).
(11) رواه ابن ماجه في سننه: الْمقدمة، باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (1/78) ح: 216. ورواه الترمذي في سننه: كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل قارئ القرآن ح: 2905، وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ وَحَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ. وأحمد في الْمسند: مسند العشرة الْمبشرين بالجنة عن علي بنحوه (1/239) ح 1271، و (1/241) ح 1281.
(12) رواه ابن ماجه في سننه: الْمقدمة، باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (1/78) ح: 215.
(13) رواه أبو داود في كتاب الصلاة باب في ثواب قراءة القرآن (2/70)ح: 1453 وأحمد في مسنده: مسند الْمكيين (4/466) ح 15218.
(14) عطاء بن يسار الْمدني الفقيه، مولى ميمونة أم الْمؤمنين، تابعي ثبت حجة، كبير القدر، كان إمامًا فقيهًا واعظًا، قاضيًا بالْمدينة، توفي سنة ? . شذرات الذهب (1/125)، وسير أعلام النبلاء (4/448).
(15) العرفاء جمع عَرِيف، وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس - لسان العرب ( عرف ) (4/2899).
(16) رواه الدارمي في سننه: كتاب فضائل القرآن، باب في ختم القرآن (2/470) ح: 3484، ورواه الطبراني عن الحسين بن علي مرفوعًا بلفظ: حَمَلَةُ الْقُرْآنِ عُرَفَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ. قال الهيثمي: وفيه إسحاق بن إبراهيم بن سعد الْمدني، وهو ضعيف. مجمع الزوائد (7/164)، وانظر الإتقان (4/104).
(17) النهاية في غريب الحديث والأثر (3/218).

حفظ النبي للقرآن الكريم
كان العرب قبل الإسلام أمَّةً أمِّـيَّةً، لا تقرأ ولا تكتب، والأمي(18) إنما يعتمد في حفظ ما يحتاج إلى حفظه على ذاكرته، فليس ثَمَّ كتابٌ يحفظ عليه ما يريد حفظه، وقد كان العرب يحفظون في صدورهم ما يحتاجون إلى حفظه من الأنساب والحقوق والأشعار والخطب.
قال ? : } هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّـيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ { .(19)
ولما بُعِثَ النبي ? في هذه الأمة كانت إحدى آيات ودلائل نبوته أنه أميٌّ؛ حتى لا يتطرق إلى أوهام من يدعوهم أن دعوته مبنية على علمٍ حصَّله من مُعَلِّمٍ، كما قال? : } وَمَا كُنْتَ تَـتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِنِكَ إِذًا لاَرْتَابَ الْمبْطِلُونَ { .(20)
فلما كان النبي ? أُمِّـيًّا، فلا غروَ كان كذلك يعتمد على ذاكرته في الحفظ، فلما شرَّفه الله بالرسالة، وكان القرآن الكريم آيته التي تحدى بِها الناس كافة والعرب خاصةً - كان شديد الحرص على حفظ القرآن حال إنزاله - وهو من أشد الأحوال عليه، حتى لقد كان ? يعاني مشقة عظيمة لتَعَجُّلِهِ حفظَ القرآن الكريم، مخافة أن ينساه، حتى أنزل الله عليه ما يثبت به فؤاده، ويُطَمْئِنُهُ أن القرآن لن يَتَفلَّتَ منهُ:
قال الله ? : } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ! إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ! فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ { .(21)
فطمأنه الله تعالى أن حفظ وبيان القرآن إليه ? ، وأمره أن ينصت إلى الوحي، كما قال ? : } وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا { .(22)
قال الحافظ ابن حجر: ولما كان من أصل الدين أن الْمبادرة إلى أفعال الخير مطلوبةٌ، فنُـبِّه على أنه قد يَعترضُ على هذا الْمطلوب ما هو أجَلُّ منهُ، وهو الإصغاء إلى الوحي، وتَفَهُّمُ ما يَرِدُ منه، والتشاغل بالحفظ قد يَصُدُّ عن ذلك، فأُمِرَ ألاَّ يُبَادر إلى التحفظ ؛ لأن تحفيظه مضمونٌ على ربه اهـ.(23)
عن سعيد بن جبيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تعالى: } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ { قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ،(24)
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يُحَرِّكُهُمَا،
وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ! إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ { قَالَ: جَمْعُـهُ لَكَ فِي صَـدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ، } فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ { قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، } ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ.
فَكَانَ رَسُولُ اللهِ ? بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ ? كَمَا قَرَأَهُ.(25)
وظاهر السياق يحتمل أن يكون إنما كان يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ للمشقة التي كان يجدها ? عند نزول الوحي، فكان يتعجل بأخذه لتزول الْمشقة سريعًا.
وفي روايةٍ أخرى عند البخاري: كان يُحَرِّكُ به لسانه مخافة أن ينفلت منه.(26)
فهذه الرواية صريحةٌ في أن سبب الْمبادرة هو خشية النسيان، أي كان يحرك لسانه لئلا يفلت منه حرف أو تضيع منه لفظة.
وعن الشَّعْبِيِّ في هذه الآية: } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ { قال: كان إذا نزل عليه الوحي عَجِلَ يتكلم به من حُبِّه إيَّاه.(27)
وهذه الرواية تدل على أن سبب الْمبادرة هو حب الرسول ? للقرآن، وحب الشيء يستلزم الخوف عليه، والخوف من ذهابه عنه.
قال الحافظ ابن حجر: ولا بُعْدَ في تعَدُّدِ السببِ.(28)






(18) الأمي: هو الذي لا يكتب ولا يقرأ، أو منسوب إلى الأم، كأنه باقٍ على حالته التي وُلد عليها، أو على أنه أشبه بأمه منه بأبيه، إذ إن نساء العرب ما كن يعرفن القراءة والكتابة، ووصف النبي ? بالأمي إما على أحد الْمعاني السابقة، أو على أنه منسوب إلى أمة العرب، وهي الأمة الأمية، وكانوا في الجاهلية لا يعرفون القراءة والكتابة إلا النادر، ولذلك كان أهل الكتاب يصفونهم بالأميين، أو على أنه منسوب إلى أم القرى - شرفها الله. القاموس الْمحيط ص 1392، والجامع لأحكام القرآن (7/190)، وتفسير أبي السعود (3/279).
(19) من الآية 2 من سورة الجمعة.
(20) الآية 48 من سورة العنكبوت.
(21) سورة القيامة، الآيات 16-18.
(22) من الآية 114 من سورة طـه.
(23) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/548) بتصَرُّفٍ يسير.
(24) في كتاب التفسير من صحيح البخاري أن سفيان بن عيينة وصف تحريكه ? لسانه بقوله: يريد أن يحفظه، قال الحافظ في الفتح: وفي رواية أبي كريب: تعَجَّل يريدُ حفظَه، فنـزلت. فتح الباري (8/548-549).
(25) رواه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الوحي، صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (1/39) ح: 5.
(26) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري، كتاب التفسير، باب } إن علينا جمعه وقرآنه { (8/549) ح: 4928.
(27) رواه الطبري في التفسير (29/187).
(28) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/550).

الرد على دعوى جواز نسيان النبي القرآن أو إسقاطه عمدًا
شكَّك بعض الْملاحدة في الأصل الذي قامت عليه كتابة القرآن الكريم وجمعه، وهو حفظ النبي ? للقرآن بدعوى جواز النسيان على النبي ? ، واستدلوا على ذلك بدليلين:
الأول: قوله تعالى: } سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ! إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ { .(29)
فزعموا أن الآيات تدل - بطريق الاستثناء - على أن محمدًا ? قد أسقط عمدًا أو أُنسي آيات لم يتفق له من يذكره إياها، وتدل أيضًا على جواز النسيان على النبي ?.
والثاني: ما روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعَ النَّبِيُّ ? قَارِئًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فِي الْمسْجِدِ فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَة كَذَا وَكَذَا. وفي رواية: أُنْسِيتُها.(30)
فزعموا أن النبي ? أسقط عمدًا بعض آيات القرآن، أو أُنسِيَها.
الجواب عما تعلق به أصحاب هذه الشبهةِ
فيجاب عن دعواهم أن الآيات الكريمات تدل على جواز نسيان النبي ? بعض القرآن:
أولاً: بأن قوله ? : } سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى { وعدٌ كريمٌ بعدم نسيان ما يقرؤه من القرآن، إذ إن (لا) في الآية نافية، وليست ناهية، بدليل إشباع السين، فأخبر الله فيها بأنه لا ينسى ما أقرأه إياه.
وقيل (لا) ناهيةٌ، وإنما وقع الإشباع في السين لتناسب رءوس الآي، والقول الأول أكثر.(31)
قال القرطبي بعد أن ذكر القولين: والأول هو الْمختار ؛ لأن الاستثناء من النهي لا يكاد يكون إلا مؤقتًا معلومًا، وأيضًا فإن الياء مثبتة في جميع الْمصاحف، وعليها القراء.(32)
ومعنى الآية على هذا: سنعلمك القرآن، فلا تنساه، فهي تدل على عكس ما أرادوا الاستدلال بِها عليه.
ثانيًا: إن الاستثناء في الآية معلق على مشيئة الله إياه، ولم تقع الْمشيئة، بدليل ما مر من قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ { ، ولأن عدم حصول الْمعلق عليه يستلزم عدم حصول الْمعلق، ويستحيل أن تتعلق مشيئة الله بعدم بلوغ رسالته.
ثالثًا: الاستثناء في الآية لا يدل على ما زعموا من أنه يدل على إمكان أن ينسى ? شيئًا من القرآن، وفي الْمراد بِهذا الاستثناء قولان:
القول الأول: أن الاستثناء صوريٌّ لا حقيقيٌّ، فهو للتبرك، وليس هناك شيءٌ استُثني.
قال الفراء:(33)لم يشأ أن ينسى شيئًا، وهو كقوله: } خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك { ولا يشاء، وأنت قائل في الكلام: لأعطينَّك كل ما سألتَ إلا ما شئتُ، وإلا أن أشاءَ أن أمنعك، والنية ألا تمنعه، وعلى هذا مجاري الأيمان، يُستثنى فيها، ونية الحالف التمام.(34)
وقيل إن الحكمة في هذا الاستثناء الصوري أن يعلم العباد أن عدم نسيان النبي ? القرآن هو محض فضل الله وإحسانه، ولو شاء تعالى أن ينسيه لأنساه، وفي ذلك إشعارٌ للنبي ? أنه دائمًا مغمور بنعمة الله وعنايته، وإشعار للأمة بأن نبيهم مع ما خُصَّ به من العطايا والخصائص لم يخرج عن دائرة العبودية، فلا يُفْتَنُون به كما فُتِنَ النصارى بالْمسيح ?.ـ(35)
القول الثاني: أن الاستثناء حقيقي، وأن الْمراد به منسوخ التلاوة فيكون الْمعنى أن الله تعالى وعد بأن لا ينسى نبيه ? ما يقرؤه، إلا ما شاء - سبحانه - أن ينسيه إياه بأن نسخ تلاوته لحكمة، أو على أن الْمراد به الترك، أو ما يعرض للإنسان بحكم الجبلة البشرية، أو لأجل تعليم الناس وتبيين السنة لهم.
عن الحسن وقتادة } إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ { : أي قضى أن تُرفع تلاوته.
وعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما: إلا ما أراد الله أن ينسيكه لتَسُنَّ.
وقال الطبري: وقال آخرون: النسيان في هذا الْموضع: الترك، قالوا: ومعنى الكلام: سنقرئك يا محمد، فلا تترك العمل بشيء منه، إلا ما شاء الله أن تترك العمل به مِمَّا ننسخه.(36)
وعلى هذين القولين فلا تعلق لأصحاب تلك الشبهة بِهذه الآيات، إذ لا يفهم منها أن النبي ? قد نسي حرفًا واحدًا مِمَّا أمر بتبليغه.
والجواب عما زعموه في الحديث الشريف:
أولا: أن الحديث الذي أوردوه لا ينهض حجةً لهم فيما زعموا من الشكّ في الأصل الذي قامت عليه كتابة القرآن وجمعه، إذ إن الآيات التي أنسيها النبي ? ثم ذكرها كانت مكتوبة بين يدي النبي ? ، وكانت محفوظة في صدور أصحابه الذين تلقوها عنه، والذين بلغ عددهم مبلغ التواتر- والذين منهم هذا الذي ذكَّرَه، وإنما غاية ما فيه الدلالة على أن قراءة ذلك الرجل ذكرت النبيَّ ? بالآيات، وكان قد أُنسيها، أو أسقطها نسيانًا، وليس في الخبر إشارة إلى أن هذه الآيات لم تكن مِمَّا كتبه كتَّاب الوحي، ولا ما يدل على أن أصحاب النبي ? كانوا نسوها جميعًا، حتى يخاف عليها الضياع.(37)
ثانيًا: أن روايات الحديث لا تفيد أن هذه الآيات التي سمعها الرسول من أحد أصحابه كانت قد انمحت من ذهنه الشريف جملةً، بل غاية ما تفيده أنَّها كانت غائبة عنه ثم ذكرها وحضرت في ذهنه بقراءة صاحبه، وليس غيبة الشيء عن الذهن كمحوه منه، فالنسيان هنا بسبب اشتغال الذهن بغيره، أما النسيان التام فهو مستحيل على النبي ? ؛ لإخلاله بوظيفة الرسالة والتبليغ.(38)
قال الباقلاني(39) وإن أردت أنه ينسى القدرَ الذي ينساه العالْم الحافظُ بالقرآن، الذي لا يُنسَب صاحبه إلى بلادةٍ، فإن ذلك جائز بعد أدائه وبلاغه، والذي يدل على جوازه أنه غير مفسدٍ له، ولا قادح في آياته، ولا مفسد لكمال صفاته، ولا مسقط لقدره، ولا منزل له عنه، ولا معرضٍ بتهمته.(40)
ثالثًا: أن قوله ? : ( أسقطتها ) مفسرةٌ بقوله في الرواية الأخرى: ( أُنْسِيتُها )، فدل على أنه ? أسقطها نسيانًا لا عمدًا، فلا محل لما أوردوه من أنه ? قد يكون أسقط عمدًا بعض آيات القرآن.
قال النووي: قوله ? : "كنت أُنْسِيتُها" دليل على جواز النسيان عليه ? فيما قد بلَّغه إلى الأمة.(41)
وترد هنا مسألة وقوع النسيان من النبي ? ، وهي الْمسألة الآتية.
مسألة وقوع النسيان من النبي ?
وقوع النسيان من النبي ? يكون على قسمين:
الأول: وقوع النسيان منه ? فيما ليس طريقه البلاغ.فهذا جائز مطلقًا لما جُبل عليه ? من الطبيعة البشرية.
والثاني: وقوع النسيان منه ? فيما طريقه البلاغ. وهذا جائز بشرطين:
الشرط الأول: أن يقع منه النسيان بعد ما يقع منه تبليغه، وأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلاً.
قال النووي في شرح قوله ? : "كنت أُنْسِيتُها": دليل على جواز النسيان عليه ? فيما قد بلَّغه إلى الأمة.(42)
الشرط الثاني: أن لا يستمر على نسيانه، بل يحصل له تذكره: إما بنفسه، وإما بغيره.(43)
وقال القاضي عياضٌ(44) - رحمه الله: جمهور الْمحققين على جواز النسيان عليه ? ابتداءً فيما ليس طريقه البلاغ، واختلفوا فيما طريقه البلاغ والتعليم، ولكن من جوز قال: لا يُقَرُّ عليه، بل لا بد أن يتذكره أو يُذَكَّره.(45)
ونسيان النبي ? لشيء مِمَّا طريقه البلاغ يكون على قسمين أيضًا:
قال الإسماعيلي:(46) النسيان من النبي ? لشيء من القرآن يكون على قسمين:
أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قربٍ، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله ? في حديث ابن مسعود في السهو: إنَّما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون.(47)
وهذا القسم عارضٌ سريع الزوال، لظاهر قوله ? : } إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ { .(48)
والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو الْمشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى: } سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى! إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ { ،(49) على بعض الأقوال.
وهذا القسم داخل في قوله ? : } مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا { .(50)(51)






(29) سورة الأعلى، الآية 6، وبعض الآية 7.
(30) رواه البخاري في صحيحه، انظر صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (5/312) كتاب الشهادات ح: 2655، و(8/702-705) كتاب فضائل القرآن ح:5037،5038،5042، و(11/140) كتاب الدعوات ح: 6335، ورواه مسلم في صحيحه، صحيح مسلم بشرح النووي كتاب صلاة الْمسافرين، باب الأمر بتعهد القرآن (6/75)، وأبو داود في سننه: كتاب الصلاة - باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (2/37) ح: 1331، وفي أول كتاب الحروف والقراءات (4/31) ح: 3970.
(31) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 312، وفتح القدير (5/420)، تفسير القرآن العظيم (4/500).
(32) الجامع لأحكام القرآن (20/14).
(33) هو أبو زكريا يحيى بن زياد الأسدي مولاهم، العلامة صاحب التصانيف، إمام النحاة، وصاحب الكسائي، توفي بطريق الحج سنة 207هـ. سير أعلام النبلاء (1/118)، وتذكرة الحفاظ (1/372).
(34) معاني القرآن للفراء (3/256).
(35) مناهل العرفان (1/267-268).
(36) تفسير الطبري (30/154)، وفتح القدير (5/422)، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/702).
(37) مناهل العرفان (1/265).
(38) مناهل العرفان (1/266).
(39) هو القاضي محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، الإمام العلامة، سيف السنة ولسان الأمة، الْمتكلم على لسان أهل الحديث، صاحب التصانيف، وكان يُضرب الْمثل بفهمه وذكائه، وكان ثقة إمامًا بارعًا. صنف في الرد على الرافضة والْمعتزلة وغيرهم من الفرق، مات في ذي القعدة سنة 403هـ . سير أعلام النبلاء (17/190).
(40) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 312.
(41) شرح النووي على صحيح مسلم (6/76).
(42) شرح النووي على صحيح مسلم (6/76).
(43) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/703).
(44) أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض، الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام، استبحر في العلوم، وجمع وألف، وسارت بتصانيفه الركبان، وهو إمام الحديث في وقته، وأعرف الناس بالنحو واللغة وكلام العرب، من مؤلفاته الشفا بتعريف حقوق الْمصطفى، ومشارق الأنوار. توفي سنة 544هـ . سير أعلام النبلاء (20/212).
(45) الشفا بتعريف حقوق الْمصطفى (2/161)، وشرح النووي على صحيح مسلم (6/76).
(46) هو الإمام الحافظ الفقيه الحجة شيخ الإسلام، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الإسماعيلي الشافعي، صنف تصانيف تشهد له بالإمامة في الفقه والحديث، وكان واحد عصره، وشيخ الْمحدثين والفقهاء. توفي سنة 371. سير أعلام النبلاء (16/292).
(47) رواه البخاري في صحيحه كتاب الصلاة بَاب التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ. (1/600) ح 401.
(48) الآية 9 من سورة الحجر.
(49) الآية 6 وبعض الآية 7 من سورة الأعلى.
(50) من الآية 106 من سورة البقرة.
(51) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/703).
(52) الشفا بتعريف حقوق الْمصطفى (2/147)، و(2/161).
(53) هو العلامة الْمفتي طاهر بن محمد الطوسي الشافعي، صاحب التفسير الكبير، كان أحد الأعلام، توفي سنة 471هـ . سير أعلام النبلاء (18/401).
(54) الشفا بتعريف حقوق الْمصطفى (2/163-164)، وشرح النووي على صحيح مسلم (6/76-77).




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:04
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

الحفاظ من الصحابة
كان أصحاب النبي ? يحفظون القرآن بسماعه منه، فهذه أم هشام بنت حارثة ابن النعمان(55) تحفظ سورة من القرآن من في رسول الله ?:
عَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ ? وَاحِدًا سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ، وَمَا أَخَذْتُ } ق وَالْقُرْآنِ الْمجِيدِ { ،(56) إِلاَّ عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللهِ ? ، يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ.(57)
ومع حرص أصحاب النبي ? الشديد على تلقي القرآن منه وحفظه - كان ? يشجعهم ويحثهم على تعلُّم القرآن وتعليمه:
عَنْ عُثْمَانَ ? عَنِ النَّبِيِّ ? قَالَ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ.(58)
وكان ? يحرص أن يتعلم كل من التحق بدار الإسلام بالْمدينة القرآن، فكان يختار لهم من يعلِّمهم:
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ(59) قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يُشْغَلُ، فَإِذَا قَدِمَ رَجُلٌ مُهَاجِرٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ ? دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ.(60)
ولقد حفظ القرآن الكريم من الصحابة جمع كبير يصعب حصره، فقد ثبت في الصحيحين أنه قتل في بئر معونة(61) سبعون من القراء:
عَنْ أَنَسِ ? قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ ? فَقَالُوا: أَنِ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالاً يُعَلِّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ، وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْماءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمسْجِدِ، وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ ? إِلَيْهِمْ فَعَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ.(62)
وروي أنه قتل في وقعة اليمامة(63) كثير من القراء، ويدل على ذلك قول عُمَرَ ? : إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْموَاطِنِ.(64)
قال الحافظ في الفتح: وهذا يدل على أن كثيرًا مِمَّن قتل في وقعة اليمامة كان قد حفظ القرآن، لكن يمكن أن يكون الْمراد أن مجموعهم جَمَعَهُ، لا أن كل فرد جَمَعَهُ.(65)
وقد عرف من قراء الصحابة كثيرون، منهم الخلفاء الأربعة، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، ومعاذ ابن جبل، وأبو زيد الأنصاري، وسالْم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن عمر، وعقبة بن عامر،(66) وأبو أيوب الأنصاري، وعبادة بن الصامت، ومُجَمِّع بن جارية، وفضالة بن عبيد، ومسلمة بن مخلد، وأُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارثِ الأَنْصَارِيِّ، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة، وعبد الله بن السائب بن أبي السائب الْمخزومي، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ? .ـ(67)
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنُ عَمْرٍو أنه ذَكَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فقالَ: لاَ أَزَالُ أُحبُّهُ ؛ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ? يَقُولُ: خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالْم، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.(68)
وعن شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ خَطَبَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ ? بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً.(69)
وعن قَتَادَة قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ? ؟ قَالَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ(70) يُكْنَى أَبَا زَيْدٍ. وفي رواية أَبُو الدَّرْدَاءِ مكان أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.(71)
وعَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ(72) وَكَانَتْ قَدْ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ وَكَانَ النَّبِيُّ ? قَدْ أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا، وَكَانَ لَهَا مُؤَذِّنٌ، وَكَانَتْ تَؤُمُّ أَهْلَ دَارِهَا.(73)
ثم دارت أسانيد القراء العشرة على ثمانية من الصحابة (74) هم:
1 - عثمان بن عفان.
2 - علي بن أبي طالب.
3 - أبي بن كعب.
4 - عبد الله بن مسعود.
5 -زيد بن ثابت.
6 - أبو موسى الأشعري.
7 - أبو الدرداء.(75)
8 - عمر بن الخطاب.
أسانيد القراء العشرة إلى الصحابة
أذكر هنا مَن تصل إليه أسانيد القراء العشرة من الصحابة:
1 - قراءة نافع بن عبد الرحمن الْمدني:(76)
عن ستة من الصحابة هم: عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عياش، وأبي هريرة.(77)
2 - قراءة عبد الله بن كثير الْمكي:(78)
عن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن السائب.(79)
3 - قراءة أبي عمرو البصري:(80)
عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عياش، وعبد الله بن السائب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة.(81)
4 - قراءة عبد الله بن عامر الشامي:(82)
عن عثمان بن عفان، وأبي الدرداء.(83)
5 - قراءة عاصم بن أبي النجود:(84)
عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب.(85)
6 - قراءة حمزة بن حبيب الزيات:(86)
عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، والحسين بن على بن أبي طالب.(87)
7 - قراءة علي بن حمزة الكسائي:(88)
عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عياش، وأبي هريرة، والحسين بن علي بن أبي طالب.(89)
8 - قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع:(90)
عن زيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وابن عباس، وعبد الله بن عياش، وأبي هريرة.(91)
9 - قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي:(92)
عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عياش، وعبد الله بن السائب، وأبي هريرة.(93)
10 - قراءة خلف بن هشام البزار:(94)
عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، والحسين بن على بن أبي طالب.(95)




(55) وقيل أم هاشم، صحابية أنصارية مشهورة، روت حديث قراءة سورة ق على الْمنبر يوم الجمعة، وهي أخت عمرة بنت عبد الرحمن الراوية عن عائشة لأمها. أسد الغابة في معرفة الصحابة (7/403)،و(7/406)، وتقريب التهذيب ص 759 ترجمة 8779.
(56) الآية 1 من سورة ق.
(57) رواه مسلم في صحيحه: كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة ح: 873، انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (6/162)، والنسائي في سننه: كتاب الجمعة، باب القراءة في الخطبة ح1411، انظر سنن النسائي مع شرح السيوطي وحاشية السندي (3/107)، وأبو داود في سننه كتاب الصلاة باب الرجل يخطب على قوس (1/288) ح 1100.
(58) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن بَاب خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ (8/691) 5027.
(59) هو أبو الوليد عبادة بن الصامت الأنصاري، أحد النقباء ليلة العقبة، ومن أعيان البدريين، شهد الْمشاهد كلها مع رَسُول اللهِ ? ، وسكن بيت الْمقدس، مات بالرملة سنة 34 هـ . سير أعلام النبلاء (2/5)، وأسد الغابة (3/160)، وشذرات الذهب (1/40-62).
(60) رواه أحمد في مسنده باقي مسند الأنصار (6/443) ح 22260.
(61) محل شرقي الْمدينة، بين أرض بني عامر، وحرة بني سليم قِبَل نجدٍ، وبِها أرسل النَّبِيّ ? نفرًا من القراء إلى أهل نجد يدعونهم إلى الإسلام، فغدر بِهم عامرُ بن الطفيل فقتلهم، وكانوا سبعين رجلاً، وكان ذلك في صفر سنة أربع من الهجرة. السيرة النبوية لابن هشام (3/103-108)، والْمصباح الْمنير ص 170.
(62) البخاري في كتاب الجهاد والسير باب من يُنْكَب في سبيل الله. صحيح البخاري مع فتح الباري (6/23) ح2801، ومسلم في كتاب الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد ح 677. صحيح مسلم مع شرح النووي (13/46-47).
(63) اليمامة من حروب الردة، وهي الوقعة التي قاتل فيها الْمسلمون مسيلمة الكذاب ومن معه سنة 11 هـ ، استشهد فيها من الصحابة أكثر من ستمائة رجل، وكان جملة القتلى من الْمسلمين نحو 960 رجلاً، وقتل من الْمرتدين أكثر من عشرين ألف رجلٍ. تاريخ الأمم والْملوك - الطبري (2/283)، والبداية والنهاية (6/330)، وتاريخ الإسلام للذهبي في جزء حوادث سنة 11-40 هـ ص 73، وذكر الحافظ في الفتح أن القتلى من القراء كانوا سبعين، فتح الباري (8/668)، وانظر الإتقان في علوم القرآن (1/199-204).
(64) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن، انظر الصحيح مع شرحه فتح الباري (8/626) ح 4986.
(65) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/628).
(66) قال الذهبي بعد ذكر معاذ بن جبل، وأبي زيد، وسالْم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن عمر، وعقبة بن عامر: ولكن لم تتصل بنا قراءتهم. معرفة القراء الكبار (1/42).
(67) انظر: جمال القراء وكمال الإقراء (2/424)، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 67-70، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/668)، والإتقان (1/199-204).
(68) رواه البخاري في فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? ح 4999.انظر الصحيح مع فتح الباري (8/662).
(69) رواه البخاري في فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? ح 5000.انظر الصحيح مع فتح الباري (8/662).
(70) قال النووي: هو سعد بن عبيد بن النعمان الأوسي، من بني عمرو بن عوف، بدري، يُعرف بسعد القارئ، استشهد بالقادسية سنة خمس عشرة في أول خلافة عمر بن الخطاب ? ، قال ابن عبد البر: هذا هو قول أهل الكوفة، وخالفهم غيرهم فقالوا: هو قيس بن السكن الخزرجي، من بني عدي بن النجار، بدري، قال موسى بن عقبة: استشهد يوم جيش أبي عبيد بالعراق، سنة خمس عشرة أيضًا. شرح النووي على صحيح مسلم (16/20).
وقال ابن الأثير بعد أن ذكر ترجيح الواقدي أنه قيس بن السكن: هذا كله قول الواقدي. وغيره يصحح أنَّهما - يعني هذا (سعد بن عبيد ) وقيس بن السكن - جميعًا جمعا القرآن على عهد رسول الله ? . أسد الغابة في معرفة الصحابة (6/128).
وذكر الحافظ ابن حجر عن علي بن الْمديني أن اسمه أوس، وعن يحيى بن معين: هو ثابت بن زيد. فتح الباري (7/159)، وذكر أيضًا قولاً أنه قيس بن أبي صعصعة، وقولاً أنه سعد بن الْمنذر. فتح الباري (8/669).
(71) رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت ح 3810. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159)، وفي فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? ح 5004 (8/663)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.
(72) وقيل أم ورقة بنت نوفل، وهي صحابية، كانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النَّبِيّ ? أن تتخذ مؤذنًا، فأذن لها، فكانت تؤم أهل دارها، ماتت في خلافة عمر، قتلها خدمها، وكان النَّبِيّ ? يسميها الشهيدة. أسد الغابة في معرفة الصحابة (7/408-409)التقريب ص 759، ترجمة 8780.
(73) رواه أحمد في مسنده: مسند القبائل (7/554) ح 26739، وانظر الإتقان (1/203).
(74) هؤلاء الثمانية هم الذين قرءوا على النبي ? مباشرة، وإن كان في أسانيد القراء من لم يقرأ على النبي، بل قرأ على بعض الصحابة، كابن عباس والحسينبن علي، وأبي هريرة، وعبد الله بن السائب، وعبد الله بن عياش، كما سيأتي.
(75) قال الإمام الذهبي: فهؤلاء الذين بلغنا أنَّهم حفظوا القرآن في حياة النبي ? ، وأُخذ عنهم عرضًا، وعليهم دارت أسانيد قراءة الأئمة العشرة. اهـ . معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار (1/42).، وقد وردت رواية القرآن عن عمر ? كما سيأتي قريبًا في ذكر من روى عنهم القراء من الصحابة، وانظر النشر في القراءات العشر (1/112،120).
(76) هو الإمام حبر القرآن، نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي مولاهم، أبو رويم الْمقرئ الْمدني، أحد الأعلام، ولد سنة بضع وسبعين للهجرة، قرأ وجوَّد كتاب الله على طائفة من التابعين من أهل الْمدينة، منهم: الأعرج، وأبو جعفر، قال عنه مالك: نافعٌ إمام الناس في القراءة، وكان طيب الخلق، يباسط أصحابه، إذا تكلم يشم من فيه رائحة الْمسك، توفي سنة 169 هـ . شذرات الذهب (1/270)، ومعرفة القراء الكبار (1/107)، وسير أعلام النبلاء (7/336).
(77) أبو هريرة أسلم متأخرًا، وابن عباس وابن عياش من صغار الصحابة، وقد قرؤوا جميعًا على أبي بن كعب ? ، وقرأ أبو هريرة وابن عباس على زيد بن ثابت أيضًا. انظر النشر في القراءات العشر (1/112،178)، ومعرفة القراء الكبار (1/45،57).
(78) هو الإمام العلم، مقرئ مكة، ولد سنة 48 هـ، قرأ على عبد الله بن السائب الْمخزومي، ومجاهد ودرباس مولى ابن عباس، وكان مهيبًا فصيحًا مفوَّهًا واعظًا كبير الشأن، قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء، وشبل بن عباد، وطائفة غيرهم. معرفة القراء الكبار (1/86)، وسير أعلام النبلاء (5/318).
(79) عبد الله بن السائب من صغار الصحابة، وقد قرأ على أبي بن كعب وعمر بن الخطاب، وقرأ عليه ابن كثير من غير واسطة. انظر النشر في القراءات العشر (1/120)، ومعرفة القراء الكبار (1/47).
(80) هو شيخ القراءة والعربية، الإمام مقرئ أهل البصرة، أخذ القراءة عن أهل الحجاز، كمجاهد وابن كثير من مكة، وأبي جعفر ويزيد بن رومان من الْمدينة، وكذلك عن أهل البصرة، كيحيى بن يعمر، ونصر بن عاصم، وكان أكثر القراء العشرة شيوخًا، ويلاحظ ذلك من كثرة من قرأ بقراءتهم من الصحابة. وإليه انتهت الإمامة في القراءة بالبصرة، وكان أعلم الناس بالقراءات والعربية وأيام العرب والشعر. توفي 154 هـ . معرفة القراء الكبار (1/100)، وسير أعلام النبلاء (6/407).
(81) النشر في القراءات العشر (1/133).
(82) هو الإمام الكبير مقرئ الشام، وأحد الأعلام، أبو عمران اليحصبي الدمشقي، ولد سنة 21 هـ، وقرأ على أبي الدرداء، والْمغيرة بن أبي شهاب، صاحب عثمان، توفي سنة 118 هـ. معرفة القراء الكبار (1/82)، وسير أعلام النبلاء (5/292).
(83) قطع الحافظ أبو عمرو الداني، وصحح ابن الجزري أن عبد الله بن عامر قرأ على أبي الدرداء دون واسطة. النشر في القراءات العشر (1/144).
(84) هو عاصم بن بهدلة أبي النجود الأسدي مولاهم الكوفي، الإمام الكبير، انتهت إليه الإمامة في القراءة بالكوفة، وكان أحسن الناس صوتًا بالقرآن، قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وزِرِّ بن حبيش، وقرأ عليه خلق كثير، كالأعمش، والْمفضل الضبي، وحفص بن سليمان، توفي آخر سنة 127 هـ، وقيل 128 هـ. معرفة القراء الكبار (1/88)، وسير أعلام النبلاء (5/256)، وشذرات الذهب (1/175).
(85) النشر في القراءات العشر (1/155).
(86) هو الإمام القدوة، شيخ القراءة، أبو عمارة التيمي مولاهم الكوفي، كان إمامًا قيمًا لكتاب الله، قانتًا لله، ثخين الورع، رفيع الذكر، عالْما بالفرائض والحديث، عديم النظير. توفي سنة 156 هـ. معرفة القراء الكبار (1/111)، وسير أعلام النبلاء (7/90)، وشذرات الذهب (1/240).
(87) قرأ الحسين على أبيه علي بن أبي طالب- رضي الله عنهما، النشر في القراءات العشر (1/155،165).
(88) هو الإمام شيخ القراءة والعربية، أحد الأعلام، ولد في حدود سنة عشرين ومائة، وقرأ القرآن على حمزة وعيسى الهمداني، وإليه انتهت الإمامة في القراءة والعربية، كان أعلم الناس بالنحو، وكان أوحد الناس في القرآن، أدَّب الرشيد وولده الأمين، فنال ما لم ينله أحدٌ من الجاه والْمال والإكرام، وحصل له رياسة العلم والدنيا. شذرات الذهب (1/321)، ومعرفة القراء الكبار (1/120)، وسير أعلام النبلاء (9/131).
(89) النشر في القراءات العشر (1/172).
(90) قارئ الْمدينة، الزاهد العابد، رفيع الذكر، قرأ على أبي هريرة، وابن عباس، وقرأ عليه نافع وغيره، وكان من أفضل أهل زمانه، رؤي بعد موته على ظهر الكعبة يخبر أنه من الشهداء الكرام، توفي 129 هـ. شذرات الذهب (1/176)، ومعرفة القراء الكبار (1/72).
(91) قرأ أبو جعفر على عبد الله بن عياش وابن عباس وأبي هريرة بغير واسطة، وقيل إنه قرأ أيضًا على زيد بن ثابت نفسه، قال ابن الجزري: وذلك محتمل، فإنه صح أنه أتي به إلى أم سلمة زوج النبي ? فمسحت على رأسه، ودعت له، وأنه صلى بابن عمر بن الخطاب، وأنه أقرأ الناسَ قبل الحرة، وكانت الحرة سنة 63 هـ.. النشر في القراءات العشر (1/178).
(92) قارئ أهل البصرة في عصره، أحد الأئمة الأعلام، قرأ على أبي الْمنذر سلام بن سليم، كان من أعلم الناس بالحروف والاختلاف في القرآن العظيم، وتعليل مذاهبه، ومذاهب النحويين، توفي سنة 205 هـ. شذرات الذهب (2/14)، ومعرفة القراء الكبار (1/157).
(93) النشر في القراءات العشر (1/185-186).
(94) هو الإمام الحافظ الحجة، شيخ الإسلام، أبو محمد البغدادي البزار، ولد سنة 150 هـ، قرأ على سليم عن حمزة، وله اختيار خالف فيه حمزة، وقرأ عليه أحمد بن يزيد الحلواني، والكسائي الصغير، وغيرهم، وكان عابدًا فاضلاً من النبلاء، كثير العلم، صاحب سنة. توفي سنة 229 هـ. معرفة القراء الكبار (1/208)، وسير أعلام النبلاء (10/276).
(95) النشر في القراءات العشر (1/191).

الرد على طعن الْملاحدة في تواتر القرآن
تعلق بعض الْملاحدة بحديث أنس في حصر من جمع القرآن في عهد النبي ?:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ ? وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ قَالَ وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ.(96)
وفي رواية قتادة قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ? ؟ قَالَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا زَيْدٍ.(97)
فقالوا: كيف يكون القرآن متواترًا، مع ما يروى عن أنس مِن حَصْر مَن جمع القرآن في هؤلاء الأربعة.
وتعلقوا أيضًا بأن أسانيد القراء تدور على ثمانية فقط من أصحاب النبي ? ، فقالوا: إن هذا العدد لا يبلغ مبلغ التواتر.
ويجاب عن حديث أنس ? بوجوه:
أولاً: الجواب بأن الحصر في كلام أنس إضافي، لا حقيقي.
أي أن قول أنس (أَرْبَعَةٌ) لا مفهوم له؛ وليس الحصر في كلامه حقيقيًّا، بل هو حصر إضافي، أي: بالإضافة إلى غيرهم، وإلا فأين الخلفاء الأربعة، وأين سالْم مولى أبي حذيفة، وأين أبو موسى وغيرهم.ولذلك ثلاثة أدلة:
الأول: كثرة الحفاظ من الصحابة:
فقد روي حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي ? ، وثبت في الصحيح أنه قُتِل يوم بئر معونة سبعون مِمَّن جمع القرآن،(98) وروي أنه قتل في وقعة اليمامة(99) مثلهم.
فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ، فكيف الظن بِمن لم يُقتل مِمَّن حضرها، ومن لم يحضرها وبقي بالْمدينة أو بمكة أو غيرهما.
الثاني: استحالة إحاطة أنس بحال كل الصحابة وأنَّهم لم يجمعوا القرآن كله.
أي بتقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإلا فكيف له الإحاطة بكل من جمع القرآن مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلدان، وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده، وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي ? ، وهذا في غاية البعد في العادة. وقد يكون مراده: الذين علمهم من الأنصار أربعة، وأما غيرهم من الْمهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم، ولو نفاهم كان الْمراد نفي علمه، وإذا كان الْمرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك.
كما أنه لم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من كبار الصحابة، الذين يبعد كل البعد أنَّهم لم يجمعوه،(100) مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات، وكيف نظن هذا بِهم، ونحن نرى أهل العصور اللاحقة يحفظ القرآن منهم في كل بلدة ألوف، مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة؟ مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة يعتمدونَها في سفرهم وحضرهم إلا القرآن، وما سمعوه من النبي ? ، فكيف نظن بِهم إهماله ؟ فكل هذا وشبهه يدل على أنه لا يصح أن يكون معنى الحديث أنه لم يكن في نفس الأمر أحد جمع القرآن إلا الأربعة الْمذكورون.(101)
الثالث: اختلاف الرواية عن أنس في تحديد الأربعة
فمِمَّا يدل على إرادة الحصر الإضافي اختلاف الرواية عن أنس ? في تحديد الأربعة، ففي رواية: أبي ومعاذ وزيد وأبو زيد،(102) وفي رواية أخرى أبو الدرداء مكان أبيٍّ،(103) وهذا دليل على عدم إرادة الحصر الحقيقي، فهو صادق في كلتا الروايتين ؛ لأنه ليس معقولاً أن يكذب نفسه، فتعين أن الْمراد بالحصر هنا حصر إضافي، بأن يقال: إن أنسًا ? تعلق غرضه في وقت ما بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبي بن كعب دون أبي الدرداء، ثم تعلق غرضه في وقت آخر بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبا الدَّرْداء دون أُبَيِّ بن كعبٍ.(104)
كما اختلف العلماء في تحديد أبي زيدٍ الْمذكور في هذا الحديث، فبعضهم يَجعله سعد بن عبيد الأوسي، وبعضهم يجعله قيس بن السكن الخزرجي، وبعضهم يصحح أنَّهما جميعًا جمعا القرآن على عهد رسول الله ? ،ـ(105) وبعضهم يجعله قيس بن أبي صعصعة.(106)
والاختلاف في تحديد الْمعدود الْمحصور يدل على عدم إرادة الحصر الحقيقي.
ثانيًا: الجواب بتقدير مراد أنس بالحصر الإضافي: وذلك بوجوه:
الأول: أن الْمراد به: لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بِها إلا أولئك.
الثاني: أن الْمراد: لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته، وما لم ينسخ غيرهم.
الثالث: أن الْمراد بجمعه: تلَقِّيهِ من فِي رسول الله ? بغير واسطة، بخلاف غيرهم، فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة.
الرابع: أنَّهم تصدوا لإلقائه وتعليمه، فاشتهروا به، وخفي حال غيرهم عمن عُرف حالهم، فحصر ذلك فيهم بحسب علمه.
ثالثًا: مع التسليم بثبوت كلام أنس على الحصر الحقيقي، فإن ذلك لا يقدح في تواتر القرآن.
فلو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة، لم يقدح ذلك في تواتر القرآن ؛ فإن أجزاءه حفظ كلَّ جزءٍ منها خلائق لا يحصون، يحصل التواتر ببعضهم، وليس من شرط التواتر أن ينقل جميعُهم جميعَه، بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك، ولم يخالف في هذا مسلمٌ ولا ملحدٌ.(108)
أما دوران أسانيد القراء على ثمانية من الصحابة فقط، فيجاب بأن هؤلاء الثمانية هم الذين نقل إلينا قراءتهم، ولا ينفي ذلك إقراء غيرهم، ومعرفتهم بقراءة هؤلاء، وإقرارهم عليها، كما أن تواتر القرآن يختلف عن تواتر الحديث، فعند علماء الحديث من أقسام الْمتواتر: تواتر الطبقة، ومثلوا له بتواتر القرآن، فقد تلقاه جيل عن جيلٍ، فهو لا يحتاج إلى إسناد.(110)




(96) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? ح 5004 (8/663). وقد صرح أنس في هذه الرواية بصيغة الحصر، قال الحافظ: وقد استنكره جماعة من الأئمة.( يعني التصريح)، انظر فتح الباري (8/668).
(97) رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159) ح 3810، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.
(98) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب من يُنْكَب في سبيل الله. صحيح البخاري مع فتح الباري (6/23) ح2801، ومسلم في كتاب الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد ح 677. صحيح مسلم مع شرح النووي (13/46-47).
(99) اليمامة من حروب الردة، وقعت سنة 11 هـ، سبق الحديث عنها ص 15.
(100) والذين منهم من كان يقول: وَاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللهِ تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ. كما روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود ? صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي? ـ (8/662) ح 5002.
(101) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 67، وفتح الباري (8/667-668)، وشرح النووي على صحيح مسلم (16/19)، والإتقان (1/200).
(102) رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت ح 3810. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.
(103) رواه البخاري في فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? . انظر الصحيح مع فتح الباري (8/663) ح 5004.
(104) مناهل العرفان (1/243-245).
(105) أسد الغابة في معرفة الصحابة (6/128).
(106) ذكره ابن أبي داود فيمن جمع القرآن. انظر فتح الباري (8/669).
(107) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 68-69، وفتح الباري (8/667)، والإتقان (1/200-201).
(108) شرح النووي على صحيح مسلم (16/20)، وفتح الباري (8/668)، والإتقان (1/200).
(109) انظر فتح الباري (8/668-669).
(110) تعليقات اليماني على نزهة النظر ص 22.

الأمر بكتابة القرآن
كان تعويل النبي ? وأصحابه أول الأمر على جمع القرآن في القلوب بِحفظه واستظهاره، ضرورةَ أنَّه نبي أمي، بُعِث إلى أمة أميَّةٍ.
قال ابن الجزري: (1) ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على خط الْمصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لِهَذِهِ الأمة.(2)
ففي الحديث الذي رواه مسلم عن النبي ? فيما يَحكيه عن الله ? أنَّه قَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ، وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الْماءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ.(3)
فأخبر تعالى أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالْماء.(4)
ثم كان من مزيد عناية النبي ? وأصحابه ? أن اعتنوا بكتابة القرآن الكريم، حتى يكون ذلك حصنًا ثانيًا لِحمايته من التغيِير والضياع.
فأمر النبي ? بكتابة القرآن، حفظًا له في السطور بعد أن حفظه هو وأصحابه في الصدور، ونَهى في بداية الأمر(5) عن كتابة غير القرآن ؛ حتى لا يلتبس به:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? قَالَ: لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا إِلاَّ الْقُرْآنَ فَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ.(6)
قال النووي : وكان النهي(7) حين خيف اختلاطه بالقرآن ، فلمَّا أُمن ذلك أذن في الكتابة ، وقيل: إنَّما نَهى عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة ؛ لئلا يختلط فيشتبه على القارئ في صحيفة واحدة.(Cool
وزاد الحافظ ابن حجر
وجهًا أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره.(9)
وقد بلغ من عناية النبي ? بتدوين القرآن أنَّه كان إذا أنزل عليه شيءٌ يدعو أحد كُتَّابه ، ويأمره بكتابة ما نزل عليه - ولو كان كلمة واحدة ، أو سورة طويلة - بمجرد نزوله عليه :
فعن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، قال: كَانَ النَّبِيُّ ? مِمَّا تَنَزَّلُ عَلَيْهِ الآيَاتُ فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ، وَيَقُولُ لَهُ: ضَعْ هَذِهِ الآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا.(10)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كُنْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللهِ ? فَغَشِيَتْهُ السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُ رَسُولِ اللهِ ? عَلَى فَخِذِي فَمَا وَجَدْتُ ثِقْلَ شَيْءٍ أَثْقَلَ مِنْ فَخِذِ رَسُولِ اللهِ ? ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: اكْتُبْ فَكَتَبْتُ فِي كَتِفٍ (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمؤْمِنِينَ وَالْمجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَامَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لَمَّا سَمِعَ فَضِيلَةَ الْمجَاهِدِينَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ بِمَنْ لا يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ مِنَ الْمؤْمِنِينَ فَلَمَّا قَضَى كَلامَهُ غَشِيَتْ رَسُولَ اللهِ ? السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي وَوَجَدْتُ مِنْ ثِقَلِهَا فِي الْمرَّةِ الثَّانِيَةِ كَمَا وَجَدْتُ فِي الْمرَّةِ الأُولَى ثُمَّ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ? فَقَالَ اقْرَأْ يَا زَيْدُ فَقَرَأْتُ } لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمؤْمِنِينَ { فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ? } غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ { ،(11) الآيَةَ كُلَّهَا. قَالَ زَيْدٌ: فَأَنْزَلَهَا اللهُ وَحْدَهَا، فَأَلْحَقْتُهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ فِي كَتِفٍ.(12)
وروى أبو صالح عن ابن عباس في سورة الأنعام، قال: هي مكية، نزلت جُملة واحدة، نزلت ليلاً، وكتبوها من ليلتهم.(13)
مواد الكتابة في العصر النبوي
كان أصحاب النبي ? يستعملون في كتابة القرآن كل ما توفَّر في بيئتهم وتيسَّر لَهم من أدوات الكتابة كالجلود والعظام والحجارة ونحوها، فكانوا يكتبون القرآن على الرِّقَاع،(18) وَالأَكْتَافِ،(19) وَالْعُسُبِ،(20) واللخاف،(21) والأضلاع،(22) والأقتاب،(23) والأَلواحِ،(24) وقطع الأديم،(25) والكرانيف.(26)
عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قال: فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ.(27)
وفي رواية: فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَالرِّقَاعِ وَاللِّخَافِ.(28)
وفي رواية :ومن الأضلاع، وفي رواية: والأقتاب.(29)
وعَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قال: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ? فَقال: ادْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ أَوِ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ.(30)
وعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا بِالْمرْبَدِ فَجَاءَ رَجُلٌ أَشْعَثُ الرَّأْسِ بِيَدِهِ قِطْعَةُ أَدِيمٍ أَحْمَرَ، فَقُلْنَا: كَأَنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ؟ فَقَالَ: أَجَلْ. قُلْنَا: نَاوِلْنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ الأَدِيمَ الَّتِي فِي يَدِكَ، فَنَاوَلَنَاهَا فَقَرَأْنَاهَا فَإِذَا فِيهَا: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ …(31)
قال ابن الأثير: وحديث الزهري: والقرآن في الكرانيف. يعني أنَّه كان مكتوبًا عليها قبل جمعه في الصحف.(32)
هذه الآثار وغيرها تدلنا على عظيم بلاء الصحابة في كتابة القرآن، وما تحملوه من الْمشقات، حيث إن مواد الكتابة في ذلك العهد لم تكن متوفرة، كما أن الْموجود منها لم يكن سهل الاستعمال، بل كان يحتاج إلى جهد كبير في التجهيز والإعداد.
وبقي القرآن مكتوبًا على هذه الأشياء محفوظًا عند النبي ? وأصحابه، ولم يجمع في صحف أو مصاحف في ذلك العهد.(33)
قال القسطلاني:(34) وقد كان القرآن كله مكتوبًا في عهده ? ، لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور.(35)




(1) هو الإمام العلامة محمد بن محمد بن محمد بن علي بن الجزري، الْمقرئ الْمجود، صاحب التصانيف العظيمة في القراءات، كالنشر وتقريبها، والدرة والطيبة، وغيرها كثير، وألف أيضًا في التفسير والحديث والفقه والعربية، ونظم كثيرًا في العلوم وغير ذلك في فنون شتى. توفي سنة 833 هـ. مقدمة النشر في القراءات العشر (1/د).
(2) النشر في القراءات العشر (1/6)، وانظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/400).
(3) مسلم في الصحيح كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها بَاب الصِّفَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ (17/198) ح 2865، وأحمد في مسند الشاميين (5/166) ح 17030.
(4) في شرح قوله: لا يَغْسِلُهُ الْماءُ قال ابن الأثير: أراد أنَّه لا يُمحى أبدًا، بل هو محفوظ في صدور الذين أوتوا العلم، } لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه { وكانت الكتب الْمنزلة لا تُجمع حفظًا ، وإنما يعتمد في حفظها على الصحف، بخلاف القرآن، فإن حفاظه أضعاف مضاعفة لصحفه . النهاية في غريب الحديث والأثر (3/367).
(5) ورد التصريح بكتابة الحديث بعد ذلك ، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ في فتح مَكَّةَ: فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ? اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ. قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ مَا قَوْلُهُ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ? . رواه مسلم في كتاب الحج بَاب تَحْرِيمِ مَكَّةَ وَصَيْدِهَا وَخَلاهَا وَشَجَرِهَا وَلُقَطَتِهَا إِلا لِمُنْشِدٍ عَلَى الدَّوَامِ (9/129) ح 1355 ، والبخاري في كتاب العلم باب كتابة العلم (1/248) ح 112. قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر اختلاف السلف من الصحابة والتابعين في كتابة العلم: استقر الأمر وانعقد الإجماع على جواز كتابة العلم ، بل على استحبابه ، بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم . فتح الباري (1/246)، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم (18/129-130).
(6) رواه مسلم في كتاب الزهد والرقائق باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم - صحيح مسلم مع شرح النووي (18/129) ح 3004، والدارمي في الْمقدمة.باب من لم ير كتابة الحديث (1/119) ح 450 .
(7) يعني عن كتابة الحديث.
(Cool شرح النووي على صحيح مسلم (18/130)، والْمدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي ص 410 وما بعدها.
(9) فتح الباري (1/251).
(10) رواه أبو داود في كتاب الصلاة باب من جهر بِها (1/208-209)ح 786، والترمذي في كتاب تفسير القرآن باب سورة التوبة (5/272) ح 3086، وأحمد في مسنده - مسند العشرة الْمبشرين بالجنة (1/92)ح 401، (1/111) ح 501.
(11) من الآية 95 من سورة النساء.
(12) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب قول الله ? } لا يستوي القاعدون … { (6/53) ح 2832 ، ومسلم في صحيحه كتاب الإمارة بَاب سُقُوطِ فَرْضِ الْجِهَادِ عَنِ الْمعْذُورِينَ (13/42-43) ح 1898، وأبو داود في سننه كتاب الجهاد بَاب فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُعُودِ مِنَ الْعُذْرِ (3/11) ح 2507.
(13) ذكره ابن الجوزي في زاد الْمسير في علم التفسير (3/1) ، ومحاسن التأويل (تفسير القاسمي) (6/2230).
(14) الآية 9 من سورة الحجر.
(15) سورة الْمائدة ، الآية 67.
(16) راجع مبحث الحفاظ من الصحابة.
(17) مناهل العرفان (1/362).
(18) الرقاع جمع رُقْعة، وهي التي يكتب فيها، وتكون من جلد أو كاغد. لسان العرب مادة (رقع) (3/1705).
(19) الأكتاف جمع كَتِف، وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدوابِّ، كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم. النهاية في غريب الحديث (4/150).
(20) العسب جمع عسيب ، وهو جريد النخل ، كانوا يكشطون الخوص، ويكتبون في الطرف العريض، وقيل العسيب طرف الجريدة العريض الذي لم ينبت عليه الخوص، والذي ينبت عليه الخوص هو السعف.النهاية في غريب الحديث (3/234)، ولسان العرب مادة (عسب) (4/2936).
(21) اللخاف جمع لَخْفة، وهي صفائح الحجارة البيض الرقاق، فيها عرض ودقة، وقيل هي الخزف يصنع من الطين الْمشوي.وقد فسرها بعض الرواه بالحجارة. انظر كتاب الْمصاحف لابن أبي داود ص 13،14، وبعضهم بالخزف. انظر فتح الباري (13/195) ح 7191.
(22) الأضلاع هي عظام الجنبين، جمع ضِلَعٍ، وهو محنيَّة الجنب. لسان العرب مادة (ضلع) (4/2598).
(23) الأقتاب جمع قَتَب بفتحتين، وهو الخشب الذي يوضع ظهر البعير ليركب عليه. فتح الباري (8/630).
(24) الألواح جمع لَوْح، وهو كل صفيحة عريضة من صفائح الخشب، والكتف إذا كتب عليها سميت لوحًا. لسان العرب مادة (لوح) (5/4095).
(25) الأديم هو الجلد ما كان، وقيل الأحمر منه، وقيل هو الْمدبوغ. لسان العرب مادة (أدم) (1/45).
(26) الكرانيف جمع كُرْنافة ، وهي أصل السَّعَفة الغليظة. النهاية في غريب الحديث (4/168).
(27) رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب } لقد جاءكم رسول من أنفسكم… { (8/194-195) ح 4679.
(28) رواه البخاري في صحيحه كتاب الأحكام باب يستحب للكاتب أن يكون أمينًا (13/195) ح 7191.
(29) رواهما ابن أبي داود في كتاب الْمصاحف ص 14،15.
(30) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن بَاب كَاتِبِ النَّبِيِّ ? (8/637-638) ح 4990.
(31) رواه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء بَاب مَا جَاءَ فِي سَهْمِ الصَّفِيِّ (3/153) ح 2999.
(32) النهاية في غريب الحديث (4/168).
(33) مناهل العرفان (1/247). (1/368).
(34) أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني القتيبي الْمصري، ولد سنة 851 هـ، له تصانيف عظيمة، منها إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، ولطائف الإشارات في علم القراءات، وغيرها من الْمصنفات الْمفيدة. توفي سنة 923 هـ. الأعلام للزركلي (1/232).
(35) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (7/446)، وانظر دليل الحيران شرح مورد الظمآن في رسم القرآن للمارغني ص 17.




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:09
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

أسباب عدم جمع القرآن الكريم في مصحف واحد
توفي النبي ? والقرآن مفرقٌ في الرقاع والعسب والعظام والأحجار، ولم يُجمع القرآن في زمنه ? في صحف ولا مصاحف:
فعن زيد بن ثابت ? قال: قُبِضَ النَّبِيُّ ? ، وَلَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ جُمِعَ فِي شَيْءٍ.(36)
قال السيوطي: ولا ينافي ذلك
؛(37) لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة.(38)
قال القسطلاني: وقد كان القرآن كله مكتوبًا في عهده ? ، لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور.(39)
وإنَّما ترك النبي ? جمع القرآن في مصحف واحد لاعتبارات كثيرة، منها:(40)
1 - أنَّه لم يوجد من دواعي كتابته مجموعًا في صحف أو مصاحف مثل ما وجد على عهد أبي بكر ? حتى كتبه في صحف ، ولا مثل ما وجد في عهد عثمان ? حتى نسخه في مصاحف، فالْمسلمون وقتئذ بخير، والقراء كثيرون، والإسلام لم تتسع دولته، والفتنة مأمونة، والتعويل لا يزال على الحفظ أكثر من الكتابة ، وأدوات الكتابة غير ميسورة ، والنبي ? بين أظهرهم، وعنايته باستظهار القرآن تفوق الوصف، فلا خوف على ضياع شيء منه في تلك الْمدة .
2 - أن النبي ? كان بصدد أن ينزل عليه الوحي بنسخ ما شاء الله نسخه من القرآن، ولو جمع القرآن في مصحف واحد وقتئذ لكان عرضة لتغيير الْمصاحف كلما وقع نسخ .
3 - أن القرآن لم يَنْزِل جملة واحدة ، بل نزل منجمًا في مدى عشرين سنة أو أكثر، ولم يكن ترتيب الآيات والسور على ترتيب النُّزُول، ولو جُمِع القرآن في مصحف واحد وقتئذ لكان عرضة لتغيير الْمصاحف كلما نزلت آية أو سورة.




(36) أخرجه الديرعاقولي في فوائده، انظر فتح الباري (8/627)، والإتقان في علوم القرآن (1/164)، ورواه الطبري عن الزهري مرسلاً مرفوعًا، تفسير الطبري، الْمقدمة (1/28).
(37) يعني أن القرآن كان مكتوبًا زمنه ? .
(38) يعني أن الذي نفاه زيدٌ من الجمع هو جمع متفرق القرآن في صحف، وجمع الصحف في الْمصاحف، كتابة جميع القرآن. انظر الإتقان في علوم القرآن (1/164).
(39) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (7/446)، ودليل الحيران شرح مورد الظمآن في رسم القرآن للمارغني ص 17.
(40) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (7/446)، والإتقان (1/164)، ومناهل العرفان (1/248-249)، ودليل الحيران شرح مورد الظمآن في رسم القرآن للمارغني ص 17، ودلائل النبوة (7/154).

كُتَّاب الوحي
كان للنبي ? كُتَّاب يكتبون الوحي، فكان إذا أنزلت عليه الآية أو الآيات دعا بعض كُتَّابه، فأملَّ عليه ما نزل، فكتب بين يديه، وكان يأمرهم بوضع الآيات في مواضعها الْمخصوصة من سورها.
فعَنْ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، قال: كَانَ النَّبِيُّ ? مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ مِنَ السُّوَرِ ذَوَاتِ الْعَدَدِ فَكَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ لَهُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا.(1)
وقد كتب الوحي لرسول الله ? جماعة من أصحابه، ومن أشهر كُتَّابه ?:
1 - زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري:
كاتب النبي ? ، كما ترجم له البخاري:(2) بَاب كَاتِبِ النَّبِيِّ ? ، وذكر فيه حديثين:
الأول: عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ ? قَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ ? فَاتَّبِعِ الْقُرْآنَ، … الحديث.(3)
والثاني: عَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قال: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ? فَقال: ادْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ، أَوِ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ… الحديث.(4)
وكان قد جمع القرآن في عهد النبي ? ، كما صح في الحديث،(5) وقد كتب الوحي بين يدي النبي ? في غير ما موطن، وهو الذي جمع القرآن بأمر أبي بكر الصديق، ونسخ الْمصاحف بأمر عثمان بن عفان ? .ـ(6)
وهو أكثر من كان يكتب للنبي ? بالْمدينة، ولكثرة تعاطيه ذلك أطلق عليه (الكاتب) بلام العهد.(7)
2 - أبيُّ بن كعب الأنصاري:
سيد القراء، وأحد الذين أوصى النبي ? بأخذ القرآن عنهم، وكان قد جمع القرآن على عهد الرسول ?،ـ(Cool وهو أول من كتب الوحي بين يدي النبي ? في الْمدينة.(9)
قال أبو بكر بن أبي شيبة: كان أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله ? أبيَّ بنَ كعب، فإن لم يحضر كتب زيد بن ثابت.(10)
3 - عبد الله بن سعد بن أبي سرح:
هو أول من كتب الوحي للنبي ? بِمكة ، ثم ارتد عن الإسلام، ولَحق بالْمشركين بمكة، فلما فتحها رسول الله ? أسلم وحسُن إسلامه.(11)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ ? ، فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ، فَلَحِقَ بِالْكُفَّار، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ? أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللهِ ?.ـ(12)
ومن كُتَّاب النبي ? أيضًا: الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي:
أما أبو بكر ? فقد ذكر ابن كثير رواية موسى بن عقبة في قصة سراقة بن مالك، وأنَّه سأل رسول الله ? أن يكتب له كتابًا، فأمر أبا بكر فكتب له كتابًا، ثم ألقاه إليه.
وقد روى البخاري وأحمد أن عامر بن فهيرة هو الذي كتب الكتاب.(13)
قال ابن كثير: فيحتمل أن أبا بكر كتب بعضه، ثم أمر مولاه عامرًا فكتب باقيه.(14)
وأما عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما: فكتابتهما بين يدي النبي ? مشهورةٌ.(15)
وعن ابْن عَبَّاسٍ أيضًا أنَّ النبيَّ ? قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ -وَكَانَ كَاتِبَهُ- قَالَ: فَسَعَيْتُ، فَقُلْتُ: أَجِبْ نَبِيَّ اللهِ ?؛ فَإِنَّهُ عَلَى حَاجَةٍ.(20)
ومنهم عبد الله بن أرقم بن أبي الأرقم: أسلم عام الفتح أيضًا، وكتب للنَّبِيّ ?.
قال الأعمش: قلت لشقيق بن سلمة: من كان كاتب النبي ?؟ قال: عبد الله ابن الأرقم.(21)
ومنهم الزبير بن العوام بن خويلد الأسَدي: أحد العشرة الْمبشرين بالجنة، حواريُّ رسول الله ?.ـ(22)
ومن كتاب الوحي أيضًا حنظلة بن الربيع الأُسَيِّدِيُّ التميمي الكاتب:
روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ قَالَ: وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ ?، قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ … الحديث.(23)
ومنهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق:
في حديث الهجرة عن سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ، قال: فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ.(24)
ومِمَّن كتب الوحي للنبي ? أيضًا أرقم بن أبي الأرقم الْمخزومي:
كان من السابقين إلى الإسلام، ومن الْمهاجرين الأولين، وهو الذي كان النَّبِيّ ? وأصحابه يستخفون في داره لَمَّا خافوا الْمشركين.(25)
ومنهم أيضًا ثابت بن قيس بن شماس: خطيب الأنصار، وخطيب النبي ?.ـ(26)
ومِمَّن كتب له ? أيضًا: خالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية، ومعيقيب ابن أبي فاطمة، وشرحبيل بن حسنة، وعبد الله بن رواحة، وخالد بن الوليد.(27)
ومِمَّن يُروى أنَّه كان يكتب للنبي ? السِّجِلُّ: إن صحَّ الحديث فيه عَنِ ابن عباس.
فقد روى الطبري في تفسير قوله تعالى: } يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ { ،(28) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّه قَالَ: (السِّجِلُّ) كَاتِبٌ كَانَ لِلنَّبِيِّ ?.ـ(29)
قال ابن كثير: وقد عرضت هذا الحديث على شيخنا الحافظ أبي الحجاج الْمزِّيِّ فأنكره جدًّا، وأخبرته أن شيخنا العلامةَ أبا العباس بن تيمية كان يقول: هو حديث موضوع، وإن كان في سنن أبي داود، فقال شيخنا الْمزِّيّ: وأنا أقوله.(30)
وقال الطبري: ولا يُعرف لنبينا ? كاتبٌ كان اسمه السِّجِلَّ، ولا في الْملائكة ملك ذلك اسمه.(31)
قال ابن كثير: وهذا الذي أنكره الطبري من كون السجل اسم صحابي أو ملك قوي جدًّا، والحديث في ذلك منكر جدًّا.(32)




(1) رواه أحمد في مسنده - مسند العشرة الْمبشرين بالجنة (1/92)ح 401، (1/111) ح 501، وأبو داود في كتاب الصلاة باب من جهر بِها (1/208-209)ح 786، والترمذي في كتاب تفسير القرآن باب سورة التوبة (5/272) ح 3086.
(2) ترجم البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن: بَاب كَاتِبِ النَّبِيِّ ? ، وذكر فيه حديثين في كتابة زيد للنبي ? . الصحيح مع شرحه فتح الباري (8/637).
(3) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن بَاب كَاتِبِ النَّبِيِّ ?.ـ(8/637) ح 4989.
(4) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن بَاب كَاتِبِ النَّبِيِّ ? ـ(8/637-638) ح 4990.
(5) الذي رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت ح 3810 (7/159)، وفي فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? ح 5004 (8/663)، راجع الفصل الأول مبحث الحفاظ من الصحابة.
(6) السيرة النبوية لابن كثير (4/682-683).
(7) فتح الباري (8/638).
(Cool راجع الفصل الأول مبحث الحفاظ من الصحابة.
(9) فتح الباري (8/638)، والسيرة النبوية لابن كثير (4/671).
(10) السيرة النبوية لابن كثير (4/669)، وانظر فتح الباري (8/638).
(11) السيرة النبوية لابن كثير (4/689)، وفتح الباري (8/638).
(12) رواه أبو داود في سننه كتاب الحدود باب الحكم فيمن ارتد (4/128)ح 4358 ، والنسائي في سننه كتاب تحريم الدم باب توبة الْمرتد (7/107) ح 4069.
(13) رواه البخاري في صحيحه كتاب مناقب الأنصار باب هجرة النبي ? وأصحابه (7/281) ح 3906، وأحمد في مسنده مسند الشاميين (5/187-188) ح 17141، وانظر السيرة النبوية لابن كثير (4/685-686).
(14) السيرة النبوية لابن كثير (4/691)، وفتح الباري (8/638).
(15) السيرة النبوية لابن كثير (4/691)، وفتح الباري (8/638).
(16) رواه البخاري في صحيحه كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد والْمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (5/388-392) ح 2731-2732، ولم يصرح فيه باسم الكاتب ، لكن جاء التصريح به في رواية البيهقي وغيره، انظر دلائل النبوة (4/146).
(17) السيرة النبوية لابن كثير (4/691)، وفتح الباري (8/638).
(18) السيرة النبوية لابن كثير (4/695)، وأسد الغابة في معرفة الصحابة (5/209).
(19) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ? ـ(16/62) ح 2501.
(20) رواه مسلم في صحيحه كتاب البر والصلة والآداب باب من لعنه النبي ? ـ(16/155-156) ح 2604، وأحمد في مسنده - مسند بني هاشم (1/480) ح 2646.
(21) السيرة النبوية لابن كثير (4/687-688).
(22) السيرة النبوية لابن كثير (4/677-678)، وفتح الباري (8/638).
(23) صحيح مسلم مع شرح النووي كتاب التوبة بَاب فَضْلِ دَوَامِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ فِي أُمُورِ الآخِرَةِ … (17/65-66) ح 2750، وانظر السيرة النبوية لابن كثير (4/673).
(24) رواه البخاري في صحيحه كتاب مناقب الأنصار باب هجرة النبي ? وأصحابه (7/281) ح 3906، وأحمد في مسنده مسند الشاميين (5/187-188) ح 17141، وانظر السيرة النبوية لابن كثير (4/685-686).
(25) السيرة النبوية لابن كثير (4/671)
(26) السيرة النبوية لابن كثير (4/672)، وفتح الباري (8/638).
(27) فتح الباري (8/638)، ومناهل العرفان (1/367)، والسيرة النبوية لابن كثير (4/669-697).
(28) سورة الأنبياء، من الآية 104.
(29) تفسير الطبري (17/100)، ورواه أبو داود في سننه كتاب الخراج والإمارة والفيء باب اتخاذ الكاتب (3/132). ح 2935.
(30) السيرة النبوية لابن كثير (4/683-684).
(31) تفسير الطبري (17/100).
(32) السيرة النبوية لابن كثير (4/685).




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:16
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

عرض القرآن في كل سنة على جبريل
المبحث الأول: عرض القرآن في كل سنة على جبريل
كان من عناية النبي ? بالقرآن الكريم -كما سبق- حفظُه واستظهارُه، وكان لذلك يعرض القرآن على جبريل ?، ليؤكد حفظه، وليعلم ما طرأ عليه نسخ منه، وليعلم ما يؤمر به من القراءة على الأحرف السبعة، وليتعلم منه معانيه.
فكان جبريل ينزل على النبي ? في شهر القرآن من كل سنة فيدارسه فيما نزل عليه حتى وقت المدارسة، يقرأ على النبي ?، ويقرأ عليه النبي ?:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ? أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللهِ ? أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.(1)
فلفظ المدارسة يحتمل أن كلاًّ منهما كان يعرض على الآخر، وفي رواية: يعرض عليه رسول الله ? القرآن، وفي رواية: يَعرض على النبي ? القرآن. أي: جبريل ? . فهاتان الروايتان صريحتان في أن كلاًّ منهما كان يعرض على الآخر.(2)
قال الكوثري:(3) والمعارضة تكون بقراءة هذا مرة واستماع ذاك، ثم قراءة ذاك واستماع هذا، تحقيقًا لِمعنى المشاركة، فتكون القراءة بينهما في كل سنة مرتين.(4)
ويظهر أن عرض القرآن في كل سنة مرة كان لفوائد كثيرة، منها:
1 - تأكيد الحفظ والاستظهار.
2 - معرف ما طرأ عليه النسخ من القرآن.
3 - معرفة الأحرف السبعة التي أُمر بقراءة القرآن عليها.
4 - معرفة معاني ما يحتاج إلى معرفة معانيه من القرآن، أو مدارسة ما عُرِف من هذه المعاني.
ترتيب عرض النبي ? القرآن على جبريل ?:
لم ترد رواية تصرح بالترتيب الذي عرض به النبي ? القرآن على جبريل ? ، ومن ثَمَّ فقد اختلف العلماء في هذا الترتيب:
فذهب بعضهم إلى أن العرض كان على ترتيب القرآن الذي بين أيدينا:
قال أبو بكر الباقلاني: … فالذي يظهر أنه عارضه به هكذا على هذا الترتيب (يعني ترتيب المصحف الآن) ، وبه جزم ابن الأنباري. (5)
قال الكِرْماني: وعلى هذا الترتيب كان يعرضه ? على جبريل ? كل سنة، أي: ما كان يجتمع عنده منه، وعرض عليه في السنة التي توفي فيها مرتين.(6)
وذهب بعض العلماء إلى أن العرض كان على ترتيب النزول:
قال ابن حجر: وفيه نظرٌ (يعني قول الباقلاني)، بل الذي يظهر أنه كان يعارضه به على ترتيب النزول.(7)
والذي يظهر -والله أعلم- قول الكرماني والباقلاني وابن الأنباري، فإنه لا يُعلم دليلٌ يدل على كيفية عرض النبي ? القرآن على جبريل ?، وقد عُلم أن عامة قراءته (Cool ? كانت على ما عليه ترتيب المصحف الآن.(9)





(1) رواه البخاري في صحيحه كتاب بدء الوحي (1/40) ح 6، ومسلم في صحيحه كتاب الفضائل بَاب كَانَ النَّبِيُّ ? أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ (15/68) ح 2308.
(2) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (8/659-661) ح:4997 ، و 4998.
(3) هو الفقيه الحنفي محمد زاهد الكوثري، جركسي الأصل، ولد بالأستانة سنة 1296هـ، له اشتغال بالأدب والسير، وله تعليقات كثيرة على كتب الفقه والحديث والرجال، وكذلك له مؤلفات عديدة في مختلف ميادين الشريعة. توفي بمصر سنة 1371هـ. الأعلام للزركلي (6/129).
(4) الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها للدكتور حسن ضياء الدين عتر ص 267، نقلاً عن مقالات الكوثري ص 6- مطبعة الأنوار المحمدية.
(5) فتح الباري (8/658).
(6) البرهان في توجيه متشابه القرآن ص 16، والبرهان في علوم القرآن (1/259).
(7) فتح الباري (8/658).
(Cool البرهان في علوم القرآن (1/257).
(9) ومن قراءته ? بخلاف ترتيب المصحف: ما رواه مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها بَاب اسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ? ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا … الحديث. صحيح مسلم مع شرح النووي (6/61) ح 772.

العرضة الأخيرة للقرآن الكريم
لما كانت معارضة النبي ? لِجبريل بالقرآن بغرض تأكيد الحفظ والاستظهار وغير ذلك من الفوائد كما سبق، وكانت الحاجة إلى هذا التأكيد بعد وفاة النبي ? آكد، فلما اقترب زمن وفاة النبي ? عارضه جبريل ? بالقرآن مرتين، وذلك في رمضان من السنة التي تُوُفِّي فيها ? ، وكان ذلك إرهاصًا بقرب انتقاله ? إلى الرفيق الأعلى:
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يَعْرِضُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَلَى جِبْرِيلَ، فَيُصْبِحُ رَسُولُ اللهِ ? مِنْ لَيْلَتِهِ الَّتِي يَعْرِضُ فِيهَا مَا يَعْرِضُ وَهُوَ أَجْوَدُ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، لا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ، حَتَّى كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي هَلَكَ بَعْدَهُ عَرَضَ فِيهِ عَرْضَتَيْنِ.(10)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ ? الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ.(11)
وعَنْ عائشةَ في حديث وفاة النبي ? أنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ: إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيَّ فَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ ? كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ قَدْ حَضَرَ أَجَلِي.(12)
قال الكوثري: … فتكون القراءة بينهما في كل سنة مرتين، وفي سنة وفاته أربع مرات، فتفرَّس النبي ? من تكرير المعارضة في السنة الأخيرة قربَ زمن لحوقه بالرفيق الأعلى.(13)
فكانت هذه العرضة الأخيرة بِمنْزلة الْمراجعة النهائية للكتاب الحكيم، عرض فيها القرآن الكريم مرتين، فأُثبِت فيه جميع الأوجه الثابتة غير المنسوخة، وترك ما نُسِخ منه، فما ثبت في هذه العرضة هو القرآن المحكم المعجز المُتَعَبَّد بتلاوته إلى يوم القيامة، وما لم يثبت فإما أن يكون قرآنًا منسوخًا، وإما أنه ليس بقرآن، وكلاهما ليس له حكم القرآن من التعبد والإعجاز.
وأما ما نزل بعد رمضان الأخير من زمن النبي ? -وهو رمضان سنة عشر من الهجرة، وتوفي النبي ? في ربيع الأول من سنة إحدى عشرة، وقد نزل قرآن فيما بعد ذلك الرمضان، فكأن الذي نزل بعد تلك العرضة لَمَّا كان قليلاً اغتفر أمر معارضته.(14)
ومما نزل بين هذه العرضة الأخيرة وبين وفاة النَّبِيّ ?
1 - قوله تعالى: } الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا {،(15) فقد نزلت في يوم عرفة والنبي ? بِها باتفاق.(16)
2 - آية الربا، وهي قوله ? : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا{،(17) فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا، قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ? آيَةُ الرِّبَا.(18)
3 - قوله ?: } وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلىَ اللهِ {،(19) وقد ورد أنَّها آخر ما نزل من القرآن الكريم.(20)
4 - آية الدَّيْن، وهي قوله تعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ {،(21) الآية. فقد ورد عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين.(22)
قال السيوطي: ولا منافاة عندي بين هذه الروايات، في آيـة الربا، } وَاتَّقُوا يَوْمًا { ، وآية الدين؛ لأن الظاهر أنَّها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف، ولأنَّها في قصة واحدة، فأخبر كلٌّ عن بعض ما نزل بأنه آخِرٌ، وذلك صحيح.(23)
من حضر العرضة الأخيرة من الصحابة
كان تعويل الصحابة ? في قراءة القرآن، ثم في جمعه بعد زمن النبي ? على تلك العرضة الأخيرة؛ لأن ما لم يثبت فيها من أوجه القراءة فقد نسخ، وما ثبت فيها فهو القرآن المُتَعَبَّد بتلاوته إلى يوم القيامة.
ولا شك أن النبي ? كان يخبر أصحابه بِما يطرأ على آيات الكتاب من النسخ، وبِما يُحتاج إلى معرفته من معاني الكتاب التي تعلمها من جبريل ?.
وقد ورد من الروايات ما يدل على أن من الصحابة ? من حضر تلك العرضة كزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود وغيرهم ?.
قال أبو عبد الرحمن السلمي:(24) قرأ زيد بن ثابتً على رَسُول اللهِ ? في العام الذي توفَّاه الله فيه مرتين، وإنَّما سمِّيَت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت؛ لأنه كتبها لرَسُول اللهِ ? ، وقرأها عليه وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بِها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتبة المصاحف.(25)
وَعَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَيُّ الْقِرَاءتَيْنِ تَعُدُّونَ أَوَّلَ؟ قَالُوا: قِرَاءةَ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: لا بَلْ هِيَ الآخِرَةُ، كَانَ يُعْرَضُ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ? فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، فَشَهِدَهُ عَبْدُ اللهِ فَعَلِمَ مَا نُسِخَ مِنْهُ وَمَا بُدِّلَ.(26)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ? يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى جِبْرِيلَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا عَرَضَهُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، فَكَانَتْ قِرَاءةُ عَبْدِ اللهِ آخِرَ الْقِرَاءةِ.(27)
وَعَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ(28) أنه قال: القراءة التي عُرِضَت على رسول الله ? في العام الذي قبض فيه - هذا القراءة التي يقرأها الناس.(29) يعني بذلك قراءة زيد بن ثابت ?.
وعن سَمُرة ? قال: عُرض القرآنُ على رَسُول اللهِ ? عرضات، فيقولون: إن قراءتنا هذه العرضة الأخيرة.(30)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والعرضة الأخيرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها.(31)
وذكر النووي عن بعض أهل العلم أنه لا يُدرى أي القراءات كانت العرضة الأخيرة.
قال النووي: قال غيره (يعني النحَّاس): … ولا يُدرى أي هذه القراءات كان آخر العرض على النَّبِيّ ? .ـ(32)
ويردُّ هذا القولَ ما مرَّ بنا من الآثار الصحاح التي تدل على أن قراءة زيد بن ثابت وقراءة عبد الله بن مسعود كانت آخر عرضة عرضها النَّبِيّ ? على جبريل ?.


(10) رواه أحمد في مسنده: مسند بني هاشم (1/382) ح 2043، (1/537) ح3003، ورواه البيهقي في جامع شعب الإيمان (5/196-197)، وعبد بن حميد في المنتخب (1/553) ح 646.
(11) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي ?ـ (8/659) ح 4998.
(12) رواه البخاري في صحيحه كتاب المناقب باب علامات النبوة في الإسلام (6/728) ح 3624 ، ومسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة بَاب فَضَائِلِ فَاطِمَةَ بِنْتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِمَا الصَّلاة وَالسَّلام (16/5-7) ح 2450.
(13) الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها ص 267، نقلاً عن مقالات الكوثري ص 6- مطبعة الأنوار المحمدية.
(14) فتح الباري (8/660).
(15) سورة المائدة، من الآية 3.
(16) رواه البخاري في صحيحه كتاب الإيمان باب زيادة الإيمان ونقصانه (1/129) ح 45.
(17) من الآية 278 من سورة البقرة.
(18) رواه البخاري في صحيحه كتاب تفسير القرآن، باب } وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلىَ اللهِ{ (8/52) ح 4544.
(19) سورة البقرة، من الآية 281.
(20) احتج لذلك البخاري بالحديث السابق، فبوَّب بِهذه الآية، وأورد تحتها ذلك الحديث. قال الحافظ: ولعله أراد أن يجمع بين قولي ابن عباس، فإنه جاء عنه ذلك من هذا الوجه، وجاء عنه من وجه آخر: آخر آية نزلت على النَّبِيّ ? : } وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلىَ اللهِ{ ، وأخرجه الطبري من طرق عنه… قال: وطريق الجمع بين هذين القولين أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا؛ إذ هي معطوفة عليهن. فتح الباري (8/53)، وانظر تفسير الطبري (3/114-115)، والإتقان (1/77-78).
(21) من الآية 282 من سورة البقرة.
(22) تفسير الطبري (3/115)، قال السيوطي: مرسل صحيح الإسناد. الإتقان (1/78).
(23) الإتقان في علوم القرآن (1/78).
(24) هو عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي، تابعي جليلٌ، ولد في حياة النَّبِيّ ? ، وقرأ القرآن على عثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت، وهو مقرئ الكوفة، ظل يقرئ الناس بمسجدها الأعظم أربعين سنة. معرفة القراء الكبار (1/52-53)، وشذرات الذهب (1/92).
(25) شرح السنة للإمام البغوي (4/525-526)، وانظر البرهان في علوم القرآن (1/237).
(26) رواه أحمد في مسنده، مسند بني هاشم (1/598) ح 3412، ورواه النسائي في السنن الكبرى كتاب فضائل القرآن (3/7)، وكتاب المناقب (4/36).
(27) رواه أحمد في مسنده: مسند بني هاشم (1/535) ح 2992.
(28) عبيدة السلماني الفقيه الْمُرادي الكوفي، أحد الأعلام، أسلم عام الفتح، ولا صحبة له، وأخذ عن علي وابن مسعود، وكان يقرئ الناس، ويفتيهم. توفي سنة 72 على الصحيح. سير أعلام النبلاء (4/40)، وشذرات الذهب (1/78).
(29) رواه البيهقي في دلائل النبوة (7/155-156).
(30) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. مستدرك الحاكم (2/230)، ورواه البزار في مسنده، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (7/154).
(31) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/395).
(32) صحيح مسلم بشرح النووي (6/100).

أثر العرضة الأخيرة في جمع القرآن
كانت العرضة الأخيرة للقرآن الكريم هي المرجع والأساس لقراءة أصحاب النبي ? ، كما كانت الفيصل بينهم إذا تنازعوا في شيء من كتاب الله ? ، ولَمَّا أرادوا جمع القرآن الكريم كانت هي أيضًا أساس هذا الجمع، فقد اتفقوا على كتابة ما تحققوا أنه قرآن مستقرٌّ في العرضة الأخيرة، وتركوا ما سوى ذلك.(33)
وقد مرَّ بنا في المبحث السابق بعض الآثار التي تدل على أن القراءة التي يقرؤها الناس -وهي القراءة التي جمع عليها القرآن- هي ما عرض في العرضة الأخيرة، وفي هذا دلالة على أثر هذه العرضة الأخيرة في جمع القرآن.(34)
قال أبو عبد الرحمن السلمي: كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرءون القراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله ? على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه.(35)
وقال أيضًا: قرأ زيد بن ثابتٍ على رَسُول اللهِ ? في العام الذي توفَّاه الله فيه مرتين، وإنَّما سُمِّيَت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابتٍ؛ لأنه كتبها لِرَسُـول اللهِ ? ، وقرأها عليه وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بِها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتبة المصاحف.(36)
وقال البغوي:(37) يُقال إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة، التي بُيِّن فيها ما نُسِخ وما بَقِي.(38)
وعن محمد بن سيرين عن كَثِير بن أفلَحَ قال: لَمَّا أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار ، فيهم أُبَيُّ بن كعبٍ وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الرَّبعَةِ التي في بيت عُمَرَ، فجِيء بِها، قال: وكان عثمانُ يتعاهدهم، فكانوا إذا تدارءوا في شيء أخَّروه، قال محمد: فقلت لكَثِيرٍ -وكان فيهم فيمن يكتب: هل تدرون لم كانوا يُؤَخِّرونه؟ قال: لا، قال محمد: فظننت أنَّهم إنَّما كانوا يُؤَخِّرونه لينظروا أحدثهم عهدًا بالعرضة الآخرة، فيكتبونَها على قوله.(39)
وهكذا فقد كانت هذه العرضة عمدة هذه الأمة في معرفة القرآن، إذ إنَّها قد جمعت ما ثبتت تلاوته من الكتاب الحكيم، وأخرجت ما ثبت نسخه.


(33) الإتقان في علوم القرآن (1/142).
(34) وانظر: الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها ص 270-271.
(35) شرح السنة للإمام البغوي (4/525)، وانظر البرهان في علوم القرآن (1/237).
(36) شرح السنة للإمام البغوي (4/525-526)، وانظر البرهان في علوم القرآن (1/237).
(37) الشيخ الإمام القدوة الحافظ، شيخ الإسلام، محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي، المفسر، صاحب التصانيف، كان إمامًا في الفقه والتفسير، زاهدًا قانعًا باليسير. توفي سنة 516هـ. سير أعلام النبلاء (19/439)، وشذرات الذهب (4/48).
(38) شرح السنة (4/525).
(39) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رحمة الله عليه المصاحف ص 33.

الأسباب الباعثة على جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر
لم يُجمع القرآن على عهد النبي ? في مصحف واحد لعدم توفر الدواعي ولوجود الموانع التي سبق ذكرها، فلما انتفت هذه الموانع، ووجدت الأسباب الداعية إلى جمع القرآن في كتاب واحد فعل ذلك أصحاب النبي ?، وكانت أهم هذه الأسباب:
1 - انقضاء زمن نزول القرآن الكريم
مرَّ بنا أنَّ القرآن لم يجمع في كتاب واحد على عهد رَسُول اللهِ ? لِما كان يَتَرَقَّبُهُ من نزول الوحي،(Cool ومعلومٌ أن الوحيَ إنَّما كان ينزل مفرَّقًا على ما يناسب الحوادث والمسائل، وقد كان ينسخ من السورة الآياتُ أو تزاد عليها، فلو أن القرآن جمع في كتاب واحد ثم طرأ نسخٌ أو زيادة لزم إعادة الكتابة مرة أخرى، فحصل بذلك مشقة عظيمة، فلمَّا انقطع بوفاة النبي ? خبرُ السماء، أُمِن نزول شيء من القرآن يتغير معه ترتيب الآيات في السور، أو نقص أو زيادة بعضها.
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ ? بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ ? وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ ? . فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لاَ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ ? ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ. فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ، فَجَعَلاَ يَبْكِيَانِ مَعَهَا.(9)
فكان انقضاء نزول القرآن سببًا لجمعه في كتابٍ واحد؛ حفاظًا عليه من الضياع والتبديل.
2 - وقعة اليمامة(10)
ما إن توفي رسول الله ? ، وانتقل الأمر إلى أبي بكر الصديق ? حتى ارتد كثير من العرب، ومنع كثير منهم ما كان يؤديه من الزكاة إلى رسول الله ? باعتبار الزكاة خراجًا أو ضريبة كانت مفروضة للنبي ?.
وادعى بعض الأدعياء من العرب النبوة، فاضطلع أبو بكر بِمهمة قتال هؤلاء المرتدين ومانعي الزكاة ومدعي النبوة.
وكان من أعتى أدعياء النبوة مسيلمة الكذاب،(11) وكان قومه بنو حنيفة قد التفوا حوله واتبعوه.
وكان بنو حنيفة يسكنون اليمامة، فأرسل إليهم أبو بكر الصديق ? جيشًا بقيادة عكرمة بن أبي جهل، وأمده بشرحبيل بن حسنة، وانْهزم عكرمة أول الأمر، ثم جاءهم خالد بن الوليد بِمدد وقاد الجيش إلى النصر.
وكانت موقعة اليمامة سنة إحدى عشرة من الهجرة النبوية، وقُتِل فيها مسيلمة الكذاب، وكثير مِمَّن كان معه، لَمَّا حوصروا في الحديقة التي عرفت فيما بعد بِحديقة الموت، فقد قتل فيها من بني حنيفة نحو سبعة آلاف رجل، وكان جملة القتلى من بني حنيفة ومن معهم أكثر من عشرين ألف رجلٍ، وبلغ القتلى من الصحابة نحو ستين وست مائة رجلٍ، وكان جملة القتلى من المسلمين نحو ستين وتسعمائة رجلٍ.(12) وقيل بلغ القتلى من الصحابة نحو خمسين وأربعمائة رجل، وبلغت جملة القتلى من المسلمين مائتين وألف رجلٍ.(13)
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا، أَعَزَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ. قَالَ: وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ ?، وَيَوْمُ الْيَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ.(14)
وعن سعيد بن المسيب قال: قُتِل من الأنصار يوم اليمامة سبعون.(15)
إذا كان هذا هو عدد القتلى من أصحاب النبي ? في يوم اليمامة، فلا شك أن الكثير منهم كان مِمَّن حفظ القرآن، إما كله أو بعضه، فيكون الْمجموع حافظًا لكل القرآن.
قال عمر ? في كلامه لأبي بكر حاثًّا إياه على جمع القرآن: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ.(16)
قال الحافظ في الفتح: وهذا يدل على أن كثيرًا ممن قتل في وقعة اليمامة كان قد حفظ القرآن، لكن يمكن أن يكون المراد أن مجموعهم جَمَعَهُ، لا أن كل فرد جَمَعَهُ.(17)
ولا شك أن أكثر هؤلاء القتلى كان مِمَّن حفظ شيئًا من القرآن، غير أن المشهور أن القتلى من الحفاظ يومئذ كان سبعين رجلاً.(18)
راعت هذه الكارثة العظيمة –كارثة فقد حفَّاظ كتاب الله تعالى- عمرَ الفاروقَ ?، فهرع إلى خليفة رسول الله ?، وطلب منه أن يسرع إلى حفظ الكتاب بجمعه مكتوبًا، حتى لا يذهب بذهاب حُفَّاظه.
فمع موت كثيرٍ من الحفاظ، أصبح من الْمخوف الْمحتمل أن تفقد إحدى القطع التي كُتِبَ القرآن بين يدي النبي ?، ومن الْمحتمل أيضًا أن يستشهد الذين يحفظون الْمكتوب في هذه القطعة، فيترتب على الأمرين معًا ضياع الْمكتوب فيها.
فتردد أبو بكر أول الأمر، لأنه كَرِهَ أن يجمع القرآن على وجهٍ يُخالف ما فعله النَّبِيّ ? من جمع القرآن، حيث اكتفى ? بتدوين القرآن على الجلود والعظام والعسب وغير ذلك، ولم يجمعه في صحفٍ أو مصاحف، فقد كَرِهَ أن يُحِلَّ نفسه محلَّ مَنْ تَجَاوَزَ احتياطُه للقرآن احتياطَ النَّبِيّ ?.
ولكن عمر ما زال يراجعه حتى شرح الله صدره لهذا الأمر، فدعا زيد بن ثابت ?، وطلب منه أن يقوم بجمع القرآن، فتردد زيد ? لنفس الأمر الذي تردد له أبو بكر أول الأمر، وما زال أبو بكر يراجعه حتى شرح الله صدره له، فشرع في العمل متهيبًا وَجِلاً من عظم المسؤولية.
قال الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ ? ، وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، قال: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقال: أَبُو بَكْرٍ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقال: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، إِلاَّ أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ. قال: أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ ? ؟ فَقال: عُمَرُ هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قال زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لاَ يَتَكَلَّمُ. فَقال أَبُو بَكْر:ٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلاَ نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ ? ، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ ? ؟ فَقال أَبُو بَكْر:ٍ هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِه: } لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ{ إِلَى آخِرِهِمَا. وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.(19)
ولقد كانت هذه الوقعة أهم الأسباب التي اكتملت بِها الحاجة إلى جمع القرآن، ودفعت الصحابة إلى هذا العمل، لَمَّا رأَوْا أن مصلحة الدين، وحفظ الكتاب الحكيم لا تتم إلا به.


(1) رواه مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة بَاب بَيَانِ أَنَّ بَقَاءَ النَّبِيِّ ? أَمَانٌ لأَصْحَابِهِ وَبَقَاءَ أَصْحَابِهِ أَمَانٌ لِلأُمَّةِ. صحيح مسلم مع شرح النووي (16/82-83) ح 2531.
(2) بضم السين والنون، أو بضم السين وسكون النون، يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ، موضع معروف بالمدينة النبوية، إلى الجنوب من المسجد النبوي، كانت فيه منازل بني الحارث بن الخزرج. النهاية في غريب الحديث والأثر (2/407).
(3) سورة الزمر، الآية 30.
(4) سورة آل عمران، الآية 144.
(5) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب قول النَّبِيّ ? : لو كنت متخذًا خليلاً. (7/23-24)، الأحاديث: 3667-3670.
(6) رواه الإمام مالك في الموطأ: كتاب الجنائز 16، باب جامع الحسبة في المصيبة 14، حديث رقم 41. موطأ الإمام مالك رواية يحيى الليثي- طبعة دار الشعب ص 162.
(7) رواه البيهقي في دلائل النبوة باب ما جاء في عظم المصيبة التي نزلت بالمسلمين بوفاة رسول الله ? (7/267).
(Cool وهو المبحث الثاني من الفصل الثاني من الباب الأول. راجع صفحة 56 وما بعدها.
(9) رواه مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أم أيمن ح 2454. صحيح مسلم مع شرح النووي (16/9-10)، والبيهقي في دلائل النبوة باب ما جاء في عظم المصيبة التي نزلت بالمسلمين بوفاة رسول الله ? (7/266).
(10) اليمامة: قريةٌ من نجد بوادي حنيفة، وهي القرية المسماة اليوم بالجُبَيْلة قرب العيينة. معجم البلدان (5/505).
(11) هو مسيلمة بن حبيب الحنفي، وقال ابن هشام مسيلمة بن ثمامة، ويكنى أبا ثمامة، وهو المعروف بمسيلمة الكذاب، ادعى النبوة، وكان قد تسمى بالرحمن في الجاهلية، وكان من المعمرين. قتل في حديقة الموت يوم اليمامة من حروب الردة. انظر السيرة النبوية لابن هشام (4/164،182)، وشذرات الذهب (1/23)، والكامل في التاريخ (2/243-248).
(12) تاريخ الأمم والملوك - الطبري (2/283)، والبداية والنهاية (6/330)، وتاريخ الإسلام للذهبي في جزء حوادث سنة 11-40 هـ ص 73، والكامل في التاريخ (2/243-248).
(13) شذرات الذهب (1/23).
(14) رواه البخاري في صحيحه كتاب المغازي، باب من قتل من المسلمين يوم أحد، انظر الصحيح مع الفتح (7/433) ح4078.
(15) رواه البيهقي في دلائل النبوة باب عدد من استشهد من المسلمين يوم أحد (3/277).
(16) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن، انظر الصحيح مع شرحه فتح الباري (8/626) ح 4986.
(17) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/628).
(18) ذكر الحافظ في الفتح أن القتلى من القراء كانوا سبعين، فتح الباري (8/668)، وانظر الإتقان في علوم القرآن (1/199-204).
(19) رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب } لقد جاءكم رسول من أنفسكم … { انظر الصحيح مع شرحه فتح الباري (8/194) ح 4679، وفي كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن، (8/626) ح 4986.

أول من جمع القرآن من الصحابة
1 - أبو بكر الصديق أوَّل من جمع القرآن الكريم
دلَّت عامَّة الروايات على أن أول من أمر بجمع القرآن الكريم من الصحابة ? أبو بكر الصديق ? عن مشورة عمر بن الخطاب، وأن الذي قام بِهذا الجمع هو زيد ابن ثابت الأنصاري ? .ـ(1)
فمن ذلك ما مرَّ بنا من حديث زيد بن ثابت، وقوله: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقال: أَبُو بَكْرٍ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقال: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، إِلاَّ أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ… الحديث.(2)
ومن ذلك ما رواه ابن أبي داود بسند حسنٍ عن عبْدِ خَيْرٍ عن علِيٍّ ? قال: رحمةُ اللهِ على أبي بكرٍ؛ كانَ أعظمَ الناسِ أجرًا في جمع المصاحفِ، وهو أوَّل من جمع بين اللَّوْحَيْنِ.(3)
قال الحافظ ابن حجر: أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" بإسنادٍ حسنٍ.(4)
وقال السيوطي: بسندٍ حسنٍ.(5)
غير أنه قد وردت روايات تدل على أن أول من قام بِهذا الجمع غير أبي بكر، فمن ذلك:
2- ما جاء أن أول من جمع القرآن عليُّ بن أبي طالبٍ ?
- عن محمد بن سيرين قال: لَمَّا تُوُفِّي النَّبِيّ ? أقسمَ عليٌّ أن لا يرتدي برداء إلا لِجمعة، حتى يجمع القرآن في مصحف، ففعل.(6) قال الحافظ ابن حجر: إسناده ضعيف لانقطاعه، وعلى تقدير أن يكون محفوظًا، فمراده بِجمعِه حفظُه في صدره…، وما تقدم من رواية عبدِ خَيْرٍ عن عَلِيٍّ أصحُّ، فهو المعتمد.(7)
- عن عكرمة قال: لَمّا كان بعد بيعةِ أبي بكر ? ، قعد عليُّ بن أبي طالبٍ في بيته، فقيل لأبي بكرٍ: قد كره بيعتكَ. فأرسل إليه فقال: أكرهت بيعتي؟ فقال: لا، والله. قال: ما أقعدك عني؟ قال: رأيت كتاب الله يُزاد فيه، فحدَّثت نفسي أن لا ألبَسَ ردائي إلا لصلاةٍ حتى أجمعه. فقال أبو بكر: فإنك نعمَ ما رأيتَ.(Cool وهذا الحديث فيه انقطاعٌ، فعكرمة وُلِدَ سنةَ خمسٍ وعشرين من الهجرة،(9) والحادثة المذكورة من تأخر عليٍّ في بيعة أبي بكر وقعت سنة إحدى عشرةَ.
كما أن فيه رائحة التشيع، إذ فيه أن المسلمين -وأكثرهم إذ ذاك من الصحابة- كانوا يزيدون في كتاب الله ما ليس منه، وحاشا لأصحاب النَّبِيّ ? أن يفعلوا ذلك.
وبتقدير صحته يُمكن أيضًا حمله على الجمع في الصدر، والحفظ عن ظهر قلب كما مرَّ، أو على أنه أراد أن يجرِّد مصحفه مِمَّا ليس من القرآن، كالتفسير والأحكام.
كما أنه قد قيل إنَّ جَمْعَ عليٍّ ? كان أشبه بكتاب علم، جمع فيه غير القرآن مع القرآن، وإذن فصُورتُه غير صورة الجمع البكري، وغرضُه غير غرضِهِ.
فقد روى هذا الخبر ابن أشتة في كتاب المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين، وفيه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ، وأن ابن سيرين قال: فطلبتُ ذلك الكتاب، وكتبتُ فيه إلى المدينة، فلم أقدر عليه.(10)
3 - ما جاء أن أول من جمع القرآن عمر بن الخطاب ?
عن الحَسَن أن عُمَر بن الخطاب سألَ عن آيةٍ من كتاب الله، فقيل: كانت معَ فلانٍ، فقُتل يوم اليمامة. فقال: إنا لله، وأمر بجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف.(11)
وإسناد هذا الأثر منقطع،(12) والظن أنَّها لا تعدو رواية البخاري التي أسلفناها، والتي تقرِّر أنَّ عمر هو فعلاً صاحب فكرة الجمع الأول، وأنه أشار بِها على أبي بكر، ولم يزل يراجعه حتى شرح الله صدره لها.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا منقطع، فإن كان محفوظًا حُمِل على أن المراد بقوله: فكان أول من جمعه، أي: أشار بجمعه في خلافة أبي بكر، فنُسِب الجمع إليه لذلك.(13)
4 - ما جاء أن أول من جمع القرآن سالم مولى أبي حذيفة ?
عن ابن بريدة، قال: أول من جمع القرآن في مصحفٍ سالمٌ مولى أبي حذيفة، أَقْسَمَ لا يرتدي برداء حتى يجمعه، فجمعه.(14)
وهذا من غريب ما ورد في أول من جمع القرآن.
قال السيوطي: إسناده منقطعٌ أيضًا، وهو محمولٌ على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكرٍ ?.ـ(15)
ووصف الآلوسي(16) قول السيوطي هذا بأنه عثرةٌ لا يُقال لها لعًا،(17) لأن سالِمًا قُتِل في وقعة اليمامة التي كان موت الحُفَّاظ فيها هو سبب الجمع.(18)
والصواب -والله أعلم- أن أوَّلية أبي بكر في جمع القرآن أولية خاصةٌّ، إذ قد كان للصحابة ? مصاحف كتبوا فيها القرآن قبل جمع أبي بكر، وهذا لا يعكر صفو القول بأن أول من جمع القرآن هو الصدِّيق ?، لأن مصاحف الصحابة الأخرى إنَّما كانت أعمالاً فردية، لم تظفر بِما ظفر به مصحف الصدِّيق من دقَّة البحث والتحرِّي، ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته، ومن بلوغها حدَّ التواتر، ومن إجماع الأمة عليها، إلى غير ذلك من الْمزايا التي كانت لمصحف الصدِّيق.
فلا يضير مع كل هذه الْمزايا أن يُروى أن عليًّا أو عمر أو سالِمًا كان أول من جمع القرآن، فقُصارى تلك الروايات أنَّها تثبت أن بعض الصحابة كان قد كتب القرآن في مصحف، ولكنها لا تُعطي هذا المصحف تلك الصفة الإجماعية، ولا تخلع عليه تلك المزايا التي للمصحف الذي جمع على عهد أبي بكر ?. (19)



(1) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 353-354.
(2) سبق تخريجه، قريبًا.
(3) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب جمع القرآن. ص 11-12.
(4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/628).
(5) الإتقان في علوم القرآن (1/165).
(6) كتاب المصاحف، باب جمع علي بن أبي طالب القرآن في المصحف. ص 16، وذكره ابن كثير في فضائل القرآن، وقال: فيه انقطاع. فضائل القرآن ص 45.
(7) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/628).
(Cool رواه ابن الضريس في فضائل القرآن ص 76-77.
(9) انظر تهذيب الكمال (20/291-292).
(10) كتاب المصاحف لابن أشتة مفقود، وقد ذكر هذا الخبر السيوطي في الإتقان (1/166).
(11) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عمر بن الخطاب ? القرآن في المصحف. ص 16.
(12) لأن الحسن لم يسمع من عمر بن الخطاب ? ، فقد ولد لسنتين بقيتا من خلافته ? ، انظر تهذيب الكمال (6/95-97). قال السيوطي في هذا الأثر: إسناده منقطع. انظر الإتقان في علوم القرآن (1/166).
(13) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/628).
(14) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 353.
(15) الإتقان في علوم القرآن (1/166).
(16) أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن شهاب الدين الآلوسي، ولد سنة 1273هـ، الإمام المؤرخ الأديب الداعية المصلح المجاهد، تصدر للتدريس، وحارب البدع، صاحب التصانيف المفيدة، وأعظمها روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، توفي سنة 1342هـ. الأعلام للزركلي (7/172).
(17) يُقال للعاثر: لعًا لكَ، دعاءٌ له بأن ينتعش. قال كعب بن زهير:
فإن أنت لم تفعل فلستُ بآسفٍ ولا قائـلٍ إمَّا عثَرْتَ لـعًا لكـَا انظر: الصحاح للجوهري (لعا) (6/2483)، وشرح قصيدة كعب بن زهير (بانت سعاد) لابن هشام الأنصاري ص 34.
(18) روح المعاني (1/22).
(19) مناهل العرفان في علوم القرآن (1/254-255).




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:19
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

من قام بالجمع في عهد أبي بكر
مرَّ فيما سبق أن الذي أشار بجمع القرآن كان عمر بن الخطاب ?، وأن أبا بكر ندب لِهَذِهِ المهمة زيد بن ثابت الأنصاري ?.
وقد بين أبو بكر الصديق ? أسباب اختياره زيدَ بن ثابت في الحديث الذي أسلفناه، حيث قال له: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلاَ نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ ?، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ.(1)
وقد ورد أيضًا أن زيد بن ثابت كان قد حضر العرضة الأخيرة للقرآن الكريم، كما مرَّ.
أضف إلى ذلك أن زيد بن ثابت كان ممن جمع القرآن حفظًا في صدره في حياة رَسُول اللهِ ?.
فَعَنْ قَتَادَة قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ?؟ قَالَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا زَيْدٍ.(2)
فتبين أن أبا بكر ? إنَّما اختار لِهذه المهمة الشاقة زيد بن ثابت للأسباب الآتية:(3)
1 - أنه كان شابًّا، وفي ذلك خصال توافق غرض الصديق، حيث إن الشابَّ أقوى وأجلدُ على العمل الصعب من الشيخ، كما أن الشابَّ لا يكون شديد الاعتداد برأيه، فعند حصول الخلاف يسهل قبوله النصح والتوجيه.(4)
2 - أن زيد بن ثابت كان معروفًا بوفرة عقله، وهذا مِمَّا يؤهله لإتْمام هذه المهمة الجسيمة.
3 - أنه كان غير متهم في دينه، فقد كان معروفًا بشدة الورع، والأمانة وكمال الخلق، والاستقامة في الدين.
4 - أنه كان يلي كتابة الوحي لرَسُول اللهِ ?، ويرى إملاء رَسُول اللهِ ?، فكان يشاهد من أحوال القرآن ما لا يشاهده غيره، وهذا يؤهله أكثر من غيره ليكتب القرآن، ويجمعه.
5 - أنه كان حافظًا للقرآن الكريم عن ظهر قلب، وكان حفظه في زمن النَّبِيّ ? على العرضة الأخيرة.
6 - أنه فيما روي كان مِمَّن شهد العرضة الأخيرة للقرآن الكريم، كما مرَّ علينا.(5)
وقد كان زيد بن ثابت ? جديرًا بِهذه الثقة، ويدل على ذلك قوله لَمَّا أمره أبو بكر بجمع القرآن: فَوَاللهِ! لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ.(6)
قال ابن حجر: وإنَّما قال زيد بن ثابت ذلك لِما خَشِيَهُ من التقصير في إحصاء ما أُمِر بجمعه، لكن الله تعالى يسر له ذلك، كما قال تعالى: } ولقد يسرنا القرآن للذكر{.(7)
وشرع زيد بن ثابت يَجمع القرآن من الرقاع واللخاف والعظام والجلود وصدور الرجال، وأشرف عليه وعاونه في ذلك أبو بكر وعمر وكبار الصحابة.(Cool
فقد شارك في العمل في هذا الجمع عدد من كبار الصحابة، منهم عمر بن الخطاب وأُبَيُّ بن كعب، وغيرهما.
فعن عروة بن الزبير قال: لَمَّا استحرَّ القتل بالقراء يومئذٍ، فَرِق أبو بكرٍ على القرآن أن يضيعَ، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه.(9)
وعن أبي العالية عن أُبَيِّ بن كعب أنَّهم جَمعوا القرآن في مصحفٍ في خلافة أبي بكرٍ، فكان رجالٌ يكتبون، ويُملي عليهم أُبَيُّ بن كعبٍ ….(10)
وبِهذه المشاركة أخذ هذا الجمع الصفة الإجْماعية، فقد اتفق عليه الصحابة ?، وتعاونوا على إتْمامه على أكمل وجه.


(1) سبق تخريجه قريبًا.
(2) رواه البخاري في كتاب المناقب باب مناقب زيد بن ثابت ح 3810. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159)، وفي فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? ح 5004 (8/663)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.
(3) وانظر في ذلك أيضًا: مقدمة كتاب المباني ص 25، الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها ص 271.
(4) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 369.
(5) في مبحث العرضة الأخيرة للقرآن الكريم، وهو المبحث الثاني من الفصل الرابع من الباب الأول.
(6) سبق تخريجه قريبًا.
(7) من الآية 17 من سورة القمر. وانظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/629).
(Cool مناهل العرفان في علوم القرآن (1/250).
(9) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع أبي بكر القرآن في المصاحف ص 12، قال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات مع انقطاعه. فتح الباري (8/630).
(10) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع أبي بكر القرآن في المصاحف ص 15. وفي باب خبر قوله ? : } لقد جاءكم رسول { ص 38،ورواه ابن الضريس في فضائل القرآن باب فيما نزل من القرآن بمكة وما نزل بالمدينة

منهج أبي بكر في جمع القرآن
بلغ اهتمام الصحابة ? بالْمحافظة على القرآن الغايةَ القصوى، فمع أنَّهم شاهدوا تلاوة القرآن من النَّبِيّ ? عشرين سنة، ومع أن القرآن كان بالفعل مكتوبًا على عهد النَّبِيّ ?، إلا أنه كان مفرَّقًا، ومع أن تزوير ما ليس منه كان مأمونًا، ومع أن زيد بن ثابت (الذي قام بالجمع) كان هو وغيره من الصحابة يَحفظون القرآن -فقد اتَّبعُوا في جمع القرآن على عهد أبي بكرٍ ? منهجًا دقيقًا حريصًا، أعان على وقاية القرآن من كل ما لَحق النصوص الأخرى من مظنة الوضع والانتحال.
ويُمكن تلخيص ذلك المنهج في النقاط الآتية:
1 - أن يأتي كلُّ من تلَقَّى شيئًا من القرآن من رَسُول اللهِ ? به إلى زيد بن ثابت ومن معه.
ويدل لذلك ما رواه ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عمر بن الخطاب قام في الناس فقال: من كان تلقى من رَسُول اللهِ ? شيئًا من القرآن فليأتنا به وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح و العُسُب، وكان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شهيدان.(1)
2 - أن لا يُقبل من أحدٍ شيءٌ حتى يشهد عليه شهيدان، أي أنه لم يكن يكتفي بِمجرد وجدان الشيء مكتوبًا حتى يشهد عليه شهيدان.
ويدل على ذلك أثر عمر السابق، وكذلك قول أبي بكرٍ لعمر بن الخطاب ولزيد ابن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه.(2)
وقد اختلف في المراد بالشهادة هنا:
فقال السخاوي:(3) المراد أنَّهما يشهدان على أنَّ ذلك المكتوب كُتِب بين يدي رَسُول اللهِ ?، أو المراد أنَّهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بِها القرآن.
وقال ابن حجر: وكأن الْمراد بالشاهدين الحفظ والكتاب.(4) ثم ذكر احتمال الوجهين الأولين.
قال السيوطي: أو المراد أنَّهما يشهدان على أن ذلك مِمَّا عُرض على النَّبِيّ ? عام وفاته.(5)
والذي يظهر -والله أعلم- أن المراد الشهادة على كتابته بين يدي النَّبِيّ ?، وأنه مِمَّا عُرض على جبريل في العام الذي توفي فيه رَسُول اللهِ ?، إذ القرآن كان مَحفوظًا في صدور كثير من الصحابة ?، فلو أرادوا الإشهاد على حفظه لوجدوا العشرات.
3 - أن يكتب ما يؤتى به في الصحف.
ويدلُّ عليه قول زيدٍ في حديث جمع القرآن السابق: وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.(6)
وما في موطَّأ ابن وهب عن ابن عمر قال: جمع أبو بكر القرآن في قراطيس.
وفي مغازي موسى بن عقبة عن الزهري قال: لَمّا أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر، وخاف أن يذهب من القرآن طائفة، فأقبل الناسُ بما كان معهم وعندهم، حتى جُمِع على عهد أبي بكر في الورق، فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في الصحف.(7)
4 - أن لا يُقبل مِمَّا يُؤتى به إلا ما تحقق فيه الشروط الآتية:
أ- أن يكون مكتوبًا بين يدي النَّبِيّ ?، لا من مُجرد الحفظ، مع المبالغة في الاستظهار والوقوف عند هذا الشرط.
قال أبو شامةSadCool وكان غرضهم ألا يُكتب إلا من عين ما كُتب بين يدي النَّبِيّ ?، لا من مجرد الحفظ.(9)
ب- أن يكون مما ثبت عرضه على النَّبِيّ ? عام وفاته، أي في العرضة الأخيرة.
وذلك أن ما لم يثبت عرضه في العرضة الأخيرة لم تثبت قرآنيته، وقد مرَّ قريبًا احتمال كون الإشهاد على أن المكتوب كان مِمَّا عرض في العرضة الأخيرة.
وعن محمد بن سيرين عن كَثِير بن أفلَحَ قال: لَمَّا أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار، فيهم أُبَيُّ بن كعبٍ وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الرَّبعَةِ التي في بيت عُمَرَ، فجِيء بِها، قال: وكان عثمانُ يتعاهدهم، فكانوا إذا تدارءوا في شيء أخَّروه، قال محمد: فقلت لكَثِيرٍ -وكان فيهم فيمن يكتب: هل تدرون لم كانوا يُؤَخِّرونه؟ قال: لا، قال محمد: فظننت أنَّهم إنَّما كانوا يُؤَخِّرونه لينظروا أحدثهم عهدًا بالعرضة الآخرة، فيكتبونَها على قوله.(10)
5 - أن تكتب الآيات في سورها على الترتيب والضبط اللذين تلقاهما المسلمون عن النَّبِيّ ?.(11)
وقد التُزم في هذا الجمع كل الضوابط السابقة بدقة صارمة، حتى إنه روي أَنَّ عمر بن الخطاب أتى بآية الرجم، فلم تُقْبل منه؛ لأنه كان وحده.
فقد أخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف عن الليث بن سعد، قال: أوَّل من جمع القرآن أبو بكر، وكتبه زيدٌ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل، وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيْمة بن ثابت، فقال: اكتبوها؛ فإن رَسُول اللهِ ? جعل شهادته بشهادة رجلين، فكتب. وإن عمر أتى بآية الرجم، فلم يكتبها؛ لأنه كان وحده.(12)
المبحث الثاني: مزايا جمع القرآن في عهد أبي بكر ?
كان لِجمع القرآن في عهد أبي بكر ? منزلة عظيمة بين المسلمين، فلم يَحصل خلاف على شيء مِمَّا فيه، وامتاز بِمزايا عديدة، منها:(13)
1. أنه جمع القرآن على أدقِّ وجوه البحث والتحري، وأسلم أصول التثبت العلمي، كما مرَّ بنا في منهج أبي بكر في جمع القرآن.
2. حصول إجماع الأمة على قبوله، ورضى جميع المسلمين به.
3. بلوغ ما جُمِع في هذا الجمع حدّ التواتر، إذ حضره وشهد عليه ما يزيد على عدد التواتر من الصحابة ?.
4. أنه اقتصر في جمع القرآن على ما ثبت قرآنيته من الأحرف السبعة، بثبوت عرضه في العرضة الأخيرة، فكان شاملاً لما بقي من الأحرف السبعة، ولم يكن فيه شيء مِمَّا نُسِخَت تلاوته.
5. أنه كان مرتب الآيات دون السور.
ولقد حظي هذا الجمع المبارك برضى المسلمين، وحصل عليه إجماع الصحابة ? ، ولقي منهم العناية الفائقة.
فقد حفظت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر ? حتى وفاته، ثم انتقلت إلى عمر ? حتى تُوُفِّي، ثم كانت بعد ذلك عند ابنته حفصة زوج رَسُول اللهِ ?، فطلبها منها عثمان بن عفان ?، فنسخ منها المصاحف إلى الأمصار ثم أرجعها إليها، فكانت الصحف المجموعة في عهد أبي بكر ? هي الأساس لنسخ المصاحف في زمن عثمان ?، وهذا مِمَّا يدل على مكانة هذا الجمع عند الصحابة ?.
قال زيد بن ثابت ?: وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.(6)
وعن علِيٍّ ? قال: رحمةُ اللهِ على أبي بكرٍ؛ كانَ أعظمَ الناسِ أجرًا في جمع المصاحفِ، وهو أوَّل من جمع بين اللَّوْحَيْنِ.(14)
قال ابن حجر: وإذا تأمَّل المنصف ما فعله أبو بكرٍ من ذلك جزم بأنه يعد في فضائله، ويُنوِّه بعظيم منقبته؛ لثبوت قوله ?: من سنَّ سنة حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بِها.(15)
ثم قال: فما جمع القرآن أحدٌ بعده إلا وكان له مثل أجره إلى يوم القيامة.(16)


(1) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عمر بن الخطاب ? القرآن ص 17.
(2) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع أبي بكر القرآن في المصاحف ص 12، قال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات مع انقطاعه. فتح الباري (8/630).
(3) هو الشيخ الإمام العلامة، شيخ القراء والأدباء، علم الدين أبو الحسن علي بن محمد، أقرأ الناس دهرًا، وكان إمامًا في العربية، بصيرًا باللغة، عالمًا بالقراءات وعللها، مجودًا لها، بارعًا في التفسير، وكان مع سعة علومه وفضائله دينًا حسن الأخلاق محببًا إلى الناس، وافر الحرمة، ليس له شغل إلا العلم ونشره. توفي سنة 643هـ. سير أعلام النبلاء (23/122)، وشذرات الذهب (5/222)، والأعلام للزركلي (4/332).
(4) فتح الباري (8/630).
(5) الإتقان في علوم القرآن (1/167)، وانظر أيضًا نفس المرجع (1/142).
(6) سبق تخريجه قريبًا.
(7) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/169)، وذكر هذين الأثرين ابن حجر في فتح الباري (8/631)، وأشار إلى أنهما أصح ما نقل فيما جمع فيه القرآن في عهد أبي بكر ? .
(Cool عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي الدمشقي، أبو القاسم شهاب الدين، المؤرخ المحدث، ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية، له تصانيف غزيرة، وقد وقفها جميعًا. توفي سنة 665هـ. الأعلام للزركلي (3/299).
(9) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/167)، وفتح الباري (8/630).
(10) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رحمة الله عليه المصاحف ص 33.
(11) انظر فتح الباري (8/634).
(12) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/167-168).
(13) وانظر مناهل العرفان في علوم القرآن (1/253).
(14) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب جمع القرآن. ص 11-12.
(15) رواه مسلم عن جرير بن عبد الله: باب العلم، باب من سن سنة حسنة. صحيح مسلم مع شرح النووي (16/225-226).
(16) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/628).



الأسباب الباعثة على جمع القرآن الكريم في عهد عثمان
تَوَلَّى عمرُ بن الخطاب الخلافة بعد وفاة أبي بكرٍ الصديق ?، وامتدّت خلافته عشر سنين، اتسعت فيها بلاد المسلمين، ودان الشرق والغرب لحكمهم، ولَمّا طُعِن عمر بن الخطاب ? سنة ثلاث وعشرين من الهجرة النبوية، وأيقن بدنو الأجل، جعل أمر المسلمين شورى بين ستةٍ من الصحابة، هم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقّاص، وانتهى أمر الشورى بين هؤلاء الستة إلى اختيار عثمان ?، فتَوَلَّى عثمان بن عفان ? خلافة المسلمين في الأيام الأخيرة من سنة ثلاثٍ وعشرين من الهجرة النبوية(1)
وحدثت في زمنه ? أحداثٌ أدّت إلى التفكير في جمع القرآن مرة ثانية، وإرسال نسخٍ منه إلى الأمصار، وكانت أهم أسباب هذا الجمع:
1 - اتساع بلاد المسلمين وتفرق الصحابة فيها
كانت رقعة بلاد المسلمين قد اتسعت في أيام عمر بن الخطاب ?، حتى وصلت إلى بلاد ما وراء النهر شرقًا، وإلى طرابُلُس غربًا.
وامتدت الفتوحات التي ابتدأها عمر بن الخطاب في أيام عثمان بن عفان، فاستمرت طيلة فترة خلافته، تفتح بلادًا جديدة، وتوطِّد للمسلمين فيما فتح من قبل من البلدان.(2)
وباتساع دولة الإسلام كثُر المسلمون، وتفرق الصحابة في الأمصار، يدعون إلى الله، ويعلِّمون العلم، ويُقرِئون القرآن.
وكان الناس يقرؤون كما عُلِّموا، فأهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود، وأهل البصرة يقرؤون بقراءة أبي موسى الأشعري، وهكذا.(3)
فعن حذيفة قال: أهل البصرة يقرؤون قراءة أبي موسى، وأهل الكوفة يقرؤون قراءة عبد الله.(4)
وكان هؤلاء القراء من الصحابة ? قد شهدوا نزول القرآن، وسمعوه من النَّبِيّ ?، وعلموا وجوه قراءته، ولم يكن شيءٌ من ذلك لِمن تعلَّم منهم في الأمصار، فكانوا إذا اجتمع الواحد منهم مع من قرأ على غير الوجه الذي قرأ عليه يعجبون من ذلك، وينكر بعضهم على بعض، وقد يصل الأمر إلى تأثيم أو تكفير بعضهم البعض.
عن يزيد بن معاوية النخعي قال: إني لفي المسجد زمنَ الوليد بن عقبة في حلْقةٍ فيها حذيفة، إذ هَتَفَ هاتفٌ : مَن كانَ يقرأ على قراءة أبي موسى فليأتِ الزاويةَ التي عند أبواب كِنْدةَ، ومن كان يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعودٍ فليأتِ هذه الزاويةَ التي عند دار عبد الله، واختلفا في آية من سورة البقرة، قرأ هذا: ( وأتِمُّوا الحج والعمرة للبيت)، وقرأ هذا: } وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ {،(5) فغضب حذيفةُ واحمرَّت عيناه، ثم قام ففرز قميصَهُ في حُجْزَتِهِ(6) وهو في المسجد، وذاك في زمن عثمان، فقال: إمَّا أن يَرْكبَ إلىَّ أميرُ المؤمنين، وإمَّا أن أرْكبَ، فهكذا كان مَن قبلَكم …(7)
عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ أنَّ عثمان قال: فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خيرٌ من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كُفْرًا.(Cool قلنا: فماذا ترى؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحفٍ واحدٍ، فلا تكون فرقةٌ، ولا يكون اختلافٌ. قلنا: فنعم ما رأيت.(9)
وانتشرت حلقات تعليم القرآن، فانتقل الخلاف إلى الغلمان والمعلمين، فخطَّأ بعضهم بعضًا، وأنكر بعضهم قراءة بعض.
فعن أبي قلابة قال: لَمَّا كان في خلافة عثمان، جعل الْمعلِّم يُعلِّم قراءةَ الرَّجل، والمعلِّم يُعلِّم قراءةَ الرَّجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلِّمين، قال: حتى كَفَر بعضهم بقراءة بعضٍ، فبلغ ذلك عثمان، فقام خطيبًا، فقال: أنتم عندي تختلفون وتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشدُّ فيه اختلافًا ولحنًا. اجتمعوا يا أصحاب محمدٍ، فاكتبوا للناس إمامًا.(10)
والظاهر أن هذه الأحداث كانت قبل غزو أرمينية وأذربيجان، ولَمَّا وقع ما وقع من الخلاف الشديد والفتنة العظيمة بين المسلمين في غزو أرمينية وأذربيجان، تأكدت الحاجة إلى جمع جديد للقرآن، يُلَمُّ به شمل المسلمين، وتجتثُّ به جذور تلك الفتنة.
قال الحافظ ابن حجر: وهذه القصة لحذيفة يظهر لي أنَّها كانت متقدمة على القصة التي وقعت له في القراءة،(11) فكأنه لَمَّا رأى الاختلاف أيضًا بين أهل الشام والعراق، اشتدَّ خوفه، فركب إلى عثمان، وصادف أن عثمان أيضًا وقع له نحو ذلك.(12)
2 - غزو أرمينية(13) وأذربيجان(14)
في عام خمس وعشرين من الهجرة النبوية اجتمع أهل الشام وأهل العراق في غزو أرمينية وأذربيجان.
قال الذهبي: جاشت الروم، حتى استمدَّ أمراء الشام من عثمان مددًا، فأمدَّهم بثمانية آلافٍ من العراق.(15)
وكان أمير جند الشام في ذلك العسكر حبيب بن مسلمة الفهري، وكان أمير جند العراق سلمان بن ربيعة الباهلي، وكان حذيفةُ بن اليمان من جملة من غزا معهم، وكان على أهل المدائن من أعمال العراق.(16)
وكان أهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب، وكان أهل العراق يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود، فتنازع أهل الشام وأهل العراق في القراءة، حتى خطَّأ بعضهم بعضًا، وأظهر بعضهم إكفار بعضٍ، والبراءة منه، وكادت تكون فتنة عظيمة.
وكان السبب وراء هذا الخلاف عدم مشاهدة هؤلاء نزولَ القرآن، وبُعْدهم عن معاينة إباحة قراءته بأوجه مختلفة، فظنَّ كلٌّ منهم أن ما يقرأ به غيره خطأ لا يَجوز في كتاب الله، فكادت تكون تلك الفتنة.
قال مكي بن أبي طالب: وكان قد تعارف بين الصحابة على عهد النَّبِيّ ?، فلم يكن ينكر أحدٌ ذلك على أحدٍ، لمشاهدتهم من أباح ذلك، وهو النَّبِيّ ?، فلمَّا انتهى ذلك الاختلاف إلى ما لم يعاين صاحبَ الشرع، ولا علِم بِما أباح من ذلك، أنكر كلُّ قومٍ على الآخرين قراءتَهم، واشتد الْخصام بينهم.(17)
رأى هذا الخلاف العظيم حذيفة بن اليمان، إضافةً إلى ما رآه من الاختلاف بين الناس في القراءة في العراق، ففزع إلى عثمان بن عفان، وأنذره بالخطر الداهم، وانضم ذلك إلى ما عاينه عثمان ? من الخلاف بين المعلمين وكذلك بين الغلمان، فصدّق ذلك ما كان استنبطه من أن من كان أبعد من دار الخلافة بالمدينة فهو أشدُّ اختلافًا.
عن ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي الْقِرَاءةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلاَفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.(18)
وعن زيد بن ثابت أنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتَّى أَتَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ النَّاسَ! فَقَالَ عُثْمَانُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ : غَزَوْت فَرْجَ أَرْمِينِيَةَ، فَحَضَرَهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ الشَّامِ، فَإِذَا أَهْلُ الشَّامِ يقرؤون بِقِرَاءةِ أُبَيٍّ، فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَيُكَفِّرُهُمْ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَإِذَا أَهْلُ الْعِرَاقِ يقرؤون بِقِرَاءةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَهْلُ الشَّامِ، فَيُكَفِّرُهُمْ أَهْلُ الشَّامِ. قَالَ زَيْدٌ: فَأَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَكْتُبَ لَهُ مُصْحَفًا.(19)
فكانت هذه الْحادثة هي أهم الأسباب التي بعثت على جمع القرآن في زمن عثمان، فقد أكدت ما ظنه ? من أن أهل الأمصار أشد اختلافًا مِمَّن كان بدار الخلافة بالْمدينة وما حولَها.


(1) انظر: التاريخ الإسلامي (الخلفاء الراشدون) (3/190)، (3/234).
(2) انظر: التاريخ الإسلامي (الخلفاء الراشدون) (3/190)، (3/234).
(3) انظر تأويل مشكل الآثار (4/193)، وفتح الباري (8/633-634)، ومناهل العرفان (1/255).
(4) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف. باب كراهية عبد الله بن مسعود ذلك. ص 20.
(5) سورة البقرة من الآية 196.
(6) الحُجْزة موضع شدّ الإزار، وهو الوسط.. النهاية في غريب الحديث والأثر (1/344).
(7) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف ص 18.
(Cool عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، عَلَى أَيِّ حَرْفٍ قَرَأْتُمْ فَقَدْ أَصَبْتُمْ، فَلاَ تَتَمَارَوْا فِيهِ فَإِنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ.رواه أحمد في مسنده: مسند الشاميين (5/232) ح17364.
(9) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 30. قال الحافظ ابن حجر: بإسناد صحيح. فتح الباري (8/634).
(10) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 28-29.
(11) يعني في غزو أرمينية وأذربيجان.
(12) فتح الباري (8/634).
(13) قال ابن حجر: وأرمينية بفتح الهمزة عند ابن السمعاني، وبكسرها عند غيره … وبسكون الراء، وكسر الميم، بعدها تحتانية ساكنة، ثم نون مكسورة، ثم تحتانية مفتوحة خفيفة، وقد تثقل، قاله ياقوت. فتح الباري (8/632). وهي صقع عظيم في جهة الشمال، ومن مدائنها تفليس. معجم البلدان (1/191).
(14) بالفتح ثم السكون، وفتح الراء، وكسر الباء الموحدة، وياء ساكنة، وجيم. إقليم مشهورٌ بنواحي جبال العراق، غربي أرمينية. معجم البلدان (1/155-156).
(15) تاريخ الإسلام - عهد الخلفاء الراشدين ص 309.
(16) انظر فتح الباري (8/632)، والبداية والنهاية (7/150).
(17) انظر الإبانة عن معاني القراءات ص 48-49.
(18) رواه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) ح 4987.
(19) رواه الطحاوي في تأويل مشكل الآثار، باب بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ? مِنْ قَوْلِهِ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. (4/193). وذكره الحافظ في الفتح (8/633).




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:22
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

من قام بجمع القرآن الكريم في عهد عثمان
انعقد عزم الصحابة ? -بعد ما رأوا من اختلاف الناس في القراءة- على أن يجمعوا القرآن، ويرسلوا منه نُسَخًا إلى الأمصار، لتكون مرجعًا للناس يرجعون إليه عند الاختلاف.
فانتدب عثمان بن عفان ? لذلك اثني عشر رجلاً، وأمرهم بأن يكتبوا القرآن في الْمصاحف، وأن يرجعوا عند الاختلاف إلى لغة قريش.
عن محمد بن سيرين عن كَثِير بن أفلَحَ قال: لَمَّا أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار، فيهم أُبَيُّ بن كعبٍ وزيد بن ثابت.(1)
والذي يظهر أن عثمان ? انتدب رجلين فقط أول الأمر، هما زيد بن ثابت وسعيد بن العاص.
كما جاء عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ -في قصة جمع القرآن زمن عثمان- أنه قال: فقيل: أيُّ الناس أفصح؟ وأي الناس أقرأُ؟ قالوا: أفصح الناس سعيد بن العاص، وأقرؤهم زيد بن ثابت. فقال عثمان: ليكتبْ أحدهُما ويُملي الآخر، ففعلا، وُجمِع الناسُ على مصحفٍ.(2)
قال الحافظ ابن حجر: بإسنادٍ صحيح.(3)
فالظاهر أنَّهم اقتصروا عليهما أول الأمر للمعنى المذكور في هذا الأثر، ثم لَمَّا احتاجوا إلى من يساعد في الكتابة بِحسب الحاجة إلى عدد المصاحف التي تُرسل إلى الآفاق أضافوا إلى زيدٍ وسعيدٍ عبدَ الله بنَ الزبير وعبدَ الرحمن بنَ الحارث بن هشام.
فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا(4) فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ.(5)
ثم أضافوا بعد ذلك آخَرِينَ بحسب ما كانوا يحتاجون إليه من الإملاء والكتابة، وكان منهم أبيُّ بن كعب الذي احتاجوا إليه للاستظهار، كما ورد في رواية محمد بن سيرين السابقة.
وقد وقع في الروايات الواردة تسمية تسعةٍ من هؤلاء الاثني عشر رجلاً، وهم:
1 - زَيْد بْن ثَابِتٍ.
2 - عَبْد اللهِ بْن الزُّبَيْرِ.
3 - سَعِيد بْن الْعَاصِ.(6)
4 - عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ.(7)
وهؤلاء هم الأربعة المذكورون في حديث أنسبن مالك السابق قريبًا.
5 - أبي بن كعب، كما في حديث كثير المتقدم أيضًا.
6 - أنس بن مالك.
7 - عبد الله بن عباس.(Cool
8 - مالك بن أبي عامر،(9) جد مالك بن أنس، ثبت ذلك من روايته.(10)
وقال الإمام مالك بن أنس: كان جدِّي مالك بن أبي عامرٍ مِمَّن قرأ في زمان عثمان، وكان يُكتبه المصاحفَ.(11)
9 - كثير بن أفلح،(12) كما في حديث ابن سيرين المتقدم.
وفيه قول محمد بن سيرين: فقلت لكَثِيرٍ -وكان فيهم (فيمن يكتب): هل تدرون لم كانوا يُؤَخِّرونه؟ قال: لا، قال محمد: فظننت أنَّهم إنَّما كانوا يُؤَخِّرونه لينظروا أحدثهم عهدًا بالعرضة الآخرة، فيكتبونَها على قوله.(13)
وقد روي عن أبي المليح عن عثمان ? أنه حين أراد أن يكتب المصحف قال: تُمِلُّ(14) هُذيلٌ، وتكتبُ ثَقِيفٌ.(15)
وعن عمر بن الخطاب أنه قال: لا يُمْلِيَنَّ في مصَاحِفِنا إلاَّ غِلمانُ قُرَيشٍ وثَقِيفٍ.(16)
أما الأثر الوارد عن عمر بن الخطاب، فلا مدخل له هنا، إذ عمر قد مات قبل أن تكتب المصاحف في عهد عثمان ?.
وأما الأثر الوارد عن عثمان، فإنه منقطعٌ؛ لأن أبا المليح لم يلق عثمان،(17) كما أن فيه نَكارةٌ، لأنه مخالف للواقع، فليس فيمن ورد تسميتهم في الروايات أحدٌ من ثَقِيفٍ أو هُذَيْلٍ، بل كلهم إما قُرَشِيٌّ، وإمَّا أنصاريٌّ.(18)
ومِمَّن ورد تسميتهم أيضًا فيمن شارك في هذا الجمع بالكتابة أو الإملاء:
عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبان بن سعيد بن العاص.(19)
وأبان بن سعيد بن العاص، هو عمُّ سعيد بن العاص - أحد الأربعة الذين اختيروا للجمع، وقد ورد أنه شارك في هذا الجمع:
فعن عُمارة بن غَزِيَّة عن ابن شهابٍ عن خارجة بن زيدٍ عن زيد بن ثابت أنَّهُ قَالَ: فَأَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَكْتُبَ لَهُ مُصْحَفًا. وَقَالَ إنِّي جَاعِلٌ مَعَك رَجُلاً لَبِيبًا فَصِيحًا، فَمَا اجْتَمَعْتُمَا عَلَيْهِ فَاكْتُبَاهُ، وَمَا اخْتَلَفْتُمَا فِيهِ فَارْفَعَاهُ إلَيَّ، فَجَعَلَ مَعَهُ أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.(20)
وأبان بن سعيد بن العاص قتل في سنة اثنتي عشرة يوم أجنادين، قبل وفاة أبي بكر بقليل، أو سنة أربع عشرة يوم مرْج الصُّفْر، في صدر خلافة عمر، وقيل إنه توفي سنة تسع وعشرين، والأول قول أكثر أهل النسب.(21)
قال الحافظ: ووقع في رواية عُمارة بن غَزِيَّة "أبان بن سعيد بن العاص" بدل "سعيد"، قال الخطيب: ووهِم عُمارة في ذلك؛ لأن أبان قُتِل بالشام في خلافة عمر، ولا مدخل له في هذه القصة، والذي أقامه عثمان في ذلك هو سعيد بن العاص - ابن أخي أبان المذكور اهـ.(22)


(1) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رحمة الله عليه المصاحف ص 33، وأورده الحافظ ابن كثير من طريق ابن أبي داود، وقال: إسناده صحيح. فضائل القرآن ص 45.
(2) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 30.
(3) فتح الباري (8/634).
(4) يعني الصحف التي كتبت في عهد أبي بكرٍ ? .
(5) رواه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب باب نزل القرآن بلسان قريشٍ (6/621)ح 3506.
(6) هو سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، له صحبة، توفي النَّبِيّ ? وله تسع سنين، وكان أميرًا شريفًا، ذا حلم وعقل يصلح للخلافة، ولي إمرة المدينة لمعاوية ? ثم ولي إمرة الكوفة، وغزا طبرستان ففتحها، وكان أحد من ندبهم عثمان ? لكتابة المصاحف؛ لفصاحته وشبه لهجته بلهجة رَسُول اللهِ ?، مات سنة سبع أو ثمان وخمسين. سير أعلام النبلاء للذهبي (3/444)، وطبقات ابن سعد (5/30)، وأسد الغابة في معرفة الصحابة (2/391).
(7) من أشراف بني مخزوم، توفي النَّبِيّ ? وهو ابن عشر سنين، وكان من نبلاء الرجال، ومن فضلاء المسلمين وخيارهم علمًا ودينًا وعلو قدرٍ، شهد الجمل مع عائشة، وكان صهرًا لعثمان. توفي في خلافة معاوية. أسد الغابة (3/327)، وسير أعلام النبلاء (3/484).
(Cool قال الحافظ ابن حجر عن مشاركة ابن عباس وأنس بن مالك في الكتابة: وقع ذلك في رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن ابن شهاب. فتح الباري (8/635).
(9) من كبار التابعين وعلمائهم، وأبوه أبو عامر بن عمرو بن الحارث، صحابي شهد المغازي كلها ما خلا بدرًا، وهو أحد الذين حملوا الخليفة عثمان بن عفان ? ليلاً إلى قبره. تهذيب التهذيب (10/19).
(10) انظر المصاحف لابن أبي داود ص 29.
(11) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 34.
(12) مولى أبي أيوب الأنصاري، قُتِل في وقعة الحرة سنة 63هـ. شذرات الذهب (1/71).
(13) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رحمة الله عليه المصاحف ص 33، وأورده الحافظ ابن كثير من طريق ابن أبي داود، وقال: إسناده صحيح. فضائل القرآن ص 45.
(14) أي تُملي، قال تعالى: } فليكتب وليُمْلِلِ الذي عليه الحقُّ { . البقرة 282. قال الجوهري في الصحاح: وأملَّ عليه أيضًا، بمعنى أملى. يُقال: أمللتُ عليه الكتابَ. الصحاح (ملل) (5/1821).
(15) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 34.
(16) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف: باب جمع عمر بن الخطاب ? القرآن في المصحف ص 17.
(17) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (34/316-317).
(18) انظر فتح الباري (8/635).
(19) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 258، شيخ القراء محمد بن علي بن خلف الحسيني الشهير بالحداد في كتابه: الكواكب الدرية ص 21.
(20) رواه الطحاوي في تأويل مشكل الآثار. (4/193).
(21) أسد الغابة في معرفة الصحابة (1/47).
(22) فتح الباري (8/635)، وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/39).

منهج عثمان في جمع القرآن
1 - عمل عثمان في جمع القرآن
كان المقصود من جمع القرآن زمن عثمان قطع دابر الفتنة التي طرأت على المسلمين من الاختلاف في كتاب الله، بجمع وتحديد الأوجه المتواترة المجمع عليها في تلاوة القرآن، وإبعاد كل ما لم تثبت قرآنيته، سواء بنسخ، أو بأن لم يكن قرآنًا أصلاً.
قال القاضي الباقلاني: لم يقصد عثمانُ قَصْدَ أبي بكرٍ في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعَهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النَّبِيّ ?، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخْذَهُم بِمصحفٍ لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أُثبِت مع تنزيلٍ، ولا منسوخ تلاوته كُتِبَ مع مُثْبَت رسمه ومفروضٍ قراءتُه وحفظُه؛ خشية وقوع الفساد والشبهة على من يأتي بعد.(1)
فأراد عثمان ? أن ينسخ من الصحف التي جمعها أبو بكر ? مصاحف مجمعًا عليها تكون أئمة للناس في تلاوة القرآن.
قال ابن حزم: خشي عثمان ? أن يأتي فاسقٌ يسعى في كيد الدين، أو أن يهِمَ واهمٌ من أهل الخير، فيبدِّل شيئًا من المصحف، فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال، فكتب مصاحف مجمعًا عليها، وبعث إلى كل أفق مصحفًا، لكي -إن وهم واهمٌ، أو بدَّل مبدِّل- رُجِع إلى المصحف المجمع عليه، فانكشف الحق، وبطل الكيد والوهم.(2)
فلم يكن قصد عثمان جمع ما ليس مجموعًا، فقد كان القرآن زمن الصديق قد جُمِع، وإنما قصَدَ نسخَ ما كان مجموعًا منه زمن الصديق في مصاحف يقتدي بِها المسلمون.
قال النووي: خاف عثمان ? وقوع الاختلاف المؤدي إلى ترك شيء من القرآن، أو الزيادة فيه، فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة، الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحفَ، وبعث بِها إلى البلدان، وأمر بإتلاف ما خالفها، وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب، وسائر الصحابة، وغيرهم ?.ـ(3)
قال البيهقي: ثم نسخ (زيدٌ) ما جمعه في الصحف (في عهد أبي بكر) في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان ? على ما رسم المصطفى ?.ـ(4)
2 - خطة العمل
شرع الصحابة الموكلون بجمع القرآن في كتابة المصحف الإمام، الذي نسخوا منه بعد ذلك المصاحف المرسلة إلى الأمصار، وكان الخليفة عثمان ? يتعاهدهم ويشرف عليهم، وكان الموجودون من الصحابة جميعًا يشاركون في هذا العمل.
ويُمكن أن يلخص منهج الجمع العثماني فيما يأتي:
1 - الاعتماد على جمع أبي بكر الصديق ?، ويظهر هذا جليًّا في طلب عثمان ? الصحف التي جمع فيها أبو بكرٍ القرآن من حفصة -رضي الله عنها، وقد كانت هذه الصحف -كما مرَّ- مستندةً إلى الأصل المكتوب بين يدي النَّبِيّ ?.
وبذلك ينسد باب القالة، فلا يزعم زاعم أن في الصحف المكتوبة في زمن أبي بكر ما لم يُكتب في المصحف العثماني، أو أنه قد كتب في مصاحف عثمان ما لم يكن في صحف أبي بكر.(5)
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: … فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِها حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ.(6)
2 - أن يتعاهد لجنة الجمع ويشرف عليها خليفة المسلمين بنفسه:
فعن كَثِير بن أفلَحَ قال: لَمَّا أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار ، فيهم أُبَيُّ بن كعبٍ وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الرَّبـْـعَةِ(7) التي في بيت عُمَرَ، فجِيء بِها، قال: وكان عثمانُ يتعاهدهم.(Cool
3 - أن يأتي كلُّ مَن عنده شيءٌ من القرآن سمعه من الرَّسُول ? بِما عنده، وأن يشترك الجميع في علم ما جُمِع، فلا يغيب عن جمع القرآن أحدٌ عنده شيء منه، ولا يرتاب أحدٌ فيما يودَع المصحف، ولا يُشَكُّ في أنه جمِع عن ملأٍ منهم.(9)
ويدل على ذلك ما صحَّ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ أنه قال: يا أيها الناسُ، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فَعَلَ الذي فَعَلَ في المصاحفِ إلاَّ عن ملأٍ منَّا جميعًا، فقال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خيرٌ من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كُفْرًا. قلنا: فماذا ترى؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحفٍ واحدٍ، فلا تكون فرقةٌ، ولا يكون اختلافٌ. قلنا: فنعم ما رأيت.(10)
وورد كذلك أن عثمان ? دعا الناس إلى أن يأتوا بِما عندهم من القرآن المكتوب بين يدي النَّبِيّ ?، وأنه كان يستوثق لذلك أشد الاستيثاق.
فعن مصعب بن سعد قال: قام عثمان ? فخطب الناس فقال: أيها الناس! عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة سنةً، وأنتم تَمترون في القرآن… فأَعْزِم على كل رجل منكم ما كان معه من القرآن شيءٌ لَمَا جاء به، وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثرةً، ثم دخل عثمان، فدعاهم رجلاً رجلاً، فناشدهم: لَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ ?، وهو أملاه عليك؟ فيقول: نعم.(11)
4 - الاقتصار عند الاختلاف على لغة قريش.
كما جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا.(12)
والمقصود من الجمع على لغة واحدة: الجمع على القراءة المتواترة المعلوم عند الجميع ثبوتُها عن النَّبِيّ ?، وإن اختلفت وجوهها، حتى لا تكون فرقةٌ ولا اختلاف، فإن ما يعلم الجميع أنه قراءة ثابتة عن رَسُول اللهِ ? لا يختلفون فيها، ولا ينكر أحدٌ منهم القراءة بِها.
قال أبو شامة: يحتمل أن يكون قوله: نزل بلسان قريش، أي: ابتداء نزوله، ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم.(13)
فلعلَّ عثمان ? عندما جمع القرآن رأى الحرف الذي نزل القرآن أولاً بلسانه أولى الأحرف، فحمل الناس عليه عند الاختلاف.(14)
وقد اختلف الصحابة في كلمة (التابوت) هل هي بالتاء أم بالهاء.
كما قال الزهري: واختلفوا يومئذٍ في (التابوت) و(التابوه)، فقال النفر القرشيون: (التابوت)، وقال زيدٌ: (التابوه)، فرُفِع اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه (التابوت)، فإنه بلسان قريشٍ.(15)
على أنه قد ورد أن الذي رأى أنَّها بالتاء هو زيدٌ، كما روى الطحاوي عن زيد ابن ثابت أنَّه لَمَّا بَلَغَ: } إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ{،(16) قَالَ زَيْدٌ: فَقُلْت أَنَا: (التَّابُوتُ)، فَرَفَعْنَا ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ (التَّابُوتُ).(17)
5 - أن يُمنع كتابة ما نُسخت تلاوته، وما لم يكن في العرضة الأخيرة، وما كانت روايته آحادًا، وما لم تُعلم قرآنيته، أو ما ليس بقرآن، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة، شرحًا لمعنىً، أو بيانًا لناسخ أو منسوخٍ، أو نحو ذلك.(18)
ومِمَّا يدل لذلك ما ورد عن محمد بن سيرين عن كَثِير بن أفلَحَ قال: فكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخَّروه، قال محمد: فقلت لكَثِيرٍ -وكان فيهم (فيمن يكتب): هل تدرون لم كانوا يُؤَخِّرونه؟ قال: لا. قال محمد: فظننت أنَّهم إنَّما كانوا يُؤَخِّرونه لينظروا أحدثهم عهدًا بالعرضة الآخرة، فيكتبونَها على قوله.(19)
6 - أن يشتمل الجمع على الأحرف التي نزل بِها القرآن، والتي ثبت عرضها في العرضة الأخيرة(20) مع مراعاة ما يأتي:
أ- عند كتابة اللفظ الذي تواتر النطق به على أوجهٍ مختلفةٍ عن النَّبِيّ ?، يبقيه الكَتَبَةُ خاليًا عن أية علامة تقصِر النطق به على وجه واحد؛ لتكون دلالة المكتوب على كلا اللفظين المنقولين المسموعين متساوية،(21) فتكتب هذه الكلمات برسم واحدٍ في جميع المصاحف، محتمل لما فيها من الأوجه المتواترة، ومن أمثلة ذلك:
1 - قوله تعالى: } كَيْفَ نُنْشِزُهَا{،(22) بالزاي المنقوطة، فقد قرأها أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب } نُنْشِرُهَا {، بالراء المهملة.(23)
2 - وقوله ?: } هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ {،(24) بالباء الموحدة من البلوى، فقد قرأ حمزة والكسائي وخلف: } هُنَالِكَ تَتْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ {، بالتاء المثناة من التلاوة، مكان الباء الموحدة.(25)
3 - وقوله تعالى: } فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ {،(26) بفتح العين والميم، فقد قرأ حمزة والكسائي وخلف وشعبة: } فِي عُمُدٍ مُمَدَّدَةٍ {، بضم العين والميم.(27)
ب- ما لا يحتمله الرسم الواحد، كالكلمات التي تضمنت قراءتين أو أكثر، ولم تنسخ في العرضة الأخيرة، ورسمُها على صورة واحدة لا يكون محتملاً لما فيها من أوجه القراء، فمثل هذه الكلمات ترسم في بعض المصاحف على صورة تدل على قراءة، وفي بعضها برسم آخر يدل على القراءة الأخرى.(28)
ولم يكتب الصحابة تلك الكلمات برسمين أحدهما في الأصل والآخر في الحاشية؛ لئلا يُتَوَهَّم أن الثاني تصحيحٌ للأول، وأن الأول خطأ، وكذلك لأن جعل إحدى القراءات في الأصل والقراءات الأخرى في الحاشية تحكُّمٌ، وترجيحٌ بلا مرجِّح؛ إذ إنَّهم تلقَّوْا جميع تلك الأوجه عن النَّبِيّ ? ، وليست إحداها بأولى من غيرها.(29)
ومن الأمثلة على ذلك:
1 - قوله تعالى: } وقالوا اتخذ الله ولدًا {،(30) فقد قرأها عبد الله بن عامرٍ الشامي: } قالوا اتخذ الله ولدًا { بغير واو. وهي كذلك في مصاحف أهل الشام.(31)
2 - قوله ?: } وَوَصَّى بِها إِبْرَاهِيمُ {،(32) فقد قرأها أبو جعفرٍ، ونافعٌ، وابن عامرٍ: } وَأَوْصَى بِها إِبْرَاهِيمُ { من الإيصاء. وقد رسمت في مصاحف أهل المدينة والشام بإثبات ألف بين الواوين. قال أبو عبيد: وكذلك رأيتها في الإمام مصحف عثمان ?، ورسمت في بقية المصاحف بواوين قبل الصاد، من غير ألفٍ بينهما.(33)
3 - وقوله تعالى: } وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ {،(34) فقد قرأها عبد الله بن كثير المكي: } وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ {، بزيادة ( مِنْ) قبل (تَحْتِهَا). وهي كذلك في المصحف المكي، وفي بقية المصاحف بحذفها.(35)
4 - وقوله تعالى: } وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ
{،(36) في قراءة أبي جعفر، ونافع، ورواية حفص عن عاصم بِهاء بعد الياء في (تَشْتَهِيهِ)، وقد قرأها بقية القراء: } وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ {، دون الهاء الأخيرة.(37)
قال أبو عمرو الداني: في مصاحف أهل المدينة والشام ( تَشْتَهِيهِ ) بِهاءين، ورأيت بعض شيوخنا يقول: إن ذلك كذلك في مصاحف أهل الكوفة، وغلط.
وقال أبو عبيد: وبِهاءين رأيته في الإمام. وفي سائر المصاحف (تَشْتَهِي) بِهاء واحدة اهـ.(38)
7 - بعد الفراغ من كتابة المصحف الإمام يراجعه زيد بن ثابت ، ثم يراجعه عثمان ? بنفسه.
عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ ? يَقْرَأُ بِها، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ } مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ {،(39) فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ.(40)
كانت هذه هي المراجعة الأولى لزيدٍ ?، ويظهر من الروايات أنه عرضه مرتين أخريين، فأظهرت الثانية الاختلاف في لفظ (التابوت)، ولم تكشف الثالثة عن شيء.
فعن زيد بن ثابت أنَّه لَمَّا بَلَغَ: } إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ{ قَالَ زَيْدٌ: فَقُلْت أَنَا: التَّابُوتُ، فَرَفَعْنَا ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ التَّابُوتَ، ثُمَّ عَرَضَهُ -يَعْنِي الْمُصْحَفَ- عَرْضَةً أُخْرَى، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ شَيْئًا، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إلَى حَفْصَةَ أَنْ تُعْطِيَهُ الصَّحِيفَةَ، وَحَلَفَ لَهَا لَيَرُدَّنَّ الصَّحِيفَةَ إلَيْهَا، فَأَعْطَتْهُ فَعَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي شَيْءٍ، فَرَدَّهَا إلَيْهَا وَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ يَكْتُبُونَ مَصَاحِفَ.(41)
وفي هذا الأثر ما يدل على أن المعارضة بِما جمعه الصديق كانت بعد الانتهاء من كتابة المصحف الإمام، لِمزيد الاطمئنان، وفي هذا ما يدل على بقاء الأوجه الثابتة من القراءة بغير اختلافٍ بين الحفَّاظ والعلماء.
وقد نفَّذ الصحابة ? هذه الضوابط أدقَّ تنفيذٍ، فكانوا ربَّما انتظروا الغائب الذي عنده الشيء من القرآن زمانًا، حتى يستثبتوا مِمَّا عنده، على الرغم من أن القائمين بالكتابة والإملاء كانوا من الحفاظ القراء.
عن مالك بن أبي عامر، قال: كنتُ فيمن أملى عليهم، فربَّما اختلفوا في الآية، فيذكرون الرجل قد تلقَّاها من رَسُول اللهِ ?، ولعله أن يكون غائبًا أو في بعض البوادي، فيكتبون ما قبلها وما بعدها، ويدعون موضعها حتى يجيء، أو يُرسَل إليه.(42)
ثم أمر عثمان ? بعد ذلك بنسخ المصاحف عن المصحف الإمام، وإرسالها إلى الأمصار، وهي التي عرفت فيما بعدُ بالمصاحف العثمانية، وحولها يدور الحديث في الفصل الآتي -إن شاء الله.


(1) البرهان في علوم القرآن (1/235-236)، والإتقان في علوم القرآن (1/171).
(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/212-213).
(3) التبيان في آداب حملة القرآن ص 96.
(4) دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة (7/148).
(5) الكواكب الدرية ص 21.
(6) رواه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) ح 4987.
(7) الرَّبْعَة: جُونة العطَّار، وصندوق أجزاء المصحف. القاموس المحيط (ربع) ص 929.
(Cool رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رحمة الله عليه المصاحف ص 33، وأورده الحافظ ابن كثير من طريق ابن أبي داود، وقال: إسناده صحيح. فضائل القرآن ص 45.
(9) انظر البرهان في علوم القرآن (1/238-239).
(10) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 30. وقال الحافظ ابن حجر: بإسنادٍ صحيح. فتح الباري (8/634).
(11) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان ? القرآن في المصاحف. ص 31.
(12) رواه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) ح 4987.
(13) فتح الباري (8/625).
(14) فتح الباري (8/625).
(15) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان ? القرآن في المصاحف ص 26، وانظر فتح الباري (8/635).
(16) سورة البقرة من الآية 248.
(17) رواه الطحاوي في تأويل مشكل الآثار، باب بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ? مِنْ قَوْلِهِ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. (4/193).
(18) انظر البرهان في علوم القرآن (1/235-236)، والإتقان في علوم القرآن (1/171).
(19) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان رحمة الله عليه المصاحف ص 33، وأورده الحافظ ابن كثير من طريق ابن أبي داود، وقال: إسناده صحيح. فضائل القرآن ص 45.
(20) انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 387-388.
(21) النشر في القراءات العشر (1/33).
(22) سورة البقرة من الآية 259.
(23) النشر في القراءات العشر (2/231).
(24) سورة يونس ?، من الآية 30.
(25) النشر في القراءت العشر (2/283).
(26) سورة الهمزة، آية 9.
(27) النشر في القراءات العشر (2/403).
(28) سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين، للشيخ على محمد الضباع. ص 101-106،وانظر أيضًا شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن لإبراهيم المارغني التونسي ص 436 وما بعدها.
(29) مناهل العرفان (1/259)، والكواكب الدرية ص 22-23.
(30) سورة البقرة، من الآية 116.
(31) كتاب المصاحف لابن أبي داود ص 54، والنشر في القراءات العشر (1/11)، وشرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن ص 442.
(32) سورة البقرة، من الآية 132.
(33) كتاب المصاحف لابن أبي داود ص 49، 51، 54، وشرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن ص 442.
(34) سورة التوبة من الآية 100.
(35) النشر في القراءات العشر (1/11)، و(2/280)، وشرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن ص 448، وكتاب المصاحف لابن أبي داود ص 57.
(36) من الآية 71 من سورة الزخرف.
(37) النشر في القراءات العشر (2/370)، وكتاب المصاحف لابن أبي داود ص 49، 53، 56.
(38) شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن ص 455-456.
(39) سورة الأحزاب، من الآية 23.
(40) رواه البخاري في الصحيح كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) ح 4988.
(41) رواه الطحاوي في تأويل مشكل الآثار، باب بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ? مِنْ قَوْلِهِ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. (4/193).
(42) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان ? القرآن في المصاحف. ص 29.


مزايا جمع القرآن في عهد عثمان
كان نسخ القرآن في المصاحف في زمن عثمان بن عفان ? تحقيقًا لوعد الله ? بحفظ كتابه العزيز، قال تعالى: } إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {،(1) فقد وحَّد هذا الجمع صف المسلمين وكلمتهم، وردَّ عنهم ما كان محدقًا بِهم من الفتنة العظيمة، واجتث بذور الشقاق من بينهم.
ومِمَّا سبق ذكره من خطة عمل الصحابة في جمع القرآن زمن عثمان يتبين لنا مزايا ذلك الجمع المبارك،(2) ويمكن تلخيص بعضها فيما يأتي:
1. مشاركة جميع من شهد الجمع من الصحابة فيه، وإشراف الخليفة عليه بنفسه.
2. بلوغ من شهد هذا الجمع وأقرّه عدد التواتر.
3. الاقتصار على ما ثبت بالتواتر، دون ما كانت روايته آحادًا.
4. إهمال ما نسخت تلاوته، وما لم يستقرَّ في العرضة الأخيرة.(3)
5. ترتيب السور والآيات على الوجه المعروف الآن، بخلاف صحف أبي بكر ?، فقد كانت مرتبة الآيات دون السور.
6. كتابة عدد من المصاحف يجمع وجوه القراءات المختلفة التي نزل بِها القرآن الكريم.
7. تجريد هذه المصاحف من كل ما ليس من القرآن، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة من تفسير للفظ، أو بيان لناسخ أو منسوخ، أو نحو ذلك.
ولقد حظي الجمع العثماني برضى من شهده من أصحاب النَّبِيّ ? والتابعين، وقطع الله به دابر الفتنة التي كادت تشتعل في بلاد المسلمين، إذ جمعهم ? على ما ثبتت قرآنيته، فانتهى بذلك ما كان حاصلاً من الاختلاف بين المسلمين.
عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقَّق عثمان ? المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعِبْ ذلك أحدٌ.(4)
وقد عُدَّ جمعُ القرآن في المصاحف في زمن عثمان ? من أعظم مناقبه.
فعن عبد الرحمن بن مهديٍّ(5) قال: خصلتان لعثمان بن عفَّانَ ليستا لأبي بكر، ولا لِعُمَرَ: صبرُهُ نفسَه حتَّى قُتِل مظلومًا، وجمعُهُ الناسَ على المصحف.(6)
وقد دافع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? عن عثمان في جمع القرآن وإحراق المصاحف؛ لئلا يتهمه من لا فقه له بتضييع القرآن، أو الجرأة عليه، وأخبر أنه فعل ذلك عن رضى من شهده من الصحابة، وأنه لو كان واليًا إذ ذاك لفعل مثل الذي فعل عثمان ?.
عن سويد بن غفلة قال: سمعت عليَّ بنَ أبي طالبٍ يقول: يا أيها الناسُ، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فَعَلَ الذي فَعَلَ في المصاحفِ إلاَّ عن ملأٍ منَّا جميعًا … قال: قال عليُّ: والله لو وليت لفعَلْتُ مثلَ الذي فَعَلَ.(7)



(1) سورة الحجر آية 9.
(2) انظر مناهل العرفان (1/260-261).
(3) انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 383.
(4) رواه الداني في المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 18، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب اتفاق الناس مع عثمان على جمع المصاحف، ص 19، ولفظه: ولم ينكر ذلك منهم أحدٌ.
(5) هو الإمام الكبير، والحافظ العلم: أبو سعيد العنبري، قال على بن المديني: ما رأيت أعلم منه. توفي سنة 198 هـ. انظر تقريب التهذيب (1/499)، وتذكرة الحفاظ (1/329).
(6) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب اتفاق الناس مع عثمان على جمع المصاحف، ص 19.
(7) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 30، قال الحافظ ابن حجر: بإسنادٍ صحيح. فتح الباري (8/634).


الفرق بين جمع القرآن في مراحله الثلاث
نستطيع بعد هذا العرض أن نتبين الفرق بين جمع القرآن في مراحله الثلاث، فقد كان لكل مرة من مرات جمع القرآن أسباب خاصة، وكان لكل مرة أيضًا كيفية خاصة، فالفرق بين المراحل الثلاث كان من حيث الأسباب والكيفيات:
الفرق بين المراحل الثلاث من حيث الأسباب:
1. أسباب جمع القرآن في عهد النَّبِيّ ?: زيادة التوثق للقرآن، والتحري في ضبط ألفاظه، وحفظ كلماته، وإن كان التعويل في ذلك الوقت إنما كان على الحفظ والاستظهار، وتبليغ الوحي على الوجه الأكمل.
2. سبب جمع القرآن في زمن أبي بكر ?: الخوف على ضياع شيء من القرآن بِهلاك حفَّاظه، وضياع ما عندهم مِمَّا كُتِب بين يدي النبي ?.
3. سبب جمع القرآن في عهد عثمان ?: خوف الفتنة التي وقع فيها المسلمون بسبب اختلافهم في القراءة بحسب ما تعلموه من الأحرف التي نزل بِها القرآن، والمحافظة على كتاب الله من التبديل والتغيير.
الفرق بين المراحل الثلاث من حيث الكيفية:
1. كيفية جمع القرآن في عهد النَّبِيّ ?: ترتيب الآيات في سورها، وكتابة الآيات فيما تيسر من مواد الكتابة، مع بعثرة ذلك المكتوب، وعدم جمعه في مكان واحد.
2. كيفية جمع القرآن في زمن أبي بكر ?: جمع المكتوب في عهد النَّبِيّ ? ونقله في صحفٍ، وهي أوراق مجردة، مرتب الآيات أيضًا، وبحيث تجتمع كل سورة متتابعة في تلك الصحف، لكن من غير أن تجمع تلك الصحف في مجلد أو مصحفٍ واحد.
3. كيفية جمع القرآن في عهد عثمان ?: نقل ما في صحف أبي بكر في مصحف إمامٍ، ونسخ مصاحف منه، وإرسالها إلى الآفاق، لتكون مرجعًا للناس عند الاختلاف.(Cool
قال البيهقي (بعد حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ? نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاع)ِ(9): وهذا يشبه أن يكون أراد به تأليف ما نزل من الكتاب: الآيات المتفرقة في سورها، وجمعها فيها بإشارة النبي ?، ثم كانت مثبتة في الصدور، مكتوبة في الرقاع واللخاف والعسب، فجمعها منها في صحفٍ بإشارة أبي بكرٍ وعمر، ثم نسخ ما جمعه في الصحف(10) في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان ? على ما رسم المصطفى ?.ـ(11)
قال القاضي الباقلاني: لم يقصد عثمانُ قَصْدَ أبي بكرٍ في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعَهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النَّبِيّ ?، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخْذَهُم بِمصحفٍ لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أُثبِت مع تنْزِيلٍ، ولا منسوخ تلاوته كُتِبَ مع مُثْبَت رسمه ومفروضٍ قراءتُه وحفظُه؛ خشية وقوع الفساد والشبهة على من يأتي بعد.(12)
وقال ابن حزم: خشي عثمان ? أن يأتي فاسقٌ يسعى في كيد الدين، أو أن يهِمَ واهمٌ من أهل الخير، فيبدِّل شيئًا من المصحف، فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال، فكتب مصاحف مجمعًا عليها، وبعث إلى كل أفق مصحفًا، لكي -إن وهم واهمٌ، أو بدَّل مبدِّل رُجِع إلى المصحف المجمع عليه، فانكشف الحق، وبطل الكيد والوهم.(13)


(Cool انظر: الإتقان في علوم القرآن (1/171/172)، ومناهل العرفان في علوم القرآن (1/262-263)، والكواكب الدرية ص 26-27.
(9) رواه الترمذي في جامعه كتاب المناقب باب في فضل الشام واليمن (5/734) ح 3954 وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، والبيهقي في دلائل النبوة (7/147).
(10) يعني في عهد أبي بكر.
(11) دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة (7/147-148).
(12) البرهان في علوم القرآن (1/235-236)، والإتقان في علوم القرآن (1/171).
(13) الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/212-213).




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:29
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

عدد المصاحف العثمانية
لَمَّا انتهى زيد بن ثابت ومن معه من نسخ المصاحف، أرسل عثمان ? إلى كل أفقٍ بِمصحف، وأمر الناس بإتلاف ما خالف هذه المصاحف.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أنه قال: حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا.(1)
قال النووي: خاف عثمان ? وقوع الاختلاف المؤدي إلى ترك شيء من القرآن، أو الزيادة فيه، فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة، الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحفَ، وبعث بِها إلى البلدان، وأمر بإتلاف ما خالفها، وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب، وسائر الصحابة، وغيرهم ?.ـ(2)
ولَمَّا كان الاعتماد في نقل القرآن على المشافهة والتلقِّي من صدور الرجال، ولم تكن المصاحف كافية في نقل القرآن وتعلُّمه، فقد أرسل عثمان ? مع كل مصحف من المصاحف قارئًا يعلِّم الناس على ما يوافق المصحف الذي أرسل به، وكان يتخير لكل قارئٍ المصحف الذي يوافق قراءته في الأكثر.(3)
فقد روي أن عثمان ? أمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكيّ، وبعث المغيرة بن أبي شهاب مع الشاميّ، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفيّ، وعامر بن عبد قيسٍ مع البصري.(4)
وقد اختلف العلماء في عدد المصاحف التي بعث بِها عثمان إلى البلدان، فالذي عليه الأكثر أنَّها أربعةٌ، أرسل منها عثمان ? مصحفًا إلى الشام، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى البصرة، وأبقى الرابع بالمدينة.
وقيل كتب خمسة مصاحف، الأربعة المذكورة، وأرسل الخامس إلى مكة.
وقيل ستةٌ، الخمسة المذكورة، وأرسل السادس إلى البحرين.
وقيل سبعة، الستة السابقة، وأرسل السابع إلى اليمن.
وقيل ثَمانية، والثامن هو الذي جمع القرآن فيه أولاً، ثم نسخ منه المصاحف، وهو المسمى بالإمام، وكان يقرأ فيه، وكان في حجره حين قُتِل.(5)
وقيل إنه ? أنفذ مصحفًا إلى مصر.(6)
عن حمزة الزيات قال: كتب عثمان أربعة مصاحف، فبعث بِمصحفٍ منها إلى الكوفة، فوُضِع عند رجل من مُرادٍ، فبقي حتى كتبتُ مصحفي عليه.(7)
وقال أبو حاتم السجستاني: لَمَّا كتب عثمان المصاحف حين جمع القرآن، كتب سبعة مصاحف، فبعث واحدًا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدًا.(Cool
قال الإمام أبو عمرو الداني: أكثر العلماء على أن عثمان ? لَمَّا كتب المصاحف، جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كل ناحية من النواحي بواحدةٍ منهن: فوجّه إلى الكوفة إحداهنَّ، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشام الثالثة، وأمسك عند نفسه واحدةً، وقد قيل إنه جعله سبع نسخٍ، ووجَّه من ذلك أيضًا نسخةً إلى مكةَ، ونسخة إلى اليمن، ونسخة إلى البحرين، والأول أصحُّ، وعليه الأئمة.(9)
وقال الحافظ ابن حجر والسيوطي: فالْمشهور أنَّها خمسة.(10)
وقال الْجعبري: حبس مصحفًا بالْمدينة للناس، وآخر لنفسه، وسيَّر باقيَها إلى أمرائه.(11)
والْمتعارف عند علماء رسم القرآن ستة مصاحف:
الأول: الْمصحف الإمام، وهو الْمصحف الذي احتبسه عثمان ? لنفسه، وينقل عنه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم.
الثاني: الْمصحف الْمدني، وهو الْمصحف الذي كان بأيدي أهل المدينة، وعنه ينقل الإمام نافع.
الثالث: الْمصحف الْمكي.
ويطلق على الإمام والمدني والمكي: الْمصاحف الحجازية، أو الحرمية.(12)
الرابع: الْمصحف الشامي.
الخامس: الْمصحف الكوفي.
السادس: الْمصحف البصري.
والكوفي والبصري عراقيان، وهما الْمرادان بِمصاحف أهل العراق.(13)
ولعل الصواب في ذلك هو الْمتعارف عند علماء القراءات، إذ قد كثر نقلهم عن هذه المصاحف الستة.(14)
قال الحدَّاد:(15) واختلف في عدد الْمصاحف التي كتبها عثمان، فقيل -وهو الذي صوَّبه ابن عاشرٍ في شرح الإعلان: أنَّها ستةٌ: الْمكي والشامي والبصري والكوفي، والْمدني العامُّ، الذي سيَّره عثمان من محلِّ نسْخِه إلى مقرِّه، والْمدني الخاصُّ به، الذي حبسه لنفسه، وهو الْمسمَّى بالإمام.(16)



(1) رواه البخاري في الصحيح كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) 4987.
(2) التبيان في آداب حملة القرآن ص 96.
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/40).
(4) دليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 18-19، والكواكب الدرية ص 24، ومناهل العرفان (1/403-404).
(5) دليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 11.
(6) الكواكب الدرية ص 26، ومناهل العرفان (1/403).
(7) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب ما كتب عثمان ? من المصاحف ص 43.
(Cool رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب ما كتب عثمان ? من المصاحف ص 43، وانظر التبيان في آداب حملة القرآن ص 97.
(9) المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 19، وانظر: البرهان في علوم القرآن (1/240)، والتبيان في آداب حملة القرآن ص 96-97.
(10) فتح الباري (8/636)، والإتقان في علوم القرآن (1/172).
(11) انظر: الكواكب الدرية ص 2.
(12) نسبة إلى الحرم.
(13) انظر شرح الإعلان بتكملة مورد الظمآن. ص 437.
(14) انظر: إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 197، ومناهل العرفان (1/403).
(15) هو الشيخ محمد بن علي بن خلف الحسيني، المعروف بالحدَّاد، من فقهاء المالكية بِمصر، ولد بالصعيد سنة 1282 هـ، وتعلم بالأزهر، ثم عيِّن شيخًا للمقارئ المصرية سنة 1323 هـ، وتوفي سنة 1357 هـ. الأعلام (6/304).
(16) الكواكب الدرية ص 26.

حرق المصاحف المخالفة
بعد أن أتم عثمان ? نسخ المصاحف، وأمضاها إلى الأمصار، كان لا بد من منع كل ما خالفها، فأمر من كان عنده شيء مِمَّا عداها من الصحف التي كانوا يكتبون فيها القرآن أن يحرقه، حتى لا يأخذ أحدٌ إلا بتلك المصاحف التي حصل عليها إجماع الصحابة.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ في جمع عُثْمَانَ المصاحف، قال: حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ.(1)
وقد اختلفت الروايات بالذي فعله عثمان ? بالمصاحف التي كانت عند الناس، فرواية البخاري السابقة: وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ.
قال الحافظ: في رواية الأكثر (أن يُخرق) بالخاء المعجمة… وفي رواية الإسماعيلي: (أن تمحى أو تحرق).(2)
وعند ابن أبي داود من حديث أنس بن مالك: وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به، فذلك زمان حُرِّقَت المصاحف بالعراق بالنار.(3)
وهذه الرواية صريحة في أن ما فعلوه إنَّما هو إحراق تلك الصحف بالنار، إذهابًا لَها، وصونًا عن الوطء بالأقدام.
وعنده أيضًا من طريق أبي قلابة: فلما فرغ من المصحف، كتب إلى أهل الأمصار، أني قد صنعت كذا، ومحوت ما عندي، فامحوا ما عندكم.(4)
قال ابن حجر: والْمحو أعمُّ من أن يكون بالغسل أو التحريق، وأكثر الروايات صريحٌ في التحريق، فهو الذي وقع، ويحتمل وقوع كل منهما بحسب ما رأى من كان بيده شيء من ذلك.
وقد جزم القاضي عياضٌ بأنَّهم غسلوها بالماء، ثم أحرقوها مبالغة في إذهابِها.(5)
وقد روى ابن أبي داود بسنده عن بعض أهل طلحة بن مصرِّف، أنه قال: دفن عثمان المصاحف بين القبر والمنبر.(6) وهذا الأثر ضعيفٌ، ففيه مجهول، وهو الراوي عن طلحة بن مصرِّف، ومع ذلك فهو مناقض لِمَا صحَّ من الآثار السابقة في الصحيح وغيره، أن عثمان ? أحرق المصاحف، وأنه لم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك.
وقد اتفق الصحابة ? مع عثمان على ما أراد من تحريق المصاحف التي كانوا يكتبونَها، فاستجابوا له وحرقوا مصاحفهم.
عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ أنه قال: يا أيها الناسُ، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله، ما فَعَلَ الذي فَعَلَ في المصاحفِ إلاَّ عن ملأٍ منَّا جميعًا، قال: واللهِ، لو وُلِّيتُ لفعلتُ مثلَ الذي فعلَ.(7)
وعن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقَّق عثمان ? المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعِبْ ذلك أحدٌ.(Cool
وأما الصحف التي كتبت في زمن أبي بكر ?، فقد ردَّها عثمان ? إلى حفصة بعد كتابة المصاحف، كما في حديث أنس بن مالك أنه قال: حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ.(9)
وقد أبقى عثمان ? الصحف التي كان كتبها أبو بكر، لأنه كان قد وعد حفصة -رضي الله عنها- أن يردَّها إليها، كما في الحديث المذكور آنفًا، عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ.
وعند ابن أبي داود من طريق ابن شهاب عن سالم قال: فأرسل إليها عثمان، فأبت أن تدفعها إليه، حتى عاهدها ليَرُدَّنَّها إليها، فبعثت بِها إليه.(10)
ويحتمل أنه أبقاها أيضًا لاحتمال الرجوع إليها؛ لأنَّها كانت أصلاً لمصاحفه، وانعقد عليها إجماع الصحابة، وأما غيرها، فقد تكون مخالفةً لمصاحفه؛ فتكون سببًا للاختلاف.
قال الجعبري: ونزل تحريقه ما سواها(11) على مصاحف الصحابة ?؛ لأنَّهم كانوا يكتبون فيها التفسير الذي يسمعونه من النَّبِيّ ?، ويحتمل ذلك نحو الرقاع؛ لئلا ينقلها من لا يعرف ترتيبها، فيختلَّ، لا الصحف، لاحتمال الرجوع إليها.(12)
ولَما تولى مروان بن الحكم(13) إمرة المدينة في خلافة معاوية ?، طلب الصحف من حفصة -رضي الله عنها- ليحرقها؛ حتى لا يرتاب في شأنِها أحدٌ، فيظن أن فيها ما يُخالف المصحف الذي استقرَّ عليه الأمر، أو يظن أنَّ فيها ما لم يكتبه عثمان في المصاحف، فأبت حفصة أن تعطيها إياها، فبقيت تلك الصحف عندها إلى وفاتِها، فلمَّا توفيت حضر مروان جنازتَها، ثم أرسل إلى عبد الله بن عمر بالعزيـمة أن يرسل الصحف إليه، فنشرها بين الناس وأحرقها، ليعلم الجميع بذلك، ولا تتشوَّف نفس أحد إلى ما فيها ظنًّا أنَّها تَختلف عن مصاحف عثمان ?.
عن سالم بن عبد الله أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كُتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها. قال سالم: فلمَّا تُوفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيـمة إلى عبد الله بن عمر ليُرسِلنَّ إليه بتلك الصحف، فأرسل بِها إليه عبد الله بن عمر، فأمر بِها مروان فشُقِّقت، فقال مروان: إنَّما فعلت هذا لأن ما فيها قد كُتِب وحُفِظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمانٌ أن يرتاب في شأن هذه الصحف مُرتابٌ، أو يقول: قد كان شيءٌ منها لم يُكْتب.(14)
وفي رواية: ففشاها وحرَّقها، مَخافة أن يكون في شيء من ذلك اختلافٌ لَمَّا نسخ عثمان -رحمة الله عليه.(15)
وفي رواية فغسلها غسلاً.(16)
ولا يبعد أن يكون مروان قد فعل بالصحف جميع ما ذكر من التمزيق والغسل والتحريق.
قال ابن حجر: ويجمع بأنه صنع بالصحف جميع ذلك من تشقيق، ثم غسل، ثم تحريق.(17)

اعتراض ابن مسعود على عدم توليه الجمع
كان عبد الله بن مسعود ? أحد أئمة القراءة من أصحاب النَّبِيّ ?،ـ(1) وكان أول من جهر بالقرآن بين المشركين في مكة،(2) وكان أحد الأربعة الذين أمر النَّبِيّ ? بأخذ القرآن عنهم.
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنُ عَمْرٍو أنه ذَكَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لاَ أَزَالُ أُحبُّهُ؛ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ? يَقُولُ: خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.(3)
فلمَّا جمع عثمان ? القرآن، ونسخه في المصاحف، وأرسلها إلى الأمصار، كَرِه ذلك ابن مسعودٍ ?، فقد كان يكره أن يُمنع أحدٌ من قراءة شيء سمعه من رَسُول اللهِ ?.
عن أبي الشعثاء قال: كنا جلوسًا في المسجد، وعبد الله يقرأ، فجاء حذيفة، فقال: قراءة ابن أم عبدٍ، وقراءة أبي موسى الأشعري! والله إن بقِيتُ حتى آتِيَ أمير المؤمنين (يعني عثمان) لأمرتُهُ أن يجعلها قراءةً واحدةً. قال: فغضب عبد الله، فقال لحذيفة كلمةً شديدةً. قال: فسكت حذيفة.(4)
ولَمَّا أرسل عثمان ? المصحف إلى الكوفة مع حذيفة بن اليمان كره ذلك ابن مسعود،(5) وكان يرى أنه أحق بأن يقوم بجمع القرآن، لِما له من المكانة في القراءة، والتلقِّي عن رَسُول اللهِ ? .
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنه قَالَ: عَلَى قِرَاءةِ مَنْ تَأْمُرُونِّي أَقْرَأُ؟ لَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ? بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَإِنَّ زَيْدًا لَصَاحِبُ ذُؤَابَتَيْنِ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ.(6)
ولَمَّا أمر عثمان ? بانتزاع المصاحف المخالفة وإحراقها، رفض ذلك ابن مسعودٍ ?، وأمر الناس بأن يغلُّوا المصاحف.
فعَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: } وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {،(7) ثُمَّ قَالَ: عَلَى قِرَاءةِ مَنْ تَأْمُرُونِي أَنْ أَقْرَأَ؟ فَلَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ? بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ? أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ? فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلاَ يَعِيبُهُ.(Cool
وقَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَرِهَ لِزَيْدِ ابْنِ ثَابِتٍ نَسْخَ الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أُعْزَلُ عَنْ نَسْخِ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَيَتَوَلاَّهَا رَجُلٌ، وَاللهِ، لَقَدْ أَسْلَمْتُ وَإِنَّهُ لَفِي صُلْبِ رَجُلٍ كَافِرٍ، يُرِيدُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ اكْتُمُوا الْمَصَاحِفَ الَّتِي عِنْدَكُمْ وَغُلُّوهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ:} وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {، فَالْقُوا اللهَ بِالْمَصَاحِفِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ كَرِهَهُ مِنْ مَقَالَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رِجَالٌ مِنْ أَفَاضِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ?.ـ(9)
كان هذا هو مجمل اعتراض عبد الله بن مسعودٍ ? على عثمان في تولية زيدٍ نسخ المصاحف.
ولا شك أن اختيار عثمان ? زيدًا لنسخ المصاحف كان نظرًا منه لمصلحة الإسلام والمسلمين، لِما يرى من أهليته دون غيره لذلك العمل الجليل، ولو أنه ? ظنَّ بعبد الله بن مسعودٍ مثل ذلك وعلمه منه، لترتَّب عليه فَرْضُ توليته دون غيره.
ولو حدث ذلك لساغ لآخر أن يقول: ولم اختار ابن مسعود دون غيره؟ ولمَ عدل عن أبيِّ بن كعبٍ مع ما فيه من الفضائل؟ ولمَ ترك زيد بن ثابت، وهو كاتب النَّبِيّ ?؟ وهذا باب لا طريق إلى سدِّه.(10)
فاختيار زيد لِهَذِهِ المهمة كان اجتهادًا من الخليفة الراشد عثمان ?، وكان نظرًا منه لِمصلحة الأمة، وقد وافقه على هذا الاجتهاد كل من شهده، إلا ما ورد عن ابن مسعود من كراهية ذلك.
ولقد صوَّب العلماء اختيار عثمان زيدَ بن ثابتٍ لِهذا العمل، وعللوا ذلك بأمور، منها:
الأول: أن زيدًا كان هو الذي قام بجمع القرآن في عهد أبي بكر، لكونه كاتبَ الوحي، ولَمَّا كانت المهمة الجديدة، وهي نسخ المصاحف، مرتبطة بالمهمة الأولى -كان اختار زيد أولى من اختيار ابن مسعودٍ، فقد كان لزيد في ذلك أوليةً ليست لغيره.(11)
وقد روى ثعلبة بن مالك عن عثمان ? أنه قال: من يعْذِرُني من ابن مسعودٍ، يدعو الناس إلى الخلاف والشبهة والتعصب عليَّ إذ لم أوَلِّه نسخ القرآن، فهلاَّ عتب على أبي بكر وعمر، هما عزلاه عن نسخ القرآن وولياه زيدَ بن ثابت، واتَّبعت أثرهما فيما بقيَ من أصحاب النَّبِيّ ?.ـ(12)
الثاني: أن جمع القرآن في زمن عثمان كان بالمدينة، وكان ابن مسعودٍ إذ ذاك بالكوفة، ولم يؤخر عثمان ما عزم إليه من ذلك إلى أن يرسل إليه ويحضر، فقد كانت الفتنة تدق الأبواب بعنفٍ، وكان لا بد من معاجلتها قبل أن تستشري.(13)
الثالث: أن فضل ابن مسعود على زيد بن ثابت لا يسوِّغ تقديـمه عليه في نسخ المصاحف، فقد كان ابن مسعود إمامًا في الأداء، وكان زيدٌ إمامًا في الخط والكتابة، مع كونه في المحل الشريف في حفظ القرآن، وحسن الخط والضبط، وكان من خواص كتبة النَّبِيّ ?، فكان اختيار الأعلم بالكتابة والخط والضبط أولى من اختيار الأقدم في التلقي والحفظ.
فلو أن أحدنا أراد أن يكتب اليوم مصحفًا، فلن يلتمس له أقدم أهل عصره حفظًا، أو أقواهم أو أشجعهم، وإنَّما يلتمس أحسنهم ضبطًا وخطًّا، وأحضرهم فهمًا.(14)
وقد ورد أن عبد الله بن مسعود لم يكن قد حفظ كل القرآن في حياة النَّبِيّ ?، بل ورد أيضًا أنه مات ولم يختمه، فكان زيدٌ بذلك أولى منه، إذ قد كان حفظ القرآن كله في حياة النَّبِيّ ?.
قال القرطبي: فالشائع الذائع الْمتَعالَم عند أهل الرواية والنقل أن عبد الله بن مسعود تعلَّم بقية القرآن بعد وفاة رَسُول اللهِ ?، وقد قال بعض الأئمة: مات عبد الله بن مسعود قبل أن يختم القرآن.(15)
ويضاف إلى هذا ما كان لزيد بن ثابت من الخصال التي أهلته لجمع القرآن على عهد الصدِّيق، كما مرَّ بنا.(16)
وقد كان يكفي لاختياره لِهذا العمل ثقة النَّبِيّ ? فيه، إذ أمره أن يتعلم كتاب يهودٍ، فتعلمه في سبعةَ عشرَ يومًا، فضرب بذلك أروع مثلٍ في الفطنة والذكاء، مع حداثة سِنِّه ?.
عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ ?، فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتَابَ يَهُودَ، وَقَالَ: إِنِّي وَاللهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي، فَتَعَلَّمْتُهُ، فَلَمْ يَمُرَّ بِي إِلاَّ نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِذَا كَتَبَ، وَأَقْرَأُ لَهُ إِذَا كُتِبَ إِلَيْهِ.(17)
وفي رواية أنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ?: تُحْسِنُ السُّرْيَانِيَّةَ؟ إِنَّهَا تَأْتِينِي كُتُبٌ. قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَتَعَلَّمْهَا. فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا.(18)
وقد أنكر الصحابة على ابن مسعود ما فعله من منافرة الجماعة فيما رأوا من نسخ المصاحف واختيار زيد لذلك العمل، ومن تحريضه الناس على عدم تحريق مصاحفهم، كما مرَّ قريبًا في حديث الزهري، وفيه:
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ كَرِهَهُ مِنْ مَقَالَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رِجَالٌ مِنْ أَفَاضِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ?.ـ(19)
على أن ما جاء عن ابن مسعود من كراهة ذلك إنما كان ظنًّا منه أنه يَمنع من قراءة القرآن على وجه مما صحَّ عن النَّبِيّ ? أنه قرآن منَزل، مستقرٌّ في العرضة الأخيرة، فلمَّا تبين له عدم المنع مِمَّا صح من القراءة رجع عن رأيه إلى رأي الجماعة.
قال الباقلاني: وقد وردت الروايات أن عثمان وعظه، وحذَّره الفُرقة، فرجع واستجاب إلى الجماعة، وحثَّ أصحابه على ذلك، فروي عنه في حديث طويل، أنه قال: … فمن قرأ على قراءتي، فلا يدعها رغبةً عنها، ومن قرأ عليَّ شيئًا من هذه الحروف، فلا يدعَنْه رغبةً عنه؛ فإنه من جحد بحرف منه فقد جحده كله.(20)
مصحف ابن مسعود يوافق مصاحف الجماعة
ومِمَّا يدل على أن ابن مسعودٍ ? قد رجع إلى رأي الجماعة أن قراءته قد رواها عاصم وحمزة والكسائي، وغيرهم، كما مرَّ بنا،(21) وقراءة هؤلاء الأئمة موافقة للمصاحف العثمانية -بلا شكٍّ.
ولا شك أيضًا أن قراءة ابن مسعود كانت موافقة لِمصحفه، فدل ذلك على أنه رجع إلى ما اتفقت عليه جماعة المسلمين، بعد أن ظهر له صوابُهم في ذلك.
قال أبو محمد بن حزم: وأما قولُهم إن مصحف عبد الله بن مسعود ? خلاف مصحفنا فباطلٌ وكذبٌ وإفكٌ. مصحف عبد الله بن مسعود إنَّما فيه قراءته بلا شكٍّ، وقراءتُه هي قراءة عاصمٍ المشهورة عند جميع أهل الإسلام في شرق الأرض وغربِها، نقرأ بِها كما ذكرنا، كما نقرأ بغيرها مما صحَّ أنه كل منَزلٌ من عند الله تعالى.(22)
قال البلاقلاني: ولو كان في قراءة ابن مسعود ما يُخالف مصحف عثمان لظهر ذلك في قراءة حمزة خاصةً … إلى أن قال: ولو لقي أحدٌ من أصحاب عبد الله أحدًا مِمَّن قرأ عليه خلاف قراءة الجماعة، لوجب أن ينقل ذلك نقلاً ظاهرًا مشهورًا، وفي عدم ذلك دليلٌ على فساد هذا.(23)



(1) مرَّ ذكره في المبحث الرابع من الفصل الأول من الباب الأول (الحفاظ من الصحابة).
(2) السيرة النبوية لابن هشام (1/275).
(3) رواه البخاري في فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? ح 4999.انظر الصحيح مع فتح الباري (8/662).
(4) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب كراهية عبد الله بن مسعود ذلك ص 20.
(5) انظر المصاحف لابن أبي داود ص 44.
(6) رواه النسائي في سننه، كتاب الزينة، باب الذؤابة (8/134) ح 5063، وابن أبي داود في كتاب المصاحف باب كراهية عبد الله بن مسعود ذلك ص 21،22.
(7) سورة آل عمران، من الآية 161.
(Cool رواه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، بَاب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ (16/16) ح 2462، وابن أبي داود في كتاب المصاحف باب كراهية عبد الله بن مسعود ذلك ص 23.
(9) رواه الترمذي في جامعه،كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة التوبة (4/348-349) ح 3104، وابن أبي داود في كتاب المصاحف باب كراهية عبد الله بن مسعود ذلك ص 24-25.
(10) انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 369-370.
(11) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 363، و ص 368، وفتح الباري (8/635).
(12) ذكر هذا الخبر القاضي الباقلاني في الانتصار، انظر: نكت الانتصار لنقل القرآن ص 363.
(13) فتح الباري (8/635)، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 372.
(14) انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 368-369.
(15) الجامع لأحكام القرآن (1/39).
(16) انظر : من قام بالجمع في عهد أبي بكر، وهو الفصل الثالث من الباب الثاني.
(17) رواه أبو داود في سننه، كتاب العلم باب رواية حديث أهل الكتاب (3/318) ح 3645.
(18) رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/223) ح 21077.
(19) رواه الترمذي في جامعه،كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة التوبة (4/348-349) ح 3104، وابن أبي داود في كتاب المصاحف باب كراهية عبد الله بن مسعود ذلك ص 24-25.
(20) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 264، وروى نحوه الإمام أحمد في مسنده: مسند المكثرين من الصحابة، (1/669) ح 3835.
(21) انظر مبحث الحفاظ من الصحابة، وهو المبحث الرابع من الفصل الأول من الباب الأول.
(22) الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/212).
(23) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 380-382.

رد الشبهات التي أثيرت حول الجمع العثماني
الشبهة الأولى: الطعن باستنكار ابن مسعود ? تولي زيد الجمع
وقد طعن بعض الطاعنين على كتاب الله في جمع القرآن في زمن عثمان ? بِما ورد عن ابن مسعودٍ من استنكار تولي زيدٍ هذا الجمع، وعدم توليه إياه، مع كونه أعلم أصحاب النَّبِيّ ? بكتاب الله، واستدلوا على ذلك بالأحاديث السابقة في اعتراض ابن مسعود على عثمان، ومنها:
عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: } وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {،(1) ثُمَّ قَالَ: عَلَى قِرَاءةِ مَنْ تَأْمُرُونِي أَنْ أَقْرَأَ؟ فَلَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ? بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ? أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ? فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلاَ يَعِيبُهُ.(2)
وقالوا: إن استنكار ابن مسعودٍ طعنٌ في جمع القرآن، وهو دليلٌ على أن القرآن الذي بين أيدينا ليس موثوقًا، وهو أيضًا طعنٌ في تواتر القرآن، إذ لو كان ما كتبه عثمان متواترًا لَما وسع ابن مسعود استنكاره.(3)
والجواب عن هذه الشبهة:
أولاً: أن الاستنكار المروي عن ابن مسعودٍ لم يكن طعنًا في جمع القرآن، ولا استنكارًا لفعل الصحابة، وإنَّما كان استنكارًا لاختيار من يقوم بِهذا الجمع، إذ كان يرى في نفسه أنه الأولى أن يسند إليه هذا الجمع، مع كمال ثقته في زيدٍ وأهليتِه للنهوض بِما أسند إليه.
ومسألة اختيار من يقوم بجمع القرآن تقديرية، ولا شكَّ أن تقدير عثمان، ومن قبله أبو بكر وعمر أن زيدًا أكفأ من غيره للقيام بِهذا العمل -أصدق من تقدير ابن مسعودٍ له، كما مرَّ بنا قريبًا في تصويب اختيار عثمان زيدًا على غيره لجمع القرآن.(4)
وأما حداثة سِنِّ زيدٍ ?، فليست مطعنًا، فكم من صغيرٍ فاق من هو أكبر منه، وقد كان في ثقة النَّبِيّ ? بزيد -كما مرَّ قريبًا- ما يدل على أهليته وكفايته، وقد قدَّم النَّبِيّ ? بعض صغار السِنِّ على من هم أكبر منهم لَمَّا رأى من كفايتهم وأهليتهم فيما قدَّمهم فيه، كما قدَّم أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه كبار المهاجرين والأنصار، وهو ابن ست عشرة سنة، رغم طعن بعض الناس في إمارته، وأنفذ هذا الجيش أبو بكر ?، ولم يأبه لاستنكار بعض ذوي السن من الصحابة، محتجًّا في ذلك بتقديم الرَّسُول ? إياه.
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ ? سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ، مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ.(5)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِي الله عَنْهمَا، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ? بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ?: إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ.(6)
ولما طلب الناس تأمير من هو أسنُّ من أسامة بعد وفاة النَّبِيّ ?، قال أبو بكر ? لعمر لما كلمه في ذلك: ثكلتك أمُّك يا ابن الخطاب! استعمله رَسُول اللهِ ?، وتأمرني أن أنزعه.(7)
ثانيًا: أن استنكار ابن مسعود أن يترك حرفه، هو شهادة لحرفه بالصحة، لأنه أخذه عن رَسُول اللهِ ?، وليس في ذلك طعنٌ على حرف زيد من حيث هو، وإنَّما غاية ما هنالك أنه لا يرى ترك حرفه لحرف أحدٍ غيره.
قال الباقلاني: ليست شهادة عبد الله لحرفه وأنه أخذه من فم رَسُول اللهِ ? طعنًا على حرف غيره، ولكنه عنده حجةٌ في أنه لا يَجِب عليه تركه، وتحريق مصحف هو فيه.(Cool
ثالثًا: أنه على فرض كون استنكار ابن مسعودٍ طعنًا في صحة جمع القرآن وتواتره، فقد ثبت بِما لا مجال للشك معه أنه قد رجع عن ذلك -كما مرَّ قريبًا.(9)
رابعًا: أننا لو سلَّمنا أن ابن مسعود استمرَّ على استنكاره، وأن استنكاره كان طعنًا في تواتر القرآن وصحة جمعه في زمن عثمان، فإننا نجيب بأن طعن ابن مسعود في التواتر لا يقدح فيه، فإن التواتر حجة قاطعة بصحة ما روي متواترًا، وإذا كان الجماعة الذين اتفقوا على صحة جمع القرآن في زمن عثمان قد بلغوا حدَّ التواتر وأكثر، فإن إنكار الواحد أو الاثنين لا يقدح في ذلك التواتر، فإن من شهد حجةٌ على من لم يشهد.
خامسًا: أن قول ابن مسعود: وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ? أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. ليس قطعًا على أنه ليس فيهم من هو أعلم منه بكتاب الله، وإنما هو اعتقاد ابن مسعود، وهو غير معصوم في هذا الاعتقاد.(10)

(1) سورة آل عمران، من الآية 161.
(2) رواه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، بَاب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ (16/16) ح 2462، وابن أبي داود في كتاب المصاحف باب كراهية عبد الله بن مسعود ذلك ص 23.
(3) مناهل العرفان (1/283).
(4) انظر مناهل العرفان (1/283).
(5) رواه البخاري في صحيحه كتاب المغازي باب بعث النَّبِيّ ? أسامة إلى الحرقات (7/590) ح 4271.
(6) رواه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة باب مناقب زيد بن حارثة (7/108-109) ح 3730.
(7) تاريخ الطبري (2/246)، وانظر فتح الباري (7/759).
(Cool نكت الانتصار لنقل القرآن ص 364.
(9) انظر المبحث السابق، ومناهل العرفان (1/284).
(10) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 364.


تابع : رد الشبهات التي أثيرت حول الجمع العثماني
الشبهة الثانية: الفاتحة والمعوذتان عند ابن مسعود ?.
طعن بعض الطاعنين على جمع القرآن بأن عبد الله بن مسعود ? أنكر أن المعوذتين من القرآن، وكان يَمحوهما من المصحف، وأنه لم يكتب فاتحة الكتاب في مصحفه، وزعموا أن في ذلك قدحًا في تواتر القرآن.(1)
وقد ثبت أن عبد الله بن مسعودٍ ? كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وروي عنه أنه كان لا يكتب فاتحة الكتاب كذلك.
فعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا،(2) فَقَالَ أُبَيٌّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ?، فَقَالَ لِي: قِيلَ لِي فَقُلْتُ. قَالَ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ?.ـ(3)
وَعَنْه أيضًا أنه قَالَ: قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لاَ يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ ? قَالَ لَهُ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، فَقُلْتُهَا، فَقَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَقُلْتُهَا، فَنَحْنُ نَقُولُ مَا قَالَ النَّبِيُّ ?.ـ(4)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى.(5)
وروى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعودٍ لِمَ لَمْ تكتب الفاتحة في مصحفك؟ فقال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة.(6)
وعن ابن سيرين أن أُبَيَّ بن كعبٍ وعثمانَ كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين، ولم يكتب ابن مسعودٍ شيئًا منهن.(7)
الجواب عن هذه الشبهة:
أمَّا فاتحة الكتاب، فإن عدم كتابتها في مصحف ابن مسعود مشكوكٌ فيه، غير مسلم بصحته.
والخبر الذي تعلَّق به أصحاب هذه الشبهة ليس فيه إنكار قرآنية الفاتحة، وإنَّما قصارى ما فيه أن ابن مسعود لم يكن يكتبها، وليس في ذلك جحدٌ بأنَّها من القرآن.
ولو صحَّ عن ابن مسعود هذا الخبر، فإنه لا يجوز لمسلمٍ أن يَظُن خفاء قرآنية الفاتحة على ابن مسعود، فضلاً عن أن يَظُنَّ به إنكار قرآنيتها، وكيف يُظَن به ذلك، وهو من أشد الصحابة عناية بالقرآن، وقد أوصى النَّبِيّ ? بقراءة القرآن على قراءته.(Cool
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بَشَّرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ.(9)
كما أن ابن مسعود ? من السابقين إلى الإسلام، ولم يزل يسمع النَّبِيّ ? يقرأ بالفاتحة في الصلاة، ويقول: لا صَلاَةَ إِلاَّ بِقِرَاءةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ.(10)
فلو صحَّ عنه هذا النقل، وجب أن يُحمل على أكمل أحواله ?، وذلك بأن يُقال: إنه كان يرى أن القرآن كتب في المصاحف مخافة الشك والنسيان، أو الزيادة والنقصان، فلمَّا رأى ذلك مأمونًا في فاتحة الكتاب؛ لأنَّها تثنى في الصلاة، ولأنه لا يجوز لأحد من المسلمين ترك تعلمها -ترك كتابتها، وهو يعلم أنَّها من القرآن، وذلك لانتفاء علة الكتابة -وهي خوف النسيان- في شأنِها.
فكان سبب عدم كتابتها في مصحفه وضوح أنَّها من القرآن، وعدم الخوف عليها من الشك والنسيان، والزيادة والنقصان.(11)
قال أبو بكر الأنباري تعليقًا على قول ابن مسعود: "لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة" قال: يعني أن كلَّ ركعةٍ سبيلُها أن تفتتح بأم القرآن، قبل السورة المتلوَّة بعدها، فقال: اختصرت بإسقاطها، ووثقت بحفظ المسلمين لَهَا، ولم أثبتها في موضعٍ فيلزمني أن أكتبها مع كل سورةٍ، إذ كانت تتقدمها في الصلاة.(12)
ويدل على ذلك أيضًا أنه قد صحَّ عن ابن مسعود قراءة عاصم وغيره، وفيها الفاتحة، وهذا نقلٌ متواتر يوجب العلم.
وأما المعوذتان، فقد ثبت بِما لا مجال للشك معه أنَّهما قرآنٌ منَزَّلٌ.
فقد ورد التصريح بقرآنيتهما عن النَّبِيّ ?.
كما جاء عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ?: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَتَانِ، فَتَعَوَّذُوا بِهِنَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُتَعَوَّذْ بِمِثْلِهِنَّ، يَعْنِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ.(13)
وعَنْه أيضًا أنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ?: أُنْزِلَ أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، الْمُعَوِّذَتَيْنِ.(14)
كما ورد أنه ? صلى بِهما صلاة الصبح، وفي قراءتِهما في الصلاة دليلٌ صريح على كونِهما من القرآن العظيم.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: بَيْنَا أَقُودُ بِرَسُولِ اللهِ ? فِي نَقَبٍ مِنْ تِلْكَ النِّقَابِ، إِذْ قَالَ: أَلاَ تَرْكَبُ يَا عُقْبَةُ؟ فَأَجْلَلْتُ رَسُولَ اللهِ ? أَنْ أَرْكَبْ مَرْكَبَ رَسُولِ اللهِ ?، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تَرْكَبُ يَا عُقْبَةُ؟ فَأَشْفَقْتُ أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً، فَنَزَلَ وَرَكِبْتُ هُنَيْهَةً، وَنَزَلْتُ وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ ?، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ سُورَتَيْنِ مِنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا النَّاسُ؟ فَأَقْرَأَنِي: } قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ {، وَ} قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ {، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَتَقَدَّمَ فَقَرَأَ بِهِمَا، ثُمَّ مَرَّ بِي فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ يَا عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ؟ اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ وَقُمْتَ.(15)
وقد أنكر كثيرٌ من أهل العلم صحة النقل عن ابن مسعود في إنكاره قرآنية المعوذتين، وفي عدم إثباتِهما في مصحفه.
قال الباقلاني: وأما المعوذتان، فكل من ادَّعى أن عبد الله بن مسعودٍ أنكر أن تكونا من القرآن، فقد جهل، وبعُد عن التحصيل.(16)
وقال ابن حزم: وكل ما روي عن ابن مسعود من أن المعوذتين وأم القرآن لم تكن في مصحفه فكذبٌ موضوع، لا يصح، وإنَّما صحَّت عنه قراءة عاصمٍ عن زِرِّ ابن حبيش عن ابن مسعود، وفيها أم القرآن والمعوذتان.(17)
وقال النووي: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن، وأن من جحد شيئًا منه كفر، وما نُقِل عن ابن مسعودٍ في الفاتحة والمعوذتين باطلٌ، ليس بصحيح عنه.(18)
وقد فنَّد هؤلاء العلماء ما ورد عن ابن مسعود من الإنكار أو الْمَحْوِ من المصاحف، وتطلبوا لذلك وجوهًا كثيرةً في الردِّ، منها:
1. أن سبيلَ نقل المعوذتين سبيلُ نقل القرآن، وهو ظاهرٌ مشهورٌ، وأن فيهما من الإعجاز الذي لا خفاء لذي فهمٍ عنه، فكيف يحمل على ابن مسعودٍ إنكار كونِهما قرآنًا، مع ما ذكر من النقل والإعجاز؟
2. أن ابن مسعودٍ لو أنكر أن المعوذتين من القرآن لأنكر عليه الصحابة، ولنقل إلينا نقلاً مستفيضًا، كما أنكروا عليه ما هو أقل من ذلك، وهو اعتراضه على اختيار زيد لجمع القرآن.(19)
3. أن ابن مسعود كان مشهورًا بإتقان القراءة، منتصبًا للإقراء، وقد صحَّ عنه قراءة عاصم وغيره، وفيها المعوذتان، ولو كان أقرأ تلاميذه القرآن دون المعوذتين لنُقل إلينا، فلمَّا لم يروَ عنه، ولا نُقل مع جريان العادة، دلَّ على بطلانه وفساده.(20)
4. أنه لو صحَّ أنه أسقط المعوذتين من مصحفه، فإن ذلك لا يدل على إنكاره كونَهما من القرآن، بل لعله أن يكون أسقطهما لعدم خوف النسيان عليهما، وظن من رأى ذلك مِمن لم يعرف ما دعاه إليه أنه أسقطهما لأنَّهما ليستا عنده بقرآن.(21)
5. ويحتمل أن يكون سمع جواب النَّبِيّ ? لأُبيٍّ لما سأله عنها، وأنه قال: قيل لي، فقلت، فلما سمع هذا أو أخبر به اعتقد أنَّهما من كلام الله ?، غير أنه لا يجب أن تسميا قرآنًا؛ لأنه ? لم يسمهما بذلك، أو أنه سمع جواب النَّبِيّ ? لعقبة لما سأله: أقرآنٌ هما؟ فلم يجبه، وأصبح فصلَّى الصبح بِهما، فاعتقد أنَّهما كلام الله تعالى، ولم يسمهما قرآنًا لما لم يسمهما النَّبِيّ ? بذلك.
6. ويحتمل أن يكون لم ير النَّبِيّ ? يقرأ بِهما في الصلاة قطُّ، فظن به لأجل ذلك أنه يعتقد أنَّهما ليستا من القرآن.(22)
7. وأنه يُمكن أن يكون سئل عن عوذة من العوذ رواها عن النَّبِيّ ?، وظن السائل عنها أنَّها من القرآن، فقال عبد الله: إن تلك العوذة ليست من القرآن، وظن سامع ذلك أو راويه أنه أراد المعوذتين، ويُمكن أن يحمل على ذلك أيضًا جوابه لِمن قال له في المعوذتين: أهي من القرآن؟ فقال بأنها ليست من القرآن، فإنه يحتمل أن يكون سأله عن معوذتين أخريين غير سورة الفلق وسورة الناس.(23)
8. وأما ما روي من حكِّه إياهما من المصحف فذلك بعيدٌ، لأنه لا يَخلو أن يكون حكَّهما من مصحفه، أو من مصاحف أصحابه الذين أخذوا عنه، أو من مصحف عثمان، وما كُتِب منه.




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:30
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

فمحالٌ أن يكون حكَّهما من مصحفه؛ لأنَّهما لم يكونا فيه، لأنه لم يكتبهما.
وكذلك مصاحف من أخذ عنه من أصحابه، فهي بالضرورة موافقة لمصحفه، فلا يُتَصَوَّرُ أن يكون فيها المعوذتان.
وإن كان من مصحف عثمان ?، فذلك بعيدٌ، لأنه شقُّ العصا، وخلافٌ شديدٌ يطول فيه الخطب بينهما، ولو حصل ذلك لنقل إلينا، وفي عدم العلم بذلك دليلٌ على بطلانه.
9. وأما قول الراوي: إنه كان يَحكهما، ويقول: لا تخلطوا به ما ليس منه. يعني المعوذتين، فهذا تفسير من الراوي، ويحتمل أنه كان يَحكُّ الفواتح والفواصل.(24)
ويدل على ذلك ما رواه ابن أبي داود عن أبي جمرة قال: أتيت إبراهيم بمصحفٍ لي مكتوبٍ فيه: سورة كذا، وكذا آية، قال إبراهيم: امحُ هذا، فإن ابن مسعودٍ كان يكره هذا، ويقول: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه.(25)
10. ولو ثبت عنه بنصٍّ لا يحتمل الرد أنه حكَّهما، فإن ذلك يَحتمل وجوهًا من التأويل، منها:
أ- أن يكون رآها مكتوبةً في غير موضعها الذي يجب أن تكتب فيه، وأراد بقوله: لا تخلطوا به ما ليس منه: التأليف الفاسد.
ب- أو أنه رآها كتبت مغيَّرةً بضرْبٍ من التغيير، فحكَّها، وقال: لا تخلطوا به ما ليس منه. يعني فساد النظم.(26)
وهذه التأويلات التي ذكروها حسنةٌ، ولكن الرواية بإنكار ابن مسعودٍ قرآنية المعوذتين ومحوهما من المصاحف صحيحة، فلا ينبغي أن تُرَدَّ بغير مستندٍ، ولا محظور حينئذٍ، فتأويل فعل ابن مسعود مُمكن مع صحة هذه الروايات عنه.
قال الحافظ: وأما قول النووي: أجمع المسلمون… ففيه نظر، وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم… ثم قال: والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستندٍ لا يقبل، بل الرواية صحيحة، والتأويل مُحتملٌ، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر، فهو مخدوش، وإن أراد استقراره، فهو مقبول.(27)
وقال ابن كثير: وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعهما من النَّبِيّ ?، ولم يتواتر عنده، ثم قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة، فإن الصحابة ? أثبتوهما في المصاحف الأئمة، ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك، ولله الحمد والمنَّة.(28)
وعلى صحة هذا النقل يكون الجواب عن هذه الشبهة بوجوه، منها -إضافةً إلى ما سبق:
1- أن ترك كتابة ابن مسعودٍ المعوذتين في مصحفه ليس بالضرورة إنكارًا لقرآنيتهما، إذ ليس يجب على الإنسان أن يكتب جميع القرآن، فلو أنه كتب بعضًا وترك بعضًا، فليس عليه عيب ولا إثم.(29)
2- أنه يحتمل أن يكون ابن مسعودٍ ? لم يسمع المعوذتين من النَّبِيّ ?، ولم تتواترا عنده، فتوقف في أمرهما.
فإن قيل: ولِمَ لَمْ ينكر عليه الصحابة، يجاب بأنَّهم لم ينكروا عليه لأنه كان بصدد البحث والتثبت في هذا الأمر.(30)
3- أنه يَحتمل أنه كان يسمعهما من النَّبِيّ ?، وكان يراه ? يعوِّذ الحسن والحسين بِهما، فظن أنَّهما ليستا من القرآن، وأقام على ظنه ومخالفة الصحابة جميعًا، ثم لَمَّا تيقن قرآنيتهما رجع إلى قول الجماعة.(31)
عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: … وَلَيْسَا فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ،(32) كَانَ يَرَى رَسُولَ اللهِ ? يُعَوِّذُ بِهِمَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ يَقْرَؤُهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ صَلاَتِهِ، فَظَنَّ أَنَّهُمَا عُوذَتَانِ، وَأَصَرَّ عَلَى ظَنِّهِ، وَتَحَقَّقَ الْبَاقُونَ كَوْنَهُمَا مِنَ الْقُرْآنِ فَأَوْدَعُوهُمَا إِيَّاهُ.(33)
ومِمَّا يؤيد أنه رجع إلى قول الجماعة، ما ذكرناه آنفًا من صحة قراءة عاصم وغيره عنه، وأن فيها المعوذتين.
4- أنه على فرض استمرار عبد الله بن مسعودٍ على إنكار قرآنية المعوذتين، ومَحوهما من المصاحف، يُجاب بأنه ? انفرد بِهذا الإنكار، ولم يتابعه عليه أحدٌ من الصحابة ولا غيرهم، وانفراده على فرض استمراره عليه لا يطعن في تواتر القرآن، فإنه ليس من شرط التواتر ألاَّ يُخالف فيه مخالفٌ، وإلا لأمكن هدم كل تواتر، وإبطال كل علم قام عليه بمجرد أن يُخالف فيه مخالفٌ.
فلو أنه ثبت أن ابن مسعود ? أنكر المعوذتين، بل أنكر القرآن كله، واستمر على ذلك، فإن إنكاره لا يقدح في تواتر القرآن.
قال البزار: لم يتابع عبدَ الله أحدٌ من الصحابة.(34)
ولا شكَّ أن إجماع الصحابة على قرآنيتهما كافٍ في الردِّ على هذا الطعن، ولا يضرُّ ذلك الإجماع مخالفة ابن مسعود، فإنه لا يُعقل تصويب رأي ابن مسعودٍ وتخطئة الصحابة كلهم، بل الأمة كلها.(35)
وقد استشكل الفخر الرازي على فرض صحة النقل عن ابن مسعودٍ في إنكاره قرآنية المعوذتين أنه إن قيل إن قرآنية المعوذتين كانت متواترةً في عصر ابن مسعودٍ، لزم تكفير من أنكرهما، وإن قيل إن قرآنيتهما لم تكن متواترةً في عصره، لزم أن بعض القرآن لم يتواتر في بعض الزمان، قال: وهذه عقدة صعبة.(36)
ويجاب عن هذا الاستشكال بأن تواتر قرآنية المعوذتين في عصر ابن مسعودٍ لا شكَّ فيه، ولا يلزم من ذلك تكفيره ?، إذ إن التواتر -وإن كان يفيد العلم الضروري- فإنه نفسه ليس علمًا ضروريًّا -أي أنه قد يخفى على بعض الناس، فليس من الضروري أن يعلم كلُّ واحدٍ من أهل العصر بتواتر الشيء، فإن خفي عليه هذا التواتر كان معذورًا، فلا يُكَفَّر.
قال ابن حجر: وأجيب باحتمال أنه كان متواترًا في عصر ابن مسعودٍ، لكن لم يتواتر عند ابن مسعود، فانحلَّت العقدة بعون الله تعالى.(37)

(1) مناهل العرفان (1/275).
(2) قال الحافظ ابن حجر: هكذا وقع هذا اللفظ مبهمًا، وكأن بعض الرواة أبْهمه استعظامًا له، وأظن ذلك سفيان، فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإبْهام. فتح الباري (8/615).
(3) رواه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب سورة (قل أعوذ برب الناس) (8/614) ح 4977.
(4) رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/154) ح 20682.
(5) رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/154) ح 20683. قال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد والطبراني، ورجال عبد الله رجال الصحيح، ورجال الطبراني ثقات. مجمع الزوائد (7/152).
(6) رواه عبد بن حميد في مسنده، انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/9)، وفتح القدير للشوكاني (1/62)، ورواه أبو بكر الأنباري، انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(1/81).
(7) رواه عبد بن حميد في مسنده، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، انظر فتح القدير (1/62).
(Cool انظر مناهل العرفان (1/276).
(9) رواه ابن ماجه في سننه كتاب المقدمة، باب فضل عبد الله بن مسعود (1/49) ح 138، وابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب كتابة المصاحف حفظًا ص 152-153.
(10) رواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب (1/216) ح 820.
(11) انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 47-49، ومناهل العرفان (1/276).
(12) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(1/81)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/9).
(13) رواه أحمد في مسنده، مسند الشاميين (5/137) ح 16848.
(14) رواه مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين باب فضل قراءة المعوذتين (6/96) ح 814.
(15) رواه النسائي في سننه، كتاب الاستعاذة، (8/253) ح 5437، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في المعوذتين (2/73) ح 1462.
(16) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 90.

(17) المحلى (1/13).
(18) المجموع شرح المهذب (3/363).
(19) كما مرَّ في المبحث السابق.
(20) انظر المحلى (1/13)، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 90-91، والفصل في الملل والأهواء و النحل (2/212).
(21) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 91.
(22) انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 92، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 43.
(23) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 92-93.
(24) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 93.
(25) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب كتابة الفواتح والعدد في المصاحف ص 154.
(26) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 93-94.
(27) فتح الباري (8/615).
(28) تفسير القرآن العظيم للحافظ عماد الدين بن كثير (4/571).
(29) انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 49.
(30) انظر مناهل العرفان (1/276)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/571).
(31) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 43.
(32) يعني المعوذتين.
(33) رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/154) ح 20684.
(34) مجمع الزوائد (7/152)، وفتح الباري (8/615).
(35) مناهل العرفان (1/276-277).
(36) فتح الباري (8/616).
(37) فتح الباري (8/616).


تابع : رد الشبهات التي أثيرت حول الجمع العثماني
الشبهة الثالثة: سورتا الخلع والحفد عند أُبَيِّ بنِ كعبٍ
وردت بعض الآثار التي توحي بأن أُبَيَّ بنَ كعبٍ كان يقرأ دعاء القنوت المعروف بسورتي أُبَيِّ بن كعبٍ على أنه من القرآن:
فعن الأعمش أنه قال: في قراءة أُبَيِّ بن كعبٍ: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك.(1) اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك بالكفار ملحِق.(2)
كما ورد أنه كان يكتبهما في مصحفه:
فعن ابن سيرين قال: كتب أُبَيُّ بن كعبٍ في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين، واللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد، وتركهن ابن مسعودٍ، وكتب عثمان منهن فاتحة الكتاب والمعوذتين.(3)
وعن أُبَيِّ بن كعبٍ أنه كان يقنت بالسورتين، فذكرهما، وأنه كان يكتبهما في مصحفه.(4)
وعن عبد الرحمن بن أبزى أنه قال: في مصحف ابن عباس قراءةُ أُبَيِّ بن كعبٍ وأبي موسى: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك الخير ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. وفيه: اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفِد. نخشى عذابك ونرجو رحمتك . إن عذابك بالكفار ملحِق.(5)
كما ورد أن بعض الصحابة كان يقنت بِهاتين السورتين:
فعن عمر بن الخطاب أنه قنت بعد الركوع، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك الجد بالكافرين ملحِق.(6)
قال ابن جريج: حكمة البسملة أنَّهما سورتان في مصحف بعض الصحابة.(7)
فزعم بعض الطاعنين أن ما روي من إثبات أُبَيٍّ القنوت في مصحفه يطعن على جمع الصحابة للقرآن، ويدل على أنَّهم نقصوا منه، وزعموا أن اشتباه القنوت بالقرآن عند أُبَيٍّ دليلٌ على عدم اشتهار أمر القرآن وعدم انتشاره، وإمكانية التباسه بغيره من الكلام، إذ قد التبس على أُبَيِّ بن كعبٍ، مع كونه من أعلم الناس به، وأحفظهم له.(Cool
ويجاب عن هذه الشبهة بوجوه:
الأول: أن الروايات التي وردت عن أُبَيٍّ في أمر القنوت غير مسلَّم بصحتها، وهي معارَضة بِما عُرِف من فضل أُبَيٍّ، وعقله، وحسن هديه، وكثرة علمه، ومعرفته بنظم القرآن.(9)
الثاني: أن القنوت ليس من القرآن، لأنه لو كان منه لأثبته الرَّسُول ? وأظهره. ولأن نظمه قاصر عن نظم القرآن، يعلم ذلك أهل البلاغة والفصاحة، فلعل أبيًّا إن كان قال ذلك أو كتبه في مصحفه، إنَّما قاله أو كتبه سهوًا، ثم استدرك وأثبت أنه ليس من القرآن.
وقد يعترض على هذا بأن يقال كيف يُشْكِل على أُبَيٍّ أمر هذا الدعاء، وبأنه يلزم من ذلك أنه ? لم يكن على معرفةٍ بوزن القرآن من غيره من الكلام.
ويجاب عن ذلك بأنه قد يكون قد ظنَّ أن القنوت -وإن قصر عن رتبة باقي السور في الجزالة والفصاحة، إلا أنه يجوز أن يكون قرآنًا، وأنه يبعد أن يُؤتى بمثله، وإن كان غيره من القرآن أبلغ منه، كما قيل: قد يكون بعض القرآن أفصح من بعضٍ.(10)
الثالث: أنه مِمَّا يدل على ضعف هذا الخبر عن أُبَيٍّ ما عُلِم من أن عثمان ? تشدد في قبض المصاحف المخالفة لمصحفه، وتحريقها، والعادة توجب أن مصحف أُبَيٍّ كان من أول ما يُقبض، وأن تكون سرعة عثمان إلى مطالبته به أشدَّ من سرعته إلى مطالبة غيره بِمصحفه؛لأنه كان مِمَّن شارك في ذلك الجمع.(11)
وقد صحت الرواية بِما يدل على أن عثمان قد قبض مصحف أُبَيٍّ ?.
فعن محمد بن أُبَيٍّ أن ناسًا من أهل العراق قدموا إليه، فقالوا: إنَّما تحمَّلْنا إليك من العراق، فأخْرِجْ لنا مصحفَ أُبَيٍّ. قال محمدٌ: قد قبضَه عثمان. قالوا: سبحان الله! أخْرِجْه لنا. قال: قد قبضَه عثمان.(12)
الرابع: أن ما روي عن أُبَيٍّ ليس فيه أن دعاء القنوت قرآنٌ منَزَّل، وإنَّما غاية ما فيه أنه أثبته في مصحفه.
فإن صحَّ أنه أثبته في مصحفه، فلعله أثبته لأنه دعاءٌ لا استغناء عنه، وهو سنة مؤكدة يجب المواظبة عليه، وأثبته في آخر مصحفه أو تضاعيفه لأجل ذلك، لا على أنه قرآن منَزل قامت به الحجة، وقد كان الصحابة يثبتون في مصاحفهم ما ليس بقرآن من التأويل والمعاني والأدعية، اعتمادًا على أنه لا يُشكل عليهم أنَّها ليست بقرآن.(13)
الخامس: أنه يحتمل أن يكون بعض هذا الدعاء كان قرآنًا منَزلاً، ثم نُسخ، وأُبيح الدعاء به، وخُلط به ما ليس بقرآنٍ، فكان إثبات أُبَيٍّ هذا الدعاء أولاً فنُقِل عنه.(14)
السادس: أنه على فرض التسليم بأن أُبَيًّا كان يرى أن القنوت من القرآن، وأنه استمر على ذلك الرأي، فليس ذلك بِمطعنٍ في صحة نقل القرآن، فإنه على هذا الفرض كان منفردًا بذلك الرأي، ويدل على ذلك عدم إثباته في صحف أبي بكر ?، ولا في مصاحف عثمان، إذ كانت كتابة القرآن في عهد أبي بكر في غاية الدقة والالتزام، بحيث لم تقبل قراءة إلا بشاهدين، فلما كانت قراءته ? فردية لم تقبلْ، كما رُدَّت قراءة عمر في آية الرجم.(15)
فلو سلَّمنا أن أُبَيًّا ظنَّ دعاء القنوت قرآنًا، فأثبته في مصحفه، فإن ذلك لا يطعن في تواتر القرآن، لأنه انفرد به، وقد حصل الإجماع على ما بين الدفتين وتواتره، فلا يضر بعد ذلك مخالفة من خالف.
السابع: أننا لو سلَّمنا أن أُبَيًّا كان يعتقد أن القنوت من القرآن، فقد ثبت أنه رجع إلى حرف الجماعة، واتفق معهم، والدليل على ذلك قراءته التي رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو، وغيرهم، وليس فيها سورتا الحفد والخلع -كما هو معلوم،(16) كما أن مصحفه كان موافقًا لمصحف الجماعة.
قال أبو الحسن الأشعري: قد رأيت أنا مصحف أنسٍ بالبصرة، عند قومٍ من ولدِه، فوجدتُه مساويًا لمصحف الجماعة، وكان ولد أنسٍ يروي أنه خطُّ أنسٍ وإملاء أُبَيٍّ.(17)
الشبهة الرابعة: دعوى تصرف مروان في قراءة الفاتحة(18)
جاء في بعض الآثار أن مروان بن الحكم(19) كان أول من قرأ قوله تعالى: } مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ { بدون ألف.(20)
فعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ? وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَقْرَؤُونَ: } مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ { وَأَوَّلُ مَنْ قَرَأَهَا: } مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ { مَرْوَانُ.(21)
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أيضًا أنه بلغه أنَّ النَّبِيَّ ? وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ومعاوية وابنه يزيد كانوا يَقْرَؤُونَ: } مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ { قال الزُّهْرِيُّ: وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ: } مَلِكِ { مَرْوَانُ.(22)
فزعم بعض الطاعنين على نقل القرآن أن مروان قد فعل ذلك من تلقاء نفسه، وأنه حذف الألف دون أن يَرِدَ ذلك عن النَّبِيّ ?، فضلاً عن أن يتواتر عنه.
ويجاب عن هذه الشبهة بوجوه:
الأول : أن هذا كذب فاضح، لا حجة عليه، فإن الآثار الواردة في هذا ليس فيها أن مروان قد فعل من تلقاء نفسه دون ورود القراءة به عن النَّبِيّ ?، وإنما غاية ما فيها أنه كان يقرأ دون ألفٍ.
الثاني: أن قول الزهري إن مروان كان أول من قرأ } مَلِكِ {، لا يعدو أن يكون خبرًا شخصيًّا لم يسنده إلى من قبله من الصحابة ?، وعدم علم الزهري بِهذه القراءة -على فرض التسليم به- لا يجعلها غير متواترة.
قال ابن كثير: مروان عنده علم بصحة ما قرأه، لم يطلع عليه ابن شهاب، والله أعلم.(23)
الثالث: أنه قد انعقد الإجماع على صحة نقل القرآن، وتم له التواتر، ومنه هذه القراءة، حيث قد قرأ بِها أبو الدرداء، وابن عباس، وابن عمر، وهؤلاء قرؤوا ونقلت عنهم تلك القراءة(24) قبل أن يقرأ مروان، وإخبار الزهري أن مروان أول من قرأ بِها لا يُردُّ به الثابت القطعي من القرآن الكريم.(25)
الرابع: أن المراد أن مروان كان أول من قرأ بِهذه القراءة من الأمراء في الصلاة بجماعة، وليس في ذلك أن الزهري لم يعلم قراءة: } ملك يوم الدين { قبل مروان مطلقًا، فمن البعيد عن الزهري مع جلالته أن تخفى عنه تلك القراءة المتواترة.(26)
الخامس: أنه قد وردت الروايات أيضًا عند من أخرج خبر الزهري بأن النَّبِيّ ? كان يقرأ: } مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ { بدون ألف:
فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ قِرَاءةَ رَسُولِ اللهِ: } بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ! الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ! الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ! مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ { ، يُقَطِّعُ قِرَاءتَهُ آيَةً آيَةً.(27)
وعَنْها أيضًا أنَّها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يُقَطِّعُ قِرَاءتَهُ، يَقُولُ: } الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {، ثُمَّ يَقِفُ، } الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {، ثُمَّ يَقِفُ، وَكَانَ يَقْرَؤُهَا: } مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ {.(28)
السادس: أن المصاحف العثمانية اتفقت جميعها على رسم (ملك) هكذا دون ألف، وهذا الرسم محتمل للقراءتين بالمد والقصر جميعًا.(29)
دعوى أن الصحابة تصرفوا واختاروا ما شاءوا في كتابة القرآن.
وقريب من الشبهة السابقة ما تُوُهِّم من تصرف بعض الصحابة في اختيار وجه القراءة.
وتعلقوا في ذلك بما روي عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه قال: قالوا لزيدٍ: يا أبا سعيد أوْهَمْتَ! إنَّما هي (ثمانية أزواجٍ من الضأن اثنين اثنين ومن المعز اثنين اثنين ومن الإبل اثنين اثنين ومن البقر اثنين اثنين)، فقال: لا، إن الله تعالى يقول: } فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى{، فهما زوجان، كل واحدٍ منهما زوج: الذكر زوجٌ، والأنثى زوجٌ.(30)
قيل: فهذه الرواية تدل على تصرُّف النُّسَّاخ في المصاحف، واختيارهم ما شاءوا في تلاوة القرآن وكتابته.
والجواب أن كلام زيدٍ في هذا الأثر لا يدل على تصرُّفٍ في اختيار القراءة، وإنَّما بيانٌ لوجه القراءة التي قرأ بِها بعد سماعها من النَّبِيّ ?، وكتابتها بين يديه.(31)

(1) قال ابن الأثير: أي: يعصيكَ ويُخالِفكَ. النهاية في غريب الحديث والأثر (3/414).
(2) رواه ابن أبي شيبة في المصنف، باب ما يدعو به في قنوت الفجر (2/106) ح 7030.
(3) رواه أبو عبيد، انظر الإتقان في علوم القرآن (1/184).
(4) أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، انظر الإتقان في علوم القرآن (1/185).
(5) رواه ابن الضريس، انظر الإتقان في علوم القرآن (1/185).
(6) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، باب دعاء القنوت (2/211)، وابن أبي شيبة في المصنف باب ما يدعو به في قنوت الفجر (2/106) ح 7031، وفيه أيضًا عن عبد الملك بن سويد الكاهلي أن عليًّا ? قنت في الفجر بِهاتين السورتين، فذكرهما، ح 7029.
(7) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/185).
(Cool انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 79، ومناهل العرفان (1/264).
(9) انظر: نكت الانتصار لنقل القرآن ص 80.
(10) تأويل مشكل القرآن ص 47، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 79-81، ومناهل العرفان (1/271).
(11) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 80.
(12) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب جمع عثمان المصاحف ص 32-33.
(13) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 80، مناهل العرفان (1/271)، وتأويل مشكل القرآن ص 47، والبرهان في علوم القرآن (1/251).
(14) مناهل العرفان (1/271)، ومعجم القراءات القرآنية (1/25).
(15) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/167-168)، ومعجم القراءات القرآنية (1/25).
(16) انظر مبحث الحفاظ من الصحابة، وهو المبحث الرابع من الفصل الأول من الباب الأول.
(17) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 81.
(18) هذه الشبهة، وإن لم تكن متعلقة مباشرة بجمع القرآن، إلا أنَّها تتعلق بنقل القرآن، وهو مقصود الجمع، فرأيت أنه من الحسن إثباتها هنا؛ لأن في الرد عليها ردًّا على من زعم أن القرآن لم ينقل إلينا على الوجه الذي جمع الصحابة، وقرأ به النَّبِيّ ? من قبلهم.
(19) هو مروان بن الحكم بن أبي العاص، مرت ترجمته في (حرق المصاحف المخالفة).
(20) اختلف القراء في هذا اللفظ، فقرأه نافع وأبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة (ملك) بدون ألف، وقرأه عاصم والكسائي ويعقوب وخلف في اختياره (مالك) بالألف. انظر النشر في القراءات العشر (1/271).
(21) رواه أبو داود في سننه، كتاب الحروف والقراءات (4/37) ح 4000، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب ما روي عن رَسُول اللهِ ? من القرآن فهو كمصحفه ص 103، وانظر الدر المنثور في التفسير المأثور (1/35-36).

(22) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب ما روي عن رَسُول اللهِ ? من القرآن فهو كمصحفه ص 104، وانظر الدر المنثور في التفسير المأثور (1/36).
(23) تفسير القرآن العظيم (1/24).
(24) وقد قرأ بِها جمهور القراء، كما مر، انظر النشر في القراءات العشر (1/271).
(25) مناهل العرفان (1/396).
(26) بذل المجهود في حل سنن أبي داود (16/328).
(27) رواه أبو داود في سننه، كتاب الحروف والقراءات (4/37) ح 4001، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب ما روي عن رَسُول اللهِ ? من القرآن فهو كمصحفه ص 105.
(28) رواه الترمذي في جامعه، كتاب القراءات باب في فاتحة الكتاب (5/185) ح 2927.
(29) انظر: كتاب المصاحف لابن أبي داود باب ما اجتمع عليه كُتَّاب المصاحف، ص 117-118، ومناهل العرفان (1/396).
(30) رواه ابن أشتة في كتاب المصاحف، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/277).
(31) مناهل العرفان (1/395).


تابع : رد الشبهات التي أثيرت حول الجمع العثماني
الشبهة الخامسة: دعوى أن في المصاحف العثمانية لحنًا
وردت آثار عن بعض الصحابة والتابعين فيها أن القرآن العظيم قد وقع فيه لحنٌ عند جمعه في زمن عثمان ?.
فعن عكرمة الطائي قال: لَمَّا كتبت المصاحف عُرِضَتْ على عثمانَ، فوجدَ فيها حروفًا من اللَّحْن، فقال: لا تُغَيِّرُوها؛ فإن العرب ستُغَيِّرُها- أو قال ستعربُها- بألسنتها، لو كان الكاتب من ثقيفٍ، والمملي من هذيلٍ لم توجد فيه هذه الحروف.(1)
وعن سعيد بن جبيرٍ، قال: في القرآن أربعة أحـرفٍ لحـنٌ: } وَالصَّابِئُونَ {،(2) } وَالْمُقِيمِينَ {،(3) } فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ {،(4) و} إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ {.(5)
قال السيوطي: وهذه الآثار مشكلة جدًّا.(6)
وقد تعلَّق بِها بعض الطاعنين على القرآن ونقله، وزعموا أنَّها تدل على أن جمع الصحابة للقرآن لا يوثق به.
والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
الأول: أن ذلك لا يصح عن عثمان، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع.(7)
الثاني: مِمَّا يدل على ضعف هذه الآثار أن وقوع اللحن في القرآن وسكوت الصحابة عنه مِمَّا يستحيل عقلاً وشرعًا وعادةً، لوجوه:
1. أنه لا يُظَنُّ بالصحابة أنَّهم يلحنون في الكلام، فضلاً عن القرآن، فقد كانوا أهل الفصاحة والبيان.
2. أنه لا يُظَنُّ بِهم اللحن في القرآن الذي تلقوه من النَّبِيّ ? كما أنزل، وحفظوه وضبطوه وأتقنوه.
3. أن افتراض صحة هذا النقل يعني أن الصحابة اجتمعوا على الخطأ وكتابته، وهذا مما لا يُظَنُّ بِهم.
4. أنه لا يُظَنُّ بِهم عدم تنبههم للخطأ ورجوعهم عنه، مع كثرتهم، وحرصهم، وتوافر الدواعي إلى حفظ الكتاب الكريم.
5. أنه لا يُظَنُّ بعثمان أنه ينهى عن تغيير الخطأ، ولو فعل ذلك لَما سكت عنه الصحابة ?.
6. أنه لا يُظَنُّ أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهي مروية بالتواتر خلفًا عن سلفٍ.(Cool
فقد جَعَلَ عثمانُ للناسِ إمامًا يقتدون به، فكيف يرى فيه لحنًا ويتركه تقيمه العرب بألسنتها؟ فإذا كان الذين تولَّوا جمعه لم يقيموا ذلك -وهم الخيار- فكيف يقيمه غيرهم؟ فهذه الأوجه مِما يدل على أن هذه الآثار غير صحيحة.
قال ابن الأنباري(9) في الأحاديث المروية في ذلك عن عثمان ?: لا تقوم بِها حجةٌ؛ لأنَّها منقطعةٌ غير متصلة، وما يشهد عقلٌ بأن عثمان -وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته، وقدوتُهم- يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام، فيتبينُ فيه خللاً، ويشاهد في خطه زللاً، فلا يصلحه، كلاَّ والله، ما يَتَوَهَّم عليه هذا ذو إنصافٍ وتمييزٍ، ولا يعتقد أنه أخَّر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده، وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه، والوقوف عند حكمه.
ومن زعم أن عثمان أراد بقوله: "أرى فيه لحنًا": أرى في خطه لحنًا، إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسدٍ ولا محرِّفٍ، من جهة تحريف الألفاظ وفساد الإعراب -فقد أبطل ولم يُصِبْ؛ لأن الخط منبئ عن النطق، فمن لحن في كتبه، فهو لاحنٌ في نطقه، ولم يكن عثمان ليؤخر فسادًا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتبٍ ولا نطقٍ، ومعلومٌ أنه كان مواصلاً لدرس القرآن، متقنًا لألفاظه، موافقًا على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي.(10)
ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد عن هانئ البربري مولى عثمان، قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاةٍ إلى أُبَيِّ بن كعبٍ، فيها: (لَمْ يَتَسَنَّ)، وفيها: (لاَتَبْدِيلَ لِلْخَلْقِ)، وفيها: (فَأَمْهٍلِ الْكَافِرِينَ)، قال: فدعا بالدواة، فمحا أحد اللامين، فكتب: } لِخَلْقِ اللهِ {،(11) ومحا (فَأَمْهٍلِ) وكتب: } فَمَهِّلِ {،(12) وكتب: } لَمْ يَتَسَنَّهْ {،(13) ألحق فيها الهاء.(14)
قال ابن الأنباري: فكيف يُدَّعى عليه أنه رأى فسادًا فأمضاه، وهو يوقَف على ما كُتِب، ويُرْفع الخلافُ إليه الواقع من الناسخين، ليحكم بالحق، ويُلزمهم إثبات الصواب وتخليده.(15)
قال السيوطي: ويؤيد ذلك أيضًا ما رواه ابن أشتة في كتاب المصاحف عن عبد الله بن الزبير أنه قال: فجمع عثمان المصاحف، ثم بعثني إلى عائشة، فجئت بالصحف، فعرضناها عليها، حتى قوَّمناها، ثم أمر بسائرها فشققت.
فهذا يدل على أنَّهم ضبطوها وأتقنوها، ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم.(16)
الثالث: أن عثمان لَم يكتب مصحفًا واحدًا، بل كتب عدة مصاحف، فإن قيل: إن اللحن وقع في جميعها، فبعيد اتفاقها على ذلك، أو في بعضها، فهو اعترافٌ بصحة البعض، ولم يذكر أحدٌ من الناس أن اللحن كان في مصحفٍ دون مصحفٍ، ولم تأت المصاحف قطُّ مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءة، وليس ذلك بلحنٍ.(17)
الرابع: على تقدير صحة الرواية أن ذلك محمولٌ على الرَّمْز والإشارة، ومواضع الحذف، نحو (الصـبرين)، و(الكتـب) وما أشبه ذلك.
الخامس: أن المراد به أن فيه لحنًا عند من تَوَهَّم ذلك، وخفي عليه وجه إعرابه، وأنه أراد بقوله: "وستقيمه العرب بألسنتها"، أي: محتجين عليه، مظهرين لوجهه.(18)
السادس: أن المراد باللحن ليس الخطأ، بل هو مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها، كما كتبوا: } لاأذبحنه {،(19) بألفٍ بعد (لا)، و} جزاؤا الظالمين {،(20) بواو وألف، و} بأييدٍ {،(21) بيائين، فلو قرئ بظاهر الخط كان لحنًا، وبِهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشتة في كتاب المصاحف.(22)
السابع: أن المراد باللحن القراءة واللغة، وليس المراد به الخطأ، فيكون المراد بكلمة (لحن) في الروايات المذكورة: قراءة، ولغة، كقوله تعالى: } وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ {.(23)
والمعنى أن في القرآن ورسم مصحفه وجهًا في القراءة لا تلين به ألسنة جميع العرب، ولكنها لا تلبث أن تلين بالمران وكثرة تلاوة القرآن بِهذا الوجه.
ويكون قول سعيد ابن جبير: "لحن"، بمعنى أنَّها لغة الذي كتبها وقراءته، وأن فيها قراءةً أخرى.(24)
ويدل على ذلك الوجه قول عمر ? في الحديث عن قراءة أُبَيٍّ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ ?: عَلِيٌّ أَقْضَانَا، وَأُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا، وَإِنَّا لَنَدَعُ كَثِيرًا مِنْ لَحْنِ أُبَيٍّ … الحديث.(25)
وقد روى أثر عثمان هذا ابن أشتة في كتاب المصاحف بلفظ خالٍ من هذا الإشكال.
فعن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، قال: لَمَّا فُرِغ من المصحف، أُتِي به عثمانُ، فنظر فيه، فقال: أحسنتم وأجملتم! أرى شيئًا سنقيمه بألسنتنا.
قال السيوطي: فهذا الأثر لا إشكال فيه، وبه يتضح معنى ما تقدم، فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته ، فرأى فيه شيئًا كُتِب على غير لسان قريشٍ، كما وقع لهم في (التابوة) و(التابوت)، فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريشٍ، ثم وفَّى بذلك عند العرض والتقويم، ولم يترك فيه شيئًا، ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرَّفها، ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان، فلزم منه ما لزم من الإشكال، فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك، ولله الحمد.(26)

(1) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن الأنباري في كتاب الردِّ على من خالف عثمان وابن أشتة في كتاب المصاحف، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/269-270)، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب اختلاف ألحان العرب في المصاحف، عن يحيى ابن يعمر وقتادة وعكرمة. ص 41-42.
(2) من الآية 69 من سورة المائدة.
(3) من الآية 162 من سورة النساء.
(4) من الآية 10 من سورة المنافقون.
(5) من الآية 63 من سورة طه. أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب اختلاف ألحان العرب في المصاحف ص 42، ورواه ابن الأنباري أيضًا، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/270).
(6) الإتقان في علوم القرآن (2/270).
(7) فقد رواه قتادة عن عثمان مرسلاً، ورواه نصر بن عاصم عنه مسندًا، ولكن فيه عبد الله بن فطيمة، وهو مجهول، لا يُقبل خبره. انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 125، والإتقان في علوم القرآن (2/270).
(Cool الإتقان في علوم القرآن (2/270).
(9) في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان.
(10) انظر الإتقان في علوم القرآن (2/271).
(11) من الآية 30 من سورة الروم.
(12) من الآية 17 من سورة الطارق.
(13) من الآية 209 من سورة البقرة.
(14) رواه أبو عبيد، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/271).
(15) انظر الإتقان في علوم القرآن (2/272).
(16) انظر الإتقان في علوم القرآن (2/272).
(17) الإتقان في علوم القرآن (2/270)، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) (6/26-27).
(18) انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 128.
(19) سورة النمل من الآية 21.
(20) سورة المائدة من الآية 29.
(21) سورة الذاريات من الآية 47.
(22) نكت الانتصار لنق القرآن ص 128-129، والإتقان في علوم القرآن (2/270)، وانظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 51.
(23) من الآية 30 من سورة محمد ?.
(24) انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 125، ومناهل العرفان (1/387-388)، والإتقان في علوم القرآن (2/273).
(25) رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/131) ح 20581.
(26) انظر الإتقان في علوم القرآن (2/272).


تابع : رد الشبهات التي أثيرت حول الجمع العثماني
الشبهة السادسة: دعوى الخطأ على الكُتَّاب في المصاحف العثمانية
ادَّعى بعض الطاعنين على نقل القرآن الكريم أن هذا النقل قد حصل فيه خطأ من الكُتَّاب والقراء عند كتب المصاحف العثمانية، وتعلَّقوا في ذلك بآثارٍ رويت عن بعض الصحابة في ذلك، منها:
1. عن عروة بن الزبير أنه سأل(1) عائشة عن قوله تعالى: } وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ {،(2) وعن قوله: } إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ {،(3) وعن قوله: } إنَّ هـَذَانِ لَسَاحِرَانِ {،(4) فقالت: يا ابن أختي، هذا عمل الكُتَّاب، أخطؤوا في الكتاب.(5)
2. عن أَبي عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أنَّه دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: جِئْتُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ ? كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يَقْرَؤُهَا. فَقَالَتْ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ فَقَالَ: } الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوْا {،(6) أَوِ (الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا)؟ فَقَالَتْ: أَيَّتُهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لإِحْدَاهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا، أَوِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. قَالَتْ: أَيَّتُهُمَا؟ قُلْتُ: (الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا). قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? كَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا، وَكَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. أَوْ قَالَتْ: أَشْهَدُ لَكَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يَقْرَؤُهَا، وَلَكِنَّ الْهِجَاءَ حُرِّفَ.(7)
3. عن ابن عباس أنه كان يقرأ: } لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا {،(Cool قال: وإنَّما (تستأنسوا) وهم من الكُتَّاب.(9)
4. عن ابن عباس أنه قرأ: (أَفَلَمْ يتبيَّن الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا)، فقيل له: إنَّها في المصحف: } أَفَلَمْ يَيْأَس {،(10) فقال: أظن الكاتب كتبها وهو ناعس.(11)
5. عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله تعالى: } وَقَضَى رَبُّكَ {:(12) إنَّما هي (ووصى ربُّك)، التزقت الواو بالصاد.(13)
6. عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياءً)،(14) ويقول: خذوا هذا الواو واجعلوها هنا: (والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم).(15)
7. عن ابن عباس في قوله تعالى: } مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ {،(16) قال: هي خطأ من الكاتب، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة، إنَّما هي: (مثل نور المؤمن كمشكاة).(17)
فزعموا أن هذه الآثار دلت على أن كتاب المصاحف قد أخطؤوا وجه الصواب في كتابة المصاحف، وانبنى على تلك الأخطاء قراءة القراء بعد ذلك.
ويُجاب عن هذه الشبهة بطريقين:
أولاً: الأجوبة العامة:
فقد أجاب العلماء عن هذه الأحاديث في الجملة بوجوه عامة، منها:
1 - جنح ابن الأنباري وغيره إلى تضعيف هذه الروايات، ومعارضتها بروايات أخرى عن ابن عباس وغيره بثبوت هذه الأحرف في القراءة.(18)
ويدل على ضعف هذه الروايات كما سبق في الشبهة السابقة إحالة العادة خفاءَ الخطأ في مثل القرآن، الذي توافرت الْهمم على نقله وحفظه، وعدمَ انتباه الصحابة إليه، وتركَه إذا انتبهوا إليه دون تصحيح لِما زُعم فيه من الخطأ.
قال الزمخشري: وهذا ونحوه مِمَّا لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتًا بين دفتي الإمام، وكان متقلبًا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله، المهتمين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصًا عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، هذه -والله- فريةٌ ما فيها مريةٌ.(19)
2 - ما سبق في ردود الشبهة السابقة من أن الصحابة لم يكتبوا مصحفًا واحدًا، بل كتبوا عدة مصاحف، وأن أحدًا لم يذكر أي المصاحف الذي كان فيه الخطأ، ويبعد اتفاق جميع المصاحف على ذلك الخطأ المزعوم.(20)
قال الطبري: فلو كان ذلك خطأً من الكاتب لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف -غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه- بخلاف ما هو في مصحفنا، وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أُبَيٍّ في ذلك ما يدل على أن الذي في مصحفنا من ذلك صوابٌ غير خطأٍ، مع أن ذلك لو كان خطأً من جهة الخط، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رَسُول اللهِ ? يُعَلِّمون من علَّموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن، ولأصلحوه بألسنتهم، ولقَّنُوه للأمة على وجه الصواب، وفي نقل المسلمين جميعًا ذلك قراءةً على ما هو به في الخط مرسومًا أدلُّ الدليل على صحة ذلك وصوابه، وأن لا صنع في ذلك للكاتب.(21)
3 - إذا سلمنا صحة تلك الروايات، فإننا نردُّها برغم دعوى صحتها، لأنَّها معارضةٌ للقاطع المتواتر من القرآن الكريم، ومعارض القاطع ساقط، لا يلتفت إليه، والقراءة التي تخالف رسم المصحف شاذَّةٌ لا يلتفت إليها، ولا يُعوَّل عليها.(22)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن زعم أن الكاتب غلط، فهو الغالط غلطًا منكرًا؛ فإن المصحف منقولٌ بالتواتر، وقد كتبت عدة مصاحف، فكيف يُتَصَوَّرُ في هذا غلطٌ.(23)
4 - وتُدفع الروايات الواردة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- بوجهٍ عامٍّ بأنه ? قد أخذ القرآن عن زيد بن ثابت وأُبَيِّ بن كعبٍ، وهما كان في جمع المصاحف في زمن عثمان ?، وكان زيدٌ هو الذي جمع القرآن بأمر أبي بكر ? أيضًا، وكان كاتبَ الوحي، وكان يكتب بأمر النَّبِيّ ? وإقراره، وابن عباس كان يعرف له ذلك، فمن غير المعقول أن يأخذ عنهما القرآن، ويطعن في ما كتباه في المصاحف.(24)
ويدل على ذلك أن عبد الله بن عباس كان من صغار الصحابة، وقد قرأ القرآن على أبي بن كعب ?، وزيد ابن ثابت ?،ـ(25) وقد روى القراءة عن عبد الله بن عباس أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو وغيرهم من القراء، وليس في قراءتِهم شيءٌ مِمَّا تعلق به هؤلاء، بلقراءته موافقة لقراءة الجماعة.(26)
ثانيًا: الجواب عن كل أثرٍ على حدة:
الأثر الأول:
أن الرواية الواردة عن عائشة في ذلك ضعيفة لا تثبت.(27) قال أبو حيان في قوله تعالى: } وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ {: وذُكِر عن عائشة وأبان ابن عثمان أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف، ولا يصح عنهما ذلك؛ لأنَّهما عربيان فصيحان، وقطع النعوت مشهورٌ في لسان العرب.(28)
وقال الزمخشري: ولا نلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنًا في خط المصحف، وربَّما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب،(29) ولم يعرف مذاهب العرب، وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وخفي عليه أن السابقين الأولين، الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل، كانوا أبعد همةً في الغيرة على الإسلام، وذبِّ الْمطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثُلمةً يسدها من بعدهم، وخرقًا يَرْفُوهُ من يلحق بِهم.(30)
أنه مِمَّا يدل على ضعف الرواية عن عائشة -رضي الله عنها- في تخطئة الكاتب في رسم } إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ {،(31) أن المصاحف العثمانية اتفقت على رسم (هذان) بغير ألف، ولا ياء،(32) ليحتمل أوجه القراءة المختلفة فيها، وإذن فلا يُعقل أن يُقال أخطأ الكاتب، فإن الكاتب لم يكتب ألفًا ولا ياءً. ولو كان هناك خطأٌ تعتقده عائشة ما كانت لتنسبه إلى الكاتب، بل كانت تنسبه إلى من قرأ بالتشديد في (إنَّ) مع القراءة بالألف في (هذان).(33)
أنه لم ينقل عن عائشة تخطئة من قرأ: } وَالصَّابِئُونَ {،(34) بالواو، ولم ينقل عنها أنَّها كانت تقرؤها بالياء، فلا يعقل أن تكون خطَّأت من كتبها بالواو.(35) أننا إذا سلَّمنا بصحة هذا الخبر، فإنه يحتمل أن سؤال عروة لعائشة لم يكن عن اللحن(36) في الكتاب الذي هو الخطأ والزلل والوهم، وإنما سألها عن الحروف المختلفة الألفاظ، المحتملة للوجوه على اختلاف اللغات، وإنما سمَّى عروة ذلك لحنًا، وأطلقت عليه عائشة الخطأ على جهة الاتساع في الأخبار، وطريق المجاز في العبارة، إذ كان ذلك مخالفًا لمذهبهما، وخارجًا عن اختيارهما، وكان خلافه هو الأولى عندهما.(37) أنه يحتمل أيضًا أن قول عائشة: " أخطؤوا في الكتاب" أي في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه. أي أن الوجه الظاهر المعروف في هذه الحروف غير ما جاء به المصحف، وأن استعماله على ذلك الوجه غامضٌ أو غلطٌ عند كثير من الناس، ولحن عند من لا يعرف الوجه فيه، لا أن الذي كتبوه من ذلك خطأٌ خارج عن القرآن، والدليل على ذلك أن غير الجائز من كلِّ شيءٍ مردودٌ بإجماع، وإن طالت مدة وقوعه.(38)
الأثر الثاني:
أن كلام عائشة في قوله تعالى: } يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوْا {،(39) ليس فيه إنكار هذه القراءة المتواترة، وإنما غاية ما فيه أن ما قرأت هي به كان مسموعًا عن رَسُول اللهِ ? منَزَّلاً من عند الله. أن قولَها: "وَلَكِنَّ الْهِجَاءَ حُرِّفَ" يحتمل أن يكون المراد به أنه ألقي إلى الكاتب هجاءٌ غيرُ ما كان الأولى أن يُلْقَى إليه من الأحرف السبعة. أنه يحتمل أيضًا أن يكون مأخوذًا من الحرف، الذي هو بمعنى القراءة واللغة، وأنَّها أرادت أن هذه القراءة المتواترة التي رُسم بِها المصحف لغةٌ ووجهٌ من وجوه أداء القرآن الكريم.(40) الأثر الثالث:
أن هذه الرواية غير ثابتة عن ابن عباس. قال أبو حيان: ومن روى عن ابن عباس أن قوله: (تستأنسوا) خطأ، أو وهم من الكاتب، وأنه قرأ: (حتى تستأذنوا)، فهو طاعنٌ في الإسلام، ملحدٌ في الدين، وابن عباسٍ بريءٌ من هذا القول، وتستأنسوا متمكنةٌ في المعنى، بيِّنَةٌ الوجه في كلام العرب.(41)
أن ابن عباس قرأها } تستأنسوا { وفسرها بالاستئذان. فعن ابن عباس في قوله: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا {،(42) قال: الاستئناسُ: الاستئذانُ.(43)
الأثر الرابع:
أن الرواية بذلك عن ابن عباس غير ثابتة. قال أبو حيان: وأما قول من قال: إنَّما كتبه الكاتب وهو ناعسٌ، فسوَّى أسنان السين، فقول زنديقٍ ملحدٍ.(44) أنه يحتمل أن قول ابن عباس: "كتبها وهو ناعس"، بِمعنى أنه لم يتدبر الوجه الذي هو أولى من الآخر، وهذا الرد محتمل في كثير من تلك الروايات. الأثر الخامس:
أنه قد استفاض عن ابن عباس أنه قرأ } وقضى {،(45) وذلك دليل على أن ما نسب إليه في تلك الروايات من الدسائس التي لفَّقها أعداء الإسلام.(46) قال أبو حيان: والمتواتر هو: } وقضى {، وهو المستفيض عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهم في أسانيد القراء السبعة.(47)
الأثر السادس:
في قوله تعالى: } ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً {،(48) فالرواية الواردة عن ابن عباس في تغيير موضع الواو ضعيفة، لا تصح.(49) الأثر السابع:
أنه لم ينقل أحدٌ من رواة القراءة أن ابن عباس كان يقرأ: (مثل نور المؤمن)، وهذا يدل على عدم صحة هذا النقل عنه، إذ كيف يقرأ ما يعتقد أنه خطأ ويترك ما يعتقد أنه الصواب. على أنه قد روي أن أُبَيًّا ? كان يقرأ: (مثل نور المؤمن)، وهي قراءة شاذة مخالفة لرسم المصاحف، وينبغي أن تحمل على أنه ? أراد تفسير الضمير في القراءة المتواترة، أو على أنَّها قراءة منسوخة.(50)

(1) وفي بعض الروايات سألت عائشة عن لحن القرآن، عن قول الله … الحديث.
(2) من الآية 162 من سورة النساء.
(3) من الآية 69 من سورة المائدة.
(4) من الآية 63 من سورة طه.
(5) رواه الطبري في تفسيره (6/25)، وابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب اختلاف ألحان العرب في المصاحف ص 43، وذكره السيوطي في الإتقان (2/269)، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين.
(6) من الآية 60 من سورة المؤمنون.
(7) رواه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار (7/138) ح 24120، (7/208) 24591، وفيه أبو خلف مولى بني جُمَحٍ، وهو مجهول. انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (9/366).
(Cool سورة النور، من الآية 27.
(9) رواه الطبري في تفسيره (18/109-110).
(10) سورة الرعد من الآية 31.
(11) أخرجه ابن الأنباري، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/275)، ورواه الطبري أيضًا في التفسير (13/154) بنحوه.
(12) سورة الإسراء من الآية 23.
(13) رواه سعيد بن منصور، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/275)، وروى نحوه الطبري في التفسير عن الضحاك بن مزاحم (15/63).
(14) والآية في المصحف: } ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً { ، من الآية 48 من سورة الأنبياء.
(15) رواه سعيد بن منصور وغيره، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/276)، والآية في المصحف: } الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم { ، من الآية 173 من سورة آل عمران.
(16) من الآية 35 من سورة النور.
(17) أخرجه ابن أشتة وابن أبي حاتم، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/276).
(18) الإتقان في علوم القرآن (2/276).
(19) تفسير البحر المحيط (5/383-384).
(20) راجع الرد الثالث على الشبهة السابقة، وانظر الإتقان في علوم القرآن (2/270).
(21) جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) (6/26-27).
(22) انظر مناهل العرفان (1/389).
(23) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (15/255).
(24) مناهل العرفان (1/392).
(25) انظر النشر في القراءات العشر (1/112،178)، ومعرفة القراء الكبار (1/45،57).
(26) راجع مبحث الحفاظ من الصحابة، وهو المبحث الرابع من الفصل الأول من الباب الأول.
(27) مرَّ بنا أن السيوطي -رحمه الله- قال في الإتقان (2/269): صحيحٌ على شرط الشيخين. ولا يخفى أن صحة السند لا تكفي ليصح الحديث، إذ يشترط إلى ذلك سلامة الحديث متنًا وسندًا من العلة القادحة، انظر نزهة النظر في شرح نخبة الفكر ص 29، ولا يخفى أن متن هذه الرواية فيه عدد من العلل، منها هذه، وهي الطعن في فصاحة الصحابة ومعرفتهم بوجوه كلام العرب، والعلة الثانية التي تأتي في الجواب التالي، وهي أنه في قوله تعالى: } إن هذان { لم يكتب الكاتب ألفًا ولا ياءً حتى ينسب إليه خطأٌ في ذلك، وهذا كافٍ -إن شاء الله- في إثبات ضعف هذه الرواية.
(28) تفسير البحر المحيط (3/411).
(29) قال أبو حيان: يريد كتاب سيبويه -رحمه الله. البحر المحيط (3/412).
(30) الكشاف (1/590)، وانظر تفسير البحر المحيط (3/411-412).
(31) من الآية 63 من سورة طه.
(32) انظر المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار ص 15، وإتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 304.
(33) مناهل العرفان (1/393).
(34) من الآية 69 من سورة المائدة.
(35) مناهل العرفان (1/394).
(36) كما جاء في بعض الروايات: سألت عائشة عن لحن القرآن، عن قوله … الأثر، كما مرَّ.
(37) انظر المقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار ص 121-122.
(38) الإتقان في علوم القرآن (1/273)، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 129-130.
(39) من الآية 60 من سورة المؤمنون.
(40) مناهل العرفان (1/395).
(41) تفسير البحر المحيط (6/410)، وانظر الإتقان في علوم القرآن (2/276).
(42) سورة النور، من الآية 27.
(43) رواه الطبري في تفسيره (18/110).
(44) تفسير البحر المحيط (5/383-384)، وانظر الإتقان في علوم القرآن (2/276).
(45) سورة الإسراء من الآية 23.
(46) مناهل العرفان (1/391).
(47) تفسير البحر المحيط (6/23).
(48) من الآية 48 من سورة الأنبياء.
(49) انظر الإتقان في علوم القرآن (2/276).
(50) انظر البحر المحيط (6/418)، ومناهل العرفان (1/392).
[/



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:34
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

نزول القرآن على سبعة أحرف
نزول القرآن على سبعة أحرف من الموضوعات الشائكة، ولكن لا بد لنا في هذا البحث من طرق بعض مسائله، للحاجة إليها في مسألة من أهم مسائل هذا البحث، وهي هل جمع القرآن على الأحرف السبعة، أو على حرف واحد؟
فلا بد لنا من ترجيح كفة أحد الأقوال في المراد بالأحرف السبعة لنبني عليه الحكم في هذه المسألة الجليلة الخطر.
المبحث الأول: نزول القرآن على سبعة أحرف
أنزل الله القرآن على نبيه ? بلسان عربيٍّ مبين، قال ?: } إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {،(1) وقال: } بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ {.(2)
وكان ابتداء نزول القرآن على لسان قريش، إذ كانوا قوم النَّبِيّ ?، وقد قال تعالى: } وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ {،(3) وكانوا كذلك أوسط العرب دارًا ولسانًا، فقد كانت تأتيهم وفود العرب في مواسم الحج، وكانت تقام الأسواق للفصاحة والبيان حول الحرم،(4) وكانت العرب تتحاكم إلى قريش لفصاحتها وحسن لغاتِها ورقة ألسنتها، وكانوا إذا أتتهم الوفود تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتِهم وأصفى كلامهم، فصاروا بذلك أفصح العرب.(5)
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ.(6)
قال القاضي الباقلاني: ومعنى قول عثمان: إنه أنزل بلسان هذا الحي من قريش، أي: معظمه وأكثره نزل بلغتها.(7)
وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون قوله: نزل بلسان قريش، أي: ابتداء نزوله، ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم.(Cool
ولَمَّا كانت الأمة التي أرسل إليها النَّبِيّ ? أمِّيَّة، وفيهم من لا يقدر على غير لسان قومه، سأل النَّبِيّ ? جبريل، فأخبره أن القرآن نزل على سبعة أحرف، فكان ذلك تيسيرًا على المكلفين، ليسهل عليهم تلاوة القرآن، وحفظه، والعمل به.
فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ لَقِيَ رَسُولُ اللهِ ? جِبْرِيلَ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ، مِنْهُمُ الْعَجُوزُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْغُلامُ وَالْجَارِيَةُ، وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ.(9)
وقد جاء أن النَّبِيّ ? سأل الله التخفيف عن أمته في أوجه قراءة القرآن، فخفف الله عنهم بأمره أن يقرئ أمته على سبعة أحرف.
فَعَنْ أُبيّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ ? فَقَالَ: إِنَّ اللهَ ? يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. قَالَ: أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ. ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ ? يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ. قَالَ: أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ. ثُمَّ جَاءهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ ? يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلاثَةِ أَحْرُفٍ. فَقَالَ: أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ. ثُمَّ جَاءهُ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ ? يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَؤُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا.(10)
وقد أقرأ النَّبِيّ ? أصحابه بتلك الأحرف المنزلة عليه، فكانوا يقرؤون بِها، حتى أنكر بعضهم على بعض وجوهًا من القراءة، فأخبرهم النَّبِيّ ? بأن القرآن أنزل على سبعة أحرف.
فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ ?، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ ?، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ ?، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ? قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ. فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ?، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ?: أَرْسِلْهُ. اقْرَأْ يَا هِشَامُ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ?: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ يَا عُمَرُ، فَقَرَأْتُ الْقِرَاءةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ?: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ.(11)
وقد روى نزول القرآن عن سبعة نحو ثلاثين صحابيًّا، حتى ذهب أبو عبيد والحاكم والسيوطي إلى أنه من المتواتر.(12)
وقد نازع بعض العلماء في تواتر هذا الحديث رغم حصول عدد التواتر في طبقة الصحابة، بزعم أن هذا العدد لم يتوفر في الطبقات التالية، وهذا خلاف العادة، إذ إن العادة أن الرواة في الطبقات التالية يكونون أكثر، ويكفي نص من نص من العلماء على تواتره، إذ لا شكَّ أنَّهم تحققوا من حصول عدد التواتر في كل طبقة.
وبالجملة، فالحديث ثابت ثبوتًا لا شكَّ فيه، وهو دالٌّ على رحمة الله بِهذه الأمة، وتيسيره تعالى لَها تلاوة هذا القرآن، كما قال ?: } وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءانَ لِلذِّكْرِ {.(13)


(1) الآية 2 من سورة يوسف ? .
(2) الآية 195 من سورة الشعراء.
(3) من الآية 4 من سورة إبراهيم ? .
(4) أي في أماكن قريبة من مكة مثل مَجَنَّة وذي الْمَجاز وعُكاظ، انظر لسان العرب (جنن) (1/706)، و(جوز) (1/726)، و(عكظ) (4/3058).
(5) انظر الصاحبي في فقة اللغة لابن فارس ص 55.
(6) رواه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب باب نزل القرآن بلسان قريشٍ (6/621)ح 3506.
(7) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 385.
(Cool فتح الباري (8/625).
(9) رواه الترمذي في سننه، كتاب القراءات، بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ (5/194-195) ح 2944، وأحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/157) ح 20699.
(10) ورواه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، بَاب بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ (6/101-103) ح 820، والنسائي في سننه، كتاب الافتتاح، باب جامع ما جاء في القرآن، واللفظ له (2/152-153) ح 939، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (2/76) ح 1478.
(11) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (8/638-639) ح 4992، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، بَاب بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ (6/98-100) ح 818، والنسائي في سننه، كتاب الافتتاح، باب جامع ما جاء في القرآن، واللفظ له (2/150-151) ح 937، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (2/75-76) ح 1475.
(12) انظر نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ص 173-174 ح 197، والإتقان في علوم القرآن (1/131).
(13) من مواضعه الآية 17 من سورة القمر.

المراد بالأحرف السبعة
اختلف العلماء في المراد من الأحرف السبعة في الأحاديث المذكورة اختلافًا كبيرًا، حتى قال السيوطي: اختُلِفَ في معنى هذا الحديث على نحو أربعين قولاً.(1)
والناظر في تلك الأقوال يقطع بأن أكثرها متداخل، وكثيرٌ منها لا يُعلم قائله، ولا يُعلم له دليلٌ يؤيده عند النظر والتمحيص.
قال المرسي:(2) هذه الوجوه كلها متداخلةٌ، ولا أدري مستندها، ولا عمَّن نُقلت، ولا أدري لمَ خصَّ كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بِما ذكر؛ مع أنَّ كلها موجودة في القرآن، فلا أدري معنى التخصيص! وفيها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة، وأكثرها يعارضه حديث عمرَ مع هشام بن حكيمٍ الذي في الصحيح، فإنَّهما لم يختلفا في تفسيره ولا أحكامه، إنَّما اختلفا في قراءة حروفه، وقد ظنَّ كثيرٌ من العوامِّ أن المراد بِها القراءات السبعة، وهو جهلٌ قبيح.(3)
والذي يستحق المناقشة من هذه الأقوال ستة أقوال:
القول الأول: أن الحديث من المشكل المتشابه الذي لا يُعلم معناه، لأن الحرف مشترك لفظي، يصدق على معانٍ كثيرة، كالكلمة والمعنى، وحرف الهجاء، والجهة، ولم يُعيَّن المراد منها في الحديث.
وهو قول أبي جعفر محمد بن سعدان النحوي.(4)
ويُرَدُّ هذا القول بأنه لا يلزم من مجرد الاشتراك اللفظي الإشكال الصارف عن إدراك معنى المقصود؛ لأن المشترك اللفظي يترجح أحد معانيه بقرينة لفظية أو حالية.
وقد قامت القرائن على تعيُّن أحد المعاني، ومنع ما عداه، فلا يصح إرادة الكلمة هنا، لأن القرآن مؤلف من كلمات كثيرة، وليس من سبع فقط، ولا يصح إرادة المعنى، لأن معاني القرآن كثيرة جدًّا تفوق الحصر، ولا يصح إرادة حرف الهجاء، لأن القرآن مشتمل على جميع حروف الهجاء، لا على سبعة منها فقط، فتعيَّن أن المراد بالحرف هنا هو الجهة، وبذلك يبطل القول بإشكال معنى الحديث.
كما يُرَدُّ بِما ثبت في نص الحديث من أن النَّبِيّ ? أُمِر أن يقرئ أمته بِهذه الأحرف، وأنه قد فعل، وأمر أمته أن تقرأ القرآن بِها، وقد فعلت، فقرأ الصحابة ? على هذه الأحرف، فهي معلومة لدى الكثير منهم، فلا يعقل أن يكون الحديث مع كل ذلك من المتشابه الذي لا يُدرى معناه.
ويُرَدُّ أيضًا بأن الحديث نص على أن الحكمة من إنزال الأحرف السبعة هو التيسير على الأمة، فكيف يتحقق التيسير بشيء مجهول؟!
القول الثاني: أن حقيقة العدد غير مرادةٍ، وذلك لأن لفظ السبعة يطلق في لسان العرب ويراد به الكثرة في الآحاد، كما يطلق لفظ السبعين ويراد به الكثرة في العشرات، ولفظ السبعمائة ويراد به الكثرة في المئات.
وهو مذهب القاضي عياض ونحى هذا المنحى القاسمي، والرافعي.(5)
ويردُّ هذا القول أن الأحاديث الواردة في هذا الأمر صريحة في إرادة حصر العدد في السبعة، ففيها استزادة الرَّسُول ? من جبريل الأحرف حرفًا حرفًا، وهذا قرينة على أن المرادَ العددُ الآحادُ الواقعُ بين الستة والثمانية.(6)
القول الثالث: أن المقصود سبعة أصناف من المعاني والأحكام، وهي: الحلال والحرام، والأمر والزجر، والمحكم والمتشابه، والأمثال.
وقد استدل أصحاب هذا الرأي بِما روي عن ابن مسعود عن النَّبِيّ ? أنه قال: كان الكتاب الأول ينزل من باب واحدٍ، وعلى حرفٍ واحدٍ، ونزل القرآن من سبعة أبوابٍ، وعلى سبعة أحرف: زاجرٌ وآمرٌ، وحلالٌ وحرامٌ، ومحكمٌ ومتشابهٌ، وأمثال، فأحلُّوا حلاله، وحرِّموا حرامه، وافعلوا ما أُمرتُم به، وانتهوا عمَّا نُهيتهم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بِمحكمه، وآمنوا بِمتشابِهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا.(7)
ويُناقش هذا القول بأن هذا الحديث قد انتقده العلماء، ولم يسلموا بصحته.
قال ابن عبد البر: وهو حديث عند أهل العلم لا يثبت، وهو مجمع على ضعفه.(Cool
قال الحافظ ابن حجر: وقد صحح الحديث المذكور ابن حبان والحاكم، وفي تصحيحه نظرٌ؛ لانقطاعه بين أبي سلمة وابن مسعود، وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر عن الزهري عن أبي سلمة مرسلاً، وقال: هذا مرسل جيدٌ.(9)
كما أن سياق الأحاديث يأبى حمل المراد بالأحرف السبعة على هذه الوجوه، بل هي ظاهرةٌ في أن المراد أن الكلمة الواحدة تُقرأ على وجهين وثلاثة وأربعة إلى سبعة، تَهوينًا وتيسيرًا.
كما أن الشيء الواحد لا يكون حلالاً وحرامًا في آن واحد.
قال الطبري: ومعلومٌ أن تَماريهم فيما تَماروا فيه من ذلك، لو كان تَماريًا واختلافًا فيما دلت عليه تلاوتُهم من التحليل والتحريم، والوعد والوعيد، وما أشبه ذلك لكان مستحيلاً أن يصوِّب جميعهم.(10)
ولذلك ذهب أبو علي الأهوازي وغيره إلى أن قوله: زاجرٌ وآمرٌ… استئناف كلام آخر، أي هو زاجرٌ، أي القرآن، ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة.
ويؤيد ذلك ما جاء في بعض روايات الحديث: زاجرًا وآمرًا… بالنصب، أي: نزل على هذه الصفة.
وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب، لا للأحرف، أي: هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه، وأنزله الله على هذه الأصناف، لم يقتصر منها على صنف واحدٍ، كغيره من الكتب.(11)
قال ابن حجر: ومِما يوضح أن قوله زاجرٌ وآمرٌ الخ ليس تفسيرًا للأحرف السبعة: ما وقع في مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب عقب حديث ابن عباس، قال ابن شهاب: بلغني أن تلك الأحرف السبعة إنَّما هي في الأمر الذي يكون واحدًا لا يختلف في حلال ولا حرام.(12)
قال ابن عطية: هذا القول ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى أحرفًا، وأيضًا فالإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلالٍ، ولا تحليل حرام، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.(13)
القول الرابع: أن المراد سبع لغات من لغات العرب الفصحى أنزل بِها القرآن، فهي متفرقة فيه، لا على أن هذه اللغات تجتمع في الكلمة الواحدة.(14)
وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن يحيى ثعلب، وصححه البيهقي، واختاره ابن عطية، وحكاه بعضهم عن القاضي أبي بكر الباقلاني.(15)
ويكفي في ردِّ هذا القول ما سبق من اختلاف عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم في القراءة، وهما قرشيان، ولغتهما واحدة، فدلَّ على أن اختلافهما لم يكن في اللغات.(16)
كما أن قولهم إن هذه اللغات مفرقة في القرآن الكريم مردودٌ بأنه لو كانت الأحرف السبعة لغات في مواضع متفرقة من القرآن لَما حصل خلاف بين القراء في شيء من القرآن؛ لأن كل موضع سيكون مقروءًا بوجه واحد، ولَما حصلت المناكرة بين الصحابة عند سماع بعضهم قراءة بعضٍ.
ويرد هذا القول أيضًا أن نزول القرآن على سبعة أحرف إنَّما كان تيسيرًا على المكلفين، بنص الحديث، فلو فرض أن القرآن مؤلف من عدة لغات، كل جزء من لغة، لَما أمكن أهل كل لغة أن يقرؤوا منه إلا جزءًا واحدًا، وهو النازل بلغتهم.(17)
القول الخامس: أن المراد سبع لغات، ولكن على أن تكون في الكلمة الواحدة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، كقول القائل: هلمَّ، وتعالَ، وأقبلْ، وإليَّ، ونحوي، وقصدي، وقُرْبي.
وهو قول سفيان بن عيينة وابن جرير الطبري والطحاوي، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء.(18)
ويدل لِهذا القول حديث أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ جِبْرِيلَ ? قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. قَالَ مِيكَائِيلُ ?: اسْتَزِدْهُ، فَاسْتَزَادَهُ، قَالَ: اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ. قَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ، فَاسْتَزَادَهُ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، قَالَ: كُلٌّ شَافٍ كَافٍ، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ، نَحْوَ قَوْلِكَ تَعَالَ وَأَقْبِلْ وَهَلُمَّ وَاذْهَبْ وَأَسْرِعْ وَاعْجَلْ.(19)
قال السيوطي: إسناده جيد.(20)
ويجاب عن هذا القول بأن الأحاديث التي احتجوا بِها لا تدل على حصر الأحرف في نحو ما ذهبوا إليه، وإنما بيَّن الرَّسُول ? فيها الأحرف السبعة بِمثال يوضح نوعية هذه الأحرف، وأنَّها لا تؤدي إلى تناقض أو تضاد.
قال أبو عمر بن عبد البر: إنما أراد بِهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها، أنَّها معانٍ متفقٌ مفهومها، مختلفٌ مسموعها، لا يكون في شيء منها معنىً وضده، ولا وجهٌ يخالفُ معنى وجهٍ خلافًا ينفيه ويضادُّه، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده.(21)
ويردُّ هذا القول أيضًا بأن الحكمة من تنْزيل القرآن على سبعة أحرف هي التيسير على المكلفين، لاختلاف ألسنتهم، ولم يكن أكثر اختلاف العرب في استعمال الألفاظ المترادفة، بل أكثر اختلافهم إنَّما كان في اللهجات، من فكٍّ وإدغامٍ، وفتح وإمالة، وهمزٍ وتخفيفٍ، ونحو ذلك، ولا شك أن المشقة عليهم في هذه الأبواب أعظم من المشقة في استعمال هلمَّ مكان تعالَ أو أقبلْ.
كما أنه على قول ابن جرير لا يُدرى كيف يتخرَّج وجود الأوجه المتعددة من القراءات في المصاحف العثمانية، وكلها مثبتة فيها، سواء برسم واحدٍ، أو برسمين.
القول السادس: أن المراد بالأحرف السبعة الأنواع التي يقع بِها التغاير والاختلاف في القراءات القرآنية، أو في لغات العرب، ولا يخرج عنها، نحو الاختلاف في إعراب الكلمة، أو تغير صورتِها بالزيادة أو النقصان، أو اختلاف لغات العرب من الفتح والإمالة والإظهار والإدغام، ونحو ذلك.
وهو قول أبي حاتم السجستاني وابن قتيبة وأبي الفضل الرازي، وابن الجزري.(22)
والقائلون بِهذا القول اختلفوا في تعيين الوجوه التي وقع بِها التغاير اختلافًا كبيرًا:
فذهب أبو حاتم السجستاني إلى أنَّها: إبدال لفظ بآخر، وإبدال حرف بآخر، والتقديم أو التأخير بين الألفاظ أو الحروف، وزيادة حرف أو نقصانه، واختلاف حركات البناء، واختلاف الإعراب، والاختلاف الصوتي بين التفخيم والإمالة والإظهار والإدغام.(23)
ويرى ابن قتيبة والباقلاني أنَّها: الاختلاف بالتقديم والتأخير، والاختلاف بالزيادة والنقصان، والاختلاف بتغيير صورة اللفظ و معناه، والاختلاف بتغيير لفظ الكلمة ومعناها دون صورتِها، والاختلاف في بناء الكلمة ولفظها بِما لا يغير كتابتها ولا معناها، والاختلاف بِما يغير الصورة واللفظ، ولا يغير المعنى، والاختلاف في حركات الإعراب والبناء.(24)
ويرى أبو الفضل الرازي أنَّها: الاختلاف بين الإفراد والتثنية والجمع، والاختلاف في تصريف الأفعال وما يسند إليها، والاختلاف في وجوه الإعراب، والاختلاف بالزيادة والنقص، والاختلاف بالتقديم والتأخير، والاختلاف بقلب وإبدال كلمة بأخرى أو حرف بآخر، واختلاف اللغات.(25)
وذهب ابن الجزري إلى أنَّها: الاختلاف في الحركات بلا تغيير في المعنى والصورة، والاختلاف في الحركات بتغيير المعنى فقط، والاختلاف في الحروف بتغيير المعنى لا الصورة، والاختلاف في الحروف بتغيير الصورة لا المعنى، والاختلاف في الحروف بتغيير الصورة والمعنى، والاختلاف في التقديم والتأخير، والاختلاف بالزيادة والنقصان.(26)
القول الراجح
إذا نظرنا في الأخبار الواردة في الأحرف السبعة، وتفحصنا ألفاظها، لم نجد فيها عبارة صريحة تبين المراد بالأحرف السبعة، والذي يظهر أن ذلك كان لوضوح المراد منها عند السلف الأول، بشكل لا يحتاج معه إلى تفسير، حتى تتحقق الحكمة من الرخصة، فليس من المعقول أن يرخص لهم في شيء مجهول.
ولَما كانت الحاجة في بداية الأمر إلى إزالة ما وقع في نفوس الصحابة ? من شبهة وقوع التناقض والاضطراب، أو التصرف في كتاب الله تعالى، لأنَّهم ألفوا أول الأمر قراءة القرآن على وجه واحد، ثم سمع بعضهم بعضًا يقرأ على أوجهٍ متغايرة، أزال النَّبِيّ ? هذه الخواطر بأن أخبرهم بالرخصة، وضرب لَهم مثالاً على أنواع الاختلاف بين هذه الأوجه، وأنه ليس من باب التناقض والتضاد، بل من باب التنوُّع وزيادة المعاني.
وعند تدبر أوجه القراءات المتواترة التي نقلت إلينا نجد أن اللفظ الواحد قد يُقْرأ بأوجهٍ متعددةٍ، والناس إلى يومنا هذا يتناكرون عند سماع هذه الوجوه إذا لم يكن لهم سابقُ علمٍ بِها .
فالذي يظهر والله أعلم أن المراد من الأحرف السبعة في الحديث الشريف أوجه متعددة متغايرة من وجوه القراءة، تكون في الكلمة القرآنية الواحدة، بحيث تُقرأ على وجهٍ واحد، أو أكثر من وجهٍ، إلى سبعة أوجه.(27)
ولا يلزم على هذا القول أن يكون في كل كلمة قرآنية أكثر من وجهٍ، بل توجد هذه الوجوه في بعض الكلمات دون بعض.
وقد ورد مثل ذلك في سورة الفرقان، وقد جمع الحافظ ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري كل ما ورد من الخلاف في هذه السورة من القراءات المتواترة والشاذة، فبلغت مواضع الخلاف فيها مائة وثلاثين موضعًا.(28)
ولا يشكل عليه أيضًا ورود أكثر من سبع قراءات في بعض الكلمات، مثل قوله تعالى: } وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ {،(29) فقد ذكر فيه أبو حيان اثنتين وعشرين قراءة،(30) فإن علماء المسلمين أجمعوا على اشتراط التواتر لثبوت قرآنية أي نصٍّ، وبدون التواتر لا تثبت قرآنيته، وهذا الموضع وغيره إذا عرض على هذا الشرط لم يبق فيه من القراءات المتواترة ما يزيد على السبعة.
ففي الموضع المذكور قراءتان متواترتان: فقرأ حمزة} وَعَبُدَ الطَّاغُوتِ {، بضم الباء من (عبُد) وخفض (الطاغوت)، وقرأ الباقون} وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ {، بفتح الباء من (عبَد)، ونصب (الطاغوت).(31)
ومع اعتبار أن كثيرًا من أفراد الأحرف التي نزل بِها القرآن قد نسخ في العرضة الأخيرة للقرآن الكريم، فلا إشكال في عدم وجود كلمة من القرآن تقرأ على سبعة أوجه، فإن أقصى ما ورد من الأوجه المتواترة في مواضع من القرآن هو ستة أوجه، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: } أَرْجِهْ {،(32) فيها ست قراءات متواترة، وهي:
1. } أَرْجِهِ {، دون همزة، وبكسر الهاء من غير إشباع، قرأ بذلك قالون وابن وردان.
2. } أَرْجِهِ {، كالوجه السابق، لكن مع إشباع كسرة الهاء بوصلها بياء، وقرأ بذلك ورش والكسائي وابن جمَّاز، وخلف في اختياره.
3. } أَرْجِئْهُ و{، بالهمز، مع ضم الهاء وإشباع ضمها بوصلها بواو، وبذلك قرأ ابن كثير وهشام.
4. } أَرْجِئْهُ {، بالهمز، مع ضم الْهاء من غير إشباع، وقرأ كذلك أبو عمرو ويعقوب.
5. } أَرْجِئْهِ {، بالهمز، مع كسر الهاء من غير إشباع، قرأ بذلك ابن ذكوان.
6. } أَرْجِهْ {، دون الهمز، مع سكون الهاء، وهي قراءة الباقين من القراء العشرة.(33)


(1) الإتقان في علوم القرآن (1/131).
(2) هو شرف الدين محمد بن عبد الله السلمي المرسي، عالم بالأدب والتفسير والحديث، ضرير من أهل مرسية بالأندلس، له ثلاثة تفاسير: الكبير والصغير والأوسط، وله مؤلفات في النحو، توفي سنة 565 هـ. انظر سير أعلام النبلاء (23/312)، والأعلام للزركلي (6/233).
(3) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/141)، قال أبو شامة: ظنَّ قومٌ أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل. انظر فتح الباري (8/646)، وقد تكلف الدكتور حسن ضياء الدين عتر الرد على هذا الوهم بِما فيه كفاية، وإن كان من الضعف بحيث لا يحتاج إلى ردٍّ. انظر الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها ص 346-352.
(4) الإتقان في علوم القرآن (1/131)، والبرهان في علوم القرآن (1/213).
(5) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/131)، وتفسير القاسمي (محاسن التأويل) (1/287)، وإعجاز القرآن والبلاغة النبوية للرافعي ص 70-72.
(6) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/132).
(7) رواه الطبري في مقدمة تفسيره، باب القول في البيان عن معنى قول رَسُول اللهِ ? أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة (1/30).
(Cool البرهان في علوم القرآن (1/216).
(9) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/645).
(10) تفسير الطبري، المقدمة (1/20-21).
(11) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/645)، وانظر تفسير الطبري، المقدمة (1/30-31).
(12) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/645)، وروى هذا البلاغ مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها، بَاب بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، صحيح مسلم مع شرح النووي (6/101) ح 819.
(13) انظر تفسير القرطبي، المقدمة (1/34-35).
(14) وقد اختلف القائلون بهذا القول في تعيين اللغات التي نزل بِها القرآن اختلافًا كبيرًا، وليس هو من مقصود هذا البحث، فليراجعه من شاء في: البرهان(1/219-220)، والإتقان (1/135-136).
(15) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/643)، والإتقان (1/135)، والبرهان في علوم القرآن (1/217)، والجامع لشعب الإيمان للبيهقي (5/221).
(16) انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 119، وفتح بشرح صحيح البخاري (8/644).
(17) انظر الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها، للدكتور حسن ضياء الدين عتر، ص 172-173.
(18) الإتقان في علوم القرآن (1/134)، وتفسير الطبري، المقدمة (1/25)، وتأويل مشكل الآثار للطحاوي (4/185-488).
(19) رواه أحمد في مسنده، مسند البصريين (6/37) ح 19992.
(20) الإتقان في علوم القرآن (1/134).
(21) انظر البرهان في علوم القرآن (1/221).
(22) فتح الباري (8/644-645).
(23) مقدمة كتاب المباني ص 221-228، والأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها ص 148-153.
(24) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 36-38، والإتقان في علوم القرآن (1/132).
(25) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/133).
(26) النشر في القراءات العشر (1/25-28)، والإتقان في علوم القرآن (1/133-134).
(27) هذا القول أشار إليه السيوطي في الإتقان (1/135) على طرفين هما القول الثالث والقول الرابع، وكذلك صدر بنحوه الحافظ ابن حجر شرحه لحديث الأحرف السبعة، انظر فتح الباري (8/639).
(28) راجع فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/648-653).
(29) سورة المائدة من الآية 60.
(30) تفسير البحر المحيط ( 3/529-531).
(31) انظر النشر في القراءات العشر (2/255).
(32) في موضعين: الآية 111 من سورة الأعراف، والآية 36 من سورة الشعراء.
(33) النشر في القراءات العشر (1/311-312).

الأحرف السبعة في الجمع النَّبويّ وجمع أبي بكر للقرآن
مرَّ بنا أن النَّبِيّ ? أُمر أن يُقرئ أمته القرآن على سبعة أحرفٍ، فلا شك أنه ? قد قرأ على هذه الأحرف السبعة؛ ليتعلمها منه أصحابه، وينقلوها إلى الأمة من بعده.
وكان النَّبِيّ ? يعرض القرآن على جبريل ?، في رمضان من كلِّ سنة، فيُثْبِت الله ما يشاء وينسخ ما يشاء، أو يأمر بالقراءة على حرف أو أكثر من الأحرف السبعة.(1)
قال ابن عبد البَرِّ: وقد يُشكل هذا القول على بعض الناس، فيقول: هل كان جبريل يلفظ باللفظ الواحد سبع مرات؟ فيُقال له: إنَّما يلزم هذا إن قلنا إن السبعة الأحرف تجتمع في حرف واحد، ونحن قلنا كان جبريل يأتي في كل عرضةٍ بحرف، إلى أن تَمُرَّ سبعةٌ.(2)
وقد مرَّ بنا أنًّ النَّبِيّ ? عرض القرآن على جبريل ? في العام الذي توفي فيه مرتين، ولا شكَّ أنه قد نسخ بعض القرآن في تلك العرضة، كما نسخت بعض الأحرف السبعة التي نزل بِها القرآن.
ومن أمثلة ذلك حديث عائشة السابق في عدد الرضعات المحرمات.
فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ? وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ.(3)
ففيه أن النَّبِيّ ? توفي، وكانت هذه الآيات المنسوخات مما يتلى من القرآن، مِمَّا يدل على أنَّها نسخت في آخر حياة النَّبِيّ ?، وأغلب الظنِّ أن ذلك إنَّما كان في العرضة الأخيرة.
فقد كانت العرضة الأخيرة مراجعة أخيرة للكتاب الحكيم، عرض فيها القرآن مرتين، فنسخ الله من ما شاء، وأثبت فيه ما كتب له البقاء.
وقد وردت الروايات بحدوث النسخ لبعض آيات الكتاب في العرضة الأخيرة.
فَعَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَيُّ الْقِرَاءتَيْنِ تَعُدُّونَ أَوَّلَ؟ قَالُوا: قِرَاءةَ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: لا بَلْ هِيَ الآخِرَةُ، كَانَ يُعْرَضُ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ? فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، فَشَهِدَهُ عَبْدُ اللهِ فَعَلِمَ مَا نُسِخَ مِنْهُ وَمَا بُدِّلَ.(4)
وقال البغوي: يُقال إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة، التي بُيِّن فيها ما نُسِخ وما بَقِي.(5)
وقال ابن الجزري: ولا شك أن القرآن نُسخ منه وغُيِّر في العرضة الأخيرة، فقد صحَّ بذلك النصُّ عن غير واحدٍ من الصحابة.(6)
وكل ما نسخ في العرضة الأخيرة من القرآن أو من أوجه القراءة لم يُثبَت في الجمعين النبوي والبكري.
ونستطيع أن نستخلص من العرض السابق الأمور الآتية:
1 - أن النسخ قد شمل بعض الأحرف السبعة في العرضة الأخيرة، ويدل على ذلك عدم ورود كلمة من الكلمات القرآنية تقرأ على أكثر من ستة أوجه من طريق متواتر.
وقد اعترض بعض على ذلك بأن موضوع النسخ لا يشمل الألفاظ.
قال ابن قدامة: وأحال قومٌ نسخ اللفظ، فإن اللفظ إنَّما نزل ليُتلى ويُثاب عليه، فكيف يُرفع؟
والمقصود من ذلك أن النسخ: هو رفع حكم شرعي بخطاب متراخ عنه، وليس في نسخ تلاوة اللفظ رفع حكم شرعي.(7)
ثم أجاب ابن قدامة عن ذلك فقال: فإن التلاوة، وكتابتها في القرآن، وانعقاد الصلاة بِها، من أحكامها، وكل حكمٍ فهو قابل للنسخ، وأما تعلقها بالمكلَّف في الإيجاب وغيره فهو حكم أيضًا يقبل النسخ.(Cool
2 - أن الأحرف السبعة لم تنسخ كلها، لأن الأصل إباحة القراءة بِها، ولم يدل دليلٌ على نسخ تلك الإباحة في زمن النَّبِيّ ?.
3 - أنَّه لا يُعلم قدر ما نسخ من الأحرف السبعة في حياة النَّبِيّ ?، إذ لا دليل عليه، ويرى بعض العلماء أن المنسوخ من تلك الأحرف أكثر مِما بقي، نظرًا لِما يرونه من الكثرة العظيمة في الروايات التي تعج بِها كتب التفسير من القراءات غير الثابتة، باعتبار أنَّها في أحسن أحوالها قراءات منسوخة.
وقد اتفق العلماء على أن جمع القرآن في زمن أبي بكر الصديق ?، بقي على نفس الصورة التي تركها عليه النَّبِيّ ?، ولم يتغير منه شيء، سواء في ذلك من رأى أن الأحرف السبعة باقية كلها، ومن قال إن الأحرف نسخت ولم يبق إلا واحدٌ، ومن ذهب إلى أن الباقي بعض الأحرف السبعة.(9)


(1) انظر الفصل الرابع من الباب الأول، وهو العرضة الأخيرة.
(2) انظر البرهان في علوم القرآن (1/220).
(3) رواه مسلم في صحيحه كتاب الرضاع باب التحريم بخمس رضعات (10/29-31) ح 1452.
(4) رواه أحمد في مسنده، مسند بني هاشم (1/598) ح 3412، ورواه النسائي في السنن الكبرى كتاب فضائل القرآن (3/7)، وكتاب المناقب (4/36).
(5) شرح السنة (4/525).
(6) النشر في القراءات العشر (1/32)، وانظر الإتقان في علوم القرآن (1/142).
(7) انظر روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة (1/190).
(Cool روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة (1/201-202).
(9) انظر: البرهان في علوم القرآن (1/223)، ومناهل العرفان (1/253-254).

الأحرف السبعة في المصاحف العثمانية
اختلف العلماء في بقاء الأحرف السبعة في المصاحف العثمانية -بناءً على اختلافهم في المراد بالأحرف السبعة- على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أن المصاحف العثمانية اشتملت على حرف واحد فقط من الأحرف السبعة، وهو حرف قريش، وأن الأحرف الباقية إما نسخت في زمن النَّبِيّ ?، أو اتفق الصحابة على تركها درءًا للفتنة التي كادت تفتك بالأمة عندما اختلف الناس في قراءة القرآن.
وإلى ذلك ذهب ابن جرير الطبري، وأبو جعفر الطحاوي، وابن حبان، والحارث المحاسبي، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو عبيد الله بن أبي صفرة.(1)
وقال أبو شامة: وصرَّح أبو جعفر الطبري والأكثرون من بعده بأنه حرف منها.(2)
قال ابن عبد البر: فهذا معنى الأحرف السبعة المذكورة(3) في الأحاديث عند جمهور أهل الفقه والحديث، منهم سفيان بن عيينة، وابن وهب، ومحمد بن جرير الطبري، والطحاوي وغيرهم، وفي مصحف عثمان الذي بأيدي الناس منها حرفٌ واحد.(4)
وقال أبو عبيد الله بن أبي صفرة: هذه القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث، وهو الذي جمع عثمان عليه المصحف، وهذا ذكره النحاس وغيره.(5)
وهذا القول مبني على القول بأن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات في الكلمة الواحدة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، وهو قول ابن جرير ومن وافقه.
فقد رأى القائلون بِهذا القول ندرة الكلمات القرآنية التي يصدق عليها ما رأوه في المراد بالأحرف السبعة، فقالوا إنَّها نسخت، أو اتفق الصحابة على منع القراءة بِها، وكتبوا المصاحف على حرف واحد، هو لسان قريش.
واحتج القائلون بِهذا القول بأدلة منها:
قول عثمان ? لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ.(6) قالوا: وهذا يدل على أنَّهم جمعوا القرآن على حرف واحد، وهو لسان قريش، وتركوا ما سوى ذلك من الأحرف الستة.
أن الأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة؛ للضرورة؛ لاختلاف لغة العرب ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة واحدة، فلما كثر الناس والكتاب، وارتفعت الضرورة ارتفع حكم هذه السبعة، ورجَّح ذلك قيامُ الخلاف بين القراء، بما كاد يؤدي إلى فتنة عظيمة، فأجمعت الأمة بقيادة إمامها الناصح الشفيق عثمان بن عفان ? على أن تقتصر على حرف واحد من الأحرف السبعة، جمعًا لكلمة المسلمين، فأخذت به، وأهملت كل ما عداه، فعاد ما يُقرأ به القرآن على حرفٍ واحدٍ.(7) أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبةً على الأمة، وإنما كانت جائزةً لهم مرخصًا لهم فيها، وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه، فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف إذا لم يجتمعوا على حرف واحد، اجتمعوا على ذلك اجتماعًا شائعًا، وهم معصومون من الضلالة، ولم يكن في ذلك ترك واجب ولا فعل حرام.(Cool ثم اختلف القائلون بأن الباقي من الأحرف السبعة هو حرف واحد، هل نسخت الأحرف الستة في حياة النَّبِيّ ?، أو أن الصحابة اتفقوا على تركها؟ فذهب أكثرهم إلى أنَّها نسخت في حياة النَّبِيّ ?، واستقر الأمر على حرف واحد، وذلك بعدما لانت ألسنة العرب بالقرآن، وتمكن الناس من الاقتصار على الطريقة الواحدة.
قال القرطبي: ثم اختلفوا: هل استقر في حياته ? أو بعد وفاته؟ والأكثرون على الأول.(9)
القول الثاني:
أن المصاحف العثمانية اشتملت على جميع الأحرف السبعة، ولم تُهمل منها حرفًا واحدًا.
وهو ما ذهب إليه جماعات من القراءة والفقهاء والمتكلمين، وهو الذي اختاره القاضي الباقلاني وابن حزم والداودي وغيرهم.
قال القاضي الباقلاني: الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رَسُول اللهِ ?، وضبطها عنه الأئمة، وأثبتها عثمان والجماعة في المصحف، وأخبروا بصحتها، وإنَّما حذفوا منها ما لم يثبت متواترًا، وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخرى، وليست متضاربة ولا متنافية.(10)
وقال الداودي: وهذه القراءات السبع التي يقرأ الناس اليوم بِها ليس كل حرف منها هو أحد تلك السبعة، بل تكون مفرقة فيها.(11)
واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
أنه لا يجوز على الأمة أن تُهمل نقل شيء من الأحرف السبعة؛ لأنَّها قرآن منَزَّل. أن الصحابة ? أجمعوا على نقل المصاحف العثمانية من الصحف التي كتبها أبو بكر، وقد كانت مشتملة على الأحرف السبعة، وأجمعوا على ترك ما سوى ذلك.(12) أن الأحرف السبعة كان مرخصًا فيها، ولا يجوز أن يُنهى عن القراءة ببعض المرخص فيه، إذ ليس بعضه بأولى من بعضٍ.(13) أن الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف كانت التيسير على الأمة في تلاوة القرآن، والتيسير ما زال محتاجًا إليه، إذ لم تكن قراءة القرآن على حرف واحد، في العصر الأول بين العرب الأقحاح -أصعب منها على من أتى بعدهم من المسلمين في العصور المتأخرة، وقد فشا فيهم اللحن والعجمة، فهم أحوج إلى التيسير من العرب الأُوَل. القول الثالث:
أن المصاحف العثمانية اشتملت على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة، متضمنة لما ثبت في العرضة الأخيرة.
قال ابن الجزري: وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أنَّ هذه المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط، جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي ? على جبريل ?، متضمنة لَها، لم تترك حرفًا منها.
قال: وهذا القول هو الذي يظهر صوابه؛ لأن الأحاديث الصحيحة، والآثار المستفيضة تدلُّ عليه، وتشهد له.(14)
واحتج أصحاب هذا القول بِما احتج به أصحاب المذهب الثاني على بقاء بعض الأحرف السبعة، والحاجة إليها، واحتجوا على أن السبعة لم تبق كلها بِما ورد من الآثار التي تدل على حدوث النسخ في العرضة الأخيرة لبعض أوجه القراءة، فكتب الصحابة في المصاحف عند الجمع ما تيقنوا أنه قرآن ثابت في العرضة الأخيرة، وتركوا ما سوى ذلك.
قال السيوطي: ولا شك أن القرآن نُسخ منه في العرضة الأخيرة وغُيِّر، فاتفق الصحابة على أن كتبوا ما تحققوا أنه قرآن مستقرٌّ في العرضة الأخيرة، وتركوا ما سوى ذلك.(15)
وقال البغوي في شرح السنة: يُقال إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي بين فيها ما نُسخ وما بقي، وكتبِها لرسول الله ?، وقرأها عليه، وكان يُقرئ بِها الناس حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتب المصاحف.(16)
وقد وردت الآثار بأن القرآن قد نسخ منه وغُيِّر في العرضة الأخيرة، وأن قراءتنا التي جمعها الصحابة هي ما كان في تلك العرضة.
فَعَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ أنه قال: القراءة التي عُرِضَت على رسول الله ? في العام الذي قبض فيه -هذا القراءة التي يقرأها الناس.(17) يعني بذلك قراءة زيد بن ثابت ?.
وعن سمرة ? قال: عُرض القرآنُ على رَسُول اللهِ ? عرضات، فيقولون: إن قراءتنا هذه العرضة الأخيرة.(18)
وعن ابن سيرين، قال: كان جبريل يعارض النبي ? كل سنة في شهر رمضان مرةً، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه مرتين، فيرون أن تكون قراءتنا هذه على العرضة الأخيرة.(19)

(1) انظر البرهان في علوم القرآن (1/224،226،239،241)، وشرح النووي على صحيح مسلم (6/100).
(2) البرهان في علوم القرآن (1/223).
(3) يعني القول بأنَّها أوجه من المعاني المتفقة، بالألفاظ المختلفة، نحو أقبل، وهلم، وتعال… الخ.
(4) انظر البرهان في علوم القرآن (1/220).
(5) صحيح مسلم بشرح النووي (6/100).
(6) رواه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب باب نزل القرآن بلسان قريشٍ (6/621)ح 3506.
(7) تأويل مشكل الآثار للطحاوي (4/190-191)، وانظر: صحيح مسلم بشرح النووي (6/100).
(Cool مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/395-396).
(9) انظر البرهان في علوم القرآن (1/213).
(10) صحيح مسلم بشرح النووي (6/100)، والبرهان في علوم القرآن (1/223-224)
(11) صحيح مسلم بشرح النووي (6/100).
(12) الإتقان في علوم القرآن (1/141-142).
(13) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/395-396).
(14) النشر في القراءات العشر (1/31)، وانظر الإتقان في علوم القرآن (1/141-142).
(15) الإتقان في علوم القرآن (1/142).
(16) شرح السنة للإمام البغوي (4/525-526).
(17) رواه البيهقي في دلائل النبوة (7/155-156).
(18) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. مستدرك الحاكم (2/230)، ورواه البزار في مسنده، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (7/154).
(19) أخرجه ابن أشتة، انظر الإتقان في علوم القرآن (1/142).

تابع : الأحرف السبعة في المصاحف العثمانية
القول الراجح
والقول الذي يظهر صوابه هو ما ذهب إليه جماهير العلماء من السلف والخلف من أن الباقي من الأحرف السبعة هو ما ثبت في العرضة الأخيرة، وأن الصحابة ? لم يختاروا بعض الأحرف الثابتة دون بعض، بل دونوا ونقلوا كل ما ثبتت قرآنيته، وتركوا ما سوى ذلك.
ولكن ينبغي التنبه إلى أن قولهم: إن المصاحف غير مشتملة إلاَّ على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة، جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي ? على جبريل، متضمنة لها، لم تترك حرفًا منها -فيه نوع تناقض، إذ قد يُفهم منه أن هناك شيئًا من الأحرف السبعة عرضه النَّبِيّ ? على جبريل في العرضة الأخيرة، ولم يكتبه الصحابة في المصاحف العثمانية.
فالأولى أن يقال جامعة للعرضة الأخيرة، ويلغى التقييد بِما يحتمله رسم المصاحف، إذ قد علمنا أن الصحابة ? قد كتبوا مصاحف متعددة، وفاوتوا بينها ليحتمل البعض منها من أوجه القراءة ما لا يحتمله البعض الآخر.
ويدل على صحة هذا القول مجموع الأدلة السابقة، فلا شكَّ أن الحكم ببقاء الأحرف السبعة أو عدم بقائها مبنيٌّ على المراد بالأحرف السبعة، ونحن إذا نظرنا إلى كافة الأقوال التي ذكرناها في المراد بالأحرف السبعة، بقطع النظر عن الراجح منها وجدنا في القرآن بعض تلك الأوجه بلا شكٍّ.
أمَّا على القول بأن الحديث مشكلٌ لا يُدرى معناه، فلا إشكال في بقاء الأحرف السبعة أو عدم بقائها، فليس لهذا القول -على ضعفه الشديد- أثرٌ على اعتبار الأحرف السبعة باقية أو غير باقية.
وأمَّا على القول الثاني القائل بأن حقيقة العدد غير مرادةٍ، بل المراد الكثرة، فلا إشكال أيضًا، إذ القراءات المتواترة التي نقلت إلينا فيها كثرةٌ ظاهرةٌ، لا يمكن معها الزعم بأن كل هذه الاختلافات هي حرفٌ واحد.
وأمَّا على القول الثالث القائل بأن المقصود سبعة أصناف من المعاني والأحكام، وهي: الحلال والحرام، والأمر والزجر، والْمحكم والمتشابه، والأمثال، فلا شكَّ أن القرآن المنقول إلينا فيه كل ذلك، وهو أمر ظاهر جلي.
على أن كل الأوجه السابقة في غاية الضعف.
وأمَّا على القول الرابع القائل بأن المراد سبع لغات من لغات العرب الفصحى متفرقة في القرآن لا تجتمع في الكلمة الواحدة، فذلك أيضًا كثيرٌ في القرآن، فقد ورد فيه من غير لسان قريش شيء كثير، وقد أفرده بعض العلماء بالتصنيف، ونقل السيوطي من ذلك الكثير في باب أفرده فيما وقع بغير لغة الحجاز، وذكر فيه ما وقع في القرآن على نحو ثلاثين لغة من لغات العرب.(1)
وقد سبق الرد على هذا القول وبيان ضعفه.
وأمَّا على القول الخامس القائل بأن المراد سبع لغات تكون في الكلمة الواحدة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، فهو الذي دعا أصحاب القول الأول إلى زعم أن الأحرف الستة غير باقية في القرآن، وعلى فرض التسليم بأن قولهم هو الصواب في المراد بالأحرف السبعة في الحديث، فإنه ما زال في القرآن كلمات تقرأ باختلاف في اللفظ، مع اتفاق المعنى، ومن أمثلة ذلك من القراءات المتواترة:
قوله -جلَّ ذِكْرُهُ: } قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ {،(2) فقرأ حمزة والكسائي بالثاء المثلثة، والباقون بالباء، واللفظان متوافقان في المعنى.(3) قوله تعالى: } إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا {،(4) وقوله: } إِنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا {،(5) فقد قرأها الجمهور هكذا من التبيُّن، وقرأ حمزة والكسائي وخلف في اختياره: } فَتثَبَّتُوا { من التثبت، والتبين والتثبت متفقان في المعنى.(6) قوله ?: } وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ {،(7) فقد قرأ عاصمٌ هكذا من البشر، جمع بشير، وقرأ الباقون من النشر، فقرأ حمزة والكسائي وخلف في اختياره: } نَشْرًا { على أنه حال، أي: ناشرةً، أو منشورةً، أو ذات نَشْرٍ، وقرأ أبو جعفرٍ ونافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: } نُشُرًا {، بضم النون والشين جمع ناشر، وقرأ عبد الله بن عامر: } نُشْرًا { بضم النون وسكون الشين، كالسابق مع التخفيف بتسكين الشين، والبشر والنشر متوافقان في المعنى.(Cool وأمَّا على القول السادس بأن المراد بالأحرف السبعة الأنواع التي يقع بِها التغاير والاختلاف في القراءات القرآنية، أو في لغات العرب، فالموجود منها في القراءات المتواترة يفوق الحصر، وهو كل ما اختلف فيه القراء، من فتح وإمالة، وإثبات وحذف، واختلاف حركات الإعراب، والزيادة والنقصان.(9)
ومن أظهر الأدلة على أن الصحابة عندما نسخوا المصاحف في زمن عثمان ? كتبوا كل ما ثبت عرضه في العرضة الأخيرة من الأحرف السبعة -اختلافُ المصاحف العثمانية وتفاوتُها، كما مرَّ بنا،(10) إذ لو كانت مكتوبة بلغة واحدة، على حرف واحد لَما كان بينها اختلافٌ.
وأمَّا القول الأول القائل بأن الأحرف السبعة قد ذهبت ولم يبق إلا حرفٌ واحدٌ، فيجاب عن أدلته بِما يأتي:
أما استدلالهم بقول عثمان ?: فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ. فقد سبق بيان أن ما نقل إلينا متواترًا من القرآن فيه الكثير من غير لغة قريش، وسبق أيضًا بيان أن مراد عثمان ? من ذلك أن أكثر القرآن ومعظمه نزل بلسانِهم، أو أن ابتداء نزوله كان كذلك، وعليه فلا إشكال في هذا الأثر على القول بأن بعض الأحرف باقٍ، إذ ليس فيه أن عثمان ? أمر بإلغاء تلك الأحرف.(11) قال الباقلاني: ومعنى قول عثمان: إنه أنزل بلسان هذا الحي من قريش، أي: معظمه وأكثره نزل بلغتها، ولم تقم حجة قاطعة على أن القرآن بأسْرِه نزل بلغة قريش… ويجزئ من الدليل قوله تعالى: } إنا جعلناه قرآنًا عربيًّا{،(12) ولم يقل قرشيًّا…(13)
كما أن قول عثمان ?: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ… يدل على أنه لم يأمر بإلغاء الأحرف السبعة، فاللفظ صريحٌ في أنه أمر بإثبات لغة ق



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:37
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

ملحقات جمع القرآن عند علماء المسلمين


فعن شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ خَطَبَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ ? بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً.(5)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ ?: اقْرَأْ عَلَيَّ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَة: } فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا {،(6) قَالَ: حَسْبُكَ الآنَ. فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.(7)
وكان النَّبِيّ ? يقرأ أيضًا على أصحابه، ليستمعوا إلى قراءته، ويتعلموا منه ?:
فعَنْ أَنَسٍ رَضِي اللهُ عَنْه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ? لأُبَيٍّ: إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ. قَالَ أُبَيٌّ: آللهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: اللهُ سَمَّاكَ لِي فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي.(Cool
وقد عدَّ علماء القراءة الأولون جمع القراءة في التلاوة الواحدة مخالفة لما كان عليه حال سلف الأمة، واعتبروه كجمع أوجه الاختلاف في القراءة في المصحف الواحد، وهو ما منعه الصحابة ?.
فقد كان من عادة الأئمة إفراد كل قارئ من القراء بِختمة، لا يخلط فيها قراءته بقراءة غيره، وكانوا يبالغون في تحرير الطرق والوجوه، حتى لو اقتضى ذلك الواحد منهم ملازمة شيخه دهرًا طويلاً، ومن ذلك أن الأستاذ أبا الحسن الحصري القيرواني قرأ القراءات السبع على شيخه أبي بكر القصري تسعين ختمة في عشر سنين، قال في قصيدته الرائية:(15)
وأذكر أشيــاخي الذين قرأتُها
ردود إجمالية أخرىعليهم فأبــدا بالإمـام أبي بكرِ قرأتُ عليه السبـع تسعين ختمةً بدأتُ ابن عشرٍ ثم أكملتُ في عشرِ وقد استمر عمل المقرئين على ذلك زمنًا، ثم لما فترت همم الناس، واحتاجوا إلى سرعة العرض، ظهر الجمع بين القراءات في الختمة الواحدة.
قال ابن الجزري: وهذا الذي كان عليه الصدر الأول، ومن بعدهم، إلى أثناء المائة الخامسة، عصر الداني ابن شيطا والأهوازي والهذلي ومن بعدهم، فمن ذلك الوقت ظهر جمع القراءات في الختمة الواحدة، واستمر إلى زماننا، وكان بعض الأئمة يكره ذلك من حيث إنه لم تكن عادة السلف عليه، ولكن الذي استقر عليه العمل هو الأخذ به، والتقرير عليه، وتلقيه بالقبول، وإنما دعاهم إلى ذلك فتور الهمم، وقصد سرعة الترقي والانفراد...(16)

وقد حَذَّر النبىُّ ( من خطورة فتح هذا الباب ، حين وجد نفرًا من أصحابه يخوضون فيه ببابه ، وذلك فيما ورد من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ نَفَرًا كَانُوا جُلُوسًا بِبَابِ النَّبِيِّ ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ :أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا –وفي رواية أنهم تكلموا في القَدَر- فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ( فَخَرَجَ كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ ، فَقَالَ : « بِهَذَا أُمِرْتُمْ - أَوْ بِهَذَا بُعِثْتُمْ - أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، إِنَّمَا ضَلَّتِ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ فِي مِثْلِ هَذَا ، إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِمَّا هَاهُنَا فِي شَيْءٍ ، انْظُرُوا الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ ، فَاعْمَلُوا بِهِ ، وَالَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(1) .
أو تفسير بعضهم قوله تعالى : (وترى الملائكة حافين من حول العرش( [الزمر :75]؛ فقد قال بعض المستشرقين في تفسير معنى (حافين( : أي بدون أحذية(2) .
( وفسر بعض المستشرقين قوله تعالى : (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه( ]الإسراء : 13 ] بقوله : يأتي الكافر وفي رقبته حمامة .
ومنهم عَلََََّامة تصدى لوضع المعجمات الكبرى(3) , فكتب في مادة (أخذ) أنها تأتي بمعنى نام لقوله تعالى : (لا تأخذه سنة ولا نوم((4) [ البقرة :255] ).
ومثل ادعاء بعضهم أنه وجد مخطوطة بخط النبي ( ، وبالتالي يثبت أنه لم يكن أميا(5)، وقول بعضهم : إن معنى قوله تعالى : (الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه ..( [الأعراف :157] أن أمي بمعنى وثني(6).
وادعاء بعضهم أن الوحي عبارة عن صرع كان يصيب النبي(7)( . أو النزول إلى الدرك الأسفل من الدناءة بإطلاق لفظ (الخراء) على القرآن ، كما في كتاب حيدر حيدر(Cool(وليمة لأعشاب البحر)(9) ، وغير ذلك من السفاهات .
ومن أفضل هذه الكتب التي اطلعت عليها ، كتاب "شبهات حول القرآن وتفنيدها" للدكتور غازي عناية(10)، وبعضهم أفرد في بعض هذه المباحث مؤلفا ، مثل كتاب "المستشرقون وترجمة القرآن الكريم"للدكتور محمد صالح البنداق(11). و في كتاب "القراءات وأثرها في التفسير والأحكام"للدكتور محمد بن عمر بازمول(12) عقد بابا بعنوان (رد الشبهات التي تثار حول القراءات) أجاب فيها على كل ما يثار حول هذا الموضوع ، وكتاب القراءات في نظر المستشرقين والملحدين للشيخ عبدالفتاح عبدالغني القاضي(13) ، وكتاب نزول القرآن على سبعة أحرف للدكتور مناع القطان(14)، وفي مجلة لواء الإسلام بحث لعبد الباري إبراهيم أبو عبلة في الجواب على طعون المستشرقين في لغة القرآن ونحوه(15).
ومن أشد الكتب التي طعنت في هذا الباب كتابان :
1-القرآن : نزوله ، تدوينه ، ترجمته وتأثيره ، لبلاشير(16).
2-مقدمة كتاب المصاحف لأبي داود ، لآرثر جفري .
رد عليهما الدكتور إسماعيل سالم عبدالعال في كتابه المستشرقون والقرآن ، في جزأين(17) .
تعريف القرآن :
هو كلام الله المعجز المنزل على محمد ( ، المكتوب في المصاحف ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته(18). والقرآن من المشهورات التي لا تحتاج الى تعريف .
وإنما لم أختر أن تكون الرسالة بهذا العنوان ؛ لأن المتشابه يطلق –في علوم القرآن والتفسير-على عدة معان :
1- يطلق المتشابه ويقصد به المشكل من الآيات التي قد تشتبه على فهم القارئ ؛ لخلوه من الدلالة الراجحة لمعناه(19)، الذي يحتاج للجواب والرد على الطاعن ، كما تقدم .
2- ويطلق ويراد به ضد المحكم ، وهو الذي لا يعلمه إلا الله ، أو لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم(20) ؛ مثل الحروف المقطعة ، وحقيقة صفات الله وكيفياتها .
3- ويطلق ويراد به الآيات المتشابهة لفظا ، وقد تفترق بحرف أو كلمة ، وتوجيه هذا التفريق . وقد ألف العلماء في هذا الفن كتبا كثيرة ؛ منها : " درة التنزيل وغرة التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز"(21) ، للخطيب الإسكافي(22)، وأشهرها وأفضلها كتاب "البرهان في متشابه القرآن "(23) للكرماني(24) .
4- يطلق ويقصد به تشبيه شيء بشيء ، كالحور العين باللؤلؤ ، وقد ألف في هذا المعنى ابن ناقيا البغدادي(25) كتابه " الجمان في تشبيهات القرآن"(26)، ولسيد قطب كتاب في هذا المعنى سماه " التصوير الفني في القرآن " .
5- يطلق المتشابه ويراد به أن القرآن متماثل في النظم والبلاغة والهدف الذي يدعو إليه ؛ فلا تجد في أسلوبه اختلافا ، ولا في معانيه مناقضة ، ولا في سِوَرِه تغايرا ، كما في قوله تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ( [الزمر :23] .
قال القرطبي : ( متشابها يشبه بعضه بعضا في الحسن والحكمة ، ويصدق بعضه بعضا ، ليس فيه تناقض ولا اختلاف )(27).
ومن هذا كتاب دفع " إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " لمحمد الأمين الشنقيطي .
وهذا الاسم والذي قبله يتحدث عن نوع واحد من الطعون ، وهو التناقض في الآيات ، مع أن الطعون لها أنواع أخر ، كنفي نسبة القرآن إلى الله ، والطعن في لغته وغير ذلك ؛ لهذا لم أُسمِّ به الرسالة ؛ لقصوره عن شمول جميع أنواع الطعون .


(1) أخرجه الإمام أحمد (6806) ، وابن ماجة (في المقدمة في باب : في القدر ، رقم : 85) ، وإسناده حسن .
(2) انظر : الإسلام دعوة عالمية ومقالات أخرى ، لعباس محمود العقاد (ص : 189) ، منشورات المكتبة العصرية ، بيروت .
(3) وَصْفُ العقاد لهذا المستشرق بالعَلاّمة هو من باب : التهكم والاستهزاء بجهله الشديد باللغة العربية ، وقد فضح جهله هذا تفسيره لمادة (أخذ) بمعنى نام مخالفًا بذلك جميع معاجم اللغة ، فصار كمَن تخصص في وضع معجمات لنا لا نعرفها .
(4) انظر : اللغة الشاعرة مزايا الفن والتعبير في اللغة العربية ، لعباس محمود العقاد (ص : 75) ، منشورات المكتبة العصرية ، بيروت . وذكر محمد العوضي في مقال له عن الاستشراق في جريدة الحدث الكويتية (العدد : 96) بتاريخ 5 أكتوبر سنة 2002 : أن أحد المستشرقين فسر قوله تعالى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) بقوله : يعني هن بنطلونات لكم وأنتم بنطلونات لهن) .
(5) المرجع السابق (ص : 192) وفيه أن صحف القاهرة نقلت هذا الخبر عن صحيفة بيروتية اثبت فيها واجدها انه بخط النبي ( ، ومن المعلوم أنه لا يمكن إثبات هذا إلا عن طريقين ؛ أحدهما : أن تكون عندنا مخطوطة مكتوبة بخط النبي ( ونقارن بين الخطين ، وهذا غير موجود بداهة . الثانى : أن يشهد شهود عدول أن النبي ( كتبها ، وهذا مما لا وجود له أصلاً .
(6) انظر : دفاع عن القرآن ضد منتقديه ، لعبدالرحمن بدوي (ص : 15) ، الدار العالمية للكتب والنشر ، القاهرة . ويقول بدوي في هذا الكتاب (ص : 7) : إن معرفة المستشرقين للغة العربية من الناحية الأدبية أو الفنية يشوبها الضعف ، ويمكن القول أن هذه الملاحظة تخصهم جميعا تقريبا . اهـ .
(7) انظر : حاضر العالم الإسلامي ، لستودارد (1/34) ، ترجمة عجاج نويهض ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الرابعة ، 1973 .
(Cool حيدر حيدر : كاتب سوري معاصر من سكان قرية ( حصين البحر ) القريبة من ميناء طرطوس ، ألف رواية"وليمة لأعشاب البحر"وملأها بالاستهزاء والسخرية من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكتابه ودين الإسلام ، والرسل والأنبياء ، والأزهر ، وغير ذلك . انظر : كتاب"الملحدون الجدد"لجمال عبد الرحيم ( ص : 125) ، الطبعة الأولى ، 2001 .
(9) انظر الملحدون الجدد لجمال عبد الرحيم ( ص : 127 ) .
(10) طبعته دار ومكتبة هلال للطباعة والنشر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1996 .
(11) دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1983 .
(12) طبعته دار هجر ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1996 .
(13) من منشورات مكتبة الدار بالمدينة المنورة .
(14) مكتبة وهبة ، الطبعة الأولى ، 1991 .
(15) العدد 3 ، للسنة الحادية والثلاثين ، تاريخ نوفمبر 1976 ، ص : 35 .
(16) ريجي بلاشير (1900-1973) مستشرق فرنسي ، ولد في باريس وسافر مع والديه إلى المغرب ودرس في الدار البيضاء ، وعين أستاذا للغة العربية في المدرسة الوطنية للغات الشرقية في باريس ، وتولى عدة مناصب كبيرة وألف كتبا كثيرة عن الإسلام . انظر : موسوعة المستشرقين ، للدكتور عبدالرحمن بدوي ، (ص : 127) دار العالم للملايين ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1993 .
(17) أصدر الكتاب رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة ، وهو من إصداراتها الدورية تحت سلسلة دعوة الحق ، السنة التاسعة ، العدد 104 ، لعام 1410هـ .
(18) انظر : مناهل العرفان للزرقاني (1/15) ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1996 ، وانظر : كتاب النبأ العظيم للدكتور محمد عبدالله دراز (ص : 10) دار طيبة للنشر الطبعة الأولى ، 1997 ، وانظر : المناظرة في القرآن ، عبدالله المقدسي (1/ 22) ، مكتبة الرشد ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1409 ، تحقيق الجديع ، وغير ذلك .
(19) انظر : كشف المعاني في المتشابه المثاني لبدر الدين بن جماعة ، (ص : 28) تحقيق مرزوق إبراهيم ، دار الشريف للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 1420 .
(20) انظر : في اختلاف العلماء في تعريف المتشابه بهذا المعنى كتاب الإتقان للسيوطي(3/3) .
(21) بيروت ، دار الآفاق الجديدة ، الطبعة الثانية ، 1977 .
(22) والإسكافي هو محمد بن عبد الله أبو جعفر الإسكافي ، عداده في أهل بغداد أحد المتكلمين من المعتزلة ، له تصانيف فكان يناظر الحسين بن علي الكرابيسي يتكلم معه ، مات في سنة 402 هـ . انظر : معجم البلدان ، لياقوت الحموي ، دار الفكر ، بيروت ، ( 1/181 ) .
(23) دار الوفاء ، المنصورة ، الطبعة الأولى ، 1411 هـ .
(24) والكرماني هو المعمر بدر الدين ، أبو حفص عمر بن محمد بن أبى سعد الكرماني ، نزيل دمشق ، ولد بنيسابور سنة سبعين وخمسمائة ، وسمع في الكهولة من القسم الصفار ، وروى الكثير بدمشق ، وكان واعظاً ، وتوفي في شعبان سنة خمس وستين وستمائة . انظر : شذرات الذهب ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ( 3/327 ) .
(25) هو : عبد الله وقيل : عبد الباقى بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا أبو القاسم ، الأديب الشاعر اللغوي المترسل ، هو من أهل الحريم الطاهرى ، وهى محلة بغداد ، كان مولده في منتصف ذى القعدة سنة عشر وأربعمائة ، وكان فاضلاُ بارعاً ، وله مصنفات حسنة مفيدة ، منها كتاب"الجمان في تفسير متشابهات القرآن"ومجموع سماه"ملح الممالحة"، وكان ينسب إلى التعطيل ، ومذهب الأوائل ، وصنف في ذلك مقالة ، وكان كثير المجون ، توفي في ليلة الأحد من رابع شهر المحرم سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، ودفن بباب : الشام . انظر : طبقات المفسرين للسيوطى ، ( 1/141 ) الطبعة الأولى ، القاهرة ، مكتبة وهبة 1936 م ، والمنتظم ، لابن الجوزي ( 9/69 ) ، طبعة دار صادر ، بيروت ، سنة 1358 هـ ، الطبعة الأولى .
(26) تحقيق مصطفى الجويني ، دار منشأ المعارف ، الإسكندرية .
(27) تفسير القرطبي (15/162) ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، 1988 .

أول من تكلم فيه
وجود الإشكال في فهم القرآن ، والطعن فيه بسبب ذلك موجود منذ نزوله ؛ لأن القرآن ينقسم إلى أربعة أقسام : قسم لا يجهله أحد ، وقسم تعرفه العرب من لغتها ، وقسم يعرفه الراسخون في العلم ، وقسم لا يعلمه إلا الله ، كما ورد عن ابن عباس(28) .
وأقدم نص وجدتُ فيه حدوث الإشكال على الفهم ، والطعن في القرآن ، واتهامه بالتعارض مع الحقائق ، هو حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ :لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي فَقَالُوا :إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ (يَا أُخْتَ هَارُونَ( وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا . فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : « إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ »(29) .

وقد تكلم القرآن عن كثير من الطاعنين ، وذكر طعوناتهم ، ثم رد عليها ردا واضحا بينا مفحما ؛ فبعضهم ادعى أنه يستطيع أن يأتي بمثل القرآن (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا ..(َ [الأنفال :31] ؛ فتحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثله فعجزوا ، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا ، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا .
وبعضهم زعم أن هذه القرآن إنما هو من قصص الأولين وأساطير السابقين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ( [النحل :24]، فرد الله عليهم أنه لا يعرف أن يقرأ ولا يكتب ، فكيف ينقلها ؟‍!‍ ثم هذه الأساطير ليست خاصة بمحمد ، بل هي كتب للجميع ، فلماذا لا تحضرون لنا هذه الكتب التي نقل منها؟
وبعضهم قال : إنه تعلَّمه من غلام نصراني فقال الله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ([النحل :103].
وهكذا كلما قالوا شُبْهَةً ، وطعنوا طعنا ، رد الله عليهم بحجة واضحة ، وسيأتي مزيد بحث في هذا الموضوع في مبحث مستقل .
وحصل طعن في القرآن في عصر الصحابة ؛ ففي زمن عمر(كان في أجناد عمرو بن العاص ( رجل يقال له صبيغ(30) ، كان يسأل عن متشابه القرآن ، فكان يقول :ما المرسلات عرفا ، ما العاصفات عصفا . تشكيكا وتعنتا ، فأرسل به عمرو ( إلى عمر ( ، فلما علم عمر بقدومه أمر رجلا أن يحضره وقال له : إن فاتك فعلت بك وفعلت . وكان عمر قد جهز له عراجين من نخل ، فلما جاءه سأله عن أشياء ثم قال له :من أنت ؟ فقال : أنا عبد الله صبيغ . فقال : وأنا عبد الله عمر . فضربه حتى أدماه ، ثم تركه حتى شفي ، ثم ضربه حتى أدماه ، ثم تركه حتى شفي ، ثم ضربه حتى أدماه ، ثم تركه حتى شفي ، ثم أُحضر فقال صبيغ : يا أمير المؤمنين إن كنت تريد قتلي ، فاقتلني قتلا جميلا ، وإن كنت تريد أن تداويني ، فقد والله برئتُ . فأرسله عمر إلى البصرة ، وأمر واليها أبا موسى الأشعري بمنع الناس من مجالسته ، فاشتد ذلك على الرجل ، فأرسل أبو موسى إلى عمر أن الرجل حسنت توبته ، فكتب عمر أن يأذن للناس بمجالسته ، فلما خرجت الحرورية قيل لصبيغ :إنه قد خرج قوم يقولون كذا وكذا ، وقد مات عمر . فقال : هيهات قد نفعني الله بموعظة العبد الصالح يعني عمر(31).
و(أَخْرَجَ عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن زَيْد ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، أَنَّ نَافعَ بْنَ الْأَزْرَق ، وَعَطِيَّةَ أَتَيَا اِبْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَا : يَا اِبْنَ عَبَّاس ، أَخْبِرْنَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ( [ المرسلات : 35 ] وَقَوْله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ(
[ الزمر : 31 ] وَقَوْلهِ Sadوَاَللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ( [ الانعام : 23 ] وَقَوْلهِ :
(وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه َحَدِيثًا( [ النساء : 42 ]. قَالَ : وَيْحَكَ يَا ابْنَ الْأَزْرَقِ ، إِنَّهُ يَوْمٌ طَوِيلٌ وَفِيهِ مَوَاقِفُ ، تَأْتِي عَلَيْهِمْ سَاعَةُ لَا يَنْطِقُونَ ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَخْتَصِمُونَ ، ثُمَّ يَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ يَحْلِفُونَ وَيَجْحَدُونَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهمْ ، وَتُؤْمَرُ جَوَارِحُهمْ ، فَتَشْهَدُ عَلَى أَعْمَالِهْم بِمَا صَنَعُوا ، ثُمَّ تَنْطِقُ أَلْسِنَتُهُمْ فَيَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا صَنَعُوا ، وَذَلِكَ قَوْله : (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا([ النساء : 42 ].
وَرَوَى اِبْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قُلْت0 لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ( [ المرسلات : 35 ] ؟ فَقَالَ : إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ حَالَاتٌ وَتَارَاتٌ ، فِي حَال لَا يَنْطِقُونَ وَفِي حَال يَنْطِقُونَ)(32) .
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ :قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ :إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ ؛ قَالَ (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ( [ المؤمنون : 101 ] وقال : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ( [ الصافات : 27 ]، وقوله (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا(
[ النساء : 42 ] (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ( [ الانعام : 23 ] فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؟ ، وَقَالَ : (...أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا( [ النازعات : 27 ] إِلَى قَوْلِهِ : (...دَحَاهَا(
[ النازعات : 30 ] فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ : (...أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ....( [ فصلت : 9 ] إِلَى قَوْلِهِ : (طَائِعِينَ( [ فصلت : 11 ] فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ ؟.
وَقَالَ : (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا( [ الفتح : 14 ] (عَزِيزًا حَكِيمًا( [ الفتح : 19 ] (سَمِيعًا بَصِيرًا( [ النساء : 58 ] فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى ؟
فَقَالَ ابن عباس : (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ( [ المؤمنون : 101 ] فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ (..فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ...(
[ الزمر 68 ]فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ (أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ( .
وَأَمَّا قَوْلُهُ (...مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ( [ الانعام :23 ] (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا( [ النساء : 42 ] فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلاَصِ ذُنُوبَهُمْ ، فقَالَ الْمُشْرِكُونَ : تَعَالَوْا نقُلْ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ ، فَخُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ، فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا ، وَعِنْدَهُ (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لو كانوا مسلمين( [ الحجر : 2 ].
وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ ؛ وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ ، وَالْجِمَالَ ، وَالْآكَامَ ، وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : (دَحَاهَا( وَقَوْلُهُ : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ( [ فصلت : 9 ] فَجُعِلَتِ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ .
(وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا( [ الفرقان : 70 ]سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ ، فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ(33) .
وغير ذلك من الآثار ، وكلما بعد العهد بعصر النبوة ، كلما زادت الإشكالات والطعون في القرآن .
واشتهر ابن عباس رضي الله عنه بالرد على من طعن في القرآن ، كما سبق ، وسيأتي التمثيل لذلك بأمثلة أخرى إن شاء الله .

المبحث الثاني :
مثل كتاب " مشكل إعراب القرآن "(34) للقيسي(35) ، و" إعراب مشكل القرآن "(36) لثعلب(37) ، وهذا الاتجاه يجيب عن كل إشكال لغوي ونحوي ، وهو في حقيقته دفاع عن قوله تعالى : (إنا أنزلناه قرآنا عربيا ...( [ يوسف :2 ] ، ولعل أول الطعون اللغوية ما اشتهر باسم مسائل ابن الأزرق(38) مع ابن عباس :
عن حميد الأعرج ، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد ، عن أبيه قال بينا عبد الله بن عباس ( جالس بفناء الكعبة ، قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن فقال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر : قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به .فقاما إليه فقالا : إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله ، فتفسرها لنا ، وتأتينا بمصادقة من كلام العرب ؛ فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين فقال ابن عباس : سلاني عما بدا لكما . فقال نافع : أخبرني عن قول الله تعالى : (عن اليمين وعن الشمال عزين( قال العزون الحِلق الرقاق .
قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :
فجاؤوا يُهرعون إليه حتى *
* يكونوا حول منبره عزينا
قال :أخبرني عن قوله : (وابتغوا إليه الوسيلة( قال الوسيلة الحاجة . قال وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت عنترة وهو يقول :
إن الرجال لهم إليك وسيلة *
* إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
قال : أخبرني عن قوله : (شرعة ومنهاجا( قال :الشرعة الدين ، والمنهاج الطريق . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول :
لقد نطق المأمون بالصدق والهدى *
* وبين للإسلام دين ومنهاجا
قال :أخبرني عن قوله (إذا أثمر وينعه( قال : نضجه وبلاغه . قال وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :
إذا ما مشت وسط النساء تأودت *
* كما اهتز غصن ناعم النبت يانع
قال :أخبرني عن قوله تعالى : (وريشا( قال : الريش المال .قال وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر يقول :
فرشني بخير طالما ما قد ريتني*
* وخير الموالي من يريش ولا يبري
قال : أخبرني عن قوله تعالى : (لقد خلقنا الإنسان في كبد( قال :في اعتدال واستقامة .قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول :
يا عين هلا بكيت أربد إذ *
* قمنا وقام الخصوم في كبد
قال :أخبرني عن قوله تعالى : (يكاد سنا برقه( قال : السنا الضوء . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث يقول :
يدعو إلى الحق لا يبغي به بدلا *
* يجلو بوء سناه داجي الظلم

قال :أخبرني عن قوله تعالى : (وحفدة( قال : ولد الولد ، وهم الأعوان . قال :وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر يقول :
حفد الولائد حولهن وأسلمت *
* بأكفهن أزمة الأجمال
قال :أخبرني عن قوله تعالى : (وحنانا من لدنا( قال :رحمة من عندنا . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت طرفة بن العبد يقول :
أبا منذرٍ أفنيتَ فاسْتَبقِ بعضنـا حنانيك بعض الشرِ أهونُ من بعضِ
قال :أخبرني عن قوله تعالى : (أفلم ييأس الذين آمنوا( قال : أفلم يعلم بلغة بني مالك .قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت مالك بن عوف يقول :
لقد يئـس الأقوامُ أني أنا ابنـُه وإن كنتُ عن أرضِ العشيرة نائبًا
قال : أخبرني عن قوله تعالى : (مثبورا( قال : ملعونا محبوسا من الخير . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت عبد الله بن الزُّبَعْرَي يقول :
إذ أتاني الشيطان في سنة النو *
* م ومن مال ميله مثبورا
قال : أخبرني عن قوله تعالى : (فأجاءها المخاض( قال :ألجأها . قال :وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت يقول :
إذ شددنا شدة صادقة * * فأجأناكم إلى سفح الجبل قال : أخبرني عن قوله تعالى : (نديا( قال :النادي المجلس .قال :وهل تعرف العرب ذلك ؟
قال : نعم ، أما سمعت الشاعر يقول :
يومان يوم مقامات وأندية * * ويوم سير إلى الأعداء تأويب

إلى آخر تلك المسائل ، وقد جاءت في كتاب "الإتقان" للسيوطي في أكثر من ثلاثين صفحة(39).
الجمع بين قوله : (لا مبدل لكلماته( [ الكهف : 27 ] مع ما حصل من النسخ ، والجمع بين قوله : (في يوم كان مقداره ألف سنة( [ السجدة : 55 ] مع قوله : (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة( [ المعارج : 4 ] ، والجمع بين قوله : (لا أقسم بهذا البلد( .[ البلد : 1 ] وقوله : (وهذا البلد الأمين( . [ التين : 3 ] إلى غير ذلك من المسائل والتى ستذكر كثيرا منها فى هذه الرسالة .

- هدم الإسلام : فقد روي عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْر ، قَالَ : قَالَ لِي عُمَرُ : هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟ قَالَ : قُلْتُ لَا . قَالَ : يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ ، وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ)(40) .
وللأسف فقد تحقق لهم الكثير من هذا ، فقد عُزل الكتاب عن التحكيم بين الناس ، واستبدل بقانون الغرب ، وصدق رسول الله ( كما جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ( يقول : « خذوا العطاء ما دام العطاء لله ، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه ، يمنعكم الفقر والحاجة ، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار ، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب ، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم مالا يقضون لكم ، فإذا عصيتموهم قتلوكم ، وإن أطعتموهم أضلوكم ، قالوا : يا رسول الله كيف نصنع؟ قال : كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نشروا بالمناشير ، وحملوا على الخشب ، موتُُ في طاعة الله خير من حياة في معصية الله » (41) .



(28) أخرجه ابن جرير الطبري مسندا كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره (1/7) ولم أجده في تفسير ابن جرير بعد البحث في مظانه ، وانظر : الإتقان (3/7) .
(29) أخرجه مسلم (كتاب الآداب ، باب : النهي عن التكني بأبي القاسم ، وبيان ما يستحب ، رقم : 213).
(30) قال ابن منظور : (صبِـيغٌ : اسم رجل كان يَتَعَنَّتُ الناسَ بسُؤَالات فـي مُشْكل القرآن ، فأَمر عمر بن الـخطاب بضربه ، ونفاه إِلى البَصرة ، ونَهي عن مُـجالَسَتِه ) ، لسان العرب (8 /439) .
(31) أخرجه مالك في الموطأ(2/455) تحقيق فؤاد عبدالباقي ، مصر ، دار إحياء التراث ، ومعمر بن راشد في جامعه (11/426) تحقيق حبيب االأعظمي ، بيروت ، المكتب الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 1403 ، والدارمي في سننه (1/66) تحقيق زمرلي ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، الطبعة الأولى ، 1407 ، وإسناد القصة صحيح والقصة مشهورة ، وانظر : الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي(2/152) دار الفكر ، بيروت ، 1414 ، فقد جمع أطراف القصة ورواياتها .
(32) فتح الباري لابن حجر العسقلاني (8/555) .
(33) أخرجه البخاري معلقا (كتاب تفسير القرآن ، باب : سورة حم السجدة (فصلت) ) ، وقال الحافظ ابن حجر كما في الفتح (8/418) : وصله الطبري وابن أبي حاتم بإسناد على شرط البخاري في الصحة .
(34) في مجلدين تحقيق ياسين السواس ، طبع دار المأمون للتراث ، دمشق .
(35) والقيسي هو : أبو بكر محمد مكي بن أبي طالب حموش بن حمد بن مختار القيسي المقرئ أصله من القيروان ، وانتقل إلى الأندلس ، وسكن قرطبة ، وهو من أهل التبحر في العلوم خصوصا القرآن ، كثير التصنيف والتصانيف عاش اثنين وثمانين سنة ، ورحل غير مرة وحج وجاور ، وتوسع في الرواية ، وبعد صيته وقصده الناس من النواحي لعلمه ودينه ، وولى خطابة قرطبة ، وكان مشهورا بالصلاح والخلق جيد الدين والعقل ، توفي سنة ثمانية وسبعين وخمسمائة . انظر : شذرات الذهب ( 2/260 ) .
(36) ذكره القزويني في التدوين في أخبار قزوين (2/152) ، تحقيق عزيز الله العطاردي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1987 .
(37) وثعلب هو : أبو العباس ثعلب أحمد بن يحيي بن يزيد الشيباني ، مولاهم العبسي البغدادي ، علامة الأدب ، شيخ اللغة والعربية ، حدث عن غير واحد ، وعنه واحد منهم الأخفش الصغير ، وسمع من القواريري مائة ألف حديث فهو من المكثرين ، وسيرته في الدين والصلاح مشهورة ، صنف التصانيف المفيدة ، منها كتاب الفصيح وهو صغير الحجم كبير الفائدة ، وكتاب القراءات ، وكتاب إعراب القرآن وغير ذلك ، توفي سنة تسع وثلاثين ومائة . انظر : شذرات الذهب ( 1/207 ) .
(38) هو : نافع بن الأزرق الذى ينتسب إليه الأزارقة أحد زعماء الخوارج ، قتل في جمادى الآخرة سنة 65هـ بالبصرة ، الكامل في التاريخ ، بتحقيق عبد الله القاضي ، ( 4 / 15 ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1995م .
(39) انظر : الإتقان للسيوطي (2/55-88) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم .
(40) أخرجه الدارمي (المقدمة باب : في كراهية أخذ الرأي ، رقم : 214) .
(41) أخرجه الطبراني في الصغير (2/42) والكبير (20/90) وفي مسند الشاميين(1/379) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/228) : (رواه الطبراني ويزيد بن مرثد لم يسمع من معاذ ، والوضين بن عطاء وثقه ابن حبان وغيره ، وبقية رجاله ثقات . ) .

ما الحكمة من وجود المتشابه في القرآن ؟
والباعث على البحث في هذا هو الجواب على شبهة : " أن القرآن إنما أنزل للهدى والبيان فكيف اشتمل على المتشابه " ؟
وقد تكلم في جواب هذا كثير من العلماء ، وخاضوا في حكمة إنزال المتشابه ، وذكروا أمورا بعضها قوي ، وبعضها لا يخلو من مقال ، وبعضها يتعجب الناظر فيه كيف أمكن أن يقال ، وبعضها لا يستحق الذكر .
أما أمثلها وأقواها فيما قال العلماء ، فهو أن الحكمة من إنزال المتشابه تتجلى في أمور:
الأول : أن الله أنزله مختبراً به عباده ؛ فأما المؤمن فلا يداخله فيه شك ولا يعتريه ريب ، وهو بين أمرين ، إما قادر على رده إلى المحكم ، وإما قائل : آمنا به كل من عند ربنا . إن لم يتبين له معناه ، فأمره كله خير ، وتعظم بذلك مثوبته ، وتزيد عند الله درجته .
وأما المنافق فيرتاب ولا يزيده القرآن إلاّ خسارا ، وأما من كان في قلبه زيغ -كأهل البدع - ، فيتبعون المتشابه ؛ ليفتنوا الناس عن القرآن وصحيح السنة وينـزلوه على مقتضى بدعتهم .
وسياق الآية وما بعدها دال على أن هذا من حكمة إنزال المتشابه ؛ إذ قال تعالى :
(وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلاّ أولوا الألباب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب( [آل عمران : 7-8] .
فالمؤمنون رغبوا إلى ربهم أن لا يزيغ قلوبهم كما زاغت قلوب أهل الزيغ ، إذ هو – أي المتشابه - فتنة للعقول والقلوب ، وسألوا أن ينـزل عليهم رحمة يربط بها على قلوبهم وعقولهم فلا تزيغ ، وفي هذا الإشارة إلى أن أهل الزيغ والبدعة محرومون من بركة هذا الدعاء ، كل بحسب بدعته ، وبعده عن السنة .
وقد ذكر الله في القرآن أنه ينـزل ما يمتحن به عباده ؛ ليزداد الذين آمنوا إيمانا ؛ ويضل غيرهم من أهل الضلال ، كما قال تعالى : (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضةً فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاُ يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلاّ الفاسقين( [البقرة : 26] .
قال الإمام عبدالرحمن السعدي في تفسيره : ( يقول تعالى (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاُ ما( أي مَثَلٍ كان (بعوضة فما فوقها( لاشتمال الأمثال على الحكمة وإيضاح الحق ، الله لا يستحيي من الحق (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم( فيفهمونها ويتفكرون فيها ، فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل ، إزداد بذلك علمهم وإيمانهم ، وإلاّ علموا أنها الحق ، وما اشتملت عليه حق ، وإن خفي عليهم وجه الحق فيها ، لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا ، بل لحكمة بالغة ونعمة سابغة ، (وأما الذي كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً( فيعترضون ويتحيرون ، فيزدادون كفراً إلى كفرهم ، كما ازداد المؤمنون إيماناً إلى إيمانهم ، ولهذا قال : (يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً( فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الآيات القرآنية ، قال تعالى : (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناُ وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون( [ التوبة : 124 - 125 ] فلا أعظم من نزول الآيات القرآنية ، ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة وضلالة ، وزيادة شر إلى شرهم ، ولقوم منحة ورحمة وزيادة خير إلى خيرهم )(42) .
ومن هذا القبيل قوله تعالى : (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلاّ إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرضٌ والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهادِ الذين أمنوا إلى صراط مستقيم( [الحج 52 – 54 ] .
قال ابن القيم : ( والمقصود أن قوله : (ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض( هي لام التعليل على بابها ، وهذا الاختبار والامتحان مظهر لمختلف القلوب الثلاثة ، فالقاسية والمريضة ظهر خبؤها من الشك والكفر ، والمخبتة ظهر خبؤها من الإيمان والهدى وزيادة محبته وزيادة بغض الكفر والشرك والنفرة عنه ، وهذا من أعظم حكمة هذا الإلقاء)(43) .
ومن هذا القبيل أيضاً قوله تعالى : (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلّا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلّا طغياناً كبيراً( [الاسراء : 60] .
قال ابن كثير - بعدما ذكر تفسير ابن عباس : أن الرؤيا هي ليلة الإسراء ، والشجرة هي شجرة الزقوم - : ( وهكذا فسر ذلك بليلة الإسراء مجاهد وسعيد بن جبير والحسن ومسروق وإبراهيم وقتادة وعبد الرحمن بن زيد ، وغير واحد ، وتقدم أن ناساً رجعوا عن دينهم بعدما كانوا على الحق ؛ لأنه لم تحتمل عقولهم وقلوبهم ذلك ، فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ، وجعل الله ذلك ثباتاً ويقيناً لآخرين ، ولهذا قال : (إلاّ فتنة( . أي اختبارًا وامتحاناً ، وأما الشجرة الملعونة فهي شجرة الزقوم ، كما أخبرهم رسول الله ( أنه رأى الجنة والنار ، ورأى شجرة الزقوم ، فكذبوا بذلك حتى قال أبو جهل - لعنه الله- :هاتوا تمرا وزبداً ، فجعل يأكل هذا بهذا ويقول : تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا )(44) .
فهذا كله يدل على أن الله يختبر عباده بما شاء ، وإنزاله المتشابه من هذا فإنه فتنة ، وقد ضل به كثير ممن ضل عن الحق ، كما رفع الله به أهل الإيمان بيقينهم ، ورسوخهم درجات من عنده .
- أن المشتبهات ليست في الأمور المطلوبة من المكلف العمل بها ، وإنما هي في بعض الأمور العقدية التي يطالب فيها المكلف بالتفويض والتسليم لله تعالى فيها ، ويقول :
(آمنا به كل من عند ربنا( .
قال تعالى : (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا([المائدة : 48] .
وقال : (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً( [الإسراء : 9] . وكيف يكون القرآن حاكماً إذا كان نزوله من أجل أن يصرف الناس عن تحكيمه في عقيدتهم ؟! قال عز وجل : (آلر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد( [إبراهيم : 1]. وقال : (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين( [النمل : 89] . وقال : (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه( [البقرة : 213] .


(42) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (1/46-47) ، دار المدني ، جدة ، 1408 .
(43) شفاء العليل لابن القيم ص : 193 ، تحقيق محمد بدر الدين الحلبي ، دار الفكر ، بيروت ، 1978 .
(44) تفسير ابن كثير (3/48) ، مكتبة دار التراث ، القاهرة .




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:40
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

أنواع المطاعن
الطاعنون في القرآن كثر ، ومطاعنهم وشبهاتهم كثيرة ، وحصرها قد يعيي الباحث ، ويكل المجد ، ولكن حقيقة هذه الطعون أنها تدور في أفلاك محددة ،وهي :
1- نفي نسبة القرآن لله تعالى : ويشمل عدة طعون :
-نسبته إلى النبي ( وأنه من تأليفه(45) .
-نسبته إلى الاقتباس من الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل(46) .
-دعوى عدم قدسيته وإمكانية نقده ومخالفته(47) ؛ يعني قد يقر بأنه ليس من النبي( وأنه من الله تعالى، ولكن يقول هو ليس مقدسا ، بل يمكن نقده ، وهذا الكلام حقيقته نفي القرآن عن الله تعالى ؛ لأن ما كان من الله سبحانه فهو مقدس ولا يمكن نقده ، وما كان من غيره فينطبق عليه ما يجري على كلام البشر من خطأ أو عجز أو جهل ، إلى غير ذلك من نقائض البشر .

2- زعم عدم حفظه :
يعني قد يقر بأن القرآن من الله جل جلاله ، ولكن يزعم عدم حفظه فيدعي :
- أنه ليس هو القرآن الذي أنزل على محمد (، بل قد غير وبدل ، وأما الأصل فلا وجود له(48) .
- أنه زيد فيه ونقص(49) ؛ يعني قد يقر بأن القرآن الموجود هو الكتاب الذي نزل من الله ، ولكن يقول إنه زيد فيه أو نُقص منه .

3- اتهام القرآن بالتناقض :
- تناقض الآيات بعضها مع بعض(50) .
4- اتهام القرآن بمعارضة الحقائق :
- معارضة الحقائق الشرعية(51) .
- معارضة الحقائق التاريخية(52) .
- معارضة الحقائق الكونية ، أوحقائق العلم التجريبي الحديث(53) .

والملاحظ في هذه الطعون هو التدرج فيها ، فكلما انتفت شبهة انتقلوا إلى التي تليها .
ولو علم المسلمون هذه الشبه الأربع والرد عليها لما حصل ما نراه الآن من تأثر كثير من المسلمين بها ، بل والاعتقاد فيها أو التسليم بها .
والمطاعن من حيث صراحتها تنقسم إلى نوعين :
1- طعون واضحة وصريحة ، وهذا هو الغالب في طعون المستشرقين .
2- طعون غامضة وملتوية وغير مباشرة ، وهذا الغالب في طعون العلمانيين .



(45) انظر : الإسقاط في مناهج المستشرقين للدكتور شوقي أبو خليل (ص : 47) ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1995 ، و معالم تاريخ الإنسانية ، لويلز (3/626) ، وتاريخ الدولة العربية ، ليوليوس فلهاوزن (ص : Cool ، ترجمه عن الألمانية ، د . محمد أبو ريدة ، الألف كتاب ، القاهرة ، 1958وغيرها من المراجع .
(46) انظر : المستشرقون والدراسات القرآنية للدكتور محمد حسين الصغير ، (ص : 118-120) ، المؤسسة الجامعة للدراسات والنشر ، الطبعة الثانية ، 1986 ، ودائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية (ص : 16) ، والعقيدة والشريعة في الإسلام لجولدتسيهر ص : 12 ، عن كتاب القرآن الكريم في مواجهة الماديين الملحدين للدكتور أحمد الشاعر(ص : 93) دار القلم ، الكويت ، الطبعة الثانية ، 1982 ، وانظر : القرآن والمستشرقون ، لنقرة(ص : 31) وغيرها من المراجع .
(47) انظر : القرآن الكريم في مواجهة الماديين الملحدين ، للدكتور أحمد الشاعر (ص : 96-97) ، والتمهيد في تاريخ الفلسفة للشيخ مصطفى عبدالرازق (ص : 5) ، نقض مطاعن في القرآن الكريم ، لمحمد أحمد عرفة ، ص : 4 ، و (طه حسين حياته وفكره) لأنور الجندي ، ص : 144 ، نقلا عن كتاب مستقبل الثقافة في مصر وغيرها من المراجع .
(48) انظر : دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية ، لإبراهيم عوض (ص : 7) ، و الوحي الجديد (ص : 44) ، نقلا عن كتاب مناقشات وردود ، لمحمد فريد وجدي (ص : 370) ، وغيره من المراجع .
(49) انظر : لطائف المنان ورائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن ، د . فضل حسن عباس ، دار النور للطباعة النشر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1989 ، و الشيعة والقرآن ، لإحسان إلاهي ظهير ، مكتبة إدارة ترجمات السنة ، لاهور باكستان ، وكتاب (أيلتقي النقيضان) لمحمد مال الله ، دار النفير ، الكويت ، الطبعة الأولى ، 1421 ، وأصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية ، د . ناصر بن عبدالله القفاري ، الفصل الأول من الباب : الأول بعنوان (اعتقادهم في القرآن) (1/123) وغيره من المراجع .
(50) انظر : كتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة الدينوري تحقيق السيد أحمد صقر ، المكتبة العلمية ، وكتاب المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير له أيضا تحقيق مروان العطية ومحسن خرابة ، دار ابن كثير ، دمشق ، الطبعة الأولى ، 1990 ، وأضواء على متشابهات القرآن ، لخليل ياسين مكتبة الهلال ، بيروت ، وباهر القرآن في معاني مشكل القرآن لبيان الحق النيسابوري تحقيق سعاد بابقي ، من مطبوعات جامعة أم القرى ، 1997 ، وغير ذلك من المراجع .
(51) انظر : كتاب : رد مفتريات على الإسلام ، لشلبي ، ص : 38 ، عن رسالة المجلس الملي القبطي الأرثوذكس بالإسكندرية ، و دائرة المعارف البريطانية (ص : 22) ، حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ، للعقاد (ص276) ، المكتبة العصرية ، بيروت ، وغير ذلك من المراجع .
(52) انظر : المستشرقون والدراسات الإسلامية ، للدكتورمحمد حسين الصغير (74-75) ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، و في الشعر الجاهلي لطه حسين (ص : 26) ، و مدخل إلى علم التفسير ، للدكتور محمد بلتاجي ص : 170 ، وغير ذلك من المراجع .
(53) انظر : رد مفتريات على الإسلام ، لعبدالجليل شلبي ، دار القلم ، الكويت ، الطبعة الأولى ، 1982 ، ومدخل إلى علم التفسير لأستاذنا الدكتور بلتاجي ، مكتبة الشباب : ، 1998 ، وغير ذلك من المراجع .

أسباب الاختلاف في القرآن
أما نفي نسبة القرآن إلى الله تعالى ، وزعم عدم حفظ القرآن ، وما يندرج تحتهما من طعونات ، فإنها دعاوى من غير أدلة ولا برهان ، وسببها الحقد المحض ، ولعل سببها الوحيد لديهم دعواهم وجود التناقض في القرآن ، والتناقض دليل على عدم قدسيته .
وأما دعوى تناقض القرآن فإنها ترجع لخمسة أسباب ، كما ذكرها الزركشي ، فقد قال - رحمه الله - :
الأول : وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى :
كقوله تعالى في خلق آدم إنه (من تراب( [ آل عمران : 59] ، ومرة (من حمأ مسنون( [الحجر : 26] ، ومرة (من طين لازب( [الصافات : 11] ، ومرة (من صلصال كالفخار( [الرحمن : 14] ، وهذه الألفاظ مختلفة ، ومعانيها في أحوال مختلفة ؛ لأن الصلصال غير الحمأ ، والحمأ غير التراب ، إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر ، وهو التراب ، ومن التراب تدرجت هذه الأحوال .
ومنه قوله تعالى : (فإذا هي ثعبان مبين( [ الشعراء : 32 ] ، وفي موضع (تهتز كأنها جان( [القصص : 31] ، والجان الصغير من الحيات ، والثعبان الكبير منها ؛ وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم واهتزازها وحركاتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته .
السبب الثاني : اختلاف الموضوع :
كقوله تعالى : (وقفوهم إنهم مسئولون([الصافات : 24] ، وقوله : (فلنسألن الذين أرسل إليهم و لنسألن المرسلين( [ الأعراف : 6 ] ، مع قوله : (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان( [الرحمن : 36] ؛ قال الحليمي : فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل ، والثانية على ما يستلزم الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه .
وحمله غيره على اختلاف الأماكن ؛ لأن في القيامة مواقف كثيرة ، فموضع يسأل ويناقش وموضع آخر يرحم ويلطف به ، وموضع آخر يعنف ويوبخ وهم الكفار ، وموضع آخر لا يعنف وهم المؤمنون .
وقوله : (ولا يكلمهم الله يوم القيامة([البقرة : 174] ، مع قوله : (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون([الحجر : 92-93] وقيل : المنفي كلام التلطف والإكرام ، والمثبت سؤال التوبيخ والإهانة ، فلا تنافي ، وقيل : إن المنفي كلامهم في النار، والمثبت كلامهم في الحساب .
وكقوله : (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين([الأنعام : 23] ، مع قوله : (ولا يكتمون الله حديثا([النساء : 42] ، فإن الأولى تقتضي أنهم كتموا كفرهم السابق ، والجواب من وجهين ؛ أحدهما : أن للقيامة مواطن ففي بعضها يقع منهم الكذب ، وفي بعضها لا يقع ، كما سبق ، والثاني : أن الكذب يكون بأقوالهم ، والصدق يكون من جوارحهم ، فيأمرها الله تعالى بالنطق فتنطق بالصدق .
ومنه قوله تعالى : (اتقوا الله حق تقاته([آل عمران : 102] ، مع قوله : (فاتقوا الله ما استطعتم([التغابن : 16] ، يحكى عن الشيخ العارف أبي الحسن الشاذلي ، رحمه الله ، أنه جمع بينهما فحمل الآية الأولى على التوحيد ، والثانية على الأعمال ، والمقام يقتضي ذلك ؛ لأنه قال بعد الأولى (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون( .
وقيل : بل الثانية ناسخة ؛ قال ابن المنير : الظاهر أن قوله : (اتقوا الله حق تقاته( إنما نسخ حكمه لا فضله وأجره ، وقد فسر النبي ( حق تقاته بأن قال : « هو أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر » . فقالوا : أينا يطيق ذلك . فنزلت(فاتقوا الله ما استطعتم( وكان التكليف أولا باستيعاب العمر بالعبادة بلا فترة ولا نعاس ، كما كانت الصلاة خمسين ثم صارت بحسب الاستطاعة خمسا ، والاقتدار منـزل على هذا الاعتبار ، ولم ينحط من درجاته ، وقال الشيخ كمال الدين الزملكاني : وفي كون ذلك منسوخا نظر ، وقوله : (ما استطعتم( هو (حق تقاته( إذ به أمر فإن (حق تقاته( الوقوف على أمره ودينه ، وقد قال بذلك كثير من العلماء اهـ .
والحديث الذي ذكره ابن المنير في تفسيره (حق تقاته(لم يثبت مرفوعا ، بل هو من كلام ابن مسعود رواه النسائي ، وليس فيه قول الصحابة : أينا يطيق ذلك ، ونزول قوله تعالى : (فاتقوا الله ما استطعتم( .
ومنه قوله تعالى : (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة([النساء : 3] مع قوله في أواخر السورة : (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم( [النساء : 129] فالأولى تُفهم إمكان العدل ، والثانية تنفيه .
والجواب أن المراد بالعدل في الأولى العدل بين الأزواج في توفية حقوقهن ، وهذا ممكن الوقوع وعدمه ، والمراد به في الثانية الميل القلبي ؛ فالإنسان لا يملك ميل قلبه إلى بعض زوجاته دون بعض ، وقد كان يقسم بين نسائه ثم يقول : " اللهم هذا قسمي في ما أملك ، فلا تؤاخذني بما لا أملك " . يعني ميل القلب ، وكان عمر يقول : اللهم قلبي فلا أملكه ، وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل .
ويمكن أن يكون المراد بالعدل في الثانية العدل التام ؛ أشار إليه ابن عطية ، وقد يحتاج الاختلاف إلى تقدير ، فيرتفع به الإشكال كقوله تعالى : (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى([النساء : 95] ثم قال سبحانه : (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما( والأصل في الأولى : وفضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر درجة ، والأصل في الثانية : وفضل الله المجاهدين على القاعدين من الأصحاء درجات .
وكقوله تعالى : (إن الله لا يأمر بالفحشاء([الأعراف : 28] مع قوله : (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها([الإسراء : 16] ، والمعنى أمّرناهم وملّكناهم وأردنا منهم الصلاح فأفسدوا ، والمراد بالأمر في الأولى أنه لا يأمر به شرعا ولكن قضاء ؛ لاستحالة أن يجري في ملكه ما لا يريد ، وفرقٌ بين الأمر الكوني والديني .
الثالث : الاختلاف في جهتي الفعل :
كقوله تعالى : (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم( [الأنفال : 17] ؛ أضيف القتل إليهم على جهة الكسب والمباشرة ، ونفاه عنهم باعتبار التأثير ؛ ولهذا قال الجمهور : إن الأفعال مخلوقة لله تعالى ، مكتسبة للآدميين ، فنفي الفعل بإحدى الجهتين لا يعارضه إثباته بالجهة الأخرى . وكذا قوله : (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى([الأنفال:17] أي ما رميت خلقا إذ رميت كسبا .
وقيل : إن الرمي يشتمل على القبض والإرسال وهما بكسب الرامي ، وعلى التبليغ والإصابة وهما بفعل الله عز وجل ؛ قال ابن جرير الطبري : وهي الدليل على أن الله خالق لأفعال العباد ؛ فإن الله تعالى أضافه إلى نبيه ثم نفاه عنه ، وذلك فعل واحد ؛ لأنه من الله تعالى التوصيل إليهم ومن نبيه بالحذف والإرسال ، وإذا ثبت هذا لزم مثله في سائر أفعال العباد المكتسبة ، فمن الله تعالى الإنشاء والإيجاد ، ومن الخلق الاكتساب بالقوى .
ومثله قوله تعالى : (الرجال قوامون على النساء([النساء : 34] وقال تعالى : (وقوموا لله قانتين([البقرة : 238] فقيام الانتصاب لا ينافي القيام بالأمر لاختلاف جهتي الفعل .
الرابع : الاختلاف في الحقيقة والمجاز :
كقوله : (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى([الحج : 2] (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت([إبراهيم : 17] وهو يرجع لقول المناطقة : الاختلاف بالإضافة . أي وترى الناس سكارى بالإضافة إلى أهوال القيامة مجازا ، وما هم بسكارى بالإضافة إلى الخمر حقيقة .
ومثله في الاعتبارين قوله تعالى : (آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين( [البقرة:8] وقوله : (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون([الأنفال : 21] ، وقوله تعالى : (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون( [الأعراف : 198] ، أي في حقيقتهم لا يبصرون، لأن بصرهم لا يفيدهم، كما لا يلزم من نفي النظر نفي الإبصار ، لجواز قولهم : نظرت إليه فلم أبصره .

الخامس : بوجهين واعتبارين :
وهو الجامع للمفترقات ، كقوله : (فبصرك اليوم حديد([ق : 22] وقال : (خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي([الشورى : 45] ، قال قطرب : (فبصرك( : أي علمك ومعرفتك بها قوية ، من قولهم : بصر بكذا وكذا . أي علم ، وليس المراد رؤية العين ، قال الفارسي : ويدل على ذلك قوله : (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد( وصف البصر بالحدة .
وكقوله تعالى : (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك( [الأعراف : 127] مع قوله : (أنا ربكم الأعلى( [النازعات : 24] ؛ فقيل : يجوز أن يكون معناه : ويذرك وآلهتك إن ساغ لهم ، ويكون إضافة الآلهة إليه ملكا كان يعبد في دين قومه ، ثم يدعوهم إلى أن يكون هو الأعلى ، كما تقول العرب موالي من فوق وموالي من أسفل ، فيكون اعتقادهم في الآلهة مع فرعون أنها مملوكة له ، فيحسن قولهم : (وآلهتك((54) .
وقوله تعالى : (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله( [الرعد : 28] مع قوله : (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم( [الأنفال : 2] فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة ؛ وجوابه أن الطمأنينة إنما تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد ، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى ، فتوجل القلوب لذلك ، وقد جمع بينهما في قوله : (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله( [الزمر : 23] فإن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ، ووثقوا به ، فانتفى عنهم الشك .
وكقوله : (خمسين ألف سنة( [المعارج : 4] وفي موضع (ألف سنة( [السجدة : 5]، وأجيب بأنه باعتبار حال المؤمن والكافر بدليل (وكان يوما على الكافرين عسيرا( [الفرقان : 26] .
وكقوله : (بألف من الملائكة مردفين( [الأنفال : 9] وفي آية أخرى (بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين( [آل عمران : 124] ، قيل : إن الألف أردفهم بثلاثة آلاف ، وكان الأكثر مددا للأقل ، وكان الألف (مردَفين) بفتحها…)(55) .
إذن فأسباب إيهام التناقض عند الزركشي خمسة : -
السبب الأول : وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى .
السبب الثاني : اختلاف الموضوع .
السبب الثالث : اختلافهما في جهتي الفعل .
السبب الرابع : اختلافهما في الحقيقة والمجاز .
السبب الخامس : الاختلاف لوجهين واعتبارين .
وذكر صاحب كشف الأسرار أن من أسباب الاختلاف في القرآن :
(1- ( الغُمُوض فِي المعنى ) أَيْ الْإشكال إنَّمَا يَقَعُ لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى , وَمِنْ نَظَائِرِهِ قولُه تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ( , اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ عَلَى السَّامِعِ أَنَّهُ بِمَعْنَى كَيْفَ أَوْ بِمَعْنَى أَيْنَ ، فَعُرِفَ بَعْدَ الطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ أَنَّهُ بِمَعْنَى كَيْفَ ، بِقَرِينَةِ الْحَرْثِ وَبِدَلَالَةِ حُرْمَةِ الْقُرْبَانِ فِي الْأَذَى الْعَارِضِ , وَهُوَ الْحَيْضُ فَفِي الْأَذَى اللَّازِمِ أَوْلَى .
2- (والاستعارة البديعة) وَأَمَّا نَظِيرُ الِاسْتِعَارَةِ الْبَدِيعَةِ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ( , فَالْقَوَارِيرُ لَا يَكُونُ مِنْ الْفِضَّةِ ، وَمَا كَانَ مِنْ الْفِضَّةِ لَا يَكُونُ قَوَارِيرَ ، وَلَكِنْ لِلْفِضَّةِ صِفَةُ كَمَالٍ, وَهِيَ نَفَاسَةُ جَوْهَرِهِ وَبَيَاضُ لَوْنِهِ ، وَصِفَةُ نُقْصَانٍ وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَصْفُو وَلَا تَشِفُّ وَلِلْقَارُورَةِ صِفَةُ كَمَالٍ أَيْضًا ، وَهِيَ الصَّفَاءُ وَالشَّفِيفُ ، وَصِفَةُ نُقْصَانٍ , وَهِيَ خَسَاسَةُ الْجَوْهَرِ ، فَعُرِفَ بَعْدَ التَّأَمُّلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كُلٍّ وَاحِدٍ صِفَةُ كَمَالِهِ ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ فِضَّةٍ , وَهِيَ مَعَ بَيَاضِ الْفِضَّةِ فِي صَفَاءِ الْقَوَارِيرِ وَشَفِيفِهَا .
وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ( , فَاللِّبَاسُ لَا يُذَاقُ وَلَكِنَّهُ يَشْمَلُ الظَّاهِرَ ، وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ ، وَالْإِذَاقَةُ أَثَرُهَا فِي الْبَاطِنِ وَلَا شُمُولَ لَهَا ، فَاسْتُعِيرَتْ الْإِذَاقَةُ لِمَا يَصِلُ مِنْ أَثَرِ الضَّرَرِ إلَى الْبَاطِنِ وَاللِّبَاسُ بِالشُّمُولِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : فَأَذَاقَهُمْ مَا غَشِيَهُمْ مِنْ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ . أَيْ أَثَرُهُمَا وَاصِلٌ إلَى بَوَاطِنِهِمْ مَعَ كَوْنِهِ شَامِلًا لَهُمْ . )(56)
ولعل أضبط التقاسيم بالنسبة لأسباب الطعون هو ما ذكره الراغب الأصبهاني(57) ؛ حيث قال :
(والمتشابه من القرآن : ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره ؛ إما من حيث اللفظ ، أو من حيث المعنى ؛ فقال الفقهاء : المتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده ، وحقيقة ذلك أن الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب :
محكم على الإطلاق ، ومتشابه على الإطلاق ، ومحكم من وجه متشابه من وجه .
فالمتشابه في الجملة(58) ثلاثة أضرب :
متشابه من جهة اللفظ فقط ، ومتشابه من جهة المعنى فقط ، ومتشابه من جهتهما .
- والمتشابه من جهة اللفظ ضربان :
1- أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة ، وذلك :
أ-إما من جهة غرابته نحو : الأبّ(59) ، ويزفون(60) .
ب-وإما من جهة مشاركة اللفظ كاليد ، والعين(61) .
2- والثاني يرجع إلى جملة الكلام المركب ، وذلك ثلاثة أضرب :
أ- ضرب لاختصار الكلام نحو : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ…)[النساء : 3] ، أي فلا تتزوجوهن وانكحوا … ،
ب- وضرب لبسط الكلام نحو : ( ليس كمثله شيء) [الشورى-11] ، لأنه لو قيل : ليس مثله شيء . كان أظهر للسامع .
ج - وضرب لنظم الكلام نحو (أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيما( [ الكهف/1-2] ، تقديره : أنزل الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجاً . وقوله : (لولا رجالٌ مؤمنون( إلى قوله : (لو تزيّلوا([ سورة الفتح /25] .
- والمتشابه من جهة المعنى : أوصاف الله تعالى ، وأوصاف يوم القيامة ، فإن تلك الصفات لا تتصور لنا ؛ إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه ، أو لم يكن من جنس ما نحسه .
-والمتشابه من جهة المعنى واللفظ جميعاً خمسة أضرب :
الأول : من جهة الكمية كالعموم والخصوص(62) نحو : (اقتلوا المشركين( [ التوبة5].
والثاني : من جهة الكيفية كالوجوب والندب(63) ، نحو : (فانكحوا ما طاب لكم من النساء( [النساء/3] .
والثالث : من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ(64) نحو : (اتقوا الله حق تقاته([آل عمران : 102] .
والرابع : من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها نحو : (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها( [البقرة : 189]وقوله : (إنما النسيء زيادة في الكفر( [التوبة : 37] ، فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية .
والخامس : من جهة الشروط التي بها يصح الفعل ، أو يفسد ، كشروط الصلاة والنكاح.
وهذه الجملة إذا تصورت ، علم أن كل ما ذكره المفسرون من تفسير المتشابه ، لا يخرج عن هذه التقاسيم .
ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب :
ضرب لا سبيل للوقوف عليه ، كوقت الساعة ، وخروج دابة الأرض ، وكيفية الدابة ونحو ذلك .
وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته ، كالألفاظ الغريبة والأحكام المغلقة .
وضرب متردد بين الأمرين ، يجوز أن يختص بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم ، ويخفى على من دونهم ، وهو الضرب المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام لابن عباس "اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل " .
وإذا عُرفت هذه الجملة عُلم أن الوقف على قوله : (وما يعلم تأويله إلا الله( ووصله بقوله (والراسخون في العلم( جائز ، وأن لكل واحد منهما وجها حسبما دل عليه التفصيل المتقدم . اهـ .



(54) وقيل إن معنى(آلهتك) إلاهتك أي عبادتك ، انظر : تفسير ابن كثير (2/239) .
(55) البرهان للزركشي (64-74) بتصرف واختصار .
(56) كشف الأسرار لعبدالعزيز البخاري الحنفي (1/54) ، دار الكتاب الإسلامي ، بيروت .
(57) في كتابه المفردات (ص : 443- 444 ) تحقيق الداوودي ، دار القلم ، دمشق .
(58) يعني بقسميه المتشابه المطلق ، والمتشابه من وجه .
(59) كما في قوله تعالى (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) [عبس : 31] .
(60) كما في قوله تعال (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) [الصافات : 94] .
(61) فاليد تطلق على الجارحة والقوة والنعمة ، وكذلك العين لها عدة معان مشتركة فتطلق على الشمس والبئر والجارحة وغير ذلك .
(62) العموم : هو شمول الحكم لكل فرد من أفراد الحقيقة ، والخصوص : هو إخراج بعض ما يتناوله العموم قبل تقرر حكمه ، انظر : تقريب الأصول إلى علم الأصول لابن جزئ الكلبي ، ص : 137-141 ، مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1414 .
(63) الوجوب : ما طلب الشرع فعله طلبا جزما (تقريب الأصول ص : 211) ، والندب : ما طلب الشرع فعله طلبا غير جازم (السابق ص : 212) .
(64) الناسخ : هو الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا ، التقريب ، ص : 430 ، المنسوخ : هو الحكم الشرعي المرفوع بالخطاب الشرعي المتراخي عنه ، السابق ، نفس الموضع .

تنـزيه كلام الله عن المطاعن
في هذا المبحث نبين عقيدة من عقائد المسلمين الثابتة ، ولكن قل من يعرف أدلتها من الكتاب ، فأحببت في هذا المبحث أن أجمع جميع الآيات التي تدل على تنزيه كلام الله
- تعالى - من المطاعن وشرح معناها .
قال تعالى : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا( [النساء : 82] ، فالتدبر للقرآن ، ومعرفة أنه ليس فيه أدنى اختلاف ، يورث الإنسان العلم أنه من عند الله ، إذ لو كان من عند البشر لكان فيه اختلاف كثير ، قال البغوي : ( أي أفلا يفكرون فيه فيعرفوا-بعدم التناقض فيه وصدق ما يخبر-أنه كلام الله تعالى ؛ لأن ما لا يكون من عند الله لا يخلو عن التناقض والاختلاف)(65) .
وقال تعالى : (ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ( [البقرة : 1-2] أي لا شك فيه ، وكلمة (ريب( نكرة في سياق النفي فتعم ، فنفى الله جميع أنواع الريب والشك كبيرها وصغيرها ظاهرها وباطنها ، قال القرطبي : (لا ريب نفي عام ، والريب هو الشك والتهمة ، فكتاب الله لاشك فيه ولا ارتياب . )(66) .
وهذا أمر عجيب ، فالعادة في كتب بني البشر أن يستفتح أحدهم كتابه بالاعتذار وإظهار العجز ، وأن كتابه فيه أخطاء ، والمرجو تقبل الحق الذي فيه ، والتماس العذر لأخطائه ، وبعضهم يطالب القارئ بإصلاح ما يجد ، وبعضهم يقول :
جل من لا عيب فيه وعـلا إن تجد عيبا فسد الخللا ولكن الله – تعالى - استفتح كتابه بهذه الكلمة ، معلنا فيها التحدى لكل من يقرأ أن يجد فيه خطأ أو ريبا أو شكا .
وقال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا( [الكهف : 1] ، فليس فيه أدنى اعوجاج ، وما كان كذلك فلا يمكن أن يتطرق الطعن فيه ، قال القاسمي -رحمه الله- : (( عوجا( أي شيئا من العوج ، باختلال في نظمه وتناف في معانيه ، أو زيغ وانحراف عن الدعوة إلى الحق ، بل جعله مزيلا للعوج إذ جعله
( قيما ( ((67) .
وقال تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ( [الزمر : 23] .
فهذا القرآن هو أحسن الحديث وأجمله ، فلا كتاب أحسن منه ، وإذا كان القرآن أحسن الحديث ، فإنه لا يمكن لما هو أحسن الحديث ، أن يكون فيه تناقض أو إشكال أو مجال للطعن .
وقال تعالى : (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ( [فصلت : 42] ، قال ابن كثير رحمه الله : (أي ليس للبطلان إليه سبيل ؛ لأنه منزل من رب العالمين )(68) ، وهذا نص صريح على استحالة وجود الباطل في كتاب الله ، بل على استحالة افترائه عليه ، فإن الله يوكل من عباده من ينفي عنه انتحال المبطلين، وتحريف الغالين ، وتأويل الجاهلين ، وذلك مصداقا لقوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( [الحجر : 9] ، فـ (مَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ( [التكوير : 25] ، بل هو كتاب عظيم فصل (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ( وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ( [الطارق : 13-14] .
فهذا الكتاب (مَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210 ) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ( [الشعراء : 210-211] ، والدليل أنهم لا يستطيعون التحدي لهم بمثل قوله تعالى : (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا( [سراء : 88] .
ومن الأدلة على أن هذا الكتاب من عند الله قوله تعالى : (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ([العنكبوت : 48] .
فما كان لرجل أمي لا يقرأ ولا يكتب أن يأتي بمثل هذا الكلام ، ويتحدى به الثقلين ، ولم يقدر أحد على معارضته وإجابة هذا التحدي .
وقد شهد على صحة هذا القرآن أهل الكتاب كما قال تعالى :
(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ( [الأنعام : 114] .
وقال تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ( [الشعراء : 192-197] .
(…وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ()وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( [المائدة : 82-83] .
ثم إنه ما كان لبشر أن يفتري كلاما وينسبه إلى الله ، ويضل به الملايين من الناس ، ثم بعد ذلك لا يعاجله الله تعالى بالعقوبة : (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ( [يونس : 37] وقال تعالى : (تَنـزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ()وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ()لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ()ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ()فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ([الحاقة : 44-47].
ونحن نقول –على سبيل التنـزل- لمن أنكر أن القرآن كلام الله : افرض أن هذا الكتاب من عند الله حقا ، وأنك مخطئ ، فما أنت صانع (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ( [فصلت : 52] .
وقد توعد الله تعالى المكذبين بهذا الكتاب بالنكال والعذاب ، فقال : (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ( [الأنعام : 157] .
وقال تعالى : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ( [الزمر : 55] .
وأخيرا نقول لمن كفر بالقرآن : (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا( [الإسراء : 107-108](69) .



(65) معالم التنزيل للبغوي (2/254) ، تحقيق محمد النمر ، دار طيبة ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1989 .
(66) جامع أحكام القرآن للقرطبي (1/112) باختصار .
(67) محاسن التأويل للقاسمي (5/7) ، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي ، مؤسسة التاريخ العربي ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1994 .
(68) تفسير القرآن العظيم لابن كثير(4/102) .
(69) وسوف يأتي - إن شاء الله – مزيد أدلة على صحة القرآن ، وأنه من الله تعالى في الفصل الأول ، من الباب الأول ، في مبحث الأدلة على صدق القرآن .




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:42
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

موقف سلف الأمة ممن يثيرون الشبه والمطاعن حول القرآن
1- تعليمه التسليم والانقياد للنص :
كما ورد عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ : مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي
الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟‍ فَقَالَتْ : أَحَرُورِيَّةٌ(70) أَنْتِ؟ قُلْتُ : لَسْتُ
بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ . قَالَتْ : كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ)(71) .
وفي الصحيحين أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ حَدَّثَ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي رَهْطٍ مِنَّا ، وَفِينَا بُشَيْرُ ابْنُ كَعْبٍ فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( « الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ » قَالَ : أَوْ قَالَ : « الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ » فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ : إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوْ الْحِكْمَةِ ، أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ ، وَمِنْهُ ضَعْفٌ . قَالَ : فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ ، وَقَالَ : أَلَا أَرَانِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ( وَتُعَارِضُ فِيهِ . قَالَ : فَأَعَادَ عِمْرَانُ الْحَدِيثَ ، قَالَ : فَأَعَادَ بُشَيْرٌ ، فَغَضِبَ عِمْرَانُ قَالَ : فَمَا زِلْنَا نَقُولُ فِيهِ : إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ ، إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ)(72) .
2- تعليمه بالتي هي أحسن ، أخذا من قوله تعالى (وأما السائل فلا تنهر( [ الضحى : 10] ، وقوله تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ( [النحل : 125] وقوله : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهُمْ وَقُولُوا ءَامَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ( [العنكبوت : 46] ، والمسلم أولى بالإحسان من الكتابي .
وذكر الداوودي في ترجمة الشنبوذي (عن الداني أنه قال : دخل الشنبوذي على عضد الدولة زائرا ، فقال له : يا أبا الفرج إن الله تعالى يقول : (يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ( [النحل : 69] ونرى العسل يأكله المحرور فيتأذى به ؛ والله الصادق في قوله ، فقال : أصلح الله الملك ، إن الله لم يقل : فيه الشفاء للناس . بالألف واللام ، الَّذيْنِ يدخلان لاستيفاء الجنس ، وإنما ذكره مُنَّكرا ، فمعناه فيه شفاء لبعض الناس دون بعض .
قال الداني : والصواب أن الألف واللام في قوله : (للناس( لا يستغرقان الجنس كله ، كما لا يستغرقان في قوله : (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم([آل عمران : 173]وقوله : (فنادته الملائكة([آل عمران : 39]وقوله : (وقالت اليهود عزير ابن الله([التوبة : 30] وشبهه)(73) .
3- الشدة أحيانا على من لا يخاف عليه النفرة بالشدة ، وعنده من العلم ما لا ينبغي معه أن يسأل هذا السؤال ؛ كحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ نَفَرًا كَانُوا جُلُوسًا بِبَابِ النَّبِيِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا –وفي رواية أنهم تكلموا في القدر- فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ( ، فَخَرَجَ كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ فَقَالَ : « بِهَذَا أُمِرْتُمْ - أَوْ بِهَذَا بُعِثْتُمْ - أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، إِنَّمَا ضَلَّتْ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ فِي مِثْلِ هَذَا ، إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِمَّا هَاهُنَا فِي شَيْءٍ، انْظُرُوا الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ ، فَاعْمَلُوا بِهِ وَالَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(74) .
ثانيا : وأما إن كان السائل يسأل تعنتا ، فإن لهم معه طرقا كثيرة :
1- تعليمه السؤال الصحيح : عن عامر بن وائلة ، أن ابن الكواء سأل عليا - رضي الله عنه - فقال : يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا ؟ قال : ويلك سل تفقها ، ولا تسأل تعنتا(75) .
2- تأديبه إن كان له عليه قدرة وسلطة : كما فعل عمر - رضي الله عنه - مع صبيغ؛ فعن السائب بن يزيد ، أن رجلا قال لعمر - رضي الله عنه - : إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن ، فقال عمر : اللهم أمكني منه . فدخل الرجل على عمر يوما وهو لابس ثيابا وعمامة ، وعمر يقرأ القرآن ، فلما فرغ قام إليه الرجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا ؟ فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ، ثم قال : ألبسوه ثيابه واحملوه على ؛ قتب ، وأبلغوا به حيَّه ، ثم ليقم خطيبا فليقل : إن صبيغا طلب العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم(76) .
3- هَجْره ، والتحذير منه ، وعدم مناظرته :
وهذا لثلاثة أسباب(77) :
أ- لتأديبه : كما فعل عمر - رضي الله عنه - مع صبيغ .
ب-لأن صاحب الشبهة إن كان مغموسا في باطله ، ويطلب نصرته ، أو يريد التشكيك في الحق ، فإنه لا ينفع معه الجدال :
قال تعالى : (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ( [الأنعام : 68] .
عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : تَلَا رَسُولُ اللَّهِ هَذِهِ الْآيَةَ : (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ( قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ( : « فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ»(78).
ج-إذا كان الراد على الشبه لا يأمن على نفسه من التأثر :
قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَلَا تُجَادِلُوهُمْ ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ ، أَوْ يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ .
وعَنْ أَيُّوبَ قَالَ : رَآنِي سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ جَلَسْتُ إِلَى طَلْقِ بنِ حَبِيبٍ فَقَالَ لِي : أَلَمْ أَرَكَ جَلَسْتَ إِلَى طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ لَا تُجَالِسَنَّهُ .
وعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : إِنَّ فُلَانًا يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ ، قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ ، فَلَا تَقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ .
وعَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ قَالَ لِأَيُّوبَ : يَا أَبَا بَكْرٍ أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ ، قَالَ : فَوَلَّى وَهُوَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ وَلَا نِصْفَ كَلِمَةٍ ، وَأَشَارَ لَنَا سَعِيدٌ بِخِنْصِرِهِ الْيُمْنَى)(79) .
4- مناظرته والتصدي له إن انتشرت بدعته وراجت ، أو كان ذا سلطان :
كما حصل مع الإمام أحمد وابن أبي دؤاد في فتنة خلق القرآن ، وكما حصل مع عبدالعزيز الكناني مع بشر المريسي ، وحكيت وقائع هذه المناظرة في كتاب الحيدة ، وهذه سنة إبراهيمية شرعية(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(
7- إن كان الطاعن ذا شوكة فالحرب ؛ قال ابن القيم : (ومن بعض حقوق الله على عباده ، رد الطاعنين على كتابه ورسوله ودينه ، ومجاهدتهم بالحجة والبيان والسيف والسنان والقلب والجنان ، وليس وراء ذلك حبة خردل من الايمان ، وكان انتهي إلينا مسائل أوردها بعض الكفار الملحدين على بعض المسلمين ، فلم يصادف عنده ما يشفيه، ولا وقع دواؤه على الداء الذي فيه ، وظن المسلم أنه بضربه يداويه ، فسطا به ضربا وقال : هذا هو الجواب . فقال الكافر : صدق أصحابنا في قولهم ، إن دين الإسلام إنما قام بالسيف لا بالكتاب ، فتفرقا وهذا ضارب وهذا مضروب وضاعت الحجة بين الطالب والمطلوب ، فشمر المجيب ساعد العزم ، ونهض على ساق الجد ، وقام لله قيام مستعين به ، مفوض إليه ، متكل عليه في موافقة مرضاته ، ولم يقل مقالة العجزة الجهال : إن الكفار إنما يعاملون بالجلاد دون الجدال ، وهذا فرار من الزحف ، وإخلاد إلى العجز والضعف ، وقد أمر الله بمجادلة الكفار بعد دعوتهم إقامة للحجة ، وإزاحة للعذر ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحي من حي عن بينة ، والسيف إنما جاء منفذا للحجة ، مقوما للمعاند ، وحدا للجاحد قال تعالى : (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز([الحديد : 25] فدين الإسلام قام بالكتاب الهادي ، ونفذه السيف الماضي :
فََمَا هُوَ إلاَّ الوَّحْيُ أو حَدُّ مُرْهَفٍ(80) يُقيـمُ ظَـبَاهُ (81)أخْدَعَيْ(82) كل مائلِ
فهذا شفـاءُ الدَّاءِ مِنْ كُلِّ عالمٍ وهذا دواءُ الدَّاءِ مَنْ كُلِّ جاهِلِ ) (83)



(70) الحرورية : الْحَرُورِيّ مَنْسُوب إِلَى حَرُورَاء بِفَتْحِ الْحَاء وَضَمّ الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبَعْد الْوَاو السَّاكِنَة رَاءٌ أَيْضًا ، بَلْدَة عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ الْكُوفَة ، وَالْأَشْهَر أَنَّهَا بِالْمَدِّ ، قَالَ الْمُبَرِّد : النِّسْبَة إِلَيْهَا حَرُورَاوِيّ ، وَكَذَا كُلّ مَا كَانَ فِي آخِره أَلِف تَأْنِيث مَمْدُودَة ، وَلَكِنْ قِيلَ الْحَرُورِيّ بِحَذْفِ الزَّوَائِد ، وَيُقَال لِمَنْ يَعْتَقِد مَذْهَب الْخَوَارِج حَرُورِيّ ؛ لِأَنَّ أَوَّل فِرْقَة مِنْهُمْ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ بِالْبَلْدَةِ الْمَذْكُورَة فَاشْتُهِرُوا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا ، وَهُمْ فِرَقٌ كَثِيرَة ، لَكِنْ مِنْ أُصُولهمْ الْمُتَّفَق عَلَيْهَا بَيْنهمْ الْأَخْذُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَرَدُّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِيث مُطْلَقًا ، وَلِهَذَا اِسْتَفْهَمَتْ عَائِشَة مُعَاذَة اِسْتِفْهَام إِنْكَار , وَزَادَ مُسْلِم فِي رِوَايَة عَاصِم عَنْ مُعَاذَة فَقُلْت : لَا وَلَكِنِّي أَسْأَل ، أَيْ سُؤَالًا مُجَرَّدًا لِطَلَبِ الْعِلْم لَا لِلتَّعَنُّتِ ، وَفَهِمَتْ عَائِشَة عَنْهَا طَلَبَ الدَّلِيل فَاقْتَصَرَتْ فِي الْجَوَاب عَلَيْهِ دُون التَّعْلِيل ) [انظر : فتح الباري (1/502) ] .
(71) متفق عليه ؛ (البخاري : كتاب الحيض ، باب : لا تقضي الحائض الصلاة ، رقم : 315 ، ومسلم : كتاب الحيض ، باب : وجوب الصوم على الحائض دون الصلاة ، رقم : 335 .
(72) متفق عليه ؛ البخاري : كتاب الأدب ، باب : الحياء ، رقم : 5766 ، ومسلم : كتاب الإيمان ، باب : عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها ، رقم : 37 .
(73) طبقات المفسرين للداوودي (2/60) .
(74) أخرجه الإمام أحمد (6806) ، وابن ماجه (في المقدمة في باب : في القدر ، رقم : 85) ، وإسناده حسن.
(75) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(17/21) .
(76) المصدر السابق (17/21) .
(77) انظر : الروض الريان في أسئلة القرآن (1/75) بتصرف وزيادة .
(78) متفق عليه ؛ (البخاري : كتاب تفسير القرآن ، باب : منه آيات محكمات ، رقم : 4273 ، ومسلم : كتاب العلم ، باب : النهي عن اتباع متشابه القرآن ، رقم : 2665 .
(79) كل هذه الآثار أخرجها الدارمي في المقدمة ، في باب : اجتناب أهل الأهواء والبدع والخصومة .
(80) حد مرهف : المرهف السيف الحاد . ( مختار الصحاح ( 1/109 ) .
(81) ظباه : ظب السيف جمع ظُبَة ، وهو حد السيف . ( لسان العرب ( 15/22 ) .
(82) الأخدعان : عرقان خفيان في موضع الحجامة من العنق . ( لسان العرب ( 8/66 )
(83) هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ، لابن القيم (ص : 31) والبيتان لأبي تمام : انظر : "المثل السائر"2/295 .

قـواعد التعامل مع المطاعن
لنا في التعامل مع المطاعن التي تثار حول كتاب الله قواعد عدة ، وهي كالتالي :
أولا : اليقين التام بأن جميع هذه المطاعن مفتراة مكذوبة ، لا أصل لها من الصحة ، ولا أساس لها من الواقع ، وإنما هي محض أوهام بل أضغاث أحلام ، جاءت من قلب امرئ حاقد أو جاهل ؛ لأن الله تعالى يقول : (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ( [فصلت : 42] ، فما كان لنا إن نكذب ربنا ونصدق ملحدا حاقدا أو مجادلا جاهلا ، وهذه القضية في غاية من الأهمية ؛ إذ أن كل من تأثر بالمستشرقين من المعاصرين لم تكن عنده هذه القضية من المسلمات ، بل ضعف يقينهم في هذا الباب أدى بهم إلى هذه المزالق .

ثانيا : إن عدم قدرة إنسان معين على الرد ، ليس معناه الهزيمة والعجز وإثبات الطعن ، بل إنه لا يخلو زمان من قائم لله بالحجة ؛ لقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( [الحجر : 9] .

ثالثا : قانون العمل عند وجود الطعن لسبب ما :
1- الجمع بين مدلولات النصوص والتوفيق بينها ما أمكن : فالخاص يقدم على العام ، والمطلق يقيد بالمقيد . . إلخ .
2- فإن تعذر الجمع ، فالنسخ إن أمكن ذلك ، وعلم المتقدم والمتأخر .
3- فإن تعذر ذلك لجأنا إلى الترجيح ، فيقدم الراجح للعمل .
مسلك الترجيح بين الآيات يقوم على الأتي :
1- تقديم المدني على المكي .
2- أن يكون الحكم على غالب أحوال أهل مكة ، والآخر على غالب حال أهل المدينة ، فيقدم الحكم بالخبر الذي فيه أحوال أهل المدينة .
3- أن يكون أحد الظاهرين مستقلا بحكمه والآخر مقتضيا لفظا يزاد عليه ، فيقدم المستقل بنفسه عند المعارضة والترتيب .
4- أن يكون كل واحد من العمومين محمولا على ما قصد به في الظاهر عند الاجتهاد، فيقدم ذلك على تخصيص كل واحد منهما من المقصود بالآخر .
5- أن يكون تخصيص أحد الاستعمالين على لفظ تعلق بمعناه والآخر باسمه .
6- ترجيح ما يعلم بالخطاب ضرورة على ما يعلم منه ظاهرا .
قال الزركشي(84) : (فصل في القول عند تعارض الآي : قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني : إذا تعارضت الآي ، وتعذر فيها الترتيب والجمع ، طلب التاريخ ، وترك المتقدم منهما بالمتأخر ، ويكون ذلك نسخا له . وإن لم يوجد التاريخ ، وكان الإجماع على استعمال إحدى الآيتين ، علم بإجماعهم أن الناسخ ما أجمعوا على العمل بها .
قال : ولا يوجد في القرآن آيتان متعارضتان تعريان عن هذين الوصفين .
وذكروا عند التعارض مرجحات :
الأول : تقديم المدني على المكي ، وإن كان يجوز أن تكون المكية نزلت عليه صلى الله عليه وسلم بعد عوده إلى مكة ، والمدنية قبلها ، فيقدم الحكم بالآية المدنية على المكية في التخصيص والتقديم ؛ إذ كان غالب الآيات المكية نزولها قبل الهجرة .
الثاني : أن يكون أحد الحكمين على غالب أحوال أهل مكة ، والآخر على غالب أحوال أهل المدينة ، فيقدم الحكم بالخبر الذي فيه أحول أهل المدينة ، كقوله تعالى : (ومن دخله كان آمنا( مع قوله : (كتب عليكم القصاص في القتلى( [ سورة البقرة 178 ] فإذا أمكن بناء كل واحدة من الآيتين على البدل ، جعل التخصيص في قوله تعالى : (ومن دخله كان آمنا( كأنه قال إلا من وجب عليه القصاص ومثل قوله : (غير محلي الصيد وأنتم حرم([سورة المائدة : 1] ونهيه ( عن قتل صيد مكة مع قوله تعالى : (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين( [سورة المائدة : 4] فجعل النهي فيمن اصطاده في الحرم ، وخص من اصطاده في الحل وأدخله حيا فيه .
الثالث : أن يكون أحد الظاهرين مستقلا بحكمه ، والآخر مقتضيا لفظا يزاد عليه ، فيقدم المستقل بنفسه عند المعارضة والترتيب ، كقوله تعالى : (وأتموا الحج والعمرة لله( [سورة البقرة : 196 ] مع قوله : (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي( [ البقرة : 196 ] وقد أجمعت الأمة على أن الهدي لا يجب بنفس الحصر ، وليس فيه صريح الإحلال بما يكون سببا له ، فيقدم المنع من الإحلال عند المرض بقوله : (وأتموا الحج والعمرة لله( على ما عارضه من الآية .
الرابع : أن يكون كل واحد من العمومين محمولا على ما قصد به في الظاهر عند الاجتهاد ، فيقدم ذلك على تخصيص كل واحد منهما من المقصود بالآخر ، كقوله : (وأن تجمعوا بين الأختين( بقوله : (وما ملكت أيمانكم(فيخص الجمع بملكه اليمين بقوله تعالى : (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف( [ النساء : 23 ] فتحمل آية الجمع على العموم ، والقصد فيها بيان ما يحل وما يحرم وتحمل آية الإباحة على زوال اللوم فيمن أتى بحال .
الخامس : أن يكون تخصيص أحد الاستعمالين على لفظ تعلق بمعناه والآخر باسمه ، كقوله : (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم( [ المائدة : 106 ] مع قوله تعالى : (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا(
[ الحجرات : 6] الآية فيمكن أن يقال في الآية بالتبين عند شهادة الفاسق إذا كان ذلك من كافر على مسلم ، أو مسلم فاسق على كافر ، وأن يقبل الكافر على الكافر وإن كان فاسقا ، أو يحمل ظاهر قوله : (أو آخران من غيركم( على القبيلة دون الملة ، ويحمل الأمر بالتثبت على عموم النسيان في الملة لأنه رجوع إلى تعيين اللفظ ، وتخصيص الغير بالقبيلة ؛ لأنه رجوع إلى الاسم على عموم الغير .
السادس : ترجيح ما يعلم بالخطاب ضرورة على ما يعلم منه ظاهرا ، كتقديم قوله تعالى : (وأحل الله البيع( [البقرة : 275] على قوله : (وذروا البيع( [ الجمعة : 9 ] فإن قوله : (وأحل( يدل على حل البيع ضرورة ، ودلالة النهي على فساد البيع إما ألا تكون ظاهرة أصلا ، أو تكون ظاهرة منحطة عن النص) اهـ .
وقد ذكر الشوكاني في كتابه " إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول " في باب أنواع الترجيح(85) طرقا كثيرة للترجيح : فباعتبار المتن ذكر ثمانية وعشرين نوعا ، وباعتبار المدلول تسعة أنواع ، والترجيح باعتبار أمور خارجة ذكر عشرة أنواع ؛ فالمجموع سبعة وأربعون نوعا للترجيح .
يقول الشوكاني : (واعلم أن الترجيح قد يكون باعتبار الإسناد ، وقد يكون باعتبار المتن ، وقد يكون باعتبار المدلول ، وقد يكون باعتبار أمر خارج ، فهذه أربعة أنواع)(86).
( فأما باعتبار السند فهذه لا يلتفت إليها في القرآن ؛ لأنه قطعي الثبوت ، وإنما تكون في التعارض بين الأحاديث .



(84) البرهان في علوم القرآن للزركشي (2/48-51) .
(85) إرشاد الفحول (2/382-394) .
(86) إرشاد الفحول (2/382) .




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:46
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

الأدلة على صدق الرسول
المطلب الأول : بشارة الكتب السابقة به:

أعني شهادة التوراة والإنجيل والكتب السابقة بصدق الرسول ( ومعجزته (القرآن)، قال تعالى : ( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ( [الشعراء:196] .
يقول القرطبي Sadأي وإن ذكر نزوله لفي كتب الأولين يعني الأنبياء ، وقيل: أي إن ذكر محمد عليه السلام في كتب الأولين ; كما قال تعالى: ( يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل( [الأعراف: 157] والزبر الكتب ،الواحد زبور، كرسول ورسل)(87) .
وقال تعالىSad وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ( [الصف:6] .
وقال تعالى مبينا أن النبي ( وأصحابه ليسوا فقط مذكورين في التوراة والإنجيل بأسمائهم ، بل بصفتهم كذلك : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ( [الفتح:29] .
بل بلغ من وصف الله تعالى لنبيه ( في الكتب السابقة ، أنهم أصبحوا يعرفونه كما يعرف أحدهم ابنه ؛ قال تعالى : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( [البقرة :146] .

وعَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ قَالَ :لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ( فِي التَّوْرَاةِ ،قَالَ :أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ( وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا )(88) وزاد الإمام أحمد :قَالَ عَطَاءٌ لَقِيتُ كَعْبًا(89) فَسَأَلْتُهُ فَمَا اخْتَلَفَا فِي حَرْفٍ إِلَّا أَنَّ كَعْبًا يَقُولُ بِلُغَتِهِ : أَعْيُنًا عُمُومَى وَآذَانًا صُمُومَى وَقُلُوبًا غُلُوفَى)(90).
وعَنْ أَبِي صَخْرٍ الْعُقَيْلِيِّ ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ قَالَ :جَلَبْتُ جَلُوبَةً(91) إِلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ( ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ بَيْعَتِي قُلْتُ :لَأَلْقَيَنَّ هَذَا الرَّجُلَ فَلَأَسْمَعَنَّ مِنْهُ . قَالَ : فَتَلَقَّانِي بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ ، فَتَبِعْتُهُمْ فِي أَقْفَائِهِمْ حَتَّى أَتَوْا عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ نَاشِرًا التَّوْرَاةَ يَقْرَؤُهَا ، يُعَزِّي بِهَا نَفْسَهُ عَلَى ابْنٍ لَهُ فِي الْمَوْتِ ،كَأَحْسَنِ الْفِتْيَانِ وَأَجْمَلِهِ ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( : « َنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ هَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِكَ ذَا صِفَتِي وَمَخْرَجِي».فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا أَيْ لَا . قَالَ ابْنُهُ :إِنِّي وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا صِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ ، أَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ :« أَقِيمُوا الْيَهُودَ عَنْ أَخِيكُمْ ،ثُمَّ وَلِيَ كَفَنَهُ وَحَنَّطَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ » (92).

المطلب الثاني : شهادة المنصفين :

الكثير من المخالفين لديننا –سواء كانوا أهل كتاب أو ملاحدة- شهدوا لنبينا ( بالصدق وأنه نبي من الله حقا ، وبعضهم أسلم ، وبعضهم لم يسلم ولكنه أنصف ، وإذا كان المخالف المتربص المتصيد للأخطاء أقر بصحة مذهب خصمه ، فإن هذا من أقوى الأدلة على صدق النبي (، وقد قيل سابقا :
وشمائلُ شَهِدَ العَدُوُ بفضِلها والفضلُ ما شَهِدَتْ به الأعْدَاءُ
وقيل:
ما قولُ مولانا الإمامُ البدرُ مَن بعلومِه شهد العدوُ الحاسدُ
- هل رأيتم قط رجلا كاذبا يستطيع أن يوجد دينا عجيبا؟ إنه لا يقدر أن يبني بيتا من الطوب، فهو لم يكن عليما بخصائص الجير والجص والتراب ، وما شاكل ذلك فما ذلك الذي يبنيه بيت ، إنما هو تل من الأنقاض ، وكثيب من أخلاط المواد؛ وليس جديرا أن يبقى على دعائمه اثنى عشر قرنا يسكنه مائتا مليون من الأنفس(93) ، ولكنه جدير أن تنهار أركانه فينهدم، فكأنه لم يكن، وأني لأعلم أن على المرء أن يسير في جميع أموره طبق قوانين الطبيعة، وإلا أبت أن تجيبه طلبته ، كذب ما يذيعه أولئك الكفار وإن زخرفوه حتى تخيلوه حق، ومحنة أن ينخدع الناس –شعوبا وأمما- بهذه الأضاليل..[توماس كارلايل(94) ](95).
-ويقول كارلايل أيضاً Sadلقد أصبح من أكبر العار على كل فرد متمدن في هذا العصر ، أن يصغي إلى القول بأن دين الإسلام كذب ، وأن محمدا خداع مزور ،فإن الرسالة التي أداها ذلك الرجل ، ومازالت السراج المنير مدة اثني عشر قرنا لمئات الملايين من الناس أمثالنا ، خلقهم الله الذي خلقنا .
أكان أحدهم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والعد أكذوبة وخدعة؟ أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبدا، فلو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج ، ويصادفان منهم ذلك التصديق والقبول ، فما الناس إذاً إلا بله ومجانين ، وما الحياة إلا سخف وعبث ؛كان الأولى ألا تُخلق)(96).
- وقد ألف د.جفري لانغ الأمريكي كتابا بعنوان (الصراع من أجل الإيمان)، يتكلم فيه عن سبب إسلامه ، وأنه كان بعد تأمل طويل في الدين، ثم عقد فصلا بعنوان (رسول الله) تكلم فيه كلاما طويلا في كيفية إعجابه بشخصية الرسول ( ، وكيف استدل على صدقه(97).
إلى غير ذلك من الشهادات الصادقة التي ما تركتها إلا إيثارا للاختصار ، وقد جمعت في كتب كثيرة منها كتاب (قالوا عن الإسلام) الذي أصدرته الندوة العالمية للشباب، وهو كتاب حافل ملئ بالنقول والشهادات والاعترافات من جميع الملل .
وقد ألف د.خالد السيوطي كتابا حافلا بعنوان "المهتدون إلى الإسلام من قساوسة النصارى وأخبار اليهود حتى القرن التاسع الهجري"(98).
.
(و اعلم أنك مهما أزحت عن نفسك راحة اليقين. وأرخيت لها عنان الشك، وتركتها تفترض أسوأ الفروض في الواقعة الواحدة، والحادثة الفذة من هذه السيرة المكرمة، فإنك متى وقفت منها على مجموعة صالحة، لا تملك أن تدفع هذا اليقين عن نفسك، إلا بعد أن تتهم وجدانك و تشك في سلامة عقلك ، فنحن قد نرى الناس يدرسون حياة الشعراء في أشعارهم، فيأخذون عن الشاعر من كلامه صورة كاملة؛ تتمثل فيها عقائده، وعوائده، وأخلاقه، ومجرى تفكيره، و أسلوب معيشته، و لا يمنعهم زخرف الشعر و طلاؤه عن استنباط خيلته(99) ، وكشف رغوته عن صريحه(100)؛ ذلك أن للحقيقة قوة غلابة تنفذ من حجب الكتمان، فتُقرأ بين السطور و تُعرف في لحن القول ، و الإنسان مهما أمعن في تصنعه و مداهنته لا يخلو من فلتات في قوله وفعله، تنم على طبعه إذا أُحفِظ أو أُحرج، أو احتاج أو ظفر، أو خلا بمن يطمئن إليه .
ثم إن الكاذب لو استطاع أن يكذب على كل الناس ؛ فإنه لن يكذب على نفسه ويصدِّقُ كذبه ،
ومن هذه الأمثلة على هذه الحقيقة قوله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ( [المائدة:67].
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :كَانَ النَّبِيُّ ( يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ ( فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ( رَأْسَهُ مِنْ الْقُبَّةِ ، فَقَالَ لَهُمْ :« يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ».(101)، فهل هذا فعل كاذب ، كيف لكاذب أن يطرد الذين يحرسونه بزعم أن الله سيعصمه، وهو يعلم في قرارة ذاته كذب نفسه ،والعرب قد رمته عن قوس واحدة تتربص له في كل طريق ، ألا يخاف أن يغتال ؟!.
إن هذا الأمر لا يفعله إلا رجل صادق، يأوي إلى ركن شديد، واثق من أن الذي أرسله سيحميه من كل المخاطر.

-المطلب السابع عشر: الإلزام :
نريد أن نسأل اليهود :كيف آمنتم برسولكم موسى عليه السلام ؟
فإن قالوا :بسبب معجزاته ، أو أخلاقه ، أو تشريعه ، أو تأييد الله له ونصرته ، أو استجابة دعائه ، أو عدم رغبته في المصلحة الذاتية،أو غير ذلك من الأدلة .
قلنا: كل ما ذكرتموه هو موجود في النبي ( .
وكذلك النصارى نسألهم هل هم يؤمنون بنبوة موسى(102) عليه السلام ؟، فإن الجواب سيكون :نعم . قلنا: كيف استدللتم على نبوته ؟ . فإن قالوا: لأنه قد ذكره لنا عيسى .
قلنا: هل هناك دليل آخر؟ .
إن قالوا: لا يوجد دليل آخر على نبوة موسى عليه السلام . قلنا: إذن أنتم صَحَّحْتم مذهب مَن كفر بموسى عليه السلام من قومه ؛ حيث إن موسى عليه السلام لم يأت بدليل على رسالته ، ولم ينزل عيسى عليه السلام في ذلك الوقت ، وأثبتم لمن آمن به أنه آمن بغير بينة ولا علم ولا دليل ، وأن رسالة موسى علقت عن التصحيح قرونا متطاولة حتى بعث الله عيسى عليه السلام .
فإن قالوا : نعم، هناك أدلة أخرى على رسالة موسى عليه السلام.
قلنا: كل دليل استدللتم به على نبوة موسى عليه السلام هو موجود في محمد (.
وبعد هذا فلا حجة لرجل لا يؤمن بالنبي ( ،ولكن صدق الله إذ يقول: ( وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ( [الأعراف : 198]،يعني ينظرون إلى النبي ( ودلائل صدقه, ثم لا يبصرون كأنهم عميان(103).
فإذا ثبت أن النبي ( صادق ، فإنه أخبرنا أن هذا القرآن كلام الله عز وجل منزل من عنده سبحانه حقا ، فحصل بهذا المراد ، وهو إثبات أن القرآن من الله تعالى .

المطلب الأول :إعجاز القرآن :

إعجاز القرآن من الأدلة على صدقه ، وأنه من عند الله تعالى حقا ، وأوجه إعجاز القرآن كثيرة جدا منها :
1- إخبار القرآن بالغيب:
سواء الغيب الماضي أو الحاضر أو المستقبل ، وهذا دليل على صدق النبي ( وإعجاز القرآن؛
وهذا الدليل مأخوذ من قوله تعالى :
( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ( [آل عمران:44] .
( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ( [هود :49].
( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ( [يوسف:102] .
( وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ()وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ()وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( [القصص:44-46] .
أي أنك يا محمد لم تكن موجودا في ذلك المكان حتى تستطيع أن تعرف هذه القصة –قصة موسى-ولكن الله تعالى هو الذي أوحى إليك بها ، فلعل الناس إذا عرفوا ذلك تذكروا وآمنوا بك ، قال ابن كثير -رحمه الله- : (يقول تعالى منبها على برهان نبوة محمد ( حيث أخبر بالغيوب الماضية خبرا كأن سامعه شاهد وراء لما تقدم وهو رجل أمي لا يقرأ شيئا من الكتب نشأ بين قوم لا يعرفون شيئا من ذلك كما أنه لما أخبره عن مريم وما كان من أمرها قال تعالى: "وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون" الآية أي وما كنت حاضرا لذلك ولكن الله أوحاه إليك وهكذا لما أخبره عن نوح وقومه وما كان من إنجاء الله له وإغراق قومه ثم قال تعالى: "تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين" الآية وقال في آخر السورة "ذلك من أنباء القرى نقصه عليك" وقال بعد ذكر قصة يوسف "ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون" الآية وقال في سورة طه "كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق" الآية وقال ههنا بعدما أخبر عن قصة موسى من أولها إلى آخرها وكيف كان ابتداء إيحاء الله إليه وتكليمه له "وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر" يعني ما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربي الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية على شاطئ الوادي "وما كنت من الشاهدين" لذلك ولكن الله سبحانه وتعالى أوحى إليك ذلك ليكون حجة وبرهانا على قرون قد تطاول عهدها ونسوا حجج الله عليهم وما أوحاه إلى الأنبياء المتقدمين وقوله تعالى: "وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا" أي وما كنت مقيما في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا حين أخبرت عن نبيها شعيب وما قال لقومه وما ردوا عليه "ولكنا كنا مرسلين" أي ولكن نحن أوحينا إليك ذلك وأرسلناك إلى الناس رسولا)(104) .
وقال تعالى Sad وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ()بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ ( [العنكبوت:48-49].
فإذا كان النبي ( ليس موجودا في تلك الأمكنة ، ولا يستطيع أن يقرأ و لا يكتب ، دل هذا قطعا أن هذه الأخبار إنما هي من عند الله تعالى ، الذي لا تخفى عليه خافيه.

ومن إخباره بالغيب المستقبل؛ قوله تعالى Sad غُلِبَتِ الرُّومُ()فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ()فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ()بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ()وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ( [الروم :2-6]،وقد تحققت غلبت الروم بعد سنوات قليلة .
فعن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( ألم غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ( قَالَ : غُلِبَتْ وَغَلَبَتْ ، كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ أَهْلُ فَارِسَ عَلَى الرُّومِ ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَذَكَرُوهُ لِأَبِي بَكْرٍ ، فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ( قَالَ : « أَمَا إِنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ ». فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهُمْ فَقَالُوا : اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ أَجَلًا ، فَإِنْ ظَهَرْنَا كَانَ لَنَا كَذَا وَكَذَا ، وَإِنْ ظَهَرْتُمْ كَانَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا . فَجَعَلَ أَجَلًا خَمْسَ سِنِينَ ، فَلَمْ يَظْهَرُوا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ (فَقَالَ: «أَلَا جَعَلْتَهُ إِلَى دُونَ الْعَشْرَ ». قَالَ : ثُمَّ ظَهَرَتْ الرُّومُ بَعْدُ . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( ألم غُلِبَتْ الرُّومُ …إِلَى قَوْلِهِ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ( قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُ أَنَّهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ)(105) .
وقوله تعالى Sad أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ( [القمر:43-46] ، هذه الآية نزلت تتحدث عن غزوة بدر، ووقت نزولها كان قبل الهجرة بسنوات ، وعائشة كانت صغيرة :
عن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ :لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ( بِمَكَّةَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ ( بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ( (106).
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ (وَهُوَ فِي قُبَّةٍ يوم بدر:« اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ ». فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ : حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ . وَهُوَ فِي الدِّرْعِ ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: « سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ . » (107) .
قال ابن كثير Sad ( يولون الدبر ( أي سيتفرق شملهم ويغلبون، وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : لما نزلت ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ( قال عمر : أي جمع يهزم؟ أي جمع يغلب؟ قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله ( يثب في الدرع وهو يقول : (سيهزم الجمع ويولون الدبر( فعرفت تأويلها يومئذ.أهـ )(108).
ومن هذا إخباره عن بعض المشركين أنه من أهل النار وهو حي ، فيموت على الكفر؛ كأبي لهب وامرأته Sad تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ()مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ()سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ()وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ()فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ( [المسد:1-5].

2- الإعجاز العلمي:
من مثل قوله تعالى:
( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ()بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ( [الرحمن:19-20] .
( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ( [الفرقان :53].
فقد لاحظ علماء البحار عند التقاء فرعي نهر النيل عند دمياط وعند الرشيد بالبحر الأبيض، حيث تندفع مياه النهر العذبة بقوة شديدة إلى البحر المالحة ، ومع هذا كل منهما تحتفظ بمذاقها وأحيائها(109) .
وهذا الإعجاز في جميع المجالات ؛ الطبية ، والجغرافية ، والاجتماعية ، والفضائية ، وفي عالم الحيوان ، وعالم النبات ، وغيرها(110).

3- الإعجاز البياني(111) :
فقد حوى القرآن على القدح المعلى من البلاغة والبيان والفصاحة ، وشمل على جميع شروط الكلام البليغ في كل سُوَرِه وآياته وكلماته .
وقد أخذ من أكل أنواع البلاغة بأوفر نصيب ، فتجد فيه إيجاز القصر ، والتشبيه الرفيع، والتتميم.
هذا وقد احتوى النظم القرآني على الجزالة ، والتناسق ، والاهتمام بالإيقاع ، والانسجام في اللفظ والنغم؛وقد حصل للصحابة وهم أفصح الناس ، وأعلمهم باللغة وبيانها ، حصل لهم التأثير الكبير به ، فمن ذلك:
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :خَرَجْتُ أَتَعَرَّضُ رَسُولَ اللَّهِ ( قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْحَاقَّةِ ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ مِنْ تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ قَالَ : فَقُلْتُ : هَذَا وَاللَّهِ شَاعِرٌ كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ ، قَالَ : فَقَرَأَ Sad إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ ( . قَالَ قُلْتُ : كَاهِنٌ . قَالَ Sad وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِن رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ... (إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ، قَالَ: فَوَقَعَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِي كُلَّ مَوْقِعٍ)(112).
وعن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ( ، قَالَ :سَمِعْتُ النَّبِيَّ ( يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُم الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لاَ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُم الْمُسَيْطِرُونَ ( قَالَ :كَادَ قَلْبِي أَن يَطِيرَ)(113) .
(وفي رواية وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الْإِيمَان فِي قَلْبِي " وَلِلطَّبَرَانِيّ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَة بْن زَيْد عَنْ اَلزُّهْرِيِّ نَحْوُهُ وَزَادَ " فَأَخَذَنِي مِنْ قِرَاءَتِهِ الْكَرْب " وَلِسَعِيد بْن مَنْصُور عَنْ هُشَيْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ" فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي حِينَ سَمِعْت الْقُرْآن)(114).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ Sadأَنَّ النَّبِيَّ ( قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ بِهَا فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِن الْقَوْمِ إِلَّا سَجَدَ ،فَأَخَذَ رَجُلٌ مِن الْقَوْمِ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ ، فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ وَقَالَ : يَكْفِينِي هَذَا . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ :فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا ، وهو أمية بن خلف)(115) .
وعن ابن عباس :أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي ( ، فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل ، فأتاه فقال : يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا . قال : لم ؟ قال : ليعطوكه ؛ فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله . قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالا. قال : فقل فيه قولا يبلغ قومك إنك منكر له أو إنك كاره له . قال : ماذا أقول ؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا برجز ولا بقصيدة مني ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله ، وإنه ليعلو وما يعلى ، وأنه ليحطم ما تحته . قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه . قال: فدعني حتى أفكر فلما فكر قال : هذا سحر يؤثر يؤثره عن غيره . فنـزلت: ( ذرني ومن خلقت وحيدا ((116)[المدثر:11] .
4- الإعجاز التشريعي(117):
فالقرآن معجز في تنظيمه لأحوال البشر في جانب العقائد والعبادات والأخلاق(118)، في تنظيمه لجميع مصالح الأفراد والمجتمعات والسياسات والدول ؛ فقد نظم الإسلام حياة الإنسان في نفسه ، ومع غيره ؛ فهناك آداب الزوجية ، وحقوق الوالدين والأبناء والأصدقاء والجيران، وولاة الأمر ، والمجتمع ، والمسلمين بعامة ، ونظم العلاقة بغير المسلمين ، فهناك الذمي والمعاهد والمحارب ، وهناك حال ضعف الدولة الإسلامية وحال قوتها ، وهناك حال الدعوة، وحال المجادلة ، وحال المجالدة ، وغير ذلك(119).

قال القرطبي رحمه الله Sadووجوه إعجاز القرآن الكريم عشرة :
- منها النظم البديع المخالف لكل نظم معهود في لسان العرب وفي غيرها ، لأن نظمه ليس من نظم الشعر في شيء ، وكذلك قال رب العزة الذي تولى نظمهSad وما علمناه الشعر وما ينبغي له (
وفي " صحيح مسلم " أن أنيسا أخا أبي ذر قال لأبي ذر :لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله . قلت :فما يقول الناس ؟ قال :يقولون : شاعركاهن ساحر -وكان أنيس أحد الشعراء -قال أنيس :لقد سمعت قول الكهنة ، فما هو بقولهم ، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر ، فلم يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر ، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون . وكذلك أقر عتبة بن ربيعة أنه ليس بسحر ولا شعر ، لما قرأ عليه رسول الله (حم فصلت ، على مايأتي بيانه هنالك ،فإذا اعترف عتبة على موضعه من اللسان ، وموضعه من الفصاحة والبلاغة ، بأنه ما سمع مثل القرآن قط ، كان في هذا القول مقرا بإعجاز القرآن له ، ولضربائه من المتحققين بالفصاحة والقدرة على التكلم بجميع أجناس القول وأنواعه .
- ومنها الأسلوب المخالف لجميع أساليب العرب(120) .
- ومنها الجزالة التي لا تصح من مخلوق بحال ، وتأمل ذلك في سورة ق والقرآن المجيد إلى آخرها ، وقوله سبحانه : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ( [الزمر : 42] إلى آخر السورة ، وكذلك قوله سبحانه : ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ( إلى آخر السورة .
فمن علم أن الله سبحانه وتعالى هو الحق : علم أن مثل هذه الجزالة لا تصح في خطاب غيره، ولا يصح من أعظم ملوك الدنيا أن يقول : ( لمن الملك اليوم ( [غافر : 16] ولا أن يقول : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ([الرعد : 13] .
قال ابن الحصار :وهذه الثلاثة من النظم والأسلوب والجزالة لازمة كل سورة ، بل هي لازمة كل آية ، وبمجموع هذه الثلاثة يتميز مسموع كل آية وكل سورة عن سائر كلام البشر ، وبها وقع التحدي والتعجيز ،ومع هذا فكل سورة تنفرد بهذه الثلاثة أن ينضاف إليها أمر آخر من الوجوه العشرة ، فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات قصار ، وهي أقصر سورة في القرآن وقد تضمنت الإخبار عن مغيبين ؛ أحدهما الإخبار عن الكوثر وعِظَمِهِ وسعته وكثرة أوانيه، وذلك يدل على أن المصدقين به أكثر من أتباع سائر الرسل ، والثاني الإخبار عن الوليد بن المغيرة ، وقد كان أول نزول الآية ذا مال وولد على ما يقتضيه قول الحق ( ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ( [المدثر :11-14]ثم أهلك الله سبحانه ماله وولده وانقطع نسله ( إن شانئك هو الأبتر (.
- ومنها التصرف في لسان العرب على وجه لا يستقل به عربي ، حتى يقع منهم الاتفاق من جميعهم على إصابته في وضع كل كلمة وحرف موضعه .
- ومنها الإخبار عن الأمور التي في أول الدنيا إلى وقت نزوله ، من أمي ما كان يتلو من قبله من كتاب ولا يخطه بيمينه ، فأخبر بما كان من قصص الأنبياء مع أممها والقرون الخالية في دهرها ، وذكر ما سأله أهل الكتاب عنه وتحدوه به من قصص أهل الكهف ، وشأن موسى والخضر عليهما السلام ، وحال ذي القرنين فجاءهم وهو أمي من أمة أمية ، ليس لها بذلك علم بما عرفوا من الكتب السالفة صحته فتحققوا صدقه ،قال القاضي ابن الطيب : ونحن نعلم ضرورة أن هذا مما لا سبيل إليه إلا عن تعلم ، وإذا كان معروفا أنه لم يكن ملابسا لأهل الآثار وحملة الأخبار ، ولا مترددا إلى المتعلم منهم ، ولا كان ممن يقرأ فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه ؛ عُلم أنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحي .
- ومنها الوفاء بالوعد المدرك بالحس في العيان ، في كل ما وعد الله سبحانه ، وينقسم إلى أخباره المطلقة ، كوعده بنصر رسوله عليه السلام ، وإخراج الذين أخرجوه من وطنه ، وإلى وعد مقيد بشرط كقوله : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ( [الطلاق : 3]( ومن يؤمن بالله يهد قلبه ( [التغابن : 11]( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ( [الطلاق : 2]( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ( [الأنفال : 65]وشبه ذلك.
- ومنها الإخبار عن المغيبات في المستقبل التي لا يطلع عليها إلا بالوحي ، فمن ذلك ما وعد الله نبيه عليه السلام أنه سيظهر دينه على الأديان بقوله تعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ( الآية [الصف : 9] ففعل ذلك وكان أبو بكر رضي - الله عنه - إذا أغزى جيوشه عرفهم ما وعدهم الله في إظهار دينه ؛ ليثقوا بالنصر وليستيقنوا بالنجح ، وكان عمر – رضي الله عنه - يفعل ذلك ، فلم يزل الفتح يتوالى شرقا وغربا برا وبحرا قال الله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ([النور : 55] وقال : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ( [الفتح : 27]وقال : ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ( [الأنفال : 7] وقال : ( ألم ،غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( [الروم:1-3] فهذه كلها أخبار عن الغيوب التي لا يقف عليها إلا رب العالمين ، أو من أوقفه عليها رب العالمين ، فدل على أن الله تعالى قد أوقف عليها رسوله ، لتكون دلالة على صدقه.
- ومنها ما تضمنه القرآن من العلم الذي هو قوام جميع الأنام في الحلال والحرام ، وفي سائر الأحكام .
- ومنها الحكم البالغة التي لم تجر العادة بأن تصدر في كثرتها وشرفها من آدمي .
- ومنها التناسب في جميع ما تضمنه اختلاف ، قال الله تعالى : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( [النساء : 82] قلت فهذه عشرة أوجه ذكرها علماؤنا رحمة الله عليهم)(121).
(وقد سرد هبةُ الدين الحسيني الشهرستاني المزايا الإجمالية للقرآن وهي :
- فصاحةُ ألفاظه الجامعة لكل شرائعها .
- بلاغته بالمعنى المشهور ؛ أي موافقة الكلام لمقتضى الحال ومناسبات المقام ، أو بلاغته المعنوية .
- توفر المحاسن الطبيعية فوق المحاسن البديعية .
- إيجاز بالغ مع الإعجاز بدون أن يخل بالمقصود .
- إطناب غير ممل في مكرراته .
- سمو المعاني وعلو المرمى في قصد الكمال الأسمى .
- طلاوة أساليبه الفطرية ، ومقاطعه المبهجة ، وأوزانه المتنوعة .
- فواصله الحسنى وأسماعه الفطرية .
- أسرار علمية لم تهتد العقول إليها بعد عصر القرآن إلا بمعونة الأدوات الدقيقة ، والآلات الرقيقة المستحدثة .
- غوامض أحوال المجتمع ، وآداب أخلاقية تهذب الأفراد وتصلح شؤون العائلات .
- قوانين حكيمة في فقه تشريعي ، فوق ما في التوراة ، والإنجيل ، وكتب الشرائع الأخرى .
- سلامته عن التعارض ، والتناقض ، والاختلاف .
- خلوصه من تنافر الحروف ، وتنافي المقاصد .
- ظهوره على لسان أُمي لم يعرف الدراسة ، ولا ألف محاضرة العلماء ، ولا جاب الممالك سائحا مستكملا .
- طراوته في كل زمان ، كونه غضاً طرياً كلما تُلي وأينما تُلي .
- اشتماله على السهل الممتنع ، الذي يعد ملاك الإعجاز ،والتفوق النهائي .
-قوة عبارته لتحمل الوجوه ، وتشابه المعاني .
-قصصه الحلوة ، وكشوفه التاريخية من حوادث القرون الخالية .
- أمثاله الحسنى التي تجعل المعقول محسوسا ، وتجعل الغائب عن الذهن حاضرا لديه .
- معارفه الإلهية كأحسن كتاب في علم اللاهوت ، وكشف أسرار عالم الملكوت ، وأوسع سفر من مراحل المبدأ والمعاد .
- خطاباته البديعية ، وطرق إقناعه الفذة .
- تعاليمه العسكرية ، ومناهجه في سبيل الصلح ، وفنون الحرب .
- سلامته من الخرافات والأباطيل ، التي من شأنها إجهاز العلم عليها كلما تكاملت أصوله وفروعه .
- قوة الحجة ، وتفوق المنطق .
- اشتماله على الرموز في فواتح السور ، ودهشة الفكر حولها وحول غيرها .
- جذباته الروحية الخلابة للألباب ، السحرة للعقول ، الفتانة للنفوس .
هذا وإن وجوه إعجاز القرآن كثيرة ، وقد أُلفت فيها كتب كثيرة ، ويمكن أن يضاف إلى ما ذكره الشهرستاني ما يلي :
- ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة ، مما يؤكد عجز البشر عن الإتيان بمثله.
- اتساق القرآن في أغراضه ومعانيه على طول المدة التي استغرقها في تجميعه ، فخواتيمه بعد ربع قرن جاءت مطابقة متساوقة لفواتحه يصدق بعضها بعضا، ويكلمه كأنه نَفَس واحد.
- سهولة حفظه كما قال تعالى Sad ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ( . فهو ميسر على جميع الألسنة ، ومحفوظ في الصدور.
- حسن التخلص من قصة إلى أخرى ، والخروج من باب إلى غيره.
- إطنابه في خطاب اليهود ، وإيجازه في خطاب العرب ، للتفاوت بينهما فَهْمًا وبلاغة .
- وجود كلمات في جمل لا يسد مسدها غيرها ، مثل قوله تعالى : ( وأهش بها على غنمي ( [طه:18] فليس بمقدور أحد أن يأتي بكلمة تسد مسدها .
- نزاهته في التعبير ، كقوله : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ( [البقرة:187]، وقوله: ( نساؤكم حرث لكم ( [البقرة:223] وقوله : ( أفضى بعضكم إلى بعض ( [النساء:21] وقوله Sad أو جاء أحد منكم من الغائط ( [النساء : 43].
- خلوص ألفاظ الهجاء فيه من الفحش ،كقوله تعالى Sad أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ( [النور:50].
- ما تضمنه من الأخبار عن الضمائر ، كقوله تعالى Sad وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول... ( [المجادلة :8]، وقوله تعالى Sad يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا ههنا... ( [آل عمران:154] وقوله تعالى Sad ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم ( [النساء:46]، وقوله Sad وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ( [الأنفال :7].
- جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة ، وهما كالمتضادين لا يجتمعان في كلام البشر غالبا .
- اقتران معانيه المتغايرة في السور المختلفة ، فيخرج في السورة من وعد إلى وعيد ،ومن ترغيب إلي ترهيب ، ومن ماض إلي مستقبل، ومن قَصَصٍ إلي مَثَلٍ ، ومن حكمة إلى جدل ، فلا يتنافر ، وهي في غيره من الكلام متنافر .
- لا يخرج عن أسلوبه ،ولا يزول عن اعتداله باختلاف آياته في الطول والقصر .
- آي وردت بتعجيز قوم في قضايا ، وإعلامهم أنهم لا يفعلونها ،فما فعلوها ولا قدروا ، فالإخبار بالعجز عن الإتيان بمثل القرآن معجزة للقرآن .
- قارئه لا يمله ، وسامعه لا يمجه ، بل الانكباب علي تلاوته يزيده حلاوة ، وترديده يوجب له محبة ، وغيره من الكلام يُعادى إذا أعيد ، ويمل على الترديد .
- كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله بحفظه .
- الإعجاز في ترتيب الآيات والسور)(122) .
وذكر السيوطي في كتاب معترك الأقران خمسة وثلاثين وجها من وجوه إعجاز القرآن، وهكذا لو تُتبعت لزادت عن المائة وجه .
وكل عالم يزيد وجها لم يذكره غيره وهذا مصداقا لقول عليٍّ ( « لاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ » (123).
بل إن السيوطي - رحمه الله تعالى - فصل في كتاب الخصائص في وجوه إعجاز القرآن بعملية حسابية ، فبلغت تلك الوجوه عشرات الألوف ، فإليك ما قال :
قال السيوطي -رحمه الله- Sadوقد اختلف الناس في الوجه الذي وقع به إعجاز القرآن على أقوال بينتها مبسوطة في كتاب الإتقان والملخص انه وقع بعدة وجوه :
1-منها حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إعجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب الذين هم فرسان الكلام وأرباب هذا الشأن.
2-ومنها صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته وانتهت إليه فواصل كلماته ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له.
3-ومنها ما انطوى عليه من الأخبار بالمغيبات وما لم يكن فوجد كما ورد .
4-ومنها ما أنبأ به من أخبار القرون الماضية والشرائع السالفة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك فيورده على وجهه ويأتي به على نصه وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.
5-ومنها ما تضمنه من الأخبار عن الضمائر كقوله تعالى إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا وقوله تعالى ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول.





أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:47
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

6-ومنها آي وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها فما فعلوا ولا قدروا كقوله في اليهود ولن يتمنوه أبدا.
7-ومنها ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة.
8-ومنها الروعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم والهيبة التي تعتريهم عند سماع تلاوته كما وقع لجبير بن مطعم انه سمع النبي يقرأ في المغرب بالطور قال فلما بلغ هذه الآية ام خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون إلى قوله المصيطرون كاد قلبي يطير قال وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي .
9-ومنها أن قارئه لا يمله وسامعه لا يمجه بل الإكباب على تلاوته يزيد حلاوة وترديده يوجب له محبة وغيره من الكلام يعادي إذا أعيد ويمل مع الترديد ولهدا وصف القرآن بأنه لايخلق على كثرة الرد
10-ومنها كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله بحفظه.
11-ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب ولا أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة وأحرف معدودة.
12-ومنها جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين لا يجتمعان في كلام البشر غالبا.
13-ومنها جعله آخر الكتب غنيا من غيره وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد تحتاج إلى بيان يرجع فيه اليه كما قال تعالى (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون)(124)
ثم بين السيوطي أن وجوه الإعجاز تصل إلى عشرات الألوف فقال:
(قال القاضي عياض : إذا عرفت ما ذكر من وجوه إعجاز القرآن ، عرفت أنه لا يحصى عدد معجزاته بألف ولا ألفين ولا أكثر ؛ لأنه قد تحدى بسورة منه فعجزوا عنها ، قال أهل العلم : وأقصر السور ( إنا أعطيناك الكوثر ( فكل آية أو آيات منه بعددها وقدرها معجزة ، ثم فيها نفسها معجزات على ما سبق . قلتُ(125) :و إذا عَدَدْتَ كلمات سورة الكوثر وجدتها بضع عشرة كلمة ، وقد عد قوم كلمات القرآن سبعا وسبعين ألف كلمة وتسعمائة وأربعا وثلاثين، فالقدر المعجز منه يكون في العدد نحو سبعة آلاف تقريبا ، تضرب في ثمانية أوجه ؛ الأولان(126) والسابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر(127) تبلغ ستة وخمسين ألف معجزة ، ثم ينضم إلى ذلك في بعضه من الوجه الثالث والرابع والخامس والسادس(128) جملة وافرة ، فتصل معجزات القرآن بذلك إلى ستين ألف معجزة أو أكثر)(129) .
ولعل هذا أن يكون وجها جديدا من وجوه الإعجاز ، وهو كثرة وجوه إعجازه، فكلام غير الله مهما حصل فيه من البلاغة والحكمة والتوفيق ، إلا أنه لا يمكن أن يشمل كل وجوه الإعجاز السابقة، والله أعلم .

المطلب الثاني :التحدي أن يؤتى بمثله:

من علامات صدق القرآن وصحته ، هو أنه تحدى الخلق من أنس وجن أن يأتوا بأحسن منه فلم يطيقوا ، ثم تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو معارضته ، ثم لم يزل يتنـزل معهم بالتحدى ، فلما عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله ، فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بحديث من مثله فعجزوا:
قال سبحانهSad قُل فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( [القصص:49].
وقال تعالىSad قُل لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)[الإسراء:88].
ثم قال سبحانهSad أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِن دُونِ اللَّهِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[هود:13].
ثم قال جل جلالهSad وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِن دُونِ اللَّهِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( [البقرة:23].
وقال تبارك اسمهSad أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( [يونس:38].
ثم قال سبحانه Sad فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ( [الطور:34].
قال ابن كثير -رحمه الله- : (ثم شرع تعالى في تقرير النبوة بعد أن قرر أنه لا إله إلا هو ، فقال مخاطبا للكافرين : ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ( [البقرة : 23] يعني محمدا ( فأتوا بسورة من مثل ما جاء به : ، إن زعمتم أنه من عند غير الله فعارضوه بمثل ما جاء به، واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله ، فإنكم لا تستطيعون ذلك ، وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن ، فقال في سورة القصص : ( قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ( [القصص : 49] وقال في سورة سبحان ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ( [الإسراء : 88] وقال في سورة هود : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ( [هود : 13] وقال في سورة يونس : ( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ( [يونس : 37 ، 38] وكل هذه الآيات مكية.
ثم تحداهم بذلك أيضا في المدينة فقال في هذه الآية : ( وإن كنتم في ريب ( أي شك ( مما نزلنا على عبدنا ( يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ( فأتوا بسورة من مثله ( يعني من مثل القرآن ،فتحداهم كلهم متفرقين ومجتمعين سواء في ذلك أميهم وكتابيهم ، وقد تحداهم بهذا في مكة والمدينة مرات عديدة مع شدة عداوتهم له وبغضهم لدينه ومع هذا أعجزوا عن ذلك)(130).
قال الإمام ابن جرير رحمه الله : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} : وهذا من الله عز وجل احتجاج لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي قومه من العرب ومنافقيهم وكفار أهل الكتاب وضلالهم الذين افتتح بقصصهم قوله جل ثناؤه: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} وإياهم يخاطب بهذه الآيات, وضرباءهم يعني بها, قال الله جل ثناؤه: وإن كنتم أيها المشركون من العرب والكفار من أهل الكتابين في شك - وهو الريب - مما نزلنا على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم من النور والبرهان وآيات الفرقان أنه من عندي, وأني الذي أنزلته إليه, فلم تؤمنوا به ولم تصدقوه فيما يقول, فأتوا بحجة تدفع حجته; لأنكم تعلمون أن حجة كل ذي نبوة على صدقه في دعواه النبوة أن يأتي ببرهان يعجز عن أن يأتي بمثله جميع الخلق, ومن حجة محمد صلى الله عليه وسلم على صدقه وبرهانه على نبوته, وأن ما جاء به من عندي, عجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم عن أن تأتوا بسورة من مثله. وإذا عجزتم عن ذلك, وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة والدراية, فقد علمتم أن غيركم عما عجزتم عنه من ذلك أعجز. كما كان برهان من سلف من رسلي وأنبيائي على صدقه وحجته على نبوته من الآيات ما يعجز عن الإتيان بمثله جميع خلقي. فيتقرر حينئذ عندكم أن محمدا لم يتقوله ولم يختلقه, لأن ذلك لو كان منه اختلافا وتقولا لم يعجزوا وجميع خلقه عن الإتيان بمثله, لأن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعد أن يكون بشرا مثلكم, وفي مثل حالكم في الجسم وبسطة الخلق وذرابة اللسان, فيمكن أن يظن به اقتدار على ما عجزتم عنه, أو يتوهم منكم عجز عما اقتدر عليه)(131) .
فلما عجزوا عن معارضته مع توفر الدواعي لذلك ، علمنا أنه ليس بمقدور إنسان أن يأتي بمثله، فهو إذن من خالق البشر الذي هو على كل شيء قدير.

المطلب الثالث:شهادة المنصفين من أهل الكتاب والكفار وأعدائه له بالصحة والصدق:

وهذا من باب أن أقوى الشهادات على صحة الشيء شهادة الخصوم ؛ فأهل الكتاب والكفار مع شدة عداوتهم للقرآن ، إلا أن منهم من اعترف به ، وأقر بصدقه وصحته، وهذا الدليل مأخوذ من قوله تعالى:
( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ( [الأنعام:114].
وقوله جل جلالهSad الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ( [القصص:52-53].
وقوله تعالى : ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ( [الإسراء:106-108].
وقوله سبحانه : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( [الأحقاف:10] .
وقوله تعالى (...وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ( [المائدة:82-85].
أخرج مسلم عن أبي ذر قَالَ:قَدْ صَلَّيْتُ قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ ( بِثَلَاثِ سِنِينَ . قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ :لِلَّهِ . قُلْتُ :فَأَيْنَ تَوَجَّهُ ؟ قَالَ :أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي ،أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ ، كَأَنِّي خِفَاءٌ حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ ،فَقَالَ أُنَيْسٌ :إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي . فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَرَاثَ (132)عَلَيَّ ثُمَّ جَاءَ ، فَقُلْتُ :مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ . قُلْتُ :فَمَا يَقُولُ النَّاسُ ؟ قَالَ :يَقُولُونَ شَاعِرٌ كَاهِنٌ سَاحِرٌ –وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ –قَالَ أُنَيْسٌ :لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي أَنَّهُ شِعْرٌ ،وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ .
قَالَ قُلْتُ :فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ . قَالَ :فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ ،فَقُلْتُ :أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ ،فَقَالَ :الصَّابِئَ . فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلٍّ مَدَرَةٍ (133) وَعَظْمٍ حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ ،قَالَ :فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ . قَالَ :فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا ،وَلَقَدْ لَبِثْتُ يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي ، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ ...)(134).
(وأخرج ابن إسحاق والبيهقي(135) من طريق عكرمة ، أو سعيد عن ابن عباس :أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش ، وكان ذا سن فيهم ، وقد حضر الموسم ،فقال :إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قول بعضكم بعضا ، فقالوا :فأنت يا أبا عبد شمس فقل ، وأقم لنا رأيا نقوم به ، فقال: بل أنتم فقولوا لأسمع . فقالوا :نقول كاهن . فقال :ما هو بكاهن، لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسحره . فقالوا :نقول : مجنون . فقال :وما هو بمجنون ، ولقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته . قال :فنقول: شاعر . قال :فما هو بشاعر ، قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر . قال :فنقول : ساحر. قال :فما هو ساحر ، قد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثه ولا عقده .
فقالوا :ما تقول يا أبا عبد شمس ؟ قال :والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لمعذق وإن فرعه لجنى ،فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول لأن تقولوا : ساحر . فتقولوا : هذا ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه ، وبين المرء وبين أخيه ، وبين المرء وبين زوجته ، وبين المرء وعشيرته ، فتفرقوا عند ذلك ، فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره ،فأنزل الله عز وجل في النفر الذين كانوا معه ، ويصفون له القول في رسول الله فيما جاء به من عند الله : ( الذين جعلوا القرآن عضين ( أي أصنافا ( فوربك لنسألنهم أجمعين ( أولئك النفر الذين يقولون ذلك لرسول الله لمن لقوا من الناس ،قال :وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله ، وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها .
وأخرج أبو نعيم(136) من طريق العوفي ، عن ابن عباس ، قال :أقبل الوليد بن المغيرة على أبي بكر يسأله عن القرآن ،فلما أخبره خرج على قريش ،فقال :يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة ، فوالله ما هو بشعر ، ولا سحر ، ولا بهُذاء مثل الجنون ، وان قوله لمن كلام الله .
وأخرج ابن إسحاق والبيهقي وأبو نعيم(137) ، عن ابن عباس قال :قام النضر بن الحارث ابن كلدة ابن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ،فقال :يا معشر قريش ، إنه والله لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله ، لقد كان محمد فيكم غلاما حدثا ، أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب ، وجاءكم بما جاءكم : قلتم ساحر . لا والله ما هو بساحر ؛ قد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم ، وقلتم : كاهن . لا والله ما هو بكاهن ؛ قد رأينا الكهنة وحالهم وسمعنا سجعهم ، وقلتم : شاعر . لا والله ما هو بشاعر ؛ لقد روينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه ، وقلتم : مجنون . لا والله ما هو بمجنون؛ لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه ، يا معشر قريش انظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم .
وأخرج ابن إسحاق والبيهقي(138) ، عن محمد بن كعب ، قال :حُدَّثْتُ أن عتبة بن ربيعة قال ذات يوم ورسول الله ( في المسجد :يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا فأكلمه ، فأعرض عليه أمورا لعله أن يقبل منها بعضها ويكف عنا ؟ قالوا :بلى يا أبا الوليد . فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله ( ،قال عتبة :يا محمد أنت خير أم هاشم ؟ أنت خير أم عبد المطلب ؟ أنت خير أم عبد الله ؟ فلم يجبه قال :فبم تشتم آلهتنا ، وتضلل آباءنا ،فإن كنت إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسنا ما بقيت ، وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي بنات قريش شئت ، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستعين بها أنت وعقبك من بعدك . ورسول الله ( ساكت ولا يتكلم ، حتى إذا فرغ عتبة ،قال رسول الله ( :يا أبا الوليد . قال :نعم . قال :فاسمع مني . قال :افعل . فقال رسول الله ( : بسم الله الرحمن الرحيم ( حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا ( فمضى رسول الله فقرأها عليه ، فلما سمعها عتبة أنصت لها وألقى بيديه خلف ظهره معتمدا عليهما ، يسمع منه حتى انتهى رسول الله إلى السجدة فسجد فيها
ثم قال :سمعت يا أبا الوليد ؟ قال :سمعت. قال :فأنت وذاك . فقام عتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض :نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به . فلما جلس إليهم ،قالوا :وما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال: ورائي إني والله قد سمعت قولا ما سمعت بمثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا السحر ، ولا الكهانة ،يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي ، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ؛ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب ، فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به . قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه . فقال :هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم)(139).
وهذه بعض شهادات المنصفين من المعاصرين :
-يقول إبراهيم خليل(140)Sad يرتبط هذا النبي ( بإعجاز أبد الدهر بما يخبرنا به المسيح –عليه السلام- في قوله عنهSadويخبركم بأمور آتية) ، وهذا الإعجاز هو القرآن الكريم ، معجزة الرسول الباقية ما بقي الزمان ، فالقرآن الكريم يسبق العلم الحديث في كل مناحيه ؛ من طب وفلك و جغرافيا وجيولوجيا وقانون واجتماع وتاريخ… ففي أيامنا هذه استطاع العلم أن يرى ما سبق إليه القرآن بالبيان والتعريف ..)(141) .
وقال : ( أعتقد يقينا أني لو كنت إنسانا وجوديا ، لا يؤمن برسالة من الرسالات السماوية، وجاءني نفر من الناس وحدثني بما سبق به القرآن العلم الحديث في كل مناحيه ؛ لآمنت برب العزة والجبروت خالق السماوات والأرض ، ولن أشرك به أحدا)(142).
وقال بلاشير(143): (إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط، إنه أيضاً و يمكنه أن يكون قبل أي شيء آخر تحفة أدبية رائعة ، تسمو على جميع ما أقرته الإنسانية وبجلته من التحف ، إن الخليفة المقبل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - المعارض الفظ في البداية للدين الجديد ،قد غدا من أشد المتحمسين لنصرة الدين عقب سماعه لمقطع من القرآن ، وسنورد الحديث فيما بعد عن مقدار الافتتان الشفهي بالنص القرآني بعد أن رتله المؤمنـون )(144).
وقالت بوتر(145) Sadعندما أكملت قراءة القرآن الكريم ، غمرني شعور بأن هذا هو الحق الذي يشتمل على الإجابات الشافية حول مسائل الخلق وغيرها ، وإنه يقدم لنا الأحداث بطريقة منطقية ، نجدها متناقضة مع بعضها في غيره من الكتب الدينية ، أما القرآن فيتحدث عنها في نسق رائع وأسلوب قاطع لا يدع مجالاً للشك بأن هذه هي الحقيقة ، وأن هذا الكلام هو من عند الله لا محالة )(146).
وقالت بوتر أيضا: (كيف استطاع محمد ( الرجل الأمي ، الذي نشأ في بيئة جاهلية أن يعرف معجزات الكون التي وصفها القرآن الكريم ،والتي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها ؟ لابد إذن أن يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل )(147).
قال بوكاي(148): (لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم ،وذلك دون أي فكر مسبق ، وبموضوعية تامة بحثاً عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث ،وكنت أعرف قبل هذه الدراسة ،وعن طريق الترجمات ،أن القرآن يذكر أنواعا كثيرة من الظاهرات الطبيعية، لكن معرفتي كانت وجيزة ،وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي ، استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها ، أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث ، وبنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل، أما بالنسبة للعـهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتـاب الأول،أي سفر التكوين فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينـها وبين أكثر معطيات العلم رسوخـاً في عصـرنا ، وأما بالنسبة للأناجيل ،فإننا نجد نص إنجيل متي يناقض بشكل جلي إنجيل لوقا،وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمراً لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض)(149) .
وقال حتي(150) : (إن أسلوب القرآن مختلف عن غيره،ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر ،ولا يمكن أن يقلد، وهذا في أساسه . هو إعجاز القرآن .. فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى)(151).
وقال أرنولد(152) Sad.. (إننا) نجد حتى من بين المسيحيين مثل الفار (الإسباني) الذي عرف بتعصبه على الإسلام ،يقرر أن القرآن قد صيغ في مثل هذا الأسلوب البليغ الجميل ،حتى إن المسيحيين لم يسعهم إلا قراءته والإعجاب به)(153).
ولقد ألف الدكتور مراد هوفمان –سفير ألمانيا السابق بالرباط- كتاب (الإسلام كبديل)(154)، وفيه شهادات كثيرة على إعجاز القرآن وصدقه ، وصدق النبي ( وكمال التشريع.
إلى آخر تلك الشهادات الطويلة على صدق القرآن وإعجازه .
قارن بين هذا الكلام وكلام نصر أبو زيد عندما يقول: (إن إعجاز القرآن ليس إلا في تغلبه على الشعر وسجع الكهان ، ولكنه ليس معجزا في ذاته)(155).

المطلب الخامس: عدم التناقض:

وقد أشار الله تعالى إلى هذا الدليل في قوله سبحانه:
( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ( [النساء:82].
قال ابن جرير الطبري -رحمه الله- Sad القول في تأويل قوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ؛ يعني جل ثناؤه بقوله: {أفلا يتدبرون القرآن} أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم يا محمد كتاب الله ؛ فيعلموا حجة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم، لاتساق معانيه وائتلاف أحكامه وتأييد بعضه بعضا بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق ؛ فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه وتناقضت معانيه وأبان بعضه عن فساد بعض)(156).
وفي طيات هذه الآية تحدي ، كأنه يقول : تدبر القرآن، وستجده خاليا من التناقضات، ولن تستطيع أن تجد تناقضا واحدا، مما يدلك ، أنه من عند الله ؛ إذ لو كان من البشر ، لكان فيه اختلاف كثير ، وتناقض واضح.
فكتاب ينزل على مدار ثلاث وعشرين سنة منجما مفرقا ، على النبي ( لا تجد فيه أي تناقض ، إن هذا لشيء عجاب، قال ابن كثير -رحمه الله- Sad يقول تعالى آمرا لهم بتدبر القرآن وناهيا لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة ومخبرا لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب ولا تعارض لأنه تنزيل من حكيم حميد فهو حق من حق ولهذا قال تعالى "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" ثم قال "ولو كان من عند غير الله" أي لو كان مفتعلا مختلفا كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم لوجدوا فيه اختلافا أي اضطرابا وتضادا كثيرا أي وهذا سالم من الاختلاف فهو من عند الله )(157).
وقال القرطبي -رحمه الله- Sad ليس من متكلم يتكلم كلاما كثيرا إلا وجد في كلامه اختلاف كثير ؛ إما في الوصف واللفظ ؛ وإما في جودة المعنى، وإما في التناقض، وإما في الكذب، فأنزل الله عز وجل القرآن وأمرهم بتدبره ؛ لأنهم لا يجدون فيه اختلافا في وصف ولا ردا له في معنى ولا تناقضا ولا كذبا فيما يخبرون به من الغيوب وما يسرون)(158).
وبهذا استدل جفري لانغ(159) على صدق القرآن(160) وأدى إلى إسلامه ؛ فالقرآن لا يتناقض مع نفسه، ولا يتناقض مع السنة، ولا يتناقض مع العلم الحديث ، بل على العكس فدائما يأتي العلم التجريبي الحديث بالتدليل على صدق القرآن وما فيه ، ولا يخالف الوقائع التاريخية ، بل هو منسجم تمام الانسجام معها كلها، مما يدلك أنه ليس من بشر ، بل هو من خالق البشر وخالق الكون ومدبر العالم(161) .



(87)الجامع لأحكام القرآن (13/93).
(88) أخرجه البخاري (كتاب البيوع ، باب كراهية السخب في الأسواق ، رقم :2018).
(89) يعني كعب الأحبار الذي كان يهوديا من علماء اليهود ثم أسلم.
(90) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (رقم:6585).
(91) يعني بضاعة ، اسم مصدر من جلب (انظر لسان العرب: 1/268).
(92) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (رقم :22981) وإسناده صحيح( صححه الألباني في السلسلة الصحيحة ، المجلد السابع، رقم : 3269 ) .
(93) تعداد المسلمين جاوز المليار، ولكن هذا العالم يتحدث عن علمه ووقته حيث إنه ولد سنة 1795م .
(94) كاتب إنجليزي معروف ، ولد سنة 1795، وتوفي 1881، من آثاره (الأبطال) ، وقد عقد فيه فصلا رائعا عن النبي (، انظر :"قالوا عن الإسلام" ص:123.
(95) "قالوا عن الإسلام" (ص:123).
(96) انظر : القرآن والمستشرقون،د.التهامي نقرة (ص:25).
(97) الصراع من أجل الإيمان ، انطباعات أمريكي اعتنق الإيمان ، د. جفري لانغ (ص:121)،ترجمة د.منذر العبسي، دار الفكر ، دمشق،الطبعة الأولي،1998. وقد ألف كتاب أخر بعنوان : "حتى الملائكة تسأل ، رحلة إلي الإسلام في أمريكا" . ترجمة د. منذر العبسي ، دار الفكر المعاصر ، بيروت الطبعة الأولي ، 2001 .
(98) طبعته مكتبة وهبة ، القاهرة، الطبعة الأولى 2002.
(99) استنباط خيلته : الخيلة في اللغة هي الكبر ، و لكن اشتقاقات فعل : خال يخيل تظهر معاني الخفاء و الاستشكال و التلون ، فهنا قد تعني كلمة ( استنباط خيلته) : فهم و إظهار ما يراد إخفاؤه .
(100) كشف رغوته عن صريحه : الرغوة هي ما يكون فوق اللبن عند صبه في الإناء [ أي الفقاقيع ]، و الصريح هو اللبن الخالص ، و هذا التعبير يعني إجمالاً : كشف الزيف عن الحقيقة .
(101) أخرجه الترمذي (كتاب تفسير القرآن ، باب من سورة المائدة ، رقم :3046) وحسنه الألباني (صحيح الترمذي رقم:2440).
(102) ولم نقل عيسى عليه السلام ؛ لأنهم يرونه إلها لا رسولا .
(103) وهذا أحد معان الآية ، فبعض رأى أن المقصود بالآية هم الأصنام ، فهي كأنها تنظر ولكنها لا تبصر ، وبعضهم قال : إن المقصود بالآية هم المشركون – كما روى عن مجاهد وغيره – أي وإن كانوا ينظرون إليك يا محمد ( ولكنهم لا ينتفعون بالنظر والرؤية . انظر : "محاسن التأويل" ، للقاسمي (3/683) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، مؤسسة التاريخ العربي ، بيروت ، الطبعة الأولي ، 1994 .
(104) تفسير ابن كثير (3/391).
(105) أخرجه الترمذي (كتاب تفسير القرآن،باب من سورة الروم ،رقم :3193) ، وإسناده صحيح. انظر : صحيح سنن الترمذي للألباني رقم : 2551.
(106) أخرجه البخاريSadكتاب تفسير القرآن ،باب قوله : (سيهزم الجمع ويولون الدبر)، رقم :4595.
(107) أخرجه البخاريSadكتاب الجهاد والسير ،باب ما قيل في درع النبي ،رقم :2758).
(108) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/266) .
(109) انظر :الإعجاز العلمي في القرآن لسيد الجميلي (ص:27)، والقرآن الكريم ،من منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إسيسكو) (ص:30)،الطبعة الأولي،1997، فقد أشار القرآن إلى كروية الأرض ودورانها ، والجنين ومراحل تطوره ، وغير ذلك من أنواع الإعجاز العلمي .
(110) انظر : الإعجاز العلمي في القرآن الكريم لسيد الجميلي ، دار الهلال،بيروت .
- والإعجاز العلمي في القرآن الكريم لحمادة الدبلاني ،دار الوفاء ،والمنصورة ،الطبعة الأولي،2000.
- والإبداعات الطبية لرسول الإنسانية لمختار سالم ، مؤسسة المعارف في بيروت ، الطبعة الأولي،1995. =
=
- والجراد في القرآن الكريم والعلم الحديث ، د. كارم السيد غنيم ، ود. عبد العظيم محمد الجمال ، دار الصحوة ، القاهرة، الطبعة الأولي ، 1988م .
- وإعجاز النبات في القرآن الكريم ، د. نظمي خليل أبو العطا ، مكتبة النور ، مصر الجديدة .
- والاكتشاف العلمية الحديثة ودلالتها في القرآن الكريم ، د. سليمان عمر قوش ، دار الحرمين ، الدوحة ، الطبعة الأولي ، 1987م .
- والقرآن والسنة والعلوم الحديثة ، محمد أحمد مدني ، وليس فيه ذكر المكتبة ولا تاريخ الطبع .
(111) انظر :دلائل الإعجاز لعبدالقاهر الجرجاني ، تحقيق محمود شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة،ط3،1992،و إعجاز القرآن والبلاغة النبوية لمصطفى صادق الرافعي ، طباعة دار الكتاب العربي في بيروت ،1990.
(112) أخرجه أحمد في المسند (مسند العشرة المبشرين بالجنة ،رقم:108) ورجاله ثقات ، إلا أنه منقطع فشريح لم يدرك عمر ،انظر (المسند تحقيق أحمد شاكر (1/201).
(113) أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن ،باب سورة الطور ، رقم :4573)
(114) انظر فتح الباري(2/290).
(115) متفق عليهSad البخاري:كتاب الجمعة باب سجدة النجم ، رقم:1020، ومسلم :كتاب المساجد وموضع الصلاة،باب سجود التلاوة ،رقم :576).
(116) أخرجه الحاكم (2/550)وقال الذهبي :صحيح ، طبعة دار الباز تحقيق مصطفى عطا .
(117) انظر كتاب " القرآن وإعجازه التشريعي " لمحمد إبراهيم إسماعيل ، دار الفكر العربي ، القاهرة .
(118) انظر دستور الإخلاق في القرآن ، لدراز ، تحقيق عبدالصبور شاهين ،بيروت ،مطبعة الرسالة ،الطبعة الأولي0،1998.
(119) انظر كتاب مباحث في إعجاز القرآن ،لمصطفى مسلم ، في الفصل الثالث :الإعجاز التشريعي، ص:231-258، وكتاب (القرآن الكريم )ص:31، من أساليب الغزو الفكر ، لغنايم (ص:543).
(120) يعني أنه ليس بشعر ولا نثر ولا سجع.
(121) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/52-54)، بيروت ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولي،1988.
(122) انظر كتاب الإعجاز البياني في ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره ، للدكتور محمد أحمد يوسف قاسم ، دار المطبوعات الدولية ، الطبعة الأولي،1979.
(123) أخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن ،باب ما جاء في فضل القرآن ، رقم :2906) مرفوعا ، قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي:هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَفِي الْحَارِثِ مَقَالٌ.أهـ وأخرجه الدارمي من نفس الطريق (كتاب فضائل القرآن،باب فضل من قرأ القرآن،رقم:3331) ، وأخرجه الإمام أحمد (رقم:706) عن علي مرفوعا ولفظه Sadأَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ أُمَّتَكَ مُخْتَلِفَةٌ بَعْدَكَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ فَأَيْنَ الْمَخْرَجُ يَا جِبْرِيلُ قَالَ فَقَالَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ يَقْصِمُ اللَّهُ كُلَّ جَبَّارٍ مَنْ اعْتَصَمَ بِهِ نَجَا وَمَنْ تَرَكَهُ هَلَكَ مَرَّتَيْنِ قَوْلٌ فَصْلٌ وَلَيْسَ بِالْهَزْلِ لَا تَخْتَلِقُهُ الْأَلْسُنُ وَلَا تَفْنَى أَعَاجِيبُهُ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَفَصْلُ مَا بَيْنَكُمْ وَخَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ) والراوي عن علي هو الحارث أيضا كما هو الحال في إسناده الترمذي والدارمي،
وله شاهد من حديث ابن مسعود عند الدارمي في نفس الباب الماضي ،رقم:3315، ولفظه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ وَالنُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَنَجَاةٌ لِمَنْ اتَّبَعَهُ لَا يَزِيغُ فَيَسْتَعْتِبُ وَلَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ فَاتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ الم وَلَكِنْ بِأَلِفٍ وَلَامٍ وَمِيمٍ)، وهو ضعيف فيه إبراهيم الهجري وهو لين الحديث يرفع الموقوفات كما قال ابن حجر في التقريب(ص:116).
(124) الخصائص الكبرى (1/195-196).
(125) القائل السيوطي.
(126) وهما: 1-حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إعجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب الذين هم فرسان الكلام وأرباب هذا الشأن.
2-صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته وانتهت إليه فواصل كلماته ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له.

(127) وهي : 7-ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة.
8- الروعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم والهيبة التي تعتريهم عند سماع تلاوته.
9-أن قارئه لا يمله وسامعه لا يمجه بل الإكباب على تلاوته يزيد حلاوة وترديده يوجب له محبة وغيره من الكلام يعادي إذا أعيد ويمل مع الترديد ولهدا وصف القرآن بأنه لايخلق على كثرة الرد.
10-كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله بحفظه.
11-جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب ولا أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة وأحرف معدودة.
12-جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين لا يجتمعان في كلام البشر غالبا.
(128) وهي :3-ما انطوى عليه من الأخبار بالمغيبات وما لم يكن فوجد كما ورد .
4-ما أنبأ به من أخبار القرون الماضية والشرائع السالفة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك فيورده على وجهه ويأتي به على نصه وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.
5-ما تضمنه من الأخبار عن الضمائر.
6-آيات وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها فما فعلوا ولا قدروا.
(129) الخصائص الكبرى للسيوطي (1/197).
(130) تفسير القرآن العظيم (1/59-60) بتصرف.
(131) تفسير الطبري (1/165) .
(1) راث : أبطأ . مختار الصحاح ( 1/111) .
(2) مدرة : جمعه مرد وهو قطع الطين اليابس . لسان العرب ( 5/162 ) .
(134) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة ،باب من فضائل أبي ذر، رقم :2473.
(4)أخرجه ابن اسحاق كما في مختصر السيرة لابن هشام(2/105) تحقيق طه عبدالرؤوف سعد ، دار الجيل ، بيروت، الطبعة الأولى، 1411، ، والبيهقي في شعب الإيمان (1/157)، تحقيق محمد السعيد زغلول ، دار الكتب العلمية ، بيروت،الطبعة الأولى، 1410، والسند ضعيف فيه محمد بن أبي محمد وهو مجهول (التقريب ص:505).
(136)لم أجده في الحلية لأبي نعيم بعد البحث في مظانه ولكن أخرجه مسندا ابن جرير الطبري في تفسير (29/156)،وعطية العوفي ضعيف (تهذيب تهذيب لابن حجر (7/201) دار الفكر، بيروت،الطبعة الأولى،1984.
(137)أخرجه ابن اسحاق كما في مختصر سيرته لابن هشام معلقا (2/137) عن ابن عباس من غير إسناد .
(138)أخرجه الأصبهاني في دلائل النبوة (ص:221)تحقيق محمد محمد الحداد ، دار طيبة ، الرياض، الطبعة الأولى،1409، ويحيى ابن معين في تاريخه(3/54)،تحقيق د.أحمد محمد نور سيف، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي،مكة المكرمة، الطبعة الأولى ،1979، وفي إسناده يحيى بن عبدالله الأجلح الكوفي لين الحديث(ص:592) والذيال بن حرملة لم يوثقه إلا ابن حبان (الثقات لابن حبان (4/222)تحقيق السيد شرف الدين أحمد، دار الفكر ، الطبعة الأولى 1975.
(139) الخصائص الكبرى للسيوطي (1/189-193) باختصار.
(140) قس مبشر من مواليد الإسكندرية عام 1919، يحمل شهادات عالية في علم اللاهوت من كلية اللاهوت المصرية ، ومن جامعة برنستون الأمريكية ، عمل أستاذا بكلية اللاهوت في أسيوط ، كما أرسل عام 1954 إلى أسوان سكرتيرا عاما للإرسالية الألمانية السويسرية ، وكانت مهمته الحقيقية التنصير والعمل ضد الإسلام ، لكن تعمقه في دراسة الإسلام قاده إلى الإيمان بهذا الدين وأشهر إسلامه عام 1959، ومن مؤلفاته :محمد في التوراة والإنجيل والقرآن-المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي –تاريخ بني إسرائيل. (انظر قالوا عن الإسلام للدكتور عماد الدين خليل (ص:49).
(141) محمد في التوراة والإنجيل والقرآن (ص:47-48).
(142) محمد في التوراة والإنجيل والقرآن (ص: 48).
(143) تقدمت ترجمته ص 10.
(144) قالوا عن الإسلام(ص52)
(145) ديبورا بوتر : ولدت عام 1954 بمدينة ترافيرز في ولاية ميتشغان الأمريكية ، وتخرجت من فرع الصحافة بجامعة ميتشغان ، اعتنقت الإسلام عام 1980 ، بعد زواجها من أحد الدعاة الإسلاميين العاملين في أمريكا بعد اقتناع عميق بأنه ليس ثمة دين غير الإسلام يمكن أن يستجيب لمطالب الإنسان : ( قالوا عن الإسلام : ص 55 ).
(146) قالوا عن الإسلام(ص55)
(147) قالوا عن الإسلام(ص55)
(148) د. موريس بوكاي : الطبيب والعالم الفرنسي ، ألف كتابه المشهور " القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم" وهو من أكثر المؤلفات التي عالجت هذا الموضوع ( تعارض الكتب المقدسة مع العلم الحديث ) أصالة واستيعاباً وعمقاً ، ويبدوا أن هذا الكتاب القيم منحه قناعات مطلقة بصدق الكتاب ، وبالتالي صدق الذي جاءته . (انظر:"قالوا عن الإسلام " : ص 56)
(149) " القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم " : ص 13 ، دار المعارف ، القاهرة ، 1978
(150) حتى : د . فيليب حتى ، ولد عام 1886م، لبناني الأصل ، أمريكي الجنسية ، تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت وقال الدكتوراة من جامعة كولومبيا (1915م) وتنقل في عدة مناصب كبيرة . من مؤلفاته : أصول الدولة الإسلامي ، تاريخ العرب وغيرها . (انظر : "قالوا عن الإسلام" ص 58)
(151) قالوا عن الإسلام (ص58)
(152) توماس آرنولد [1864-1930] : مستشرق إنجليزي التحق بكلية المجدلية في جامعة كمبردج عام 1882م حيث اجتذبته الدراسات الشرقية ، وبعد أن أنجز بنجاح دراسته أمضي السنة الرابعة عاكفاً على دراسة الإسلام ، واختير لتدريس الفلسفة في كلية عليكرة الإسلامية في الهند ، فقضي فيها عشر سنوات ، كان لها تأثير بالغ في نظره تجاه الإسلام ، وكان يدعو إلي التوفيق بين الثقافة الإسلامية والفكر الأوربي ، وتولي عدة مناصب ، وقبل وفاته بعام دعته الجامعة المصرية ( جامعة القاهرة الآن) أستاذاً زائراً . وبعد أن أمضي النصف الثاني من العالم الدراسي 1929-1930 في التدريس بقسم التاريخ عاد إلي لندن وتوفي فيها في 30 يونيو 1930 ، من مؤلفاته " الدعوة الإسلامية" و "ةالخلافة" وغيرها . ( انظر : موسوعة المستشرقين ، لبدوي ص 9 ) باختصار ، الأعلام للزركلى (2/94) .
(153) قالوا عن الإسلام (ص50)
(154) من منشورات مكتبة العبيكان ، الرياض ، ط3، 2001.
(155) انظر كتاب : قصة أبو زيد وانحسار العلمانية في جامعة القاهرة، د. عبدالصبور شاهين، ص:29، دار الاعتصام ،القاهرة، وقد نقل كلامه هذا من مقال لـ(أبو زيد) في مجلة الهلال.
(156) جامع البيان عن تأويل آي القرآن (8/567)، تحقيق محمود وأحمد ابنا محمد شاكر ،دار المعارف، القاهرة ، الطبعة الثانية
(157) تفسير القرآن العظيم (1/529)
(158) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/187).
(159) تقدمت ترجمته ص 101 .
(160) انظر كتابه الصراع من أجل الإيمان ، ص:66.
(161) وسيأتي الرد على من ادعى تناقض القرآن في مبحث مستقل.




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:49
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

ردود القرآن على الطاعنين
وقد تكلم القرآن عن كثير من الطاعنين ، وذكر طعوناتهم ، ثم رد عليها ردا واضحا بينا مفحما ؛
1- فقد طعن المشركون واليهود في صحة نسبة القرآن إلى الله ؛ فقالوا للنبي ( كما ذكر الله تعالى عنهم في قوله : ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آية مَكَانَ آية وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ( [النحل : 101] ؛ أي أنك متقول على الله تعالى تأمر بشيء ثم تخالفه(162).
( بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ ... ( [الأنبياء:5].
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ ... ( [الفرقان:4]
* فرد الله تعالى عليهم من عدة وجوه(163):
أ-في قوله : ( والله أعلم بما ينزل ( أي والله أعلم بما ينزل من المصالح ؛ فلعل ما يكون مصلحة في وقت يصير مفسدة بعده ، فينسخه وما لا يكون مصلحة حينئذ يكون مصلحة الآن فيثبته مكانه.
ب-ثم قال تعالى: ( قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ( [النحل:102] ("ونزله" تنبيه على أن إنزاله مدرجا على حسب المصالح بما يقتضي التبديل ( من ربك بالحق ( ملتبسا بالحكمة ( ليثبت الذين آمنوا ( ليثبت الله الذين آمنوا على الإيمان بأنه كلامه ، وأنهم إذا سمعوا الناسخ وتدبروا ما فيه من رعاية الصلاح والحكمة ، رسخت عقائدهم واطمأنت قلوبهم ( وهدى وبشرى للمسلمين (المنقادين لحكمه).
ج-ثم قال تعالى بعدها بقليل ( إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ( [النحل:116]. والواقع أن النبي ( أفلح في كل أعماله ودعوته وغزواته ، ومكّنه الله من البلاد والعباد ، ولم يمت حتى دانت له الجزيرة كلها بالإسلام لله والعبادة له وحده ، ولو كان مفتريا على الله لم يكن الله تعالى ليمكن له هذا التمكين.
د- ثم إنه ما كان لبشر أن يفتري كلاما وينسبه إلى الله ، ويضل به الملايين من الناس ، ثم بعد ذلك لا يعاجله الله تعالى بالعقوبة Sad وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( [يونس:37] وقال تعالى Sad تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ()وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ()لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ()ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ()فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ( [الحاقة:44-47]،
( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( [الأحقاف:8]، إن كنت كاذباً فالله أعلم منكم بذلك ،ولا يملك أحد لي أن يمنع عذاب الله بي الذي لا يتأخر عن الكاذب، فكون الله يعلم بي ولم يعذبني هذه شهادة من الله على صدقي ( كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ (.
2- وبعضهم ادعى أنه يستطيع أن يأتي بمثل القرآن ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا.. ( [الأنفال :31] ؛ فتحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثله فعجزوا ، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا ، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا ، كما تقدم ذكره (164).
3- وبعضهم زعم أن هذا القرآن إنما هو قصص الأولين وأساطير السابقين ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ( [النحل:24].
( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ( [الفرقان :4-5].
فرد الله عليهم أنه لا يعرف أن يقرأ ولا يكتب ، فكيف نقلها وكيف قرأها ؟ قال تعالى :
( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ( [العنكبوت:48].
فما كان لرجل أمي لا يقرأ ولا يكتب أن يأتي بمثل هذا الكلام ، ويتحدى به الثقلين ، ولم يقدر أحد على معارضته وإجابة هذا التحدي .
4- وبعضهم قال : إنه تعلمه من غلام نصراني . فقال الله تعالى : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ( [النحل:103] ( وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ( [الفرقان:4].
(يعنون جبرا الرومي غلام عامر بن الحضرمي ، وقيل : جبرا ويسارا كانا يصنعان السيوف بمكة ، ويقرآن التوراة والإنجيل ، وكان الرسول ( يمر عليهما ويسمع ما يقرآنه . وقيل: عائشا غلام حويطب بن عبد العزى قد أسلم ، وكان صاحب كتب . وقيل : سلمان الفارسي . ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ( لغة الرجل الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه -مأخوذ من لحد القبر- أعجمي غير بين وهذا القرآن لسان عربي مبين ذو بيان وفصاحة .
والجملتان مستأنفتان لإبطال طعنهم ، وتقريره يحتمل وجهين :
أحدهما :أن ما سمعه منه كلام أعجمي لا يفهمه هو ولا أنتم ، والقرآن عربي تفهمونه بأدنى تأمل ، فكيف يكون ما تلقفه منه ؟‍!
وثانيهما :هب أنه تعلم من المعنى باستماع كلامه ، لكن لم يتلقف منه اللفظ ؛ لأن ذلك أعجمي وهذا عربي ، والقرآن كما هو معجز باعتبار المعنى ، فهو معجز من حيث اللفظ، مع أن العلوم الكثيرة التي في القرآن ، لا يمكن تعلمها إلا بملازمة معلم فائق في تلك العلوم مدة متطاولة ، فكيف تعلَّم جميع ذلك من غلام سوقي ، سمع منه في بعض أوقات مروره عليه كلمات أعجمية لعله لم يعرف معناها ، وطعنهم في القرآن بأمثال هذه الكلمات الركيكة دليل على غاية عجزهم)(165).
(قال القاضي ابن الطيب : نحن نعلم ضرورة أن هذا مما لا سبيل إليه إلا عن تَعَلُّمٍ ، وإذا كان معروفا أنه لم يكن ملابسا لأهل الآثار وحملة الأخبار ، ولا مترددا إلى المتعلم ، منهم ولا كان ممن يقرأ فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه ؛ عُلم أنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحي)(166) .
5- ادعاؤهم أنه من النبي ( نفسه وليس من عند الله :
( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ( [يونس:15-16] .
قال ابن كثير – رحمه الله - Sad يخبر تعالى عن تعنت الكفار من مشركي قريش ، الجاحدين المعرضين عنه أنهم إذا قرأ عليهم الرسول ( كتاب الله ، وحججه الواضحة ، قالوا له : ( ائت بقرآن غير هذا ( أي رد هذا وجئنا بغيره من نمط آخر أو ( بدله ( إلى وضع آخر . قال الله تعالى لنبيه ( : ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ( أي ليس هذا إليَّ إنما أنا عبد مأمور، ورسول مبلغ عن الله ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم( ثم قال محتجا عليهم في صحة ما جاءهم به ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ( أي هذا إنما جئتكم به عن إذن الله لي في ذلك ومشيئته وإرادته ، والدليل على إني لست أتقوله من عندي ، ولا افتريته أنكم عاجزون عن معارضته ، وأنكم تعلمون صدقي وأمانتي منذ نشأت بينكم إلى حين بعثني الله عز وجل ، لا تنتقدون عليَّ شيئا تغمصونني(167) به ولهذا قال : ( فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ( أي أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل ، ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان ومن معه فيما سأله من صفة النبي ( ، قال هرقل لأبي سفيان : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال أبو سفيان : فقلت : لا . وكان أبو سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين ، ومع هذا اعترف بالحق ، والفضل ما شهدت به الأعداء ، فقال له هرقل : لقد عرفت إنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ، ثم يذهب فيكذب على الله، وقال جعفر ابن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة : بعث الله فينا رسولا نعرف صدقه ونسبه وأمانته ، وقد كانت مدة مقامه عليه السلام بين أظهرنا قبل النبوة أربعين سنة)(168).
6- اتهام النبي ( بأنه شاعر ، أو مسحور أو ساحر ، أو كاهن يتلقاه من الشياطين ، أو مجنون، أو أن ما يتلقاه هو أضغاث أحلام :
( بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ( [الأنبياء:5].
( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ()وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ()وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ()تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( [الحاقة:40-43].
( وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ( [التكوير:25].
( ...إذ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ( [الإسراء:47].
( أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ( [يونس:2].
( وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ( [الحجر:6] .
ويلاحظ في هذه التهم التخبط العجيب والتناقض الغريب، فتارة يتهمونه بأنه ساحر وتارة مسحور، ولما رأوا بلاغة القرآن قالوا : هذا شعر . فلما اعترض عليهم أن أوزان الشعر معروفة ، وهذا ليس على وزن شيء منها ، قالوا : كاهن يعني يسجع كسجعهم ، فلما اعترض عليهم بأنه لو كان شعرا أو سجعا لكان الناس يستطيعون تقليده ، ولكن الواقع أنه لم يستطع أحد فعل ذلك ، لاسيما مع استمرار تحديه لهم في كل مناسبة ، فقالوا : إنه أضغاث أحلام . ولكن أضغاث الأحلام لا تأتي بهذا الإحكام والتنظيم والإعجاز والبلاغة ، فقالوا: إذن يتلقاه من الشياطين . ولكن كيف يتلقاه من الشياطين وهو يلعن الشياطين صباحا ومساء، ولا يستفتح كتابه إلا بالاستعاذة منهم ، والشيطان من صفاتها إضلال الناس ، وهذا الكتاب يهدي لأقوم سبيل وأفضل طريق ، وهناك الكثير من السحرة والكهنة لديهم شياطين ومردة ، فلماذا لا يأتون بمثل ما أتى ؟ فقالوا : إذن هي أساطير الأولين وقصص السابقين، اكتتبها فهي تملى عليه . ولكن كيف يقال هذا ومحمد لا يقرأ ولا يكتب ، بل هو رجل أمي، قالوا : إذن تعلمه من اليهود والنصارى . فقيل لهم : كيف ذلك وهم أعاجم ، وهذا لسان عربي مبين ، وكلام فصيح بليغ لم يستطع فحول الفصحاء أن يبلغوا منزلته في البلاغة ، فكيف لأعجمي أن يأتي به ؟ ثم هل اليهود والنصارى تكفر نفسها ؟ فعند ذلك حاروا وبهتوا وألجموا ولم يردوا جوابا.

وقد شهد على صحة هذا القرآن أهل الكتاب أنفسهم ، كما اشرنا من قبل في مثل قوله تعالى:
( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ ( [الأنعام:114].
وقال تعالى : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ()نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ()عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ()بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ()وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ()أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ( [الشعراء:192-197]
( …وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ()وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( [المائدة:82-83].
ونحن نقول –على سبيل التنزل- لمن أنكر أن القرآن كلام الله: افرض أن هذا الكتاب من عند الله حقا وأنك مخطئ فما أنت صانع ؟( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(52) ((169) [فصلت:52].



(162) انظر : القرطبى (10/176) .
(163) انظر : تفسير البضاوي ( 3/420 ). تفسير ابن كثير ( 2/156 ) فتاوى ابن تيميه (12/118) .
(164) راجع : ص السابقة
(165) تفسير البيضاوي (3/421) .
(166) نقله عنه القرطبي في تفسيره (1/54).
(167)
(168) تفسير القرآن العظيم لابن كثير(2/411) .
(169) راجع ص 183 السابقة .


ردود إجمالية أخرى
المطلب الأول :عدم معارضة كفار مكة له ، مع أنهم أكثر الناس عداوة وفصاحة:

(إن النبي ( قد تحدى العرب قاطبة بأن يأتوا بسورة من مثله ، فعجزوا عنه وانقطعوا دونه، وقد بقي ( يطالبهم به مدة عشرين سنة ،مظهراً لهم النكير ، زاريًا على أديانهم ،مسفهاً آراءهم وأحلامهم ، حتى نابذوه وناصبوه الحرب ، فهلكت فيه النفوس ،وأُريقت المهج، وقُطعت الأرحام ،وذهبت الأموال ، ولو كان ذلك(170) في وسعهم وتحت أقدارهم ،لم يتكلفوا هذه الأمور الخطيرة ، ولم يركبوا تلك الفواقر المبيرة ،ولم يكونوا تركوا السهل الدمث من القول إلى الحَزْنِ(171) الوعر من الفعلٍ، وهذا ما لا يفعله عاقل ، ولا يختاره ذو لب ،وقد كان قومه قريش خاصة موصوفين برزانة الأحلام ،ووفارة العقول والألباب ، وقد كان فيهم الخطباء المصاقع(172) والشعراء المفلقون(173)، وقد وصفهم الله تعالى في كتابه بالجدل والخصومه واللدد ، فقال سبحانه Sad ما ضربوه لك إلاَّ جدلاً بل هُمْ قومٌ خصمون ( وقال سبحانه : ( وتُنذِرَ بِه قوما لُداَّ (، فكيف كان يجوز -على قول العرب ومجرى العادة مع وقوع الحاجة ولزوم الضرورة -أن يغفلوه ولا ويهتبلوا الفرصة فيه ، وأن يضربوا عنه صفحاً ، ولا يحوزوا الفلاح والظفر فيه لولا عدم القدرة عليه والعجز المانع منه .
ومعلوم أن رجلا عاقلا لو عطش عطشاً شديدا ، خاف منه الهلاك على نفسه ، و بحضرته ماء معرض للشرب فلم يشربه حتى هلك عطشاً ، لحكمنا أنه عاجز عن شربه غير قادر عليه ،
وهذا بين واضح لا يُشكل على عاقل .
قلت: وهذا -من وجوه ما قيل فيه ـ أبينها دلالة وأيسرها مؤونة ، وهو مقنع لمن تنازعه نفسه مطالعة كيفية وجه الإعجاز فيه)(174).
و(قال الخطابي : سمعت ابن أبي هريرة يحكي عن أبي العباس بن سريج قال :سأل رجل بعض العلماء عن قوله تعالى : ( لا أقسم بهذا البلد ( [البلد:1] ؛ فأخبر أنه لا يقسم بهذا ، ثم أقسم به في قوله : ( وهذا البلد الأمين ( [التين:3] ؟ فقال ابن سريج :أي الأمرين أحب إليك أجيبك ثم أقطعك، أو أقطعك ثم أجيبك؟ فقال :بل اقطعني ثم أجبني . فقال :اعلم أن هذا القرآن نزل على رسول الله ( بحضرة رجال ، وبين ظهراني قوم كانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمزا وعليه مطعنا ، فلو كان هذا عندهم مناقضة لتعلقوا به ، وأسرعوا بالرد عليه ، ولكن القوم علموا وجَهِلْتَ فلم ينكروا منه ما أنكرت .
ثم قال له : إن العرب قد تدخل (لا ) في أثناء كلامها وتلغي معناها ، وأنشد فيه أبياتا)(175).

المطلب الثاني : إثبات الدليل (من أين لك هذا؟):

وهذا مأخوذ من قوله تعالى : ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( [البقرة:111]؛ وهذا أسهل الأدلة وأسرعها وأقواها في نفس الوقت ؛ لأن أكثر الطعون عبارة عن دعاوى لا حقيقة لها ولا قيمة علمية ، فبمجرد مطالبته بالدليل عليها تتهاوى وتسقط .
والدعاوى إن لم تقم عليها بينات أصحابها أدعياء
كدعوى أن النبي ( كان يكتب أو يقرأ ، أو أنهم وجدوا مخطوطا بخطه وغير ذلك .

-المطلب الثالث : مخالفة الواقع:

الكثير من الطعون طعون كاذبة تخالف الواقع ، فبنظرة سريعة للواقع يتضح بطلانها، كدعواهم أن النبي ( كاهن ، أو ساحر ، أو شاعر ، أو مجنون ، أو كاذب ، أو يصرع ، أو غير ذلك، فشهادة الواقع والحال بخلاف الدعوى من أقوى الأدلة على بطلان الدعوى .
هَبِني قُلْتُ هذا النُّورَ ليلُ أَيَعْمَى العَاِلموُن عَنِ الضَّياءِ



(170) أي معارضة القرآن والإتيان بمثله.
(171) وهو ما غلظ من الأرض . القاموس المحيط ( ح ز ن )
(172) المَصْقَعُ : البليغُ يتفنن في مذاهب القول . الوسيط ( ص ق ع )
(173) المُفْلِق : المبدع ، لأن من معاني الفالق أي الخالق والمبدع كما في قوله تعالى ( أن الله فالق الحب والنوى ( انظر : لسان العرب (10/312).
(174) ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي وعبدالقاهر الجرجاني (ص:21)،وهي من رسالة الخطابي.
(175) البرهان في علوم القرآن للزركشي (2/54). وسيأتي ذكر بعض هذه الأبيات في مبحث دعوى تناقض بعض الآيات مع بعض .




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:52
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

التشكيك في نسبة القرآن إلى الله تعالى (مصدر القرآن)
وهذا المبحث فيه ثلاثة مطالب حاصرة –إن شاء الله – لطعونهم أو على أقل تقدير تضمنت هذه المطالب أبرز الطعون التى وجهت إلى مصدر القرآن ، بهدف التشكيك فى نسبته إلى الحق سبحانه وتعالى ، وتفصيل ذلك فيما يلى :
المطلب الأول: دعواهم أن القرآن من عند النبي محمد ( :

هذا الطعن من أقدم الطعون وقد ذكر في القرآن كما في قوله سبحانه : ( وَإِذَا بَدَّلْنَا ءايَةً مَكَانَ ءايَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( [النحل:101] أي أنك متقول على الله تعالى(176).
وكما قال سبحانه:
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ ... ( [الفرقان:4].
( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُون ( [السجدة:3].
( أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ( [سبأ:8] ،
( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ( [سبأ:43].
ومجمل أقوال المستشرقين وغيرهم من الطاعنين في الوحي الذي يوحى إليه (؛أن هذا القرآن إنما هو:
1-إلهام سمعي.
2-تأثير انفعالات عاطفية.
3-لأسباب طبيعية عادية كباعثة النوم (التنويم الذاتي).
4-تجربة ذهنية فكرية.
5-حالة كحالة الكهنة والمنجمين.
6-حالة صرع وهستيريا(177).

-الرد على هذه الدعوى:-
1- بداية ؛ فقد فَصَلَ الله تعالى هذه القضية بقوله Sad وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَبِّ الْعَالَمِينَ ( [يونس:37].
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية : ( هذا بيان لإعجاز القرآن ، وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ، ولا بعشر سور ولا بسورة من مثله ، لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعاني الغزيرة النافعة في الدنيا والآخرة ، لا يكون إلا من عند الله، الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وأقواله ، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين ؛ ولهذا قال تعالى : ( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ( أي مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله ، ولا يشبه هذا كلام البشر ( ولكن تصديق الذي بين يديه ( أي من الكتب المتقدمة ، ومهيمنا عليه ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل ، وقوله : ( وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ( أي وبيان الأحكام والحلال والحرام بيانا شافيا كافيا ،حقا لا مرية فيه من الله رب العالمين ، كما في حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب : (فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم) أي خبر عما سلف وعما سيأتي وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه)(178).
(لقد علم الناس أجمعون - علماً لا يخالطه شك - أن هذا الكتاب العزيز جاء على لسان رجل عربي أمي ، ولد بمكة في القرن السادس الميلادي ، اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، صلوات الله و سلامه عليه و على آله .. هذا القدر لا خلاف فيه بين مؤمن وملحد؛ لأن شهادة التاريخ المتواتر به لا يماثلها و لا يدانيها شهادته لكتاب غيره ولا لحادث غيره ظهر على وجه الأرض .
أما بعد ؛ فمن أين جاء به محمد بن عبد الله ( ؟
أَمنْ عند نفسه و من وحي ضميره ، أم من معلم ؟ و مَن هو ذلك المعلم ؟
نقرأ في هذا الكتاب أنه ليس من عمل صاحبه ، و إنما هو قول رسول كريم ، ذي قوة عند ذي العرش مكين ، مطاع ثَمَّ أمين : ذلكم هو جبريل عليه السلام ، تلقاه من لدن حكيم عليم ، ثم نزله بلسان عربي مبين على قلب محمد ( ، فتلقنه محمد منه كما يتلقن التلميذ عن أستاذه نصاً من النصوص ، و لم يكن له فيه من عمل بعد ذلك إلا :
1) الوعي و الحفظ ، ثم
2) الحكاية والتبليغ ، ثم
3) البيان والتفسير ، ثم
4) التطبيق و التنفيذ .
أما ابتكار معانيه و صياغة مبانيه فما هو منها بسبيل ، و ليس له من أمرهما شيء ، إن هو إلا وحيٌ يوحى .
هكذا سماه القرآن حيث يقول : ( و إذا لم تأتهم بآيةٍ قالوا لولا اجتبيتها ، قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ( [الأعراف: 203] ، و يقول Sad قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ، إن اتبع إلا ما يوحى إلي ( [يونس: 15 ] و أمثال هذه النصوص كثيرة في شأن إيحاء المعاني .
ثم يقول في شأن الإيحاء اللفظي : ( إنا أنزلناه قرآناً عربياً ( [يوسف : 2 ] ، ( سنقرئك فلا تنسى ( [ الأعلى : 6] ، ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه و قرآنه ، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ، ثم إن علينا بيانه ( [القيامة :16 –19 ] ، ( اقرأ ) ( [العلق :1] ، ( و اتل ( [الكهف : 27 ] ، ( و رتل ( [المزمل: 4 ] فانظر كيف عبر بالقرآن بالقراءة و الإقراء ، و التلاوة و الترتيل ، و تحريك اللسان ، و كون الكلام عربياً ، و كل أولئك من عوارض الألفاظ لا المعاني البحتة .
القرآن إذاً صريح في أنه "لا صنعة فيه لمحمد ( ، و لا لأحد من الخلق ، و إنما هو منـزل من عند الله بلفظه و معناه" ،
و العجب أن يبقى بعض الناس في حاجة إلى الاستدلال على الشطر الأول من هذه المسألة ، و هو أنه ليس من عند محمد ( )(179) .

2- لو كان القرآن من تأليف النبي ( ، لاستطاع العرب أن يأتوا بمثله ،مع حرصهم الشديد على معارضته ، لكن النبي (كان يتحداهم دائما ويكرره عليهم كثيرا ، ومع هذا لم يطق أحد منهم معارضته، ولا يقال :إن النبي ( بلغ من العبقرية مبلغا ،بحيث لم يستطع أحد أن يأتي بمثل ما قال . لأنه يمكن للمخالفين أن يجتمعوا فيألفوا قرآنا ، ومن المعلوم أن الجماعة تبدع وتبتكر أكثر من الإنسان الواحد .
فلو اجتمع مائة شاعر مثلا لتأليف قصيدة ؛ لكانت في جمالها وقوتها وسبكها أفضل بمراحل من شاعر واحد ألف قصيدة ، مهما بلغ هذا الشاعر من البلاغة والبيان(180)، فإذا كان آحاد المشركين لم يستطيعوا معارضة القرآن؛ فلماذا لم يجتمعوا لمعارضته ؟ ولكن هيهات ؛ فإنه لو اجتمعت قريش والعرب وأهل الأرض قاطبة ، بل والجن ما كانوا لهم أن يأتوا بمثل آية منه ( قُل لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ( [الإسراء:88].

3- (تبرؤ محمد(من نسبة القرآن إليه ليس ادعاء يحتاج بينة ،بل هو إقرار يؤخذ به صاحبه ؛
في الحقيقة إن هذه القضية لو وجدت قاضياً يقضي بالعدل ، لاكتفى بسماع هذه الشهادة التي جاءت بلسان صاحبها على نفسه ، ولم يطلب وراءها شهادة شاهد آخر من العقل أو النقل ، ذلك أنها ليست من جنس ( الدعاوى ) فتحتاج إلى بينه ، و إنمـا هي من نـوع ( الإقرار ) الذي يؤخذ به صاحبه ، و لا يتوقف صديق و لا عدو في قبوله منه ، أي مصلحة للعاقل الذي يدعي لنفسه حق الزعامة ،ويتحدى الناس بالأعاجيب والمعجزات لتأييد تلك الزعامة ، نقول أي مصلحة له في أن ينسب بضاعته لغيره ، و ينسلخ منها انسلاخاً ؟ على حين أنه كان يستطيع أن ينتحلها فيزداد بها رفعة و فخامة شأن ، و لو انتحلها لما وجد من البشر أحداً يعارضه و يزعمها لنفسه .
الذي نعرفه أن كثيراً من الأدباء يسطون على آثار غيرهم ،فيسرقونها أو يسرقون منها ما خف حمله و غلت قيمته و أُمنت تهمته ، حتى إن منهم من ينبش قبور الموتى ،و يلبس من أكفانهم و يخرج على قومه في زينة من تلك الأبواب المستعارة ؛ أمَّا أن أحداً ينسب لغيره أنفس آثار عقله ، وأغلى ما تجود به قريحته فهذا ما لم يلده الدهر بعد )(181) .

4- (لا أدل على أن الوحي القرآني خارج عن الذات المحمدية من مخالفة القرآن في عدة مواطن لرأيه الشخصي ولطبعه الخاص)(182)ومعاتبته على أخطائه :
مثل قوله تعالى : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لولا كتاب من الله سبق لمسكم في ما أخذتم عذاب عظيم ( [الأنفال :67]
عن ابْنَ عَبَّاسٍ قالُ : حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ :لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ،فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ( الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي ...-الحديث وفيه- : فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ :« مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى ؟ » فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً؛ فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( : « مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ » ،قُلْتُ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ ،أَعْنَاقَهُمْ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عُقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ –نَسِيبًا لِعُمَرَ- فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ ؛فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا .
فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ ( مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْتُ ،فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ( وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ قُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ ،فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ ،وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( : « أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ »شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ (، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ( إِلَى قَوْلِهِ : ( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا (فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ (183).
(وتأمل آية الأنفال المذكورة ، تجد فيها ظاهرة عجيبة ؛ فإنها لم تنزل إلا بعد إطلاق أسارى بدر وقبول الفداء منهم ، وقد بُدئت بالتخطئة والاستنكار لهذه الفعلة ، ثم لم تلبث أن ختمت بإقرارها وتطيب النفوس بها ، بل صارت هذه السابقة التي وقع التأنيب عليها هي القاعدة لما جاء بعدها(184) . فهل الحال النفسية التي يصدر عنها أول الكلام – لو كان عن النفس مصدره – يمكن أن يصدر عنها آخره , ولما تمض بينهما فترة تفصل بين زمجرة الغضب و الندم و بين ابتسامة الرضا و الاستحسان ؟ كلا ، و إن هذين الخاطرين لو فرض صدورهما عن النفس متعاقبين , لكان الثاني منهما إضراباً عن الأول ماحياً له ، و لرجع آخر الفكر وفقاً لما جرى به العمل . فأي داعٍ دعا إلى تصوير ذلك الخاطر الممحو و تسجيله ، على ما فيه من تقريع علني بغير حق ، و تنغيص لهذه الطُعمة(185) التي يراد جعلها حلالاً طيباً ؟ إن الذي يفهمه علماء النفس من قراءة هذا النص أن هاهنا ألبتة شخصيتين منفصلتين ، و أن هذا صوت سيد يقول لعبده : لقد أسأتَ و لكني عفوت عنك و أذنت لك )(186).
ومثل هذا قوله تعالى : ( عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ([التوبة:43]،
وقوله سبحانه : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ...([الأحزاب:37]،
عَنْ مَسْرُوقٍ -رحمه الله- قَالَ : «كُنتُ مُتَّكِئًا عِندَ عَائِشَةَ .... قَالَتْ :وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ , فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ , وَاللَّهُ يَقُولُ : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ( وَلَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ ( كَاتِمًا شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ (
قَالَتْ : وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ , فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ , وَاللَّهُ يَقُولُ : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ((187).
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ :جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو فَجَعَلَ النَّبِيُّ ( يَقُولُ :اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ، قَالَ أَنَسٌ : لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ . قَالَ : فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ( تَقُولُ :زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ )(188).
يقول الدكتور محمد عبدالله دراز -رحمه الله- وهو يتكلم عن أدلة صدق النبي ( ، فذكر أن من الأدلة على ذلك :
(مخالفة القرآن لطبع الرسول ، و عتابه الشديد له في المسائل المباحة ، وأخرى كان يجيئه القول فيها على غير ما يحبه ويهواه ؛ فيخطئه في الرأي يراه ، ويأذن له في الشيء لا يميل إليه , فإذا تلبث فيه يسيراً تلقاه القرآن بالتعنيف الشديد ، و العتاب القاسي ، و النقد المر ، حتى في أقل الأشياء خطراً : ( يا أيها النبي لما تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ( [التحريم:1]
( و تخفي في نفسك ما الله مبديه و تخشى الناس و الله أحق أن تخشاه ( [ الأحزاب : 37 ] .
( عفى الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا و تعلم الكاذبين ( [التوبة : 43 ] .
(ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ( [ التوبة : 113] .
(ما كان لنبيٍ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا و الله يريد الآخرة و الله عزيزٌ حكيم ، لولا كتابٌ من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ( [الأنفال:6-68] .
عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى ، وما عليك ألا يزكى و أما من جاءك يسعى و هو يخشى فأنت عنه تلهى ، كلا ( [ عبس :5-10 ] .
هناك آيات آخرى تدل على ما قال منها قوله تعالى (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا(74)إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا(75)[الإسراء:74-75]
وقوله(يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ..)[المائدة:67].
وقوله (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ(44)لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ(45)ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ(46)فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ(47)[الحاقة:44-47].
أرأيت لو كان هذه التقريعات المؤلمة صادرة عن وجدانه ، معبرة عن ندمه ووخز ضميره حين بدا له خلاف ما فرط من رأيه ؛ أكان يعلنها عن نفسه بهذا التهويل والتشنيع ؟ ألم يكن له في السكوت عنها ستر على نفسه ، و استبقاء لحرمة آرائه ؟ بل إن هذا القرآن لو كان يفيض عن وجدانه , لكان يستطيع عند الحاجة أن يكتم شيئاً من ذلك الوجدان ،و لو كان كاتماً شيئاً لكتم أمثال هذه الآيات ، و لكنه الوحي لا يستطيع كتمانه ( وما هو على الغيب بضنين ( [ سورة التكوير الآية : 24 ])(189) .
وقد أقر بهذا الدليل بعض المستشرقين ، مثل المستشرق (ليتنر) حيث قال Sadمرة أوحى الله إلى النبي ( وحيا شديد المؤاخذة ؛ لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى , ليخاطب رجلا غنيا من ذوي النفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو كان محمد كاذبا -كما يقول أغبياء النصارى بحقه - لما كان لذلك الوحي من وجود)(190).
5-موقف الرسول ( من النص القرآني موقف المفسر الذي يتلمس الدلالات ، و يأخذ بأرفق احتمالاتها :
(وأنت لو نظرت في هذه الذنوب التي وقع العتاب عليها , لوجدتها تنحصر في شيء واحد ، و هو أنه ( كان إذا ترجح بين أمرين ولم يجد فيهما إثماً , اختار أقربهما إلى رحمة أهله و هداية قومه و تأليف خصمه ، و أبعدهما عن الغلظة و الجفاء ، و عن إثارة الشبه في دين الله . لم يكن بين يديه نص فخالفه كفاحاً ، أو جاوزه خطأ و نسياناً ، بل كل ذنبه أنه مجتهد بذل وسعه في النظر ، و رأى نفسه مخيراً فتخير . هَبْهُ مجتهداً أخطأ باختيار خلاف الأفضل ، أليس معذوراً و مأجوراً ؟ على أن الذي اختاره كان هو خير ما يختاره ذو حكمه بشرية و إنما نبهه القرآن إلى ما هو أرجح في ميزان الحكمة الإلهية ، هل ترى في ذلك ذنباً يستوجب عند العقل هذا التأنيب و التثريب ؟ أم هو مقام الربوبية و مقام العبودية ، و سنة العروج بالحبيب في معارج التعليم و التأديب ؟ .
توفي عبد الله بن أُبي كبير المنافقين ، فكفنه النبي في ثوبه و أراد أن يستغفر له و يصلي عليه ، فقال عمر رضي الله عنه : أتصلي عليه و قد نهاك ربك ؟ فقال ( : إنما خيرني ربي فقال (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة ( [ التوبة : 80] و سأزيده على السبعين ،وصلى عليه ، فأنزل الله تعالى : ( و لا تصل على أحدٍ منهم مات أبداً و لا تقم على قبره ([التوبة:84] فترك الصلاة عليهم)(191)؛ اقرأ هذه القصة الثابتة برواية الصحيحين , و انظر ماذا ترى ؟ إنها لتمثل لك نفس هذا العبد الخاضع , و قد اتخذ من القرآن دستوراً يستملي أحكامه من نصوصه الحرفية ، و تمثل لك قلب هذا البشر الرحيم وقد آنس من ظاهر النص الأول تخييراً له بين طريقين , فسرعان ما سلك أقربهما إلى الكرم والرحمة , ولم يلجأ إلى الطريق الآخر إلا بعد ما جاءه النص الصريح بالمنع . و هكذا كلما درست مواقف الرسول من القرآن في هذه المواطن أو غيرها , تجلى لك فيه معنى العبودية الخاضعة , و معنى البشرية الرحيمة الرقيقة ؛ و تجلى لك في مقابل ذلك من جانب القرآن معنى القوة التي لا تتحكم فيها البواعث و الأغراض , بل تصدع بالبيان فرقاناً بين الحق و الباطل ، و ميزاناً للخبيث و الطيب ، أحب الناس أم كرهوا ، رضوا أم سخطوا ، آمنوا أم كفروا ، إذ لا تزيدها طاعة الطائعين و لا تنقصها معصية العاصين ، فترى بين المقامين ما بينهما ، وشتان ما بين سيد ومسود ، وعابد ومعبود )(192).
6- نسبة محمد ( القرآن إلى الله لا تكون احتيالاً منه لبسط نفوذه ، و إلا لِمَ لَمْ ينسب أقواله كلها إلى الله(193) .
(و لو أننا افترضناه افتراضاً لما عرفنا له تعليلاً معقولاً و لا شبه معقول , اللهم إلا شيئاً واحداً قد يحيك في صدر الجاهل ، وهو أن يكون هذا الزعيم قد رأى أن في ( نسبته القرآن إلى الوحي الإلهي ) ما يعينه على استصلاح الناس باستيجاب طاعته عليهم , و نفاذ أمره فيهم ؛ لأن تلك النسبة تجعل لقوله من الحرمة و التعظيم ما لا يكون له لو نسبه إلى نفسه .
و هذا قياس فاسد في ذاته ، فاسد في أساسه ؛
وقد قدمنا أن النبي ( شهد بصدقه الصديق والعدو، وشهد بصدقه من عاشره ومن رآه لأول وهلة ، ومن سمع به وبأخباره.
ونزيد على ما سبق شهادة أكبر المعاندين في قريش , ورأس الكفر , وفرعون هذه الأمة أبو جهل فعن علي رضي الله عنه أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ ( : إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ وَلَكِنْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ( فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ((194).
7- (في بعض المواقف تكون حاجة النبي ( للقرآن شديدة ،بل لقد كانت تنزل به نوازل من شأنها أن تحفزه إلى القول ، و كانت حاجته القصوى تلح عليه أن يتكلم ، بحيث لو كان الأمر إليه لوجد له مقالاً و مجالاً ، و لكنه كانت تمضي الليالي و الأيام تتبعها الليالي و الأيام, ولا يجد في شأنها قرآناً يقرؤه على الناس ؛ ومع هذا لم يتقوله ولم ينزل عليه شيء)(195) ، مما يدلك على صدقه؛ إذ الكاذب لا يتأخر في افتراء الكذب عند الحاجة الماسة إليه، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
أ-عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث , وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة , فقالوا لهم :سلوهم عن محمد , وصفوا لهما صفته , وأخبروهم بقوله ؛ فإنهم أهل الكتاب الأول , وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء ،فخرجا حتى أتيا المدينة فسألوا أحبار يهود عن رسول الله ( , ووصفوا لهم أمره وبعض قوله وقالا: إنكم أهل التوراة , وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا . قال: فقالوا لهم :سلوه عن ثلاث نأمركم بهن , فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإلا فرجل متقول فتروا فيه رأيكم؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم , فإنهم قد كان لهم حديث عجب ، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ،وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه , وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم . فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش , فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد , قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور . فأخبروهم بها فجاءوا رسول الله ( , فقالوا: يا محمد أخبرنا فسألوه عما أمروهم به , فقال لهم رسول الله ( :« أخبركم غدا عما سألتم عنه » ولم يستثن فانصرفوا عنه ومكث رسول الله ( خمس عشرة ليلة , لا يُحْدِثُ الله له في ذلك وحيًا, ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام حتى أرجف أهل مكة , وقالوا: وعدنا محمد غدًا , واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه ،وحتى أحزن رسولَ الله ( مُكْثُ الوحي عنه, وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ،ثم جاءه جبرائيل- عليه السلام - من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف , فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم , وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية , والرجل الطواف , وقول الله عز وجل ( ويسألونك عن الروح قل الروح ( الآية(196) .
ب- فترة الوحي في حادث الإفك(197) :
(ألم يرجف المنافقون بحديث الإفك عن زوجه -عائشة رضي الله- عنها و أبطأ الوحي ، و طال الأمر و الناس يخوضون ، حتى بلغت القلوب الحناجر , و هو لا يستطيع إلا أن يقول بكل تحفظ و احتراس : « إني لا أعلم عنها إلا خيراً » . ثم إنه بعد بذل جهده في التحري و السؤال و استشارة الأصحاب ، و مضى شهر بأكمله , والكل يقولون ما علمنا عليها من سوء ، لم يزد على أن قال لها آخر الأمر : « يا عائشة أما إنه بلغني كذا و كذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله » .
هذا كلامه بوحي ضميره ، و هو كما ترى كلام البشر الذي لا يعلم الغيب ، و كلام الصدّيق المتثبت الذي لا يظن و لا يقول ما ليس له به علم ، على أنه لم يغادر مكانه بعد أن قال هذه الكلمات حتى نزل صدر سورة النور معلناً براءتها ، و مصدراً الحكم المبرم بشرفها و طهارتها .
فماذا كان يمنعه – لو أن أمر القرآن إليه – أن يتقول هذه الكلمات الحاسمة من قبل ؛ ليحمي بها عرضه , و يذب بها عن عرينه , و ينسبها إلى الوحي السماوي , لتنقطع ألسنة المتخرصين ؟ و لكنه ما كان ليذر الكذب على الناس و يكذب على الله ( و لو تقول علينا بعض الأقاويل ، لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين ( [ سورة الحاقة الآيات : 44- 47 ] (198).
ج-لقد كان النبي ( يتحرق شوقا إلى تحويل القبلة إلى الكعبة ،وظل يقلب وجهه في السماء ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا , لعل الوحي ينزل عليه بتحويل القبلة إلى البيت الحرام , ولكن رب القرآن لم ينزل في هذا التحويل قرآنا ,على الرغم من تلهف رسوله الكريم إليه إلا بعد قرابة عام ونصف العام(199) .
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ( قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا , وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ )فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ...)(200).
ولو كان الوحي من تأليف النبي ( , لما تأخر كل هذه المدة لشيء يحبه ويشتهيه ويتشوف إليه ويتحرق شوقا له ، ولكنه وحي الله ولا ينزل إلا بأمر الله وإذنه.

8-توقف الرسول ( أحياناً في فهم مغزى النص حتى يأتيه البيان :
(لقد كان يجيئه الأمر أحياناً بالقول المجمل , أو الأمر المشكل الذي لا يستبين هو و لا أصحابه تأويله , حتى ينزل الله عليهم بيانه بعد . قل لي بربك : أي عاقل توحي إليه نفسه كلاماً لا يفهم هو معناه ، و تأمره أمراً لا يعقل هو حكمته ؟ .
أليس ذلك من الأدلة الواضحة على أنه ناقل لا قائل ، و أنه مأمور لا آمر ؟ .
وإليك بعض هذه الأمثلة:
-المثال الأول : موقفه في قضية المحاسبة على النيات:
نزل قوله تعالى Sad و إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ( [ البقرة: 284 ] فأزعجت الصحابة إزعاجاً شديداً ، و داخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء آخر ؛ لأنهم فهموا منها أنهم سيحاسبون على كل شيء حتى حركات القلوب و خطراتها ؛فقالوا : يارسول الله أنزلت علينا هذه الآية و لا نطيقها ، فقال لهم النبي ( :« أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا و عصينا ؟ بل قولوا : سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير » فجعلوا يتضرعون بهذه الدعوات حتى أنزل الله بيانها بقوله : ( لا يكلف الله نفساً إلى وسعها ( إلى آخر السورة المذكورة(201) ، و هنالك علموا أنهم إنما يحاسبون على ما يطيقون من شأن القلوب , وهو ما كان من النيات المكسوبة و العزائم المستقرة ، لا من الخواطر و الأماني الجارية على النفس بغير اختيار .
و موضع الشاهد منه أن النبي ( لو كان يعلم تأويلها من أول الأمر لبين لهم خطأهم و هم في أشد الحاجة إليه ، و لم يكن ليتركهم لهذا الهلع الذي كاد يخلع قلوبهم و هو بهم رؤوفٌ رحيم ، و لكنه كان مثلهم ينتظر تأويلها ، و لأمر ما أخر الله عنهم هذا البيان ، و لأمر ما وضع حرف التراخي في قوله تعالى: ( ثم إن علينا بيانه ( [القيامة: 19] .
المثال الثاني : مسلكه في قضية الحديبية :
اقرأ في صحيح البخاري(202) وغيره قضية الحديبية ، ففيها آية بينة : أذن الله للمؤمنين أن يقاتلوا من يعتدي عليهم أينما وجدوه ، غير ألا يقاتلوا في الحرم من لم يقاتلهم فيه نفسه،فقال تعالى Sad وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ([ البقرة : 190 ] فلما أجمعوا زيارة البيت الحرام في ذلك العام و هو العام السادس من الهجرة أخذوا أسلحتهم حذراً أن يقاتلهم أحد فيدافعوا عن أنفسهم الدفاع المشروع . و لما أشرفوا على حدود الحرم علموا أن قريشاً قد جمعت جموعها على مقربة منهم , فلم يثن ذلك من عزمهم ؛ لأنهم كانوا على تمام الأُهبة ، بل زادهم ذلك استبسالاً وصمموا على المضي إلى البيت , فمن صدهم عنه قاتلوه ، وكانت قريش قد نهكتها الحروب , فكانت البواعث كلها متضافرة و الفرصة سانحة للالتحام في موقعة فاصلة يتمكن فيها الحق من الباطل فيدمغه . و إنهم لسائرون عند الحديبية إذ بَرَكت راحلة النبي ( و أخذ أصحابه يثيرونها إلى جهة الحرم فلا تثور ، فقالوا : خلأت القصواء – أي حرنت الناقة – فقال النبي ( :« ما خلأت القصواء ، و ما ذاك لها بخلق ، و لكن حبسها حابس الفيل » يعني أن الله الذي اعتقل الفيل و منع أصحابه من دخول مكة محاربين, هو الذي اعتقل هذه الناقة ومنع جيش المسلمين من دخولها الآن عنوة . وهكذا أيقن أن الله تعالى لم يأذن لهم في هذا العام بدخول مكة مقاتلين ، لا بادئين ولا مكافئين ، و زجر الناقة فثارت إلى ناحية أخرى , فنزل بأصحابه في أقصى الحديبية ، و عدل بهم عن متابعة السير امتثالاً لهذه الإشارة الإلهية , التي لا يعلم حكمتها ، و أخذ يسعى لدخول مكة من طريق الصلح مع قريش قائلاً : « و الذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها » و لكن قريشاً أبت أن يدخلها في هذا العام لا محارباً و لا مسالماً، وأملت عليه شروطاً قاسية بأن يرجع من عامه ، و أن يرد كل رجل يجيئه من مكة مسالماً، وألا ترد هي أحداً يجيئها من المدينة تاركاً لدينه ، فقبل تلك الشروط التي لم يكن ليمليها مثل قريش في ضعفها على مثل المؤمنين في قوتهم ، و أمر أصحابه بالتحلل من عمرتهم و بالعودة من حيث جاءوا . فلا تسل عما كان لهذا الصلح من الوقع السيء في نفوس المسلمين ، حتى إنهم لما جعلوا يحلقون بعضهم لبعض كاد يقتل بعضهم بعضاً ذهولاً و غماً ، وكادت تزيغ قلوب فريق من كبار الصحابة فأخذوا يتساءلون فيما بينهم و يراجعونه هو نفسه قائلين : لِمَ نعطي الدنية في ديننا ؟ و هكذا كاد الجيش يتمرد على إمرة قائده و يفلت حبله من يده . أفلم يكن من الطبيعي إذ ذاك لو كان هذا القائد هو الذي وضع هذه الخطة بنفسه أو اشترك في وضعها أو وقف على أسرارها أن يبين لكبار الصحابة , حكمة هذه التصرفات التي فوق العقول، حتى يطفئ نار الفتنة قبل أن يتطاير شررها ؟
و لكن انظر كيف كان جوابه حين راجعه عمر : ( إني رسول الله ، و لست أعصيه ، و هو ناصري ) يقول : إنما أنا عبد مأمور ليس لي من الأمر شيء إلا أن انفذ أمر مولاي واثقاً بنصره قريباً أو بعيداً
و هكذا ساروا راجعين و هم لا يدرون تأويل هذا الإشكال حتى نزلت سورة الفتح , فبينت لهم الحكم الباهرة و البشارات الصادقة فإذا الذي ظنوه ضيماً و إجحافاً في بادئ الرأي كان هو النصر المبين و الفتح الأكبر و أين تدبير البشر من تدبير القدر ؛ ( وهو الذي كف أيديهم عنكم و أيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم و كان الله بما تعملون بصيراً ، هم الذين كفروا و صدوكم عن المسجد الحرام و الهدي معكوفاً أن يبلغ محله و لولا رجالٌ مؤمنون و نساءٌ مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرةٌ بغير علمٍ ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله و على المؤمنين و ألزمهم كلمة التقوى و كانوا أحق بها و أهلها و كان الله بكل شيءٍ عليماً لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخُلُن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم و مقصرين لا تخافون فعلِم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً ( [ سورة الفتح الآيات : 24-27 ])(203) .
9-إخباره في هذا الكتاب بأمور تحصل بعد موته وعلوم لم تكن في عصره, وقد قيل : يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت ، ويمكن أن تخدع بعض الناس كل الوقت ، ولكن لا يمكن أن تخدع كل الناس كل الوقت ،
قالت بوتر(204) : (كيف استطاع محمد ( الرجل الأمي, الذي نشأ في بيئة جاهلية أن يعرف معجزات الكون التي وصفها القرآن الكريم ،والتي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها ؟ لابد إذن أن يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل )(205.
10-منهجه في كيفية تلقي النص أول عهده بالوحي(206) :
(ولقد كان حين ينزل عليه القرآن في أول عهده بالوحي يتلقفه متعجلاً ,فيحرك به لسانه وشفتيه طلباً لحفظه ، وخشية ضياعه من صدره ، ولم يكن ذلك معروفاً من عادته في تحضير كلامه ، لا قبل دعواه النبوة و لا بعدها ، و لا كان ذلك من عادة العرب ، إنما كانوا يزورون كلامهم في أنفسهم ، فلو كان القرآن منبجساً من معين نفسه لجرى على سنة كلامه و كلامهم ولكان له من الروية و الأناة الصامتة ما يكفل له حاجته ؛ من إنضاج الرأي , و تمحيص الفكرة ، و لكنه كان يرى نفسه أمام تعليم يفاجئه وقتياً و يلم به سريعاً ، بحيث لا تجدي الروية شيئاً في اجتلابه لو طلب ، و لا في تداركه و استذكاره لو ضاع منه شيء ,و كان عليه أن يعيد كل ما يلقى إليه حرفياً ، فكان لابد له في أول عهده بتلك الحال الجديدة التي لم يألفها من نفسه, أن يكون شديد الحرص على المتابعة الحرفية ، حتى ضمن الله له حفظه و بيانه بقوله : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ( الآيات [القيامة: 16 ] ، و قوله : ( و لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربي زدني علما ( [طه: 114 ] .
هذا طرفٌ من سيرته بإزاء القرآن ، وهي شواهد ناطقة بصدقه في أن القرآن لم يصدر عنه بل ورد إليه ، و أنه لم يفض عن قلبه بل أفيض عليه)(207) .
11-أليس يكفي للحكم ببراءة الإنسان من عمل من الأعمال , أن يقوم من الطبيعة شاهدٌ بعجزه المادي عن إنتاج ذلك العمل ؟ .
فلينظر العاقل : هل كان هذا النبي الأمي ( أهلاً بمقتضى وسائله العلمية , لأن تجيش نفسه بتلك المعاني القرآنية ؟.
سيقول الجهلاء من الملحدين : نعم . فقد كان له من ذكائه الفطري و بصيرته النافذة ما يؤهله لإدراك الحق و الباطل من الآراء , و الحسن القبيح من الأخلاق, و الخير والشر من الأفعال ، حتى لو أن شيئاً في السماء تناله الفراسة , أو تلهمه الفطرة , أو توحي به الفكرة, لتناوله محمد بفطرته السليمة و عقله الكامل و تأملاته الصادقة .
و نحن قد نؤمن بأكثر مما وصفوا من شمائله، و لكننا نسأل : هل كل ما في القرآن مما يستنبطه العقل و التفكير ، و مما يدركه الوجدان و الشعور ؟ اللهم كلا .
طبيعة المعاني القرآنية ليست كلها مما يدرك بالذكاء و صدق الفراسة فمن ذلك :
أ – أنباء الماضي لا سبيل إليها إلا بالتلقي و الدراسة :
ففي القرآن جانب كبير من المعاني النقلية البحتة , التي لا مجال فيها للذكاء و الاستنباط ،و لا سبيل إلى علمها لمن غاب عنها إلا بالدراسة و التلقي و التعلم ؛ ماذا يقولون فيما قصه علينا القرآن من أنباء ما قد سبق و ما فصله من تلك الأنباء على وجهه الصحيح كما وقع؟ أيقولون : إن التاريخ يمكن وضعه أيضاً بإعمال الفكر ودقة الفراسة ؟ أم يخرجون إلى المكابرة العظمى فيقولون إن محمداً قد عاصر تلك الأمم الخالية ، وتنقل فيها فشهد هذه الوقائع مع أهلها شهادة عيان ، أو أنه ورث كتب الأولين وعكف على دراستها حتى أصبح من الراسخين في علم دقائقها ؟ إنهم لا يسعهم أن يقولوا هذا و لا ذاك ، لأنهم معترفون مع العالم كله بأنه ( لم يكن من أولئك ولا من هؤلاء ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ( [ سورة آل عمران الآية : 44 ] ،( وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم و هم يمكرون ( [ سورة يوسف الآية : 102 ] ، ( وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر ( [ سورة القصص الآية : 44 ] ، ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب و لا تخُطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون ( [ سورة العنكبوت الآية : 48] ، ( تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت و لا قومك من قبل هذا ( [سورة هود الآية : 49 ] ، ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن و إن كنت من قبله لمن الغافلين ( [ سورة يوسف الآية : 3 ] .
لا نقول إن العلم بأسماء بعض الأنبياء والأمم الماضية , و بمجمل ما جرى من حوادث التدمير في ديار عاد و ثمود و طوفان نوح وأشباه ذلك لم يصل قط إلى الأميين ؛ فإن هذه النتف اليسيرة قلما تعزب عن أحد من أهل البدو أو الحضر ؛ لأنها مما توارثته الأجيال و سارت به الأمثال ،و إنما الشأن في تلك التفاصيل الدقيقة و الكنوز المدفونة في بطون الكتب , فذلك هو العلم النفيس الذي لم تنله يد الأميين , ولم يكن يعرفه إلا القليل من الدارسين ، و إنك لتجد الصحيح المفيد من هذه الأخبار محرراً في القرآن ، حتى الأرقام طبق الأرقام : فترى مثلاً في قصة نوح عليه السلام في القرآن أنه لبث في قومهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، و في سفر التكوين من التوراة أنه عاش تسعمائة وخمسين سنة ، و ترى في قصة أصحاب الكهف عند أهل الكتاب أنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة شمسية ، و في القرآن أنهم لبثوا في كهفهم ( ثلاثمائةٍ سنين و ازدادوا تسعاً ( [ سورة الكهف الآية :25] و هذه السنون التسع هي فرق ما بين عدد السنين الشمسية و القمرية ؛ قاله الزجاج يعني بتكميل الكسر .
فانظر إلى هذا الحساب الدقيق في أمة أميـة لا تكتب و لا تـحسب .
كَفَاكَ بِالْعِلْمِ فِي الأُمِّيَّ مُعْجِزَةًً فِي الجْاَهِلِيَّةِ و التَّأدِيبِ فِي اليُتْمِ
نعم إنها لعجيبة حقاً : رجل أمي بين أظهر قوم أميين ، يحضر مشاهدهم – في غير الباطل و الفجور – و يعيش معيشتهم مشغولاً برزق نفسه و زوجه و أولاده ، راعياً بالأجر ، لا صلة له بالعلم و العلماء ؛ يقضي في هذا المستوى أكثر من أربعين سنة من عمره ، ثم يطلع علينا فيما بين عشية و ضحاها , فيكلمنا بما لا عهد له به في سالف حياته , و بما لم يتحدث إلى أحد بحرف واحد منه قبل ذلك ،و يبدي لنا من أخبار تلك القرون الأولى ما أخفاه أهل العلم في دفاترهم و قماطرهم ؟ أفي مثل هذا يقول الجاهلون إنه استوحى عقله واستلهم ضميره ؟ أي منطق يسوغ أن يكون هذا الطور الجديد العملي نتيجة طبيعة لتلك الحياة الماضية الأمية ؟ إنه لا مناص في قضية العقل من أن يكون لهذا الانتقال الطفري سر آخر يُلتمس خارجاً عن حدود النفس و عن دائرة المعلومات القديمة ،و إن ملاحدة الجاهلية و هم أجلاف الأعراب في البادية كانوا في الجملة أصدق تعليلاً لهذه الظاهرة , و أقرب فهماً لهذا السر من ملاحدة هذا العصر ، إذ لم يقولوا كما قال هؤلاء إنه استقى هذه الأخبار من وحي نفسه ، بل قالوا : إنه لابد أن تكون قد أمليت عليه منذ يومئذ علوم جديدة ؛ فدرس منها ما لم يكن قد درس ، و تعلم ما لم يكن يعلم ( وكذلك نصرف الآيات و ليقولوا دَرَستَ ( [ سورة الأنعام الآية : 105 ] ، ( و قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة و أصيلا ( [ سورة الفرقان الآية : 5 ].
و لقد صدقوا ؛ فإنه درسها ، و لكن على أستاذه الروح الأمين ،و اكتتبها ، و لكن من صحفٍ مكرمةٍ مرفوعةٍ مطهره ، بأيدي سفرةٍ كرامٍ برره ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عُمُراً من قبله أفلا تعقلون ([يونس:16] .
ذلك شأن ما في القرآن من الأنباء التاريخية ، لا جدال في أن سبيلها النقل لا العقل ، و أنها تجيء من خارج النفس لا من داخلها .
فهل ما في القرآن من المعاني غير التاريخية كانت حاضرة الوسائل و المقدمات في نظر العقل ؟
ذلك ما سيأتي نبأه بعد حين ،و لكننا نعجل لك الآن بمثالين من تلك المعاني نكتفي بذكرهما هنا عند إعادتهما بعد :
أحدهما : قسم العقائد الدينية .
و الثاني : قسم النبوءات الغيبية .
ب – الحقائق الدينية الغيبية لا سبيل للعقل إليها :
فأما أمر الدين فإن غاية ما يجتنيه العقل من ثمرات بحثه المستقل فيه ، بعد معاونة الفطرة السليمة له ، هو أن يعلم أن فوق هذا العالم إلهاً قاهراً دبره , و أنه لم يخلقه باطلاً ، بل وضعه على مقتضى الحكمة و العدالة ؛ فلابد أن يعيده كرةً أخرى لينال كل عامل جزاء عمله , إن خيراً و إن شراً .
هذا هو كل ما يناله العقل الكامل من أمر الدين ،و لكن القرآن لا يقف في جانبه عند هذه المرحلة ؛ بل نراه يشرح لنا حدود الإيمان مفصلة ، و يصف لنا بدء الخلق و نهايته ، و يصف الجنة و أنواع نعيمها ، و النار و ألوان عذابها ، كأنهما رأي عين ، حتى إنه ليحصي عدة الأبواب ، و عدة الملائكة الموكلة بتلك الأبواب ، فعلى أي نظرية عقلية بنيت هذه المعلومات الحسابية ، و تلك الأوصاف التحديدية ؟ إن ذلك ما لا يوحي به العقل البتة ، بل هو إما باطل فيكون من وحي الخيال و التخمين ، و إما حق فلا ينال إلا بالتعليم و التلقين ، لكنه الحق الذي شهدت به الكتب و استيقنه أهلها ( وما جعلنا عدتهم إلا فتنةً للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب و يزداد الذين آمنوا إيماناً ( [المدثر: 31 ] ، ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان ( [الشورى: 52 ] ، ( ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ( [ص: 69 ] ، ( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه من الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ([يونس: 37].
ج –أنباء المستقبل قد تستنبط بالمقايسة الظنية , و لكنها لا سبيل فيها لليقين إلا بالوحي الصادق:
و أما النبوءات الغيبية فهل تعرف كيف يحكم فيها ذو العقل الكامل ؟ إنه يتخذ من تجاربه الماضية مصباحاً يكشف على ضوئه بضع خطوات من مجرى الحوادث المقبلة ، جاعلاً الشاهد من هذه مقياساً للغائب من تلك ، ثم يصدر فيها حكماً محاطاً بكل تحفظ و حذر ، قائلاً : ( ذلك ما تقضي به طبيعة الحوادث لو سارت الأمور على طبيعتها , ولم يقع ما ليس في الحسبان). أما أن يبت الحكم بتاً , و يحدده تحديداً حتى فيما لا تدل عليه مقدمة من المقدمات العلمية ، و لا تلوح منه أمارة من الأمارات الظنية العادية ، فذلك ما لا يفعله إلا أحد رجلين:
إما رجل مجازف لا يبالي أن يقول الناس فيه صدق أو كذب ، و ذلك هو دأب جهلاء المتنبئين من العرافين و المنجمين .
و إما رجل اتخذ عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده ، و تلك هي سنة الأنبياء و المرسلين ، و لا ثالث لهما إلا رجلاً روى أخباره عن واحد منهما .
فأي الرجلين تراه في صاحب هذا القرآن حينما يجيء على لسانه الخبر الجازم بما سيقع بعد عام و ما سيقع في أعوام ، و ما سيكون أبد الدهر ، و ما لن يكون أبد الدهر ؟ ذلك و هو لم يتعاط علم المعرفة و التنجيم , و لا كانت أخلاقه كأخلاقهم تمثل الدعوى و التقحم ، و لا كانت أخباره كأخبارهم خليطاً من الصدق و الكذب ، و الصواب و الخطأ . بل كان مع براءته من علم الغيب و قعوده عن طلبه و تكلفه ، يجيئه عفواً ما تعجز صروف الدهر و تقلباته في الأحقاب المتطاولة أن تنقض حرفاً واحداً مما ينبئ به ( و إنه لكتابٌ عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد ( [فصلت: 41-42 ] .





أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:53
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

و لنسرد لك هاهنا بعض النبوءات القرآنية مع بيان شيء من ملابساتها التاريخية ؛ لترى هل كانت مقدماتها القريبة أو البعيدة حاضرة فتكون تلك النبوءات من جنس ما توحي به الفراسة و الألمعية ؟
مثال ذلك :
-ما جاء في بيان أن هذا الدين قد كتب الله له البقاء و الخلود ، و أن هذا القرآن قد ضمن الله حفظه و صيانته ( كذلك يضرب الله الحق و الباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ( [الرعد: 17 ] ،(ألم ترَ كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً أصلها ثابتٌ و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها ( [إبراهيم:24-25]، ( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ( [الحجر: 9 ] . أتعلم متى و أين صدرت هذه البشارات المؤكدة ، بل العهود الوثيقة ؟ إنها آيات مكية من سور مكية ، و أنت قد تعرف ما أمر الدعوة المحمدية في مكة ؟ عشر سنوات كلها إعراض من قومه عن الاستماع لقرآن ، و صد لغيرهم عن الإصغاء له ، و اضطهاد و تعذيب لتلك الفئة القليلة التي آمنت به ، ثم مقاطعة له و لعشيرته و محاصرتهم مدة غير يسيرة في شِعب من شِعاب مكة ، ثم مؤامرات سرية أو علنية على قتله أو نفيه ، فهل للمرء أن يلمح في ثنايا هذا الليل الحالك , الذي طوله عشرة أعوام ، شعاعاً و لو ضئيلاً من الرجاء أن يتنفس صبحه عن الإذن لهؤلاء المظلومين برفع صوتهم و إعلان دعوتهم ؟
و لو شام المصلح تلك البارقة من الأمل في جوانب نفسه من طبيعة دعوته ، لا في أفق الحوادث ، فهل يتفق له في مثل هذه الظروف أن يربوا في نفسه الأمل حتى يصير حكماً قاطعاً ؟ و هَبْهُ امتلأ رجاء بظهور دعوته في حياته ما دام يتعهدها بنفسه ، فمن يتكفل له بعد موته ببقاء هذه الدعوة و حمايتها وسط أمواج المستقبل العاتية ؟ و كيف يجيئه اليقين في ذلك , و هو يعلم من عبر الزمان ما يفت في عضد هذا اليقين ؟ فكم من مصلح صرخ بصيحات الإصلاح , فما لبثت أصواته أن ذهبت أدراج الرياح ! و كم من مدينة قامت في التاريخ ثم عفت و درست آثارها ! و كم من نبي قتل ! و كم من كتابٍ فقد أو انتقص أو بدل ! وهل كان محمد ( ممن تستخفه الآمال فيجري مع الخيال ؟ إنه ما كان قبل نبوته يطمع في أن يكون نبياً يوحى إليه ( وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمةً من ربك ( [القصص :86] و لا كان بعد نبوته يضمن لنفسه أن يبقى هذا الوحي محفوظاً لديه ( و لئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا و كيلاً إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيراً ( [الإسراء: 86-87 ] ؛ فلابد إذاً من كفيل بهذا الحفظ من خارج نفسه ،و من ذا الذي يملك هذا الضمان على الدهر المتقلب المملوء بالمفاجآت ؟ إلا رب الدهر الذي بيده زمام الحوادث كلها ، و الذي قدر مبدأها و منتهاها ، و أحاط علماً بمجراها و مرساها ، فلولا فضل الله ورحمته الموعود بهما في الآية الآنفة , لما استطاع القرآن أن يقاوم تلك الحروب العنيفة التي أقيمت و لا تزال تقام عليه بين آن و آن . سل التاريخ : كم مرةٍ تنكر الدهر لدول الإسلام , و تسلط الفجار على المسلمين , فأثخنوا فيهم القتل ، و أكرهوا أمماً منهم على الكفر ، و أحرقوا الكتب ، و هدموا المساجد ؛ وصنعوا ما كان يكفي القليل منه لضياع هذا القرآن كلاً أو بعضاً كما فعل بالكتب قبله ؛ لولا أن يد العناية تحرسه , فبقي في وسط هذه المعامع رافعا راياته وأعلامه ، حافظا آياته وأحكامه
بل اسأل صحف الأخبار اليومية كم من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة تنفق في كل عام لمحو هذا القرآن ,وصد الناس عن الإسلام بالتضليل والبهتان والخداع والإغراء ثم لا يظفر أهلها من وراء ذلك إلا بما قال الله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ([الأنفال:36]، ذلك بأن الذي يمسكه أن يزول هو الذي يسمك السماوات والأرض أن تزولا ، ذلك بأن الله ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ([التوبة: 33]، والله بالغ أمره ومتم نوره , فظهر وسيبقى ظاهرا لا يضره من خالفه حتى يأتي أمر الله ).

12-لماذا يستبعد المستشرقون إمكانية نزول الوحي على النبي( عن طريق جبريل ، مع أن كثيرا منهم يُسَلَّّمُون بأبعد من ذلك ؛ فهم يؤمنون إيمانا كاملا بأن موسى عليه السلام قد تلقى التوراة من الله تعالى مباشرة من غير واسطة ؟
13-وانظر إلى هذا التناقض؛ تارة يصفون النبي ( بأنه عبقري , وفنان موهوب, وملهم(208) استطاع بذكائه الشديد أن يصنع هذا الدين والقرآن ، وتارة يقولون هو, مجنون , أو مصروع ,أو مهووس(209) ؛ ألا ترى كيف أوقعهم بغضهم للحق في هذه المضحكات؟
وتأمل كيف استطاعت خديجة - رضي الله عنها- بفطرتها البسيطة أن تعرف أن ما يأتي النبي ( ليس شيطانا وجنونا ولا هَوَساً حين قالت Sadكلا واللهِ لا يُخزِيكَ اللهُ أبداً ؛ إنك لَتَصِلُ الرَّحِمَ وتحمل الكلَّ , وتُكْسِبُ المعدومَ وتُقْرِِِي الضَّيْفَ وتُعِينُ على نوائبِ الحقَّ)(210).
فما أبعد هذا الكمال الإنساني عن الهوس الذي قد يملي على صاحبه مواقف غريبة وأفعالا منكرة ينبو عنها الذوق السليم ، لذلك فإن بعضهم لا يملك نفسه عندما يقرأ سيرة النبي ( و ما يأمر به إلا أن يسلم بنبوته ؛
14-من الأدلة على أن القرآن ليس من النبي ( : أوقات نزوله(211) ؛ فليس للنبي ( اختيار فيما ينزل أو متى ينزل ، فقد يأتيه وهو في الفراش مع أهله ، أو وهو نائم , أو مع أصحابه , أو وهو سائر , أو على البعير(212) ، وقد يتتابع الوحي ويحمى حتى يشعر بكثرته عليه له , وقد يفتر عنه حتى يشتاق إليه , بل قد يمرض من تأخره عليه؛ فقد روي عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ( :أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ ( الْوَحْيَ قَبْلَ وَفَاتِهِ حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الْوَحْيُ ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ( بَعْد)(213).
وعن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ( كُنَّ حِزْبَيْنِ , فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ , وَالْحِزْبُ الْآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ( ...الحديث وفيه فَقَالَ :« لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ ؛ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلَّا عَائِشَةَ » ...الحديث)(214).
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ( ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً , ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا , فَقُلْنَا :مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ :« أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ ». فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ( ثُمَّ قَالَ: « أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ ... » (215).
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ( قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( لِجِبْرِيلَ :« أَلَا تَزُورُنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا » ،قَالَ: فَنَزَلَتْ ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا ( [ الْآيَةَ](216).
وعن جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ :أبطأ جبريل على النبي ( , فاشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ ( فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا , فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ :يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ , لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (.(217)
فهذه أربعة عشر دليلاً على أن القرآن ليس من النبي ( , وبعضها كافٍ في ذلك , وكني جمعتها كلها حتى لا يكون للمعترض حجة .

-المطلب الثاني : نقله من غيره , والرد عليهم :

أولاً : يقرر بعض المشككين أو الطاعنين أن القرآن ليس من عند النبي ( ولكنه ليس من عند الله أيضا , بل هو مما نقله من غيره، كما قال ذلك مشركو مكة :إنه تعلمه من غلام نصراني . فقال الله تعالى: ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ([النحل:103](...وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ([الفرقان:4]؛
وهذا الغير قد يكون أهل الكتاب , وقد يكون غيرهم.
وقد أُلَّفَتْ في هذا الطعن مؤلفاتْ استشراقية كثيرة منها :
1-عناصر يهودية في مصطلحات القرآن الدينية، للمستشرق المجري بيرنات هيللر(1857-1943)،نشر عام 1928.
2-كتاب(الكلمات الأجنبية في القرآن)رسالة دكتوراة للمستشرق الألماني فرانكيل(1855-1909)، ليدن ،1878.
3-مراجع القرآن وعلومه ، للمستشرق الألماني بريتزل [ 1893 – 1941].
4-المصادر الأصلية للقرآن ، لتاسدول، طبع في لندن 1905.
5-مصادر القصص الإسلامية في القرآن وقصص الأنبياء، سايدر سكاي،طبع في باريس 1932.
6-مصادر القصص الكتابي في القرآن، بقلم سباير،1939.
فهذه الكتب ألفت في هذا الطعن فقط ، وهناك كتب أخرى ذكر هذا الطعن في أثنائها منها :
دائرة المعارف الإسلامية , حيث يقولون Sadإنه ليس في سورة الفاتحة أي شئ إسلامي خاص بل على العكس فيها ألفاظ يهودية ونصرانية)(218)،
وفيها أيضاSadالقرآن عبارة عما كان عند الكهان , بدليل وجود السجع والقسم بالطبيعة)(219).
ويقول جولدتسيهر(220) : (إن القرآن ليس إلا مزيجا منتخبا من معارف وآراء دينية عرفها, واستقاها محمد بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها , التي تأثر بها تأثرا عميقا والتي رآها جديرة بأن توقظ عاطفة دينية حقيقة عند بني وطنه ، لقد تأثر بهذه الأفكار تأثرا وصل إلى أعماق نفسه , وأدركها بايحاء قوة التأثيرات الخارجية ,فصارت عقيدة انطوى عليها قلبه , كما صار يعتبر هذه التعاليم وحيا إلهيا)(221).
(ويزعم المبشر نلسن وغيره: أن الإسلام مقلَّد , وأن أحسن ما فيه مأخوذ من النصرانية , وسائر ما فيه مأخوذ من الوثنية.
وحكى الكونت هنري دي كاستري في كتابه "الإسلام سوانح وخواطر" عن أحد المبشرين قوله : إن الرسول ( كان يقرأ ويكتب ، فقرأ التوراة وقرأ الإنجيل, وأخذ تعاليمه منهما )(222) .
وفي كتاب "المنجد"(223) الذي ألفه النصارى -كمرجع في اللغة العربية والأعلام- قد رسمت صورة للنبي ( , وفيها أن الإنجيل أمامه وهو معه الريشة ينقل منه .
ويقول بلاشير(224)Sadكان أسلوب النبي في القرآن أول عهده بالدعوة مفعما بالعواطف، قصير العبارات ، فخم الصورة ، يقدم أوصاف العقاب والثواب في ألوان صارخة ، وكثيراً ما يكرر الآيات تَكراراً مملاً ، حتى تنقلب معانيها إلى الضد، فلما تقدم الزمن بالنبي فقد الأسلوب منهجه الأول،وأخذ يَقُصُّ في نغمات هادئة بديعة قصص الأنبياء ، مثلما تراه في قصة حب يوسف وزوجته بوتيفار، وكانت هذه الصورة مثيرة لخيال كثير من شعراء الفرس والترك، وفي آخر عهد النبي فقد الأسلوب كل حرارة وكل فن، وأغرم بالجدل الديني مع اليهود والنصارى)(225).
وقد ذهب إلى أبعد من ذلك المستشرق كليمان هواز(226) ,حيث كتب فصلا زعم فيه أنه اكتشف مصدرا جديدا للقرآن ، وهو شعر أمية بن أبي الصلت، ومن ذلك قوله :
وَيَوْمَ مَوْعِدِهِمْ أنْ يُحْشَرُوا زُمَراً يَوْمَ الَتَّغَابُنِ إذُ لا يَنفَعُ الحَذَرُ
مُسْتَوسِقِيَنَ مَعَ الدَّاعِي كَأَنَّهُمُ رِجْلُ الجَرادِ زَفَتْهُ الرَّيحُ مُنْتشرُ
بَرَزُوا بصعيد مستوٍ جَزِرٍ وأُنْزِلَ العَرْشُ والميزانُ والزُبُرُ
تَقُولُ خُزَّانُها مَا كَانَ عِنْدُكُمُ أًلُمْ يَكُنْ جَاءَكُمْ مِنْ رَبَّكُمْ نُذُرُ
قالوا بَلَى فتبَِعْنا فَتْيةً بَطَرُوا وَغَرَّنَا طُولُ هذا العَيْشِ والعُمُرِ(227)
وأورد توسدال شبهته السابقة وقال :إن من مصادره- القرآن- شعر امرئ القيس حيث قال : دَنَتِ السَّاعَةُ وانشَقَّ القَمَرْ عَنْ غَزَالٍ صَادَ قَلْبِي ونَفَرْ
أَحْوَرُ قَدْ حِرْتُ في أَوْصَافِِِهِ نَاعِسُ الطَّرُفِ بعَيْنَيهِ حَوَرْ
بِسهَامٍ مِنْ لحاظٍ فَاتِكٍ تَرَكَتْنِي كَهَشِيِمِ المُحْتِظِر(228)

ثانياً الرد على من زعم أنه نقل من غيره:
1-لقد تكفل الله تعالى بالرد على هذه الشبهة:
وبالسبر والتقسيم القول : إن القرآن يمكن أن يأتي إلى النبي ( عن أربع طرق: من عند نفسه ، من عند شخص ، من كتاب ، من الله تعالى ,أما من عند نفسه فقد تقدم معنا الرد على هذه الشبهة بأكثر من عشرة أوجه ، (229)
-أما من عند شخص ؛ فمن هو هذا الشخص ؟ أكثر الطاعنين على أنهم نصارى أو يهود ، فرد الله تعالى عليهم أن لسان أولئك القوم ولغتهم أعجمية ، ولكن لغة هذا القرآن عربي مبين، فكيف للأعجمي أن يأتي بأعلى الفصاحة وذروة البلاغة في اللغة العربية : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ( [النحل:103] .
-أما من كتاب ، فالنبي ( لا يقرأ ولا يكتب Sad وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ([العنكبوت:48]،
- فلم يبق إلا أنه من الله تعالى .
2-العهد القديم لم يكن مترجما إلى اللغة العربية قبل الإسلام ، وقد نص على ذلك المستشرقون أنفسهم ، فهذا (جوتين) يقول عن صحائف اليهود Sadإن تلك الصحائف مكتوبة بلغة أجنبية )(230)، وقد أشارت الموسوعة البريطانية إلى عدم وجود ترجمة عربية لأسفار اليهود قبل الإسلام وأن أول ترجمة كانت في أوائل العصر العباسي , وكانت بأحرف عبرية(231) .
كيف إذن أخذ النبي ( منها، لابد على المستشرقين أن يفتروا كذبة جديدة , وهي أن النبي ( درس لغة التوراة فكان يترجمها للقرآن؟!!.
3-ومن لطائف الاستدلال على أنه لم ينقل من غيره ما يذكره العلماء في فوائد أسباب النزول؛ إذ يذكرون أن من فوائد أسباب النزول أن دلالته على إعجاز القرآن , وأنه من الله تعالى من ناحية الارتجال ، فنزوله بعد الحادثة مباشرة يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين ، أو من كتب السابقين، فلو كان ينقل كتابه من كتب غيره , لكان إذا سأله سائل يتريث حتى يراجع الكتب التي عنده , وينظر ماذا تقول في هذه المسألة ثم يجيب، ولكن النبي ( لم يكن يفعل , بل يسأله الرجل فيعطيه الجواب الموافق للصواب، الذي لم يكن قرأه ولا عرفه إلا في هذه اللحظة التي نزل عليه فيها , وقد ذكرت في مبحث أدلة صدق النبي وقائع كثيرة تدل على هذا المعنى .
4- من أوضح الأدلة على رد دعوى النقل من , غيره التحدي أن يأتي بمثله ، كما تقدم تفصيل هذا في الردود العامة.
5-لو كان القرآن مأخوذا من التوراة والإنجيل والكتب السابقة , لما استطاع محمد ( أن يتحدى الناس ويقدم على هذا الخطأ الفادح ؛ لأن هذه الأصول المنقول عنها موجودة في متناول أيدي الجميع ، فلماذا يتحدى الناس بشيء موجود ، ألا يخشى أن يقوم بعض الناس بالرجوع إلى مراجعه والعمل مثل عمله، فينكشف؟
6-ثم هذه الأساطير والمراجع ليست خاصة بمحمد ( , بل هي كتب متداولة بيد الجميع, فلماذا لا تحضرون لنا هذه الكتب التي نقل منها؟.

7-(افتراض تعلم النبي ( من نصارى الشام ويهود المدينة وغيرهم, لا يتفق مع الحقيقة التاريخية التي تحدثنا عن الحيرة والتردد في موقف المشركين من رسول الله في محاولتهم لتفسير ظاهرة الرسالة ؛ لأن مثل هذه العلاقة مع النصارى أو اليهود لا يمكن التستر عليها أمام أعداء الدعوة من المشركين وغيرهم، الذين عاصروه وعرفوا أخباره وخبروا حياته العامة بما فيها من سفرات ورحلات)(232).
8-وجود بعض الشرائع في القرآن , التي تتفق مع ما في التوراة والإنجيل , أو حتى ما عند العرب ليس في هذا دليل على أنه مأخوذ منها، فالقرآن لم يأت لهدم كل شيء , بل لتصحيح الخطأ وإقرار الحق، فالصدق والشجاعة والكرم والحلم والرحمة والعزة كل هذه المعاني موجودة عند كفار مكة ومع هذا جاء الإسلام ولم يغير منها شيئا بل باركها وحث عليها،لذلك قال النبي ( :« إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ » (233). ولم يقل: لأنشئها .
إذن ليس من الضروري لكتاب هداية من هذا القبيل ، أن يشجب كل الوضع الذي كانت الإنسانية عليه قبله حتى يثبت صحة نفسه ، فمن الطبيعي أن يقر القرآن بعض الشرائع، سواء في الكتب السابقة السماوية , أو في عادات الناس وأعرافهم ، وأما الخطأ فإنه لا يقره(234)، وقد نص القرآن على هذا المعنى في مثل قوله تعالى Sad وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ( [يونس:37].

9-كيف يمكن اعتبار التوراة والإنجيل من أهم مصادر القرآن مع أن القرآن, خالفها في كثير من الأشياء ؛ ففي بعض الأحداث التاريخية نجد القرآن يذكرها بدقة متناهية ,ويتمسك بها بإصرار ، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يتجاهل بعضها ،على الأقل تفاديا للاصطدام بالتوراة والإنجيل) )235) .
(ففي قصة موسى يشير القرآن إلى أن التي كفلت موسى هي امرأة فرعون ، مع أن سفر الخروج يؤكد أنها كانت ابنته ، كما أن القرآن يذكر غرق فرعون بشكل دقيق , لا يتجاهل حتى مسألة نجاة بدن فرعون من الغرق مع موته وهلاكه، في الوقت الذي نجد التوراة تشير إلى غرق فرعون بشكل مبهم، ويتكرر نفس الموقف في قضية العجل ؛حيث تذكر التوراة أن الذي صنعه هو هارون، وفي قصة ولادة مريم للمسيح- عليهما السلام- وغيرها من القضايا)(236).
10-من المعلوم أن في القرآن ما لا وجود له في كتب اليهود والنصارى ، مثل: قصة هود وصالح وشعيب ، فكيف أتى بها النبي ( ؟(237).
11-وإذا كان النبي ( أخذ من النصارى الذين خالطهم؛ من أمثال سلمان , وصهيب وورقة، فلِمَ لم يفضحوه عندما سب النصارى وكفرهم في كتابه في عدة آيات ، حتى إن سورة المائدة ، وهي من آخر السور نزولا , كانت من أكثر السور تكفيرا للنصارى (238) ؟ ذكر الآيات التي تكفر النصارى من سورة المائدة .
12-من تناقضهم زعمهم أن النبي ( أخذ القرآن من سلمان وصهيب النصرانيين وابن سلام اليهودي وغيرهم ممن أسلم من أهل الكتاب(239) ، وحقيقة الأمر أن إسلام هؤلاء حجة عليهم ، إذ لو كان النبي ( أخذ القرآن والشريعة من أهل الكتاب ، فلماذا يتركون الأصل ويذهبون إلى الفرع؟
14-لقد شهد المنصفون من المستشرقين بضد ذلك:
يقول المستشرق الإنجليزي لايتنر(240)Sad بقدر ما أعرف من دِينَيِ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد ليس اقتباساً , بل قد أوحى إليه ربه, ولا ريب بذلك )(241).
ويقول هنري دي كاستري Sadثبت إذن أن محمدا لم يقرأ كتابا مقدسا , ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه )(242).
- (وينص صحيح البخاري على أن ورقة هو الذي ثَََبَّتَ محمدا في دعوته وبعثته ,لما عاد خائفا من غار حراء) . وانظر إلى هذه المكابرة ، فقد نص الحديث أن التي ثبتته هي خديجة - رضي الله عنها- وأما ورقة فقد خوفه فقال: ( ليتني فيها ، جَذِعاً يا ليتني أكونُ فيها حياً حين يخرج قومك ،فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( :« أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ »؟ قَالَ وَرَقَةُ : نَعَمْ, لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا أُوذِيَ . في رواية :عُودِيَ) . وإليك نص الحديث كما في الصحيحين؛
عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ( قَالَتْ : كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ( الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ, ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ –قَالَ:وَالتَّحَنُّثُ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ, وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ , فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ, فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ :اقْرَأْ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( : « مَا أَنَا بِقَارِئٍ ». قَالَ :« فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي » ،فَقَالَ :اقْرَأْ . قُلْتُ : « مَا أَنَا بِقَارِئٍ ». « فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي »،فَقَالَ :اقْرَأْ . قُلْتُ : « مَا أَنَا بِقَارِئٍ ». « فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي »،فَقَالَ : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (. فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ( تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ ،فَقَالَ :« زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي ». فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ
قَالَ لِخَدِيجَةَ : أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ،فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ ،قَالَتْ خَدِيجَةُ : كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ,فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ,وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ,وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ,وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ ,وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ ،فَقَالَتْ خَدِيجَةُ : يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ، قَالَ وَرَقَةُ : يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى ؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ ( خَبَرَ مَا رَأَى ،فَقَالَ وَرَقَةُ : هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حين يخرجك قومك ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( : « أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ » قَالَ وَرَقَةُ : نَعَمْ , لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا أُوذِيَ-وفي رواية :عودي- وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ حَيًّا أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ ،وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ ()(243).
وإذا كان ورقة يعرف حال النبي (,وأنه لازمه خمس عشرة سنة , وأخذ منه القرآن، فلماذا يقول Sadهذا الناموس –يعني الوحي-الذي أنزل على موسى) ويقولSadوإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا) أليس في هذا تصديق له وإثبات صحة نبوته، أم أن الحدادي يأخذ من الحديث ما يوافق هواه ويعرض عن غيره.


17- وأما زعمهم أن من مصادر القرآن شعر أمية بن أبي الصلت ؛ (فإن الغريب في الأمر أن المستشرقين يشكون في صحة السيرة النبوية نفسها، ويتجاوز بعضهم الشك إلى الجحود ، فلا يرونها مصدرا تاريخيا صحيحا ، فهم يقفون هذا الموقف العلمي من السيرة ويغلون في هذا الموقف ، ولكنهم يقفون من أمية وشعره موقف المتيقن المطمئن ، مع أن أخبار أمية ليست أدنى إلى الصدق ولا أبلغ في الصحة من السيرة، فما سر هذا الاطمئنان الغريب إلى نحو هذه الأخبار دون الأخرى)(244).
الأمر الآخر كذبهم في هذه الدعوى ؛ فشعر أمية بن أبي الصلت ، وشعر امرؤ القيس محفوظ معروف فلا يحتاج الأمر إلى كثير عناء لإثبات بطلان دعواهم ؛ يقول العقاد : (وأيسر ما يبدو من جهل هؤلاء المخاطبين في أمر اللغة العربية قبل الإسلام ، وعلاقتها بلغة القرآن الكريم ، أنهم يحسبون أن العلماء المسلمين يجدون في بحث تلك الأبيات وصبا واصبا لينكروا نسبتها إلى الجاهلية ، ولا يلهمهم الذوق الأدبي أن نظرة واحدة كافية لليقين بإدحاض نسبتها إلى امرئ القيس أو غيره من شعراء الجاهلية)(245).
ولقد بحثت في ديوان امرئ القيس فلم أجد هذه الأبيات .
وأما أمية بن أبي الصلت ، فإن بعض العلماء نسبوا هذه الأبيات له ، ولكن أمية أدرك الإسلام ورأى الرسول ( ، وسمع القرآن من النبي ( في مكة ، وانصرف عنه فتبعته قريش تسأله عن رأيه فيه ، فقال : أشهد أنه حق ، قالوا: هل تتبعه ؟ قال: حتى أنظر في أمره . وخرج إلى الشام وهاجر النبي ( إلى المدينة ، وحدثت وقعة بدر وعاد أمية من الشام يريد الإسلام ، فعلم بمقتل أهل بدر وفيهم ابنا خال له ، فامتنع وأقام في الطائف حتى مات(246)، فهو الذي تأثر بالقرآن ولم يتأثر القرآن به ، وشهد على صحة القرآن ، هذا وقد ذكر في ترجمته أنه كان مطلعا على الكتب القديمة ، ويلبس المسوح تعبدا ، وهو ممن حرموا على أنفسهم الخمر ، ونبذوا عبادة الأوثان في الجاهلية(247)؛ فهو إنما أخذ معنى هذا الشعر من الكتب السماوية السابقة التي كان يطلع عليها.
ولو سلمنا جدلا بأن النبي ( أخذ هذا الموضع من أمية ، فما هو المانع أن يجري الله الحق على ألسنة بعض الناس ،وينـزل القرآن موافقا لما قالوا، كما حصل هذا مع عمر كثيرا.
فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ قُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ، فَنَزَلَتْ ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ( وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ ( فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُنَّ Sad عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ( فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ )(248).
وقد قررنا أن القرآن جاء ليقر الحق ويصحح الخطأ.
ثم نقول لهم : إن العرب –الذين بعث فيهم النبي (-كانوا أعرف الناس بالشعر ، وأحرص الناس على الطعن في القرآن ؛ ومع هذا لم يورد أحد منهم هذا الطعن الساذج.

-المطلب الثالث: جواز نقده ومخالفته ، والرد عليهم (249):

ثانيا : الرد عليهم:
يحسن فى بداية هذا الرد أن أقرر أن ثمة فرقاً كثيرة من الفرق المنحرفة ، فتحت هذا الباب للطاعنين ؛ منها المعتزلة في دعواهم تقديم العقل على النقل(250) ، ومنها الصوفية في دعواهم أن للقرآن معنى ظاهرا وباطنا ، وأن الباطن لا يفهمه إلا كبار مشايخ الصوفية ،وأن الكشف والرؤى والمنامات أهم مصادر التلقي عندهم(251) ، ومنها الشيعة الذين يقدمون قول الأئمة على القرآن(252) .
لذلك كان من أهم ما يميز عقيدة أهل السنة والجماعة ما يسمى بمنهج التلقي (253)، فهم يعتمدون في تلقى الأحكام الشرعية على القرآن والسنة والإجماع والقياس ، وغيرها من الأدلة التي يذكرها كل من تكلم في علم أصول الفقه ، ويعتمدون في الفهم على فهم السلف الصالح للنصوص.

والرد على هؤلاء وهؤلاء كالتالي:
إذا ثبت أن القرآن ليس من عند النبي ( ، وأنه من الله تعالى بكل ما فيه من كلمات وحروف-كما أثبتنا هذا في المباحث السابقة- فهو إذن مقدس لا يمكن الاعتراض عليه ولا نقده ، فقد أمر الله الناس باتباع الشرع ، والأمر يدل على الوجوب ؛ فقال سبحانه :
( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ( [يونس:109]،فكيف نخالف أمر الله تعالى بأن نتبع غير الوحي؟
ومن أعظم معاني العبادة الرضى به حَكَمًا سبحانه :
( ..إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( [يوسف:40]، فالدين القيم أن تجعل تحاكمك لله ، والتحليل والتحريم والتشريع من خصائص الربوبية ، ومن جعلها لغير الله فقد اتخذه ندا له سبحانه:
( ...إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ( [الأنعام:57].
والحصر يدل على انفراد الله تعالى بالحكم .
( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( [التوبة:31]
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : " أَتَيْتُ النَّبِيَّ ( وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ ،فَقَالَ : يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ " . وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ. ( (254).
يعني أنهم لم يتخذوهم أربابا لأنهم عبدوهم،بل لكونهم أطاعوهم في التحليل والتحريم .
وقال سبحانه Sad ..وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا([الكهف:26]، فسمى التحاكم لغيره شِركًا(255)،
وقال Sad وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب( [الشورى:10]، وكلمة (شيء) نكرة في سياق النفي وهذا من صيغ العموم ، فكل شيء نختلف فيه فالحكم فيه لله ، ثم أكد على إرادة العموم بـ(من) التي تفيد التأكيد(256).
والله سبحانه لا يحكم ولا يقضي إلا بالحق ، فمن رد حكم الله وشرعه فإنما رد الحق ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ... ( [يونس:32].
قال جل جلالهSad وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا... ( [المائدة :48].
وقال الله تعالى Sad إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ... ( [النساء:105].
وقال سبحانه : ( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ... ([الإسراء:105]،فهو متلبس بلبوس الحق على كل أحواله(257).
والله تعالى لا يظلم ولا يحيف في الحكم(258) ( ...أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ( [النور:50]، فلماذا إذن لا نأخذ حكمه؟
وقال تعالى : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ([التين:8] ( ..وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ( [الأعراف:87]،( ... وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ( [المائدة:50].
فإن كان الله أحسن الحاكمين وخيرهم وأحكمهم ، فكيف يعرض المسلم عنه إلى غيره ؟ لذلك قال النبي ( كما ذكر الله تعالى عنه Sad أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ( [الأنعام:114]، يعني وأهل الكتاب يشهدون بفضله ومنـزلته وأنه حق .
واتباع الرسالة هو ينبوع السعادة ؛.



(176) انظر تفسير البيضاوي (3/420).
(177) انظر تفصيل هذه الأقوال في كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره ، د. عمر بن إبراهيم رضوان، (1/381)، دار طيبة ، الرياض ، ط1،1992.
(178) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/417).
(179) النبأ العظيم ، لعبد الله دراز ، ص:14-15
(180) ومن هذا الباب المجامع الفقهية وما فيها من اجتهاد جماعي ، ومنه ما في دول الغرب من عمل لجان متخصصة في الطب والفلك والأحياء والكيمياء والكهرباء والحاسوب وغيرها من العلوم ، فأثمرت هذه اللجان المتخصصة علوما وإبداعا، واكتشافا لا يستطيعه الفرد الواحد مهما بلغ من فرط الذكاء وسيلان ، الذهن وعبقرية العقل أن يبدعه .
(181) النبأ العظيم : (ص:16)
(182) القرآن والمستشرقون ، لنقرة ص:35، والمستشرقون وشبهاتهم حول القرآن ، محمد باقر الحكيم (ص:50)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت.
(183) أخرجه مسلم (كتاب الجهاد والسير ، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة فداء الإسرى ، رقم 1763).
(184) يعني أنه يجوز لولي الأمر بعد هذه الحادثة في الأسرى أن يفدي بهم أو يمن بالمجان أو يقتلهم .
(185) الطعمة : المكسب
(186) النبأ العظيم ،ص:27.
(187) متفق عليه (البخاري : كتاب تفسير القرآن، باب : تفسير سورة النجم ، رقم :4574، ومسلم : كتاب الإيمان ، باب معنى قول الله عز وجل ولقد رآه نزلة أخرى،رقم:177) واللفظ لمسلم.
(188) أخرجه البخاري (كتاب التوحيد،باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم ،رقم: 6984).
(189) النبأ العظيم ، ص:24.
(190) دين الإسلام ، للايتنر ، ترجمة عبدالوهاب سليم (ص:132) ، المكتبة السلفية ، دمشق، 1423هـ.، وذكر أن لايتنر هو باحث انجليزي حصل على أكثر من شهادة دكتوراة في الشريعة والفلسفة واللاهوت ، زار الأستانة عام 1854م.
(191) متفق عليه (البخاري: كتاب تفسير القرآن ، باب قوله استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ، رقم :4393، ومسلم :كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل عمر ، رقم : 2400).
(192) النبأ العظيم ،ص:28-30.
(193) شبهات حول القرآن وتفنيدها ، د.غازي عناية، (ص:21).
(194) أخرجه الترمذي (كتاب تفسير القرآن ، باب من سورة الأنعام ، رقم:3064) من طريقين مرفوعا عن علي رضي الله عنه ومرسلا عن ناجية بن كعب ، ويتقوى بعضها ببعض لاسيما أن السيوطي في الدر المنثور (3/264) ذكر أن عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه أخرجوه عن أبي ميسرة.
(195) آراء المستشرقين لرضوان (1/388).
(196) قال السيوطي في الدر المنثور (5/357): أخرج ابن اسحاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل.
(197) متفق عليه عن عائشة (البخاري:كتاب الشهادات ، باب تعديل النساء بعضهن بعضا ، رقم :2518، ومسلم : كتاب التوبة ، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، رقم :2770).
(198) النبأ العظيم ، ص: 20).
(199) المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن، للحكيم (ص:56).
(200) متفق عليه (البخاري: كتاب الصلاة ، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، رقم :399،ومسلم :كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة ، رقم :525).
(201) أخرجه مسلم (كتاب الإيمان ، باب بيان أنه سبحانه لا يكلف إلا الوسع، رقم :125).
(202) أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب ، رقم :2583.
(203) النبأ العظيم ، ص:30-34.
(204) تقدمت ترجمتها ص 187 .
(205) قالوا عن الإسلام(ص55)
(206) المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن ، للحكيم (ص:52).
(207) النبأ العظيم ، ص : 34
(208) انظر القرآن والمستشرقون لنقرة (ص:28).
(209) انظر كتاب رؤية إسلامية للإستشراق ، لأحمد غراب ،ص:15، وانظر :القرآن والمستشرقون لنقرة (ص:29).
(210) متفق عليه (البخاري: كتاب بدء الوحي ،باب بدء الوحي ، رقم :4، ومسلم :كتاب الإيمان ، باب بدء الوحي إلى رسول الله ،رقم : 160).
(211) المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن، للحكيم (ص:54).
(212) انظر فتح الباري (1/30) فقد ذكر أن عند البيهقي حديث ( وإن كان ليوحى إليه وهو على ناقته فيضرب حزامها الأرض من يقل ما يوحى إليه).
(213) متفق عليه (البخاري: كتاب فضائل القرآن ، باب :كيف نزل الوحي ، رقم:4982، ومسلم :كتاب التفسير،باب،رقم:3016).
(214) البخاري: كتاب الهدية وفضلها والتحريض عليها، باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه،رقم:2581.
(215) أخرجه مسلم :كتاب الصلاة، باب حجة من قال البسملة آية من كل سورة، رقم :400.
(216) البخاري : كتاب بدأ الخلق ،باب ذكر الملائكة، رقم:3218.
(217) متفق عليه (البخاري : كتاب تفسير القرآن،باب (ما ودعك ربك وماقلى، رقم:4950، ومسلم:كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم :1797)، وأحمد (رقم:18329) واللفظ لأحمد.
(218) دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية (ص:16).
(219) دائرة المعارف الإسلامية الإستشراقية ص : 27.
(220) مستشرق مجري يهودي مشهور (1850-1921) اعتنى بالعلوم الدينية الإسلامية عناية خاصة وألف في هذا المجال عدة كتب منها:الظاهرية مذهبهم وتاريخهم ، دراسات إسلامية ، محاضرات في الإسلام ، اتجاهات تفسير القرآن عن المسلمين ، أقام في القاهرة فترة ، وفي أثناء هذه الفترة استطاع أن يختلف إلى بعض الدروس في الأزهر ، وكان ذلك بالنسبة إلى أمثاله امتيازا كبيرا ورعاية عظيمة ، اغتر به الكثير لسعة اطلاعه وإنصافه في بعض الأحيان ، ولكنه كان يدس السم في العسل ، فلا تجد طعنا من الطعون إلا وله فيه نصيب.انظر : ( موسوعة المستشرقين للدكتور عبدالرحمن بدوي ، ص : 197-203) بتصرف وزيادة.
(221) العقيدة والشريعة في الإسلام لجولدتسيهر ص:12، عن كتاب القرآن الكريم في مواجهة الماديين الملحدين ، للدكتور أحمد الشاعر(ص:93)دار القلم ، الكويت،ط2،1982، وانظر القرآن والمستشرقون ، لنقرة(ص:31).
(222) رد افتراءات المبشرين على آيات القرآن الكريم ،للدكتور محمد جمعة عبدالله (ص:263) ، جامعة أم القرى، ط1،1985.
(223) في حرف الميم عند ذكر اسم (محمد) وقد حذفت هذه الصورة من الطبعات الجديدة للكتاب.
(224) ريجي بلاشير(1900-1973)ولد في باريس ، وسافر مع أبويه إلى المغرب، وقضى دراسته الثانوية في مدرسة فرنسية في الدار البيضاء، وتولى عدة مناصب كان آخرها تعينه أستاذا للغة العربية الفصحى في المدرسة الوطنية للغات الشرقية في باريس من 1950إلى1970، ومن كتبه :تاريخ الأدب العربي منذ البداية حتى نهاية القرن الخامس عشر، وتوفي دون أن يتمه ، وترجمة القرآن إلى اللغة الفرنسية.(انظر : موسوعة المستشرقين، لعبدالرحمن بدوي ؛ ص : 127 بتصرف).
(225) القرآن والمستشرقون (ص:32).
(226) كليرنسدال : لم أجد له ترجمة , والظاهر أنه على قيد الحياة , له كتاب بعنوان مصادر الإسلام في 216 صفحة وستة فصول , وطبع في الهند . ( انظر : "آراء المستشرقين حول القرآن " عمر إبراهيم (1/125)
(227) القرآن والمستشرقون لنقرة ص:34.
(228) المرجع السابق ص:34.
(229) راجع ص السابقة .
(230) دراسات في تاريخ الإسلام ونظمه ، س. د. جوتين ، نقلا عن كتاب الوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده ، لمحمود ماضي ، (ص:147).
(231) المرجع السابق(ص:148).
(232) المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن ، لمحمد باقر الحكيم (ص:43).
(233) أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة (8729)، رواه الإمام مالك في الموطأ بلاغا من غير إسناد (كتاب الجامع ، باب ما جاء في حسن الخلق)بلفظ (بعثت لأتمم حسن الخلق )، وأخرجه البزار بلفظ (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)(انظر فتح الباري (6/665).
(234) المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن ، للحكيم (ص:61).
(235) المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن (ص:46).
(236) المرجع السابق (ص:47).
(237) الوحي القرآني من المنظور الاستشراقي ونقده ، لماضى (ص:148)، الجواب الصحيح لابن تيمية (3/25)،(4/57).
(238) الوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده ، لماضي (ص:148).
(239) انظر القرآن والمستشرقون ، لنقرة ،ص:35.
(240) تقدمت ترجمته ص :211 .
(241) الوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده ، لماضي (ص:149).
(242) المرجع السابق.
(243) متفق عليه ( البخاري : كتاب بدء الوحي , باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ( رقم : 3 ومسلم : كتاب الإيمان , باب ب بدء الوحي إلى رسول الله رقم : 160 ).
(244) القرآن والمستشرقون ، لنقرة (ص:33).
(245) إسلاميات ، لعباس محمود العقاد ص:51-53، مصر ، دار الشعب، وانظر كتاب قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية (نقد مطاعن ، ورد شبهات)، د.فضل حسن عباس، (ص:46)، دار البشير ، الأردن، ط2،1989.
(246) الأعلام للزركلي (2/23).
(247) المرجع السابق .
(248) متفق عليه : ( البخاري : كتاب الصلاة ، باب ما جاء في القبلة ومن لم ير الإعادة ، رقم : 394، ومسلم :كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل عمر ، رقم : 2399).
(249)وفي مجلة البيان - العدد 159،لشهر فبراير 2001- مقال بعنوان (الليبرالية العربية وهدم النص والسقوط في التبعية) لمحمود سلطان ، أصل هذا المنهج وعرف بأشهر رموزه - أمثال شبلي شميل وفرح أنطون وسلامة موسى وأحمد لطفي السيد وإسماعيل مظهر وأدونيس وفرج فودة وهشام الترابي ، وعلي عبدالرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم وطه حسين- .
(250) انظر : الملل والنحل للشهرستاني (ص:56) ، بيروت ، دار المعرفة، ط7،1998، والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (1/73) ، نشر الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الرياض، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر،ط3،1418.
(251) انظر كتاب: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، للشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، القاهرة، دار الحرمين، ط4،1989.
(252) انظر كتاب Sadأصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، عرض ونقد)،د. ناصر بن عبدالله القفاري، القاهرة ، دار الحرمين للطباعة، ط2،1994.
(253)انظر : رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد (ص:15)،دار ابن خزيمة ،الرياض، الطبعة الأولى 2002، والموسوعة الميسرة (1/40) ،وغيره من كتب العقيدة وأصول الفقه.
(254) أخرجه الترمذي (كتاب التفسير ، باب سورة التوبة ، رقم :3095) وحسنه الألباني (صحيح الترمذي (3/56) رقم :2471).
(255)انظر :أضواء البيان للشنقيطي (4/91)،مكتبة ابن تيمية ، القاهرة، 1988.
(256)انظر: تفسير القرطبي (16/7).
(257)انظر: تفسير القاسمي (4/636).
(258)انظر تفسير ابن كثير (3/298).




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:56
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

زعم عدم حفظه (النص القرآني)
المطلب الأول : شبهة أنه ليس هو القرآن الذي أنزل:

ثانيا: الرد على هذه الشبهة:
1- دعوى أن القرآن تبدل كله لها اتصال وثيق بالشبهة التي تليها , ولكنها زادت في المبالغة والسذاجة حتى ادعت بأن القرآن كله قد تغير ، مخالفين بذلك الإجماع التاريخي على حفظ القرآن منذ عهد النبي ( إلى يومنا هذا،وإليك بعض النصوص من منصفيهم –لا من كتبنا- على أن القرآن الموجود بين أيدينا هو نفس القرآن الذي أنزل على النبي (؛ ولم يتغير منه حرف لا زيادة ولا نقصا .
ويقول موير(259) : ( إن المصحف الذي جمعه عثمان قد تواتر انتقاله من يد ليد حتى وصل إلينا بدون أي تحريف ، ولقد حُفِظَ بعناية شديدة بحيث لم يطرأ عليه أي تغيير يذكر , بل نستطيع
أن نقول : إنه لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق في النسخ التي لا حصر لها , والمتداولة في البلاد الإسلامية الواسعة؛ فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة ، وهذا الاستعمال الإجماعي لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم , يعد أكبر حجة ودليل على صحة النص المنزل الموجود معنا , والذي يرجع إلى الخليفة المكروب عثمان )(260).
ويقول بلاشير(261) : ( إن الفضل بعد الله يعود إلى الخليفة عثمان بن عفان ؛ لإسهامه قبل سنة 655م في إبعاد المخاطر الناشئة عن وجود نسخ عديدة من القرآن ، وإليه وحده يدين المسلمون بفضل تثبيت نص كتابهم المنزل ، على مدى الأجيال القادمة)(262).
2- هذه الشبهة الرد عليها متفرع من الرد على الشبه السابقة ، فإن كان المخالف قد أقر بأن هذا القرآن ليس من النبي ( ولا نقله من غيره ، بل هو من الله تعالى ؛ فإن الله قال في هذا الكتاب: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ( [الحجر:9] ، فبما أن الله تكفل بحفظه ، إذن لا يوجد مجال للطعن في بقائه ؛ لأن هذا تكذيب لله تعالى .
3-يكفي في الرد على هذه الدعوى العارية عن مستند أن نطالبهم بالدليل ،( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ( [البقرة::111] .
فالدعاوى إن لم تقم عليها بينات أصحابها أدعياء
4- نرد عليهم بالواقع ؛ فإن الواقع يُثْبِتُ إن القرآن لم يتغير منه شيء ، فالتفاسير القديمة والكتب المؤلفة في الصدر الأول ، والآثار المنقولة عن التابعين والصحابة ,والأحاديث المرفوعة للنبي ( لم نجد فيها حرفا يغاير ما هو بين أيدينا الآن ،بل يذكر فيها القرآن بنصه وحروفه وترتيبه، وكل من قام بمحاولة لتحريفه أو تغييره فُضِحَ وكُشِفَ وباءت حيلُه بالفشل .
5-أجمع العلماء على أن ما بين دفتي المصحف هو كتاب الله الذي أنزل ، وليس فيه نقص ولا زيادة(263)، ولم تعتن أمة من الأمم بكتاب كاعتناء أمة الإسلام بكتاب الله (القرآن) ، فقد ألفت حوله من الكتب ما لا يحصى كثرة ؛ في تفسيره وضبط حروفه وعلومه, وتفنيد الشبهات حوله, وقراءاته, وتجويده, وإعجازه, وبلاغته, وإعرابه ,ورسمه ,وأعداد كلماته, وحروفه ، وغير ذلك264.
6- من الأدلة على سلامة نقله وحفظه من النقص ، أن النبي ( لم يكتم أي شيء حتى ما كان فيها معاتبة شديدة له ؛ مثل قوله سبحانه: ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ... ( [الأحزاب:37] .
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ :جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو, فَجَعَلَ النَّبِيُّ ( يَقُولُ :« اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ » . قَالَ أَنَسٌ : لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ ، قَالَ : فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ( تَقُولُ :زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ )(265).
7-أما كلام جولد تسيهر ؛ فإننا نتساءل هل رأى جولد تسيهر كتب الشرائع السابقة في نصوصها الأصلية حتى تصح المقارنة والحكم؟.
وقد قال هو حين عرض للكلام عن حديث نزول القرآن على سبعة أحرف: (إن التلمود يقول بنزول التوراة بلغات كثيرة في وقت واحد)(266) .
هذا وقال آرثر جفري(267) في تقديمه لكتاب المصاحف لأبي داود: (إن تاريخ التوراة والإنجيل , وصحة نسبتهما وحرفيتهما , أبعد ما يكون عن الصحة والوثوق)(268).
-المطلب الثالث: النسخ في القرآن:

النسخ له حِكَم كثيرة منها(269):
1-التدرج في الأحكام على الأمة حتى لا تنفر ويسهل عليها تقبله ، كما حصل في الخمر فقد تدرج القرآن فيه على مراحل ؛ أولاها: الإشارة إلى أنه ليس من الرزق الحسن ، كما في قوله تعالى (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا...)[النحل:67]، والواو تقتضي المغايرة ، ثم بيان أن فيه ضررا وشرا كبيرا من غير التعرض لمنعه كما في قوله تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس وأثمهما أكبر من نفعهما..)[البقرة:219 ] ، ثم تحريمه في أوقات الصلاة كما في قوله سبحانه (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ..)[النساء:43].
ثم تحريمه تحريما تاما في كل الأوقات في سورة المائدة -التي هي من أواخر السور نزولا- في قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ…)[المائدة:90].
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ :اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ ،فَنَزَلَتْ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ...الْآيَةَ )،فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ،فَقَالَ :اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ ، فَنَزَلَتْ الَّتِي فِي النِّسَاءِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى )فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ،ثُمَّ قَالَ :اللَّهُمَّ بَيِّنَ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ ،فَنَزَلَتْ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ...إِلَى قَوْلِهِ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ )فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ :انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا )(270).
ومثل الخمر في هذا الميسر و الفاحشة .
عن يُوسُفُ بْنُ مَاهَكٍ قَالَ :إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ :أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ قَالَتْ :وَيْحَكَ وَمَا يَضُرُّكَ قَالَ :يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ قَالَتْ :لِمَ قَالَ :لَعَلِّي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ قَالَتْ :وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا .
لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ ( وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ (بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )[القمر:46] وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ ،قَالَ :فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ)(271).
2-استخدام هذا الأسلوب في الدعوة ، فالداعي يبدأ مع المدعو بالتدرج وتعليقه بالدار الآخرة وزرع الإيمان في قلبه ، ثم يخبره بأحكام الإسلام شيئا فشيئا.
3- بيان رحمة الله بهذه الأمة ؛ فهو سبحانه يراعي أحوال الناس وعاداتهم ويتدرج معهم رحمة بهم حتى لا ينفروا من الإسلام ، بل يحببهم به حتى يكونوا من أهله .
4-فيه دلالة على بعض صفات الله كالعلم فهو سبحانه عالم بأحوال الناس جملة وتفصيلا ، وعالم بما يصلحهم وينفعهم والطريقة التي تصلح لهم، وفيه دلالة على صفة الحكمة والرحمة كما تقدم.
5-من الحكم التذكير بنعمة الله لاسيما في بعض أنواع النسخ الذي يكون فيها النسخ من أثقل إلى أسهل كما هو الحال في عدة المتوفاة عنها زوجها وغير ذلك .
6-ابتلاء المكلف واختباره بالامتثال وعدمه.
7-إرادة الخير بهذه الأمة، فإن النسخ إن كان إلى ما هو أخف ففيه سهولة ويسر، وإن كان إلى ما هو أثقل ففيه زيادة الثواب والأجر.
لهذا كان النسخ من محاسن القرآن لا من مطاعنه .
و قبل أن ندخل في الرد على الطعون التفصيلية لابد من ذكر بعض القواعد المهمة في هذا الباب، فمن ذلك :
1-النسخ يكون في الأحكام ولا يكون في الأخبار –كما توهم بعض المستشرقين(272)-، فجميع أخبار القرآن –من قصص السابقين وأمور الغيب وأحوال البرزخ وما يحصل في اليوم الآخر- لا يدخله النسخ أبدا ،لأن نسخ الخبر يلزم تكذيب أحدهما ، وهذا لا يكون في كتاب الله(273) .
2-النسخ إنما كان في زمن النبي ( ، وأما بعد وفاة النبي ( فإن القرآن لا ينسخ ولا يتغير ولا يتبدل ، بل هو محفوظ بحفظ الله تعالى له (أنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون)[الحجر:9]، فلا يرجع في النسخ إلا لنقل صريح عن رسول الله ( أو عن صحابي يقول : آية كذا نسخ كذا ، مما له حكم الرفع(274).
3-أقوال الأديان الثلاثة في النسخ:
(1-جائز عقلا وواقع سمعا، وعليه إجماع المسلمين ، من قبل أن يظهر أبو مسلم الأصفهاني ومن شايعه، وعليه أيضا إجماع النصاري، ولكن من قبل هذا العصر الذي خرقوا فيه إجماعهم ، وركبوا رؤوسهم وهو كذلك رأي العيسوية، وهو طائفة من طوائف اليهود الثلاث.
2-أن النسخ ممتنع عقلا وسمعا ، وإليه جنح النصارى جميعا في هذا العصر ، وتشيعوا له تشيعا ظهر في حملاتهم المتكررة على الإسلام ، وفي طعنهم على هذا الدين القويم من هذا الطريق –طريق النسخ-، وبهذه الفرية –أيضا- يقول الشمعونية ، وهم الطائفة الثانية من اليهود.
3-أن النسخ جائز عقلا ممتنع سمعا ، وبه تقول العنانية وهي الطائفة الثالثة من اليهود، ويعزى هذا الرأي إلى أبي مسلم الأصفهاني من المسلمين ، ولكن على اضطراب في النقل عنه، وعلى تأويل يجعل خلافه لجمهرة المسلمين شبيها بالخلاف اللفظي إلا يكنه)(275).
وأما الطعون في هذا الباب فهي كالتالي :
-ذهب بعض المستشرقين إلى أن النسخ يدل على وجود التحريف والتبديل في القرآن وأنه لم يحفظ(276) ، بل حصل فيه كثير من التغيير ، فقد ثبت أن كثير من الآيات المنسوخة كانت تتلى بعد الرسول ( ، مثل حديث عَائِشَةَ قَالَتْ :كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ( وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ)(277).
وبعضهم يرى أن النسخ حيلة ابتدعها المسلمون للخروج من مأزق التناقض بين الآيات(278) مثل آيات عدة المتوفاة وآيات المصابرة وآيات القبلة .

أولا :الردود:
1-النسخ موجود في الشرائع السابقة ؛فمن طعن في القرآن من هذا الباب فهو يطعن في جميع الشرائع المنزلة ،
(فقد نسخت التوراة إباحة تزوج الأخوة والأخوات كما كان في عهد آدم عليه السلام ، ونصها في سفر اللاويين الإصحاح الثامن عشر "عورة أختك بنت أبيك أو بنت أمك المولودة في البيت أو المولودة خارجا لا تكشف عورتها".
ونسخ إباحة الجمع بين الأختين كما كان ذلك في عهد يعقوب عليه السلام فإنه كان يجمع بين ليا وراحيل ابنتي خاله، وقصته مذكورة في سفر التكوين الإصحاح التاسع والعشرين ، ودليل النسخ ما جاء في سفر اللاويين الإصحاح الثامن عشر "ولا تأخذ امرأة على أختها للضر لتكشف عورتها معها في حياتها".
ونسخت إباحة أكل جميع الحيوانات كما كان في عهد نوح عليه السلام ففي سفر التكوين الإصحاح التاسع خطابا لنوح ونبيه "كل دابة حية تكون لكم طعاما كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع "، ودليل النسخ ما جاء في سفر اللاويين ، الإصحاح الحادي عشر من تحريم الجمل والأرنب والخنزير وغير ذلك ، فهذا قليل من كثير مما نسخته التوراة من أحكام الشرائع السابقة.
وأما الإنجيل فقد نسخ إباحة الطلاق كما كان ذلك في الشريعة الموسوية بأي سبب كان زنا أو غيره، وإباحة تزوج المطلقة، ففي سفر التثنية الإصحاح الرابع والعشرين "إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء كتب لها كتاب الطلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته ، ومتى خرجت ذهبت وصارت لرجل آخر" ؛فحرم الإنجيل الطلاق إلا بعلة الزنا ، وحرم تزوج المطلقة ، ونص متى في ذلك الإصحاح الخامس "وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب الطلاق ، وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني ، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني " .
ونسخ حرمة أكل الحيوانات التي كانت محرمة في شريعة موسى ، وتقدمت الإشارة إلى بعضها …)(279) إلى أخر تلك النصوص .
2-أن النسخ من محاسن القرآن لا من مساوئه كما تقدم في ذكر طرف من هذه الحكم، وأكثر ما يدندن عليه الطاعنون هو نسخ الحكم وبقاء التلاوة أو العكس وهي قضية نسخ التلاوة وبقاء الحكم ،فيقولون: ما فائدة بقاء الآية إذا ذهب حكمها ونسخ، وكيف يقال إن هذه الآية نسخت وحكمها باق ،ولم يعلموا أن لهذا حكما كثيرة ،فمن حكم نسخ الحكم وبقاء التلاوة :
أ- التذكير بنعمة الله تعالى حيث إن غالب الآيات المنسوخة الحكم لا التلاوة فيها تخفيف على الأمة(280) مثل نسخ عدة المتوفاة من سنة إلى أربعة أشهر وعشرا ، وفي الصحيحين قَالَتْ زَيْنَبُ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ :جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( :لَا ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ،كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ :لَا ،ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( : (إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ) قَالَ حُمَيْدٌ :فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ :وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ ؟فَقَالَتْ زَيْنَبُ :كَانَتْ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِي ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ ، سُئِلَ مَالِكٌ مَا تَفْتَضُّ بِهِ قَالَ تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا)(281).
ب- أن نسخ حكم الآية التكليفي لا يبطل كل الأحكام المتعلقة بالآية مثل الأجر لمن قرأها ، فقارئها له ثواب التلاوة ، وكذلك الاستفادة من الآية في الأحكام البلاغية والنحوية والتجويدية ، ومن قيام معجزات بيانية أو علمية أو سياسية فيها(282).
3-أن العقل لا يمنع أن يقول الملك لرعيته : افعلوا كذا ، وهو يقصد أن يهيئهم لأمر آخر، فإذا تهيئوا قال: افعلوا كذا، وكما يقول الطبيب لمدمن التدخين مثلا : قلل من شرب الدخان ، فإذا تجاوز هذه المرحلة قال له : اقطع التدخين.
4-وأما حديث عائشة في مسلم (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن…) فأجيب عنه أن مقصود عائشة هو تأخر النسخ قبيل وفاة النبي ( حتى إن بعض الصحابة لم يعلم بالنسخ فكان يقرأ بها بعد وفاة النبي ( (283) وهذا هو المتبادر للذهن .
قال النووي رحمه الله : (وَقَوْلهَا : ( فَتُوُفِّيَ رَسُول اللَّه ( وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأ ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاء مِنْ ( يَقْرَأ ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّسْخ بِخَمْس رَضَعَاتٍ تَأَخَّر إِنْزَالُهُ جِدًا حَتَى أَنْهُ ( تُوفِي وَبَعْض النَّاس يَقْرَأ خَمْس رَضَعَات وَيَجْعَلهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغهُ النَّسْخ لِقُرْبِ عَهْده فَلَمَّا بَلَغَهُمْ النَّسْخ بَعْد ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى .
وَالنَّسْخ ثَلَاثَة أَنْوَاع أَحَدهَا مَا نُسِخَ حُكْمه وَتِلَاوَته كَعَشْرِ رَضَعَات , وَالثَّانِي مَا نُسِخَتْ تِلَاوَته دُون حُكْمه كَخَمْسِ رَضَعَات وَالشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا , وَالثَّالِث مَا نُسِخَ حُكْمه وَبَقِيَتْ تِلَاوَته وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَر وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى Sad وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّة لِأَزْوَاجِهِمْ ( الْآيَة وَاَللَّه أَعْلَم)(284).
وأما نسخ التلاوة وبقاء الحكم فله حكم كثيرة منها(285) :
1-الابتلاء لمعرفة كمال اتباع الناس للنصوص ، فالمؤمن كامل الإيمان يسلم ، والمنافق يجادل ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :جَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ يوم الجمعة فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ :أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا فَلَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ؛ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا ( بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ( وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ ...)(286).
- وأما دعوى أن النسخ ابتدعه المسلمون للخروج من مأزق التناقض في الآيات فهذا كلام باطل لوجوه:
1-النسخ كان في زمن النبي ( وليس مبتدعا بعده، وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يأذنون لأحد بالفتوى حتى يتعلم الناسخ والمنسوخ(287) .
2-بل إن النسخ موجود في كل الشرائع كما تقدم.
3-أن بعض الآيات تدل هي ذاتها على النسخ من غير تدخل من أحد مثل قوله تعالى في آيات المصابرة (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ..)[الأنفال:66].
4-أن الآيات المنسوخة قد تم الإجماع على نسخها والأمة لا تجتمع على ضلالة .



(259) ليوأري موير ( 1895 – 1959 ) : ولد في بولندا , علام بولندا , عالم بالآثار الإسلامية , يهودي , هاجر إلي فلسطين عام ( 1921 ) ومات فيها , و تقلب في الجامعة العبرية بين مناصب كثيرة من مدرس في معهد الدراسات الشرقية ثم عميد المعهد ثم مدير للجامعة , وله مؤلفات كثيرة ، انظر : "موسوعة المستشرقين " : ص 539 .
(260) مدخل إلى القرآن الكريم، للدكتور محمد عبدالله دراز ،(ص:40)، دار القلم ، الكويت ،1993.
(261) تقدمت ترجمته ص ( 9 ) .
(262) تاريخ الأدب العربي لبلاشير (2/22) عن كتاب قالوا عن الإسلام (ص:52).
(263) انظر : شبهات حول القرآن (ص:49)
264 انظر : مدخل إلى علم التفسير،أ.د. محمد بلتاجي (ص:7).
(265) أخرجه البخاري (كتاب التوحيد،باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم ،رقم: 6984).
(266) القرآن والمستشرقون , لنقرة ص:40.
(267) آثر جفري : مستشرق استرالي عُين أستاذاً في الجامعة الأمريكية في بيروت , ثم أستاذاً في جامعة كولومبيا , ثم أستاذاً للغات السامية في مدرسة اللغات الشرقية في القاهرة , له عدة مؤلفات منها تحقيق كتاب المصاحف لأبي داود , المفردات الأجنبية في القرآن , وغيرها ( آراء المستشرق حول القرآن , د . نمر رضوان ( 1/143 ) .
(268) المرجع السابق.
(269) انظر : آراء المستشرقين حول القرآن، لرضوان ،(2/630)، ومناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني (2/152) ، ومباحث في علوم القرآن للقطان ص:246، وغير ذلك.
(270) أخرجه الترمذي (كتاب تفسير القرآن، باب من سورة المائدة ، رقم :3049) والنسائي (كتاب الأشربة ، باب تحريم الخمر، رقم :5540)، وأبو داود (كتاب الأشربة ، باب في تحريم الخمر ، رقم :3670) وصحح إسناده الألباني (انظر: صحيح سنن النسائي (3/1126).
(271) أخرجه البخاري ( كتاب فضائل القرآن ، باب تأليف القرآن ، رقم :4707).
(272) انظر :آراء المستشرقين حول القرآن االكريم وتفسيره لرضوان (2/630).
(273) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (3/61).
(274) انظر الإتقان للسيوطي (3/71).
(275) مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني (2/147)، دار الكتاب العربي ، بيروت ،الطبعة الأولي، 1995.
(276) انظر : مناهل العرفان للزرقاني (2/136)، الرد الجميل على المشككين في الإسلام ، عبدالمجيد صبح ، (ص:80)،دار المنارة للنشر والتوزيع،المنصورة،الطبعة الأولى 2001.
(277) أخرجه مسلم (كتاب الرضاع ، باب التحريم بخمس رضعات، رقم :1452).
(278) انظر : آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره ، لعمر رضوان (ص:628).
(279) فضيحة المبشرين في احتجاجهم بالقرآن المبين ،لعبدالله كنون الحسني،(ص:5-6) ، مطبعة رابطة العالم الإسلامي ،مكة المكرمة ، 1982، وانظر : مناهل العرفان (2/150)
(280) الإتقان للسيوطي (3/69).
(281) متفق عليه (البخاري: كتاب الطلاق، باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهرا وعشرا، رقم:5024، ومسلم:كتاب الطلاق،باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة ،رقم :1489).
(282) انظر مناهل العرفان (2/153)
(283) الإتقان لليسوطي (3/63).
(284) شرح مسلم للنووي (10/29) ، دار الفكر ،
(285) انظر : مباحث في علوم القرآن (ص:246)،والإتقان في علوم القرآن (3/72) ، ومناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني (2/152).
(286) أخرجه البخاري (كتاب الحدود ، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت ، رقم :6442).
(287) انظر مناهل العرفان (2/136)، الإتقان في علوم القرآن(3/58).




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:57
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

اتهام القرآن بالتناقض
المطلب الأول : هل في القرآن تناقض حقيقي؟.

- أسباب وقوع التناقض من الشخص الواحد هي:
إما لقلة العلم, أو بسبب النسيان, أو اختلاف النفسية ,والطباع ,أو اختلاف الاجتهاد, أو الابتعاد عن الحق, أو للمصلحة الشخصية(288) ؛ وكل هذه الأسباب منتفية عنه تعالى: ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( [النساء : 82]
وأما ادعاء معارضة القرآن للحقائق سواء كانت, شرعية, أو طبيعية, أو تاريخية ، فإن سبب هذا الزعم, وقوع هؤلاء على بعض الإشارات التي فهموا منها أن هناك تعارضا, فتمسكوا بها وبدأوا يجمعون كلام كل متردية ونطيحة ,للنفخ في هذه الشبهة حتى يتم لديهم هذا الاتهام للقرآن بالتعارض مع الحقائق ، وما علم هؤلاء أن الذي خلق الطبيعة وأنزل القرآن واحد وهو الله تعالى ، وأن منـزل القرآن والشريعة واحد وهو الله تعالى ، وأن كل الحقائق التاريخية التي حصلت لنا وعرفناها عن طريق الكتب المتوارثة غابرا عن غابر, قد رآها الله تعالى معاينة وشاهدها حقيقة, ولم تنقل له كما هو الحال فينا عن طريق كتب .
إذن فقضية التعارض سواء كانت في الحقائق الشرعية ,أو الكونية, أو التاريخية أمر لا يمكن تصوره عقلا, وغير واقع أصلا ، وكل ما ادعوا أنه متعارض قد تم الإجابة عليه.
وقد تقدم معنا في مبحث أسباب وقوع الإشكال كلاما نفيسا للإمام الزركشي والإمام الراغب الأصفهاني, في بيان وجه كل ما قيل أن فيه تناقضا .

ومن الطعون التي ذكروها كالتالي :
1-في سورة يونس Sad وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ... ( [يونس:15] , وفي سورة النحل : ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ قل نزله روح القدس من ربك بالحق ( [النحل:101].
ففي الآية الأولى طُلب منه التبديل فرفض , والآية الثانية تم التبديل(289) .
والجواب: أن التبديل في الآية الأولىكان بطلبٍ من الكفار لرسوله ( أن يأتي بقرآن جديد أو يبدل هذا القرآن ورسول الله ( يقول لا أستطيع ، فذلك كلام الله ينسخ منه سبحانه ما يشاء ويثبت ما يشاء ، وأنا أتبع ما يوحى إليَّ نسخا أو إثباتا .
والآية الثانية تذكر أن الله سبحانه إذا نسخ حكما بحكم قال الكفار لمحمد : أنت مفتر في هذا القرآن؛ لأنك غيرت حكماً قررته من قبل ، ثم تقرر الآية التالية أن ذلك من الله تعالى ، نزله الله بواسطة جبريل روح القدس ،ومحمد لا يغير .
فأي تناقض بين الآيتين ! كلتاهما تثبت أن القرآن من عند الله, وأن محمداً ( لا يستطيع أن يغير منه شيئاً .
2- الآية 106من سورة البقرة تُناقِضُ الآية 27 من سورة الكهف ، والآية في سورة البقرة هي : ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ( [البقرة:106]والآية في سورة الكهف Sad واتل ما أُيوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته.. ( [الكهف:27].
فالآية الثانية تخبر أن كلمات الله لا تبدل ،والأولى تخبر أنها تنسخ وتنسى،والنسخ نوع تبديل.
الجواب :
الآية الأولى تتحدث عن نسخ الأحكام وتغيير حكم بآخر ، وهذا أمر لا بد منه في حال أمة جاهلية نقلها الإسلام تدريجيا إلى حال جديدة متكاملة ، والآية الثانية تذكر أنه لا أحد غير الله يستطيع أن يبدل كلماته ، أو يرد حكما أنزله سبحانه ، والطاعنون لم يفهموا النص فظنوه تناقضا ، وكلتا الآيتين توضح أن الله وحده يمحو ما يشاء ويثبت ، تماما كالآية السابقة قلتُ: التبديل يطلق على تبديل الأحكام ,وهذا سائغ ، ويطلق على تبديل الأخبار, وهذا الذي لا يمكن في القرآن ، فكل آية لها مورد، فالنسخ والتبديل يكونان في الأحكام لا الأخبار.
3- الآية 9 من سورة الحجر تناقض الآية 39 من سورة الرعد:
وآية الحجر هي Sad إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ( [الحجر:9] ، وآية الرعد هي : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.. ( [الرعد:39]،يعني كيف يجتمع الحفظ مع المحو ؟.
الجواب : آية الحجر تصف القرآن أنه تنـزيل من الله تعالى, وأن الله حافظه من الزوال والتحريف ، وصدق الله وصدق قرآنه ، فالمسلمون بعد أربعة عشر قرنا يقرأون القرآن غضا طريا صريحا صحيحا كما أنزله الله تعالى ، وكما قرأه محمد ( على أصحابه
وأما آية الرعد تذكر أن الله يمحو أحكاما ويثبت أخرى ، ويمحو مقادير ويثبت غيرها، أفي هذا تضارب ؟
وآية الرعد ليست في القرآن, بل المراد منها الصحف التي بيد الملائكة التي فيها مقادير الخلق ، فإن الله تعالى يغيرها حسب مشيئته وحكمته ،واختلف العلماء في ذلك ولكن كل الخلاف دائر في باب القدر(290)
ولو سلمنا أن آية الرعد في القرآن ، فإن المقصود بالمحو والإثبات هو في وقت حياة النبي ( , وأما بعد اكتمال القرآن وموت النبي ( ,فإن الله يحفظ القرآن ويصونه.
4- السجدة آية 5 - تناقض المعارج آية (4 ):
وآية السجدة هي Sad يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ( [السجدة:4]،وآية المعارج هي Sad تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ( [المعارج:4]،يعني أن ألف سنة في الآية تناقض خمسين ألف سنة في الآية الأخرى .
الجواب :
إن الآيتين ليستا على مورد واحد ، بل الأولى تتحدث عن أمر لا تتحدث عنه الأخرى، فالآية الأولى تتحدث عن مدة يوم معراج الأوامر ومدته ألف سنة(291) ، والثانية تتحدث عن يوم القيامة ومدته خمسين ألف سنة ،كما هو ظاهر من السياقSad سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ(*)لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ(*)مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ(*)تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ(*)فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا(*)إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا(*)وَنَرَاهُ قَرِيبًا(*)يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ(*)وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ(*)وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا([المعارج:1-10]،وهو القول الراجح فقد ذكر ابن كثير أربعة أقوال في المراد من اليوم ومال إلى أن المراد به يوم القيامة(292)
وهو الراجح بدليل ما أخرجه مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( :« مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ, فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ, فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ ,كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ, فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ... » (293) .
وقد ذكر العلماء أجوبة كثيرة وغالبها وجيه، وقد سُئل ابنُ عباس عن هذه الآية وأجاب عنها(294)، ومع هذا لا زال هذا الإشكال يكرر إلى يومنا هذا.
5- سورة البلد وسورة والتين :
سورة البلد جاء فيها Sad لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ( [البلد:1-2]، وسورة التين فيها : ( والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين ( [التين:1-3] ؛فكيف قال : لا أقسم بهذا البلد ثم أقسم به ؟.
الجواب : فَهِمَ القومُ -وهم كما يدل أسلوبهم وكتابتهم علماء جدا في اللغة - أن (لا) في (لا أقسم) نافية ، وهذا جهل بلغة العرب ، وإنما تأتي لا في القسم توكيدا
وهذا شائع في اللغة ، كما في قوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم .. ( أي أقسم بربك أنهم كذلك ،وكما قال النابغة :
فَلاَ وَحًقَّ الَّذِي مَسَّحْتً كَعْبَتَهُ وَمَا هُرِيقً عَلَى الأنْصَابِ مِنْ جَسَدِ
وقول الآخر :
فَــلاَ وَاللهِ لاَ يُلْقَى لمَــاِبى وَلاَ لمِّــا ِبهــمْ أبَــداً دَواءُ
وقول طرفه :
فَــلاَ وَأَبِيـكَ ابنة العامري لا يــدعي القــوم أني أفـر
وقال علماء اللغة :إن هذا القسم يفيد تعظيم المقسوم به ، كما في سورة البلد ، وكما في قوله تعالى : ( فلا اقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم أنه لقرآن كريم ( [الواقعة:75-77]، وكقوله Sad لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ( [القيامة:1-2]، فهذه كلها أقسام.
وليس هذا من دقائق اللغة وإنما هو من أولياتها ولكن القوم لا يعلمون .
وإذا اعتبرت (لا) نافيه والجملة خبرية فهي مقيدة ؛ أي لا أقسم به و أنت حل به ، ولكن أقسم به وأنت غير حل به ، فلا تناقض أيضاً .
6-قوله تعالى Sad قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون ( [الزمر:44]،مع قوله: ( مالكم من دونه من ولي ولا شفيع، أفلا تتذكرون ( [السجدة:4] وقوله: ( يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ( [يونس:3].
هذه الآيات متناقضة في رأي بعضهم.
الجواب : الآيات الثلاث تذكر أن الله وحده هو المتصرف في خلقه ،ولا يشفع عنده إلا من أذن له ، لله وحده الشفاعة ، لا شفيع من دونه ولا بغير إذنه .. فأي تناقض بين هذه الآيات ؟ أليست الشفاعة في هذا كله لله وحده ؟ أفلا تذكرون ؟.
قلت: نفى الله تعالى الشفاعة الشركية التي يعتقدها المشركون في معبوداتهم، وأثبتها له وحد، ولمن يأذن له فيها، فهو سبحانه ينفيها في حال ويثبتها في حال آخر.
7-في سورة الواقعة جاء مرة Sad ثلثة من الأولين وقليل من الآخرين ( [الواقعة:13-14] ،ثم جاء مرة أخرى( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ( [الواقعة:39-40].
فهذا تناقض عند بعضهم .
الجواب : والآية الأولى تتحدث عن السابقين المقربين ، والثانية تتحدث عن أصحاب اليمين ... استفيقوا أيها الناقدون .
8- الحجر: آية 85 Sad وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم ... (، تناقض بالتوبة :73 ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ... (.
ووجه التناقض فيما يرى القوم أن الآية الأولى أمرت بالصفح ,والثانية أمرت بالغلظة.
الجواب :
سورة الحجر مكية ، وفي مكة لم يكن أذن بالقتال ، والله تعالى يقول في آية الحجر أنه لم يخلق هذا الكون عبثا يفسد فيه من يفسد ويصلح من يصلح ، بل الله جامع الناس بعد ذلك وجاز كلا بما فعل ، فلا تحزن يا محمد لمخالفة القوم إياك ومعارضتهم دعوتك ، وغدا تقوم الساعة فيجزون بسوئهم وتجزى بإحسانك ، فأعرض عنهم حتى يأتي أمر الله.
وسورة التوبة مدنية ,وتسمى الفاضحة؛ لأنها فضحت المنافقين ، قد نزلت في حج أبي بكر بالناس ،وكان الجهاد قد شرع قبل ذلك ، ويسمى هذا العام عام الوفود؛ إذ أخذت قبائل العرب تتوافد على المدينة يدخلون في دين الله أفواجا ،ولم يبق بعدُ مسوغ لبقاء الكفار الذين يعبدون من دون الله أوثانا ، ولا لبقاء المنافقين الذين يفشون أسرار المسلمين ويخدعونهم, ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، فيجب جهادهم لقطع قوم عن الكفر وآخرين عن النفاق ,كي يعيش الناس في جو نظيف ,خال من فساد العقيدة وفساد الأخلاق !
فأين التناقض ؟
الناس جميعاً يفعلون هذا ، يقول قائد الفرقة لجيشه: لا تضربوا. وبعد مدة يقول: اضربوا . ويقول المهندس الزراعي لفلاحيه : لا تزرعوا الآن. بعد شهر يقول: ازرعوا ،وكُلَّ حِكْمَةْ .
قلتُ: ومن الأجوبة أن الآية الأولى المقصود بها حال الدعوة، والثانية حال الجهاد، فاختلف مورد كل آية ، كما أن الوالد في حال نجاح ابنه يفرح ويحسن إليه بهدية، وفي حال رسوبه يغضب ويعاقبه ، ولا يقال: إن هذا الوالد متناقض ؛لأنه مرة يفرح ومرة يغضب، ففرحه في مجال وغضبه في مجال آخر.
9- الأعراف أية 37: ( حتى إذا أدركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا(، وفي الأعراف آية 17 يقول الشيطان لله تعالى Sad ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (؛ هذا تناقض عظيم جدا عندهم، كبراء القوم أضلوهم ،والشيطان قال إنه يضلهم. فمن الذي يضل هل هو الشيطان أم الكبراء ؟.
الجواب : وهل من التناقض أن يُضَلَّلَ الشخص من كثيرين ؟ وأنتم أعضاء المجلس الملي ،وجماعة المدعين أضلكم الشيطان, وأضلكم رؤساؤكم وأضللتم أنفسكم ,وأضلكم جهلكم ، وأضلكم كتابكم ، ولا تناقض في شيء من هذا.
10-الآية 65 من سورة الأنفال , وهي , ( ياأيها النبيُّ حرض المؤمنين علي القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وأن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ( تناقص الآية 48 من سورة الأحزاب , وهي ( ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل علي الله وكفي بالله وكيلاً ( فزعموا أن هناك تضارباً بين الآيتين ؛ إذ الآية الأولى تطلب من النبي( تحريض المؤمنين وحثهم علي القتال , بل والتجلد لقتالهم فإن العشرين الصابرين منهم يقتلون مائتين , والمائة الصابرة يقتلون ألفاً من الذين كفروا , بينما الآية الثانية تطلب من النبي( ألا يطيع الكافرين والمنافقين , وأن يدع أذاهم لا يقابلهم مثله ويكفيه التوكل على الله , فهو حسبه وكفى بالله وكيلاً ,فكيف يأمره في الأولى لتحريض على قتالهم بهذا الجَلَد ,ويأمره في الثانية بترك آذاهم , فظنوا هذا تناقضاً , فطاروا به فرحاً , واتخذوه حجراً يقذفون به كتاب الله .
والجواب : ليس هناك أي تضارب , فالكافرون والمنافقون كانوا يؤذون رسول الله ( بألسنتهم وباختلاق أقوال عليه , فأمره الله بأن يدع أذاهم له , فهو سبحانه وتعالى يتولى رد كيدهم في نحرهم , ودحض افتراءاتهم على رسوله , فكفي بالله وكيلاً , فأمره في آية الأحزاب أن لا يقابل اللسان بالسنان , بينما أَمَرَه في شأن الكفار المحاربين أن يحرض المؤمنين على قتالهم , والتجلد لهم , فأمره الله سبحانه في آية الأنفال بمقابلة الَسَّنان بالسَّنان, فالحكمة تقتضي وضع السيف في موضعه واللين في موضعه , فلا تعارض إذن بين الآيتين.
وحتى مع التسليم بأن الأمر في سورة الأنفال يقابل الأمر في سورة الأحزاب , فإن هذا يناسب التدرج في تشريع القتال , علي حسب ما تقتضيه كل مرحلة من مراحل الدعوة من قوة وضعف, فلا تناقض.
11- الآية 20 من سورة آل عمران وهي Sad فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن ، وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ، فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد (،تناقض الآية 89 من سورة النساء وهي : ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ،ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ( .
ووجه التناقض - فيما يرون -أن الآية الأولى ذكرت أنه ليس على الرسول إلا البلاغ ، والآية الثانية أمرته بقتال المنافقين وجهادهم ، وبهذا نجد هؤلاء المساكين يدورون في حلقة مفرغة ، يعيدون ما قالوا ثم يكررونه .
الجواب : الآية الأولى -ومثلها كثير جدا -تقول لرسول الله ( :إنك لست مطالب بخلق الهداية في نفوسهم ، ولكن الله يهدي من يشاء ، وإنما عليك أن تبلغ رسالة الله ، فمن آمن بها وأسلم فقد اهتدى ، ومن تولى فحسابه على الله ،وحسبك أنك بلغت الرسالة ، ولست مكلفا بخلق الهداية .
والآية الثانية تتحدث عن المنافقين وموقفهم يشبه موقف ( المدعين ) والمجلس المِلَّيء المزعوم يتمنون أن يكفر المسلمين ككفرهم ، وقد نهى المسلمون أن يتخذوا منهم أصدقاء حتى يهاجروا في سبيل الله
ولا تعني الهجرة في هذا المقام الانتقال من مكة إلى المدينة ؛ إذ السورة مدنية والمنافقين كانوا بالمدينة ، ولكن المراد بالهجرة طاعة الله تعالى وترك المحرمات ، وهذا من معاني الهجرة, ومن معانيها أيضا الجهاد ، وكان جماعة من المنافقين بقيادة عبد الله بن أُبي رجعوا قبل المعركة يوم أحد .
والقرآن ينهى المسلمين عن اتخاذهم أصدقاء ؛ لأن ذلك تكريم لهم وإطلاع لهم على أسرار المسلمين ، ادّعوا الإسلام وأعرضوا عن الدفاع عنه ، وعاونوا أعداءه .
وليس في هذا خَلْقُ هداية في أنفسهم ،وإنما التخلص منهم ومن شرورهم ، والناس في كل أمة وفي كل عصر يقتلون الخونة .
فهل هذا تناقض ؟ .
قلتُ: إن البلاغ أنواع ، فبلاغ الكلمة وبلاغ المال وبلاغ الجهاد، فالجهاد إنما شرع لتبليغ دعوة الله إلى مشارق الأرض ومغاربها، حتى يصل الإسلام إلى جميع نواح المعمورة.
12- الآية 108 من سورة الأنعام تناقض الآية 4 من سورة محمد : وآية الأنعام هي ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم .. ( وآية سورة محمد هي : (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ،ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض ، والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ، سيهديهم ويصلح بالهم ( .
ولعل وجه التناقض فيما يرون أن الآية الأولى نهت المسلمين عن سب الأصنام التي يعبدها المشركين ، والآية الثانية حثتهم على الجهاد ! .
الجواب : القوم واهمون ومتحاملون ؛ فالآية الأولى مكية سَنَّتْ للمسلمين أدبا خُلقيا ، فنهتهم عن شتم الأصنام وهم يعلمون أنها لا تضر ولا تنفع ، ولكن لو سبوها لسب الكفار الإله الخالق سبحانه عدوانا وجهلا ؛ لأنهم لم يعرفوه ولم يعرفوا صفاته ، هذا أدب أخلاقي رفيع ، وها نحن نجري عليه ، فالجماعة (المدعون ) والمجلس الملي يسبون ويشتمون ويقذفون النبي الكريم بأشنع الألفاظ ، ونحن نلتزم المنطق ونغضي عن شتائمهم ، هذا لعلمنا أن الشتائم لا جدوى من ورائها ، وأن الشَّتَّام يحط دائما من قدر نفسه ، ولا ينال من قدر من شتمه شيئا .
والآية الرابعة من سورة محمد تبين جانبا من تعاليم الحرب ، فتعلم المسلمين أنهم إذا قابلوا الكفار في المعركة فعليهم أن يوقعوا بهم الضرب ،فإذا أثخنوهم قتالاً وهزموهم كان لهم بعد ذلك أن يمنوا على من يستحق المن, وأن يأخذوا الفدية ممن يستحق أن يفدى.
فليس في الآية إباحة لسب الأصنام ، والآيتان قي وقتين مختلفين لكُلُّّ حُكْمُها على ما قدمنا .
قلت : ظَنَّ هؤلاء الجهالِ أنه طالما جاء النهيُ في سورة الأنعام عن سَبَّ أصنام الكفار, فمن باب أولى يجب الكفُّ عن قتالهم ؛ إذ القتال وضرب الرقاب أعظم من السَّبَّ ,ولو كانت لهم عقول لأدركوا علة النهي عن سبَّ أصنام الكفار في نفس الآية , وهي أن سبَّ آلهتهم يُفضى إلي حَمْلِ المشركين علي سبَّ الله تعالى , وهم أجهلُ الناسِ بقدر الله , وليس للنهي في الآية أي علاقة بمرعاة مشاعر المشركين , ولكَنْ لضآلة عقولهم وسوء طَوَّيتيهم نظروا إلى صَدْرِ الآية فقط وتركوا باقيها , فزعموا أن في القرآن آية تنهي عن سبَّ أصنام المشركين لحفظ مشاعرهم , وآية أخرى تأمر بضرب رقابهم , ومن خلال هذا الزعم رموا القرآن بالتناقض , فسبحان الله أين عقول القوم ؟‍ !
14- الآية 127 من سورة النحل ، وهي : ( وأصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون .. ( تناقض الآية Sad والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله ( [الشورى:39 –40].
يعني أن الآية الأولى تأمر بالصبر على الذي يصيبه من الناس، والآية الثانية تأمر بالانتصار من الذي يصبيه.
والجواب : الآية الأولى مسبوقة بقوله تعالى: ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر .. ( .
وكان رسول الله ( أراد أن يُمَثَّلَ بعدد من المشركين, جزاء ما مَثَّلُوا بعمه حمزة في يوم أحد، فنهته الآية أن يزيد عما فعل بعمه ، وبينت أن العفو أفضل .
وآيات الشورى تصف المؤمنين بأنهم إذا بغى عليهم أحد انتصروا لأنفسهم ،وبينت كما بينت الآية الأولى أن جزاء السيئة يكون بقصاص مماثل ،وأن من عفا وأصلح فإن الله تعالى يثيبه .
فالآيتان في مجرى واحد ، كلتاهما تفضل العفو وتقيد العقوبة بالمماثلة !
ولا يتأتى للمسلمين أن و يُبغى عليهم ويقفوا مكتوفي الأيدي ، بل عليهم أن ينتصروا لأنفسهم ممن بغى عليهم ، ولكنهم مع هذا الانتصار لا يظلمون ,فما أروعه أدباً وأسماه سلوكاً.
وأنت تجد في الأناجيل أن المسيح يقول لتلاميذه : أحسنوا إلى أعدائكم وباركوا لاعنيكم . ومع هذا تجده يقول لليهود : يا أولاد الأفاعي ، ترون القذاة(295) في أعين الناس ولا ترون الخشبة في أعينكم !
.

15- ورد في بعض الآيات أن محمدا هو المتكلم
يقول السائل: كيف يمكن اعتبار القرآن قد أوحي إلى محمد، وفي نفس الوقت نجد أن محمدا ( هو المتكلم في آيات عديدة كما في سورة الفاتحة الآيات من 5 ، 7 -وهي : ( إياك نعبد وإياك نستعين أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين)، وفي سورة البقرة الآيات 2 الآيات 105 ، 117 ،163 ، وهي Sad مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِن خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( [البقرة:105]،( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ( [البقرة:117]،( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ(163) ( [البقرة:163]. وكما في سورة 3 الآية ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم (2، وفي سورة رقم 40 الآية 65 ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه (، والسورة رقم 43 الآيتان 88،89؟.
والجواب(296) :
إإن السائل لا يعرف أساليب اللغة العربية، ولا طرائق البلغاء في الكلام، ولا منهجهم في البيان.
ومن أساليب العرب في البيان أن يتحدث المتكلم عن نفسه تارة بضمير المتكلم، وتارة بضمير الغائب، كأن يقول المتكلم: فعلت كذا وكذا، وذهبت ، وآمرك يا فلان أن تفعل كذا، وتارة يقول عن نفسه أيضا: إن فلانا -يعني نفسه- يأمركم بكذا وكذا. وينهاكم عن كذا، ويحب منكم أن تفعلوا كذا . كأن يقول أمير أو ملك لشعبه وقومه وهو المتكلم : إن الأمير يطلب منكم كذا وكذا. وهو يشير بذلك أن أمره لهم من واقع أنه أمير أو ملك ، وهذا أبلغ وأكمل من أن يقول لهم: إنني الملك وآمركم بكذا وكذا. فقوله: إن الملك يأمركم. أكثر بلاغة من قوله : إنني الملك وآمركم.
وقد جاء القرآن بهذا النوع من البيان , كما في الآيات التي اعترض بها السائل فظن أن هذا لا يمكن أن يكون من كلام الله سبحانه وتعالى، نحو قوله تعالى في سورة البقرة: ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم (، وقوله في سورة آل عمران: ( ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق ( فظن هذا الذي لا يعرف العربية أن الله لا يمكن أن يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب, وأنه كان لا بد وأن يقول: (نزلت عليك يا محمد الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه..) ونحو ذلك وهذا جهل بأساليب اللغة العربية، وموقعها في البيان والبلاغة، ولا شك أن خطاب الله هنا وكلامه عن نفسه بصيغة الغائب ، أبلغ من لو قال سبحانه : ألم، أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم نزلت عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الآيات.وعلى كل حال فهذا أسلوب من أساليب البلاغة في اللغة، والظن أن هذا يطعن في القرآن، وأنه ليس من عند الله, وإنما من عند الرسول ظن تافه ساذج في منتهى الركاكة والجهل. وأما الالتفات(297) في الخطاب من الحضور إلى الغيبة والعكس، كأن يخاطب المخاطب بضميره فيقول: إنك فعلتَ كذا وكذا ، ثم تخاطبه تارة أخرى بضمير الغائب, فتقول له: فعل فلان كذا وكذا وأنت تعنيه. فهذا كذلك أسلوب من أساليب البلاغة: كقوله تعالى: ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ( ولا شك أن النبي هو المقصود، ثم حول الله الخطاب إليه قائلا: (وما يدريك لعله يتزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى... ( الآيات [عبس:1-4]. وأما أن القرآن كتاب تعليم وتوجيه, فقد جاء ليعلم المسلمين ماذا يقولون في صلاتهم، وبماذا يدعون ربهم ، فقد أنزل الله سورة (الفاتحة) لتكون دعاءً وصلاة للمسلمين يتلونها في كل ركعة, وفيها: ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ( وهذا كلام الله عن نفسه سبحانه, يصف نفسه بهذه الصفات الجليلة العظيمة, ثم يعلم المسلمين أن يقولوا في صلاتهم ودعائهم هذا ( إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (. فهذه السورة تعليم وتوجيه من الرب سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين؛ ليصلوا ويدعوا بها في كل ركعة من ركعات صلاتهم،وفي هذه السورة من البلاغة والإعجاز والمعاني ما لا تسعه هذه الرسالة الموجزة، ولو أن عالما بالعربية تدبرها كفته إعجازا وشهادة أن هذا القرآن منزل من الله سبحانه وتعالى وليس من كلام بشر.
والخلاصة من هذا السؤال أن صاحبه إنما أتى به من كونه لا يعلم العربية ولا أساليب البيان والفصاحة, وما أظن إلا أن معظم اللغات تعرف هذا اللون من التعبير, والذي يسمى بـ(الالتفات) أي التحول من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، لمقاصد كثيرة؛كتخفيف العتاب، أو توجيه النظر إلى البعيد ,أو استحضار المشهد، أو التعظيم، أو التحقير, ونحو ذلك من مقاصد البلغاء.
وكذلك قوله سبحانه وتعالى في سورة (غافر:65): ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ( فهو خطاب لله سبحانه وتعالى عن نفسه بصيغة الغائب, وهو تعريف للعباد بذاته العلية جل وعلا، وقد قدمنا أن هذا أسلوب من أساليب العربية في الخطاب. ومثل هذا أيضا ما اعترض به هذا الجاهل باللغة ,وهو قوله تعالى في (سورة الزخرف:87 ، 88 ، 89):
span>( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون (. فإن هذا جميعه من حديث الرب جل وعلا عن نفسه، وعن رسوله، وأن محمدا ( كان إذا سأل المشركين عن خالق السماوات والأرض ,يعترفون أنه الله سبحانه وتعالى, فعَجَّبَ الله نبيه ( من حال هؤلاء المشركين, الذين يعتقدون بأن الله خالق السماوات والأرض ثم لا يفردونه وحده بالعبادة، ولا يؤمنون بقدرته على إحيائهم بعد موتهم ، ثم ذكر الله توجع رسوله محمد ( وشكاته من قومه ,( وقيله ( أي وهذا قول الرسول لربه ( يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون(
وعندئذ يأتيه الجواب وهو بمكة ( فاصفح عنهم وقل سلام ( أي لا تعلن حربا عليهم الآن (فسوف يعلمون ( ما يكون مآلهم في الدنيا من القتل بأيدي المؤمنين، ومآلهم في الآخرة من الخلود في النار أبد الآبدين. السؤال الثاني ونصه كما يلي: السورة 10 (الآية 3) ذكر بها أن خلق السماوات والأرض تم في ستة أيام , وفي السورة 41 (الآيات من 9 إلي 12) ذكر بها أن خلق الأرض تم في يومين, وخلق الله الأنهار والغابات...إلخ في الأرض (بعد خلقها) في أربعة أيام، وأنه قد خلق السماوات في يومين، فالسورة 10 – فيما زعموا- تتناقض مع السورة 41 حيث إن ناتج جمع (2+4+2=8أيام). الجواب(298) :
هذا السؤال يتعلق بقوله تعالى: ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فسواهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها.. ( [فصلت9-12]. نعم بجمع هذه الأيام دون فهم وعلم يكون المجموع ثمانية, وقد ذكر الله في مواضع كثيرة من القرآن أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام
وما ظنه السائل تناقضا فليس بتناقض؛ فإن الأربعة أيام الأولى هي حصيلة جمع اثنين واثنين؛ فقد خلق الله الأرض خلقا أوَّليَّا في يومين, ثم جعل فيها الرواسي وهي الجبال ووضع فيها بركتها من الماء، والزرع، وما ذخره فيها من الأرزاق في يومين آخرين, فكانت أربعة أيام، فقول الله سبحانه وتعالى: ( وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين (، هذه الأيام الأربعة هي حصيلة اليومين الأولين ويومين آخرين, فيكون المجموع أربعة, وليست هذه الأربعة هي أربعة أيام مستقلة أخرى زيادة على اليومين الأولين.. ومن هنا جاء الخطأ عند السائل.
ثم إن الله خلق السماوات في يومين, فيكون المجموع ستة أيام بجمع أربعة واثنين ولا تناقض في القرآن بأي وجه من الوجوه ثم إن القرآن لو كان مفتريَّا كما يدعي السائل- فإن محمدا (لم يكن ليجهل مثلا أن اثنين وأربعة واثنين تساوي ثمانية, وأنه قال في مكان آخر من القرآن إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام فهل يتصور عاقل أن من يقدم على تزييف رسالة بهذا الحجم، وكتاب بهذه الصورة يمكن أن يخطئ مثل هذا الخطأ, الذي لا يخطئه طفل في السنة الأولى الابتدائية؟! لا شك أن من ظن أن الرسول ( افترى هذا القرآن العظيم ,ثم وقع في مثل هذا الخطأ المزعوم, فهو من أحط الناس عقلا وفهما. والحال أن السائل لا يفهم لغة العرب, وأن عربيا فصيحا يمكن أن يقول: زرت أمريكا فتجولت في ولاية جورجيا في يومين، وأنهيت جولتي في ولاية فلوريدا في أربعة أيام ثم عدت إلى لندن لا شك أن هذا لم يمكث في أمريكا إلا أربعة أيام فقط وليس ستة أيام؛ لأنه قوله: في يومين في أربعة أيام. يعني يومين في جورجيا ويومين في فلوريدا . قوله تعالى: ( وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام (.أي بزيادة يومين عن اليومين الأولين.
قلتُ: وقد ذكر هذا الطعن ابن النغريلة اليهودي ورد عليه ابن حزم بنحوه(299).
181818-18 1
418-السؤال الرابع هو السورة 21:الآية 76 ذكر بها أن نوحاً وأهل بيته قد نجوا من الفيضان يعني قوله تعالى:
( وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ( [الأنبياء:76]، ولكن السورة 11:الآيتان 42-43 ذكر بهما أن أحد أولاد نوح قد غرق؟يعني قوله سبحانه: ( وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ( [هود:42-43] -الجواب(300): إن الاستثناء أسلوب معروف في لغة العرب, فيذكر المتكلم المستثنى منه على وجه العموم, ثم يخرج منهم من أراد إخراجه. ويمكن أن يأتي الاستثناء منفصلا، ويمكن أن يأتي متصلا،وفي سورة الأنبياء قال الله تعالى عن نوحSad ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ( وقد بين سبحانه وتعالى المراد بأهله في آيات أخرى, وهو من آمن منهم فقط، حيث أخبر سبحانه وتعالى في سورة هود أنه قال لنوح: ( احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل (. فقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يحمل أهله معه إلا من سبق القول من الله بهلاكهم،وقد كان قد سبق في علم الله أن يهلك ابنه مع الهالكين ؛ لأنه لم يكن مؤمنا، ولم يكتب الله لأحد النجاة مع نوح إلا أهل الإيمان فقط، وابنه لم يكن مؤمنا، وبالتالي فلا تناقض بين قوله تعالى في سورة الأنبياء أنه نجى نوحا وأهله، وبين ما جاء في سورة هود أنه أغرق ابن نوح ؛ لأن ابن نوح لم يكن من أهله، كما قال تعالى لنوح لما سأله عن ابنه : ( يا نوح إنه ليس من أهلك (.
19-السؤال الخامس هو: هناك أخطاء نحوية في القرآن، فيوجد به جمل غير متكاملة، ولا تفهم تماما بدون إدخال بعض الكلمات الأخرى عليها (5:2)، (7 :160-161.. إلخ)،-يعني قوله سبحانه: ( أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( [البقرة:5]، ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(161) ( [الأعراف:160-161]، إن ترتيب السور بالقرآن غير متصل تاريخيا أو منطقيا، فلا تشعر بوقت أو مكان. هناك شك في موضوعية تكامل القرآن؛ لأننا نجد أن أناثاً وأماكن غير محددة وأحداثاً وضعت معا في رؤية واحدة, وكأنهم جميعا كانوا يعيشون معا في نفس الزمان. وهذا يسبب مشاكل عديدة, واختلاط الأمر لكل من يحاول فهم القرآن كقطعة أدبية، لإعادة بناء حياة وتعاليم محمد بوسيلة مرتبة, فلا بد للفرد أن يقفز من سورة إلى أخرى في القرآن كله, ويترك الفرد بإحساس عدم التكامل وعدم الرضا؛ لأنه لم يحصل على القصة الكاملة, وهذا مضاد تماما للإنجيل الذي كتب فيما يزيد عن عدة آلاف السنين بما يزيد عن 40 مؤلفاً مختلفاً. -الجواب: إن صياغة هذا السؤال على هذا النحو يدل على أن كاتبه إما أنه لا يدرك شيئا من اللغات، عربية كانت أم غير عربية، أو أنه يعترض لمجرد الاعتراض, وتفصيل ذلك على هذا النحو: (أ) الآية الخامسة من سورة البقرة وهي قوله تعالى: ( أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( يشير الله بقوله : ( أولئك ( على المذكورين قبل ذلك وهم المتقون الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، وينفقون مما رزقهم الله، ويؤمنون بالقرآن ، والكتب التي نزلت على الرسل قبل القرآن, ويؤمنون بالآخرة، وهؤلاء المذكورون قد عبر الله عنهم
بـ ( أولئك ( وهي اسم إشارة للبعيد تعظيما لشأنهم ورفعا لمنـزلتهم ( على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( ويبدو أن السائل ظن أن إشارة الله لهؤلاء المذكورين (بأولئك( - وهي صيغة إشارة للبعيد- أن هذا خطأ نحوي؛ إذ يعبر عن القريب بالبعيد، ولم يفهم أن هذا أسلوب بلاغي من أساليب العرب، وهي تعبيرهم بالإشارة بالبعيد للتعظيم والتهويل أحيانا، وللتقليل والتحقير أحيانا حسب السياق، ومرامي الكلام ، وهنا عبر الله عن هؤلاء المتقين ، الذين يتصفون بهذه الصفات بصيغة البعيد , وهي ( أولئك ( رفعا لشأنهم وإعلاء لمنـزلتهم, ولا شك أن هذا أمر عظيم ؛ لأن فيه إشارة ورفعة لهؤلاء المذكورين. ب) وأما قوله تعالى في سورة الأعراف: ( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما، وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشر عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( [الأعراف : 16] واعتراض السائل هو كيف يقول تعالى: ( كلوا من طيبات ما رزقناكم (، ويتكلم بصيغة الخطاب وهو قبل ذلك قد تكلم عن بني إسرائيل بصيغة الغائب ، وأنه سبحانه قطعهم اثنتي عشرة أسباطا, وأنه قال لموسى كذا وكذا ومرة أخرى لا يفهم السائل أسلوب العربية، ولا بلاغة الخطاب، ويظن أن الانتقال من الغيبة إلى الخطاب خلل في الأسلوب، وخطأ نحوي!! وهذا يدل على أنه لا يعرف نحوا، ولا بلاغة، ولا يدرك معنى للفصاحة ولا البيان . فهذه الآية في منتهى الإعجاز والبلاغة ؛ فإن الله تحدث فيها عن بني إسرائيل وما صنع لهم من الخير والإحسان، وأنه ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى، وبدلا من أن يقول: وقلت لهم: كلوا من طيبات ما رزقناكم. أو وقال لهم موسى: إن الله يقول لكم: ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ( فإن الله حذف هذا وانتقل رأسا إلى القول دون ذكر القائل؛ لأن القائل معروف من السياق, وهو الرب تبارك وتعالى, ولا يمكن أن يفُهم أن القائل هو غير الرب جل وعلا, لأن القول هو ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ( فمن سيقول هذا القول إلا الله؟ ومعلوم أن حذف ما يعلم جائز، بل ذكر المعلوم ضرورة حشو وزيادة لا داعي لها، والقرآن ينزه عن الحشو والزيادة . ويفهم كل من يعلم العربية أن قوله تعالى: ( وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ( أن معنى ذلك وأنزلنا عليهم المن والسلوى وقلنا لهم Sad كلوا من طيبات ما رزقناكم ( فحذف (وقلنا لهم)، أو (أمرنا موسى أن يقول لهم) لأن هذه زيادة لا داعي لها في السياق لأنها معلومة!! (ج) وأما قول السائل: إن ترتيب السور غير متصل تاريخيا أو منطقيا؛ حيث لا يفهم القارئ الوقت ولا المكان. فهذا كذلك من قصور علمه وفهمه ، وبعده عن إدراك الإعجاز القرآني في ترتيب المصحف، والوحدة الموضوعية في السورة، وهذا باب عظيم لا تسعه العجالةُ للرد على هذه الشبهات السخيفة . وقد كتب في هذا مجلدات ومجلدات قديما وحديثا، وأُحيل السائلَ على كتابٍ مختصرٍ حديثٍ, وهو كتاب "النبأ العظيم" للشيخ الدكتور محمد عبدالله دراز رحمه الله, وأظنه مترجما إلى الإنجليزية.
وهنا في هذه الآية من سورة الأعراف لا يسجل الله الأحداث التي وقعت لبني إسرائيل من حيث كونها تاريخا وإنما يذكر إنعامه عليهم، ويسجل مخازيهم، ونكثهم لعهودهم وكفرانهم لنعمة الله سبحانه وتعالى. فهذه الأحداث التي وقعت لبني إسرائيل وإن كانت متباعدة في الزمان, ولكنها ذُكِرتْ مجتمعة في الآية لتذكرهم بنعم الله على آبائهم, ثم جحودهم ونكرانهم.212121-السؤال السادس هو: هناك وجهات نظر متضاربة في ادعاء محمد النبوة؛ فالسورة (53 :الآية10) يعني قوله: (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى(10) ( [النجم:10],ذكر بها أن الله نفسه أوحى إلى محمد. والسورة (16: 102،والسورة( 26: الآيات من 192 : 194)، يعني قوله: ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ(102) ( [النحل:102] ونحوها من الآيات-ذكر بها أن "روح القدس" نزلت إلى محمد, والسورة (15 :الآيةCool وهي قوله: ( مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنظَرِين ( [الحجر:8] ذكر بها أن الملائكة, وهم أكثر من واحد نزلوا إلى محمد والسورة (2: 97) يعني قوله: ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (

[البقرة:97] ؛ ذكر بها أن الملاك جبريل واحد فقط ، لم يذكر في القرآن ولا في الأناجيل ما يقول أن "روح القدس" هي جبريل. -الجواب: قوله سبحانه وتعالى في سورة النجم (53 :3-12) عن رسوله محمد ( : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ( الآيات. فهذا وصف لجبريل الروح القدس الأمين, الذي نزل على محمد ( بحراء ، وجاءه بالوحي من ربه، ولقد رآه رسول الله ( على صورته التي خلقه الله عليها وله ستمائة جناح مرتين: واحدة في مكة في بدء الوحي، وثانية عندما عرج بالنبي ( إلى السماء, كما جاء ذلك في حديث السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الصحيحين .
وجبريل المذكور في سورة النجم (53)، هو نفسه الذي ذكره الله في سورة النحل (14)، حيث يقول سبحانه وتعالى: ( قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ( (16: 102)، فقد سماه الله روحا ؛ لأنه ينزل بما يحيي موات القلوب ، وهو وحي الله إلى رسله ، ووصفه بروح (القدس) أي المقدس المنـزه عن الكذب أو الغش ، فهو الذي قدسه الله ورفعه ، وأعلى من شأنه عليه السلام. وأما ما ذكره الله في سورة الحجر الآية رقم 15,فإن الله لم يذكر فيها أن الملائكة نزلوا على النبي( بالوحي ,كما فهم هذا الجاهل حيث يقول: (والسورة رقم (15: Cool ذكر فيها أن الملائكة ,وهم أكثر من واحد نزلوا على محمد . وإنما الآيات هكذا ( وقالوا ( أي الكفار ( يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون، لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ( فرد الله مقالة هؤلاء الكفار, الذين استعجلوا نزول الملائكة بالعذاب عليهم, وهو ما هددهم الله به إن أصروا على التكذيب, فقال تعالى: ( ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين ( أي إن الله لا ينزل الملائكة إلا بالحق ، وإنهم إذا نزلوا نزلوا بالعذاب عليهم, فمعنى ذلك أنهم غير ممهلين، والحال أن الله أمهلهم ليقيم الحجة عليهم، ولم يشأ سبحانه وتعالى أن يعجل العقوبة الماحية المستأصلة, لهم كما حدث للأمم السابقة ، بل شاء الله أن يعاقبهم بالعقوبات التي لا تستأصلهم ، فقد أنزل الملائكة في بدر وغيرها من معارك الرسول خزيا للكفار, ونصرا للرسول والمؤمنين. وأما الآية 97من سورة البقرة فهي نص صريح في أن جبريل عليه السلام هو الذي أنزل القرآن على رسول الله (، قال تعالىSad قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ( وهذا رد على اليهود الذين كرهوا جبريل، وأنه ينزل بحربهم وهلاكهم , فأخبرهم الله أن هذا الملاك هو ملاك الرب، وأنه هو الذي أنزل القرآن على قلب محمد (،وقد وصف الله جبريل في القرآن بأنه روح القدس ؛أي الروح المقدسة, كما قال سبحانه وتعالى: ( قل نزله روح القدس من ربك بالحق (. وقد قدمنا معنى روح القدس. 22
22-السؤال السابع هو: هناك آراء متضاربة في كيفية خلق الإنسان؛ فالسورة (25: 54)-وهي: ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ( [الفرقان:54]- يذكر بها أن الإنسان خلق من ماء،والسورة (36: 77,78)-وهي قوله ( أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ( [يس:77]؛ ذكر بها أنه خلق من نطفة, والسورة (37: 71,72)-يعني قوله: ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ ( سورة ص الآية :71 ؛ذكر بها أنه خلق من طين ، على الرغم من أن سجلات الحفريات لا تساند نظرية التطور. -والجواب: أن الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه الكريم- الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- أنه بدأ خلق الإنسان بخلق أبي البشر آدم الذي خلقه من التراب، الذي أصبح طينا يعجنه بالماء، ثم حمأ مسنونا، أي طينا مخمرا، ثم سواه الله بأن خلقه بيديه سبحانه, ثم أصبح آدم وهو في صورته الطينية صلصالا كالفخار، وهو الطين إذا يبس وجف، ثم نفخ الله فيه الروح فأصبح بشرا حياَّ، ثم أمر الملائكة بالسجود له بعد أن أصبح كذلك , ثم خلق الله من أحد أضلاعه زوجته حواء- كما جاء ذلك في الحديث النبوي - فهي أنثى مخلوقة من عظام زوجها. والله يخلق ما يشاء مما يشاء كيف يشاء، ثم لما عصى آدم بأكله من الشجرة التي نهاه الله أن يأكل منها ، أهبطه الله إلى الأرض , ثم جعل الله تناسل آدم من اجتماع ماء الرجل وماء المرأة، والعرب تسمي المني الذي يقذفه الرجل في رحم الأنثى ماء، وسماه الله في القرآن ( ماء مهينا (. وكل ذلك موجود في القرآن الكريم. وهذا المسكين ظن أن هذه آراء متعارضة، وظن أن كل ذلك آراء متعارضة ,ولم يفهم أن خلق آدم لم يكن كخلق حواء فآدم خلق من الطين، وحواء خلقت من ضلع آدم، وأن كل إنسان خلق من أنثى وذكر من ماء مهين، وأن عيسى عليه السلام خلق من أنثى بلا ذكر ، كما قال سبحانه وتعالى عن عيسى: ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ( [آل عمران : ].

23-الشبهة الأولى: قال Sadمرة يقول محمد إن الجنة لليهود والنصارى والصابئين والمسلمين،ومرة يقول للمسلمين فقط : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ(301) مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( [البقرة:62]،ويقول: ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( [آل عمران:85].
-الجواب(302):
إن آية البقرة تتكلم عن اليهود والنصارى والصابئين قبل بعثة النبي ( ، فكل من آمن بنبيه وأطاعه فله الجنة ، وأما بعد بعثة النبي ( فقد نسخت شريعته الشرائع ونسخ دينه الأديان ، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام ، فهذا معنى الآية الأخرى.
ويؤيد ذلك ما أخرجه ( ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قال سلمان رضي الله عنه : سألت النبي ( عن أهل دين كنت, معهم، فذكرت من صلاتهم وعبادتهم فنزلت ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ( الآية وقال السدي إن ( الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا( الآية نزلت في أصحاب سلمان الفارسي, بينا هو يحدث النبي ( إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم , فقال: كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك, ويشهدون أنك ستبعث نبيا. فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله ( :« يا سلمان من أهل النار » فاشتد ذلك على سلمان , فأنزل الله هذه الآية ,فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة, وسنة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى فلما جاء عيسى,كان م



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:58
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

اتهام القرآن بمعارضة الحقائق
المطلب الأول : دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الشرعية :

-الطعن الأول: كيف تزعمون أن محمدا ( اصطفاه الله للرسالة وهيئه, مع وصفه له بالضلال(321)،فهو كقومه كان وثنيا، ( ووجدك ضالا فهدى ( [الضحى:7]؟
-الجواب:
1-(قيل إن العرب كانت إذا وجدت شجرة منفردة في فلاة من الأرض لا شجر معها سموها ضالة ، فتهتدي بها على الطريق ، فقال الله تعالى لنبيه: ( ووجدك ضالا فهدى ( أي وجدك لا أحد على دينك فهديت بك الخلق إلي) ،ومن هذا قول : (الحكمة ضالة المؤمن).
أي أن الضلال هنا المقصود به الحقيقة اللغوية لا الشرعية، إذ لم يكن في ذلك الوقت شرع ، وبعض المعاني اللغوية معنى جميل كما رأيت.
2-وقيل: إنه من قولك: ضللت الطريق .أي لم تعرفه(322)، ومنه قولهم: ضالة الإبل والغنم . يعني التي لم تهتد لقومها، فالنبي ( كان موحدا عارفا بالله بفطرته وعقله ، ولكنه لم يعرف كيف يعبده؛ لأنه لم ينزل عليه شرع ، فهو ضال بهذا المعنى, أي لم يعرف طريق العبادة الصحيحة.
قال الراغب : (الضلال ترك الطريق المستقيم ؛ عمدا كان أو سهوا ، قليلا كان أو كثيرا، ويصح أن يستعمل لفظ الضلال ممن يكون منه خطأ ما ، ولذلك نسب إلى الأنبياء ، وإلى الكفار ، وإن كان بين الضلالين بون بعيد، ألا ترى أنه قال في النبي Sad وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى( [الضحى:7]، أي غير مهتد لما سبق إليك من النبوة ، وقال في يعقوب Sad قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ( [يوسف:95]، وقال أولاده: ( إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( [يوسف:8] إشارة إلى شغفه بيوسف وشوقه إليه، وكذلك ( قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( [يوسف:30]، وقال عن موسى عليه السلام: ( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ( [الشعراء:20] تنبيه أن ذلك منه سهو ،وقوله: ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا... ( [البقرة:282]،أي تنسى وذلك من النسيان الموضوع على الإنسان .
والضلال من وجه آخر ضربان ؛ ضلال في العلوم النظرية ,كالضلال في معرفة الله ووحدانيته ,ومعرفة النبوة ونحوهما, المشار إليهما بقولهSad وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ( [النساء:136]، وضلال في العلوم العملية ,كمعرفة الأحكام الشرعية التي هي العبادات)(323)، وهذا النوع يعذر فيه الإنسان إذا لم يبلغه .
ألا ترى أن زيد بن عمرو بن نفيل(324) دخل الجنة مع أنه لم يعرف كيف يعبد الله تعالى، فقد أخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ( : أَنَّ النَّبِيَّ ( لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ , قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ ( الْوَحْيُ, فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ ( سُفْرَةٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا, ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ : إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ, وَ يَقُولُ : الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ وَأَنْزَلَ لَهَا مِنْ السَّمَاءِ الْمَاءَ, وَأَنْبَتَ لَهَا مِنْ الْأَرْضِ ,ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ . إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ)(325).
وأخرج البخاري أيضا عَنْ ابْنِ عُمَرَ ( : أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنْ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ, فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ الْيَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ, فَقَالَ : إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ فَأَخْبِرْنِي؟ فَقَالَ : لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ . قَالَ زَيْدٌ : مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ , اللَّهِ وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا ،وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ : مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا ،قَالَ زَيْدٌ :وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ : دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَقَالَ : لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ. قَالَ : مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ, وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا ،وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ ،فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ ؟ قَالَ :مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا .قَالَ :وَمَا الْحَنِيفُ ؟قَالَ :دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام, خَرَجَ, فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدكُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ .
وَقَالَ اللَّيْثُ :كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, قَالَتْ : رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ, يَقُولُ :يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي . وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ :لَا تَقْتُلْهَا أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ ،قَالَ لِأَبِيهَا :إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا(326)،
فزيد بن عمرو مع جهله بطريق العبادة, إلا أن فطرته دلته على وجود الله ,وعقله هداه إلى توحيد الله ، فكان يعبد الله على حسب اجتهاده ، فهو مع ضلاله عن طريق العبادة الصحيحة, إلا أنه كان معذروا لذلك أدخله الجنة، ومن هذا الباب معنى قوله تعالى :
( ووجدك ضالا فهدى (. أي ضالا عن طريق العبادة الصحيحة فدلك عليها له وإن كان عارفا بالله موحدا له.
3-ثم إننا نلزمهم بأمر وهو : هل هم يقولون هذا أيضا في موسى عندما قال عن نفسه, (فعلتها إذاً وأنا من الضالين ( [الشعراء:20].
4-ثم إننا لو تنزلنا لهم وسلمنا لهم بالمعنى الذي يريدون, فإن هذا لا يضره؛ فهو معذور بعدم العلم فهو إذ لم يضل عن علم بل ضل بغير علم , وهذا لا حرج عليه ولا مؤاخذة فيه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما وجوب كونه ( قبل أن يبعث نبيا لم يخطئ أو لا يذنب فليس في النبوة ما يستلزم هذا).
ولكن الحرج كل الحرج فيمن يعرف العلم والهدى ثم يتركه ,كما هو حال اليهود والنصارى الذين يعرفون النبي (كما يعرفون أبناءهم.
-الطعن الثاني:كيف سُحِرَ النبي ( مع أن الله تعالى يذكر كلام الكفار, ووصفهم النبي بالمسحور في مقام الذم في قول الله على ألسنتهم : ( إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( [الفرقان:8].
-الجواب:
أولا : لابد – أولاً - أن نعرف أن حديث سحر النبي ( ثابت في الصحيحين, وقد تقدم معنا النقل عن ابن الصلاح, وهو أن ما كان في الصحيحين قد تلقته الأمة بالقبول(327) ، ونص الحديث عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سُحِرَ النَّبِيُّ ( حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ –وفي رواية :وأنه يأتي أهله ولا يأتي- حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ, ثُمَّ قَالَ : « أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ »، قُلْتُ : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ :« جَاءَنِي رَجُلَانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ, ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ :مَطْبُوبٌ .قَالَ :وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ –الْيَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ- قَالَ :فِيمَا ذَا قَالَ : فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ :فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ قَالَ : فَذَهَبَ النَّبِيُّ ( فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْبِئْرِ ,فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ : "وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَ هَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ ,وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ » . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأَخْرَجْتَهُ قَالَ : « لَا ،أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِيَ اللَّهُ وَشَفَانِي ,وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا ». وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ )(328) .
فظاهر من الحديث أن السحر كان في الأمور الدنيوية فهو يخيل إليه أنه أتى أهله ولكنه لم يفعل ويخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله(329) ، وأما الأمور الشرعية والوحي ، فإنه محفوظ من الخطأ فيها, كما ثبت في النصوص الكثيرة،كقوله تعالى: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ( [النجم:3-4].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ :كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا :أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ ( بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ،فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ ،فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ( فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ :« اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ » (330) وغير ذلك من النصوص المتكاثرة.
قَالَ الْمَازِرِيّ : (أَنْكَرَ الْمُبْتَدِعَة هَذَا الْحَدِيث وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَحُطّ مَنْصِب النُّبُوَّة وَيُشَكِّك فِيهَا ، قَالُوا :وَكُلّ مَا أَدَّى إِلَى ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِل .وَزَعَمُوا أَنَّ تَجْوِيز هَذَا يَعْدَم الثِّقَة بِمَا شَرَعَهُ مِنْ الشَّرَائِع إِذْ يُحْتَمَل عَلَى هَذَا أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ يَرَى جِبْرِيل وَلَيْسَ هُوَ ثَمَّ ،وَأَنَّهُ يُوحِي إِلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ ،قَالَ الْمَازِرِيّ : وَهَذَا كُلّه مَرْدُود لِأَنَّ الدَّلِيل قَدْ قَامَ عَلَى صِدْق النَّبِيّ ( فِيمَا يُبَلِّغهُ عَنْ اللَّه تَعَالَى وَعَلَى عِصْمَته فِي التَّبْلِيغ ،وَالْمُعْجِزَات شَاهِدَات بِتَصْدِيقِهِ، فَتَجْوِيز مَا قَامَ الدَّلِيل عَلَى خِلَافه بَاطِل , وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِبَعْضِ الْأُمُور الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَث لِأَجْلِهَا وَلَا كَانَتْ الرِّسَالَة مِنْ أَجْلهَا, فَهُوَ فِي ذَلِكَ عُرْضَة لِمَا يَعْتَرِض الْبَشَر كَالْأَمْرَاضِ،فَغَيْر بَعِيد أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ فِي أَمْر مِنْ أُمُور الدُّنْيَا مَا لَا حَقِيقَة ,لَهُ مَعَ عِصْمَته عَنْ مِثْل ذَلِكَ فِي أُمُور الدِّين ،قَالَ : وَقَدْ قَالَ بَعْض النَّاس: إِنَّ الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ ( يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَاته وَلَمْ يَكُنْ وَطِأَهُنَّ , وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقَع تَخَيُّله لِلْإِنْسَانِ فِي الْمَنَام , فَلَا يَبْعُد أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ فِي الْيَقِظَة.
قُلْت(331) : وَهَذَا قَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا وَلَفْظه " حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاء وَلَا يَأْتِيهِنَّ ". وَفِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ " أَنَّهُ يَأْتِي أَهْله وَلَا يَأْتِيهِمْ ". قُلْت : وَوَقَعَ فِي مُرْسَل عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْبٍ عِنْد اِبْن سَعْد " فَقَالَتْ أُخْت لَبِيد بْن الْأَعْصَم إِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَسَيُخْبَرُ،وَإِلَّا فَسَيُذْهِلُهُ هَذَا السِّحْر حَتَّى يَذْهَب عَقْله ". قُلْت : فَوَقَعَ الشِّقّ الْأَوَّل(332) كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح .
وَقَدْ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : لَا يَلْزَم مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَظُنّ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْء وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ أَنْ يُجْزَم بِفِعْلِهِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَكُون مِنْ جِنْس الْخَاطِر يَخْطِر وَلاَ يَثْبُت،فَلَا يَبْقَى عَلَى هَذَا لِلْمُلْحِدِ حُجَّة .
وَقَالَ عِيَاض : وَيُؤَيِّد جَمِيع مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْهُ فِي خَبَر مِنْ الْأَخْبَار أَنَّهُ قَالَ قَوْلًا فَكَانَ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ . وَقَالَ الْمُهَلَّب : صَوْن النَّبِيّ ( مِنْ الشَّيَاطِين لَا يَمْنَع إِرَادَتهمْ كَيَدَهُ،فَقَدْ مَضَى فِي الصَّحِيح أَنَّ شَيْطَانًا أَرَادَ أَنْ يُفْسِد عَلَيْهِ صَلَاته فَأَمْكَنَهُ اللَّه مِنْهُ ،فَكَذَلِكَ السِّحْر مَا نَالَهُ مِنْ ضَرَره مَا يُدْخِل نَقْصًا عَلَى مَا يَتَعَلَّق بِالتَّبْلِيغِ بَلْ هُوَ مِنْ جِنْس مَا كَانَ يَنَالهُ مِنْ ضَرَر سَائِر الْأَمْرَاض مِنْ ضَعْف عَنْ الْكَلَام،أَوْ عَجْز عَنْ بَعْض الْفِعْل ، أَوْ حُدُوث تَخَيُّل لَا يَسْتَمِرّ ،بَلْ يَزُول وَيُبْطِل اللَّه كَيْد الشَّيَاطِين)(333).
ومثل هذا قوله تعالى عن موسى ( قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ( [طه:66]، فسحر النبي ( مثل سحر موسى ( وهو أن يخيل إليه الشيء، فمن أنكر الحديث ماذا يقول عن هذه الآية ؟
ونزيد من الأمر توضحاً فنقول السحر الذي أراده المشركون غير السحر الذي حصل للنبي ( ، فهم أرادوا المسحور يعني الذي يصل إلى حد الجنون والافتراء, وقول ما لا يعقل ودخول الجن في المسحور،وهذا لا شك أنه باطل في حق النبي (، وأما سحر النبي ( فهو من نوع التخيل الذي يحصل لأي إنسان يقظة ومناما ، وهذا لا يضر في مقام النبوة.
-الطعن الثالث: كيف يسحر النبي ( مع أن الشياطين لا تسلط على عباد الله الصالحين ,كما قال تعالى: ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ( [الحجر:42] ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ(100) ( [النحل:99-100]، فسحر النبي دليل أنه من الغاويين وأنه من الذين يتولون الشيطان؟.
الجواب:
السحر أنواع(334) :
1-سحر بالأدوية.
2-سحر لا حقيقة له بل هو خيال أو خفة يد.
3-سحر بالاستعانة بالشياطين.
إذن فليس كل أنواع السحر تسلط من الشياطين على المسحور، وذهب بعض العلماء إلى أن سحر النبي ( من نوع الأدوية ؛قال ابن حجر: وَاسْتَدَلَّ اِبْن الْقَصَّار عَلَى أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ مِنْ جِنْس الْمَرَض بِقَوْلِهِ فِي آخِر الْحَدِيث :«فَأَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّه » . وَفِي الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ نَظَر .
لَكِنْ يُؤَيِّد الْمُدَّعَى أَنَّ فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة عِنْد الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِل " فَكَانَ يَدُور وَلَا يَدْرِي مَا وَجَعه " وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد اِبْن سَعْد : مَرِضَ النَّبِيّ ( وَأُخِذَ عَنِ النِّسَاء وَالطَّعَام وَالشَّرَاب،فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ ..الْحَدِيث)(335)،
ولو سلمنا أنه من النوع الشيطاني ، فليس كل تعرض من الشيطان للإنسان معناه أنه ليس من عباد الله ، وفرق كبير بين التعرض والمحارشة وبين التسلط، ويؤيد ذلك ما أخرجه مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ( يَقُولُ :« إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ » (336)، فكل صالح يتعرض له الشيطان، بل هذه وظيفته في الحياة ، وهو أقسم على إغواء بني آدم.ولو سلمنا أن هذا من التسلط فإنه لفترة محدودة ,ثم بعد ذلك يذهبه الله تعالى, ويرجع المسلم إلى حاله الأولى .
فهذا آدم عليه السلام أغواه الشيطان حتى وقع في أكل الشجرة ، وهذا موسى قتل نفسا بغير نفس فقال: ( هذا من عمل الشيطان ( [ القصص : 15 ] ولا يقول أحد أن هذا من التسلط بمعنى التحكم والإغواء والتضليل ، بل يبقى آدم وموسى من خير أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
-الطعن الرابع: (كيف يذكر في القرآن أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم -يعني من مثل قوله تعالى: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ( [البقرة:34]- مع أن هذا الدين اشتهر بالتشدد في إنكار الشرك وتكفير كل ساجد لغير الله ).
الجواب:
السجود نوعان ؛ سجود تحية وإكرام, وسجود عبادة وإعظام ، فسجود العبادة لا يجوز في جميع الملل وعند جميع الرسل ، بل لا يسجد الإنسان إلا لله وحده وأما سجود التحية فهذا كان جائزا في شرع من قبلنا ، كما حصل ليوسف عندما خر له أبواه وأخوته سجدا ، فلم ينكر عليهم ،ومن هذا الباب سجود الملائكة لآدم، وأما في شرعنا فقد نسخ سجود التحية ، درأ للفتنة وسدا لأبواب الشرك وطرائقه.
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى : ( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا...( [يوسف: 100]: ( وقد نسخ الله ذلك كله في شرعنا، وجعل الكلام بدلا عن الانحناء. وأجمع المفسرون أن ذلك السجود على أي وجه كان ,فإنما كان تحية لا عبادة ، قال قتادة: هذه كانت تحية الملوك عندهم , وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة)(337).
على أن كثيراً من العلماء يقولون : إن السجود هنا المقصود به المعنى اللغوي للسجود ، وهو عموم الانحناء والميل والاحترام, ولا يلزم منه أن يخر على الأرض(338).
المطلب الثاني : دعوى تعارض القرآن مع الوقائع التاريخية :
وقد أشعل أوار هذه الفتنة , وحمل رايتها محمد خلف الله في كتابه "الفن القصصي في القرآن الكريم "، وإن كان هو لم يبتدعها بل أخذها من المستشرقين و منهم :
المستشرق الألماني هوروفيتش(339) (1874-1931) الذي تحتوى بحوثه القرآنية على طائفة كبيرة من الملاحظات والمعلومات ،والجزء الأول من كتابه "مباحث قرآنية" يعالج النصوص القصصية في القرآن ويقسم كلامه إلى : عموميات وشكليات، أساطير رادعة...إلخ. والأستاذ بروكلمان(340) الذي أورد بعض العناوين البارزة لموضوعات كتبت في قصص القرآن وهي تاريخيا كما يلي:
1-الهجادة في قصص القرآن، بقلم سجبار ، ليبزيج 1907م.
2-مصادر القصص الإسلامية في القرآن وقصص الأنبياء ، بقلم سايدر سكاي ، باريس،1932م.
3-القصص الكتابي في القرآن ، بقلم سباير وجريفنا ينخن ،1939م .
وبعد هذا نجد المستشرق المجري بيرانت هيللر (1857-1943م)يتخصص تقريبا في جزء من قصص القرآن , فينشر بحوثا في مجلة الفصول بعنوان :
1-قصة أهل الكهف ،عام 1907.
2-عناصر يهودية في مصطلحات القرآن الدينية ،1928م.
3-قصص القرآن، عالم الإسلام ، 1934م(341).
-الردود الإجمالية:
-هناك نصوص ترد هذه الدعوى , بل هي في محل النـزاع ,كقوله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( [يوسف:111]، قوله سبحانه : ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ... ( [الأعراف:62]، وكقوله تعالى : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( [الأنعام:115]، أي صدقا في الأخبار وعدلا في الأحكام(342) .
كل ما في القرآن إما أخبار أو أحكام ، فكل أخباره صدق وكل أحكامه عدل، ومن الأخبار قصص الأمم السابقة مع أنبيائها.
-لا شك أن القصة من أهدافها العبرة , وأحيانا قد يختلق القاص القصة وينسخها من وحي خياله، لكن هذا ليس هو الكمال ؛ فكون الراوي يأخذ العبرة من قصة واقعية هو الأكمل ، والقرآن لا يأتي إلا بالكمال , كما قال سبحانه Sad نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ( [يوسف:3]، وما كان لأحسن القصص أن تكون كذبا.
-دأب العلماء على أخذ الكثير من الأحكام الفقهية من القصص القرآنية مثل صحة أنكحة الكفار المأخوذ من قوله تعالى: ( وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ... ( [القصص:9]، وجواز كون المهر عملا مأخوذ من قوله تعالى ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ... ( [القصص:27] وغيرها ،بل أخذوا منها أحكاما عقدية في أصول اعتقاد المسلمين ، فإبطال القصص القرآنية يبطل الكثير من الأحكام ؛لأنه إذا كانت القصة مكذوبة فلا يجوز أخذ الأحكام منها ، وهذا لم يقل به أحد .
6-يلزم من هذا القول أن الله تعالى لَبَّس على الناس بذكر هذه القصص المكذوبة في كتابه, الذي يزعم أنه محفوظ من الخطأ والريب والكذب ، ويلزم منه أن القرآن صد الكثير من الناس عن الإسلام بسبب عدم مطابقة قصصه للواقع ، بل هذا ما ادعاه خلف , حيث زعم أن التمسك بمقياس الصدق التاريخي في القصص القرآني خطر أي خطر على النبي ( و على القرآن ، بل هو جدير بأن يدفع الناس إلى الكفر بالقرآن كما كفروا من قبل بالتوراة(343) .
-يقول تعالى : ( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم و إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد ( [ فصلت : 41 , 42 ] . فإذا كان المضمون التاريخي في القصص القرآني – كما يزعم خلف الله و أصحابه – باطل في الحقيقة , و نفس الأمر مطابقاً لما كان في نفوس المشركين أو غيرهم ، ألا يكون هذا معارضاً معارضة صريحة لمضمون هذه الآية , التي تنفي إمكان أن يقتحم الباطل إليه من بين يديه و لا من خلفه؟ ، فإذا أضفنا إلى هذا قوله تعالى : ( و قال الذين كفروا إن هذا إلا إفكٌ افتراه و أعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً و زوراً و قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً و أصيلاً قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات و الأرض إنه كان غفوراً رحيماً (
[ سورة الفرقان الآيات : 4 – 6 ] ،
و الآية السابقة تحكي قول الذين كفروا في ذلك ، ثم تعقب عليه بأن الذي أنزل هذا القرآن إنما هو الذي يعلم السر في السماوات و الأرض ، و في هذا أبلغ بيان في نفي زعم الأسطورة عنه ؛ لأن الذي يعلم حقائق الأمور في كل شيء , لا يجوز عليه أن يحكي في كتابه المنـزل الأساطير و الأباطيل على أنها هي الحق الذي لا يأتيه الباطل , إنما يقع في هذا ناقصو العلم و المعرفة من البشر , الذين لا علم لهم بحقائق و أسرار الكون .
-و هذا المعنى الأخير مصداق قوله تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا ( [ سورة النساء الآية 82 ] يعني – و الله تعالى أعلم – لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً مع حقائق الأمور التاريخية و الكونية ، و لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا بعضهم مع بعض
-وما قولهم في قوله تعالى : ( ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون (
[ سورة السجده الآيات :1-3 ] ، فرد على دعوى الافتراء بإثبات أنه هو الحق من الله ، فهل يتمشى مع منطق العقل أو أساليب البيان أن يكون حقاً قد احتوى باطلاً ؟ و هل يصدق عليه وصف الحق حينئذ ؟.
- وما قولهم في وصف القرآن – بما فيه من قصص – بأنه الحق كما في قوله تعالى : (إنا أرسلناك بالحق بشيراً و نذيراً ( [ سورة البقرة الآية : 119 ] و قوله: ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق و إنك لمن المرسلين ( [سورة البقرة الآية : 252 ] ، و قوله : ( نزل عليك الكتاب بالحق ( [سورة آل عمران الآية : 3 ] و قوله: ( إن هذا لهو القصص الحق ( [ سورة آل عمران 62 ] ، و قوله : ( إن الحكم إلا لله يقص الحق و هو خير الفاصلين (
[ سورة الأنعام الآية : 57 ] ، و قوله: ( و بالحق أنزلناه و بالحق نزل و ما أرسلناك إلا مبشراً و نذيراً ( [ سورة الإسراء الآية: 105 ] ، و قوله: ( نحن نقص عليك نبأهم بالحق( [سورة الكهف الآية : 13 ] ، و قوله : ( و لا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق و أحسن تفسيرا ( [ سورة الفرقان الآية : 33 ] ، و قوله : ( نتلوا عليك من نبأ موسى و فرعون بالحق لقوم يؤمنون ( [ سورة القصص الآية : 3 ] ، و قوله : ( و الله يقول الحق و هو يهدي السبيـل ( [ سورة الأحزاب الآية : 4 ] ، و قوله : ( و الذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق ( [ سورة فاطر الآية : 31 ] ، و قوله : ( إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق ( [ سورة الزمر الآية : 41 ] ، و قوله : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين ( [ سورة الزمر الآية : 2 ] ، و قوله : ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديثٍ بعد الله و آياته يؤمنـون ( [ سورة الجاثية الآية : 6 ] ، و قوله : ( و آمنوا بما نزل على محمد و هو الحق من ربهم ( [ سورة محمد الآية : 2 ] ؟.
-إن عدم مطابقة ما في القرآن من وقائع تاريخية مع أحداث التاريخ , إما منشؤه عدم وجود هذه القصص في التاريخ أصلا , وإما منشؤه أن يكون في التاريخ شيء يعارضه؛فإن كان الأول فإن عدم عثورنا عليه في التاريخ ليس دليلا على عدم وقوعه حقيقة , فعدم العلم ليس علما بالعدم،وأما إن كان الثاني فلا بد أن تكون هذه الحادثة حصل لها من النقل والتواتر والتثبت مثل ما حصل للقرآن حتى تعارضه , وهذا لا وجود له ، وإلا فإننا نقدم ما في القرآن؛ لأنه أصح بشهادة الجميع.
14-هذه الدعوى تفتح الباب للطاعنين على مصراعيه، فإذا ثبت أن القرآن فيه أشياء مكذوبة ومفتراه , إذن كيف يتبع و يلزم به ويتحاكم إليه.
وأما الردود التفصيلية على الشبه التي ذكرها، فهي كالتالي :
-الطعن الأول:قوله تعالى عن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام : ( و يكلم الناس في المهد ( [ آل عمران : 46 ]، حيث روى الرازي عن اليهود و النصارى أنهم ينكرون أن عيسى تكلم في زمن الطفولة ، و يحتجون بأن هذا لو حدث لكان من الوقائع العجيبة التي تنقل بالتواتر .
-الطعن الثاني:وقوله تعالى : ( وقال فرعون: يا هامان ابن لي صرحاً ( [غافر 36 ] فالمدعو خلف الله يشير إلى ما رواه الرازي من قول اليهود : أطبق الباحثون عن تواريخ بني إسرائيل و فرعون , أن هامان ما كان موجوداً البتة في زمان موسى وفرعون ، وإنما جاء بعدهما بزمن مديد .

-الجواب:
1-أن هذا الآيات تليت على اليهود في زمن النبي ( ,وكان فيهم العلماء والأحبار فلم ينكر أحد منهم هذا الأمر.
2-كيف يُحاكم القرآن المحفوظ بحفظ الله له بكتب أهل الكتاب , التي ملئت تحريفا وزيفا , بل طال التحريف عندهم كتبهم المقدسة ، هذا لا يقبله عقل ، ومثل هذا كمثل عالم كبير السن والقدر والاطلاع ، تكلم في قضية ، فقال له الناس:نحن نخالفك بهذا ؛لأن عندنا كتابا محرفا لا ندري من ألفه ملئ بالأخطاء يخالف ما تقول ؟!!.
3-دعوى أن هذا مطبق عليه عندهم منقوضة بما حصل من اليهود والنصارى في زمن النبي ( , من الإقرار عليه وعدم إنكاره ، مع حرصهم الشديد على مخالفته في ما هو أقل من ذلك.
4- (إن الرازي لم يترك هذه الشبهة دون رد ، و بالتالي لم يكن من الذين يقولون بها على سبيل الإيمان أو الاقتناع ، فقد قال : أجاب المتكلمون عن هذه الشبهة , و قالوا : إن كلام عيسى عليه السلام في المهد , إنما كان للدلالة على براءة حال مريم عليها السلام من الفاحشة، و كان الحاضرون جمعاً قليلين ، فالسامعون لذلك الكلام كان جمعاً قليلاً ، و لا يبعد في مثله التواطؤ على الإخفاء . ،وقال : والجواب أن تواريخ موسى وفرعون قد طال العهد بها ، واضطربت الأحوال والأدوار , فلم يبق على كلام أهل التاريخ اعتماد في هذا الباب ، فكان الأخذ بقول الله تعالى أولى)(344).
5-إن فرعون موسى –من بين فراعنة مصر- ليس معروفا للمؤرخين بصورة قطعية متفق عليها، فإذا كان الأمر كذلك , فإن تحديد وزرائه ومعاونيه بالاستقصاء والحصر , أمر لا يمكن أن يدعيه على سبيل القطع مؤرخ يحترم عقله وعقول الناس(345) .
-الطعن الثالث: قوله تعالى: ( يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا( [مريم :28]،وقد علم أن بين مريم وهارون أكثر من خمسة عشر قرنا346.
-الجواب:
1-أن هارون كان رجلا صالحا من بني إسرائيل , ينسب إليه كل من عرف بالإصلاح، والمراد:أنكِ كنتِ في الزهد والتقوى كهارون، فكيف صرت هكذا.
2-أن مريم من نسل هارون ، فنسبت إليه كما يقال : يا أخا همدان ، يا أخا العرب ، يعني يا من نسله منهم،ومنه قوله تعالى: ( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف... ( [الأحقاف:21] ومن هذا الباب حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( , إِذْ جَاءَ هُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ , ثُمَّ أَدْبَرَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (:« يَا أَخَا الْأَنْصَارِ كَيْفَ أَخِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ؟ » ، فَقَالَ : صَالِحٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (: « مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ ؟ » فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ وَنَحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ , مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ وَلَا خِفَافٌ347 وَلَا قَلَانِسُ348 وَلَا قُمُصٌ , نَمْشِي فِي تِلْكَ السِّبَاخِ حَتَّى جِئْنَاهُ , فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ حَتَّى دَنَا رَسُولُ اللَّهِ ( وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ"(349)، وهذا الجواب وجيه وقوي.
3-أن هارون كان رجلا مُعْلِناً بالفسق , فشبهت به .
4-هارون المقصود به هنا ليس هو هارون أخي موسى , بل هو أخ لمريم حقيقة فنسبت إليه ، فقد عرض هذا الإشكال على النبي ( وأجاب عنه بهذا الجواب ، فقد أخرج الإمام مسلم عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي فَقَالُوا : إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ ( يَا أُخْتَ هَارُونَ( وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا . فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ : « إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ » (350).

-الطعن الرابع : يقول: بانَ للعقل الإسلامي أن وداً وسُواعاً ويغوثَ ويعوقَ ونسراً كانت الأوثان التي تعبد في الجزيرة العربية زمن البعثة المحمدية ، وعجز العقل الإسلامي عن أن يفهم الصلة بين هذه الأوثان وبين نوح عليه السلام حتى تجيء في قصته ، فالدنيا خربت في زمن نوح بالطوفان , فكيف بقيت تلك الأصنام؟.
-الجواب:
نسأل:مَن قال إن الدنيا خربت؟ إنما هلك كل الناس إلا من كان في السفينة ، وأما بقاء الأصنام وغيرها من الجمادات فهو غير مستبعد.
قال القرطبي : (عن ابن عباس: إن نوحا عليه السلام كان يحرس جسد آدم عليه السلام , على جبل بالهند, فيمنع الكافرين أن يطوفوا بقبره, فقال لهم الشيطان: إن هؤلاء يفخرون عليكم، ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم , وإنما هو جسد , وأنا أصور لكم مثله تطوفون به. فصور لهم هذه الأصنام الخمسة ، وحملهم على عبادتها, فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء, فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب) (351).
-الطعن الخامس:سياق آيات قصة لوط في سورة الحِجْر , يخالف سياق نفس القصة في سورة هود وغيرها من السور :
ففي الحِجْر : ( فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ(61)قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنكَرُونَ(62)قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ(63)وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ(64)فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ(65)وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ(66)وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ(67)قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ(68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ(69)قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ(70)قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ(71) ( [الحجر:61-71].
وأما في هود : ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ(77)وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ(80) قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) ( [هود:77-81]، ففي الحجر أخبروه أنهم رسل الله قبل أن يأتي قومه ، وفي هود أخبروه بعد ذلك؟.
-الجواب:





أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



جمع القرآن عند علماء المسلمين Emptyالجمعة 25 يناير - 21:59
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: جمع القرآن عند علماء المسلمين



جمع القرآن عند علماء المسلمين

لا شك أن سياق سورة هود هو سياق قصة لوط ,كما يدل عليه غيره من الآيات ، ويدل عليه أيضا قوله في الحجر: ( إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ(68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ(69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ(70)قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُْنتُمْ فَاعِلِينَ ( فلو كان يعلم أنهم ملائكة لما قال هذا الكلام لقومه.
وليس في الحجر ما يدل على خلاف هذا ، وكون الآيات قدمت كلام الملائكة مع أنه متأخر حدوثا , فهذا لا يضر لحكمة معينة، والواو لا تقتضي الترتيب ،قال ابن كثير: ( قوله: قال ( إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون ( .
وهذا إنما قاله لهم قبل أن يعلم بأنهم رسل الله ، كما قال في سورة هود , وأما ههنا فتقدم ذكر أنهم رسل الله , وعطف ذكر مجيء قومه ومحاجته لهم ، ولكن الواو لا تقتضي الترتيب ولا سيما إذا دل دليل على خلافه)(352).
-الطعن السادس: وذكروا أن في القرآن أساطير للأولين ؛ومثل لها بالذي مر على قرية وهو خاوية على عروشها، وقصة أهل الكهف، لأن ما فيها من أخبار الغيب لا يتفق مع مقاييس العقل.
-الجواب:
1- قصة أهل الكهف يثبتها أهل الكتاب أيضا، بل إنما نزلت هذه الآيات بناء على استفسارهم عنها –كما تقدم-، والعادة أنهم لا يطعنون في كتبهم المقدسة –على خلاف بعض بني جلدتنا-، فالطعن في قصة تتابعت الكتب السماوية على إثباتها جرأة خطيرة .
2-هذه دعوى من غير دليل ، وكل دعوى بلا دليل باطلة ، لاسيما إذا كان القرآن يقرر خلاف هذه الدعوى.

-الطعن السابع: الطعن في قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس والهدهد:
قال الإمام الرازي: ( أن الملاحدة طعنت في هذه القصة من وجود :
أحدها : أن هذه الآيات اشتملت على أن النملة والهدد تكلما بكلام لا يصدر ذلك الكلام إلا من العقلاء ، وذلك يجر إلي السفسطة ، فإنا لو جوزنا ذلك لما أمنا في النملة التي نشاهدها في زماننا هذا أن تكون أعلم بالهندسة من إقليدس وبالنحو من سيبويه ، وكذلك القول في القملة والصئبان ، ويجوز أن يكون فيهم الأنبياء والتكاليف والمعجزات .
ومعلوم أن من جوز ذلك كان إلى الجنون أقرب .
وثانيها : أن سليمان عليه السلام كان بالشام ، فكيف طار الهدد في تلك اللحظة اللطيفة من الشام إلى اليمن ، ثم رجع إليه .
وثالثها : كيف خفي على سليمان عليه السلام حال مثل تلك المملكة العظيمة مع ما يقال إن الجن والإنس كانوا في طاعة سليمان ، وأنه عليه السلام كان ملك الدنيا بالكلية ، وكان تحت راية بلقيس حال طيران الهدهد إلا مسيرة ثلاثة أيام ؟.
ورابعها : من أين حصل للهدهد معرفة الله تعالي ووجوب السجود له وإنكار سجودهم للشمس وإضافة إلي الشيطان وتزينه ؟) (353).
-الجواب:
والحقيقة أن هذه الطعون – التي عرض لها خلف الله في سياق نظريته السابقة – لا تقوم في مجموعها أو تفصيلاتها كمستند للطعن في شيء من القرآن الكريم ، وسيكون ردنا عليها نقضاً لكل من يستدل بها وذلك على النحو التالي :
(أ) فيما يتصل بكلام الهدهد والنملة – فقد أصبح من المقطوع به الآن عند العلماء الذين يدرسون سلوك أنواع الطير والحيوان والحشرات ، أن لكل منها لغة تقوم مقام اللغة المعهودة عند البشر ، في التعبير ونقل الأحاسيس والمعارف ، على نحو ما، ما تزال تفاصيله مجهولة من البشر ، لكن المقطوع به من شواهد كثيرة جداً أن لكل منها نوعاً من اللغة يتم به الاتصال بين أفراده ، وقد سجل بعض العلماء تسجيلات صوتية لأنواع من الطيور في حالة الفزع نقلت إليهم – في غاية من الوضوح – هذه المشاعر والمعاني (354) .
فلم يعد يشك الآن في أن كل نوع من الأحياء له لغة خاصة بأفراده ، وهذا أمر واضح لكل من يراقب سلوك الطيور والحشرات ،بل إن بعض العلماء يذهبون إلى أن أنواع النبات هي الأخرى تملك لغة واتصالاً فيما بينها ، على نحو ما – مما لا يتسع المجال لتقرير القول فيه ، ولا يتطلبه.
فما العجب بعد هذا من أن تتكلم النملة ، ويتكلم الهدهد ، بكلام يفهمه سليمان عليه السلام لأنه – كما ورد في القرآن الكريم – علم منطق الطير وأوتي من كل شيء (النمل 16)
أما أنهم تكلموا بكلام يدل على شيء من العقل فإن من يراقب سلوك الطير والحشرات فسوف يدرك بغاية من الوضوح أن سلوكهم يجرى على نظم من الوعى والتدبير والعمل من أجل غايات تهديهم إليها غرائزهم وفطرهم ، وعلى المعاند في هذا أن يقراء شيء عن سلوك الحشرات والطيور في كتب العلم التجريبي ، وسوف يذهله ما يقرأ ، وعليه أن يراقب العمل والنطام في (مملكة النحل) أو في (عالم النمل وقراه التي ينشئها ) .. وليس ذلك كله إلا مصدقاً لقوله تعالي ( ربنا الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدى ( [طه : 50] وقوله : ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ( [ الأنعام : 38 ] ، وهو الذي تدل عليه بحق كافة مشاهدات العلماء المحققين .
والمتشكك في ذلك إنما هو المستحق لسخرية الساخرين ! فما العجب إذن في أن تتكلم نملة ويتكلم هدهد ؟ وما العجب في أن يفهم عنهما من عرف لغة كل منهما ؟
ولا يجر ذلك – كما زعم الملاحدة الطاعنون – إلي شيء من السفسطة التي ذكروها ، فلم يقل القرآن الكريم بشيء من ذلك ، إنما قال بما تدل عليه ملاحظة هذه الأنواع ، وهو أن لها منطقاً ، أما علم الهندسة ، والنحو ، والتكاليف ، والمعجزات؛ فإنما هو من قول الملاحدة الذي يرد عليهم ، لأننا لا نحمل القرآن الكريم إلا ما نطق به لا ما قام في أوهام الملاحدة.
- فيما يتصل بطيران الهدهد من الشام إلي اليمن ، ثم الرجوع إلى الشام ، فالذي ورد في القرآن الكريم عنه قوله تعالى Sad فمكث غير بعيد .. ( [ النمل : 22 ] ، وليس في القرآن الكريم تحديد أن الهدهد مكث " لحظة " كما يقول هؤلاء ، ولا يفهم من " غير بعيد " في سياقها إلا مدة تكفي للطيران ، وقد قرئت على فصحاء العرب من المشركين في عصر الرسالة – وهم أعلم باللغة ، وكانوا يعرفون اليمن والشام – فما أثاروا – فيما علمنا – هذا الاعتراض ، فعلم منه أن التعبير القرآني يخلو عن دواعي اعتراض هؤلاء الملاحدة .
- أما كيف خفي على سليمان حال مملكة سبأ – فإن القرآن الكريم لم يصفه بأنه كان يعرف الغيب ، وقد كان هذا غيبا بالنسبة إليه ، وليس فيما وصف القرآن الكريم به سليمان عليه السلام إلا تسخير الرياح والشياطين وتعليم منطق الطير وإيتاء الملك الذي لا ينبغي لأحد بعده ، لكن ليس فيه شيء من وصفه بعلم غير ما علمه الله له ، فما العجب في أن تكون في الأرض أشياء وممالك كان سليمان – مع عظمة ما أعطاه الله له – يجهلها ؟
إن القرآن الكريم لا يذكر شيئا عن أن سليمان - عليه السلام – كان ملك الدنيا كلها بأكملها – كما يزعم هؤلاء الطاعنون – ولعل مستندهم في هذا إنما هو بعض المبالغات الإسرائيلية التي لم يرد لها ذكر في الوحي القرآني .
أما إذا كان واحد منهم قد فهم ذلك من قوله تعالى Sad وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ( [النمل : 16] ، فهو لا يعرف شيئاً عن أساليب البيان العربية ، لأن (من) هنا للتبعيض ، وليس المعني أن كل الأنس – دون استثناء – كانوا تحت ملكه .
ولعل الذي جر الطاعنين إلي طعنهم ما ذكروه هم من أنه كان تحت راية ملكة سبأ اثنا عشر الف ملك تحت راية كل منهم مائة ألف ‍!
وليس في نصوص القرآن الكريم شيء من هذا مطلقاً ، والعدد الذي ذكروه يجاوز بكثير جداً ما يمكن أن يكون موجوداً عندئذ من عدد السكان ، وهو يذكرنا بما نقده ابن خلدون من مبالغات المؤرخين القدماء ، وما حذر منه ( فيكو) من غرور الأمم حين تكتب تارخها – فكيف تحمل هذه المبالغات على نصوص القرآن الكريم التي لم تعرض لها إطلاقاً ؟
فلا عجب إذن أن يجهل سليمان - عليه السلام – أمر ملكة سباً مع كل ما أعطاه الله له ، لأنه لم يعطه علم كل ما في الأرض ، ولم تكن هناك اتصالات منتظمة بين المالك بحيث تعرف كل منها الأخرى ، وتتصل بها على النحو الذي نعهده في عصرنا والذي حدث بعد ذلك بحكم التطور العمراني ، ولم تكن الجن التي سخرت لسليمان – عليه السلام – أيضاً تعرف الغيب كما ورد في قوله تعالي : ( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( [سبأ : 14] .
(د) أما من أين حصل للهدهد معرفة الله تعالى ووجوب السجود له وإنكار سجودهم للشمس وإضافته إلي الشيطان وتزيينه؟ فإنما كان الهدهد من جند سليمان عليه السلام ، والآيات تتكلم عن أمر ( غيبي ) لا يقاس على معرفة البشر الآن بأحوال الطير ، وما المانع من أن تكون فطرة كافة المخلوقات عارفة بوجوب السجود لله تعالى وحده ، وقد جاء في القرآن الكريم شاهداً بذلك قوله تعالى : ( اولم يروا إلي ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ( [ النحل : 48-49] وقوله : ( والنجم والشجر يسجدان ( [الرحمن : 6] وقوله : ( الم تر ان الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ( [النور : 41] وقوله ( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهم وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً ( [الإسراء : 44] ... فما العجب بعد هذا كله أن بكون الهدهد من جند سليمان – عليه السلام – عارفاً لوجوب السجود لله تعالى وحده منكراً السجود لغيره ؟
إن القضية – فيما نري قضية إخبار عن الغيب لا تصل معرفة البشر التجريبية أو العقلية إلى شيء يستند إليه إنكار هذا الإخبار الذي يجاوز حدود هذه المعرفة ، فالمؤمنون بالغيب وبصدق الوحي القرآني يؤمنون به ، والمكذبون ينكرون بكل ما لا يقع منهم تحت حس مباشر أو تجربة مادية ، لكنهم في مثل هذه القضايا الغيبية لا مستند لهم في إنكارهم إلا محض الشك والتكذيب وقياس الغائب على الشاهد وتحكيم عقولهم القاصرة فيما هو من علم الغيب ،... ولسنا نملك لهؤلاء وسيلة تحملهم على الإيمان بالغيب وعدم قياس الأمور فيه على علم الشهادة البشرية . ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الأخرة عذاب عظيم ( [المائدة : 41] .
.... وبهذا يتبين لنا أنه ليس فيما ورد من قصة سليمان في سورة النمل ما يطعن في صحة شيء مما ورد في القرآن الكريم).
-المطلب الثالث : دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الكونية أو حقائق العلم التجريبي :
1- لابد أن تكون هذه المعلومات التجريبية وصلت مرحلة الحقيقة العلمية المستقرة المتفق عليها ، فلا يجوز أن نجادل القرآن بنظريات تفسيرية لبعض ظواهر الكون ، أو أن القضية العلمية عبارة عن تجارب لم تصل إلى حد الحقيقة الثابتة القطعية ، مثل نظرية أن أصل الإنسان قرد ثم مر بمراحل حتى وصل إلى هذا المستوى ، التي تتعارض مع كون ابتداء خلق الناس كان من آدم الذي خلقه الله تعالى مرة واحدة من غير تدرج .
2-لابد أن يكون هذا التناقض من كل وجه بحيث لا يحتمل حمل اللفظ على معنى آخر ، فإن دلالة القرآن الظنية المعنى مما يمكن حملها على عدة معان ، ومن هذه المعاني معان لا تخالف العلم ، مثل دعوى أن الأرض تدور حول الشمس ، المناقض لقوله الله تعالى : ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن . .( فنسب فعل الدوران للشمس ، وهذا غير صحيح ؛ فإن اللفظ ليس قاطعا في هذا المعنى ، بل إنه ابتدأ بقول : (وترى الشمس( أي أن هذا الأمر بالنسبة لرؤية الإنسان ، وسياق الآية كما هو ظاهر ليس مقصودا في إثبات دوران الأرض حول الشمس أو العكس ، فلا ينبغي تحميل النص ما لا يحتمل .
فإذا كانت المسألة في حقيقة علمية ثابتة ، وهى تعارض نصا قرآنيا من كل وجه ، فهنا تحصل المناقضة .
وكعادتنا نبدأ أولا بالردود الإجمالية ثم التفصيلية :
1-إن المنصفين من أهل الملل الأخرى شهدوا بأن القرآن لا يتعارض مع العلم أبدا .
يقول إبراهيم خليل : ( يرتبط هذا النبي ( بإعجاز أبد الدهر بما يخبرنا به المسيح –عليه السلام- في قوله عنه : (ويخبركم بأمور آتية) . وهذا الإعجاز هو القرآن الكريم، معجزة الرسول الباقية ما بقي الزمان ، فالقرآن الكريم يسبق العلم الحديث في كل مناحيه ؛ من طب وفلك وجغرافيا وجيولوجيا وقانون واجتماع وتاريخ… ففي أيامنا هذه استطاع العلم أن يرى ما سبق إليه القرآن بالبيان والتعريف . . )(355) ، وقال : (أعتقد يقينا أني لو كنت إنسانا وجوديا ، لا يؤمن برسالة من الرسالات السماوية ، وجاءني نفر من الناس ، وحدثني بما سبق به القرآن العلم الحديث في كل مناحيه ؛ لآمنت برب العزة والجبروت ، خالق السماوات والأرض ولن أشرك به أحدا)(356) .
وقال بوتر : (عندما أكملت قراءة القرآن الكريم ، غمرني شعور بأن هذا هو الحق ، الذي يشتمل على الإجابات الشافية حول مسائل الخلق وغيرها ، وإنه يقدم لنا الأحداث بطريقة منطقية ، نجدها متناقضة مع بعضها في غيره من الكتب الدينية ، أما القرآن فيتحدث عنها في نسق رائع وأسلوب قاطع لا يدع مجالاً للشك بأن هذه هي الحقيقة ، وأن هذا الكلام هو من عند الله لا محالة )(357) .
وقال بوتر أيضا : (كيف استطاع محمد ( ، الرجل الأمي الذي نشأ في بيئة جاهلية ، أن يعرف معجزات الكون التي وصفها القرآن الكريم ، والتي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها ؟ لابد إذن أن يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل )(358) .
وقال حتي : (إن أسلوب القرآن مختلف عن غيره ، ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر ، ولا يمكن أن يقلد ، وهذا في أساسه ، هو إعجاز القرآن . . فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى)(359) .
ولقد ألف الدكتور مراد هوفمان –سفير ألمانيا السابق بالرباط- كتاب (الإسلام كبديل)(360)، وفيه شهادات كثيرة على إعجاز القرآن وصدقه وصدق النبي ( وكمال التشريع .
ومن الذين تخصصوا في هذا المجال ، وكان من أشد الناس عداوة للقرآن والرسول( الدكتور موريس بوكاي ، وكان كلما جاءه مريض مسلم يحتاج إلى العلاج الجراحي ، فإنه إذا أتم علاجه يقول له : ماذا تقول في القرآن ، هل هو من الله أنزله على محمد أم من كلام محمد نسبه إلى الله افتراء عليه؟ فإذا أجاب المريض بأنه من الله ، وأن محمدا ( صادق ، قال : أنا أعتقد أنه ليس من الله وأن محمدا ليس بصادق . وبقي على ذلك زمانا حتى جاءه الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية الراحل ، يقول بوكاي : فعالجته جراحيا حتى شفي ، فألقيت عليه نفس السؤال ، فقال لي : هل قرأت القرآن ؟ فقلت : نعم مرارا وتأملته . فقال لي : بلغته أم بترجمة ؟ فقلت : بالترجمة . فقال : إذن أنت تقلد المترجم ، والمقلد لا علم له ؛ إذ لم يطلع على الحقيقة ، لكنه أخبر بشيء فصدقه ، والمترجم ليس معصوما من الخطأ والتحريف عمدا ، فعاهدني أن تتعلم اللغة العربية وتقرأ القرآن بها وأنا أرجو أن يتبدل اعتقادك الخاطئ هذا . قال : فتعجبت من جوابه ، ووضعت يدي في يده وعاهدته على ألا أتكلم في القرآن حتى أتعلم العربية ، وذهبت من يومي إلى الجامعة الكبرى بباريس ، وتعلمت اللغة العربية في سنتين ، وأنا آخذ يوميا درسا حتى يوم عطلتي ، ثم قرأت القرآن بإمعان ، ووجدته الكتاب الوحيد الذي يضطر المثقف بالعلوم العصرية أن يؤمن بأنه من الله ، لا يزيد حرفا ولا ينقص ، وأما التوراة والأناجيل الأربعة ففيها كذب كثير لا يستطيع عالم عصري أن يصدقها)(361). وكانت ثمرة هذه الدراسة العميقة للقرآن تأليف كتابه المشهور "التوراة والإنجيل والقرآن بمقياس العلم الحديث" ، ومما قاله بوكاي في هذا الكتاب : (لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم ، وذلك دون أي فكر مسبق ، وبموضوعية تامة بحثاً عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث ، وكنت أعرف - قبل هذه الدراسة وعن طريق الترجمات - أن القرآن يذكر أنواعا كثيرة من الظاهرات الطبيعية ، لكن معرفتي كانت وجيزة ، وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث)(362) .
- ثانيا : الرد التفصيلي :
وهذه هي الطعون العلمية التي ذكرها المجلس الملي النصراني ورد الدكتور شلبي عليها : -
2_ الأرض ثابتة لا تتحرك :
(جاء في سورة لقمان : (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم (. قالوا فكيف يقول القرآن إنها راسية وثابتة ؟
الجواب : (معنى تميد تضطرب وتتزلزل ، ولا يراد بالميدان مجرد حركة متزنة ، والمصدر الثلاثي (فعلان ) يأتي لإفادة هذا المعنى ، مثل ميدان وغليان وثوران وجولان . . . وهكذا ، والآية تذكر أن الله ثبت الأرض حتى يستطيع البشر أن يستقروا عليها في نومهم ، ويزرعوا ويرعوا ماشيتهم ، ولو كانت مضطربة ما استطاع الناس أن يطمئنوا عليها وأن يعملوا هذه الأعمال .
نحن ننام في الطائرة وفي القطار وفي السفينة ، فإذا اضطرب واحد منها استيقظنا وشعرنا بالتعب ، وقد نطلب من السائق أن يعمل شيئاً يسكنها لتثبت ، ولا يعني تثبيته أنه يقف ولا يتحرك ، بل أن ينقطع اضطرابه ، وسيذكر القوم بعد معترضين على القرآن أنه ذكر (وكل في فلك يسبحون (، و(كل (كلمة تشمل الشمس وتوابعها من القمر والأرض والكواكب الأخرى ، فالقرآن إذن يقرر حركة كل هذه الكواكب)(363) .
3_ الكواكب في حجم الحجارة :
(جاء في القرآن : (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين( [الملك:5] ، وجاء أيضاً : (ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين([الحجر:16-18] ، وقال رجال المجلس : إن القرآن جعل النجوم والكواكب في حجم الحجارة ، ترمي بها الملائكة الشياطين ، والعلم الحديث يثبت أن كل كوكب عالم ضخم .
والذي في الآية أن هناك أجساماً نارية تصيب الشياطين ، ولم يذكر أن الشيطان يسقط عليه نجم أو أن الملائكة ترميه به ، والعلم الحديث ، ورواد الفضاء يتحدثون عن النيازك التي ترى في الفضاء الواسع مذنبات مضيئة ، ومنها الناري الذي ينطفئ ويتفتت في سيره ، وبعضها يصل إلى الأرض ، وهي تشبه المقذوفات البركانية ، والذين درسوا جغرافية فلكية يعرفون هذا ، فهذه المقذوفات قطع تنفصل من الكواكب وتتحرك في الفضاء ، خصوصاً إذا كان النجم أو الكوكب قريبا من الأرض ، والله تعالى يصيب بها من يشاء ويحفظ بها من يشاء ، وقد تكون قطعاً باردة ولكنها مضيئة كالقمر . أما سمع نوابغ العصر أصحاب تيموثاوس أن الذين نزلوا على سطح القمر رأوا هناك جهات ساكنة نارها ، وأخرى ملتهبة ؟ وأنهم رأوا الأرض مشعة كما نرى نحن القمر ؟ وأن الفضاء مليء بقطع نارية سابحة ، ومنها ما يصل إلى الأرض ؟ .
4_ الفضاء سطح أملس قابل للسقوط وكذلك الأرض :
(ذلك لأنه جاء في القرآن (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن( [الطلاق:12] ، وجاء : (والله الذي جعل لكم الأرض بساطاً( [نوح:19] ، وجاء : (يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون([البقرة:21] ، ( الذي جعل لكم الأرض فراشاً( [البقرة:22] ، وجاء هذا ومثله في آيات أخرى ، وخطؤه في نظر رجال المجلس أن الأرض كوكب واحد وليس سبعة ، وكذلك السماء !
والآية الأولى جاءت في ختام سورة الطلاق ، وهي تلفت الأنظار إلى قدرة الله تعالى البالغة : (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً ( .
آية عجيبة رهيبة تبين ضآلة الإنسان في هذا الكون العظيم ، ويقف غير واحد من الكتاب مذهولاً أمام التعبير ، وأمام مدلوله ، وأمام هذا الإعجاز القرآني .
ما هذه السماوات ؟ وما هذه الأرضين ؟كل ينظر من زاوية خاصة ، وكل يجد في الآية ما يبهره .
قد تكون السماء التي توصل علمنا إليها بكل ما فيها من كواكب ونجوم وأفلاك إحدى سماوات سبع ، والكرة الأرضية التي نعيش عليها هي أيضاً كذلك ! إن علم الفلك الحديث يؤيد هذا ، ويذكر أن المجموعة الشمسية التي يتعلق بها عالمنا هذا ليست إلا واحدة من مجموعات أخرى لا يعلمها إلا الله الذي خلقها .
وفي اللغة العربية يذكر العدد لإرادة التكثير ، ويعبرون عنه بأنه عدد لا مفهوم له ، وهذا كما تقول لصديقك : زرتك ألف مرة ولم تزرني . فأنت لا تريد ألفاً بعدده ، وإنما تريد زرتك مرات كثيرة ، فإذا حملنا العدد في الآية هذا المحمل ، فالمعنى أن الله خلق سماوات كثيرة وأرضين كثيرة ، وهذا حق وواضح .
وقد يكون المراد بالسبع الأرضين أنواعا مختلفة من تربة الأرض ، ويسمى كل نوع أرضاً ، وهذا وهذا كما تقول : أصبح فلان ثرياً يملك أراضي كثيرة ، والأرض أنواع بحسب تربتها وما بكل تربة من عناصر تكونت منها ، بعضها رملي وبعضها جيري ، وببعضها معادن حديدية وبالأخرى عناصر نحاسية وهكذا ، كما قال تعالى : (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود( [فاطر:27] .
وقد يراد من أنواع الأرض ما تصلح لإنباته ، فأرض بها غابات وأرض بها زهور ، وثالثة قاحلة لا تنبت شيئاً .
وآية سورة البقرة : (الذي جعل لكم الأرض فراشاً( [البقرة:22]. . ليست الوحيدة التي تذكر هذا في القرآن ، بل هناك آيات أيضاً أخرى تذكر هذا ، ومعنى (فراشا( : أي مبسوطة تحت أقدامنا ، منبسطة كالفراش ، ننام عليها ونمشي ونزرع ، ونستقر أيضاً أنعامنا ومساكننا ، ولو جعلها الله سبحانه وتعالى كثيرة التعاريج شديدة التحدب ، ما استطعنا أن نستريح عليه ، ولا أن نجري كل هذه الأعمال ، فالآية تذكر نعمة من نعم الله علينا ، وليس في هذا ما يفيد أن الأرض قابلة للسقوط !
وأما الآية التي في سورة الأنبياء ، فقد جاءت ضمن آيات غاية في الروعة والإعجاز العلمي الفلكي ، ولها يعجب الكثيرون كيف قرر القرآن هذه الحقائق منذ ذلك الزمن السحيق . فاقرأ قوله تعالى : (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شي حي أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفاً محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس كلٌ في فلكٍ يسبحون( [الأنبياء:30-33] . كانت السماوات العديدة والأرض جزءاً واحداً ، ففتقها الخالق وفصل بعضها عن بعض : تبارك الله ، وصدق نبيه الكريم ! ما كان ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى !!
أما التوراة فتقول : ( في البدء خلق الله السماوات والأرض ، وكانت الأرض خربة وخالية ، وعلى وجه الأرض ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه ) .
هكذا بدأ وأنشأ الله السماوات والأرض جميعاً دفعة واحدة ، ولم يذكر شيء عن الماء .
تعبير ساذج وتفكير وثني ، لا يفهم إلا الشيء المتجسد ؛ أين كان الله إن كانت روحه ترف وتحوم حول الماء ؟ أكان بلا روح ، أم هو الذي تجسد فصار هذا الحيز الضئيل كالحمامة ؟ خلق الكون كله وهو جزء صغير منه .
( وقال الله : ليكن نور . فكان نور ، ورأى الله النور أنه حسن ) !
لم يكن يعرف أنه سيكون حسناً ، ولكن لما ظهر له أعجبه . عمل من طريق الصدفة البحتة ، وتجربة نجحت وجاءت بشيء جميل .
أهذه هي البلاغة ؟! لا فصاحة تعبيرية ولا حقيقة علمية .
ونقرأ بقية هذه البداية فنجد : أن الله فصل بين النور والظلمة ، وسمى النور نهاراً والظلمة ليلاً ، وقال لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ، ولتظهر اليابسة . ودعا اليابسة أرضاً .
وهكذا يمضي سفر التكوين مضطرباً في الكلمات القليلة التي بدأ بها .
في البداية خلق السماوات والأرض وكانت الأرض خربة ، وبعد ذلك خلق وسط الماء شيئاً جامداً أسماه أرضاً ، وسمى بعضاً منه سماء .
وهل يؤيد هذا علم أو يتسع له عقل ؟ خلق السماوات والأرض ، ثم خلق شيئاً سماه أرضاً وسماء!
كانت الفكرة القديمة أن العالم كله ماء ، وأن الأرض طافية فوق الماء كحبة العنب ، وهو تفكير نشأ عن نظر محدود . وسفر التكوين وبقية الكتاب المقدس _أو الذي يسمى الكتاب المقدس _ من وضع بشري متأخر .
ومع اضطراب التعبير ، وسقامة الأسلوب ، ومخالفة المعنى لحقائق العلم يعجب تيموثاوس التقي الذكي به ويعيب القرآن .
(أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون( [سورة الأنبياء :30 ].
(وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون( [سورة الأنبياء:32]. .
والسماء هي كل شيء نراه فوقنا ، وفهم تيموثاوس أن السماء لا تكون إلا بمعنى الفضاء ، وهو جهل فاضح ، لقد كان العرب يقولون لمحمد ( أسقط السماء علينا كسفاً ؛ أي قطعاً ، فهل كانوا يعنون الفضاء ؟
5-قرر القرآن أن جبل (( قاف )) يحيط بالأرض كلها
وذلك في أول سورة ( ق ) قي قوله تعالى : (ق والقرآن المجيد( . وهذا خطأ ؛ لأن العلم يبين أن أعلى قمة هيس ( إفرست ) .
أما القرآن فلم يذكر جبالاً ولا قمماً ، والحرف ( ق ) أحد الحروف الكثيرة التي بدئت بها سور من القرآن مثل : ص ، ن ، حم ، الر . . وهكذا .
ولكن الصيغة المادية البحتة التي تركتها التوراة المزيفة في ذهن القوم ، وجهت ذهنهم هذا الاتجاه المادي البحت ، وإذا كانت هذه خرافة منشؤها كتاب يهودي ، فكيف يؤاخذ بها القرآن ؟! إن كتب اليهود هي كتب المسيحيين ، فليوجه القوم اللوم إلى أنفسهم ، أما أن يكونوا هكذا جاهلين ، ثم يحملون جهلهم على القرآن ، فهذا ما لا يقبله غير عقولهم) .
6-قال ميلر : (من الذائع المشهور أن النتائج التي وصل إليها العلم الحديث عن أصول العلم ، تخالف كل المخالفة ما هو مقرر في الكتاب المقدس ، وفي القرآن من أن الله خلق العالم في ستة أيام ، صحيح أن القرآن يقرر أن يوما عند الله كألف سنة مما يعد الإنسان ولكن هذا لا يحل المعضلة ؛ فإن فترة الزمان المتطاولة التي مر بها الكون في وجوده ، لا يمكن أن تضغط في ستة آلاف أو ستة ملايين سنة) .
الجواب :
(أ- الآيات التي أشار إليها ميلر بروز تقرر أن الله تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ، لكنها لا تعرض لعمر الكون المخلوق منذ خلقه الله تعالى حتى يومنا هذا ، لكن ميلر بروز في كلامه السابق يخلط بين الأمرين ، مشيراً إلى ( معضلة ) لا وجود لها ، حيث يتكلم عن ( فترة الزمان المتطاولة التي مر بها الكون في وجوده ، والتي لا يمكن أن تضغط في ستة آلاف أوستة ملايين سنة ) ، فمال الآيات القرآنية التي يشير إليها وعمر الكون ؟!
إنها تقرر فحسب الزمن الذي خلق الله تعالى فيه الكون ، دون أن تعرض لما بعد الخلق من الزمن الذي مر على الكون المخلوق حتى يومنا هذا .
فالتناقض الذي يتكلم عنه هذا المستشرق إنما جاء نتيجة لخلطه بين الأمرين ، وتحميل الآيات القرآنية غير ما تحمله من معنى . وذلك أمر غاية في الوضوح لكل من يراجع نصوص الآيات المشار إليها ثم يراجع كلام المستشرق عنها) .
ب- إن ميلر بروز ـ أو غيره ـ لا يستطيع أن يعرض بشيء من التكذيب لما قررته هذه الآيات ، من أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ؛ لأن فعل الخلق وزمانه سبقا الوجود البشري ، فلا يستطيع أحد إطلاقاً أن يزعم أنه شهد – بأي وسيلة – أو رصد كيفية خلق السماوات والأرض وزمانه ، وعلم البشر المادي – بكافة فروعه – نشأ بعد أن تم الخلق ، وليس هناك أمامه سبيل ما لمعرفة تفصيلات خلق السماوات والأرض وما بينهما – من حيث الزمان – إلا ما أخبر به الوحي الصادق عن الله تعالى في هذه الآيات ، وفيما يتصل بها من أحاديث نبوية صحت روايتها عن النبي ( ، ولا يملك الإنسان – في علمه البشري وسيلة أخرى يسترجع بها كيفية الخلق أو زمانه ليقيس عليها ما ورد في الوحي ، ومن هنا لا يستطيع العلم البشري بحال أن يصل في هذه القضية إلى شيء يستند عليه في تكذيب ما ورد في الوحي ؛ لأن الوحي يحكي هنا عن أمر ( غيبي ) لم يشهد البشر ولا يصل إليه علمهم المادي بحال ، كما قال تعالى : (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً ( [سورة الكهف :30 ].
فكل زعم بمحاولة التشكيك في الله تعالى : خلق السماوات والأرض في ستة أيام زعم باطل بدءاً ، يستوي في بطلانه مع دعوى الكفار القدماء ، بأن الملائكة – الذين لم يشهدوا خلقهم أو يحيطوا بهم علماً – إناث ، وقد رد الله تعالى عليهم بقوله : (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم سنكتب شهادتهم ويسألون(.
أما ما يشير إليه ميلر بروز من (النتائج التي وصل إليها العلم الحديث عن أصول العالم) فليس في هذه النتائج – وهي محض فروض في ذاتها – ما يعرض لشيء عن مقدار الزمن الذي خلق الله فيه السماوات والأرض ، وإن كان فيها تقديرات فرضية لعمر الكون المادي ، وتلك قضية أخرى كما سبق أن قررنا) .

طالعتنا وكالات الأنباء في أكتوبر 1974م (شوال 1394هـ) أن أعضاء بعثة الآثار الفرنسية البريطانية ، التي تقوم بسلسلة من الحفائر في إثيوبيا قد اكتشفوا بقايا هيكل عظمي لإنسان ، يرجع تاريخها إلى حوالي أربعة ملايين سنة ، وقال أعضاء البعثة إن هذا الكشف سيغير تماماً النظريات السابقة المعروفة عن أصل الإنسان ( جريدة الأخبار القاهرية في 28/10/1974 ص1) .
8- في قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا( [الكهف : 86] .
-الجواب :
قد قدمنا أن لا يصح الأخذ بالألفاظ المحتملة وادعاء أنها تعارض العلم ،
(فالتعبير القرآني المحكم المعجز يقول (وجدها تغرب )ولم يقل إنها تغرب ؛ حتى يكون هذا تعبيرا عن الحقيقة الكونية المطلقة )(364) .
قال ابن كثير –رحمه الله- : (قوله : (وجدها تغرب في عين حمئة( أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط ، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله ، يراها كأنها تغرب فيه ، وهي لا تفارق الفلك الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه )(365) .
وقال القرطبي –رحمه الله- : ( قال القفال : قال بعض العلماء : ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا ، ووصل إلى جرمها ومسها ؛ لأنها تدور مع السماء حول الأرض ، من غير أن تلتصق بالأرض ، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض ، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة ، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق ، فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة ، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض ؛ ولهذا قال : "وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا" ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم ، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهـم)(366) .



(321) انظر كتاب : رد مفتريات على الإسلام ، لشلبي ، ص:38، عن رسالة المجلس الملي القبطي الأرثوذكس بالإسكندرية ، دائرة المعارف البريطانية (ص:22).
(322) انظر لسان العرب (11/391)
(323) المفردات (ص:510).
(324) وهو أبو سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، التقَى بالنبي ( قبل أن يبعث، ومات قبل البعثة بخمس سنوات ، وهو من الباحثين عن الدين الحق .(انظر ترجمته في الإصابة لابن حجر (2/613)).
(325) أخرجه البخاريSadكتاب المناقب ، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، رقم :3614).
(326) أخرجه البخاري : كتاب المناقب ، باب حديث زيد بن عمرو ، برقم :3616.
(327) قال ابن القيم : وهو حديث ثابت عند أهل العلم بالحديث لا يختلفون في صحته , وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيحه، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة , والقصة مشهورة عند أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ والفقهاء، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله ( وأيامه من المتكلمين. (التفسير القيم لابن القيم (ص:566).
(328) متفق عليه (البخاري : كتاب الطب، باب السحر ، رقم :5433، ومسلم: كتاب السلام ، باب السحر ، رقم :2189).
(329) ويرى الشيخ رشيد رضا أن هذا كان خاصا فقط في إتيانه أهله ، وأنه معنى قول عائشة:كان يخيل إليه أنه يأتي الشيء ولا يأتيه. كناية عن الجماع ،كما جاء في تفسيره في الرواية الثانية.(انظر تفسير الفاتحة وست سور من خواتيم القرآن ، لمحمد رشيد رضا ص:137).
(330) أخرجه أبو داود (كتاب العلم ، باب في كتاب العلم ،رقم:3646) والإمام أحمد في المسند (رقم:6474) والدارمي (المقدمة ، باب من رخص في كتابة العلم، رقم :484)، وهو صحيح ؛ انظر: صحيح سنن أبي داود للألباني (2/695) رقم:3099.
(331) القائل ابن حجر , رحمه الله .
(332) يعني أنه أُخبر .
(333) فتح الباري(10/237).
(334) انظر فتح الباري (10/239) .
(335) فتح الباري (10/238) .
(336) أخرجه مسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، رقم :2812).
(337) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (9/174).
(338) انظر المرجع السابق ، و من وسائل الغزو الفكري ، لأستاذنا الدكتور نبيل غنايم (ص:589).
(339) هورفيس [ 1874-1931 ] مستشرق ألماني يهودي , تعلم في جامعة برلسين , وعين مدرساً فيها عام [ 1902 ] , و اشتغل في الهند من 1907 إلى 1914 مدرساً للغة العربية في كلية عليكرة الإسلامية , كما اشتغل أميناً للنقوش الإسلامية في الحكومة الهندية البريطانية , وعاد إلى ألمانيا عام 1914 , وعين مدرساً للغات السامية في جامعة فرانكفورت حتى وفاته , كانت رسالته للدكتوراه عن كتاب المغازي للواقدي , وتولى تحقيق جزأين من " طبقات ابن سعد " وألف كتاب " مباحث قرآنية " وغيرها من المؤلفات . انظر : موسوعة المستشرقين للدكتور عبد الرحمن بدوي ( ص : 621 ) بتصرف واختصار , دار العلم للملايين , بيروت , الطبعة الثالثة , 1993 .
(340) كارل بروكلمان [ 1868 – 1956 ] مستشرق ألماني مشهور , التحق بجامعة روستوك في 1886 , ودرس فيها العربية , وتتلمذ على نولدكة كثيراً , ونال الدكتوراه عام 1893 في برسلاو برسالة عن ابن الجوزي وكتابه تلقيح فهم أهل الآثار , وعن مؤلفاته المشهورة " تاريخ الأدب العربي " الذي ذكر فيه المخطوطات العربية وأماكن جودها , وهو في خمسة مجلدات , وبذل فيه جهوداً كبيرة ً , وكان يتقن إحدى عشرة لغة شرقية وست لغات غربية , وبلغت مؤلفاته ( 555) مؤلفاً . انظر موسوعة المستشرقين ( ص 98 ) باختصار .
(341) انظر المستشرقون والدراسات الإسلامية ،للدكتورمحمد حسين الصغير (74-75)،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
(342) انظر تفسير ابن كثير (2/167).
(343) الفن القصصي (ص:42).
(344) مدخل إلى علم التفسير (ص:213)و(ص:217).
(345) السابق ص:217.
346 الفن القصصي ، ص:28.
347 الخفاف : جمع خف وهو مايلبس على الرجل من الجلد .
348 القلانس : جمع قلنسوة ، وهي من ملابس الرأس .لسان العرب (6/181).
(349) أخرجه مسلم (كتاب الجنائز ، باب في عيادة المريض، رقم :925).
(350) أخرجه مسلم (كتاب الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم , وبيان ما يستحب من الأسماء ، رقم :2135)
(351) تفسير القرطبي (18/199).
(352) تفسير ابن كثير (2/555).
(353) مفاتيح الغيب 24/190-191
(354) وقد استخدم هذا تجريبيا في زجر الطير لاقط الحب عن أماكن هذه الحبوب باذاعة تسجيلات التحذير والفزع.
(355) محمد في التوراة والإنجيل والقرآن (ص : 47،48) .
(356) المرجع السابق (ص : 48) .
(357) قالوا عن الإسلام(ص55) .
(358) قالوا عن الإسلام(ص55)
(359) قالوا عن الإسلام (ص58)
(360) من منشورات مكتبة العبيكان ، الرياض ، الطبعة الثالثة ، 2001 .
(361) مقال في مجلة السمو العدد الثاني (نوفمبر/2001) ، للدكتور وليد الطبطبائي بعنوان "الملك فيصل يدعو الجراح العالمي موريس بوكاي للإسلام" ، في الصفحة الأخيرة ، وذكر في المقدمة أن هذه القصة موجودة في كتاب "نوادر التاريخ" لصالح محمد الزمام .
(362) قالوا عن الإسلام (ص56) .
(363) المصدر السابق (ص : 130) .
(364) مدخل إلى علم التفسير (ص : 233) .
(365) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/103) .
366 جامع أحكام القرآن للقرطبي (11/50) .





*************************




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



الكلمات الدليلية (Tags)
جمع القرآن عند علماء المسلمين, جمع القرآن عند علماء المسلمين, جمع القرآن عند علماء المسلمين,

الإشارات المرجعية

التعليق على الموضوع بواسطة الفيس بوك

الــرد الســـريـع
..
آلردودآلسريعة :





جمع القرآن عند علماء المسلمين Collapse_theadتعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

اختر منتداك من هنا



المواضيع المتشابهه

https://ouargla30.ahlamontada.com/ منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب