دروس من علوم القرآن
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم ، والصلاة والسلام على نبينا محمد
المبعوث رحمة للعالمين ليتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وعلى آله
وصحبه أجمعين
أما بعد
فهذه سلسلة دروس من علوم القرآن أنقل لكم فيها ما يناهز العشرين درساً
أسأل الله أن ينفع بها
الدرس الأول
نشأة علوم القرآن
حين أراد اللّه بهذه الأمة خيراً أرسل إليهم رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه خير كتبه القرآن الكريم ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور . وقد أدرك الناس في تلك الحقبة إعجاز القرآن وأنه لايمكن أن يكون كلام بشر . فآمنوا به واتبعوه وأقبلوا عليه يتلونه ، ويحفظونه ، ويفسرونه ، ويعملون به وتنافس الصحابة رضوان اللّه عليهم في ذلك ، فكانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، وبلغ من علمهم أن عبداللّه بن مسعود رضي الله عنه يقول : " واللّه الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب اللّه إلا أنا أعلم أين نزلت ولا نزلت آية من كتاب اللّه إلا أنا أعلم فيم أنزلت ، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب اللّه تبلغه الإبل لركبت إليه ". ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو على المنبر : " سلوني فواللّه لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب اللّه فواللّه ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل ".
وما زال الصحابة رضي اللّه عنهم يقرأون القرآن ويتدبرون معانيه ويتدارسون أحكامه حتى حفظه كثير
منهم ، واشتهر آخرون بدقة تفسيره ، واشتهرت طائفة بأحكام تلاوته وبهذا نشأت علوم القرآن .
مدارس التفسير
بعد اتساع الفتوحات الإسلامية ودخول بلدان كثيرة في الإسلام انتشر الصحابة رضوان اللّه عليهم
في البلدان المفتوحة يعلمون أهلها القرآن ويفسرون لهم معانيه ، وينشرون علومه ومعارفه ، وكان
الصحابة يجلسون في المسجد أو في غيره ويلتف حولهم الطلاب منهم من يكتب ويدون ، ومنهم
من يكتفي بالسماع والفهم والحفظ ، فنشأت ما يمكن أن نسميها
« مدارس التفسير »
أشهرها ثلاث مدارس هي :
١ مدرسة عبداللّه بن عباس رضي اللّه عنهما في مكة :
وهو حبر هذه الأمة وترجمان القرآن وهو الذي دعا له رسول صلى الله عليه وسلم بقوله : «اللهم فقهه في الدين
وعلمه التأويل .»
ومن أشهر تلاميذه : سعيد بن جبير ، ومجاهد بن جبر ، وعكرمة ، وطاوس ، وعطاء بن أبي رباح .
٢ مدرسة أُبي بن كعب رضي الله عنه بالمدينة النبوية :
وقد كان أحد كُتاب الوحي ، وإمام القرّاء ، شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : « أقرؤهم أُبُّي بن كعب .»
ومن أشهر تلاميذه : زيد بن أسلم ، وأبو العالية الرياحي ، ومُحمَّدٌُ بن كعب القرظي .
٣ مدرسة عبداللّه بن مسعود رضي الله عنه بالكوفة :
وهو أول من جهر بالقرآن بمكة وأسمعه قريشاً بعد الرسول صلى اله عليه وسلم قال عنه الرسول عليه الصلاة
والسلام : « من أحب أن يقرأ القرآن غضّاً كما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد » يعني ابن مسعود،
وقال ابن مسعود: « واللّه لقد أخذت من في رسول اللّه صلى اله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة
ومن أشهر تلاميذه : علقمة بن قيس ، والشعبي ، وأبو عبدالرحمن السلمي
وقد كان هؤلاء الصحابة وغيرهم يعلمونهم القرآن وتلاوته وتفسيره وأحكامه ويبينون لهم أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغير ذلك من علوم القرآن
ولم يؤلف أحد من الصحابة كتاباً بل كانوا يُعلمون بالرواية والتلقين .
ثم بدأ التابعون بالكتابة والتدوين في علوم القرآن :
* فألَّّف الحسن البصري ( ت 110 هـ ) في القراءات
*وألَّف عطاء بن أبي رباح (ت 114 هـ) في غريب القرآن
*وألّف قتادة بن دعامة السدوسي في الناسخ والمنسوخ .
ثم انفتح باب التأليف على مصراعيه فأُلفت في علوم القرآن مؤلفات كثيرة من أشهرها :
١ تأويل مشكل القرآن لابن قتيبيه ( ت 276 هـ).
٢ إعجاز القرآن لأبي بكر الباقلاني ( ت 403 هـ). .
٣ المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني (ت 502 هـ ) .
٤ التبيان في أقسام القرآن لابن القيم ( ت 751 هـ) .
٥ لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي( ت 911 هـ) .
واتجهت أنظار العلماء إلى تأليف كتب تجمع الحديث عن علوم القرآن كلها فتعرف كل علم
تعريفاً مختصراً ومن أشهر المؤلفات على هذا النحو :
١ البرهان في علوم القرآن : لبرهان الدين الزركشي ( ت 79هـ) .
٢ الإتقان في علوم القرآن : لجلال الدين السيوطي ( ت 911 هـ) .
٣ مناهل العرفان في علوم القرآن : لمحمد عبدالعظيم الزرقاني( ت 1367 هـ) .
والمؤلفات في علوم القرآن كثيرة جداً ومما لا شك فيه أن التاريخ كله لا يعرف كتاباً درسه الدارسون
وألّف في علومه المؤلفون وصنف فيه المصنفون مثل
القرآن الكريم
الدرس الثاني
تعريف علوم القرآن
هو مركب إضافي من كلمتين ( علوم ) و ( قرآن ) أما )(علوم ) فجمع علم ، والعلم مصدر مرادف
للفهم والمعرفة . وأما ( القرآن ) لغة : مصدر قرأ .
فقيل : معنى "قرأ": تلا سمي به المقروء تسمية للمفعول بالمصدر ، ومنه قوله تعالى: { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ{17} فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} القيامة 17ـ18 أي قرآءته .
وقيل : معنى " قرأ " جمع ومنه قرأ الماء في الحوض إذا جمعه ،
وسمي القرآن قرآناً لأنه جمع
القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض .
والقرآن في الاصطلاح : كلام اللّه المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته." وله تعريفات أخر "
شرح التعريف :
قولنا كلام اللّه : خرج به كلام غيره من الإنس والجن والملائكة .
المنزل : خرج ما استأثر اللّه بعلمه ولم ينزله على أحد من خلقه .
على محمد صلى اله عليه وسلم : خرج المُنَزَّلُ على غير محمد عليه الصلاة والسلام كالتوراة والإنجيل .
المتعبد بتلاوته : خرجت الأحاديث القدسية .
الفرق بين القرآن الكريم والأحاديث القدسية
ذكر العلماء فروقاً عديدة بين القرآن الكريم ، والأحاديث القدسية منها :
* أنَّ القرآن الكريم تحدى الله الناس أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة من مثله
أو بحديث مثله فعجزوا ، أما الأحاديث القدسية فلم يقع بها التحدي .
* أن القرآن الكريم منقول بطريق التواتر فهو قطعي الثبوت كله سوره وآياته وجمله
ومفرداته وحروفه وحركاته وسكناته ، أما الأحاديث القدسية ، فلا يشترط فيها التواتر
وأغلبها أحاديث آحاد وهي ظنية الثبوت .
*أن القرآن الكريم من عند الله لفظاً ومعنى ، أما الحديث القدسي فمعناه من عند الله ، أمَّا
لفظه فالصحيح أنّه من الرسول صلى اله عليه وسلم .
*أن القرآن الكريم متعبد بتلاوته من وجهين :
الأول : أن الصلاة لا تصح إلا به دون الحديث القدسي فلا يتلى في الصلاة .
الثانى : أن ثواب التلاوة للقرآن ثواب عظيم أفضل من ثواب قراءة الأحاديث القدسية
أو غيرها .
أنّ القرآن الكريم لايمسه إلا المطهرون ، أمّا الحديث القدسي فيمسه الطاهر وغير
الطاهر ، وغير ذلك من الفروق .
أسماء القرآن الكريم وصفاته
وردت للقرآن الكريم أسماء وصفات كثيرة ولكثرتها فقد أفردها بعض العلماء بمؤلفات مستقلة
فقد ألّف ابن القيم كتاب « شرح أسماء الكتاب العزيز » وألّف الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي
كتاباً من جزأين اسمه (الهدى والبيان في أسماء القرآن).
ومن أسماء القرآن :
بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا