منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب
السلام عليكم ورحمة الله وبركـاتـه

أهلا وسهلا في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب نحن سعداء جدا في منتداك بأن تكون واحداً من أسرتنا و نتمنى لك الأستمرار و الاستمتاع بالإقامة معنا و تفيدنا وتستفيد منا ونأمل منك التواصل معنا بإستمرار في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب و شكرا.

تحياتي

ادارة المنتدي

https://ouargla30.ahlamontada.com/
منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب
السلام عليكم ورحمة الله وبركـاتـه

أهلا وسهلا في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب نحن سعداء جدا في منتداك بأن تكون واحداً من أسرتنا و نتمنى لك الأستمرار و الاستمتاع بالإقامة معنا و تفيدنا وتستفيد منا ونأمل منك التواصل معنا بإستمرار في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب و شكرا.

تحياتي

ادارة المنتدي

https://ouargla30.ahlamontada.com/


منتدى علمي ثقافي تربوي ديني رياضي ترفيهي
 
الرئيسيةالبوابة*الأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول


هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

للتسجيل اضغط هـنـا

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى ، فيرجى التكرم بزيارةصفحة التعليمـات، بالضغط هنا .كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيعو الإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب .

إمعان في أقسام القرآن

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
فقدت كلمة المرور
البحث فى المنتدى

منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب :: °ღ°╣●╠°ღ°.. المنتديات الإسلامية ..°ღ°╣●╠°ღ° :: القسم القرآن الكريم

شاطر
إمعان في أقسام القرآن   Emptyالخميس 11 أكتوبر - 6:09
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: إمعان في أقسام القرآن



إمعان في أقسام القرآن






إمعان
في أقسام القرآن



تأليف
العلامة عبدالحميد الفراهي رحمه الله
صاحب تفسير
(نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان)






(1)
سبحان الذي أنطق كل شيء بأنه صُنعَ يدِه ، وغَذِيُّ رِفدِه. تسبح الشمس لكبريائه ومجده ، ويسجد له القمر بجبينه وخَدِّه ، يتنهد له البَرُّ بغَورهِ ونَجْده ، ويَحفدُ إليه البحرُ بِجَزرهِ ومَدِّه ، كما قالَ تعالى في كتابهِ Sadتٌسبحُ لهُ السمواتُ السبعُ والأَرضُ ومَن فِيهنَّ وإن من شيءٍ إلا يسبحُ بحمدِه).

ونصلي ونسلم على محمد رسوله المختار وعبده ، وعلى آله وصحبه المعتصمين بحبله وعهده ، والتابعين لهم على سواء السبيل وقصده.

أما بعد : فهذا كتاب في بيان أقسام القرآن ، وموجز من المقدمة التي جعلتها لذكر الأمور الكلية التي أحتاج إلى إيرادها في كتاب (نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان) لتغني عن التكرار الذي لا طائل تحته. وقد جاء القَسَمُ في كتاب الله تعالى كثيراً ، واشتبه على الناس معناه وحكمته .

والبحث عنه في كل موضع لا يليق بكتابنا الذي بني على الإيجاز. فأردت أن أتكلم عليه من جهة كلية في جزء مختصر.

ولم أطلع على كتاب من القدماء في هذا الباب غير كتاب التبيان للعلامة ابن القيم ، أو ما ذكر في التفسير الكبير للعلامة الرازي ومن أتمه رحمهم الله.

وسنورد منهما في خلال فصول كتابنا هذا ما يقتضيه سياق الكلام والله الهادي إلى سبيل السلام.



(2)
ذكر الشبهات الثلاث
على أقسام القرآن
لما كان المقصد الأعظم من هذا البحث إزالة الشبهات ، أردت أن أذكرها أولاً ، ليكون الناظر من قبل على بصيرة بمساق الكلام ، فيتضح له شكل نظامه ، وغرض سهامه. فاعلم أن الشبهة على أقسام القرآن من وجوه :

1- القسم نفسه لا يليق بجلالة الله ربنا ؛ فإن الذي يحلف على قوله يهين نفسه ، ويضعها موضعَ مَنْ لا معوَّلَ على حديثه ، وقد جاء في القرآنSadولا تطع كل حلاف مهين) القلم 10 ، فجعل الحلف من الخلال المذمومة ، ونهى المسيح الحواريين عن الحلف مطلقاً ، فقال لهم Sadليكن قولكم نعم نعم أو لا لا ولا تحلفوا).

2- القسم في القرآن جاء على أمور مهمة ، كالمعاد والتوحيد والرسالة. ولا فائدة فيها للقسم ، لا للمنكر بها ؛ فإنه يطلب الدليل والبرهان ، والقسم ليس فيه شيء منه ، ولا للمؤمن فإنه قد آمن بها.

3- القسم يكون بالذي عظم وجلَّ. وقد قال النبي e Sadمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). فنهى عن القسم بغير الله. فكيف يليق بجلالة ربنا أن يقسم بالمخلوق ولا سيما بأشياء مثل التين والزيتون؟

فهذه ثلاث شبهات ، ونذكر أولاً ما أجاب به الرازي وغيره من المتقدمين ، وندلك على ما فيه من الضعف ، لنحذرك عن التمسك بالعرى الواهنة ، فإنه أكبر ضرراً في الدين ، وأبسط لألسنة المعاندين. ومع ذلك ندعو أن يجازيهم الله بما اجتهدوا في الذب عن بيضة الحق وذماره ، كما أدعو أن يجعلني من حزب الحق وأنصاره.







(3)
طريق الإمام الرازي
في الجواب عن هذه الشبهات
قد ذكر الإمام الرازي الشبهة الثانية ، وأجاب عنها في تفسير سورة (والصافات) . فقالSadوالجواب من وجوه :

الأول : أنه تعالى قرر التوحيد ، وصحة البعث والقيامة في سائر السور بالدلائل اليقينية ، فلما تقدم ذكر تلك الدلائل لم يبعد تقريرها ، فذكر القسم تأكيداً ، لا سيما والقرآن أنزل بلغة العرب ، وإثبات المطالب بالحلف واليمين طريقة مألوفة عند العرب).

وفيما ذكر من نزول القرآن بلغة العرب ، وكون اليمين طريقة مألوفة عندهم أيضاً جواب للشبهة الأولى. وحاصل هذا الوجه أن القسم إنما هو مسبوق بالدلائل ، فالمعوَّلُ عليها. وأما إيراد القسم فهو للتأكيد المحض كما هو عادة العرب. والظاهر أن هذا الجواب يناقضه القرآن فإنك في أوائل الوحي ترى القسم أكثر مما تراه بعد استيفاء الدلائل.

(الوجه الثاني في الجواب أنه تعالى لما أقسم بهذه الأشياء على صحة قوله تعالى Sadإن إلهكم لواحد) ذكر عقيبه ما هو كالدليل اليقيني في كون الإله واحداً ، وهو قوله تعالىSadرب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق). وذلك لأنه تعالى بين في قوله Sadلو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) أن انتظام السموات والأرض يدل على أن الإله واحد. فهاهنا لما قالSadإن إلهكم لواحد) أردفه بقولهSadرب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق). كأنه قيل: قد بينا أن النظر في انتظام هذا العالم يدل على كون الإله واحداً ، فتأملوا في ذلك الدليل ليحصل لكم العلم بالتوحيد).

وحاصل هذا الجواب أن القسم هاهنا مردف بقول فيه الحجة ، فالاحتجاج بها. وأما القسم فلمحض التنبيه. وهذا الجواب يشبه الجواب الأول . وكلاهما ساكت عن بيان حكمة هذه الصور المتنوعة للقسم. فأي فائدة للعدول عن القسم بالله إلى القسم بهذه الأشياء.

(الوجه الثالث في الجواب أن المقصود من هذا الكلام الرد على عبدة الأصنام في قولهم بأنها آلهة فكأنه قيل: هذا المذهب قد بلغ في السقوط والركاكة إلى حيث يكفي في إبطالها مثل هذه الحجة والله أعلم).

هذا الجواب سخيف جداً . كأنه بعد ما اعترف في الوجهين الأولين بأن القسم لا حجة فيه ، قال : إن مذهب الخصم كان جديراً بأن يجاب عنه بما ليس من الحجة في شيء.

ثم ذكر من حكمة القسم في تفسير سورة الذاريات ما يشبه بالجواب عن الشبهات ، فقال : (قد ذكرنا الحكمة في القسم ، وهي من المسائل الشريفة ، والمطالب العظيمة ، في سورة والصافات ، ونعيدها ههنا. وفيها وجوه :

الأول : أن الكفار كانوا في بعض الأوقات يعترفون بكون النبي غالباً في إقامة الدليل ، وكانوا ينسبونه إلى المجادلة وإلى أنه عارف في نفسه بفساد ما يقوله ، وأنه يغلبنا بقوة الجدل لا بصدق المقال ، كما أن بعض الناس إذا أقام عليه الخصم الدليل ، ولم يبق له حجة ، يقول: إنه غلبني بطريق الجدل وعجزي عن ذلك ، وهو في نفسه يعلم أن الحق بيدي ، فلا يبقى للمتكلم المبرهن طريق غير اليمين ، فيقول : إن الأمر كما أقول ، ولا أجادلك بالباطل.

وذلك لأنه لو سلك طريقاً آخر من ذكر دليل آخر ، فإذا تم الدليل الآخر ، يقول الخصم فيه مثل ما قال في الأول إن ذلك تقرير بقوة الجدل ، فلا يبقى إلا السكوت أو التمسك بالأيمان وترك إقامة البرهان).

وفي هذا الجواب خلط بين الغث والسمين ، ونقض لما قال في تفسير سورة والصافات ، فإنه رحمه الله أجاب هناك في الوجه الثاني بأن القسم يتبعه الدليل ، وإنما كان القسم لأجل التأكيد ، والأمر كذلك. فإن القرآن لا يسكت على القسم ، فلو قال إن الدليل المحض ربما لا ينجع في الخصم إذا كان قليل المعرفة بالاستدلال ، وقليل الاعتماد على نظره أو متهماً للمتكلم بخلابة بيانه ، فيحسن في هذه الحالات شوب الحجة باليمين – فلو قال هكذا لكان أقرب.

(الثاني: هو أن العرب كانت تحترز عن الأيمان الكاذبة ، وتعتقد أنها تدع الديار بلاقع ، ثم إن النبي e أكثر من الأيمان بكل شريف ولم يزده ذلك إلا رفعة وثباتاً ، وكان يحصل لهم العلم بأنه لا يحلف بها كاذباً ، وإلا لأصابه شؤم الأيمان ، ولناله المكروه في بعض الأزمان).

وفي هذا الجواب كأنه أشار إلى سبب كون اليمين طريقة مألوفة عند العرب كما مر ، وقد أصاب في ذلك لو لم يزد عليه ما قال من أن النبي e أكثر من الأيمان بكل شريف ، كأنه بين سبب خوفهم ، وأراد أنهم إذا أقسموا بكل شريف خافوا سخطه إن كذبوا في يمينهم به.

وضعف هذا القول ظاهر ، فإن أقسام القرآن:

1- ربما يكون بما ليس فيه شرف.

2- والقرآن يهدي إلى أن لا نخاف إلا الله.

3- وأي شؤم يخاف من التين والزيتون.

4- ثم النبي e كان يبلغ القرآن من الله فالقسم منه تعالى. وهو لا يخاف أحداً.

فلو اقتصر على الجزء الأول من جوابه ، وقال : إن العرب كانت تحترز عن الأيمان الكاذبة ، وتخاف مغبتها ، وتعتقد أن الرجل لا يحلف كذباً ، فإذا حلف أحدٌ أصغوا إليه ، كان أقرب إلى ما يجاب به عن الشبهة الأولى والثانية جواباً ضعيفاً.



(الثالث : أن الأيمان التي حلف الله تعالى بها كلها دلائل أخرجها في صورة الأيمان. مثاله قول القائل لمنعمه: وحق نعمك الكثيرة ، إني لا أزال أشكرك. فيذكر النعم ، وهي سبب مفيد لدوام الشكر ، ويسلك مسلك القسم. كذلك هذه الأشياء كلها (أي التي أقسم بها في أول الذاريات) دليل على قدرة الله تعالى على الإعادة. فإن قيل فلم أخرجها مخرج الأيمان؟ نقول : لأن الإنسان إذا شرع في أول ملامه بحلف يعلم السامع أنه يريد أن يتكلم بكلام عظيم فيصغي أليه أكثر من أن يصغي إليه حيث يعلم أن الكلام ليس بمعتبر ، فبدأ بالحلف ، وأدرج الدليل في صورة اليمين).

هذا الجواب يكفي لدفع الشبهة الثانية. ولكن يلزم على القائل به أن يبين وجه الاستدلال بالمقسم به على المقسم عليه.

وهذا – مع كونه ظاهراً في بعض المواضع – كثيراً ما يحتاج إلى إمعان شديد. ولعله لهذا السبب لم يعتمد عليه إلا في سورة الذاريات وفي بعض آخر. وأما في البواقي فله طريقان:

الأول : أنه ينكر وجود القسم إذا أمكنه الإنكار فراراً عن شبهات واردة على القسم . كما قال في تفسير سورة القيامة في ذكر (لا) التي تبتدئ بها السورة.

(الاحتمال الثاني أن (لا) هنا لنفي القسم. كأنه قال : لا أقسم بذلك اليوم وتلك النفس ، ولكني أسألك غير مقسم : أتحسب أنا لا نجمع عظامك إذا تفرقت بالموت. فإن كنت تحسب ذلك فاعلم أنا قادرون على أن نفعل ذلك. وهذا القول اختيار أبي مسلم وهو الأصح).

هذا القول غير مختار عند العارف بكلام العرب. فإنه لو كان المراد كما فهم لكان وجه القول نفي مجرد القسم لا ذكر الأشياء الخاصة كالنفس اللوامة والخنس الجواري الكنس وغيرها. ثم هذا مخالف لأسلوب كلامهم. فإنهم يستعملون كلمة (لا) قبل القسم منقطعة ، كما بينا في تفسير سورة القيامة. وهذا هو مختار الزمخشري.

والطريق الثاني : هو القول بأن القسم للتأكيد والتنبيه على شرافة المقسم به. قال في تفسير الذاريات : وقد عرفت أن المقصود من القسم التنبيه على جلالة المقسم به).

وعلى هذا الأصل قال في تفسير سورة التين Sadاعلم أن الإشكال هو أن التين والزيتون ليسا من الأمور الشريفة فكيف يليق أن يقسم الله تعالى بهما ؟ فلأجل هذا السؤال حصل فيه قولان) ثم ذكر فوائدهما إن كان المراد منهما هذه الأثمار ، وذكر شرافتهما إن كان المراد منهما مسجدين أو بلدين.

وقد علمت أن التمسك بهذا الجواب مع كونه بادي الخلل لا يزيل الشبهة الثالثة ، فإن هذه الأشياء التي أقسم بها في القرآن ، ومنها : العاديات ضبحاً ، والجواري الكنس ، والليل ، والصبح ، والتين والزيتون ، ليست من الجلالة بمكان يقسم بها خالقها وربها إن كان القسم لأجل شرافتها.




(4)
طريق العلامة ابن القيم رحمه الله
في تأويل أقسام القرآن لدفع الشبهات


لم يضع العلامة ابن القيم كتابه على شكل المجادلة ، فيذكر الشبهات ويجيب عنها ، لكنه بحث عن حكمة القسم في القرآن ، وبين فيه ما يزيل الوهم ويحسم جراثيم الاعتراض ، وركنَ إلى الجواب الذي استحسنتُه. ولكنه مثل الرازي لم يتمسك به كل التمسك ، فذبذب بين أمرين. وهو في كتابه ربما يشرع في تفسير السور التي فيها القسم ، ويخرج من قول إلى قول.

وإني أورد عليك خلاصة جوابه ، وندلك على موضع الخلل فيه حسب شرطنا.

فاعلم أنه رحمه الله سلك مسلك الاستقراء ، فمهد أولاً أن أقسام القرآن كلها بالله وصفاته وآياته ، فقال:

(وهو سبحانه يقسم بأمور على أمور. وإنما يقسم بنفسه الموصوفة بصفاته وآياته المستلزمة لذاته وصفاته ، وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته). وبعد ذكر الأمثلة قال :

(إذا عرف فهو سبحانه يقسم على أصول الإيمان التي يجب على الخلق معرفتها. تارة يقسم على التوحيد ، وتارة يقسم على أن القرآن حق ، وتارة على أن الرسول حق ، وتارة على الجزاء والوعد والوعيد ، وتارة على حال الإنسان).

ومآله عنده إلى الجزاء ، فاقتصر القسم على ثلاثة أمور. وهذه الثلاثة مآلها واحد . وهو صفته تعالى ، كما ستعلم من قوله عن قريب. فبعد هذا التمهيد لم يبق له كبير حاجة إلى جواب القسم ، فإن القسم بنفسه دلالة على المقسم عليه المعلوم المتعين ، وهو أحد الأمور الثلاثة ، فقال في ذكر القسم الذي تبتدئ به سورة والعاديات وسورة والعصر:

(حُذِفَ جواب القسم لأنه قد عُلِمَ بأنه يقسم على هذه الأمور (أي التوحيد والنبوة والمعاد) وهي متلازمة . فمتى ثبت صدق الرسول الذي جاء به. ومتى ثبت أن الوعد حق والوعيد حق ثبت صدق الرسول وصدق الكتاب الذي جاء به. والجواب يحذف تارة ولا يراد ذكره بل يراد تعظيم المقسم به ، وأنه مما يحلف به).

فهذه الأقسام عنده دلالات على صفات الله ، كما قال في ذكر القسم الذي تبتدئ به سورة البروج Sadوكل ذلك من آيات قدرته وشواهد وحدانيته) ثم قال Sadوالأحسن أن يكون هذا القسم مستغنياً عن الجواب لأن القصد التنبيه على المقسم به وأنه من آيات الرب العظيمة).

وكذلك قال في ذكر القسم الذي تبتدئ به سورة الطارق Sad والمقصود أنه سبحانه أقسم بالسماء ونجومها المضيئة ، وكل منها آية من آياته الدالة على وحدانيته).

ثم قال في ذكر القسم الذي جاء في وسط هذه السورةSadفأقسم سبحانه بالسماء ذات المطر والأرض ذات النبات ، وكل ذلك آية من آيات الله تعالى الدالة على ربوبيته).

وهكذا قال في ذكر القسم الذي في أواخر سورة الانشقاق Sadوهذه _أي الشفق والليل والقمر وأمثالها آيات دالة على ربوبيته مستلزمة للعمل بصفات كماله). ثم قال في جواب هذا القسم Sad يجوز أن يكون من القسم المحذوف جوابه). وهذا لما قلنا أنه لا يحتاج إلى جواب القسم فإن المقسم عليه عنده معلوم متعين.

هذا ، ولا يخفى عليك الفرق بين طريق الرازي رحمه الله الذي أشار إلى أجوبة مختلفة ربما يناقض بعضها بعضاً وبين طريق ابن القيم رحمه الله الذي عمد إلى نهج واحد ، واجتهد أن يعول عليه في جميع الأقسام. وهذا الطريق أحسن.



والآن ندلك على ملاك الأمر في جوابه ، فاعلم أنه رحمه الله اعتمد على أصلين :

الأول : أنه سبحانه وتعالى إنما أقسم بنفسه وآياته . وأما القسم بالمخلوقات فهو أيضاً من باب القسم بذاته فإنها من آياته. وأراد بهذا الأصل إزالة الشبهة الثالثة وهي تعظيم المخلوق فوق مكانته. ولكنها لم تزل ، فإن القسم تعلق صريحاً بالمخلوقات. وكونها من آياته ودلائل صفاته لا يخرجها عن كونها المقسم بها.

وقوله Sadوالجواب يحذف تارة ولا يراد ذكره بل يراد تعظيم المقسم به وأنه مما يحلف به) تصريح منه بأنه سبحانه أقسم بغير ذاته المقدسة ، وأراد تعظيم بعض مخلوقاته. فغاية الأمر أنه تعالى لم يقسم بها إلا من جهة شريفة. ولا بأس بأن يجعل الله تعالى لبعض مخلوقاته شرفاً وكرامة ، لكن الشبهة ليست في محض شرافة بعض الأشياء ، فرب صغير كبير ، ورب ضئيل نبيل لا ختلاف الاعتبارات ، بل الشبهة في وضعها موضع ما يقسم به الرب تعالى شأنه علواً كبيراً.



والأصل الثاني الذي اعتمد عليه هو أن الأقسام كلها دلالات على المقسم عليه. وأراد بهذا الأصل إزالة الشبهة الثانية ، كما فعل الرازي رحمه الله حين ذكره في وجوه أخر ، فلم يعتمد عليه. وأما ابن القيم رحمه الله فاعتمد على هذا الأصل كل الاعتماد ، وفسر أكثر آيات القسم على طريق يظهر به دلالة المقسم به على المقسم عليه. وإذا أشكل عليه الربط جعل المقسَم عليه محذوفاً. وجعل القسم دالاً على صفات الله وغيرها مما ذكرنا آنفاً.

ومع هذا الوهن في جوابه والتصريح أحياناً بأن القسم لتعظيم المقسم به ، لقد أجاد وأصاب أو قد كاد في غير موضع من كتابه.




(5)


طريق هذا الكتاب في الجواب


على سبيل الإجمال


لايخفى عليك مما سبق من أقوال العلماء رحمهم الله أن أحسنهم قولاً من يقول إن هذه الأقسام دلالات. ولكن الغمة التي لم تنجل عنهم ، والمضيق الذي لم يخرجوا منه هو ظنهم بكون القسم مشتملاً على تعظيم المقسم به لا محالة. وذلك هو الظن الباطل الذي صار حجاباً على فهم أقسام القرآن ، ومنشأ للشبهات. فنبطله أولاً حتى يتبين أن أصل القسم ليس في شيء من التعظيم ، وإنما يفهم من بعض أقسامه.

ثم نبين أن أقسام القرآن بالمخلوقات ليست إلا آيات دالة ، وأنها نوع من القسم مباين للأقسام التعظيمية ، وليس من القسم بصفات الله كما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله.

ثم نرجع إلى الفرق بين مواقع القسم المحمودة وغير المحمودة حتى يتبين أن النهي المطلق غير صحيح.

فهذه ثلاثة مقاصد يتوجه إليها الكلام في كتابنا هذا. وإذ هي تقتضي بعض التفاصيل والبسط في الكلام دعينا إلى أن نبحث عن تاريخ القسم وحاجة الناس إليه قديماً وحديثاً وطرقه المتنوعة ، ونبين معاني كلمات القسم ومفهومه الأصلي ومفاهيمه المتشعبة الثلاثة من الإكرام والتقديس والاستدلال المجرد عن التعظيم.

ونورد من نفس القرآن دلائل واضحة على تأويل أقسامه. وندل على أسباب خفاء هذا التأويل ليتضح عذر من قبلنا من كبار العلماء رحمهم الله . ونشير إلى بعض وجوه البلاغة في أقسام القرآن.

ثم نذكر وجوه النهي والإباحة ، والاستحسان في القسم. ونكشف عن تأويل قول المسيح عليه السلام حين نهى تلاميذه عن الحلف.

ونلمع إلماعاً إلى بعض بلاغة القرآن في تمييزه بين كلمات القسم حسب مواقعه لتعلم ما لا يحسن منه.

ذلك ، وقد ذكرنا فيما قدمنا جل مطالب هذا الكتاب إجمالاً ، فالآن نشرع في التفصيل ، والله الموفق ونعم الوكيل.






(6)

تاريخ القسم وحاجة الناس إليه

وطرقه المختلفة والدلالة على حقيقة معناه في أول الأمر



إن الإنسان ربما يحتاج إلى تأكيد خبر أو وعد منه ، حين يريد أن يعتمد عليه المخاطب وتطمئن به نفسه ، ولا سيما في الأمور العظيمة كالمعاهدة بين قوم وقوم أو بين ملك ورعيته أو بين أفراد الناس ، ليكونوا على ثقة بعضهم من بعض ، فيعلموا الموافق من المخالف والوليَّ من العدو. وهذه الحاجة التمدنية دعتهم إلى طرق وكلمات خاصة يعبرون بها عن هذا التأكيد. فكان ذلك أصل قسمهم .

فربما عبروا عنه بأخذ اليمين كما علمنا من أحوال الروم والعرب والعبرانيين. فإذا أخذ بعضهم يمين بعض عند المعاهدة أفصحوا بعزمهم وتأكيده. كأنهم قالوا ، أننا قد وصلنا أمرنا ورهنَّا به أيماننا. ولذلك سموا القسم يميناً ، وربما صرحوا بهذا المعنى كما قال جساس :

سأؤدي حق جاري ويدي رهن فعالي
ومن هنا تضمن القسم معنى الكفالة والضمانة.

وهذا معلوم ومعروف وباق في أخذ اليمين للبيعة ، وصفق اليد في البيع والشراء. ونراه في أمم أخر كالروم والهند. ونرى العبرانيين أيضاً أنهم عبروا عن القسم باليمين. فجاء في الزبور ص 144 عدد 8 Sadالذين أفواههم تنطق سوءاً ويمينهم يمين كذب).

في العبرانية Sadأشر فيهم دبر سوء ويمينام يمين شاقر) والعجب من المترجمين الانكليزيين كيف ذهب عليهم هذا المعنى فترجموه بقول معناه Sad اليد اليمنى منهم يد يمنى الكذب).

فلم يفهموا من كلمة اليمين القَسَمَ بل اليد اليمنى ! وهذا من أفحش العثرات ، ويخبر عن قلة التفاتهم إلى العبرانية . والعجب كل العجب أنهم في هذا الزمان أصلحوا الترجمة المستندة ، وغيروها كثيراً ، ومع ذلك تركوا هذا الخطأ الفاحش على حاله.

ذلك وجاء ذكر العقد بصفقة الكف في أمثال سليمان في التحذير عن الضمانة ص 6 عدد 1 Sadيا بني إن ضمنت صاحبك فصفقت كفك لغريب).

فتشابهت هاتان الأمتان في أمر العقد. ولذلك صارت كلمة اليمين اسماً للقسم بين العبرانيين كما هي عندنا.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد




الموضوع الأصلي : إمعان في أقسام القرآن // المصدر : منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب // الكاتب: محمود

بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



إمعان في أقسام القرآن   Emptyالخميس 11 أكتوبر - 6:10
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: إمعان في أقسام القرآن



إمعان في أقسام القرآن

وربما غمسوا أيمانهم في إناء ماء إذا كانوا كثيرين فكأنهم أخذ بعضهم يد بعض وأجمعوا أمرهم بما مسهم شيء واحد ، والماء أبلغ في المس واللصوق. ولذلك قالوا : بل بالشيء يدي ، أي لصقت به. قال طرفة :

إذا ابتدر القوم السلاح وجدتني منيعاً إذا بلت بقائمة يدي
وربما أخذوا عطراً ، فاقتسموه بينهم ، ومسحوا به أيديهم ، فراحوا ، وعبقه بهم ، فهو أبقى من الماء وأشهر وأعرف ، ولذلك سموه عرفاً ونشراً.

ومن أمثلة هذا الطريق لمعاهدتهم ما نرى في قصة عطر مَنْشِم ، وهي أن قوماً تحالفوا على أن يقاتلوا عدوهم ، وجعلوا آية الحلف تعاطي عطر باعوه من عطارة تسمى منشم ، وقصة هذا الحلف مشهورة حتى جرى به المثل قال زهير:

تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وكذلك نرى غمس الأيدي في العطر في قصة حلف المطيبين التي نذكرها في الفصل العاشر.

وربما ذبحوا بهيمة ورشوا دمها على أجسام الفريقين من الحلفاء علامة لموالاتهم إلى حد القرابة ، أو لثباتهم على الحلف حتى يسيلوا مهجهم. جاء في سفر الخروج ص 24 عدد 5-8 :

(وأرسل فتيان بني إسرائيل فأصعدوا محرقات وذبحوا ذبائح سلامة للرب من الثيران. فأخذ موسى نصف الدم ووضعه في الطسوس ، ونصف الدم رشه على المذبح. وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب. فقالوا : كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له. وأخذ موسى الدم ورش على الشعب . وقال : هو ذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال).

فترى هذا القسم أنهم عاهدوا الرب برش الدم على أنفسهم وعلى المذبح نيابة عن الرب ، فصاروا حلفاء للرب. وهذا كثير ، جاء في سفر زكريا ص 9 عدد 11 Sadفإني بدم عهدك قد أطلقت أسراك).

وربما وصل بعضهم حبله بحبل الآخر ، فصار من حلفائه ، حتى صار الحبل اسماً لعقد الذمة والجوار ، كما جاء في القرآن Sadبحبل من الله وحبل من الناس).

وقال امرؤ القيس :

إني بحبلك واصل حبلي وبريش نبلك رائش نبلي
وذكر الحطيئة أصل ذلك فقال:

قوم يبيت قرير العين جارهم إذا لوى بقوى أطنابهم طنبا
فهذه طرق تأكيد عقودهم بين فريقين ومن الفريقين.

وربما حرموا على أنفسهم بعض المشتهيات حتى يفعلوا بعض ما أوجبوا على أنفسهم ، وسموه (نذراً). كما نذر المهلهل أخو كليب أن لا يشرب الخمر ولا يمس الطيب ولا يرجل شعره إلى أن يأخذ بثأر أخيه ، وقصته مشهورة.

وكذلك فعل أمرؤ القيس وقال بعد ما حل نذره :

حلت لي الخمر وكنت أمرءاً عن شربها في شغل شاغل
ثم توسع معناه وصار النذر التزام شيء عن طريق القسم. كما قال عمرو بن معد يكرب :

هم ينذرون دمي وأنذر إن لقيت بأن أشدا
ولذلك سموا النذر يميناً ، كما قال قبيصة بعد ذكر إيفاء النذر:

فأصبحت قد حلت يميني وأدركت بنو ثعل تبلي وراجعني شعري
في أبيات ذكرت في الحماسة. أي بعد إدراك تبلي حل نذري ، أي ما حرمته علي بالنذر.

ويشبه النذرَ دعوتهم على أنفسهم أو إلزامهم إياها سوءاً إن كانوا كاذبين في خبر أو وعد. كما قال معدان بن جواس الكندي :

إن كان ما بلغت عني فلامني صديقي وشلت من يدي الأناملُ
وكفنت وحدي منذراً في ردائه وصادف حوطاً من أعادي قاتلُ
ومثله ما قال الأشتر النخعي :

بَقَّيتُ وفري وانحرفت عن العلى ولقيت أضيافي بوجه عبوسِ
إن لم أشن على ابن حرب غارة لم تخل يوماً من نهاب نفوسِ
ومن هذا الدعاء بالمكروه لمحة في الأقسام الدينية. فإن فيها خوف سخط الله ولعنته إن كذب الحالف بعد إشهاد الله على قوله.

وربما كفوا عن شيء من غير شرط ، وسموه (أَليَّةً) كما جاء في القرآن Sadللذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر). ثم توسع استعمالها فصار قولهم (آليت) مرادفاً لقولهم (أقسمت). قال امرؤ القيس:

... وآَلتْ حِلْفَةً لم تَحلَّلِ
وقال طرفة :

فآليت لا ينفك كشحي بطانة لعضب رقيق الشفرتين مهند
وقالت غنية أم حاتم الطائي :

لعمري لقدماً عضني الجوع عضة فآليت ألا أمنع الدهر جائعا
وهذا كثير في كلامهم ، يقولون : آليت مرادفاً لأقسمت.

وربما استعملوا لام التأكيد ، وقالوا لأفعلنه ، أو مثله. كقوله تعالىSadوإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم) ، أو كقوله تعالى Sadولينصرن الله من ينصره) ، أو كقول لبيد :

ولقد علمت لتأتين منيتي إن المنايا لا تطيش سهامها
قال سيبويه رحمه الله Sadكأنه قال : والله لتأتين) . وإنما قال هذا على طريق التمثيل ، فإنه رحمه الله أراد أن ههنا يميناً ، كما قال في ذكر لام القسم.

ومثل ذلك Sadلمن تبعك منهم لأملأن) ، إنما دخلت اللام على نية اليمين ، والله أعلم ، فلم يرد أن ههنا قسماً بشيء ، بل المراد أن مجرد قوله تعالى Sadلأملأن) يمين. وذلك لأن القسم ليس إلا التأكيد ، ولا تحتاج إلى تقدير المقسم به في كل موضع.

وعلى هذا الأصل كل ما ترى في القرآن من لام اليمين ، وإذا جاءت قبلها كلمة تدل على اليقين والجزم كانت مشابهة بكلمة القسم ، كما رأيت في بيت لبيد الذي مر آنفاً. ومثله في قوله تعالى Sadثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين).

ومثله قوله تعالىSadقال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم).

فليس لك أن تقدر مقسماً به في هذه الأمثلة التي ذكرناها ، ولا يليق بها كما يظهر من سياق الكلام.

فكل ما ذكرنا من طريق اليمين والحلف وتعبيراته يدلك على أن المقسم به ليس من لوازم القسم حتى تقدره كلما لم يذكر ، إنما أرادوا بالقسم تأكيداً محضاً للقول أو إظهار عزم وصريمة ألزموا به على أنفسهم فعلاً أو ترك فعل.







(7)


بيان أن القسم لا يلزمه المقسم به


بإيضاح معاني كلمات كثر استعمالها للقسم


ليس القسم بالله أو بشعائره من المعاني البسيطة حتى يوضع له اللفظ أولاً ، فيظن أن المقسم به إذا لم يذكر كان المراد منه القسم بالله تعالى. إنما القسم التعظيمي نشأ من تركيب دواعي المعاشرة وعقائد الدين. ويأتيك بيانه في الفصل العاشر.

وأما في هذا الفصل فنوضح معاني كلمات كثر استعمالها للقسم ، لتعرف أنها في أصلها لم توضع للقسم بالله أو بشعائره ، أو بشيء آخر. وهذه الكلمات هي : اليمين ، والنذر ، والألية ، والقسم ، والحلف.

أما اليمين ، فقد علمت وجه استعمالها ، وعمومها للقسم ، وما فيها من معنى الرهن ، والكفالة ، والضمانة فلا نعيده.

وأما النذر فهو الإبعاد والتحذير. ومنه إبعاد الشيء عنك ، وجعله لله ، فصار بمعنى التحريم. وبهذا المعنى يستعمل في العبرانية. ومنه تحريم المشتهيات ، ثم توسع لإلزام الشيء على النفس على وجه القسم كما مر.

وأما الأَليَّةُ فمعناها الإقصار عن الأمر ، فيقال (الآلي) للمقصر العاجز عن الشيء. ثم جاء لترك الشيء. ومنه الإيلاء من النساء على وجه القسم ، ثم توسع في معنى إلزام الشيء سواء كان للترك أو الفعل ، ولكنه أكثر في إلزام ما فيه شوب من المضرة ، فشابه النذر ، كما قال ابن زيابة التيمي :

آليت لا أدفن قتلاكم فدخنوا المرء وسرباله
ثم توسع وصار مرادفاً للقسم ، كما مر في الفصل السابق.

وأما القسم فهو في أصله للقطع. ومنه قسمت الشيء وقسمته. والقطع يستعمل لنفي الريب والشبهة ، ولذلك شواهد كالصريمة ، والجزم ، والقول الفصل ، والإبانة والصدع، والقطع فهذا هو الأصل.

ثم اختص القسم من بين هذه الألفاظ بشدة الفصل بالقول. واستعماله من باب الإفعال لخاصية المبالغة كقولهم (أسفر الصبح). ولا يلزمه أن يكون له مقسم به سواء كان على خبر أو عقد ، كما قال طرفة :

كَقنطرةِ الروميِّ أقسمَ رَبُّهَا لَتُكْتَنَفَنْ حتى تُشادَ بِقَرمَدِ
وهذا كثير في كلام العرب. قالت جنوب في مرثيتها المشهورة:

فأقسمت يا عمرو لو نبهاك إذاً نبها منك أمراً عضالا
وقال ريطة السلمية :

فأقسمت لا أنفك أحدر عبرة تجود بها العينان مني لتسجما
وقالت خرنق أخت طرفة:

ألا أقسمت آسى بعد بشر على حي يموت ولا صديق
وجاء في القرآن Sadأهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) ومنه قوله تعالىSadوقاسمهما إني لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور).

فإن قيل : إن المقسم به مقدر ، وهو الله تعالى.

قلنا : إن أردت الاحتمال فلا ننكره. إنما قولنا إنه غير لازم ، فلقد رأينا أن القسم يكون بالله تعالى وبغيره ، وربما يكون مجرداً عن المقسم به ، وحينئذ لا يراد به إلا التأكيد والجزم المَحض.

وأما الحلف فمعناه القطع والحدة ، فيشابه كلمة القسم. يقال : سنان حليف ، أي قاطع ، ولسان حليف ، أي حديد ذَلْق. وعند الأزهري هذا مأخوذ من الحَلْفِ ، وهو نبات أطرافه محددة.

فقولهم : حلف على أمر ، كقولهم : قطع به. وهذا هو الأصل. ثم اختص مثل (القسم) بشدة الفصل والجزم في القول. ولذلك لا يلزمه المقسم به ، ألا ترى أنهم إذا عقدوا الموالاة بينهم بأي طريق كانت ، سموا حلفاء. وقد علمت طرقه المختلفة التي لم يحلفوا فيها بشيء.

فتبين مما مر بك في هذا الفصل والذي قبله أن القسم لا يلزمه المقسم به فضلاً عن تعظيمه. وتلك هي كلمات قد كثر استعمالها للقسم بحيث إنه لا يلتفت إلى أصول معانيها ، ولذلك قدمنا ذكرها.

ثم للقسم كلمات أخر لم يذهل عن معانيها الأصلية ، فإذا نظرنا فيها وجدناها أظهر دلالة على أنها ليست في شيء من تعظيم المقسم به ، ونذكر هذه الكلمات في الفصل الآتي.






(Cool
بيان أصل معنى القسم إذا كان فيه مقسم به
بعد ما علمت معنى القسم المجرد عن المقسم به ، لا يبعد عنك فهم معناه إذا أقسم فيه بشيء . فإنما هو ضم المقسم به مع المقسم كالشاهد على قوله ، ولذلك كثر استعمال الواو قبله وكذلك الباء. وأما التاء فإنما هي مقلوبة من الواو كما ترى في تقوى وتجاه ، فهذه الحروف للمعية ولضم الشيء بالشيء.

ويؤيد هذا التأويل ما علمت من تاريخ القسم وطرقه . فإنهم لم يقسموا إلا على رؤوس الأشهاد. فكانوا شهداء على أيمانهم لتأكيدها. فإن الرجل يجتنب أن يجعل نفسه كاذباً في عيون الناس.

ويشهد على هذا ما جاء في القرآن في ذكر ميثاق النبيين حيث قال عز من قائلSadوإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون).

أي قد أوثقنا هذا العهد بمشهدي ومشهدكم ، فلا يسوغ الإنكار بعد ذلك إلا بالفسق.

وأصل هذا التأكيد أن المرء إذا قال: أشهد به ، فقد صرح بأنه يقول بعلمه ومشهده ، لا بسماعه. فلا يمكن له العذر إن كذب. ولذلك قال إخوة يوسف عليه السلامSadوما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين). واستعمال هذا الوجه في القسم يرى في قوله تعالىSadلكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا).

ثم في الشهادة أكبر وجوه التأكيد من جهة أخرى. وهي أن الرجل إذا قال : أشهد أن الأمر كذا ، فكأنه قال: أنا أقول هذا كمن يقوم شاهداً على أمر ، والكذب في الشهادة أكبر إثماً وأشد ذماً.

ولذلك ورد النهي عنه خاصة في الشرائع ، كما جاء في الأحكام العشرة من التوراة. ويشبهه ما ذكر في القرآن في مدح الأبرار (والذين لا يشهدون الزور) على أظهر تأويله.

ثم ترى صريح قولهم في أقسامهم (أنا أشهد) (والله يشهد) (والله يعلم). وهذا في أكثر اللغات.

فإننا نرى الأمم في المشرق والمغرب مع اختلاف كثير في عاداتهم لا يختلفون في أنهم إذا قالوا : الله شهيد على ذلك ، أو ما يشبهه ، أرادوا به القسم.

قال سيبويه رحمه الله في ذكر لام اليمين Sadواعلم أن من الأفعال أشياء فيها معنى اليمين يجري الفعل بعدها مجراه بعد قولك : أقسم لأفعلن ، وأشهد لأفعلن) الكتاب 1/454 فصرح بأن (أشهد) معناه اليمين ، وأن قولك (أقسم) كقولك أشهد.

فأما معنى تعظيم المقسم به فذلك مما انضم به في بعض الأحوال فهو من عوارض القسم. وسيأتي.

وبعدما علمت حقيقة القسم وأصل مفهومه نذكر لك المفاهيم التي هي فروع على الأصل ، وهي الإكرام والتقديس والاستدلال ، ونذكرها بالترتيب لتفهم وجوهها وتميز بين معانيها ، حتى يسهل لك النظر في أقسام القرآن ، فتعرفها على وجهها ، وتكون على بصيرة في تأويلها.






(9)
القسم على وجه الإكرام
للمقسم به ، والمتكلم ، والمخاطب


لما كان الصدق من أحب سجايا العرب – لا سيما إذا عاهدوا على أمر ، وأعطوا له أيمانهم ، وأشهدوا عليه – فإذا صاروا حلفاء ، أو عقدوا عقد الجوار ، أو نذروا بأمر ، أوفوا ذمتهم ، وعدوا الكذب فيها بعد القسم عاراً عظيماً وذلة كبيرة ، لأنفتهم وللحمية التي جبلوا عليها.

وكان في رهن أيديهم للعقود عندهم آية على أنهم يخاطرون لها أنفسهم ، فتضمن القسم مخاطرة النفس كما مر في الفصل السادس.

ولذلك كثر قسمهم بقولهم : لعمري ، أي أنا أخاطر على هذا القول حياتي. وربما بينوا هذا المراد كما قالت ريطة بنت العباس السلمي :

لعمري وما عمري عليَّ بهين لنعم الفتى أرديتم آل خثعما
وقال النابغة الذبياني :

لعمري وما عمري عليَّ بهين لقد نطقت بطلا عليَّ الأقارع
وهذا كثير ، ومن هذه الجهة انضم مفهوم الإكرام بالمقسم به. فإن المتكلم لا يدل على تأكيد قوله بهذا الطريق إلا إذا أقسم بما يكرمه ويضن به. فهذا أصل هذا النوع من القسم ، ثم تجاوزوه إلى قولهم (لعمرك) أو ما يشبهه لما فيه من إكرام المخاطب. كأن القائل أراد أني لا أقسم بعمري بل بعمرك الذي هو أعز وأكرم عليَّ. وهذا هو الأصل ، ثم ربما لا يراد به إلا تأكيد القول مع إكرام المخاطب ، ولما كان هذا أحسن في التحاور كثر قولهم في القسم : لعمرك ولعمر أبيك ، أو وَجَدِّكَ وبعزتك ، وأمثالها.

وهذه الكلمات التي ذكرنا كثر استعمالها للقسم فلا حاجة إلى نقل السند لها. ولكن يهمنا في هذا القسم النظر إلى أمور:

الأول: أن المقسم به في هذه الأقسام ، وإن كان عند المتكلم كريماً ومضنوناً به ، لكنه لا يكون مما يعبده ويقدسه ، كما سترى في أقسام دينية نذكرها في الفصل التالي.

الثاني: أنه إذا أضيف المقسم به إلى المخاطب دل على إكرامه ، كقوله تعالىSadلعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) فأكرم الله نبيه بهذا الخطاب. ومنه قوله تعالى Sadفلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك).

وإذا أضيف إلى المتكلم دل على عزته ومنعته ، كأنه قال : إن حياتي وعزي منيع لا يرام. ومن هذه الجهة لا ينبغي هذا القسم لعباد الله الخاشعين المتواضعين. ولعل المسيح أشار إلى هذا الأمر حيث قال عليه السلام فيما نهى عن الحلف مطلقاً Sad لا تحلف براسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء).

الثالث: أنه لما كان من بعض وجوه القسم الدعاء بالسوء على الحانث ، كما مر في الفصل السادس ، وربما انضم بهذا النوع ذلك المفهوم ، كأن الحالف قال: إن كنت كاذباً أُبِيدَ عمري ، وأهينت عزتي.

ولا يخفى عليك مما ذكرنا أن هذا النوع من القسم لا يكون إلا بإضافة المقسم به ، إما إلى المتكلم أو إلى المخاطب ، ولا يكون إلا بألفاظه الخاصة التي ذكرناها. ولا يكون إلا بأمور عرف عزتها على المتكلم. فبين أن أقسام القرآن بالذاريات والعاديات والخنس الجوار الكنس وأمثالها لا يكون من هذا النوع.

واعلم أن هذه الأقسام ليست من جهد أيمانهم ، وعلى الأكثر تستعمل لمحض التأكيد بمعنى أقسمت ، ولذلك ربما قالوا: لعمر الله ، فلا يريدون بها تمام معناها الأصلي إلا إذا بينوه كما مر في قول ريطة السلمية والنابغة.

ثم إن لهم أيماناً غليظة غير ذلك ، ويأتيك ذكرها في الفصل الآتي.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد




الموضوع الأصلي : إمعان في أقسام القرآن // المصدر : منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب // الكاتب: محمود

بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



إمعان في أقسام القرآن   Emptyالخميس 11 أكتوبر - 6:11
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: إمعان في أقسام القرآن



إمعان في أقسام القرآن

(10)
القسم على وجه التقديس للمقسم به


تقدم الحديث عن دواعي توثيق أقوالهم ، فربما دعتهم تلك الدواعي إلى مبالغة الاستيثاق والمغالاة فيه ، فكانوا يجتمعون للمعاهدة بمشهد معابدهم. وبذلك خلطوا بالقسم جهة دينية ، وأرادوا به جعل الرب شاهداً على قولهم ، فإن كذبوا فيما أقسموا عليه أسخطوه.

ولما كانت دائرة حكومتهم ضيقة ، ولم تفرق الأمم المتجاورة حدود فطرية كالجبال الشامخة ، والبحور المتلاطمة ، لم يمنع الجيران عن الاقتتال غير المعاهدة ، فصارت هي أحصن معاقلهم.

وربما اتفقت أقوام لم تجمعهم أواصر القرابة على خلاف عدو ، فعاهدوا على التعاون. فأيما كان من سلم أو حرب ، إذا عظم أمرها فزعوا إلى العهد ، ولذلك ترى إبراهيم عليه السلام لما هاجر قومه ، وسكن في بلاد العرب ، ورآه أبو ملك ذا بأس ومنعة ، هابه واستعظمه فعاهد به على رسم خاص ، لكيلا تكون بينهما حرب ، وصارا حليفين بهذه المعاهدة.

والتاريخ شاهد بعظم مكانة المعاهدة في التمدن ، حتى ترى الآن اعتصام الأمم العظيمة بها. والعرب كانوا في جاهليتهم أشد الأمم بأساً وألدهم خصاماً ، كما أنهم أبرهم ميثاقاً وأوفاهم ذماماً. وكانت الكعبة أعظم معاهدهم. وحرماتها أكبر وازع لهم عن الحرب ، فتطفأ نارها في شهور الحج ، ويأتون إلى الكعبة من كل فج محرمين راهبين مختلطين في غاية الأمن ، كالخرفان بعد أن كانوا أسوداً ضارية. وذلك كله من تعظيمهم للكعبة ، حتى إنهم سموا مكة صلاحاً وأم الرحم ، فإذا حاولوا توثيق عهد جاءوا إلى هذا المعبد ليقسموا بالله العظيم على مواثيقهم.

ومن شركهم ربما أقسموا عند أنصابهم التي ذبحوا عليها لشفعائهم عند الله الأكبر.

وكانوا يقسمون : إما بإهراق القربان ، أو بمسح الكعبة كما ستعلم مما ذكروا في أشعارهم ، أو بغمسهم أيديهم في عطر ومسح الكعبة بها ، كما ترى في حلف المطيبين الذي كان قبيل البعثة ، حين أرادت بنوعبد مناف أن يجمعوا أمرهم ، فوضعوا جفنة طيب لأحلافهم عند الكعبة ، فغمس القوم أيديهم فيها ، ثم مسحوا بها الكعبة ، فسموا المطيبين. وكان النبي e وأبو بكر رضي الله عنه منهم. أو بمجرد شهودهم عند البيت وعقدهم أيمانهم لديه.

فهذا أصل قسمهم الديني ، ثم توسعوا فاكتفوا بمجرد ذكر الكعبة ومشاعر الحج ، كما سترى التصريح به في بعض هذه الأمثلة التي نذكرها.

قال زهير بن أبي سلمى :

فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله رجال بنوه من قريش وجرهم
وقال أيضاً:

فتجمع أيمن منا ومنكم بمقسمة تمور بها الدماء
وقال أعشى قيس:

فإني وثوبي راهب الحج والتي بناها قصي وحده وابن جرهم
وقال أيضاً:

حلفت له بالراقصات إلى منى إذا مخرم خلفته بعد مخرم
وقال الحارث بن عباد:

كلا ورب الراقصات إلى منى كلا ورب الحل والإحرام
وقال النابغة الذبياني :

فلا لعمر الذي مسحت كعبته وما هريق على الأنصاب من جسد
والمؤمن العائذات الطير تمسحها ركبان مكة بين الغيل والسعد
ما قلت من سيء مما أتيت به إذاً فلا رفعت سوطي إلي يدي
إذا فعاقبني ربي معاقبة قرت بها عين من يأتيك بالفند
وقال شأس أخو علقمة الفحل:

حلفت بما ضم الحجيج إلى منى وما شج من نحر الهدى المقلد
وقالت غنية الأعرابية تصف ابنها :

أحلف بالمروة يوماً والصفا أنك خير من تفاريق العصا
وأما حلفهم بالأنصاب فمنه قول المهلهل:

كلا وأنصاب لنا عادية معبودة قد قطعت تقطيعا
وقول طرفة :

فأقسمت عند النصب أني لهالك بمتلفة ليست بغبط ولا خفش
وقول الملتمس :

أطردتني حذر الهجاء ولا والله والأنصاب لا تئل
وقال رشيد بن رميض العنزي :

حلفت بمائرات حول عوض وأنصاب تركن لدى السعير
والقسم بالأنصاب قليل جداً فكان جل أقسامهم المؤكدة بالكعبة ومشاعر الحج. فإن العرب مع اختلاف دياناتهم في الجاهلية لم يختلفوا في تعظيم هذا البيت العتيق . وعلموا أنه أول بيت الله الذي وضع للناس ، حتى إنك ترى النصارى منهم كانوا يقسمون به. قال عدي بن زيد وقد تنصر في الجاهلية :

سعى الأعداء لا يألون شراً عليك ورب مكة والصليب
وقال الأخطل وكان مجاهراً بنصرانيته :

حلفت بمن تساق له الهدايا ومن حلت بكعبته النذور
وقال أيضاً:

لقد حلفت بما أسرى الحجيج له والناذرين دماء البدن في الحرم
وقال أيضاً:

إني حلفت برب الراقصات وما أضحى بمكة من حجب وأستار
وبالهدي إذا احمرت مذارعها في يوم نسك وتشريق وتنحار


فترى مما ذكرنا أنهم إذا اجتهدوا بالقسم حلفوا بالكعبة ومشاعر الحج. وبذلك جاء التصريح منهم ، قال حسان بن ثابت الأنصاري فيما قال قبل إسلامه:

إني ورب المخيسات وما يقطعن من كل سربخ جدد
والبدن قد قربت لمنحرها حلفة بر اليمين مجتهد
وقال عارق الطائي:

فأقسمت جهداً بالمنازل من منى وما سحقت فيه المقادم والقمل
وبقي بعد ذلك في الإسلام. قال الفرزدق:

ألم ترني عاهدت ربي وإنني لبين رتاج قائماً ومقام
على حلفة لا أشتم الدهر مسملاً ولا خارجا من في زرو كلام


وقال الحطيئة :

لعمر الراقصات بكل فج من الركبان موعدها مناها
فتلك جل أقسامهم الدينية ، ولا يخفى عليك أنهم لم يريدوا بها إلا إشهاد الإله المعبود الذي جعلوه شاهداً ، وبذلك جعلوه وكيلاً وكفيلاً على العقود. ومرادهم أنهم إن كذبوا بعد ذلك أسخطوا الله ، كما صرح به النابغة في أبيات مرت في هذا الفصل.

وأما مراد الصلحاء من إشهاد الله تعالى فليس إلا اعتمادهم وتوكلهم على ربهم ، وإظهار جدهم في شهاداتهم ، كما سترى في أمثلة تجدها في آخر هذا الفصل.

وإنما ذكرت العرب في أيمانهم الكعبة والنحر عندها ومسحها تأكيداً لمعنى الإشهاد وإشارة إلى طريق قسمهم بالإله عند بيته. ولذلك ترى زهيراً يسمي المنحر (مقسمة) وأنه هناك تجمع أيماننا. وإذا كان القسم بمحض اسم الرب عاماً ، لا ينتبه له بينوه بذكر أصله ، وصوروه ببيان شكله ، ليكون أوقع في القلب.

وهذا المراد الذي فهمنا من أحوالهم وأشعارهم يؤيده تصريحهم بإشهاد الله تعالى في أيمانهم. فيقولون Sadوالله شهيد) ، (والله يعلم) أو ما يشبهه ، كما قال عمرو بن معد يكرب:

الله يعلم ما تركت قتالهم حتى علوا فرسي بأشقر مزبد
وقال الحارث بن عباد:

لم أكن من جناتها علم الله وإني بحرها اليوم صال


أو كما صرح النابغة الذبياني في ذكر قصة الحية وحليفها الذي لدغت ابنه فمات ، ثم صالحته على أن تعطيه دية ابنه. فلما كاد الرجل أن يستوفي الدية هم بقتلها ، ولكن وقاها الله ضربته ، فحينئذ دعاها للعهد مرة أخرى. فذلك يذكر النابغة بقوله:

فقال : تعالي نجعل الله بيننا على ما لنا أو تنجزي لي آخره
فقالت يمين الله أفعل إنني رأيتك مسحوراً يمينك فاجره
أو كما صرح به النبي e في خطبة البلاغ ، فقال بعد ما بلغهم عوازم الأمور Sadألا هل بلغت اللهم اشهد). فجعل الرب شاهداً على ما عاهدهم به.

أو كما قال حين رجع إليه ابن اللتبية الأزدي ، وقد استعمله على الصدقة ، وأخذ الهدايا ، فأسخط النبي e. فبعد ما أخبرهم النبي e بتبعات الغلول رفع عليه السلام يديه إلى السماء ، وقالSadاللهم هل بلغت) ثلاث مرات. فهذا رفع اليد كان لإشهاد الله تعالى على ما قال. كأنه قال : اللهم اشهد.

وهكذا نرى إشهاد الله برفع اليد إلى السماء في قصة إبراهيم عليه السلام. جاء في سفر التكوين ص 14 عدد 22 :

(فقال إبرام (إبراهيم) لملك سدوم رفعت يدي إلى الرب الإله العلي مالك السماء والأرض ، 23 لا آخذن لا خيطاً ولا شراك نعل ، ولا من كل ما هو لك).

أي أقسمت بالله على ذلك وأشهدته وعاهدته.

ورفع اليد في الصلاة للعهد والشهادة وتفصيل ذلك في كتاب (أصول الشرائع).

أو كما صرح به القرآن في غير موضع. وقد مر أمثلته في الفصل الثامن.



وجملة الكلام أن الأيمان الدينية أيضاً أصلها الإشهاد. وإنما اختلط بها معنى التعظيم من جهة المقسم به ، لامن جهة محض الإشهاد الذي هو أظهر معنى القسم بالشيء.

ويتضح هذا الأمر من نوع آخر من أقسامهم التي أشهدوا فيها بالمقسم به على وجه الاستدلال لا غير. وهو مسلك لطيف من البلاغة. ونذكره في الفصول الآتية.




(11)
القسم على وجه الاستدلال بالمقسم به


قد تبين مما ذكرنا أنهم كانوا يقسمون بالشهادة من أنفسهم أو بالشهادة بالله تعالى. وإذ كانت الشهادة بالله أكبر الشهادات ، كثر القسم بها ، ولذلك ظن من قل التفاته إلى أساليب الكلام وفنون بلاغته أن الإشهاد لا يكون إلا بالمعبود وعلى جهة التعظيم.

ولكنك إذا سرحت النظر في كلام العرب وغيرهم وجدت أنهم ربما أشهدوا بأشياء لم يعبدوها ولا عظموها. وإنما أرادوا الاستدلال بجعل المقسم به شاهداً على أقوالهم. بل ربما تجمع جهة الاستدلال بالأقسام الدينية أيضاً. وسيأتيك ذكره في الفصل الخامس عشر.

وأما هاهنا فإنما نذكر أمثلة القسم الاستدلالي ونوضح مفهومه. فمنها ما قال أبو العريان الطائي يمدح حاتماً الجواد:

قد علموا والقدور تعلمه ومستهل الغرار مطرد
أن ليس عند اعترار طارقها لديك إلا استلالها مدد
ومنها ما قال الراعي :

إن السماء وإن الريح شاهدة والأرض تشهد والأيام والبلد
لقد جزيت بني بدر ببغيهم يوم الهباءة يوماً ما له قود
ومنها ما قال النابغة الذبياني :

والخيل تعلم أنا في تجاولنا عند الطعان أولو بأس وإنعام
ومنها قول عنترة :

والخيل تعلم والفوارس أنني فرقت جمعهم بطعنة فيصل
فقد رأيت في هذه الأمثلة أنهم أشهدوا بالقدور ، والمدية ، والسماء والريح ، والأرض ، والأيام ، والبلد ، والخيل ، والفوارس. وليس المراد إلا أنك لو سألتهن ونطقن لشهدن على دعوانا.

ومن هذا الأسلوب ما قال الفضل بن عيسى بن أبان في وعظهSadسل الأرض ، فقل : من شق أنهارك وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك؟ فإن لم تجبك حواراً ، أجابتك اعتباراً).

ولعل هذا الكلام مأخوذ من صحف أيوب عليه السلام ، قال ص 12 عدد 7-10 Sadفاسأل البهائم فتعلمك ، وطيور السماء فتخبرك ، أو كلم الأرض فتجيبك ، ويحثك سمك البحر. من لا يعلم من كل هؤلاء أن يد الرب صنعت هذا. الذي بيده نفس كل حي وروح كل إنسي).

ومثل هذا ما جاء في صحف موسى عليه السلام سفر التثنية ص 30 عدد 19 Sad أشهد عليكم السماء والأرض قد جعلت قدامك الحياة والموت ، والبركة واللعنة ، فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك).

فأراد بهذا الإشهاد أن عهدي هذا بكم لا يؤخذ سراً بل نجعله مشهوداً ومشتهراً ، فإن نقضتموه لزمكم عاره دائماً أبداً. فمتى ما أظلتكم السماء وأقلتكم الغبراء جاءتكم اللعنة والعذاب من فوقكم وتحتكم. فضرب السماء والأرض مثلاً لدوام ولزوم ذلة النقض ، فكأنه عليه السلام أقام عليهم شاهدين لا يفلتون منهما أبداً وآيتين لا تغربان عنهم.

ومما يجلو الشبهة عن القسم الذي يشهد فيه بما ينطق بلسان الحال أنهم كما أشهدوه بكلمة (يشهد) و(يعلم) أو ما يشبههما ، فكذلك أشهدوه بكلمات خصت بالقسم ، أو نصت له مثل : واو القسم (لعمري) أو ما يشابههما.

فإن لم يطمئن قلبك بالأمثلة السابقة ، فدونك أقسام صريحة بأمور ناطقة بلسان الحال. فمنها قول عروة بن مرة الهذلي :

وقال أبو أمامة يال بكر فقلتُ : وَمَرْخَةٍ دعوى كبير
يستهزئ الشاعر بأبي أمامة على استغاثته بقبيلة بكر. فقال :

هذه دعوى كبيرة ، أي ما أصغر من يدعوه لنصره!! فأقسم بشجرة صغيرة لا تؤوي من يلوذ بها ، وضربها مثلاً لأضعف الأشياء ملاذاً ، ويتضح هذا المعنى مما قال أبو جندب الهذلي :

وكنت إذا جار دعا لمضوفة أشمر حتى ينصف الساق مئزري
فلا تحسبن جاري لدى ضل مرخة ولا تحسبنه فقع قاع بقرقر
ومنها قسم الهجرس حين قتل جساساً قاتل أبيه ، فقال:

(وفرسي وأذنيه ، ورمحي ونصليه ، وسيفي وغراريه ، لا يترك الرجل قاتل أبيه ، وهو ينظر إليه ).

فأقسم بهذه الأشياء استدلالاً بها ، كأنه قال: فكيف أترك قاتل أبي ؟ وأنا قادر على الكر والفر والطعن والضرب.

فذكر في قسمه ما يصدق دعواه ، ويستدل بها على وجوب ما أراد به ، ومنها قسم طرفة :

وقربة ذي القربى وجدك إنني متى يك أمر للنكيثة أشهد
أراد أنه كيف لا يشهد مجلس ذوي القربى إذا اجتمعوا لأمر كبير ، ولا يراعي منزلة الرحم ، وهي عظيمة عندهم ، وكانوا ينشدون بالله والرحم ، فأقسم بها استدلالاً على لزوم مشهده. ومنها قول الحصين بن حماد يرثي نعيم بن الحارث خليله :

قتلنا خمسة ورموا نعيما وكان القتل للفتيان زينا
لعمر الباكيات على نعيم لقد جلت رزيته علينا
فلم يقسم بالباكيات إلا لأن حالهن يشهد على جلالة هذه الرزية ، وهذا النوع من القسم ، وإن لم يكثر في كلامهم لدقة مذهبه ، ولغلبة أقسام أخرى ولكنه طريق واضح ، وأسلوب خاص ، يجمع ابواباً من البلاغة ، كما سيأتيك بيانها في الفصل السابع عشر؟ ويوجد في العرب والعجم وندلك على عمومه بإيراد بعض الأمثلة من كلام اليونانيين.


(12)
القسم على وجه الاستدلال
في كلام ديماسثنس أعظم بلغاء يونان


كانت اليونان في أول أمرهم على حرية كاملة ، لم يملكهم ملك ، بل يدور أمرهم على الجمهورية ، حتى نشأ فيهم فيلبوس أبو إسكندر الأعظم. فتملك عليهم. ولكن لم يستقر حكمه إلا بعد مشاجرات بالجمهور. وكان يحرضهم عليها أعظم خطبائهم ديماسثنس الشهير. فلما هزمهم فيلبوس قام هذا الخطيب على أهل أثينة وهي عاصمة بلادهم ، وألقى عليهم خطبته الطنانة يسليهم على هزيمتهم ويمدحهم على إلقاء نفوسهم إلى الهلاك لإبقاء حريتهم ، وكان خطيب آخر يسمى أسكنس يمنعهم عن مخالفة الملك ، فقال ديماسثنس راداً على أسكنس ومادحاً أهل أثينة.

(أيها الأثينيون إنكم لم تكونوا على الباطل حين خاطرتم بنفوسكم في القتال عن حرية يونان وسلامتها ، وفي ذلك لكم أسوة في أسلافكم ، فإنهم لم يكونوا على الباطل : الذين قاتلوا على مراثن ، الذين قاتلوا على سلامس ، الذين قاتلوا على فلاطي. إنكم لم تكونوا على الباطل. كلا ، لم تكونوا. أقسم بالذين خاطروا بنفوسهم على معركة مراثن ، الذين من أسلافكم ألقوا بنفوسهم إلى الهلاك على ميدان مراثن ، الذين كانوا في الحرب البحرية عند سلامس وأرطميسيم ، والذين كافحوا الأعداء على فلاطى. فيا أسكنس إن أهل البلد لم يكرموا الفائزين منهم فقط ، بل أكرموهم أجمعين بإكرام جنازتهم إكراماً جمهورياً).

يعني لم يكرموهم على فوزهم بل على محاماتهم واستمتاتتهم للحرية ، فكذلك أنتم وإن لم تفوزوا فقد بذلتم نفوسكم للدفاع عن الحرية.

فانظر في هذا القسم ، كيف مثل أسلافهم وفعالهم بين أيديهم ليملأ قلوبهم بالفخار المسلم عندهم ، فضرب لهم مثلاً ، وجعل حسن مساعيهم شاهداً على حسن مسعاة المخاطبين . وأخرج الكلام مخرج القسم الذي بني على التأكيد.

واشتهر هذا القسم لبلاغته ، واستجاده السلف والخلف من الناقدين . ولكن أرى المتأخرين منهم أخطأوا كما أخطأ علماؤنا. فإن لا نجنوس اليوناني الذي نشأ بعد ستمائة من ديماسثنس ، وكان معلماً للبلاغة في أثينة ، ومشهوراً بغزارة العلم في زمانه ، ذكر هذا القسم في كتابه على البلاغة ، وقال فيه : إن حسنه في غاية تعظيم المقسم بهم ، فإن ديماسثنس جعلهم بمنزلة الآلهة. وأنكر على من قال إن هذا الأسلوب مأخوذ من قول الشاعر يوبولس الذي أقسم بإكليله.

وإني أذكر قسم يوبولس أيضاً ليكون مثالاً ثانياً ، ولتعلم أن الرأي الذي أنكره لا نجوس هو الرأي القويم.


(13)
القسم على وجه الاستدلال
في كلام يوبولس الشاعر اليوناني
كان من سنن يونان في زمان حريتهم أنه إذا فعل أحد منهم أمراً عظيماً نافعاً لهم عصبوا برأسه إكليلاً تشريفاً لقدره واعترافاً بحقه. وكان الشاعر يوبولس نال منهم هذا الإكرام في حرب مراثن لما أبلى بلاء حسناً.

ثم بعد ذلك اتهمه بعض حساده بأنه ساخط بالقوم ، ليزرع بهذه التهمة بغضه في قلوبهم. فأزاح يوبولس هذا الظن عن نفسه بقول ترجمته :

لا وإكليلي الذي نلت لدى مراثنا
لا يراني شامت أضمر سخطاً كامنا
فأقسم بإكليله الذي ناله من أيدي قومه استدلالاً على عدم سخطه بهم كأنه قال : كيف أسخط على قومي بعد أن أكرموني بهذا العز.

فنرى في هذا المثال – كما رأينا في أمثلة أخر – أن القسم لا يختص بالإله. وبذلك ينهدم ما بنى عليه لا نجنوس رأيه ، وتبين لنا أن من جعل قسم ديماسثنس مشابهاً بقسم الشاعر يوبولس أصاب المراد. فإنهما استعملاه على وجه الاستدلال وضرب المثل ، وليس المراد منه تعظيم المقسم به. فإن كان المقسم به في نفس الأمر عظيماً فهذا من محض الاتفاق ، ولا يتعلق به غرض القسم. محض القسم ساكت عن عظمته. ألا ترى عروة بن مرة الذي مر شعره في الفصل الحادي عشر كيف أقسم بالمرخة وضربها مثلاً لغاية الذلة والضعف.


(14)
شرح دلالات القسم الاستدلالي


بعدما وقفت على أمثلة القسم الاستدلالي من النثر ، والنظم لدى العرب والعجم ، وتبين لك أنه أسلوب خاص من البلاغة ، نريد أن نجمع لك في هذا الفصل ما فيه من الدلالات الاستدلالية التي ذكرناها في الفصول السابقة شتاتاً لتفهمها كل الفهم ، فإن ذلك من مهمات مباحث هذا الكتاب. ثم تجد زيادة عليه حين نذكر ما في القسم من أبواب البلاغة.



فاعلم أنهم إذا أشهدوا على وجه الاستدلال ربما أرادوا به شدة وضوح المقسم عليه كما ترى في قول الراعي :

إن السماء وإن الريح شاهدة والأرض تشهد والأيام والبلد
يعني أن الأمر بلغ غاية الشهرة والمعرفة حتى إن كل شيء يشهد به ، فذهب في آفاق السماء وأقطار الأرض ، وجرت به الريح في كل جانب ، وبلغ كل بلد ، وكفلت الأيام بإبقائه على صفحات الدهر. وغاية التأكيد في أن هذه الأشياء التي لا روح لها تشهد به فكيف بأهل السمع والبصر والنطق.

وهذا بحسب الظاهر مبالغة. ولكنه بني على الصدق ، فإن المراد به غاية الشهرة وعموم العلم به. ويشبه ذلك ما مر من قسم موسى عليه السلام حيث أشهد السماء والأرض.

وربما أرادوا به ضرب مثل على وجه التشبيه ادعاء من المتكلم كما ترى في قسم عروة بن مرة. فإنه ضرب المرخة مثلاً لقبيلة بكر التي استغاث بهم أبو أمامة ، فشبههم بالمرخة. وهذا محض الادعاء ، ولكن الدعوى إذا كانت بطريق الإشارة يتلقاها المخاطب بالقبول ، مثلما تراه في التشبيه والكناية ، كما بينوه في كتب المعاني ، ونرجع إلى هذا البحث في الفصل السابع عشر إن شاء الله تعالى.



وربما أرادوا به تأييداً للقول ، فأشهدوا بالمقسم به لكونه مؤكداً للمقسم عليه ، كما ترى في قول يوبولس. فإنه أشهد بإكليله الذي أكرمه به قومه. وهو أقصى الغاية عندهم في التعظيم. فكأنه قال في رد قول مخالفه ، إني بعد هذا الشرف الدائم كيف يظن بي أني أسخط بهم. وكان في هذا الاستدلال ضعف فإنه يمكن لمخالفه أن يقول : أنت مع هذا الإكرام العظيم تبدلت ، وصرت جاحد النعمة. فأكد قسمه بالإكليل بذكر شرف نفسه ، فقال: إني اقتنيته في أشهر حروبهم التي بدت فيها منازل سراة القوم ، فكنت فيها من الطراز الأول. فبعد هذا التأكيد لم يترك لخصمه إلا محل حسود يسيئ الظن بالكرام. ولكن في هذا الاستدلال لا يتم التقريب بين الدعوى ودليلها.

وربما أرادوا به حجة قاطعة على قولهم بذكر أمر جامع بين المقسم به والمقسم عليه ، كما ترى في قسم ديماسثنس. فإنه ذكر حسن فعال أسلاف المخاطبين ، وهم لا يشكون فيه ، واحتج به على حسن فعال الذين اتبعوا أسلافهم. ولذلك صرح أولاً بأن لكم أسوة في أسلافكم وهذا لعمرك أحسن وجوه هذا النمط من القسم.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد




الموضوع الأصلي : إمعان في أقسام القرآن // المصدر : منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب // الكاتب: محمود

بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



إمعان في أقسام القرآن   Emptyالخميس 11 أكتوبر - 6:12
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: إمعان في أقسام القرآن



إمعان في أقسام القرآن

(15)
الأدلة المأخوذة من نفس القرآن
على ما فيه من الأقسام الاستدلالية


بعدما تبين لك أن القسم أصله الاستشهاد ، وأنه لا يراد من التعظيم ، إلا إذا كان بالله تعالى وبشعائره ، وعلمت أنه ربما يكون لمحض الاستدلال ، لا يخفى عليك أن أقسام القرآن التي بنى عليها المعترض الشبهتين الأخيرتين ليست إلا للاستدلال والإشهاد بالآيات الدالة.

فإ قال قائل : هب أن أصل القسم هو الإشهاد ، ولكنه لكثرة استعماله للتعظيم صار كالمنقول ، وأصله كالمذهول. ولذلك نهي عن القسم بغير الله تعالى ، فلا يصار إلى الأصل إلا بدليل واضح بين.

قلنا : سلمنا ولكنا لم نذهب إلى هذا المعنى الخاص لأقسام القرآن إلا بدلالة القرآن من وجوه كثيرة. ودونك بيانها :

الأول : ما علمنا من سنة القرآن من استعماله بعض الكلمات مرة للعبد وأخرى لله تعالى. وحينئذ يميز بين وجوهها ، حتى لا يكون مخالفاً لجلالة ربنا جلت عظمته ، مثل كلمة الصلاة فإنها الدعاء من العبد والرحمة من الله تعالى . وكلمة الشكر فإنها من العبد الاعتراف بالنعمة ، ومن الله تعالى قبوله الحسنات من عبده.

وهكذا التوبة ، والسخط ، والمكر ، والكيد ، والأسف ، والحسرة وغيرها. بل ما من كلمة إلا يميز بين وجوه معانيها إذا استعملت لله تعالى. ويؤخذ بأحسنها ويترك ما لا يليق بذاته المقدسة. وقد علمنا الوجوه الكثيرة للقسم ، فحملناه على وجه يليق بجلالة ربنا ، وأخذنا بما هو (خير وأحسن تأويلاً).

والثاني: ما تهتدي إليه من حمل النظير على النظير وتفسير الآيات بعضها ببعض. فإنك ترى القرآن يذكر الأمور الدالة تارة على أسلوب القسم بها ، وأخرى على أسلوب الآية والعبرة. وكلها إشهاد لمن يتفكر فيها. قال تعالىSadإن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون).

ومثل هذا كثير. فيذكر الله تعالى آياته ويحتج بها.

ثم ترى هذه الآيات أشهد بها القرآن على أسلوب القسم ، فأشهد بالسماء والأرض والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والفجر والضحى ، والريح والسحاب ، والجبال ، والبحر والبلد ، والإنسان والوالد والولد ، والذكر والأنثى ، والشفع والوتر. فكونها آيات دالة له نظير ، ولا سبيل إلى إرادة تعظيمها.



والثالث : ما يدلك عليه نفس المقسم به . فإن العاقل لا يتوهم أن الله تعالى يضع مخلوقاته موضع المعبود المقدس ، لا سيما الذي ليس له كبير تقدس كالخيل العادية والريح الذارية ، وقد صرح القرآن بكون هاتيك المقسم بها من السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم وغيرها مسخرة مدللة طائعة. ففي نفس القسم بها دلالة على أن المراد محض الإشهاد بها.



والرابع : ما ترى من المناسبة الظاهرة بين المقسم به والمقسم عليه. فإن القرآن وضع أكثر هذه الأقسام بحيث لا يخفى على العاقل جهة دلالتها على ما أقسم عليه. ولذلك ترى صاحب التفسير الكبير – رحمه الله – مع ظنه بأن القسم للتعظيم ، وتكلفه لبيان فضائل التين والزيتون – لم تخف عليه جهة عامة في دلالة الأقسام التي جاءت في أول سورة الذاريات فقال: (إنها كلها دلائل أخرجها في صورة الأيمان). ولو تأمل في سائر أقسام القرآن التي جاءت على وجه الاستدلال لاختار هذا التأويل في جميعها.



والخامس : ما ترى من تعميم المقسم به على طريق تعميم الآيات الدالة ، كما قال تعالى Sadفلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون) فلم يترك شيئاً إلا وقد أقسم به ، كما قال Sadوإن من شيء إلا يسبح بحمده) فلم يترك شيئاً إلا وقد أنطقه بحمده وأشهده بمجده. ويشبه هذا التعميم استعمال المتقابلين حيث أقسم بالليل والنهار والأرض والسماء. فكيف يظن أن الله عَظَّمَ كل شيء ؟ والسبيل إلى جعله آية دالة ظاهر فلا يصار إلا إليه.

والسادس : ما يتبع المقسم به من التنبيه على كون المقسم به دليلاً للعقلاء. كما قال تعالى Sadوالفجر * وليال عشر * والشفع والوتر* والليل إذا يسر * هل في ذلك قسم لذي حجر).

فهذه الجملة الأخيرة مثل ما تجد كثيراً في القرآن بعد ذكر الدلائل كما جاء في سورة النحل Sad إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) أو كما جاء في سورة طه Sadإن في ذلك لآيات لأولي النهى) أو كما جاء في سورة آل عمران Sad إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار) وهذا كثير. فهكذا هاهنا بعد ذكر الأقسام نبه على كونها دلائل لذي عقل وبصيرة.

ويشبه ذلك ما جاء من التنبيه بعد القسم في سورة الواقعة حيث قالSad فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) أي إن فيها دلالة عظيمة وشهادة كبيرة. فصرح بعظمة القسم لا بعظمة المقسم به.



والسابع : ما ترى في ذكر المقسم به على صفة خاصة تشير إلى جهة الاستدلال. كقوله تعالى Sadوالنجم إذا هوى) وقوله تعالىSadفلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس) وقوله تعالىSadوالصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا) وقوله تعالىSadوالذاريات ذرواً * فالحاملات وقرا* فالجاريات يسرا * فالمقسمات أمرا) وقوله تعالى Sad ولا أقسم بالنفس اللوامة) وغيرها.

فهوي الثريا ، وخنوس النجوم ، وصف الملائكة ، وذرو الرياح ، وتقسيمها الأمور ، وملامة النفس أقرب إلى الاستدلال منها إلى التعظيم.



والثامن : ما يسبق المقسم به من صريح ذكر الآيات الدالة ، ثم يعبر عن المقسم به على وجه يشير إلى تلك الآيات ، كأنه مهد من قبل لما أريد من وجه الاستدلال . وهذا مما يهتز له المتدبر في نظم القرآن.

ويتضح ذلك بالمثال. قال تعالى في سورة الذاريات Sadوفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون* وفي السماء رزقكم وما توعدون).

أي إن لكم فيهن آية على الربوبية والدينونة ، كما فصل ذلك في غير موضع من القرآن. فبعد ما ذكر أن الأرض والسماء قد اشتملت على آيات الجزاء بل على نفس الجزاء ، جاء بقوله Sad فورب السماء والأرض إنه) أي الدين والجزاء. وليس المراد به القرآن كما توهموه (لحق مثل ما أنكم تنطقون).

فلا يخفى أن هذا القسم – مع دلالته على التقديس لكونه إشهاداً بالله تعالى – قد تضمن الاستدلال بآيات في الأرض والسماء ، لما عبر عن المقسم به على صفة تشير إلى ما سبق من صريح الاستدلال بالآيات الدالة. ولما كان وجه التعظيم في هذا القسم أظهر ، وكاد يشغل عن وجه الاستدلال حسن التمهيد له من قبل.

وفي هذا القدر كفاية إن شاء الله تعالى. فإذا سأل سائل: كيف خفي الصواب على العلماء ، أم كيف يطمئن القلب بهذا القول المبتدع. أجبناه بما نذكره في الفصل الآتي.


(16)
بعض أسباب خفاء الوجه الصحيح
في تأويل أقسام القرآن

مما ذكرنا من أقوال العلماء في الفصول السابقة نرى أن هذا المعنى للقسم ليس ببدع ، بيد أنه خفي عليهم بعض وجوهه ومعانيه. فلم يتمسكوا به كل التمسك. فإما أن تركوه في بعض المواضع ، وإما خلطوا به معنى آخر. ولنذكر هنا بعض أسباب الخفاء ليظهر عذرهم.



فالسبب الأول : أنه في بعض المواقع كان المقسم به في نفسه شريفاً ، مثل القرآن والطور ومكة ، أو الشمس والقمر والنجوم ، أو العصر والليل والنهار ، فلم يحتاجوا إلى جعل الإقسام به استدلالاً. وقد ظنوا أن القسم بالشريف العظيم عام شائع. فإذا وجدوا المقسم به ذا احتمالات أخذوا منها ما يشبه بالشرافة. وبهذا السبب منعوا عن التعريج إلى السمت الصحيح. وذهبوا من القسم في مذهب عام ، كما أن الماء يجري إلى الخفض إن لم يصرفه صارف.



والسبب الثاني : أن الحكماء نجعتهم الأمور الكلية. فلا يعجبهم رأي ينخرم بعض جوانبه. ووجه الدلالة في الأقسام مع ظهوره في بعض الأمثلة كان خفياً في بعضها. ولما لم يتبين لهم وجه الدلالة فيه زعموا أن هذه الكلية لا تصح هاهنا.

وليس من دأب أكثرهم أن يقروا بالعجز ويحولوا العلم إلى الله تعالى ، كما ترى ذلك في مسألة نظم القرآن. فإنه ظاهر واضح في أكثر المواضع ولم يشكل كل الإشكال إلا في قليل. فلو اعترفوا بالجهل ، كما فعل بعضهم ، لكان حرياً بهم. لكن تراهم لم يعتمدوا على وجود النظم. وإنما أرادوا بذلك أنه ليس كلياً ، فظن العوام أن لا نظم في القرآن ، وكلها اقتضاب.

والصواب أن نتحرى في كل أمر ما هو الأولى والأحسن ، وقد دلت عليه دلائله ، وبدت مخايله ، وترجح جانبه ، وتوضح لاحبه ، ونكون كما قال تعالى Sad الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب).

فإن أشكل علينا بعض وجوهه نسبناه إلى قلة علمنا ، وسيجعل الله يسراً بعد عسر ، وجبراً بعد كسر ، والعلوم متزايدة ، والله يهدي من يشاء.

فمحض غموض جهة الاستدلال في بعض الأقسام لا يصرفنا إلى رأي باطل مع سخافته. ألا ترى الآيات الدالة ليست كلها ظاهرة الدلالة بحيث لا تحتاج إلى تأمل. والقرآن صرح بذلك وندب إلى التفكر والتدبر فيها. بل صرح بأنها لا يفهمها إلا العاقلون المتقون ، كما جاء كثيراً في القرآن والصحف الأولى. ومع ذلك لا نشك في أنها دلائل قاطعة وحجج ساطعة. فهذا التحري هو الخطوة الأولى للتأمل وإعمال العقل حتى تنحل الإشكالات ويطمئن القلب بعد العلم.

وإني بحمد الله تعالى لم أطمئن لهذا الرأي إلا بعد أن تأملت في جميع أقسام القرآن ، حتى تبين لي أنها دلائل. ولم يدلني عليه إلا القرآن من وجوه عديدة كما مر ذكرها آنفاً.



والسبب الثالث : وهو مدار الأولين ، أنهم لما وجدوا القسم بالله تعالى وشعائره شائعاً غلب على ظنهم أن ذلك أصله. فإذا وجدوا القسم بغيره جعلوه مجازاً. ثم رأوا أن المجاز لا يصار إليه إلا إذا تعذرت الحقيقة.

ولكن محض الكثرة ليس دليل الأصلية ، ولا المصير إلى المجاز مشروط بتعذر الحقيقة. بل الصواب أن تأخذ من المعاني ما هو أحسن وأحرى ، وأشبه بالسياق ، وما له نظائر في باقي الكلام.

فلما جعلوا الفرع أصلاً خفي عليهم حقيقة معنى القسم بالشيء ، وهو الإشهاد به. فقولهم في بعض الأقسام إنها دلائل لم يكن إلا لشدة وضوح هذا المراد فيها. كأن القرآن دعاهم بصوت جهوري وجذبهم ببطش قسوري إلى صحيح معناه. ومع ذلك هم على الظن الأول. فلم يكن الخفاء من جهة القرآن بل من بعض الظن منهم عفا الله عنهم.



والسبب الرابع : شهرة بعض أمور ذات وجوه على وجه خاص ، مثل قصة هلاك فرعون وقومه. فإن المشهور أنهم أهلكوا بمحض الماء ، ولا يرون فيه دخلاً للريح. وحقيقة الأمر أنه كان من عجائب تصاريفها بأمر ربها. وهكذا الأمر في طوفان نوح عليه السلام ، كما بيناه في تفسير سورة الذاريات. فأينما كانت المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه منوطة ببعض الوجوه ، خفي وجه الاستدلال على من خفي عليه ذلك الوجه. ولما لم يكن تفصيل هذا القصص من مهمات العقائد والأحكام لم يلتفت إليها علماؤنا رحمهم الله تعالى.



والسبب الخامس : وهو يشبه ما قبله ، أن علماءنا رحمهم الله تعالى شغلتهم العلوم العقلية والنقلية المشهورة عن علوم هي أكبر منها نفعاً في التفسير ، وذلك هو علم لسان أوحي به إلينا وإلى من قبلنا ، وتاريخ هذه الأمم السامية ، وعلومهم وآدابهم. وإذ هي لا تختص بمسألة القسم لا نبسط القول فيها.

ولا حاجة إلى استقصاء أسباب الخفاء ، فليكفنا هذا القدر منها.


(17)
ذكر بعض ما في القسم
من أبواب البلاغة ولطائفها

لعلك تقول : إن كانت هذه الأقسام دلائل لا غير ، فلم لم تذكر على أسلوب الاحتجاج الصريح.

فاعلم أن الاستدلال إذا كان على أمور لا تتعلق بها الرغبة والنفرة ، مثل ما ترى في العلوم الطبيعية والرياضية أو في تاريخ الأولين على الأكثر ، كان ذكر الأدلة فيها أولى بالتصريح. فأما إذا استدللنا على أمور نفسانية يتصادم فيها من القائل والسامع حث واستنكار ، وزجر واستكبار ، وإلحاح وإصرار ، احتجنا إلى إيراد الأدلة على وجوه مختلفة من أساليب الكلام متفاوتة في الوضاحة واللطافة والقوة والحدة.

وربما نبدل الأسلوب لمحض الاجتناب عن ملال السامع أو الرجاء أن ينجح فيه بعض الأساليب أكثر من بعض ، كما صرح به القرآن Sadانظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) وكما فعل إبراهيم عليه السلام مع الذي حاجه في ربه ، فترك الإصرار على الدليل الأول ، حين لم يفهمه الخصم ، وعمد إلى دليل آخر أقرب إلى فهمه Sad فبهت الذي كفر).

فهذه جملة الجواب . ثم في أسلوب القسم معان مفيدة للاستدلال مما يفتح عليه من البلاغة أبواباً ، ويلقي عليه من المحاسن جلباباً. ونذكر هنا بعض تلك المعاني ، وندلك على ما فيه من البلاغة.



الأول: هو إظهار التأكيد والجد في القول ، كما ترى في قول المرسلين من النصارى حيث جاء في القرآن Sadقالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون * وما علينا إلا البلاغ المبين) أو كما ترى في قوله تعالى Sad (والسماء ذات الرجع * والأرض ذات الصدع* إنه لقول فصل * وما هو بالهزل).

وقد علموا أن الحر المهذب إذا أقسم على أمر فقد بالغ في إظهار الجد منه ، ونفى عن نفسه الهزل. ولذلك كثر القسم في أوائل النبوة حتى تبين لهم جده. وقد صرح في المثالين المذكورين. وذلك لخصوصية في أسلوب القسم ، لا لأن فيه تعظيماً ، كما ترى تأكيد الإثبات والإنكار بأسلوب الاستفهام أو التعجب في أكثر الأسئلة ، أو تأكيد التعجب بالنداء كقولك : ياللماء ، و:

يالقومي للشباب المسبكر
والثاني: كون القسم إنشاء . وذلك يبهم طريق الإنكار على الخصم. فإنه إن شاء أنكر جواب القسم ، لكونه خبراً ، ولكن لا يسنح له أن ينكر نفس القسم ، لكونه إنشاء. كما أنه لا يتوجه إلى إنكار الصفة مع أنهما في الحقيقة من الأخبار.

وربما يجمع أقسام القرآن هذين الخبرين ، كالقسم بالقرآن المجيد ، وباليوم الموعود ، وبالمقسمات أمراً ، وبالفارقات فرقاً ، وبالصافات صفا.

فإن شرحتها رأيت فيها جملتين خبريتين. مثلاً إن الملائكة صافون كالعبيد ، وإن الرياح تفرق وتميز حسب أمر الله ، وإن لهم يوماً موعوداً ، وإن هذا القرآن مجيد. فهذه أخبار أدمجت في الصفات ، ثم زيد عليها ما أدرج من القسم. وهي أن هذه الأشياء شواهد ودلائل.

فإن كان ذلك مما ينتبه الخصم لإنكاره ، فتارة يصرف الخطاب إلى النهي كقوله تعالى Sadيس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين).

وتارة يحذف جواب القسم الذي يكون جملة خبرية. فحينئذ يكتفي بالمقسم به ، ويبادرهم بكلام آخر مؤيد لما حذف ، لكيلا يجد الخصم فرصة لتحويل الإنشاء إلى الخبر فينازع فيه ، ولكي يجد الكلام فرصة فيه ، فيستمع بعد القسم لما ينتظر جوابه ، فيهجم عليه ما يؤيد الاستدلال المقصود من الكلام السابق ، كقوله تعالى Sadص والقرآن ذي الذكر * بل الذين كفروا في عزة وشقاق).

فاكتفى بالجملة الإنشائية ، واجتنب الخبرية. وقد فرغ عنها بما ذكر في القسم من صفة القرآن. كأنه قيل Sadقد شهد القرآن أنه لذكر ونصح لهم). ثم ذكر من خصائلهم ما لا ينكرونها بل يباهون بها ، وأشار إلى أن إنكارهم ليس إلا لحميتهم الجاهلية ، وجدالهم بالباطل.

ومثل ذلك قوله تعالى Sadق والقرآن المجيد * بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب) أي قد شهد القرآن أنه لنذير مبين من الله تعالى بالبعث ، ولكنهم ينكرونه لما يعجبون أن يأتي به منذر منهم.

فأما إذا كان القسم مما لا ينكرونه لم يحذف الجواب ، كقوله تعالىSadحم * والكتاب المبين* إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون).

فذكر في القسم ككونه كتاباً مبيناً ، وفي الجواب كونه قرآناً عربياً ، ولا ينكرون شيئاً منهما. وأما كونه منزلاً من الله تعالى فلم يخبر به كدعوى على حدة ، بل جعله أصل الكلام بما خاطبهم بنفسه ، فلا يتجه الإنكار إليه.

هذا ، ولولا كراهية الخروج عن موضوعنا لبسطنا الكلام في حذف جواب القسم وفوائده. وذكره تحت آيات القسم أولى.



والثالث : إيجاز هذا الأسلوب للاستدلال. فإن اللفظ إذا قل يتراءى المعنى متجرداً عن حجبه ، فيزيده تنويراً وتأثيراً ، كأنه أرهف حده ، وقرب بعده. وهذا مما يجعل الاستعارة أحياناً أبلغ من التشبيه. ولا حاجة إلى توضيح حسن الإيجاز فإنه مبسوط في كتب البلاغة.

وقد بالغ في استحسانه بعض كتاب زماننا ، فقال: إن الإيجاز لهو البلاغة ، وتكلف في رد جميع المحاسن إليه. وإنما جعله أصل البلاغة لتشعب أفنانه ، وتقلب ألوانه. فلم يدخل باباً من أبواب البلاغة ، إلا ورأى الإيجاز هناك موجوداً ، فقصر النظر عليه.

ومن فوائد الإيجاز أنه يمكنك أن تجمع دلائل عديدة في قرب بعضها من بعض. فإذا دللن على أمر واحد من جهات مختلفة كن أشد أثراً ، وأحكم أمراً ، كما ترى في أقسام سور الطور والبلد والتين. فلو فصل فيها الكلام وشرح الأدلة لتشتت النظام ووهنت قوته. ويقرب منها أقسام سور الفجر والشمس والليل.

هذا ، والعرب لذكائهم وكبرهم كانوا يحبون الإيجاز أكثر من أقوام أخر.. ولذلك لا ترى شيئاً من القرآن إلآ ومعناه أوفر من اللفظ ، فإن أطنب قولاً من وجه أوجزه من وجوه أخر. ولذلك لا تنقضي عجائبه.

والرابع : إشراك السامع في استنباط الدليل ، وذلك مما يكسر سورة خصامه. فإنه إذا علم شيئاً بعد التأمل فرح به واهتز له. فإن المتكلم إذا جعل السامع منفعلاً محضاً أتعبه وصار كلامه عليه ثقلاً. وهذا إذا لم يخالف رأيه. فأما إذا خالفه أشمأز منه وسد منه أذنه.

ولذلك ربما يستعمل الاستفهام بدل الإخبار كقولك :ألا ترى ذلك؟ وهل سمعت هذا ؟

أو كما استفهم النبي عليه السلام في خطبة الوداع حيث سألهم : أي بلد هذا ؟ وأي شهر هذا ؟ وأي يوم هذا ؟ فلذلك يجلب الالتفات ، وينشط للسمع.

وقد جمع القرآن هذين الأمرين في أول سورة الفجر ، فأشهد بأمور تدعو الفكر إلى استنباط الدلائل على تدبير الله تعالى وتقديره وعدله. ثم أتبع ذلك بقوله Sadهل في ذلك قسم لذي حجر) ومثل ذلك قوله تعالى Sadوالسماء والطارق * وما أدراك ما الطارق* النجم الثاقب).

ورب مستدل حاذق يسوق المخاطب إلى الدعوى بسهولة من غير تسفيه رأيه ، حتى يظن أنه هو الذي اهتدى إليها من قبل نفسه. وهذا مما يصير الكناية أحياناً أبلغ من التصريح.

وترى ذلك بيناً في أقسام القرآن فإنها تعرض على السامع أمراً يدعوه إلى استعمال عقله. وربما تسوقه إلى سمت الدعوى بلطافة وتدريج. كالقسم بالذاريات حتى انتهى إلى قوله Sadفالمقسمات أمرا). ومثل ذلك قسمه بالمرسلات عرفاً حتى انتهى إلى قولهSadفالفارقات فرقاً * فالملقيات ذكر* عذراً أو نذرا). فلو ألقي عليه أولاً أن الرياح تفرق بين قوم وقوم أنكر ذلك.



والخامس : وضع الدليل في غير صورته ، لكيلا يبادر المنكر إلى المخاصمة. وذلك غير معنى الإنشاء الذي مر آنفاً في الوجه الثاني ، فإنه يسد باب الإنكار. وهذا إنما يذهل عن الخصام. لكونه غير الإنشاء تجده باقياً في صورة الخبر أيضاً.

مثلاً إن حولت قوله تعالى Sadوالعصر * إن الإنسان لفي خسر) وجدت بعد هذا التحويل من الإنشاء إلى الخبر أيضاً فرقاً واضحاً بينه وبين صريح الاستدلال. وهو أن تقول: إن الإنسان لفي خسر ؛ لأن مر الزمان ينقص العمر ، فإن هذا الاستدلال مع صحته وظهوره يدعو الخصم لحبه الجدل إلى الإنكار به. أو بالذي ينتج منه : وهو الاعتماد على الإيمان والعمل الصالح. فإنه سيقول : كلا ، إن الإنسان لفي ربح عظيم ، فإنه يشتري اللذائذ ويقتني المنى ، بهذا العمر الذي لا بد أن يفنى. أو سيقول : كلا ، فإنه إذ لا بد من البلى ، فالتمتع بالشهوات أولى ، كما قال الملك الضليل بن حجر القتيل:

تمتع من الدنيا فإنك فان من النشوات والنساء الحسان
ولا شك أن تلك حجة داحضة. ولكن إذا فتح باب الجدال ، كثر القيل والقال. وكلما زدت إيضاحاً ، ازداد الخصم جماحاً. فيحسن أحياناً أن تذهله عن وجه النزاع ، فإن للإنسان به ضراوة كضراوة السباع.

وكانت العرب أشد الأمم جدلاً ، وأحدهم مقولاً ، كما قال تعالى Sadما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون). وكذلك سماهم Sadقوماً لدا).

واعلم أن هذا الوجه والذي قبله ، مبنيان على لطافة الأدلة في الأقسام ، فإنه كما تصرفهم عن الإنكار والنزاع ، فكذلك تنشطهم للفكر والاستنباط.



والسادس : ما يعطي أوائل السور من نضرة بهجتها ، ورونق ديباجتها. فتلمع الأقسام في قسمات السور على الأكثر كالغرة البارقة ، وأما الذي جاء في أثناء السورة فإنما هو قليل. ومثاله كمجيء المطلع في أثناء القصيدة.

وليس في كل قسم تزيين. ولكنه لما كان مما يستفتح به الكلام ، جعله سبباً لتزيين الفواتح بأن اصطفى له كلما إن صور على عنوان الكتاب ، أو تمثل للعقل في مطلع الخطاب ، ملأ العين والفؤاد بحسنه وجلالته. بل يجل أكثرها عن التصوير لكمال عظمتها وضيق نطاق الخيال عن سعتها.

ولا شيء من أساليب الكلام أصلح للتصوير من القسم. فإن الذي أقسمت به دعوته كالشاهد ، فأوقفته بين يدي المخاطب متمثلاً.

فلما أراد الله أن يوشي عنوان السور بألوان الصور بدأها بأقسام خاصة: فترى أحياناً صورة أمر واحد كالقلم الكاتب والنجم الثاقب والخيل العاديات والرياح الذاريات والملائكة الصافات.

وتنظر أخرى إلى صور عديدة يضمها أمر جامع بينها كالتين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين ، أو كالطور والكتاب المسطور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور ، أو كالشمس والقمر والليل والنهار والأرض والسماء والنفس وغير ذلك ، مما يدل على أحوال أو أحداث يستدل بها على مسألة مهمة.

ولا منزلة عند العقل لهذه التصاوير لولا أن فيها دلائل على أمور عظيمة. وهذا لرعاية جانب المستمع لكيلا يتنفر ، فيسد أذنيه. ومن كمال التبليغ وإتمام الحجة تليين القول وتأليف القلب. وقد أمر الله الأنبياء بهذا ، كما قال تعالى لموسى وهارون حين أرسلهما إلى فرعونSadفقولا له قولا ليناً لعله يتذكر أو يخشى).



والسابع: تقديم الدليل على ذكر الدعوى. فيلقي أولاً على الخصم أمراً يوجهه إلى سمت لا بد أن يجلبه إلى الدعوى. ولكن المنكر إذا علم من قبل ما تريد الاستدلال عليه أخذ سمتاً آخر ، وتنكب عن الوجه الصحيح. فإذا لم تذكر الدعوى يوشك أن يتوجه إلى صراط مستقيم. فإذا سار على قصد السبيل قدته إلى آخر النتيجة. ومثال ذلك كل ما ذكرنا في الوجه الرابع والخامس.



والثامن : كون القسم من جوامع الكلم. فإن المقسم به لا يذكر معه جهة الاستدلال. فلو ضم به جهة خاصة كان دليلاً واحداً ، ولكن الشيء الواحد يجمع معاني كثيرة ووجوهاً مختلفة. وللمتوسم فيه دلائل شتى.

وهذا الأمر مشترك في ما ذكر من الأمور الدالة على أسلوب الآية ، فجعل شيئاً واحداً موضعاً لا ستنباط دلائل كثيرة. كما قال تعالى Sadألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) وكما قال تعالى Sadوفي الأرض آيات للموقنين* وفي أنفسكم أفلا تبصرون). فمن يحصي ما في الأرض والنفس من الآيات الدالة على القدرة والعظمة والرحمة والحكمة ثم على التوحيد والرسالة والمعاد ، كما فصلناه في كتاب (حُجج القرآن).

فإذا أشهد الله تعالى بعض خلقه ، ثم ذكر معه من المطالب الدينية التي يستدل عليها ، ترك المتأمل أن يستنبط الدلائل من وجوه كثيرة.

وبعد الاتفاق في المستدل عليه وبعد رعاية نظام الكلام ، لا بأس باختلاف الدلائل وطرقها ، فإنها تتنوع وتتكثر حسب مدارج الأفهام والعقول. وجعل الله القرآن جم الفوائد لا تنقضي عجائبه ، كما لا تنقضي عجائب خلقه وحكمة صنعه. قال عز من قائل: (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم). ولنكتف بهذا القدر من أبواب البلاغة التي تجد في أقسام القرآن ، وما أردت الاستقصاء ، ومن يطيقه؟

وقد تبين مما مر معنا معنى القسم ، ووجوهه ، وبذلك انحسمت الشبهتان الأخيرتان المهمتان. وأما الشبهة الأولى فاضمحلت أيضاً لما ذكرنا من حاجة الناس إلى القسم وضرورته في عزائم الأمور وموقعه في التعايش والتعاشر بين الأمم والملوك والرعايا ، كما مر في الفصل السادس والعاشر.

وقد تبين ورد القسم كثيراً في الكتب المقدسة وكلام الرؤساء والبلغاء ، فلم يبق الآن إلا تبيين علة النهي عنه.





(18)
الفرق بين ما يحسن وما لا يحسن من القسم

لما كان في القسم إما إشهاد بنفس المتكلم ، أو إشهاد بالله تعالى ، وفي ذلك مخاطرة المرء بعزه وبدينه ، لم يحسن التلاعب به. فيتجه النهي إليه من ثلاث جهات.

1- إما من جهة المقسم عليه.

2- أو من جهة المقسم به.

3- أو من كليهما.

فأما من جهة المقسم عليه ، فمن حلف على أمور سخيفة أظهر عدم مبالاته بشرف نفسه. ولذلك جاء في القرآن صيغة المبالغة في شناعة الحلف حيث قال تعالى Sadولا تطع كل حلاف مهين). فدل على أن من حلف على كل أمر جل أو دق ، فقد أهان نفسه ، سواء حلف بالله أو بغيره. كالذي يغضب من غير سبب ، أو يضحك من غير عجب. فهذا من جهة المقسم عليه.

وأما من جهة المقسم به ، فإذا أقسم عبدٌ قسماً دينياً بغير الله تعالى ، فكأنه اتخذه إلهاً. فالمنع عن القسم بغيره تعالى على العموم سد لأبواب الشرك ، كالمنع عن السجدة لغيره تعالى ، أو كالمنع عن نحت الأصنام ، كما جاء في الأحكام العشرة ، ولذلك جاء في سفر التثنية ص 6 عدد 13 Sadالرب إلهك تتقي ، وإياه تعبد ، وباسمه تحلف). وهكذا نهى النبي e عن القسم بغير الله تعالى.

وأما من جهة كليهما معاً ، فذلك أن يقسم بالله تعالى على أمور سخيفة. وهذا جمع بين قلة المروءة ، وقلة التقوى معاً. وإلى هذا يشير قوله تعالىSadولا تجلعوا الله عرضة لأيمانكم).

فهذه هي الوجوه المحظورة في اليمين ، فأما دون ذلك فلا ينهى عنه ، لاسيما إذا دعت إليه دواعي المعاشرة ، كما ذكرنا في الفصل السادس عشر.

وشريعتنا قد أنزلت للناس كافة فتراعي حاجات التمدن ، وتميز بين دقائق الأحكام ، وتنظر إلى ضعف فطرة الإنسان. كما قال تعالى Sadيريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) فلا ينبغي فيها النهي المطلق عن أمر هو المفزع عند جد الأمر وعزائم الأمور التمدنية والدينية ، كما لا ينبغي فيها المؤاخذة على يمين لم يتعلق بها نية المتكلم ، بل نطق بها على ما جرت به العادة في التحاور. فقال تعالى Sadلا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم).

وذلك بأن الأعمال بالنيات. فيمين اللغو وإن كانت خلاف المروءة ، لا يؤاخذ عليها ، لأن الرب غفور لعباده ، يرحمهم لضعفهم ، فلا يؤاخذ عامتهم على كل صغيرة.

وهذا الذي ذكرنا يتعلق بالأيمان العامة ، فأما أقسام القرآن ، فلكون جلها استدلالاً لا مخاطرة فيها لشرف ولا دين ، فلا تمسها معرة.

ثم إنها على التوحيد والمعاد والرسالة. وذلك أعظم الأمور جلالة فهو أجدر ما يقسم عليه. هل نفس أحد أشرف من أن يخاطر بها لهذه الشهادة؟ أم يخاف أحد على دينه لخوف الكذب فيها . إذا لا دين له.

أم هو يستحي من إشهاد الله تعالى على هذه الأمور ؟ ثم قد شهد به الله والملائكة والعالمون.

فالقسم عليه محمول على حقيقة معنى الشهادة التي تبلغها الأنبياء صراحة. فإن النبي في عموم تبليغه يقول إن الله تعالى أرسله بعلمه ، ويشهد على صدقه ، وهو يلوذ به ، ويعتمد عليه ، ويتخذه وكيلاً على ما يقول. وهذه المعاني هي التي تفهم من القسم بالله كما مر في الفصل العاشر. فأي حرج إن ذكرها بأسلوب القسم؟

ولا يخفى أن القسم إذا كان من الله بخلقه وكلماته فلا مظنة فيه للشرك ، ولا معنى له إلا الشهادة الخالية عن معنى التعظيم.

وجملة الكلام أن الاعتراض على أقسام القرآن أو على أقسام الأنبياء والصلحاء الذين أظهروا بأقسامهم توكلهم على الله وفرارهم إليه واستعانتهم به ، وكذلك النهي المطلق عن اليمين لم ينشأ إلا من قلة التدبر والتمييز بين الأمور.

هذا ، وأما ما روي عن المسيح من نهيه عن الحلف مطلقاً ، فلعلة خاصة. ونبينها فيما يتلو.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد




الموضوع الأصلي : إمعان في أقسام القرآن // المصدر : منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب // الكاتب: محمود

بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



إمعان في أقسام القرآن   Emptyالخميس 11 أكتوبر - 6:13
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: إمعان في أقسام القرآن



إمعان في أقسام القرآن

(13)
إيضاح ما تجد في الإنجيل
من النهي المطلق عن الحلف
قد علمنا ، وقد اعترف علماء المسيحيين بأن أصل الإنجيل مفقود ، وإنما في أيدينا تراجم اختلط فيها أقوال المسيح وأقوال الرواة ، والروايات مختلفة ربما يضاد بعضها بعضاً مع اضطراب المتون وعدم السند فضلاً عن الاتصال والصحة. فالالتفات إليها والتعرض لها ليس إلا على تقدير التسليم وعلى سبيل التنزل.

فاعلم أن النهي عن الحلف جاء في الخطبة المعروفة بالخطبة الجبلية المذكورة في الانجيل المنسوب إلى (مَتَّى) ببعض البسط. ولا توجد في (مرقس) ولا في (يوحنَّا) ما خلا بعض الفقرات منها. وجاءت في (لوقا) مختصرة ، ولاختصاره اخترته مأخذاً لا قتباسي.

فإن نظرت في هذه الخطبة وتأملت آياتها ومواقعها تبين لك أنه عليه السلام لم يخاطب بها الجمهور ، ولم يجعلها شريعة عوض التوراة ، بل خص بها تلاميذه وأتباعه لمصلحة عظيمة كما ستعلمها.

أما الدليل على التخصيص فمن وجوه :

الأول: تصريحه عليه السلام بذلك. فإن هذه الخطبة في (مَتَّى) مسبوقة متصلة بقوله Sadفلما جلس تقدم إليه تلاميذه ففتح فاه وعلمهم قائلاً).

وكذلك رواية لوقا تذكر أنه أحيى الليل بالصلاة . ثم إنه دعا تلاميذه ، واختار منهم اثني عشر ، وبعد ذلك تقول : ورفع عينيه إلى تلاميذه وقال ، ثم بدأ الخطبة بقوله :

(طوبى لكم أيها المساكين لأن لكم ملكوت الله ، طوبى لكم أيها الجياع الآن لأنكم تشبعون... طوبى لكم إذا أبغضكم الناس وإذا أفرزوكم وعيروكم وأخرجوا اسمكم كشرير... ولكن ويل لكم أيها الأغنياء ؛ لأنكم قد نلتم عزاءكم ، ويل لكم أيها الشباعى لأنكم ستجوعون ، ويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم ستحزنون وتبكون).

والثاني : أن في هذه الخطبة أحكاماً لا تليق إلا بالمساكين والفقراء. فإنه عليه السلام كما نهى فيها عن الحلف ، نهى عن الكثير والاهتمام للغد وحماية النفس عن الظلم ، وبالغ في ذلك حتى قالSadمن ضربك على خدك فاعرض له الآخر أيضاً. ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضاً. وكل من سألك فأعطه ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه).

والثالث: أن في هذه الوصايا حسب ظاهرها نسخاً للتوراة . والمسيح يتحاشى عنه. فقال على سبيل دفع دخل مقدر قبل ذكر الوصاياSadلا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس(التوراة) أو الأنبياء ، ما جئت لأنقض بل لأكمل). متى .

ثم دفع دخلاً مقدراً آخر ، وهو أنه لا كمال في ترك الدنيا بأسرها ، فبين لهم أن هذا كمال إضافي : وهو التطهر عن الذنوب بالفرار عن الامتحان. وكان ذلك سنته تعليماً للذين عجزوا عن كمال أكمل ، فقال (ليس التلميذ أفضل من معلمه بل كل من صار كاملاً يكون مثل معلمه) لوقا.

والمبتدعون لم يرضوا بأن تكون سنته كمالاً إضافياً. فزادوا في رواية متى Sadفكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات كامل). وفي رواية لوقا عوض هذه الجملةSadفكونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم).

هيهات هيهات! هل يساوي العبد ربه ؟ ولكن الحق غالب ، ويبقى على رغم معانديه ، ويطمس على عيونهم ، فانظر إلى تصريحه بما ينفي شائبة الشرك ، ويبين أن كماله كمالٌ إضافي مما يختص بالفقراء ، كما جاء في متى : ص 19 عدد 16 (وإذا واحد تقدم وقال له : لماذا تدعوني صالحاً ؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله. ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا 18 فقال له : أية الوصايا ؟ فقال يسوع : لا تقتل. لا تزن. لاتسرق. لا تشهد بالزور. 19 أكرم أباك وأمك ، وأحب قريبك كنفسك 20 قال له الشاب : هذه كلها حفظتها منذ حداثتي فماذا يعوزني بعد؟ 21 قال له يسوع : إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني 22 فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة 23 فقال يسوع لتلاميذه : الحق أقول لكم إنه يعسر أن يدخل غني إلى ملكوت السماوات 24 وأقول لكم أيضاً إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله).

فبين للسائل أن كماله في اتباعه والتجرد عن أسباب التمدن ، والظاهر أن هذا ليس بكمال الكاملين . ألا ترى أن إبراهيم وداود وسليمان ويوسف عليهم السلام كانوا ذوي الثروة والكمال في الدين معاً؟ هل يقال إنهم لم يدخلوا ملكوت الله؟ فبما قلنا تزول شبهة نقض الناموس ، وترفع المخالفة بين التوراة والإنجيل.

والرابع: أن هذه الوصايا إن أريد بها العموم والإطلاق تكون مخالفة لسنة أئمة الهدى كإبراهيم وداود وغيرهما. فإنهم قاتلوا ، وانتصروا ، وجمعوا الوفر، وأنفقوه في المواقع المحمودة ، ولم يكونوا عيالاً على الناس.

ولدفع هذا الاعتراض زادوا في رواية متى ما يحرف الكلام عن معناه . فقال Sadطوبى للمساكين بالروح) ، وكذلك طوبى للجياع وللعطاش إلى البر لأنهم يشبعون).

وهذا لا يبدل باقي الكلام الذي فيه الخطاب إلى الفقراء والمساكين من جهة الروح. وإنما حرفوه لأنهم لم يفهموا تأويله. وسيأتيك عن قريب.

فتبين من غير شك أن هذه الأحكام مختصة بأمة قد خلت ، وقضت وطرها ، وليست بشريعة كاملة يترقى بها الإنسان إلى ذروة الكمال في التمدن وتهذيب النفس ، وهي شريعة الإسلام لما فيه من إسلام النفس والمال لله تعالى أولاً ، ثم القيام بهما في طاعة الرب ، كما قال تعالى Sad إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) الآية ، وذلك مبسوط في موضعه.

فبعد هذا التخصيص لا دليل على نهيه عن اليمين مطلقاً ، وقد علمنا عقلاً ونقلاً جوازها والحاجة إليها. ونحن معشر المسلمين نوقر الأنبياء أجمعين ، فلا نؤول كلامهم إلى ما يخالف العقل أو يحط الأخلاق.

وهذا يتبين كل التبين مما سنذكر في الفصل الآتي من المصلحة العظيمة التي لأجلها خصهم بهذه الوصايا. وإنما نذكرها بغاية الإيجاز ، لأنها من مسائل بسطها يخرجنا عن موضوع هذا الكتاب ، وهي مبسوطة في موضعها.


(20)
الحكمة في تخصيص هذه الوصايا بأتباعه
المسيحيون لا حاجة لهم إلى تطبيق النقل بالعقل ، فإنهم زعموا أن الدين وراء العقل. ولكن فيهم رجالاً متفلسفين سعوا في حماية الدين عن شين كل ما يشمئز عنه العقل. وهم مع ذلك ، بل لذلك عند أئمتهم وعامتهم من الملاحدة. ومنهم اسبنوزا المتفلسف الماهر بالعبرانية.

فقبل أن نبين لك ما هو التأويل عندي ، نورد رأي هذا المتفلسف في أمر هذه الوصايا ، لتعلم أنه يوافقنا في جعلها مخصوصة لأمة وحالة ، ولتعلم الفرق بين أهل العقول من طائفتي المسيحيين والمسلمين ، وتعلم أن تأويلنا مع ظهور حجته أكبر تعظيماً للشريعة وصاحبها.

زعم اسبنوزا أن المسيح عليه السلام إنما أمر أتباعه بأحكام فيها التذلل والخضوع للظالمين ، لأنهم كانوا حينئذٍ مقهورين تحت سلطة الجبارين. فأمرهم بأن لا تقاوموا الشر ، وتعرضوا الخدود للطمة ، وأمثالها ، لا لشرافة أو حسن أو تدين فيها ، بل لكونها أصلح بحالهم.

فهذا الرجل مع علمه وخوضه في كتب الأنبياء وأحوالهم – أقر بكون هذه الوصايا مخصوصة ، ولكنه لم يهتد إلى علة هذا التخصيص ، فلئن راعى جانب العقل ، فقد أضاع جانب الشريعة الإلهية والمسيح وحوارييه.

وأما نحن فنقول: إن من قرأ نسخ الإنجيل هذه بالتأمل لا يخفى عليه أن المسيح عليه السلام إنما جاء مبشراً بقرب ملكوت الله الظاهر الذي كان عبارة عن سلطة دينية. وقد كان أعطاه الله اليهود ، وضيعوه ، ثم دارت عليهم الدوائر. وكانوا ينتظرونه مرة أخرى لوعد الله لهم ، فبشرهم المسيح بقربه ، وعرفه لهم بأمثال كثيرة تطابق مطابقة واضحة نبوة خاتم النبيين.

ولما لم يؤمن به جمهور قومه ، وآيسه علماؤهم لقساوة قلوبهم وتعبدهم لزخارف الدنيا ، اصطفى من عامتهم البسطاء شرذمة قليلة لم يغلبهم الترف والحرص ، لكيلا يعسر عليهم الدخول في ملكوت الله إذا ظهر ، وحينئذ يكملون بالشريعة الكاملة. فأمرهم بوصايا تبقيهم على حالة الفقر والمسكنة ، ليبقوا على طهارة القلب والتقوى والصبر ، ليتوب الله عليهم حسب سنته ووعده ، كما هو مبسوط في موضعه.

ولم يكن ذنبهم إلا أنهم أعطوا أموالهم في سبيل الله ، وألزموا على أنفسهم الفقر ، ولم يتركوا التوراة ، وحرموا الخنزير ، وأوجبوا الختان ، ولم يقولوا بألوهية المسيح ، ولم يقبلوا إلا الإنجيل العبراني الذي ضيعه الآخرون ، وشنعوا على بولوس الذي بدل النصرانية ، وخالف الحواريين ، وادعى بأنه تعلم من المسيح في الرؤيا. فلا حاجة له إلى اتباع تلاميذه.

فلما جاء الملكوت المبشر على يد خاتم النبيين دخله كثيرون من هؤلاء الفقراء ، وخالفه الأغنياء المتكبرون. وعلى ما قلنا شهادات في التوراة والإنجيل والقرآن وتاريخ المسيحيين. ولكن بسط ذلك في كتابنا (ملكوت الله) وغيره. فإنما الكلام ها هنا جر بنا اضطراراً ، فلم يمكنا الصفح عنه بالكلية ، ولا البسط له بالتمام ، فإنه موكول إلى موضعه الجدير به.

وجملة القول أن نهي المسيح عن اليمين مطلقاً كان مخصوصاً بالذين كانوا على سنته. ولا ننكر ذلك ، فإن امرأ تسلل عن التمدن بالكلية ، وجمع جراميزه لملكوت عظيم ينتظره ، يشتم ويلطم ويظلم فلا ينتقم. فهو لا يعامل ولا يجادل ، فلا يقاول ، فأي أمر يدعوه إلى الحلف؟ إنما يكون قوله لا لا ونعم ونعم.

ثم نقول : إن نهيه عن القسم كان أيضاً مخصوصاً من جهة المقسم عليه ، كما يظهر من موقع كلامه. فإني لا أرى أنه عليه السلام نهى عن القسم على الحقائق الدينية ، لأنه عليه السلام نفسه حسب رواية يوحنا أشهد الله تعالى على صدق رسالته. وهل القسم إلا الإشهاد؟

وكذلك ترى في القرآن أقسام صالحي النصارى المرسلين لتبيلغ الحق حيث جاء في سورة يس Sadقالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون * وما علينا إلا البلاغ المبين).

فقولهم Sadربنا يعلم) قسم كما مر ، وهو ظاهر.

هذا وفي ما مر من الفصول السابقة كفاية إن شاء الله تعالى لمن أراد جواب الشبهات. فإن فيما ذكرنا توفيقاً بين النقل والعقل تصديقاً بالتوراة والإنجيل والقرآن.

ومهما كان من اختلاف ، فإنما هو من جهة الإتمام والتفصيل ، وإقامة الوسط بين الإفراط والتفريط ، ورعاية التمييز بين دقائق الأحكام عند تشابك النفع والضر.

وقد رأيت كيف راعى القرآن هذا التمييز في حكم القسم ، وليس هذا موضع تفصيله في سائر أحكام هذه الشريعة الكاملة ، ولكن نذكر الآن ما يحسن وما لا يحسن منه إتماماً لما ذكرنا من معاني القسم ، وتنبيهاً على طرف آخر من بلاغة القرآن ، وحثاً على بذل الجهد في معرفة اللغة العربية فإن بعض الجهل بها يضر بدين المرء.


(21)
الفرق في كلمات القسم
حسب مواقعها مما يحسن ومما لا يحسن
قد تبين عند علماء اللسان أن في الألفاظ المترادفة فروقاً ولكل منها معنى خاصاً وحداً محدوداً ، وقد وجد علماء العربية في القرآن من هذه الفروق ما لا ينتبه له إلا الناقد المتتبع ، كاستعماله الرياح في موضع النفع والريح في موقع الضرر ، وكاستعماله الإمطار في موقع العذاب ، فمن هذا الباب مراعاة الفرق بين كلمات القسم بحيث يشير بذلك إلى بعض خصائصها.

وقد ذكرنا في الفصل الثامن عشر أن القسم ربما يهين قدر المرء ويذهب بشرفه. فانظر كيف ينبه القرآن على هذا الأمر باستعماله كلمة الحلف فيمن يصغر نفسه بيمينه ، ويلح حيث لا يلح شريف. فترى في سورة البراءة ذكر القسم من المنافقين في سبعة مواضع ، فلم يأت به إلا بكلمة الحلف لدناءتهم وكذبهم في اعتذارهم.

وما جاءت هذه الكلمة في سائر القرآن إلا حيث يشنع لما فيها من قلة المبالاة بشرف النفس والنزوع إلى ما يلقيها في الكذب والإلحاح.

ولذلك لما أراد النابغة الغلو في تضرعه عند النعمان بن المنذر قال:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب
فأفصح عن غاية الاستكانة ، وهذا أبلغ بينة في إظهار الخشية والتذلل ، وهو أبلغ الشعراء عند الرهبة. ولذلك قيل Sadأشعرهم امرؤ القيس إذا ركب ، والأعشى إذا طرب ، وعنترة إذا غضب ، والنابغة إذا رهب).

فإن صحت هذه الخصوصية عندك عرفت قدرها في الدين ، فإنك إذاً تتجنب استعمال كلمة الحلف لله تعالى. كما ترى المفسرين منا والمترجمين للتوراة لا يبالون بقولهم (حلف الله بكذا).

ولخصائص باقي كلمات القسم نحولك إلى الفصل السابع لكي تستنبطها مما ذكرنا من معانيها. فإن موضوع الكلام هاهنا أن القسم لما كان أحياناً مذموماً ، ذمه القرآن حسب موضعه ، ودل عليه بكلمة خاصة ، وهذا من تمام التشريع وكمال التبيين كما قال تعالى Sadونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين).


(22)
خاتمة الكتاب
كل ما ذكرت في الفصول السابقة ليس إلا ما يتعلق بمسألة القسم من جهة كلية ، وأما تأويل آيات القسم على تفاصيلها فمذكور في مواضعها من التفسير غير أني في طي الفصول وغضون الأمثلة دللت على ملاك أمرها وسمت نهجها.

ثم لم يهمني في هذا الكتاب إلا طرف خاص من بحث القسم. وهو الذي اشتبه على المعترض. ومع ذلك ربما قادتني علائق الكلام إلى أمور تقتضي بسطاً وتفصيلاً ، فجلت جولة إلى فسحة من القول ، حتى إذا سطع الحق ، وانجابت الشبهة ، أقصرت عن استقصاء البحث لكيلا أخرج عن الموضوع. فصار الكتاب جامعاً بين خطتين : الإيجاز والإطناب ، وواقعاً بين نقطتين : الإجمال والتفصيل.

ويوشك الناظر المستعجل يتهمني مرة بالحصر ، وأخرى بالهذر ، فليعلم أنه قد اضطرني إلى هذا الوضع شكل المسألة وصورتها الخاصة. ومع ذلك ما أبرئ نفسي عن الزلة والعثرة ، وفي ذلك تمام المعذرة. وأسأل الله العفو والمغفرة ، فإنه أرحم الراحمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


***
* انتهى الكتاب بحمد الله ، وعذراً على السهو والخطأ. والرجوع إلى الكتاب المطبوع أولى وإنما الطباعة لمن لم يتيسر له الحصول عليه للمشاركة. عبدالرحمن الشهري – ملتقى أهل التفسير



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد




الموضوع الأصلي : إمعان في أقسام القرآن // المصدر : منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب // الكاتب: محمود

بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



الكلمات الدليلية (Tags)
إمعان في أقسام القرآن , إمعان في أقسام القرآن , إمعان في أقسام القرآن ,

الإشارات المرجعية

التعليق على الموضوع بواسطة الفيس بوك

الــرد الســـريـع
..
آلردودآلسريعة :





إمعان في أقسام القرآن   Collapse_theadتعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

اختر منتداك من هنا



المواضيع المتشابهه

https://ouargla30.ahlamontada.com/ منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب