يعرف الاستثمار في الاقتصاد أنه مساوٍ للادخار، أي كل ما تدخره يعتبر استثمارا، وبمعنى آخر أن استثماراتك هي مدخراتك، والادخار هو الفائض من دخلك بعد الاستهلاك، أي أن الدخل سواء كان راتبا أو أي مداخيل أخرى يذهب جزء منه للاستهلاك والجزء المتبقي يعتبر ادخارا، وكما قلنا «استثمار». وعليه كلما زاد الاستهلاك قل الادخار والعكس صحيح، أي كلما انخفض الاستهلاك فإن المدخرات والتي هي استثمارات تزيد، هذه بديهيات اقتصادية وحسابها نظريا سهل جدا، فالشخص الذي ينوي ادخار نسبة من دخله شهريا يستطيع أن يتنبأ آخر السنة كم ستكون مدخراته وكم ستبلغ استثماراته، ولكن للأسف فإن الكلام سهل وكثيرا ما تبقى الخطط والترتيبات على الورق فقط، وتنتهي السنة ورصيد الادخار صفر أو في حالات كثيرة أقل من الصفر خاصة مع تسلط البطاقات الائتمانية على صدارة المحفظة في موقع يسهل استعمالها ولا يؤخر خروجها وإبرازها في وجه الكاشير إلا ترددك أي بطاقة من البطاقات التي عندك حان دورها لتأدية المهمة السهلة عند الاستعمال الصعبة في سدادها لاحقا.
إن الاستهلاك والادخار والاستثمار كلها مصطلحات يتفنن الاقتصاديون في الرقص حولها والتنظير بها، ولكن عند تطبيقها على أرض الواقع نصطدم بجدار الثقافة الاستهلاكية ونرتد عن حائط الثقافة الادخارية ونتدحرج من جبل الثقافة الاستثمارية، لأن النظرية شيء ولكن تطبيقها شيء آخر وتحتاج إلى جهد ووقت لتعويد النفس على تغيير ثقافتنا، خاصة الاستهلاكية. ويحضرني هنا مقولة للفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما نهر ذلك الرجل وبكلمة واحدة أعاد توجيه ثقافته الاستهلاكية، حيث قال «أو كلما اشتهيت اشتريت».
التوفير والادخار ارتبط معناهما ذهنيا بحصالة عتيقة نضع فيها أنصافا وريالات لنجد بعد كسرها مبلغا لا يكاد يكفي لوجبة سريعة أو كوب كبتشينو، ولكن قوة التوفير والادخار تأتي مع الزمن فكلما تقدم الزمن زادت المدخرات وتضخمت الاستثمارات، وسيكون حصادها مجزئا جدا خاصة عند سن التقاعد، وأنا قد أفهم عدم انتشار ثقافة الادخار عند المواطن المكفول المحمول ولكنني أستغرب هذا السلوك من وافدين مغتربين، وسؤالي الدائم لأصدقائي منهم، أنت الآن عندما تعود لبلدك وقد غادرتك زهرة الشباب وغدوت في سن لا تسمح لك بالعمل، فهل خططت لهذه النتيجة الحتمية إذا أطال الله في عمرك؟!
وكما أن الادخار إذا تراكم شكل استثمارات لا يستهان بها فإنه أيضاً يعتبر وسيلة ممتازة للتحكم في الصرف والإنفاق سواء للغني أو لذوي الدخل المحدود، لأنك عند محافظتك على ادخار جزء من دخلك تضمن أنك بعيد عن صرف كامل دخلك وتجعل من هذا الجزء المدخر بمثابة حاجز أمان حتى لا تصل للإسراف والتبذير لأنه بصراحة من النادر أن نجد من يصرف على مستوى راتبه بالضبط، فإما أن تكون من أصحاب الادخار والتوفير أو من حزب الاستهلاك والإسراف. وفي النهاية هي ثقافة تشكلها ظروف حالية ولن يعاد تشكيلها إلا بتغير الظروف التي أبرزتها.
بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا