منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب
السلام عليكم ورحمة الله وبركـاتـه

أهلا وسهلا في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب نحن سعداء جدا في منتداك بأن تكون واحداً من أسرتنا و نتمنى لك الأستمرار و الاستمتاع بالإقامة معنا و تفيدنا وتستفيد منا ونأمل منك التواصل معنا بإستمرار في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب و شكرا.

تحياتي

ادارة المنتدي

https://ouargla30.ahlamontada.com/
منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب
السلام عليكم ورحمة الله وبركـاتـه

أهلا وسهلا في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب نحن سعداء جدا في منتداك بأن تكون واحداً من أسرتنا و نتمنى لك الأستمرار و الاستمتاع بالإقامة معنا و تفيدنا وتستفيد منا ونأمل منك التواصل معنا بإستمرار في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب و شكرا.

تحياتي

ادارة المنتدي

https://ouargla30.ahlamontada.com/


منتدى علمي ثقافي تربوي ديني رياضي ترفيهي
 
الرئيسيةالبوابة*الأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول


هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

للتسجيل اضغط هـنـا

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى ، فيرجى التكرم بزيارةصفحة التعليمـات، بالضغط هنا .كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيعو الإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب .

موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
فقدت كلمة المرور
البحث فى المنتدى

منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب :: °ღ°╣●╠°ღ°.. المنتديات الإسلامية ..°ღ°╣●╠°ღ° :: القسم الاسلامي العام

شاطر
موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 10:50
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



تم تحميل هذا الكتاب من مكتبة موقع
"بلِّغوا عنِّي ولو آية"
رسالتنا: يصل الكثير من الناس بعض الرسائل الالكترونية عن الإسلام ويقومون بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها. لذلك خصّصنا هذه الصفحة للاشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والاستفادة منها راجيا من المولى عز وجل الأجر والثواب. مثال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بلـّغوا عنـّي ولو آية".

للاشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلـّغوا عنـّي ولو آية" في الأسفل وتسجيل البريد الإلكتروني :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الأرشيف بالأحاديث المرسلة مسبقاً.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سنّ في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها. ولا ينقص من أجورهم شيء... الحديث. فاحرصوا يرحمكم الله على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك تكسب من الأجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل أجورهم ولا ينقص من الأجر شيئا.

منهاجنا: عَوْدَة إلى الكِتَابِ وَالسنَّة بِفَهْمِ سَلَفِ الأُمَّة




تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)



الكتاب : موسوعة خطب المنبر
موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

حتى تاريخ 15/6/2007م، ويبلغ عددها أكثر من 5000 خطبة، معظمها مخرجة الأحاديث، والعديد منها بأحكام الشيخ الألباني - طيب الله ثراه -
وهي مفهرسة بعنوان الخطبة واسم الخطيب حتى يسهل الوصول إلى موضوع معين.

قام بإعدادها للمكتبة الشاملة:
أحمد عبدالله السني.
العين حق
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
أمراض القلوب
-----------------------
سعود بن إبراهيم الشريم
مكة المكرمة
المسجد الحرام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- ذم الحسد والعين. 2- الأثر العظيم للعين. 3- هل العين حق؟ 4- حديث مع المنكرين للعين. 5- شركية تعليق التمائم والودع لدفع العين. 6- أنواع الرقى في دفع العين. 7- الاحتراز من العين قبل وقوعها. 8- العلاج من العين.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله أيها الناس، اتقوا ربكم وراقبوه في السر والعلن، فبتقوى الله ـ عز وجل ـ تصلح الأمور، وتتلاشى الشرور ويصلح للناس أمر الدنيا والآخرة.
أيها الناس، الحسد والتحاسد مجمع الآفات، ومستنقع الشرور والرذائل؛ إذ ما دخل الحسد في شيء إلا شانه، ولا نزع من شيء إلا زانه، وإن انتشار مثل هذه الملوثة المذمومة، في أوساط الناس، لأمر مؤذن بعواقب وخيمة، وأضرار جسيمة، ولو لم يكن من ذلك إلا التباغض والتدابر، والإحن والتناحر بله الغيبة والنميمة والأشر والبطر.
وإن من سهام الناس القاتلة التي تمزق من رمية الحسد هي الإصابة بالعين، وما أدراكم ما الإصابة بالعين؟! إنها نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر، يقال: أصابت فلانا عين، إذا نظر إليه عدو أو حسود، فأثرت فيه فمرض بسببها.
بذلكم ـ عباد الله ـ بين أهل العلم حقيقة العين، وبها تعلمون أن العين، إنما هي جمرة مضرمة من حطب الحسد، ابتلي بها الكثيرون على حين غفلة من الأوراد الشرعية، التي هي حروز أمنية، وحصون مكينة، فتناثرت جثث وهام، وتردت نفوس، وتهالكت أجساد من جرائها، ولقد صدق رسول الله إذ يقول: ((أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين)) [رواه البخاري في تاريخه والبزار في مسنده(1)[1]، وهو حديث حسن].
عباد الله،
العين حق لا مماراة فيها، ثابتة بالكتاب والسنة وبواقع الأمم المتكررة، يقول الله ـ جل وعلا ـ لنبيه وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ الذِكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ [القلم:51]. أي يعينُونك بأبصارهم، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله ـ عز وجل ـ. ثم اعلموا عباد الله أن اللقع(2)[2] بالعين، كان في بني إسرائيل، وقد كانت العرب إذا أراد أحدهم أن يعتان أحدا، يجوع ثلاثة أيام ثم يعتانه. ولقد قال الحسن البصري رحمه الله: دواء من أصابته العين أن يقرأ هذه الآية.
ومما يدل على أن العين حق ـ عباد الله ـ قول الخالق ـ جلا وعلا ـ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ مِن شَرّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [سورة الفلق]. قال قتادة: أي من شرعينه ونفسه، وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: كل عائن حاسد، ولما كان الحاسد أعم من العائن، كانت الاستعاذة منه، استعاذة من العائن، وقال ابن عطية: إن عين الحاسد في الغالب لاقفة. نعوذ بالله ـ عز وجل ـ من شرها. ومن لطائف هذه الآية ـ عباد الله ـ، أن بعض العامة يقولون للحاسد إذا نظر إليهم: الخمس على عينيك، ويشيرون بالأصابع الخمسة، وهذا غلط بين؛ إذ المراد بالخمس هي آيات سورة الفلق إذ كلها خمس آيات.
لقد جاءت السنة مؤكدة للقرآن ومفسرة له، ولقد قال المصطفى في ذلك: ((العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا)) [رواه مسلم](3)[3]. والمعنى: إن طلب من أحدكم أن يغتسل لمن أصابه بالعين فليجب. وقال : ((استعيذوا بالله من العين؛ فإن العين حق)) [رواه الحاكم وابن ماجه](4)[4].
وقد صح عند أحمد في مسنده عن النبي أنه قال: ((إن العين لتولع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا فيتردى منه)) (5)[5]، ومعنى يصعد حالقا: أي يصعد مكانا مرتفعا.
وقال مرة لأسماء بنت عميس: ((مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة – أي نحيفة – تصيبهم الحادة؟؟)) قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم. قال: ((ارقيهم)) قالت: فعرضت عليه فقال: ((ارقيهم)) [رواه مسلم](6)[6].
ثم اعلموا عباد الله أن العين عينان: عين إنسية وعين جنية، وقد كان النبي يتعوذ من عين الجان ثم من أعين الإنس، فلما نزلت المعوذتان والإنسان قد يعين نفسه إذا رأى منه ما يعجبه، واستقى بعض أهل العلم ذلك من قوله ـ تعالى ـ: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ [الكهف:39].
ولقد ذكر الفقهاء ـ رحمهم الله ـ، أن من عرف بالعين، فإن الإمام يحبسه، ويجري له ما ينفق عليه إلى الموت، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: وهذا هو الصواب قطعا.
وما ذاك ـ يا عباد الله ـ، إلا لعظم هذا الأمر، وخطورته في المجتمع وإهلاك الأنفس به وهدم الأسر والبيوتات، مما يدل بالتأكيد على أن العين حق؟ فكفى الله المسلمين شرها.
أيها الناس، في حضارتنا المعاصرة، كثر المثقفون، وشاعت المعارف الذكية، في حين إن البعض منها، مقطوع الصلة بالله وبشرعه، والإنسان مهما قوي فهو ضعيف، ومهما اتسع تعلمه فعلمه قاصر، وحاجته إلى شريعة ربه والوقوف بالتسليم لنصوصه، أشد من حاجته إلى الماء والهواء، فما أعظمَ نعمةَ الدين الصحيح والعقل الصريح! فلا دين بلا عقل؛ إذ لا تكليف حينئذ، ولا عقل بلا دين؛ إذ إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
ولقد برزت طائفة من المعنيين بالطب وفنونه ممن قل نصيبهم من نصوص الشارع الحكيم، فأبطلت أمر العين، وادعت كاذبة أنها لا تعدو كونها أوهاما، وأطياف خيال لا حقيقة لها، ولا غرو أيها المسلمون أن يضل أمثال هؤلاء، وقد قال ربنا ـ جل وعلا ـ: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى [طه:123]. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3].
أيها المسلمون، إن أمر العين غير خافٍ على كل ذي لب متجرد، وهذه حال غير مستنكرة ألبتة، وإنما المستنكر ـ عباد الله ـ أن يكون المتفاعل معها كالمستسمن غير سمن، وكالمستبعد غير غرب؛ إذ ظن بعض السذج أن ليس للعين سبيل إليهم بمجرد أن يعلق تميمة أو ودعة أو نابا، أو تعاويذ ورقى ملفقة، ينسجها لهم أدعياء الكهانة والشعوذة، يخدعون بها الرعاع أو يدعو أن لهم خصوصية في نفع رقاهم وتعاويذهم لأخذهم العهود على شيوخ، أو أصحاب طرق أو نحو ذلك مما لا أصل له في الدين؛ بل هو بدعة وضلال مبين، وقد قال رسول الله : ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)) [رواه أحمد وأبو داود](7)[7].
والتمائم شيء يعلق على الأولاد من العين. وقال : ((من تعلق شيئا وكل إليه)) [رواه أحمد والترمذي](Cool[8]. والتعلق يكون تارة بالقلب كالاعتقاد في قراءة الشيخ الفلاني، أو التعلق بها من دون الله وأنها شافية أو نحو ذلك، ويكون تارة بالفعل، كمن يعلق تميمة أو خيطا أو نحوهما، لدفع العين أو الضر، ويكون تارة بهما جميعا؛ أي بالقلب والفعل.
فمن تعلق بالله وأنزل حوائجه به والتجأ إليه، وفوض أمره إلى ربه كفاه وهداه وقرب إليه كل بعيد، ويسر له كل عسير، ومن تعلق بغيره أو سكن إلى رأيه وعقله وتميمته ودوائه وكله الله إلى ضيعة، فما ظنكم ـ عباد الله ـ بمن تعلق بغير الله؟ بل ما ظنكم بمن وكله الله إلى نفسه أو إلى غيره من المخلوقين؟ أترونه ناجيا أم هالكا؟! أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِى سَوِيّاً عَلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الملك:22].
والله ـ سبحانه ـ هو الذي تعلق عليه الآمال وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]. وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا [إبراهيم:12].
إن العجب كل العجب، في أولئك المصابين بالعين، حين يستبدلون الرقى والعزائم الشركية بالرقى والعزائم الشرعية، جاهلين أو متجاهلين، خطورة هذا المسلك والهوة السحيقة التي تقذفهم إليها تبعاته. قال القرافي في فروقه عن ألفاظ الرقى: "وهذه الألفاظ منها ما هو مشروع كالفاتحة والمعوذتين، ومنها ما هو غير مشروع كرقى الجاهلية والهند وغيرهم، وربما كان كفرا؛ ولذلك نهى مالك وغيره عن الرقى العجمية لاحتمال أن يكون فيه محرم".
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله ـ: "نهى علماء الإسلام عن الرقى التي لا يفقه معناها؛ لأنها مظنة الشرك، وإن لم يعرف الراقي أنها شرك"، فعن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: ((اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى مالم يكن فيه شرك )) [رواه مسلم](9)[9].
كل اسم مجهول، لا يجوز لأحد أن يرقي به فضلا عن أن يدعو به، وأما جعل الألفاظ الأعجمية أو الحروف المقطعة شعارا للرقى، فليس من دين الإسلام، كقول أرباب الدجل في رقاهم وتعاويذهم: "كركدن دهده، شراهيا جلجلوات" وأمثالها مما هو دجل فوق دجل وخرافة فوق خرافة، مما ليس من دين الإسلام في شيء.
بيد أن كثيرا من الناس في هذا العصر، قد كبا كبوة مثيرة، وزل زلة خطيرة، فجمهورهم قد أصابهم لوثات هذه العلل، قد أسلموا عقولهم لأيادي الهدم، التي لبست قفاز التدين واستطاعت من وراء هذا القفاز، أن تصافح كثيراً من ضعاف النفوس بسبب تخلفهم، وإبان غفلة من علمائهم وأولي الأمر منهم فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولسان حالهم يقول: (وداوني بالتي كانت هي الداء). فزادوهم مرضا إلى مرضهم، واقتلعوا أطناب حياتهم الهانئة، فخر عليهم سقف السعادة من فوقهم وما خذل أمثال هؤلاء إلا حينما لجؤوا إلى ذئاب الظلام، وركنوا إلى هرائهم وأهازيجهم، ناسين شرعة الله وصبغته وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص:50].
فإذا عباد الله يستخلص من ذلك أن الرقى تكون مشروعة إذا تحقق فيها شروط ثلاثة: أولها: أن لا يكون فيها شرك ولا معصية؛ كدعاء غير الله أو الإقسام بغير الله. وثانيها: أن تكون بالعربية وما يعرف معناه. وثالثها: أن لا يعتقد كونها مؤثرة بنفسها.
قال ابن أبي العز الحنفي: "اتفقوا على أن كل رقية وتعزيم أو قسم فيه شرك بالله، فإنه لا يجوز التكلم به، وإن أطاعته الجن أو غيرهم".
وبعدُ ـ عباد الله ـ، فإن كون العين حق، أمر ثابت شرعا وواقعاً وعقلا، وحينما تظهر أمامنا هذه الحقيقة جلية، فإن من الأخطاء الشائعة، والبلايا المعقدة أن يصبح المرض بالعين شبحا مروعا أو هاجسا متدليا إلى الذهن عند كل وخزة ألم، أو نكسة نفس، حتى يصل الأمر بذلك إلى درجة الوهم لدى الناس، فإذا ما عطس امرؤ قالوا: هذه عين، وإذا أخذته سعلة قالوا: إنها العين، وإذا ما أصيب أو ابتلي قالوا: يالها من عين! حتى لقد أخذ الوهم من البعض مأخذه، يمشي وأمامه العين، وينام كذلك ويصبح كذلك، وهذا هو الداء العُضَال؛ إذ لا يزيد الوهم إلا وهنا.
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وبادروا بالرقى والأذكار الشرعية إصابات العين، وليتق الله العائن وليذهب من قلبه الحسد إن وجد، وإلا فليطفئ نار إعجابه بالشيء بذكر الله ـ سبحانه ـ، وليدفع شر عينه بقوله: (اللهم بارك عليه) كما قال النبي لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف: ((ألا بركت))(10)[10]؛ أي قلت: اللهم بارك عليه.
أعاذنا الله وإياكم بكلماته التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وصحبه وإخوانه، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المسلمين واعلموا أنه لا بأس على المرء، في أن يتحرز من العين، بستر محاسن من يخاف عليه العين، بما يقيه منها، أو أن يعوذه منها بالتعويذ الشرعي، فلقد قال ـ سبحانه ـ عن يعقوب ـ عليه السلام ـ: وَقَالَ يبَنِىَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرّقَةٍ وَمَا أُغْنِى عَنكُمْ مّنَ اللَّهِ مِن شَىْء إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكّلُونَ [يوسف:67]. قال ابن عباس وغيره: (إنه خشي عليهم العين)؛ وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة، فإن العين حق، تستنزل الفارس عن فرسه، وهذا الاحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه؛ فإن الله إذا أراد شيئا لا يخالف ولا يمانع؛ ولذا قال يعقوب: وَمَا أُغْنِى عَنكُمْ مّنَ اللَّهِ مِن شَىْء [يوسف:67].
وكان رسول الله يعوذ الحسن والحسين يقول: ((أعيذكم بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة )) ويقول: ((هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ)) [رواه البخاري وأصحاب السنن](11)[1].
وبعد ـ عباد الله ـ، فإن العين داء عضال، ونار آكلة لم يهمل الشارع الحكيم جانبها، بل بينها ووضحها، وأبدى للناس علاجها، وإن من أعظم ما يزيل العين والسحر بأمر الله: الرقية الشرعية من الكتاب والسنة، يقول أبو محمد بن حزم: "جربنا من كان يرقي الدمّل(12)[2] الحاد القوي الظهور في أول ظهوره، فيبدأ من يومه ذلك بالذبول ويتم يبسه في اليوم الثالث، جربنا من ذلك ما لا نحصيه، وكانت امرأة ترقي أحد دملين قد دفعا في إنسان واحد، ولا ترقي الثاني فيبس الذي رقت ويتم ظهور الذي لم ترق، وشاهدنا من كان يرقي الورم المعروف بالخنازير، فيندمل ما يفتح منها، ويذبح مالم ينفتح ويبرأ".
والرقية ـ عباد الله ـ تكون بآيات القرآن، كالفاتحة وآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، وغيرهما من آيات القرآن الذي أنزله الله هدى وشفاء، وكذا بالأدعية النبوية الثابتة عن المصطفى كتعويذه للحسن والحسين، وكرقية جبريل له بقوله: ((بسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك باسم الله أرقيك)) [رواه مسلم](13)[3].
ومن أدوية العين الناجعة، ما ذكرت عائشة ـ رضي الله عنها ـ بقولها: (كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين) [رواه أبو داود](14)[4].
كما أن من العلاج ـ عباد الله ـ، عسل النحل بشتى أنواعه لثبوت ذلك في الكتاب والسنة، وكذا ماء زمزم، فهو لما شرب له، وهو طعام طعم وشفاء سقم كما صح الخبر بذلك عن النبي (15)[5].




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 10:51
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **





(1) التاريخ الكبير للبخاري (4/360)، وعزاه ابن حجر في فتح الباري (10/204) للبزار بإسناد حسن.
(2) يقال: لَقَعَ فلانٌ فلاناً بعينه، أي: أصابه بها (القاموس ، مادة لقع).
(3) صحيح مسلم ح (2188)، وأخرج البخاري الجملة الأولى منه ح (5740).
(4) صحيح، مسند ابن ماجه (3508)، مستدرك الحاكم (4/215) وصححه ووافقه الذهبي.
(5) صحيح مسند أحمد (5/146).
(6) صحيح مسلم ح (2198).
(7) صحيح، مسند أحمد (1/381)، سنن أبي داود ح (3883).
(Cool حسن، مسند أحمد (4/310)، سنن الترمذي ح (2072).
(9) صحيح مسلم ح (2200).
(10) 10] أخرجه مالك في الموطأ (2/938) وإسناده صحيح.
(11) صحيح البخاري ح (3371)، سنن أبي داود (4737)، سنن الترمذي ح (2060) وقال: حديث حسن صحيح، سنن ابن ماجه ح (3525).
(12) الخُراج.
(13) صحيح مسلم ح (2186).
(14) سنن أبي داود ح (3880) وإسناده صحيح.
(15) أخرج الإمام أحمد في المسند (3/357) وابن ماجه في سننه (3062) عن جابر أن النبي قال: ((ماء زمزم لما شُرب له)) وهو حديث صحيح.
وأخرج مسلم ح (2473) عن أبي ذر رضي الله عنه في حديث إسلامه وهو طويل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن زمزم: ((إنها مباركة، إنها طعام طُعم)).
وأخرج البزار عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله : ((زمزم طعام طعم، وشفاء سقم)). قال المنذري في الترغيب ح (1754): رواه البزار بإسناد صحيح.



(1/704)

[center]





لماذا السفر
-----------------------
موضوعات عامة
السياحة والسفر
-----------------------
سعود بن إبراهيم الشريم
مكة المكرمة
المسجد الحرام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- نداء لحجاج بالاستقامة على الطاعة. 2- السفر الممدوح والمذموم. 3- سهولة السفر وتعدد وسائله نعمة تستحق الشكر. 4- فوائد السفر. 5- الوقوع في شرك الربوبية. 6- من سمت المسلم الفأل وعدم التطير. 7- ذكر بعض آداب السفر.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله حق التقوى، والاستمساك من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي فإن أقدامكم على النار لا تقوى، فاتقوا الله واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون.
حجاجَ بيت الله، يا من أديتم مناسككم فوقفتم بعرفات، وانحدر بكم الشوق إلى المزدلفة فسكبتم عند المشعر الحرام العبرات، فلله كم من خائف منكم أزعجه الخوف من الله وأقلقه، وراج أحسن الظن بوعد الله فصدقه؟ وكم من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه، وبلغ الأماني عشية عرفة؟
حجاج بيت الله الحرام، ليس السابق اليوم من سبقت به راحلته، إنما السابق من غفر له ذنبه وقبل عمله، فأخلصوا لله حجكم، واتبعوا سنة نبيكم تفلحوا، ومن قصر في جنب الله فليرجع إلى جهاد النفس، فهو الجهاد الأكبر، وحذار حذار، أن تحلقوا رؤوس أعمالكم بالذنوب؛ فإن الذنوب حالقة الدين، ليست الشعر وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا [النحل:92]. فلله ما أحسن الحسنة تتبعها الحسنة! وما أقبح السيئة بعد الحسنة! فالحذر الحذر ـ عباد الله ـ من العمى بعد الهدى ومن الحور بعد الكور.
عباد الله، إن الحج المتكرر في كل عام، منذ أن أذن إبراهيم ـ عليه السلام ـ في الناس بالحج، وهم يغدون إلى بيت الله العتيق من كل فج عميق، رجالا وعلى كل ضامر، لهو أمر دال باللزوم على أن السفر وقطع الفيافي والقفار، أمر ذو بال في واقع كل امرئ حي.
وما أكثر ما يسافر الناس لشؤون حياتهم! مادية أو معنوية، ولقد سافر رسول الله مرات ومرات، إبّان شبابه قبل البعثة، وبعد نبوته ما بين حج وعمرة، وجهاد وتجارة.
والسفر غالباً يعري الإنسان من الأقنعة التي كانت تحجب طبيعته، وما سمي السفر سفرا إلا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، ولذا فإن السياحة في الأرض, والتأمل في عجائب المخلوقات، مما يزيد العبد معرفة بربه ـ عز وجل ـ، ويقينا بأن لهذا الكون مدبرا، لا رب غيره ولا معبود بحق سواه.
فالمسافر يتأمل ثم يتدبر ثم يخشى، كل ذلك حينما يرى عجيب صنع الله وعظيم قدرته صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [النمل:88]. ولقد أنكر الله ـ سبحانه ـ على من فقد هذا الإحساس المرهف بقوله وَكَأَيّن مِن ءايَةٍ فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [يوسف:105].
السفر عباد الله معترى بحالتين اثنتين: حالة مدح وحالة ذم؛ فالخروج من الملل والسآمة والضيق والكآبة من الناس والمكان للتأمل في خلق الله، أو طلب علم نافع، أو صلة قريب أو أخ في الله هو سمة السفر الممدوح، وهو مذموم أيضا، من جهة كونه محلا للمشاق والمتاعب؛ لأن القلب يكون مشوشا والفكر مشغولا من أجل فراق الأهل والأحباب؛ ولذا قال فيه النبي : ((السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله)) [رواه البخاري ومسلم](1)[1].
والمراد بالعذاب ـ عباد الله ـ، الألم الناشئ عن المشقة، لما يحصل في الركوب والسير من ترك المألوف .ولقد ذهب بعض أهل العلم كالخطابي وغيره، إلى أن تغريب الزاني، إنما هو من باب الأمر بتعذيبه ـ والسفر من جملة العذاب ـ ولقد سئل إمام الحرمين: لم كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على الفور: لأن فيه فرقة الأحباب.
ألا فاعلموا ـ عباد الله ـ، أن السفر في هذه الآونة، يختلف عن السفر في قرون مضت، فقد مهدت الطرق، وجرت عليها العربات الآلية بشتى أنواعها المبدعة، فهي تسير بهم على الأرض إن شاءوا أو تقلّهم الطائرات السابحة في الهواء إن رغبوا، أو تحملهم الفلك المواخر في البحر إن أرادوا، كما أن الأزمنة قد تقاصرت، فما كان يتم في شهور بشق الأنفس، أضحى يتم في أيام قصيرة بل ساعات قليلة، وبجهود محدودة بل وربما عطس رجل في المشرق فشمته آخر في المغرب، وهذا مصداق حديث النبي من أن تقارب الزمان من علامات الساعة كما عند البخاري في صحيحه(2)[2].
ومع هذه الراحة الميسرة فإن الأخطار المبثوثة هنا وهناك لم تنعدم، ففي الجو يركب المرء طائرة يمتطي بها ثبج الهواء، معلقا بين السماء والأرض، بين مساومة الموت ومداعبة الهلاك فوق صفيحة مائجة، قد يكون مصيره معلقا بأمر الله في خلخلة مسمار أو إعطاب محرك، مما يؤكد الاحتماء بالله وارتقاب لطفه المترجم بلزوم آداب السفر، والبعد عن معصية الله في هوائه بين سمائه وأرضه، والمستلزمة وجوبا، إقصاء المنكرات من الطائرات، والتزام الملاحين والملاحات بالحشمة والعفاف والبعد عما يثير اللحظ أو يستدعي إرسال الطرف، وإن تعجب ـ أيها المسلم ـ، فعجب ما يفعله مشركو زمان النبي من اللجوء إلى الله في الضراء فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]. وبعض عصاة زماننا سراؤهم وضراؤهم على حد سواء، فقبح الله أقواما؛ مشركو زمان النبي أعلم بلا إله إلا الله منهم.
أيها المسلمون، إن التقارب في الزمان والمكان بما هيأ الله من أسباب السرعة، لهو نعمة عظيمة ورحمة جُلَّى(3)[3]، تستوجبان الشكر للخالق والفرار إليه، في مقابل التذكر، فيما فعله الله ـ جل وعلا ـ بقوم سبأ الذين كانوا في نعمة وغبطة، من تواصل القرى، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّاماً ءامِنِينَ [سبأ:18]. ولكن لما بطروا نعمة الله ومالت نفوسهم إلى ضد حالهم فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ [سبأ:19]. ففرق الله شملهم بعد الاجتماع، وباعد بينهم بعد التقارب، حتى صاروا مضرب المثل؛ ولهذا تقول العرب في القوم إذا تفرقوا: تفرقوا أيدي سبأ.
وبعدُ ـ عباد الله ـ، فإن من أعظم فوائد السفر، وأكثرها تعلقا بالله، معرفةَ عظمته وقدرته، بالنظر إلى ما ابتدعه ـ جل وعلا ـ، خلقا جميلا عجيبا، من حيوان وموات، وساكن وذي حركات، وماذرأ فيه من مختلف الصور التي أسكنها أخاديد الأرض، وخروق فجاجها، ورواسي أعلامها، من أوتاد ووهاد، فصار فيها جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن ذوات أجنحة مختلفة، وهيئات متباينة إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يَخْشَى [النازعات:26]. كونها بعد أن لم تكن في عجائب صور ظاهرة، ونسقها على اختلافها بلطيف قدرته ودقيق صنعه، فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه، ومنها مغموس في لون صبغ، قد طوِّق بخلاف ما صبغ به وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابّ وَالاْنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر:28].
فسبحان من أقام من شواهد البينات على عظمته وقدرته! ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له، فبان لها أن فاطر النملة هو فاطر النخلة.
فالويل كل الويل لمن جحد المقدر وأنكر المدبر، زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع، ولا لاختلاف صورهم صانع، وغاب عن عقولهم المختلة، وأذهانهم المعتلة، من عقله أكبر من حضارتهم بعبارات ثرة على أعرابيته وبداوته: سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج وأثر يدل على المسير، وبعرة تدل على البعير، ألا يدل ذلك كله على اللطيف الخبير. إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيّتِ مِنَ الْحَىّ ذالِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذالِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام:95، 96].
أيها الناس، لربما رفع أحد منا عقيرته فقال: إن مثل هذا الحديث، داخل في توحيد الربوبية الذي لم ينازع في إثباته حتى مشركو زمان النبي ، أفيخص بالحديث ؟ فالجواب: نعم، بيد أن الإشراك في توحيد الربوبية، قد داخل فئاما من الناس في القديم وفي الحديث، ففي الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس قال: ((أتدرون ماذا قال ربكم؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلكم مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب))(4)[4].
فانظروا ـ يا رعاكم الله ـ، أليس هذا حديثا عن توحيد الربوبية؟ بلى وربي، ومع ذلك حذر النبي من الوقوع في الشرك فيه، بل لقد وقع ثلة من الناس في براثن هذا الشرك في عصرنا الحاضر قصدوا أو لم يقصدوا، فأخذوا يلجؤون إلى المشعوذين والدجاجلة الأفاكين، بقايا مسيلمة الكذاب وابن صياد من مدعي علم الغيب بالكهانة والتنجيم وقراءة الأكف والفناجين والذين يوحي إليهم أولياؤهم من الشياطين، ومسترقي السمع من السماء، فيقرقرونها في آذانهم كقرقرة الدجاج، فيخلطون مع ما يصدقون فيه مائة كذبة، ومما يزيد القرح، ويشعل المد أن لهم رواجا في أوساط الناس، في بقاع شتى من هذه البسيطة، وفي جانب عظيم من جوانب توحيد الربوبية، ألا وهو علم الغيب، الذي استأثر الله بعلمه فلا يطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب، إلا بما يوحي إليهم ربهم.
بل لقد امتد القصور في توحيد الربوبية على غرار ما جاء في حديث زيد بن خالد الآنف الذكر، إلى ما يطلعه العالم في حياته اليومية، عبر الأثير المسموع والمرئي، في تفسير الظواهر المتكررة من زلازل وفيضانات ومنخفضات جوية ومرتفعات ورياح وبراكين، تفسيرا ماديا بحتا مبتوت الصلة بالله ومشيئته، مستقى من فلسفات يونانية وأخرى إغريقية قررها ملاحدة، ولاقت رجع الصدى من قبل بعض المسلمين المعجبين بما عند الغرب.
بل لقد جاوز الأمر قنطرته بمطالعات الصحافات المتكررة في أقطار شتى عما يسمى: مستقبل الأبراج، وما لها من آثار مكملة في شرخ توحيد الربوبية وربط المسلم بالأسباب المادية الجافة، أو التعبير من قبل بعض ضعاف النفوس، في الاهتياج بما يفرحه بقوله: "من حسن الطالع أن كاد الأمر كذا" وبما يسوئه بقوله: "من سوء الطالع كذا…".
فأصبحوا يتناوشون الطوالع والأبراج، يبحثون عن سعادتهم في برج الميزان، وينأون بأنفسهم عن أن يكونوا من أهل برج العقرب، وهكذا تحيا الخرافة، ويتجدد مذهب مسيلمة وابن صياد، فالله المستعان، ولقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله ـ أن علي بن أبي طالب عندما أراد المسير لقتال الخوارج عرض له منجم فقال له: يا أمير المؤمنين، لا تسافر، فإن القمر في العقرب، وإنك إذا سافرت والقمر في العقرب هزم أصحابك، فقال : ((بل نسافر ثقة بالله وتوكلا على الله وتكذيبا لك))، فسافر فبورك له في ذلك حتى قتل عامة الخوارج.
ومثل ذلك، ما فعله المنجمون الأفاكون مع الخليفة المعتصم، حينما أراد فتح عمورية، استجابة لصرخة امرأة مسلمة، فنهوه أن يغزوهم قبل أن ينضج التين والعنب، فرد قولهم وسافر، فأكذب الله المنجمين وأعز المسلمين وسار بتسعين ألفا كآساد الشرى، نضجت أعمارهم قبل أن ينضج التين والعنب.
ولذا فقد كان المسلم مأمورا بالفأل ونبذ التطير، في سائر شؤونه ومنها السفر.
ولقد ذكرت الطيرة عند رسول الله فقال: ((أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك)) [رواه أبو داود](5)[5].
ولأحمد من حديث ابن عمروا قال :قال رسول الله : ((من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك)) (6)[6].
فانظروا ـ عباد الله ـ كيف وقع بعض الناس أسارى في هذا الشرك فوطئتهم هوته بكلكلها، وتمعكت عليهم بكواهلها، فأصبحت نفوسهم بذلك ساجية مقهورة وفي حكمة الذل منقادة أسيرة، حتى صيروا أنفسهم في حوزة خشناء، يغلظ كلامها، ويخشن مسُّها، ويكثر العثار فيها، فلا جرم أن المتخلص منها بعد الإدمان فيها كراكب الصعبة من الإبل إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم، فيمنى لعمر الله بخلط وخبط، حتى لا يرى في عينه إلا القذى(7)[7] وليس في حلقه إلا الشجا(Cool[8]، إلا بعون من الله ورضوان، فمن وفق للتوحيد رزق التسديد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
قد قلت ما قلت إن صوابا فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة من عصيانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن الإسلام قد عُنِيَ بالسفر عناية فائقة؛ فجعل له أحكاما تخصه من سنن وآداب وواجبات، ومحرمات ومكروهات ينبغي ألا يغفل عنها كل مسافر. كما يؤكد على إحياء السنن المندثرة عند السفر، من ذكر الوداع بقوله لمن يودعهم: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه(9)[1]، وكذا دعاء الركوب على الدابة(10)[2]، والتكبير على كل شرف والتسبيح إذا هبط واديا(11)[3]، وذكر إقبال الليل أثناء السفر بأن يقول: ((يا أرض ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك، ومن شر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما يدب عليك، وأعوذ بالله من أسد وأسود، ومن الحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد))(12)[4].
وأن يقول إذا نزل منزلا: ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق))(13)[5]، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك.
وقد قال القرطبي ـ رحمه الله ـ: هذا خبر صحيح علمنا صدقه دليلا وتجربة، منذ سمعته عملت به، فلم يضرني شيء إلى أن تركته فلدغتني عقرب ليلة فتفكرت فإذا بي نسيته.
كما يستحب للمسافر ـ عباد الله ـ، إذا بدا له الفجر وهو في السفر أن يقول ما ثبت عن النبي أنه قال حينما بدا له الفجر: ((سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذا بالله من النار)) [رواه مسلم](14)[6].
وغير ذلك من السنن كثير وكثير يطول المقام بذكره، غير أنا نوجه بأن وصايا النبي بآداب السفر من ذكر وتكبير وتسبيح كأنه يعني بالتعريض أن القافلة المسافرة كلها في صلاة، وما هي إلا صور تجعل من تمجيد الله شغل قافلة السفر، ومن ذكره والثناء عليه، السمو الذي تطمئن به قلوب ذاكريه، ومن ثم يشعر المسافر، باختصار السفر وسهولته فينجو من وعثائه وكآبته.

__________
(1) صحيح البخاري ح (1804)، صحيح مسلم ح (1927).
(2) صحيح البخاري ح (7121).
(3) الجُلَّى : الأمر العظيم ، جُلَل. (القاموس ، مادة جَلَل).
(4) أخرجه البخاري ح (845)، ومسلم ح (71).
(5) سنن أبي داود ح (3919). قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (5/379): عروة ـ هذا ـ قيل فيه: القرشي، كما تقدم، وقيل فيه: الجهني، حكاهما البخاري، وقال أبو القاسم الدمشقي: ولا صحبة له تصح. وذكر البخاري وغيره أنه سمع من ابن عباس، فعلى هذا يكون الحديث مرسلاً. انتهى كلام المنذري.
(6) صحيح، مسند أحمد (2/220).
(7) القذى: ما يسقط في العين والشراب (مختار الصحاح ، مادة قذى).
(Cool الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه (القاموس ، مادة شجو).
(9) صحيح، أخرجه أحمد (2/7)، وأبو داود ح (2600 ـ 2601)، والترمذي ح (3442) وقال: حديث غريب. وابن ماجه ح (2826).
(10) صحيح مسلم ح (1342 ـ 1343).
(11) صحيح البخاري ح (2994 ـ 2995).
(12) أخرجه أحمد (2/132) وأبو داود ح (2603). وفي إسناده: الزبير بن الوليد الراوي عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/68): تفرّد عنه شريح بن عبيد. يعني أنه مجهول. والله أعلم. انظر صحيح ابن خزيمة (2572) بتعليق الألباني.
(13) أخرجه مسلم ح (2708).
(14) المصدر السابق ح (2718).



(1/705)







حقوق الإنسان الزائفة
-----------------------
العلم والدعوة والجهاد
محاسن الشريعة
-----------------------
سعود بن إبراهيم الشريم
مكة المكرمة
المسجد الحرام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- أحكام الله كلها عدل وحكمة ونصفة. 2- تكريم الله للإنسان. 3- مبادئ حقوق الإنسان الوافدة من الغرب. 4- الشعار الأجوف: الحرية - المساواة – الإخاء. 5- في أمتنا سماعون لهم مرددون لباطهم. 6- مناقشة لمعنى الحرية. 7- مناقشة لمعنى المساواة.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فمهما يكن من شيء بعدُ، فوصيتي لكم ونفسي بتقوى الله ـ سبحانه ـ؛ فهي عماد المؤمن في الدنيا، وأنيسه في قبره، وسلوانه في وحشته، ودليله في الأخرى يوم يلقى الله ـ سبحانه ـ إلى جنات النعيم.
عباد الله، إننا لنعلم بالضرورة أنه لا يجوز للناس أن يتخذوا غير الله ربا أو حكما، وأن من فعل ذلك أو هم به فهو جاحد للحق خائن للنعمة، وكذا من اتبع غير ما شرعه الله، أو حكم بغير ما أنزل الله، إنما هو مهمل للتشريع الإلهي، ومعتنق للقوانين البشرية، في عبث شائن وجاهلية منكرة أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِى حَكَماً وَهُوَ الَّذِى أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً [الأنعام:114].
إنها لم تترك أحكام الله إلا ببواعث الهوى، غير أنه منظم ومزوّق(1)[1]، كأنه منطق العقل الشديد، وهدي المصلحة الزائفة، التي لا تتصل بحنايا القلوب الْحَقُّ مِن رَّبّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [يونس:94]. إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ [يوسف:40]. وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:70].
إن الشريعة الإسلامية ضمان للصالح العام، وهي مبنية على الرحمة والعدل، والخير الذي يأمر الله عباده به ـ وما يأمر إلا بخير ـ تعود غايته لإسعاد الناس في عاجلهم وآجلهم، والشر الذي نهاهم عنه ـ وما ينهى إلا عن شر ـ ليس إلا وقاية لهم، من أذى قريب أو بعيد، أو من سوء مغبة جلية أو خفية؛ ولذا سما الإسلام بالإنسان روحا وجسدا، وعقلا وقلبا، لم يضع في عنقه غلا، ولا في رجله قيدا، ولم يحرم عليه طيبا، كما أنه لم يدعه كالكرة تتخطفها مضارب اللاعبين، فتتهادى في كل اتجاه، بل خاطبه ربه خطابا صريحا ياأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الْكَرِيمِ الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِى أَىّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8]. ياأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق:6].
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ: "اعلم أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ اختص نوع الإنسان من بين خلقه، بأن كرمه وفضله وشرفه، وأنزل إليه وعليه كتبه، وأرسله وأرسل إليه، فللإنسان شأن ليس لسائر المخلوقات|".
ومن ثم ـ عباد الله ـ، فإن الناس في هذه القضية طرفان، فالماديون التحرريون قالوا: إن الإنسان يعيش لنفسه ومتاع الدنيا، فإذا كان الأحمق منهم يعيش ليأكل، فإن العاقل منهم يأكل ليعيش.
وأما المؤمنون الموحدون فقالوا: إنما يعيش الإنسان لربه الأعلى، ولحياته الباقية الأخرى أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115].
بيد أن أهل الكفر ـ عباد الله ـ قد بذلوا غاية وسعهم في الدعوة إلى قضية كبيرة، وراءها ما وراءها من الخطورة على الفكر، والدعوة في المسلك، ألا وهي ما أسموها: "مبادئ حقوق الإنسان"، وجعل الحريات حسب مفهومهم العلماني، الرافض للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها سببا يبيحون به تدمير الأخلاق، ويشيعون به فوضى الغرائز في ديارهم، والبلاد التي تشبهها أو تقتدي بها، حتى تلتبس بلباس العلمانية، المخيط من جراء التحرر وتنحيته عن واقع من بابته ؛ حيث إن حلوها مر، وسهلها صعب، ودماثتها دميمة من الدين.
ولقد صدقوا ظنهم، فاتبعهم أغرار ولهازم، من مفكرين وكُتَّاب، في العلوم بأنه مخالف الحياة.
وهم يزعمون أنها مبادئ الحضارة والتقدم والرقي، من خالفها وكابر فيها رموه بمبادئ حقوق الإنسان، وليست من الحق في ورد ولا صدر، ولا هي من السياسية والاقتصادية والقانونية، وعلم الاجتماع، وأخذوا في الدعوة إلى حقوق الإنسان على ما يريده الغرب، ومن عامة الناس أشياع لهذه الدعوات ولِدَاتٌ، ويتنكرون لأصول دينهم، إبان سنة من ذوي الإصلاح والتوجيه، ويظنون في مبادئ حقوق الإنسان، النضج والخروج من المأزق، وأن ما يأتي من ديار الإسلام قديم بال، حتى وقعت مواقع بين الطرفين، وكان سلاحها من أولئك قذائف الزندقة والكفر، ومن أولاء دروع الاستكانة والتخاذل عن القيام بالواجب.
هذه المبادئ التي أرادوها بشعار الحرية والمساواة والإخاء، ويالله! إلى أي مدى بلغت هذه المبادئ من تضليل الشعوب، بيد أن الجميع غير قادرين على أن يصلوا إلى نقطة ارتكاز ينبثق منها هذا المبدأ المزعوم، فماذا تعني عندهم كلمة الحرية والمساواة والإخاء، أهي في الفكر؟ أم الاقتصاد؟ أم الصحافة؟ أم الاجتماع؟!.
وإذا سلمنا جدلا أنها تعني هذه المعايير كلها، فمن الذي يحدد نسب هذه الحريات وحدودها؟ أهو السلطان؟ أم الشعوب؟ أم الشعار نفسه؟!.
الواقع المشاهد ـ عباد الله ـ، أن منشئ معاني هذه المبادئ لم يصلوا إلى تحديد الوجهة، ولا زالوا يعانون من مشكلات هذه الأطروحة، والحق أن من كان خصب الحدس واسعه، علم أن هذا كله كان ألفاظا ورسوما لمقررات اليهود وحكمائهم، التي أخذ العميان يرددونها في كل مكان دون تَرَوٍّ، بل إنها جلبت لنا أعوانا من جميع أنحاء الدنيا، والحق ـ عباد الله ـ أنه مخطئ من ظن يومًا أن للثعلب دينا.
أيها المسلمون، إن الكثيرين يسمعون ويشاهدون في صحف العالم تارة، وفي المنتديات المقنعة تارات، لغطا جهولا، مصحوبا بقلم متعثر، وفكر في كل واد منه شعبة، حول قسوة القيود، التي جاء بها الشارع الحكيم، ورميها بأحد العبارات المسفهة، ودهماء الناس مشغولون بالجدل والحوار حول ما يثيرونه، ويتوهمون أنها مشكلات حقيقية، لابد لها من حلول، فيقدمون في التشريع، ويهوشون في الحدود، ويفتحون ملف المرأة على أنها مهضومة الحق، أسيرة الكبت، ولا قدم لها في المنتدبات أو الدوائر المكشوفة، وأنها متى رغبت في أخذ حقها المزعوم، أو التعبير عن رأيها الفاضح، فليس لها إلا أن تتسلل لواذاً على تخوف لا يزيله إلا تقادم الأيام ومر الليالي.
ونظن أن خطورة مثل هذه القضية قد تبدت خطوطها، ولا يظن بالطبع أن ما بقي من ألوانها ورسومها بمعجزنا أن نتخيله، فمواقعوها صنف من الناس يتمددون بالحرية، وينكمشون بالإسلام ـ وكفاكم من شر سماعه ـ وتلكم ـ شماله نعيذكم بالله ـ من غائلتها، يشوشون حق المرأة، ويطلبون إنصافها، فطلبوا بذلك زكاما، في حين أنهم ما أحدثوا إلا جذاما، وحللوا بزعم منهم عقدا، وبالذي وضعوه زادت العقد.
ولا غرو أن يحصل هذا ـ عباد الله ـ، إذا نطقت الرويبضة، ولا جرم أن لا يصل العطاش إلى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا، ومن يثني الأصاغر عن مرادهم إذا جلس أكابرهم في الزوايا؟!.
إني أسائلكم ـ عباد الله ـ ما هذه الحرية التي يطبلون لها ويزمرون، ويجعلون الاعتداء عليها أو التطرق لنقدها كفرا بها وبالديمقراطية، ما هذا كله ؟ أهي حرية المرأة في أن تخلع جلباب حيائها، وتكشف من جسدها ما تريد ؟ أو هي حرية الفسوق والعصيان اللذين كرّههما الله إلى السلف الصالح وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرشِدُونَ فَضْلاً مّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحجرات:7، 8].
إنهم بين أمرين لا ثالث لهما: إما انهم يهرفون بما لا يفقهون، وإما انهم يتسترون بالألقاب والمسميات الخلابة، من حرية وإخاء، وفكاك من إصر وأغلال، والله أعلم بما يوعدون، والمثل السائد: "تحت الرغوة اللبن الصريح"، وإلا فأي أمة تصنع هذا الصنيع، وهي تريد أن تكون ممن يرد حوض نبينا ؟ أتريد أن تكون بدعا من الأمم، تأخذ من كل أمة شر ما عندها، وتدعو إلى أن تبدأ حياتها الاستقلالية بهذه الأخلاط من الشرور، المركبة تركيبا مزجيا يمنعها من الصرف والعدل، إنه والله طريق الموت الحاضر لا طريق الحياة.
قال رسول الله : ((كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبى)) قالوا: من يأبى يا رسول الله؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) [رواه البخاري](2)[2].
ولكن من مبلغ عنا الرعاع من بني قومنا، أن دعاة حقوق الإنسان وأبواقهم قد رأوا الناس يدخلون في دين الله أفواجا، وخافوا بذلك أن تفوتهم حظوظ من الدنيا، بانقطاع لذائذهم، وانتشال علائقهم، فتقدموا حاقدين، ضامرين الغدر ناسين أن الله سميع بصير، وأنه خير حافظا وهو أرحم الراحمين، كما أنه كتب على نفسه أنه سيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار حتى لا يدع بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، ولمثل هذا فليبك الباكي.
قال رسول الله : ((والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي، ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)) [رواه مسلم](3)[3].
ومن هنا برزت لنا حقوق الإنسان على ما أراده الشارع الحكيم، في مثل خطاب النبي في حجة الوداع: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا))(4)[4]، وقد ترجم البخاري في صحيحيه بابا يقول: ظهر المؤمن حمى إلا من حدٍّ أو حق(5)[5]، وتفسير هذه القاعدة يتمثل في أن حقوقه محمية إلا إذا ارتكب ما يوجب العقوبة عليه، كما أنها تعني كذلك: وجوب تطبيق الحدود، والغيرة على حرمات الله، لقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: (والله ما انتقم رسول الله لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله) [رواه البخاري](6)[6].
ومن معاني القاعدة أيضا: المساواة أمام العقوبات بين الشريف والوضيع ؛ لأن الغاية هي المحافظة على حقوق الجميع، عملا بقوله : ((إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا يقيمون الحد على الوضيع ويتركونه على الشريف، والذي نفسي بيده لوأن فاطمة فعلت ذلك لقطعت يدها)) [رواه البخاري](7)[7].
كما أن من معاني تلكم القاعدة العظمى: المحافظة على حقوق أهل الذمة، وهم الكفار الذين يدخلون في ذمة المسلمين، فإن دخلوا تحت أحكامهم حفظوا لهم حقوقهم ما داموا في ذمة الله ورسوله ، وأقاموا عليهم الحدود، فيما يعتقدون تحريمه؛ كالزنا ونحوه، فعن البراء بن عازب قال: مرّ على يهودي محمما مجلودا، فدعاهم النبي فقال: ((هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم)) قالوا: نعم، فدعا رجلا من علمائهم فقال: ((أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟)) قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فقلنا: إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلناه التحميم والجلد مكان الرجم، وقال رسول الله : ((اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه))، فأمر به فرجم، فأنزل الله: ياأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ ءامَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ءاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَاذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:41]. [رواه مسلم](Cool[8].

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إرغاما لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد البشر الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله السادة الغرر.
أما بعد:
فإننا ـ عباد الله ـ من هذا المقام، لنذكر المصلحين من أمتنا، بوجوب الدفاع عن الشريعة الإسلامية، من منطلق عقدي صحيح، وبيان مقاصد الشريعة في حدودها، وما تنطوي عليه من حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، كل حسب طاقته وسعته، مع كشف الجوانب المظلمة، التي تضمنتها مبادئ حقوق الإنسان، والرد على من أسموا أنفسهم بالمفكرين أو المتنورين، الذين انخدعوا بتلك الشعارات، وخدعوا الأمة الإسلامية بها، وما طرحنا لهذه القضية، إلا كنفثة مصدور، ولابد للمصدور أن ينفث.
والمشاهد ـ عباد الله ـ أن الكأس تفيض عند امتلائها، كما أنه ينبغي التنبه إلى أمر مهم، قد يخفى على البعض منا، وهو أن من مستلزمات الأخذ بمبادئ حقوق الإنسان هو الجلوس على موائد أهل الكفر المستديرة في ندواتهم ومقرراتهم، التي مفادها هدم ركن ركين، وأصل للمؤمنين، والبراء من الكافرين، الذي هو من لوازم كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وذلك اللازم المؤكد في مثل قوله ـ تعالى ـ: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين [آل عمران:28]. وفي مثل قول المصطفى لجرير بن عبد الله البجلي لما بايعه على الإسلام حين قال له: ((أن تنصح لكل مسلم، وتبرأ من الكافر)) [رواه أحمد](9)[1].
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، العالم المجدد لما اندرس من معالم الإسلام في القرن الثاني عشر: "فأما صفة الكفر بالطاغوت: فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها وتبغضها، وتكفر أهلها، وتعاديهم".
وذكر ـ رحمه الله ـ من نواقض الإسلام: "من لم يكفر المشركين، أو يشك في كفرهم، أو يصحح مذهبهم كفر". قال ـ رحمه الله ـ: "ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين كفر، والدليل قوله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]".

__________
(1) مُزيّن.
(2) صحيح البخاري ح (6851).
(3) صحيح مسلم ح (153).
(4) أخرجه البخاري ح (67)، ومسلم ح (1679).
(5) كتاب الحدود ـ الباب رقم (9) [فتح الباري 12/85].
(6) صحيح البخاري ح (3560). وأخرجه أيضًا مسلم ح (2327).
(7) صحيح البخاري ح (6788)، وأخرجه أيضًا مسلم ح (1688).
(Cool صحيح مسلم ح (1700).
(9) مسند أحمد (4/358) وأصله عند البخاري ح (57)، ومسلم ح (56).



(1/706)






[right]من يرد الحوض[font='Simplified Arabic']
-----------------------
قضايا في الاعتقاد
البدع والمحدثات
-----------------------
سعود بن إبراهيم الشريم
مكة المكرمة
المسجد الحرام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- نفس جهنم في الصيف والشتاء. 2- ظمأ يوم القيامة. 3- حوض النبي . 4- الذين يذادون عن حوض النبي. 5- سقوط الإعلام وغرابة ما يتصدر عنه. 6- أصناف ثلاثة عارضت الشرع بعقولها القاصرة ، وهذه لأصناف لا ترد الحوض.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن الوصية المبذولة لي ولكم عباد الله، هي تقوى الله ـ سبحانه ـ، في السر والعلن، في الرغبة والرهبة، في الغضب والرضا، إنما يتقبل الله من المتقين، الذين تدفعهم تقواهم إلى تقديم مرضاة ربهم على رضاء خلقه وعبيده.
أيها الناس، لقد منّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ على عباده بفصول أربعة، يتقلب فيها الزمن، على حر صيف، ويبس خريف، وبرد شتاء، وحسن ربيع، وجعل لكل فصل من هذه الفصول حكمة، يرعوي إليها من به ادكّار فهل من مدكر؟!
في الصحيحين أن النبي قال: ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم))(1)[1].
ولقد جعل الله ـ سبحانه ـ أشياء كثيرة تذكر بالنار ولهيبها، كالأزمنة المفرطة في الحر أو البرد، فبردها يقرقف(2)[2]، ويذكر بزمهرير جهنم، وحرها يأخذ بالأنفاس ويذكر بحر جهنم وسمومها، قال الحسن البصري: "كل برد أهلك شيئا فهو من نفس جهنم، وكل حر أهلك شيئا فهو من نفس جهنم"، وقال قتادة في معرض هذا: هل لكم بذلك يدان أم لكم عليه صبر ؟ طاعة الله ورسوله أهون عليكم يا قوم، فأطيعوا الله ورسوله .
أنسيت لظى عند ارتكابك للهوى ……وأنت توقى حر شمس الهواجر
أيها المسلمون، إن الله ـ جل وعلا ـ سيحشر الأموات جميعا، من قبورهم بعد البعث إلى الموقف حفاة عراة غرلا، كما بدأ أول خلق يعيده وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً [الكهف:47]. يجمع الناس في عرصات القيامة، أولهم وآخرهم على صعيد واحد، فيموج بعضهم في بعض، وتدنو الشمس منهم حتى تكون كمقدار ميل، فيبلغ الناس من الكرب والغم ما لا يطيقون ولا يحتملون، فمنهم من يبلغ به العرق إلى كعبيه، ومنهم من إلى ركبتيه، ومنهم من إلى حَقْوَيْه(3)[3]، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، فيكون الناس أحوج ما يكونون إلى ما يروون به غليلهم، ويشفون عليلهم، أحوج ما يكونون إلى ما يقطعون به ظمأ الهاجرة، وغصة الحشر المهول، إنهم ـ يا رعاكم الله ـ يطمعون في ورود حوض نبيهم، بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [سورة الكوثر]. قال رسول الله : ((هل تدرون ما الكوثر؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((هو نهر أعطانيه ربي ـ عز وجل ـ في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة..)) الحديث.. [رواه أحمد](4)[4].
إننا بحاجة ماسة ـ عباد الله ـ إلى أن نلبث مليا حول هذه النعمة المسداة المنصوبة في عرصات القيامة، لنأخذ منها دروسا وعبرا، علها أن توقظ غافلنا، وأن تبصر جاهلنا، بأنه لا عيش إلا عيش أهل الآخرة، إنا لنعمى مرات والعيون ناظرة، فالله مولانا ونعم المولى، وقل لمن يعصيه أولى أولى، ما هو إلا عفوه وحلمه، سبحان من لا حكم إلا حكمه.
جاء عند مسلم في صحيحه :أن الحوض يشخب فيه ميزابان من الجنة(5)[5]. الحوض ـ عباد الله ـ قبل الصراط، عند وجود الناس في المحشر، يرده المؤمنون ويذاد عنه الكافرون، طوله شهر، وعرضه شهر، كما بين المدينة وصنعاء، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه(6)[6] كنجوم السماء في عددها ونورها ولمعانها، وهو أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، من شرب منه لا يظمأ بعدها أبدا، يصب فيه نهر الكوثر الذي حافتاه قباب الدر المجوّف، وطينه مسك أذفر، وهو موجود الآن لقوله : ((وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن)) [رواه البخاري](7)[7].
كل هذه الصفات ـ عباد الله ـ صح بها الخبر عن الصادق المصدوق في الصحيحين وغيرهما مما يوجب الإيمان به والطمع في وروده، بيد أن ثمة قضية تحتاج إلى إمعان النظر فيها، والصدق مع الله في طرحها، والأخذ بأسباب التوقي من أن يكون مسلم ما في عداد الملتاثين فيها، ألا وهي ما يقع يوم القيامة من المفاجآت في أناس يطمعون أن يكونوا ممن يرد حوض نبيهم، فإذا هم يذادون عنه ويحرمون النهل منه، بل إنهم بذلك يفقدون مفتاح الجنة، وهو الشرب من هذا الحوض، قال رسول الله : ((إني فَرَط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، لكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها)) [رواه البخاري](Cool[8].
والنكتة اللطيفة ـ عباد الله ـ أنه ذكر الحوض قبل التحذير الذي بعده، ليشير إلى التخويف من فعل ما يقتضي الإبعاد عن الحوض.
وجاء عن البخاري في صحيحه أن رسول الله قال: ((إني على الحوض، حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم)) وكان ابن أبي مليكة راوي الحديث يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن في ديننا(9)[9].
وجاء عند مسلم في صحيحه أنه قال: ((إني لأذود عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة عن الإبل))(10)[10]، والمعنى ـ عباد الله ـ أنه يطرد من لا يستحق الشرب من الحوض.
أيها المسلمون، إن الأمة الإسلامية لهي في أشد الحاجة إلى أن ترد حوض نبيها، وإن هذه الأجيال المتأخرة ليخشى عليها من ظلمات لا يجد فيها الحاذق بصيص نور يهتدي به إلى سواء الصراط، أو يخلص به من ضلاله، وإن الإحداث والتغيير الذي دب في صفوف المسلمين، لهو خير شاهد على هذه القضية، ونحن اليوم ـ معاشر المسلمين ـ نعيش معركة حامية مع الازدواجية في كثير من أجوائنا الحياتية ـ إلا من رحم الله ـ يجمع بين الحق والباطل، والصحيح والضعيف، والزين والشين.
ولعل الازدواجية الصحافية في مثل هذه الأيام هي مقبض الرحى في كثير من الأقطار الإسلامية والعربية، والتي اندلعت نارها وطار في كثير من أرض الإسلام شرارها، لقد أهمل كثير من الأقلام، فلم تسخّر للإسلام، بل ما فتئ بعضها يلهو ويلعب ويسخر، وكأنه مدافع الأعياد، تتفجر بالبارود الكاذب، وسط مجتمعات مقرومة مجعومة، يتيه فيها اللبيب، وإن تعجبوا ـ عباد الله ـ فعجب أن يكون الاسم مسلما، وما يخطه البنان غريبا كل الصحفي الغرابة عنه! أين تلك الأقلام؛ لتدل الناس على ما يحفظ لهم دينهم ويحصي كيانهم، وتحذرهم من شرور الكفرة الحاقدين، وتقيم لهم الميزان العادل، فيرجعون عقلاء مميزين، يعرفون ما يأخذون وما يذرون.
واخجلتاه!! من أقلام محسوبة على المسلمين يموت فيهم العالم، وتبلى الأمة ببلايا ورزايا ثم لا تكتب فيها حرفا، بل هذا زاهد في حق هذا، وهذا فيه أزهد منه فيه. لقد شغلها عنها شواغل الصبيان في الأوحال، ومباهج أحلام شبابهم، وملذات الغرام التي يسمونها حتى في حال الوفاة ((أسطورية)) أيا كان هذا المتوفى رجلا أو امرأة، كافرا أو ملحدا، بغيا أو خبيث الطبع.
إن مثل هذه المشاعر الصحفية في تضخيم وفاة شخص ما، نفسها أو أحر منها، موجودة عند رواد الصحافة، وعشاق الورق في بلاد الإسلام وللأسف، وهي مشاعر يأباها الدين جملة وتفصيلا، ما دامت توهن إيمان المرء بالله وترده إلى غيره من الأحياء أو الأموات، ويالله! كم يحزننا أن يكون قلب امرئ ما فارغا من الله، مملوءا بغيره ـ بقوا أو هلكوا ـ؟
إن الانسياق مع مثل هذا جرم، وإحسان الحديث عنه زور، وإذا حكم ذوقهم على المرء بأنه حلو أو بالعكس فهو مدلس مخوف، هو وأمثاله كشجرة ((الدلفى)) تُعْجِبُ من رآها وتقتل من أكلها، وما محبوهم إلا أنوف أزكمها الغبار فاستوت عندها الروائح، أو جسوم تندت ولم ينزع مبلولها فما هي إلا الحمى ما منها بد.
عن جابر أن عمر بن الخطاب أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه، فغضب وقال: ((لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني )) [رواه أحمد وابن أبي شيبة](11)[11].
فالعجب ـ عباد الله ـ ممن يعلم خطورة الركون إلى غير الإسلام، أو ميل القلب أو العاطفة، مع أحياء غير المسلمين أو أمواتهم ـ مهما كانت الظروف التي تحيط بهم، ودوافع الرغبة أو الرهبة، التي تنبعث من قبلهم ـ؛ فإن ذلك كله لا يسوغ تحبير الأقلام فيهم، ولا خلع الجلباب الساتر، والانتماء الزائف، مهما نعق الناعقون، بأن لهذه الشخصية أعمالا خيرة، بل وإن بلغ التجرؤ ببعضهم من وصف مثل هذه الشخصية بأنها طبقت الإسلام وإن لم تكن مسلمة، في صحافة المسلمين المتنوعة.
وما علم مَنْ جَهْلُهُ مُرَكَّب أن عملا ما بلا إسلام مهما كان خيرا، فلن ينفع صاحبه في أخراه، يقول الله ـ جل وعلا ـ في حق الكافرين: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً [الفرقان:23]، مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَىْء ذالِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ [إبراهيم:18]. وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْانُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور:39].
قدم أبو سفيان المدينة قبل أن يسلم، فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله طوته عنه، فقال: يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله وأنت رجل مشرك نجس(12)[12].
هكذا فعلت أم المؤمنين في أبيها بكلمة حق، خرقت بها مثلا عربيا: كل فتاة بأبيها معجبة . ما دام أن الإيمان لم يخامر قلبه، وكلمة التوحيد لم ينطق بها لسانه.
ألا فاعلموا ـ رحمكم الله ـ أن رسالة المصطفى كفراشه، فمن أجلس عليه من ليس من دينه فلن يرد حوض النبي لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22].
اللهم ارزقنا شفاعة نبيك ، وأوردنا حوضه، واسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبدا يا رحمن.

-------------------------
الخطبة الثانية
[color=#000000]الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المسلمين، ثم اعلموا أن بعض أهل البدع أنكر حوض النبي ممن عرفوا بالمكابرة بعقولهم أمام نصوص الشارع الحكيم، فجعلوا آراءهم مقدمة عليها، فما وافق العقل منها قبلوه، وما لا فلا، وهذه بلية كبرى اتسع نطاقها في بقاع شتى من أراضي المسلمين، يعرفون باسم أهل الفكر المستنير، أو العقلانيين الذين يخضعون نصوص الشريعة لعقولهم لا العكس، وقد أشار ابن القيم ـ رحمه الله ـ إلى جملة ممن خالفوا الوحي بآرائهم وعقولهم، فكان من أهمهم ثلاثة أصناف:
صنف عارضوا الوحي والأخبار بعقولهم، فقالوا لأهل الشريعة: لنا العقل ولكم الشرع، فجعلوا أهل الأرض اثنين، ذا عقل بلا دين، وآخر دَيِّناً لا عقل له، وعلى هذا ثلة ممن اغترفوا من حضارة الغرب وفلسفاتها، ورضعوا م[/center]



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 10:54
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **


والتثبيت ـ عباد الله ـ يكون في الحياة الدنيا على الخير والعمل الصالح، وفي الآخرة يكون تثبيتا في البرزخ وعند السؤال يُثَبّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء [إبراهيم:27]. اللهم إنا نسألك الثبات قبل الممات، والإرشاد إلى استدراك الهفوات من قبل الفوات، وإلهامنا أخذ العدة للوفاة والموافاة.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد من يشكر النعمة، ويخشى النقمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الفضل والمنة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله معلمنا الكتاب والحكمة، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أولي النجابة والفطنة.
أما بعد:
فاتقوا الله ـ معاشر المسلمين ـ وتوبوا إلى ربكم تفلحوا، تمسكوا بسنة المصطفى وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
قال الحسن البصري رحمه الله: (السنة ـ والذي لا إله إلا هو ـ بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها ـ رحمكم الله ـ، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك ـ إن شاء الله ـ فكونوا).
فيا أهل التوبة، استيقظوا، ولا ترجعوا بعد رمضان إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام، فالرضاع إنما يصلح للطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء، لا للرجال، وعليكم بالصبر على مرارة الفطام، لتعتاضوا عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان في قلوبكم، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لّمَن فِى أَيْدِيكُم مّنَ الاْسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأنفال:70].
ذنب واحد بعد التوبة، أقبح من كذا ذنب قبلها، النكسة أصعب من المرض، وربما أهلكت، فسلوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات، وتعوذوا بالله من تقلب القلوب، ومن الحور بعد الكور، فما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة! وأفحش فقر الطمع بعد غنى القناعة!
ذكر عند النبي قوم يجتهدون في العبادة اجتهادا شديدا، فقال: ((تلك ضرورة الإسلام وشرته، ولكل عمل شرة، فمن كانت فترته إلى اقتصاد فنعما هو، ومن كانت فترته إلى المعاصي فأولئك هم الهالكون)) رواه أحمد والطبراني(7)[1].
ومعنى الحديث ـ عباد الله ـ: أن لكل عمل قوةً وشدةً، يتبعها فتور وكسل، ولكن الناس يختلفون في هذا الفتور، فمنهم من يبقى على السنة والمحافظة عليها ولو كانت قليلة، ومنهم من يدعها ويتجاوزها إلى ما يغضب الله، وبنحو هذا يقول ابن القيم رحمه الله: تخلل الفترات للعباد أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم، رجي له أن يعود خيرا مما كان ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذُنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32]. يقول المصطفى : ((إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه)) رواه الترمذي(Cool[2].
ولقد بكى ابن مسعود عند موته، فسئل عن ذلك، فقال: إنما أبكي، لأنه أصابني في حال فترة ولم يصبني في حال اجتهاد.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

__________
(1) مسند أحمد (3/199)، قد أخرجه دون قوله: ((... فإن المنبتّ...)). والحديث حسن دون هذه الزيادة. انظر السلسلة الضعيفة (1/21) وصحيح الجامع (2246) وضعيف الجامع (2020).
(2) صحيح البخاري ح (39).
(3) صحيح البخاري ح (1970). وأخرجه أيضًا مسلم ح (782).
(4) صحيح البخاري ح (1152)، صحيح مسلم: كتاب الصيام ح (185).
(5) صحيح، مسند أحمد (4/408).
(6) صحيح، مسند أحمد (6/302)، سنن الترمذي (3522) وقال: حديث حسن.
(7) مسند أحمد (2/165)، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (2/259) للطبراني وأحمد، قال: ورجال أحمد ثقات. قال أحمد شاكر في تعليقه على المسند (6539): إسناده صحيح.
(Cool صحيح، سنن الترمذي ح (2142) وقال: حسن صحيح. وأخرجه أيضًا أحمد (3/106).

(1/708)



سر التوحيد وحقيقته (14)
-----------------------
الأسرة والمجتمع, التوحيد
شروط التوحيد, قضايا الأسرة
-----------------------
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
27/9/1409
قباء
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
كلام وهب بن منبه لمن قال له : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة , ودلالة كلامه - أسنان مفتاح " لا إله إلا الله " أداء الفرائض والواجبات واستيفاء الشرائط واجتناب النواقض - اجتناب المعاصي والمحرمات من أسباب سلامة القلب - ليس المراد بلا إله إلا الله مجرد التلفظ بها والأحاديث في البشارة مقيدة بالأحاديث الأخرى في استيفاء شروطها وانتفاء نواقضها دور الماسونيين في تحديد نسل المسلمين - الدعوة إلى التكاثر من سنة سيد المرسلين
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:من مات على التوحيد دخل الجنة لأن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله هي مفتاح الجنة. ما معنى ذلك ؟
روى البخاري في صحيحه تعليقًا عن وهب بن منبه رحمه الله أنه قيل له: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال: بلى ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتح لك وإلا لم يفتح لك.
مقصوده رحمه الله أن شهادة لا إله إلا الله ليست مجرد كلمة تُقال باللسان فينجو بها قائلها حتى ولو لم يؤد فرائضها ويستوف شرائطها ويسلم من نواقضها ومفسداتها. حتى ولو لم يسلم من نواقضها ومبطلاتها هي المفتاح والمفتاح لا يعمل إلا بأسنان. وأسنان هذا المفتاح لا إله إلا الله هي أداء الفرائض والواجبات واستيفاء الشروط واجتناب النواقض والمفسدات ثم بعد ذلك كلما استزاد المسلم من الأعمال الصالحات كانت أسنان مفتاحه أجود، وكلما ابتعد عن المحرمات والمنكرات كان ذلك أسلم لمفتاحه.
ولذلك قال الحسن البصري رحمه الله لما قيل له إن قومًا يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة. قال الحسن رحمه الله: من قال لا إله إلا الله وأدى حقها وفرضها دخل الجنة، وروي عنه أيضًا أنه قال لرجل ذكر شهادة أن لا إله إلا الله فقال له الحسن: هذا هو العمود فأين الطُنُب ومراده رحمه الله أن شهادة أن لا إله إلا الله هي عمود فسطاط الإسلام خيمة الإسلام، عمودها لا إله إلا الله وكما أن الفسطاط لا يقوم إلا على العمود فإنه لا يثبت إلا بالطنب والطنب هنا هي الفرائض فرائض لا إله إلا الله. وهى التي يجب أن تستوفي والمحرمات التي يجب أن تُجتنب، فإن اجتناب المحرمات ضروري لسلامة هذا العمود. لذلك قال الحسن رحمه الله للفرزدق الشاعر المشهور الذي كان يشبب بالنساء في شعره ويذكرهن في شعره وكان أحيانا يباهى في شعره بفعل الفواحش قال له الحسن رحمة الله: إن للا إله إلا الله شروطًا فإياك يا فرزدق وقذف المحصنات. إياك يا فرزدق وقذف المحصنات. لم يرد الحسن رحمه الله أن قذف المحصنة بخصوصه يفسد لا إله إلا الله أو ينقض لا إله إلا الله لكنه ضربه مثالاً على أن اجتناب المعاصي والمحرمات من حيث المبدأ من الشروط لسلامة العمود عمود فسطاط الإسلام لا إله إلا الله ، وقد يبقى هذا العمود على الرغم من ارتكاب بعض المعاصي والمنكرات لكن ارتكاب تلك المعاصي يضعفه ويشتد ضعف هذا العمود كلما أمعن المسلم في ارتكاب المعاصي والمنكرات. حتى يكاد ينهدم بل ربما انهدم يطمس القلب والعياذ بالله. فإن الله عز وجل قد يعاقب المستخف للحرمات والمنكرات، قد يعاقب المستخف للمحرمات المرتكب للمعاصي والمنكرات يعاقبه بطمس قلبه فيفسد حينئذ إيمانه ويضرب عليه النفاق.
أردنا بهذا التنبيه على أن مقولة إن شهادة لا إله إلا الله هي مفتاح الجنة ليس معناها أن قائلها بمجرد التلفظ بها ينجو من النار ويدخل الجنة.
فقد أجمع العلماء على أن من نطق بالشهادة على أن من تلفظ بالشهادة ثم سجد لصنم أو أهان المصحف متعمدًا أنه كافر خارج من ملة لا إله إلا الله.
كما أنهم أجمعوا على أن من تلفظ بالشهادة لكنه لم يعتقد معناها لم يؤمن بمعناها أو شك في معناها أو سخر من مضمونها بأنه كافر خارج من ملة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
إذن فليست هذه مجرد كلمة. ليس المراد هو مجرد التلفظ بها بل المطلوب مع التلفظ بها التلبس بحالة مخصوصة من أداء فرائضها وحقوقها واستيفاء شروطها واجتناب نواقضها ومفسداتها.
وسيدنا محمد في إجماله البشارة بالجنة لأهل لا إله إلا الله له تفصيل بينه في أحاديث أخرى وفي مناسبات أخرى، بين قبل ذلك فرائض لا إله إلا الله وشرائط لا إله إلا الله وحقوق لا إله إلا الله فإن البشارة للجنة على وجه الإجمال لأهل لا إله إلا الله كان في الغالب من أواخر كلامه حديث البشارة حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي أمره فيه النبي بأن يبشر كل من يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه أن يبشره بالجنة(1)[1] هو من أواخر كلامه فإن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم في آخر حياة النبي أبو هريرة راوي حديث البشارة هذا أسلم في أواخر حياة النبي فإذن كان النبي قد بين قبل ذلك فرائض لا إله إلا الله وشرائطها وحقوقها ونواقضها ومفسداتها فلما اطمأن إلى أن أصحابه رضي الله عنهم قد فقهوا عنه ذلك أجمل لهم البشارة بالجنة على لا إله إلا الله معتمدًا على فهمهم لشرائطها وفرائضها وحقوقها وسوف نبين هذه المسألة بمزيد من التفصيل في الجُمع القادمة إن شاء الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلىّ أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون [فصلت: 6-7].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد. هتف هاتف الشياطين ونادى منادي الماسونيين ألا تتكاثروا يا معشر المسلمين، حددوا نسلكم وقللوا عددكم، وراق هذا النداء الماسوني الخبيث راق بعض الحكام من الظلمة الجائرين الذين تسلطوا على شعوبهم، فنهبوا خيراتها وضيعوا حقوقها وبددوا ثرواتها، حتى إذا فاحت روائح الظلم والفساد ولم تجد تلك الشعوب ما تستر به عوراتها وتسد به حاجاتها ذهب أولئك الطغاة الظلمة الجائرون يوارون فسادهم وظلمهم بهذه الدعوة الماسونية الخبيثة دعوة تحديد النسل.
أما أنت يا مسلم فإمامك وقائدك وحبيبك ونبيك سيدنا محمد يدعوك بعكس ما دعاك إليه الماسونيون وأذناب الماسونيين.
يدعوكم يا مسلمون إلى التكاثر كثروا نسلكم كثروا عددكم فالحبيب يقول لكم: ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة(2)[1]. وفي رواية مكاثر بكم الأمم))(3)[2].
وعن معقل بن يسار قال جاء رجل إلى النبي فقال له: إني أصبت امرأة ذات حسن وجمال ولكنها لا تلد أفأتزوجها؟ فقال : لا فأتاه الثانية فنهاه فأتاه الثالثة فقال : ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم))(4)[3].
يا مسلم لا تظن بالله الظنون، تظن أن الله يخلق خلقًا ولا يرزقهم، إن كل خلق يخلقه الله جل جلاله يُكتب رزقه معه وهو في بطن أمه ويكتب شقي هو أم سعيد، أما اليهود وأذناب اليهود أما الماسونيون وأذناب الماسونيين فيقولون لكم أيها المسلمون حددوا نسلكم لتنظيم أحوالكم الاقتصادية. حددوا نسلكم لإنعاش وإصلاح أحوالكم الاقتصادية.
إنهم يريدون إضعافنا فهم يعلمون أن من أهم أسباب القوة والمنعة والعزة في الأمم هي الثروة البشرية هي الكثرة، كثرة العدد هي من أهم أسباب القوة والمنعة وخاصة إذا كان مع هذه الكثرة عدل وحرص على العدل من الرعاة والرعية فإنها حينئذ تكون قوة ومنعة لتلك الأمة.
يا مسلم اعلم أن الذرية والولد خير لك إن عاشوا بعدك وإن ماتوا قبلك.
إن عاشوا بعدك فخير لك يلحقك بعد موتك باستغفارهم ودعائهم لك إن كنت قد أحسنت تربيتهم وعلمتهم ذلك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((يُرفع للعبد في درجته فيقول: أي رب أنى لي هذا؟ فيقول: باستغفار ولدك لك من بعدك))(5)[4].
وثبت عن النبي أنه قال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، وعلم يُنتفع به ، وولد صالح يدعو له))(6)[5].
وأحسن ما يكون للإنسان من النفع والخير والثواب من الذرية البنات إذا أحسن تربيتهن وأحسن إعالتهن فقد روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ((من عال جاريتين - أي من قام على بنتين أو أختين بالتربية - حتى يبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا وضم أصبعيه ))(7)[6].
وفي رواية: ((ما يكون لأحد ثلاث بنات أو بنتان أو أختان فيتقي الله فيهن ويحسن إليهن إلا دخل الجنة))(Cool[7].
وأما عن نفع الولد والذرية لك إذا ماتوا قبلك فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي حسان قال: توفي لي ابنان. فقال لي أبو هريرة سمعت حديثًا عن رسول الله يطيب أنفسنا عن موتانا. فقال أبو هريرة رضي الله عنه: نعم صغارهم - أي صغار المسلمين - دعاميص أهل الجنة إذا لقي الولد أباه أو أبويه أخذ بطرف ثوبه أو يده فلا يفارقه حتى يدخله الله وأباه الجنة(9)[8]، فهذا نفع عظيم وخير عظيم يشفع لك ولدك الذين ماتوا من قبلك حتى يدخلك الجنة ويدعو لك ولدك الذين عاشوا من بعدك ويستغفرون لك فيرفع الله لك درجتك بذلك.
فاحرص يا مسلم على المكاثرة بالذرية والولد كما دعاك إلى ذلك الحبيب المصطفى .
أما بعد:فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان.
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين سيدنا محمد فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

__________
(1) صحيح مسلم (31) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) مسند أحمد (3/158، 245) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3) سنن أبي داود(2020) عن معقل بن يسار رضي الله عنه.
(4) سنن النسائي (3227).
(5) مسند أحمد (2/509) ، سنن ابن ماجة (3660) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(6) سنن الترمذي (1376) ، سنن النسائي (3651) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(7) صحيح مسلم (2631) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(Cool مسند أحمد (3/42)، سنن أبي داود (5147) سنن الترمذي (1912) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(9) صحيح مسلم (2635) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(1/709)



توقير سنته صلى الله عليه وسلم والتحذير من ردها
-----------------------
قضايا في الاعتقاد
الاتباع
-----------------------
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
7/10/1409
قباء
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
مدار الدين على أصلين : ( اعبدوني ) وهذا لله وحده , و ( فاتبعوني ) وهذا لرسوله صلى الله عليه وسلم – تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم يتضمن تجريد المتابعة لله - أهم معالم تجريد المتابعة له صلى الله عليه وسلم إجلال سنته صلى الله عليه وسلم , وحال السلف في ذلك – خطورة مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم , وَرَدِّ حديثه الثابت الصحيح بالعقل والهوى , وأن هذا مسلك الزنادقة والمنافقين
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن تجريد المتابعة لسيدنا رسول الله تضمن تجريد المتابعة لله والله عز وجل قد أمرنا أن نعبده فقال: وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم [يس:61]. ثم بين سبحانه على لسان رسوله ومصطفاه كيف نعبده وأمر نبينا أن يقول لنا: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني [آل عمران:31]. فمدار الدين كله على هذين (اعبدوني) وهذا لله وحده، (واتبعوني) وهذا لرسول الله .
فما لم تحقق هذين الأصلين العظيمين وتنقاد لهذين النصين الكريمين، إذا لم تفعل ذلك يا مسلم فلا أدري ما حظك ونصيبك من لا إله إلا الله محمد رسول الله.
اعبد الله على مراد الله وليس على مرادك أنت، اعبد الله كما شرع الله وليس كما تشاء أنت وتشتهي، إن من شهد مقام عبوديته لله عز وجل فإنه يكون دائمًا متنبهًا ومستيقظًا لما يأمره به سيده ومولاه جل جلاله فحينئذ هو يرى بعينين ويبصر ببصيرتين، بإحداهما يرى المعبود جل جلاله وبالأخرى يرى أمره ولا يمكن أن يرى المعبود ولا يرى أمره إلا بمتابعة نبيه ومصطفاه لأن علم ما يرى به ويأمرك به سيدك ومولاك جل جلاله هو عند نبيه عنده وحده لا عند غيره.
ثم اعلم أيها المسلم أن من أهم معالم تجريد المتابعة للنبي المصطفى أن يكون لكلامه إذا سمعته ولسنته إذا علمت بها هيبة في صدرك كما أن لأمر الله عز وجل ولكلامه هيبة ورهبة في صدرك. إذا سمعت قول رسول الله وبلغتك سنته أولاً إذا سمعت قوله جل جلاله وبلغك أمره فاستحضر مقامك بين يديه عز وجل كأنك واقف أنت العبد المملوك في حضرة سيدك ومولاك جل جلاله.
هل تجرؤ على معاندته هل تجرؤ على معارضته هل تجرؤ على رد أمره وقوله، وكذلك إذا سمعت أمر رسول الله وبلغتك سنته فاستحضر مقامك معه كأنك واقف بين يديه وهو إمامك وقدوتك ونبيك.
هل تجرؤ على إساءة الأدب بين يديه هل تجرؤ على معارضته ورد أمره. وعلى معارضة قوله. استحضر مقامك معه إذا سمعت قوله وسنته لا تتردد إذا سمعت أمر رسول الله في قبوله على الرأس والعين.
وإذا بلغتك سنته فلا تتلجلج ولا تتردد في الانقياد لها وفي الامتثال والطاعة أما إذا ترددت وتلجلجت وعارضت سنته وعارضت أمره بعقلك ورأيك وهواك، أما إذا فعلت ذلك فأنت على خطر عظيم توشك أن تحل بك قارعة أن تصيبك فتنة أو يصيبك عذاب أليم.
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [النور:63].
عاد سيدنا رسول الله مريضًا وكان المريض شيخًا كبيرًا في السن فرأى رسول الله عليه الحمى فقال له: ((لا بأس طهور إن شاء الله)).
فقال الشيخ المريض: بل حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور فقال النبي فنعم إذن فمات الرجل من ساعته(1)[1]. انظر كيف عوقب ذلك الشيخ البائس بمجرد مخالفة لفظية لكلام رسول الله ما أراد ذلك الشيخ البائس أن يرد كلام رسول الله ولا أن يعانده في دعائه لكنه أساء الأدب.
أساء في الجواب على سيدنا رسول الله وهو يدعو له بالشفاء والمغفرة فعوقب فورًا بهذه العقوبة بعد أن صدق النبي كلامه ولفظه فقال فنعم إذن سيصيبك ما قلت فمات من ساعته.
فكيف يكون حال من يسمع كلام رسول الله وتبلغه سنته ومع ذلك يردها ويعاندها يردها بعقله وعمله، يردها قولاً وعملاً ويعاندها قولاً وعملاً لقد كان أصحاب رسول الله إذا سمعوا أمر رسول الله أو علموا سنته لا يجاوزونها أبدًا، لا يتجاوزونها أبدًا بل يطرحون آراءهم ويتهمون عقولهم إذا هي عارضت أمر رسول الله يطرحون آراءهم وعقولهم وينقادون إلى سنة المصطفى كان لسنة المصطفى ولأمره هيبة ورهبة في صدورهم وما أعظم حرصهم على متابعته وعلى طاعته، روى أبو داود رضي الله عنه في سننه أن عمر بن الخطاب استفتاه رجل في مسألة فأفتاه عمر باجتهاده لم يكن بلغه فيها شيء عن رسول الله فأفتاه باجتهاده فقال الرجل: سألت رسول الله فأفتاني بغير ما قلت فقام عمر على الرجل بالضرة يضربه ضربًا شديدًا يقول له: لم تستفتِ في أمر أفتاك فيه رسول الله .
أفتاك رسول الله فكفاك لا تسأل عنه بعده أحدًا أبدًا بل تمتثل وتنقاد لأمره فأي قول يمكن أن يعارض قول رسول الله .
وكان أصحاب محمد وقافين عند كتاب الله وعند سنة رسول الله لا يتكلفون ما لا يعلمون، إذا علموا شيئًا عملوا به، وإذا خفي عليهم معنى شيء من كتاب الله أو من سنة رسول الله سمعوا وأطاعوا وانقادوا وقالوا آمنا به كل من عند ربنا لا يتكلفون ولا يتنطعون ولا يعارضون كلام الله ولا كلام رسوله بعقولهم ولا بآرائهم.
هذا أبو بكر الصديق لما خفي عليه معنى الأب في قوله تعالى: وفاكهة وأبًا قال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في القرآن برأيي.
فاتق الله يا مسلم وأحسن متابعتك لرسول الله فإنه لا يصلح دينك إلا بذلك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
إذا سمعتم الرجل يرد حديثًا صحيحًا ثابتًا عن رسول الله وهو يعلم ثبوته وصحته، يرده بعقله ورأيه فاتهموه في دينه فإنه المفر من الذي جرد المتابعة لسيدنا رسول الله لا يمكن أن ينصب من عقله القاصر الناقص حكمًا على سنة رسول الله . بل يتخذ كتاب الله وسنة رسوله حكمًا على عقله ورأيه وهواه وفي هذا العصر كثر الجهال كثرت رؤوس الجهال الذين اتخذهم كثيرٌ من الناس رؤوسا في العلم وهم قليلو البضاعة في العلم، قليلو البضاعة في سنة رسول الله فإذا سُئلوا أفتوا بغير علم وقالوا برأيهم ونطقوا عن عقولهم فضلوا وأضلوا وفي الآونة الأخيرة تكلم رجل من المعممين المشهورين كثيرًا، تكلم كثيرًا ورد كثيرًا من سنة المصطفى حتى قال معلقًا على حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان فيما أُنزل عشر رضعات يحرِّمن فنسخن إلى خمس رضعات(2)[1] قال ذلك المعمم الجاهل المشهور: هذا حديث باطل كيف يثبت التحريم بمجرد أن يرضع الطفل خمس مرات فلما قيل له: ويلك هذا حديث ثابت صحيح. رواه الإمام مسلم في صحيحه قال هذا حديث باطل ولو رواه الإمام مسلم في صحيحه فإني أرده لأن عقلي لا يقبله، ونطق بغير ذلك من الكلام الخطير الذي يجترئ فيه على سنن المصطفى فيحاكمها إلى عقله ويخضعها إلى رأيه وعقله.
ومع ذلك وجد من ينوه به وينشر كلامه في الجرائد والمجلات ويكرمه ويعطيه الجوائز دون أن يشعر بهذه الجريمة المنكرة التي غرق فيها هذا الجاهل المعمم إلى أذنيه.
جريمته أنه يرد سنن المصطفى ويخصصها إلى عقله ورأيه جعل من عقله الناقص المشوش حكمًا على سنة المصطفى .
وبكلامه هذا على هذا الحديث وغيره يكرس هذا المعمم الجاهل قاعدة تخريبية عظيمة الخطورة والضرر فإذا كان لكل أحد أن يرد سنة من سنن رسول الله أو حديثًا من حديث رسول الله لأن عقله لم يقبله ولم يقتنع به فماذا يبقى من سنن المصطفى وماذا يبقى من شرائع الإسلام. كل أمر يمكن أن يبطل سنة أو يبطل شريعة بحجة أن عقله يأباه ولا يقبله ولم يقتنع به. مع ما في كلامه على حديث أم المؤمنين عائشة من مغمز خطير لراوية الحديث نفسها الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة، ومع ما فيه من جرح خطير لإمام عظيم من أئمة المسلمين الثقات هو الإمام مسلم صاحب الصحيح.
وهذا الغمز وهذا الجرح شنشنة نعرفها من بعض الزنادقة والملحدين من الباطنيين، فالباطنيون هذا شأنهم يغمزون أصحاب رسول الله ويطعنون في أئمة المسلمين فلا ندري أيدري ذلك المعمم الجاهل بأن هذه النغمة نغمة باطنية، إن كان لا يدري فتلك مصيبة، وإن كان يدري فالمصيبة أعظم، فاتق الله يا مسلم وإياك إياك من أمثال هؤلاء لا تغتر بهم وإن روجوا لكلامهم في الصحف والمجلات وفي سائر المجلات والأجهزة الإعلامية لا تغتر بمثل هؤلاء ولو كانوا معممين مشهورين. العبرة في سنة المصطفى فكل من يخالفها يُضرب برأيه وعقله وقوله عرض الحائط.
ولقد حذرنا سيدنا وقدوتنا وإمامنا وحبيبنا محمد من أمثال هؤلاء في قوله: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا من صدور العلماء ولكنه ينتزعه بقبض العلماء فإذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا))(3)[2] وفي بعض الروايات: ((فسُئلوا فقالوا برأيهم فضلوا وأضلوا))(4)[3].
وقد حذر منهم أيضًا أصحاب رسول الله أشد التحذير فقال الفاروق عن بن الخطاب : (إن أهل الرأي أعداء السنن) أي الذين يتكلمون برأيهم وعقولهم بغير علم ولا بصيرة من سنة رسول الله ولا من كلام الله.
إن أهل الرأي أعداء السنن قد أعيتهم أن يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها فإذا سُئلوا استحيوا أن يقولوا لا نعلم قالوا برأيهم فضلوا وأضلوا فإياكم وإياهم وقال (السنة ما سنه الله وسنه رسول الله ، لا تجعلوا خطاء الرأي سنة للأمة) فرضى الله عن الفاروق عمر كأنما يرى بنظرة الثاقب عصرنا هذا وما فيه من البلايا هؤلاء الرؤوس الجهال الذين يتكلمون بغير علم ويصادمون بعقولهم المشوشة الناقصة سنة المصطفى .
لا أدري ماذا كان يفعل الفاروق عمر بهذا المعمم الجاهل لو سمعه يجترئ على حديث رسول الله بمثل هذا الأسلوب ماذا كان يفعل به لا شك عندي أنه كان سيعاقبه كما عاقب صبيغ السلمي بضربه بعراجين النخل على رأسه حتى يدمى ثم ينفيه ويمنع الناس من محادثته حتى يصير منبوذًا كالأجرب لا شك عندي أن الفاروق عمر سيفعل بهذا المعمم الجاهل هذه العقوبة التي أنزلها بصبيغ الأسلمي الذي كان يناقش الناس بمثل هذه المتشابهات.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة في التمسك بالكتاب والسنة ولو كنا قلة على ذلك.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان.
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56]. وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًا)).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىّ وعن آل بيتك الطيبين الطاهرين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

__________
(1) صحيح البخاري (5662) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) صحيح مسلم (1452)
(3) صحيح البخاري (100)، صحيح مسلم (2673) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(4) صحيح البخاري (7307) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(1/710)



الإحسان
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب, فقه
الآداب والحقوق العامة, المساجد
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
16/6/1418
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- فضل الإحسان. 2- مجالات الإحسان. 3- دور المسجد في الإسلام.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا إخوة الإيمان، الحديث النبوي المنبعث من مشكاة النبوة يحمل النفس المؤمنة على أن تعرف أسراره وتستضيء بأنواره وتستهدي بهديه...
روى عمر الفاروق قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا ُيرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، فجلس إلى النبي ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام. فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)). قال: صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال : فأخبرني عن الإيمان. قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)). قال: صدقت، فأخبرني عن الإحسان. قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)). قال : فأخبرني عن الساعة. قال: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)). قال: فأخبرني عن أماراتها. قال : ((أن تلد الأَمَة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رِعاء الشاء يتطاولون في البنيان)) ثم انطلق، فلبثت مليًا، ثم قال: يا عمر، أتدري من السائل قال: الله ورسوله أعلم. قال: ((فإنه جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم))) رواه مسلم(1)[1].
إخوة الإيمان:
تنشئة النفس المؤمنة وتربيتها على البر والتقوى، والعفة والأمانة، والخوف والمراقبة هي وحدها الطريقة العملية الممكنة لمعالجة الشر والانحراف لدى الفرد والمجتمع المسلم.
يشب الطفل على الخلق الكريم والنهج القويم إذا ما عُهِدَ بالتوجيه والتقويم، وينشأ شريرًا خطرًا على نفسه وعلى المجتمع إذا أهمل أمره وترك، وأعظم ما ينشأ الإنسان ويربى عليه هو مراقبة الله والخوف منه، وذلك هو
الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، إنه تعبير عجيب يحمل في اختصاره حقيقة هائلة وخلة مذهلة.
عباد الله :
الإسلام دين إحسان وإكرام وتكاتف وترابط وتعاون على البر والتقوى، بل وتجاوز وتسامح ما لم تنتهك حرمات الله، وقد أمر الله بالإحسان في غير ما آية من كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله : يقول جل وعلا:وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195] ويقول: وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص: 77]، ويقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ [النحل: 90].
وروى مسلم عن رسول الله أنه قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء)) (2)[2] ويرغب جل وعلا في الإحسان ويبين آثاره وجزاءه وعظم مردوده في أهله في الآجل والعاجل، لتتسارع النفوس الخيرة إليه، وتتسابق في طلب ما وعد الله به أهله في الآخرة، من درجات عالية ولذة دائمة ونعيم سرمدي، مع حفظ الله لهم ونصره على من ناوأهم أو خالفهم، لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [يونس:26]. وقال: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [النحل:128].
الإحسان ـ عباد الله ـ قاعدة عظيمة يقيم عليها الإسلام بناءه، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قاعدة يقيم عليها الإسلام نظمه كلها وتشريعاته وتوجيهاته، العابد في عبادته من صلاة وصيام وصدقة ونسك، بل القضاة في قضائهم، والتُجار في اقتصادهم، والساسة في سياستهم، والآباء والأولياء في أسرهم، فنظام المجتمعات بأسرها والحياة كلها، أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، تعبد الله بكل جارحة وكل خلجة بالظاهر والباطن بالسر والعلن، تعبد الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
والمسلم إذا عبد الله في عمله كأنه يراه، فإنه يستحضر قرب الله منه، ويوجب له الخشية والخوف منه والهيبة والتعظيم له، وذلك أفضل الإيمان، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث كنت)) رواه الطبراني(3)[3].
أيها المسلمون:
الإحسان الذي أمر الله به، هو ترك المنهيات خوف عقاب الله، وفعل ما يستطاع من المأمورات رجاء ثواب الله، خوف ورجاء.
مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والإحسان الذي أمر الله به إحسان المسلم إلى نفسه بتزكية النفس بطاعة الله، وتصفية وتنقية عقيدتها من شوائب الشرك والبدع والمحدثات، بل وحفظها وحمايتها مما قد يعرضها لسخط الله وأليم عقابه.
الإحسان الذي أمر الله به الإحسان إلى عباد الله كافة، سيما ذوي الضعف والفاقة والمسكنة والحاجة واليتم من المسلمين وفي مقدمة ذلك الإحسان إلى الوالدين وذوي القربى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الاسراء:23، 24]. ويقول جل وعلا: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إِسْرءيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83].
من الإحسان: الإحسان إلى كل ذي كبد رطبة، من حيوان وطير وغير ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: ((دخلت النار امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض)) رواه مسلم(4)[4]، وغفر الله لبغيٍّ من بني إسرائيل؛ لأنها سقت كلبا كاد يقتله العطش، كما قاله عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم(5)[5].
وإن من أعظم آثار الإحسان نفعا ،الإحسان إلى من ولاَّك الله أمره بسياستهم بكتاب الله وسنة رسوله ، مع البعد عن كل ما فيه حرج وعنت وإيغار للصدور وإهمال وظلم، وبهذا الإحسان يتحقق الخير والترابط والثناء والمحبة والولاء .
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
إن الإحسان كما فسره ينبغي أن يتجلى في الأمة بعامة، وفي كل شأن من شؤونها .
فالعابد في عبادته لله وصلاته في محرابه، يلتزم بالإحسان، فلا يعبد الله في العلن ويعصيه في السر.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فَاسْتَحْي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
والعالم المسلم هو أولى الناس بالإحسان، وأقرب الناس إلى الإحسان، وأكثر الناس دعوة إليه، فالعالم الرباني هو من تحقق فيه ذلك، فجمّل علمه بالعمل به، وطلب علمه رغبة بثواب الله ودرجاته العُلاَ والقرب منه، والزلفى لديه، قال سفيان الثوري رحمه الله : " إنما فُضِّل العلم لأنه يُتقى به الله وإلا كان كسائر الأشياء ".
وهكذا إحسان التاجر المسلم في تجارته واقتصاده، بالبعد عن المعاملات المحرمة وعن الغش والخديعة، ونشر السماحة والصدق .
الإحسان هو التزام الموظف في وظيفته بوقتها، وبحسن الاستقبال، وأداء الواجب على أكمل وجه.
الإحسان هو عدل الحاكم في حكومته، ونزاهة القاضي في محكمته، وهو البعد عن الظلم والجور.
الإحسان هو معاملة الناس بالحسنى والالتزام بالخلق الفاضل.
الإحسان هو أن يعاشر الزوجان بعضهما بالمعروف، ويحملها الإحسان على أن يصون كل منهما عرض الآخر في غيبته.
الإحسان تربية يغرسها الإسلام في أفراده ويوجهنا إلى غرسها فيمن حولنا ليبني كل واحد منهم حياته بنفسه، فيقوم بما أوجبه الله عليه ويترك ما نهاه الله عنه، غير معتمد على مدح الناس لعبادته ولطاعته أو على ذمهم عليه لإفراطه ومعصيته.
فالإحسان هو التربية الذاتية .
إن الإحسان كتبه الله عز وجل في كل شيء، وجميع العلوم والمعارف ترجع إليه وتدخل تحته، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، ولْيُرحْ ذبيحته)) رواه مسلم(6)[6].
فاتقوا الله أيها المسلمون وراقبوا ربكم، وتخلقوا بالإحسان تفلحوا، وتفوزوا بوعد الله لكم، أحسنوا في نفوسكم وفي أمتكم وفيمن تحت أيديكم وفيمن ائتمنتم عليه، إحسانًا متوجهًا به إلى الله سبحانه ومتبعًا فيه رسول الله ومبتعدًا فيه وبه عما يشوبُه أو يبطله من المن والأذى أو السمعة والرياء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ءاخِذِينَ مَا ءاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ [الذاريات:15-16].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . .

-------------------------
الخطبة الثانية
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون، المساجد هي بيوت الله عز وجل التي يرتادها الناس للصلاة خمس مرات في اليوم والليلة مقبلين على الله، رغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه، ولذلك يتوجب على أئمتها العناية والحرص على فائدة الناس فيها، وذلك من خلال إقامة الدروس المفيدة والنافعة فيها، حيث وردنا تعميم وزارة الأوقاف وإدارة المساجد حاثًا أئمة المساجد على إقامة الدروس النافعة ،وضرورة دعوة أهل العلم وطلبته لتذكير الناس ونفعهم، ولذلك نوصى أئمة المساجد بالاستمرار على ما تميزت به هذه البلاد ولله الحمد من عادة حميدة بالحديث بعد صلاة العصر وقبل العشاء الآخر بقراءة بعض الكتب المفيدة في الحديث النبوي وتفسير آيات الله عز وجل وكتب العقيدة والفقه المبسطة والسيرة وأشباهها من الكتب المفيدة، وأن نحافظ على ما يساعد الناس ويقوي دينهم في نفوسهم عبر هذه البرامج والدروس الدعوية المقامة في المساجد.
نسأل الله جل وعلا أن يوفق المسلمين لما فيه نفعهم وخيرهم.
وصلوا وسلموا يا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه...
__________
(1) صحيح مسلم ح (Cool ، وأخرجه أيضاً البخاري مختصراً ح (50).
(2) صحيح مسلم ح (1955).
(3) لم أجده في المطبوع ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/60) : رواه الطبراني في الأوسط والكبير ، وقال : تفرّد به عثمان بن كثير. قلت: ولم أرَ من ذكره بثقة ولا جرح)) ا هـ.
(4) صحيح مسلم ح (904) ، وأخرجه أيضاً البخاري ح (3482).
(5) صحيح مسلم ح (2245) ، وأخرجه أيضاً البخاري ح (3467).
(6) تقدم تخريجه قريباً.

(1/711)



السحر والسحرة (1) والمرأة
-----------------------
الأسرة والمجتمع, التوحيد
الشرك ووسائله, المرأة, نواقض الإسلام
-----------------------
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
2/5/1410
قباء
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
السحر , أثره , وصوره وحكمه في القرآن والسنة – من شُعَب السحر الاستعانة بالنجوم لمعرفة المُغَيبات ... – من لوازم الإيمان اللجوء إلى الله وحده – حكم من أتى كاهناً أو عرَّافاً - فضل المعوذتين وأثرها – خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ووصفها , والأسباب التي تُنكح المرأة لأجلها
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: قال الله تعالى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرًا [النساء:51-52].
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (الجبت هو السحر والطاغوت هو الشيطان) وقال جابر رضي الله عنه: (الطواغيت كُهّان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد) - أي في كل حي من أحياء العرب واحد من هؤلاء الكهان - وقال سبحانه وتعالى: ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق [البقرة:102]. أي لقد علمت اليهود الذين استبدلوا السحر بمتابعة الرسول فضلوا اتباع الوسائل الشيطانية كالسحر على متابعة المصطفى والإيمان به.
لقد علموا أن من فعل ذلك ما له في الآخرة من خلاق أي ما له في الآخرة من نصيب وقد ثبت في القرآن أن السحر علم يتعلمه من لا خلاق له في الآخرة فيكفر بتعلمه وتطبيقه واستعماله، ويؤثر في الإنسان المسحور، إما بالتفريق بينه وبين زوجه، أو بقتله أو بإلحاق غير ذلك من أنواع الأذى به، ولا يستطيعون أن يفعلوا ذلك إلا بإذن الله، إلا إذا كان الله قد كتب ذلك على الإنسان المسحور وقدره، قال تعالى: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله [البقرة:102].
فدلت هذه الآية على أن تعلم السحر واستعماله كفر، وهذا هو مذهب أكثر الأئمة ولهذا فإن عقوبة الساحر أو الكاهن عندهم هو القتل وهذا هو مذهب الصحابة. فقد ثبت عن جندب رضي الله عنه أنه قال، حد الساحر ضربة بالسيف. وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى ولاته وأمرائه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، وقد قتلوا الصحابة ما وجدوا من السحرة والساحرات ثبت ذلك من فعلهم رضوان الله عليهم أجمعين.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله : ((اجتنبوا السبع الموبقات - أي السبع المهلكات - الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات))(1)[1].
فالسحر من السبع الموبقات وقد أورده رسول الله في هذا الحديث بعد الشرك بالله ومن السحر العيافة وهو زجر الطير، ومن السحر الطرق وهو الضرب على الرمل أو الحصى أو الخبط في الأرض.
ومن بعض شعب السحر الاستعانة بالنجوم لمعرفة المغيبات أو التأثيرات على الناس، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله : ((من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك من تعلق شيئًا وُكل إليه))(2)[2].
يا أيها المؤمن الموحد تعلم أن من لوازم الإيمان وواجبات التوحيد أن يكون لجوؤك دائمًا لله وحده، تستعيذ به وبكلماته التامات حتى إذا مسك ضر.
أما ما يصفه الجهال من اللجوء إلى السحرة والكهان والعرافين فهذا مثل صنيع اليهود الذين يؤمنون بالجبت والطاغوت، وقد علمنا أن الجبت هو السحر والطاغوت هو الكاهن والساحر، بل كل من زعم أنه يخبر بالمغيبات بمقدمات ووسائل يتخذها كل من عقد عقدة فنفث فيها، كل من خط خطًا في الأرض أو ضرب على الرمل أو الحصى، كل من زعم أنه يرشد عن السارق أو عن مكان المسروق.
وكل من استعان بالنجوم على معرفة المغيبات والتأثيرات وزعم ذلك.
وكل من استعان بالجن والشياطين على شيء من ذلك كل هؤلاء طواغيت سحرة وكهان ومن أتاهم من المسلمين ولجأ إليهم وصدقهم بما يقول فقد أتى جرمًا عظيمًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله : ((من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد ))(3)[3].
وروى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي وهي حفصة أن النبي قال: ((من أتى عرافًا - والعراف هو الساحر أو الكاهن أو المنجم أو الذي يضرب على الرمل أو يخط في الأرض - فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يومًا))(4)[4].
لماذا يلجأ بعض الناس إلى الكهان والسحرة، لماذا ينسون ربهم ويلجأون إلى الطواغيت وقد أنزل الرحيم الرحمن لهم الشفاء والدواء من مسه ضر فليس هناك من شفاء أحسن ودواء أفضل من أن يقرأ المعوذتين: قل أعوذ برب الفلق [الفلق:1]. قل أعوذ برب الناس [الناس:1].
بأن يقرأ المعوذتين ثلاثًا ثم ينفخ في كفيه ثم يمسح بهما جسده أو يقرأ على نفسه الفاتحة أو آية الكرسي أو يرقيه بهما غيره، أو يقرأ غير ذلك من آيات القرآن الكريم فالقرآن كله شفاء أو ما ثبت من أدعية المصطفى .
المؤمن الموحد إذا مسه ضر يلجأ إلى ربه عز وجل يستعيذ به وبكلماته التامات بقرآنه الذي أنزله شفاءً وهدى ورحمة للمؤمنين.
المؤمن الموحد يتيقن من أن أولئك ا



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 10:54
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **




الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه أجمعين.
قال الرسول : ((الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)) رواه مسلم(5)[1] وروى أحمد في مسنده أنه : ((من سعادة بن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقوة بن آدم المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء)).
فيا أيها المسلم يا أيها الشاب المسلم اغتنم هذه النعمة العظمى وابحث عن هذه المتعة الكبرى خير متاع الدنيا مصدر سعادتك كما أخبرك بذلك الصادق الأمين المبلغ عن رب العالمين الرءوف الرحيم بأمته .
المرأة الصالحة وأوصافها إنها التي إذا نظرت إليها سرتك وإن أمرتها أطاعتك وإن غبت عنها حفظتك في نفسها وفي مالك.
وليس معنى قوله: (إذا نظرت إليها سرّتك) أنها من أجمل النساء لا يلزم ذلك وإنما معناه أنها من فقهها ومعرفتها بحق الزوج تتجمل وتتزين له دائمًا فلا يقع نظره إليها دائمًا إلا وهي في أحسن هيئة، حتى ولو كانت قليلة الحظ من الجمال فاغتنم أيها الشاب المسلم المرأة الصالحة اظفر بذات الدين تربت يداك.
كما أمرك بذلك سيدنا ونبينا محمد حينما قال: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك))(6)[2] فذات الدين المرأة الصالحة التي تعلمت دينها وعرفت حقوق ربها وعرفت حق زوجها هذه خير متاع الدنيا هذه مصدر السعادة، هذه المرأة الصالحة ذات الدين قدرها عند الله عظيم، مكانتها عند الله عظيمة وأجرها عند الله عظيم.
فعن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله : ((إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئتِ))(7)[3]. فهذه المرأة الصالحة اظفر بها أيها الشاب المسلم وابحث عنها وأنتِ أيتها المسلمة اقبلي بصاحب الدين والأمانة والخلق الحسن فإن أمر النبي المصطفى حينما قال فاظفر بذات الدين تربت يداك يشملك أنت أيضًا فإذا تقدم ذو الدين صاحب الديانة والأمانة والخلق الحسن فاقبلي به واظفري به ولا تغتري بصاحب المال والثراء ولا الحسب والنسب ولا الجاه والوسامة إذا كان ضعيف الديانة والأمانة خبيث الأخلاق لا تغتري به أبدًا فإنه ليس لك إنه خراب ودمار وفساد وإفساد، إنه ليس لك أبدًا لا يصلح لكِ أبدًا إن كنتِ طيبةً وصاحبة دين وطاعة للرحمن الرحيم، فالخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة ومنهج الصحابة الأخيار رضوان الله عليهم أجمعين.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان.
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56].
وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ))(Cool[4]
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىَّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

__________
(1) صحيح البخاري (2767) ، صحيح مسلم (89) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) سنن النسائي (4079).
(3) مسند أحمد (2/429).
(4) صحيح مسلم (2230).
(5) صحيح مسلم (1467) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(6) صحيح البخاري (5090) ، صحيح مسلم (1466) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(7) مسند أحمد(1/191).
(Cool صحيح مسلم (408) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(1/712)



كوسوفا الجريحة
-----------------------
العلم والدعوة والجهاد
المسلمون في العالم
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
23/12/1419
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- كوسوفا بينت عظيم حقد النصارى على المسلمين. 2- تعريف بإقليم كوسوفا. 3- كوسوفا تحت جحيم الشيوعية ثم النصرانية. 4- حرمة دم المسلم عند الله. 5- صور من العدوان الهمجي الصربي. 6- مأساة لاجئي كوسوفا. 7- دعوة لمساندة مسلمي كوسوفا.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد :
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه .
أحل الكفر بالإسلام ضيماً يطول عليه للدين النحيب
فحق ضائع وحمى مباح وسيف قاطع ودم صبيب
وكم من مسلٍم أمسى سليبًا ومسلمة لها حرم
وكم من مسجد جعلوه ديرا على محرابه نصب الصليب
أتسبى المسلمات بكل وثغر وعيش المسلمين إذاً يطيب
في مرور الأيام وتعاقب الأعوام وتراكم الأحداث يزداد سجل التاريخ صفحات إثر صفحات وهنا يحسن التأمل ويلزم التدبر وتتكاثر نكبات الأمة ، وتتوالى عليها الأحداث والغير ، وتتفتق فيها الجروح ، ولعمر الحق إنه لمظهر من مظاهر الهوان في كثير من أجزائها وأرجائها ، ولا تزال الأمة تبتلى بأحداث وقضايا حتى ينُسى آخرها أولها ، ويغطي حديثها على قديمها ، وأذل العدو مَّنا جباهًا وتلاشى من راحتينا الحديد، فإلى صفحات مكلومة نستذكر فيها
كوسوفا الجريحة ، كوسوفا التي فضحت النصرانية وحقد أهلها ومقدار ما استودعوا من وحشية وهمجية في عصرنا الحديث ، كوسوفا التي بكت أهلها من هاجر أو قتُل أو شُرَّد ، كوسوفا التي بينت ضعف أمة الإسلام وكيف باع المسلمون بدولهم وأنظمتهم وثراوتهم أذلاء لا يستطيعون نصرة إخوانهم أو مد يد العون إلا بعد أن يؤذن لهم .
كوسوفا التي وضّحت لنا كم تغلي قلوب الأعداء حقدا علينا وكم يعضون الأنامل غيظا يريدون قطع دابر ديننا كي تغور القوى ، ويتبع الهوى ، وتعم البلوى ، يريدون ألا يعز إسلام ولا يقوى يقين وألا يتم تمكين ، يصرون بحربهم أو قصفهم على تمزيق أهل الإسلام قطعانا في بقاع الأرض لا مرعى يجود ، ولا راع يذود ، ولا دولة تؤوي ، كوسوفا التي أبانت عوار منظمات ما يسمى بحقوق الإنسان حيث يعامل أهلها كما يعامل الأرقاء ، ولا ينالون حقوقهم إلا بطريق الاستجداء ، ولا يظهرون إلا بصورة التشريد والإيذاء .
إنها كوسوفا الجريحة التي تأثرت بكل ذلك ولازالت تتأثر . . .
عباد الله :
إقليم كوسوفا بمساحته التي تزيد عن عشرة آلاف كيلو متر مربع، يسكنه أكثر من مليوني إنسان نسبة المسلمين منهم ثلاثة وتسعين بالمائة، ويشتمل على عدد من الثروات المهمة مما جعله مطمعا للغاصبين ، وسكانه من الألبان القدماء في هذه المنطقة ،أما الصرب فهم ممن استقدم إلى أوربا الشرقية .
وقد حصلت في كوسوفا معركة شهيرة عام ألف وثلاثمائة وتسعة وثمانين ميلادية بين المسلمين العثمانيين وبين النصارى الصرب انتصر فيها المسلمون انتصارا حاسما، وخلّصت هذه المعركة الألبان من حكم الصرب ، ولا زال الصرب يتذكرون هذه المعركة حيث أحيوا قبل عشر سنين ذكراها بأن أعلن رئيس الصرب بهذه المناسبة إلغاء الحكم الذاتي لمسلمي كوسوفا، وقال كلمته المشهورة "معركة كوسوفا بدأت قبل ستة قرون وانتهت اليوم ونحن مستعدون بأن نضحي بثلاثمائة ألف مقاتل وصربي لاستئصال الإسلام من سراييفوا إلى مكة" ومنذ ذلك الوقت بدأت الأزمة حتى اشتد أوارها في أيامنا الحالية بالرغم من النداءات التي كان يوجهها مسلمو كوسوفا إلى إخوانهم المسلمين إبان حرب البوسنة والهرسك بأن الدائرة ستدور عليهم فلم يع المسلمون ذلك إلا بعد اشتداد الأزمة .
إخوة الإيمان :
لم يكتف الصرب أخزاهم الله بما لاقاه المسلمون خلال ثمانين عاما من الحكم الشيوعي في يوغسلافيا من اضطهاد للحريات وسلب للكرامات وإلغاء لكل معالم الدين فقاموا بعد سقوط شيوعيتهم بإحياء دور الكنيسة في حربهم ضد المسلمين يدعمهم بذلك رهبان كنسائهم بجعل هذه الحرب حربا عقائدية وتطهيرية ونشرا لدينهم الفاسد فقامت حرب الإبادة في كوسوفا بشتى صورها وإليكم بعضا منها حسب آخر التقارير التي نقلتها عدد من المنظمات الإسلامية القليلة التي بدأت العمل هناك .
أيها الأخوة المؤمنون:
يقول رسول الله : ((لأن تهدم الكعبة حجرا حجرا أهون على لله من أن يراق دم امرئ مسلم )) . وفي رواية ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)) . رواه الترمذي والنسائي وحسنه الألباني. بالرغم من غلاء دم المسلم فإن المجازر باتت تقام للمسلمين في كل مكان وأصبح الدم المسلم رخيصا لا يقام لإراقته وزن، وتفيد آخر التقارير من داخل كوسوفا أن القتلى من المسلمين بالآلاف وأن الانتهاكات الإنسانية على أشدها داخل المدن المحاصرة، فهناك مِن المسلمين منَ يحرقون أحياء أمام ذويهم كما حصل ذلك منذ أسبوع في مدينة بيجا، ويشتد الوضع سوءا حيث أعدم بصورة بشعة ثلاثون مسلما في محافظة سوهارت، كما تم إعدام عشرين أستاذا أمام طلابهم في قرية جودن على الحدود بين ألبانيا وكوسوفا كما تم جمع عشرين ألفا من الرجال والنساء والأطفال من قرية قيرز وَوُضِعُوا في معسكر كامل محاصر من الدبابات والميليشيات الصربية حيث لا طعام ولا دواء ولا كساء أما بقية القرى والمدن فهي تعيش تحت وابل جيكوفا التي لا يستطيع أحد دخولها، يذكر شهود العيان الخارجين من حجيمها أن الجثث متناثرة في الشوارع، أما المساجد فقد تم تدمير عدد منها من خلال المدن المذكورة هذا عدا عن الاغتصاب للنساء الذي أصبح سمة للصرب في تعاملهم مع نساء المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله ويكفي أيها الأخوة المؤمنون أن نتذكر ما كان للمسلمين في البوسنة حتى نتخيل ما يمكن حدوثه لمسلمي كوسوفا ولنسائهم الحرائر كل ذلك بسبب أنهم مسلمون .
وطفلة ما رأتها الشمس إذ برزت كأنما هي ياقوت ومرجاُن
يقودها العَلْجُ للمكروه كارهة ً والعين دامعة والقلب حيرانُ
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمانُ
أما الفتيات اللاتي يقبعن في معسكرات الاعتقال فقد تجازون الألف في عدد من معسكرات الاعتقال الصربية التي تشتمل كذلك على عدد من الرجال والأسر من المسلمين ويجعلون كدروع بشرية أمام القذائف عدا ما يتعرضون له من جوع وهلاك حتى بان ذلك في أجسامهم وهم يعيشون مآساة دامية ونكبة فاجعة حلت بهم، وهم أقوام عزل حرموا في كل شيئ حتى الدفاع عن أنفسهم ،إنها مأساة رفع فيها الظلم والاضطهاد أعلامه وراجت فيها سوق المجازر الجماعية ، حدثوني عن أتباع دين أهينوا مثل هذه الإهانات حدثوني عن أمة ترى وتسمع ذلك ثم لا نرى منها سوى التنديد المتأخر ، حدثوني عن القوى الهائلة والثروات المعطلة والقنوات الفضائية العربية التي أصبحت جميعها مسخرة للرياضة والفن ومحجوبة أو مشوهة في عرض أحوال المسلمين ، إن أحد خلفاء المسلمين هب ومعه جيش عرمرم لنصرة امرأة صرخت وا معتصماه :
ولكن رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا الُيتَِّم
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
أيها المسلمون :
صفحتنا الأخرى عن كوسوفا الجريحة تتعلق بمظهر آخر من مظاهر الأزمة ووجه كالح أسفرت عنه الأزمة وهو تهجير النساء والأطفال والشيوخ بالقوة من ديارهم ومنازلهم وبسرعة عظيمة حتى قاربوا المليون لاجئ خلال أسبوعين ، ولا شك أن صعوبة عودة هؤلاء إلى ديارهم تتضح لنا حين نرى ما حل بلاجئي البوسنة الذين لم يعد أكثرهم إلى مواقعهم الأصلية حتى اليوم ، إن مصيبة بلاجئي كوسوفا هي بحد ذاتها عظيمة بل قد يكون وضعهم ومصيرهم أسوأ حالا وأشد ضررا مما هو في داخل كوسوفا ، وكأنه التهجير أصبح هدفا يسعى إليه النصارى بغربهم وشرقهم لتفريق هذه الجموع المسلمة في أوربا يقول تعالى لا يألونكم خبالا ودُّوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر .[آل عمران: 118]
إن هؤلاء اللاجئين من مسلمي كوسوفا الذين تعرضوا لكل بلاء على أيدي الصرب قد وقعوا ضحايا للجوع والعطش ، وفريسة للأمراض التي لا تجد لها رفعا ولا دفعا ، فلا مأوى يأوون إليه فيتقون به البرد القارس ، يهيمون في كل واد ينتظرون الموت، عزل من كل شيء فراشهم، أرض ملأى بالثلوج ولحافهم السماء ، فإلى الله نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس ، كيف أصبح اللجوء واليتم سمة للمسلمين تميزهم عن غيرهم في بقاع العالم ، تراهم يقتسمون أرغفة الخبز جوعى ، تستقبلهم منظمات كافرة ترحلهم إلى بلدانها لتغريبهم وتغيير دينهم أو تقليله في نفوسهم .
تمزقهم نيوب الجوع حتى يكاد الشيخ يعثر بالعيال
يشدون البطون على ضواء ويقتسمون أرغفة الخيال
وناموا في العراء بلا غطاء وساروا في العراء بلا فعال
كأن البيد تلفظهم فتجري بهم بيد إلى بيد خوالي
وليت جراحهم في الجسم لكن جراح النفس أفتك بالرجال
وقبل الجوع تنهشهم أياد من الأفرنج دامية النصال
أين أنتم إخوتي من صورة الأطفال الذي يحملون من معسكرات اللاجئين على وجوههم الحيرة وفي أعينهم الذهول بعد أن فقدوا أو أضاعوا آباءهم ، صورة ترجف بالفؤاد ، وتفت الأكباد صورة رأيناها لذلك الأب المسلم والدمع يتقار من عينيه وهو يحيل الدمع عن محاجرها ، يقبل أطفاله قبلات الوداع ، أما إلى أين سيذهبون ، متى سيلتقون وماذا سيواجهون ، فهذا ما لا نعلمه ولا يعلمه هو ، ترى أطفالهم خلف زجاج الحافلات منقولين إلى بلدان لا يعرفون فيها إسلامهم الذي ولدوا عليه، بل يعيش بعضهم في مراكز التنصير والكنائس حيث يودعون فيها دينهم وإسلامهم الذي نشأوا عليه .
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم عليهم من ثياب الذل ألوان
ولو رأيت بكاهم عند جمعهم لهالك الأمر واستهوتك أحزان
يا رب أم وطفل حيل بينهما كما تفرق أرواح وأبدان
أيها الأخوة :
هذه هي القضية ، وذلكم هو وضعها وأخواتها مثلها ، إن القضية ليست غامضة ولا ملتوية ، وما هي بالمستعصية الفهم أو الشائكة ، لكنها تحتاج إلى شيء من الفهم القرآني ، والإلمام بطبائع الأشياء واستعراض النواميس الإلاهية والسنن الأزلية .
إن إزالة أسباب الخذلان والهوان أهم وأولى من إزالة آثار العدوان ، وهذا الطغيان لن يوقفه إلا الإسلام، وان مَيْل الميزان لا يعدله إلا القرآن ، الحل بيّن والحق واضح ، إنه صراع عقائد ، ومعركة مع من كفر بالله واتخذ له صاحبة وولدا تعلى الله عما يقولون علوا كبيرا ، إنه حكم قرآني لا تشوبه شهوات ولا شبهات ، حقائق اليقين من رب العالمين ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم .[البقرة: 120] خطاب قرآني يخاطب المسلم في وجدانه وعقله ولا يزالون يقاتلونكم حتى يرودكم عن دينكم إن استطاعوا معهم ومع يهود معركة حياة ومصير يتقرر بها وجود أو عدم انتصار أو اندثار يقول عن معركتنا جل وعلا كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين ،[المائدة: 64] ولنستيقن إخوتي أن كل ما نراه من مصاعب تحل بعالمنا الإسلامي إنماهي بإذن الله إرهاصات لنمو إسلامي متكامل، يشمل الحياة كلها وألا يدخل اليأس في قلوبنا، فوعد الله عز وجل بالنصر والتمكين متحقق بإذن الله بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وأهله وذلا يذل الله به الشرك وأهله ونسأل الله جل وعلا أن يعجل بالنصر لإخواننا المسلمين في كوسوفا .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز .[الحج:40]
بارك الله لي ولكم . . .
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد :
فيا عباد الله : اتقوا الله تعالى واعلموا أن مشاركتنا لإخواننا المسلمين في كوسوفا مطلوبة ومهمة وآداءً لواجب النصرة ، إنها مشاركة مبعثها الاهتمام بأمور المسلمين.
والشعور بالأخوة الإيمانية المبنية على لحمة الدين والإسلام، المتجاوزة حدود اللون والجنس والوطن ، إننا نطالب كل مسلم بالمشاركة الوجدانية ، ومشاركتهم مشاعره وعواطفه إنك مطالب ، أخي المؤمن ، أن تشعر بالجسد الواحد ، أن تحس بجوعهم وهم جوعى ، وبفقرهم وهم حفاة عراة ، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، فياليت شعري هل رأيت المرأة العجوز وهي تسعى لاهثة هربا من القذائف الصربية حتى تصل إلى الحدود وإذا بها بدلا من أن تلتقط أنفاسها تلفظ آخر أنفاسها ، بعد أن بلغت رسالتها للمسلمين الغافلين عن قضيتها غير عابئين بصرختها لأنهم لاهثون خلف كرة يشجعونها أو فن رخيص يطربون له ،ترى هل تتذكر المرأة المسلمة وهي تعيش في كنف زوج وتهنأ بالسعادة والراحة ، هل تذكرت كم من امرأة توالت عليها المحن وفقدت عشيرتها بعد أن كانت تحت كنف زوج عطوف بل تَضْحَي بيد الكافر رهينة وقد هتك بالرغم عنها سترها .
وأنت أخي المؤمن ، حين تنظر إلى أطفالك تذكر أطفالهم فكم من يتيم ينشد عطف الأبوة الحانية ، ويلتمس حنان الأم الرؤم ، يرنوا إلى من يمسح رأسه ويخفف بؤسه
كيف لو أبصرت طفلا لم يذق منذ رأى دنياه طعما للحنان
لم يذق إلا الأسى المر ولم يسمع سوى ، صوت الطعان يا ابنتي قولي معي : أيها العالم سحقا حينما تغدو حياة الناس مَيْدُان رهِان
حينما يفتقد الطفل الحنان
نريد الشعور بالجسد الواحد الذي أخبر عنه الذي إذا اشتكى منه عضٌو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ، إن دمعة من عينيك ، وزفرة من صدرك لهي دليل صدق الانتساب لهذا الدين بل هي عبادة تؤجر عليها ، ثم إكمالا لذلك يتحول هذا الهم وهذه المشاعر إلى بذل المستطاع في نصرتهم والوقوف معهم يقول عليه الصلاة والسلام ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة )) ، رواه مسلم وقال : ((أحب الناس إلى الله أنفعهم ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه َدْينا ، أو تطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام )) رواه الطبراني وصححه الألباني ، فهلا مددنا أيدينا إخوتي بالدعم المادي والمعنوي لإخواننا المسلمين في كوسوفا حيث يستقبل مكتب هيئة الإغاثْة الإسلامية التبرعات لهم، كما أننا ندعوكم هذا اليوم لبذل اليد بالمال لإخوانكم في مسلمي كوسوفا ونستقبل تبرعاتكم لهم بعد الصلاة على يد بعض إخوانكم وستصل هذه التبرعات إليهم عبر شباب من هذا البلد في أسرع وقت بإذن الله ، وعليكم بالدعاء والابتهال إلى الله برفع البلاء وكشف اللأواء عنهم ، اللهم أنت المستعان وبك المستغاث وعليكم التكلاف ولا حول ولا قوة إلا بك ، اللهم يا كاشف الخطوب ويا مفرج الكروب ويا من يجب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء نسألك لإخواننا في كوسوفا النصر والإعانة ، اللهم كن لهم ناصرا يوم قل الناصر ، ربنا من يسمع بكاء الأطفال إلا أنت ومن يجيب نداء النساء إلا أنت ، اللهم اجعل لهم مما هم فيه مخرجا وفرجا ، اللهم نفس كربهم ، ويسر أمرهم ، وفرج همهم واخذل عداءهم إنك سميع مجيب اللهم اجعل بذل المسلمين اليوم درعا ووقاء لهم من عذاب جهنم واجعله نصرة لإخواننا المسلمين ورفعة لهم وكشفا لكربتهم بفضلك يا أرحم الراحمين استغاثة.
سبحانك ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

(1/713)



السحر والسحرة (2) وبشارات للمرأة الصالحة
-----------------------
الأسرة والمجتمع, التوحيد
الشرك ووسائله, المرأة, نواقض الإسلام
-----------------------
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
9/5/1410
قباء
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
وجوب تعلق قلب المؤمن بالله وحده – الإنسان يتعلق قلبه بالسحرة والكهنة وأمثالهم عند ضعف إيمانه – حقيقة السحرة والدجالين , ومن السحر المذموم ما يفعله أرباب البلاغة والبيان من قلب الباطل حقاً , من أصحاب الأدب الهدَّام والإعلام الخبيث – سبيل النجاة من الدجالين وأمثالهم – بشارتان للمرأة الصالحة : 1- أسباب دخول المرأة الجنة كما في الحديث 2- جهاد المرأة وشهادتها , وقيامها بتربية أولادها ورعاية بيتها وفضل ذلك
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: قال الله تعالى: أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام [الزمر: 36-37].
إن المؤمن الموحد يكون قلبه دائمًا متعلقًا بالله ربه وإلهه وسيده ومولاه الذي هو رب كل شيء ومليكه ولأجل ذلك فإنه سبحانه وتعالى يكفيه ويحفظه ويتولاه، فمن تولاه الله هل يخاف من دونه، من تولاه الله الإله العظيم القادر الذي بيده تصريف الأمور بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير. من تولاه الله هل يخاف ممن دونه، ألا يكفيه أن الله عز وجل يحميه ويرعاه: "أليس الله بكاف عبده" ولكن الإنسان إذا ضعف إيمانه وانطمست بصيرته فإنه يتوجه قلبه ويتعلق قلبه بمن دون الله.
يتعلق قلبه بالسحرة والكهنة والمنجمين لما يرى من جريان بعض الأمور على أيديهم مما يظنه من الخوارق، وحقيقة أمر هؤلاء أنهم يستعينون بشياطين الجن فيتراكب هؤلاء أي يركب بعضهم على كتف بعض حتى يسترقوا السمع من السماء فإذا سمع الشيطان خبرًا من السماء ألقاه إلى الكاهن فيضيف إليه الكاهن مائة كذبة ولكن الناس يصدقونه بسبب ذلك الخبر ولا يكذبونه بالمائة كذبة.
ولقد كان هذا الأمر مستفحلاً في الجاهلية. كان في كل حي من أحياء العرب كاهن كما أخبر بذلك جابر رضي الله عنه.
ثم ببعثة خاتم النبيين محمد حُرست السماء مُلئت حرسًا شديدًا وشهبًا تكريمًا لبعثة رسول الله ، فبعد ذلك قل من يسترق السمع من شياطين الجن، وإذا استرقوا السمع فقل من يسلم منه من الشهاب الثاقب.
لكن قد يسلم بعضهم فيلقي بالخبر إلى الكاهن ولذلك لا نزال نجد اليوم كهنة وسحرة ومنجمين يخبرون ببعض المغيبات ولكن المؤمن مأمور بألا يصدقهم فيما يخبرون ولا يعول عليهم فيما يقولون إنهم إذا صدقوا مرة يكذبون مائة مرة.
كما أخبر بذلك الصادق الأمين فكيف يصدقهم بعد ذلك مؤمن موحد كيف يعول على أقوالهم وأخبارهم ونصائحهم وبعض أرباب البلاغة والبيان مثل هؤلاء السحرة والكهنة والمنجمين.
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن من البيان لسحرًا))(1)[1] هذا ذم من النبي لبعض أنواع البيان. هذا البعض الذي تزيف فيه الأمور ويقلب فيه الحق باطلاً والباطل حقًا ليس هذا مدحًا كما تخيله بعض الناس.
كيف يكون مدحًا وقد شبهه الرسول بشيء محرم مذموم شبهه بالسحر والسحر أمر محرم مذموم، والمشبه تبع للمشبه به.
ثم إن سبب هذا الحديث أن رجلين من المشركين من أهل المشرق قدما إلى النبي فوقف كل منهما بين يديه خطيبًا يخطب بين يدي النبي فإذا خطب مشرك ماذا سيصدر منه إلا الفخر والخيلاء والباطل.
ولكن أُعجب السامعون بفصاحتهما فقال النبي قولته هذه: ((إن من البيان لسحرًا)) فهل يكون بذلك قد مدح الباطل الذي صدر من هذين المشركين.
كلاّ وألف كلاّ إنما أراد النبي أن ينبه السامعين الذين أعجبوا بفصاحة هذين الشاعرين المشركين إلى أن هذا البيان هو من أنواع البيان الذي يشبه السحر في قلبه للحقائق وتزييفه للأمور.
السحر يزيف الأمور ويقلب الحقائق ولكنه لا يغيرها هو أعجز من أن يغير حقائق الأشياء إنما يخيل للناس أنها تغيرت، يخيل إليهم الشيء الذي لا حقيقة له ويخيل إليهم تغيير حقيقة الشيء وهو لم يتغير، فسحرة فرعون حبالهم وعصيهم لم تنقلب إلى أفاعي وثعابين تسعى لم تتغير حقائقها بقيت حبالاً وعصيًا ولكن خيل للناس الحاضرين يومئذ ومنهم موسى عليه السلام أنها كذلك، أثر السحرة في أعينهم وفي مخيلاتهم. قال تعالى: فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى [طه:66] "يخيل إليه" أي إلى موسى فكيف بغيره، يخيل إليه أنها تسعى وليس كذلك هذا هو معنى قول "يخيل إليه" أي أن حقائق تلك الأشياء لم تتغير بفعل سحر السحرة فإن الساحر لا يفلح حيث أتى.
كذلك بعض أنواع البيان الذي يعني أصحابه بتنميقه وتذويقه وترتيبه وزخرفته يزيفون به الأمور ويحاولون قلب الحقائق والتأثير على السامعين.
ماذا يصنع الأدب الهدام في عصرنا الحديث غير هذا، القصص الهدامة وقد امتلأت بها الأشواق، الشعر الهدام وقد زودت به صفحات الجرائد والمجلات والدواوين ماذا يفعل الأدب الهدام الحديث غير هذا، ماذا يفعل الإعلام في العصر الحديث غير هذا. كثير من الناس يستمعون إلى بعض الإذاعات الأجنبية ويصدقونها ويصدقون أخبارها ويعجبون ببرامجها لأنها صدقت مرة، أو صدقت في بعض المرات يصدقونها من أجل ذلك ويعقلون عن المائة كذبة بل عن مئات الأكاذيب التي تدسها تلك الإذاعات الأجنبية.
فدسها بمهارة وإتقان ومكر وخبث للتأثير على السامعين لتزييف الأمور وقلب الحقائق على السامعين. بعض الإذاعات الأجنبية لا تسمي المجاهدين في أفغانستان مجاهدين، إن أعدائنا يحرصون على أن ينسى المسلمون حتى اسم الجهاد واسم المجاهدين فلذلك تحرص تلك الإذاعة الأجنبية على أن تسمي المجاهدين في أفغانستان المناوئين للحكومة الأفغانية.
وفي هذا الوصف ما فيه من الإيحاءات الخفية إنه نفث كنفث الكهنة والسحرة والمنجمين، فيه ما فيه من الإيحاءات الخبيثة التي يريدون أن يدسوها في نفوس السامعين يؤثرون على نفوس السامعين بمثل هذه الأساليب الماكرة الخبيثة.
فيا أيها المؤمن الموحد ليكن إيمانك عاصمًا لك من الوقوع في شباك هؤلاء وأولئك اقرأ كتاب الله عز وجل وافهم معانيه وتعلم سنن المصطفى وتفقه في أمور دينك يحميك الله ويكفيك من كل هؤلاء الطواغيت طواغيت الكهان وطواغيت البيان، سماسرة الأدب الهدام ودهاقنة الإعلام الهدام لا تصدق طواغيت الكهان ولا تصدق طواغيت البيان.
كيف تصدقهم وهم إن صدقوا مرة يكذبون مائة مرة.
كيف تصدقهم وهم أعداؤك، أعداء الإيمان الذي في قلبك أعداء هذا الدين الذي جاء به نبيك سيدنا محمد .
إنهم أعداء المصطفى يقول الرب عز وجل: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون [الأنعام:112].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فقد ذكرنا في الجمعة الماضية البشارة للمسلمات الصالحات بشارة النبي وهي قوله فيما رواه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : ((إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئتِ))(2)[1] صدق النبي .
فهذه الأمور الأربعة إذا أفلحت المرأة المسلمة في المحافظة عليها وأفلحت في أدائها أفلحت في جميع أمورها وسائر حياتها لم يذكر النبي من الفرائض إلا هاتين الفريضتين الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وليس معنى ذلك أن باقي الفرائض لا تدخل في ذلك إنما نص النبي على الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان لأن هاتين الفريضتين تجبان على جميع النساء يشترك فيهما سائر النساء مع الرجال بخلاف الزكاة مثلاً فهي إن كانت مفروضة على الرجل والمرأة إلا أنها لا تجب إلا على من ملكت مالاً بلغ النصاب وحال عليه الحول.
والحج والعمرة وإن كانا واجبين إلا أنهما لا يلزمان المرأة إلا إذا قدرت على نفقتها ووجدت محرمًا يسافر معها. ولذلك اكتفى الرسول بذكر تلك الفريضتين الواجبتين على سائر النساء.
فإذا أدت المرأة المسلمة الصلوات الخمس ولم تضيعهن وصامت شهر رمضان ولم تضيع هذه الفريضة، وإذا بالغت في أسباب العفاف وصانت نفسها ليس عن الزنا والفواحش فحسب بل حتى عن أسبابها ودواعيها المؤدية إليها وإذا قامت بحق زوجها حق القيام وإذا رعت حياته الزوجية أحسن الرعاية فإنها من أهل الجنة ببشارة النبي ولا شك أن كل من وفقت إلى هذه الأمور الأربعة فإنها ستوفق إلى باقي خصال الخير.
وإليك أيتها المسلمة الصالحة البشارة الثانية من النبي فإن المرأة المسلمة الصالحة إذا كان الإسلام لم يتح لها ما أتاح للرجل من فضل الجهاد والقتال في سبيل الله عز وجل، بل منعها عن ارتياد كثير من المجالات التي شرعها للرجل فإنه اعتبرها وهي في مجالها الرئيسي إذا قامت به أحسن القيام إذا قامت به خير قيام مثل ذلك الرجل المجاهد المرابط في الأجر والثواب.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي قال: ((إن المرأة في حملها إلى وضعها إلى فصالها كالمرابط في سبيل الله فإن ماتت فيما بين ذلك فلها أجر الشهيد)). وقد ورد في حديث آخر: ((أن التي ماتت في النفاس من الشهداء))(3)[2].
هذه هي البشارة الأخرى من النبي للمرأة المسلمة الصالحة في مجالها الأساسي مجال بناء الأسرة ورعاية النشء والصغار. وهي تكابد ما تكابد وخاصة في هذه الفترة التي نص عليها الرسول تكابد فيها من المشاق والتعب والنصب إذا أحسنت نيتها في ذلك واتقت الله عز وجل وأحسنت القيام بمهامها التي من أجلها خلقها الرب عز وجل، فما الفرق بينها وبين ذلك الرجل المجاهد في سبيل الله المرابط في مجاله وميدانه على ثغرة من ثغور المسلمين.
إذا كان هذا الرجل مجاهدًا في سبيل الله مرابطًا على ثغرة فهذه المرأة أيضًا مرابطة على ثغرة كلاهما مرابط مجاهد في ثغرته وفي جبهته، إذا أحسن النية واتقى الله في القيام بمهمته فهما سواء في الأجر والثواب.
فيا أيتها الأخت المسلمة الصالحة إنك وأنت تؤدين مهمتك هذه في حملك وفي وضعك وفي فصالك وفي رعايتك لأسرتك في بنائك لأسرتك في رعايتك لنشئك الصغار أنت في ذلك كالمجاهد في سبيل الله في أفغانستان، وفي فلسطين أو في الفلبين أو في غير ذلك من ثغور المسلمين، أنت في ذلك كالمجاهد في سبيل الله في الأجر والثواب سواء. هذا هو معنى كلام المصطفى النبي .
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة ومنهج الصحابة الأخيار رضوان الله عليهم أجمعين.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان.
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56].
وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ))(4)[3]
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىَّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

__________
(1) صحيح البخاري (5146)
(2) مسند أحمد (1/191).
(3) مسند أحمد (4/201) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(4) صحيح مسلم (408) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(1/714)



التوكل
-----------------------
التوحيد, الرقاق والأخلاق والآداب
أعمال القلوب, الألوهية
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
3/7/1419
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- الكل يبحث عن رزقه ، والواجب أن يطلبه في الحلال. 2- البعض يرتع في الحرام بحثاً عن رزق الله. 3- المخرج هو التوكل على الله الرزاق. 4- معنى التوكل. 5- الله يطلب منا أن نتوكل عليه وهو حسبنا. 6- التوكل على الله علامة إيماننا به وتصديقنا بصفاته وعظمته.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه.
أيها المسلمون:
طلب الرزق غريزة عند الأحياء وما أن تبدوا بوادر الصباح حتى ترى الناس بكافة أعمالهم وأعمارهم يستعدون للبدء في كدح طويل كي يحرز كل امرئ منهم قوته وقوت عياله، وهذا الكدح الطويل والسعي الحثيث امتحان للأخلاق والمسالك والثبات واليقين والطمأنينة والرضى، فاللهف على تأمين العيش واللهاث من أجل سدّ أفواه الصغار قد يضعف بعض النفوس إلى الخَتْلِ والتلويه والكذب والحيف والتدليس والغش وربما وجد ضعاف يتملقون أقوياء على حساب الأبرياء، وربما رأيت أذلاء يذوبون في أعتاب كبراء، وغير ذلك من مخالفات وأخطاء.
إن دين الإسلام يأبى أن يكون الكدح وراء الرزق مزلقة إلى هذا الآثام كلها، وينهى أن يلجأ المسلم أبدا إلى عش أو ذل أو ضيم ليجتلب به ما يشاء من حطام، وصدق رسول الله : ((ألا لا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته)) رواه الحاكم في مستدركه.
والحل وسط هذه الحال والمخرج من تلك الآثام هو التوكل على الله روى الترمذي وابن ماجة والحاكم في مستدركه عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله يقول: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا)).
ويقول ابن مسعود : إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تطعمهم ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يَجُرّه حِرْصُ حريص ولا ترده كراهية كاره، وإن الله تقسطه عدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.
التوكل هو حال المؤمن القوي الذي يجب أن يكون وثيق العزم، مجتمع النية على إدراك هدفه بالوسائل الصحيحة التي تقربه إلى الله وباذلا قصارى جهده في بلوغ مأربه، وليس بالتفريط المعيب والتخاذل الذميم عن عوف بن مالك قال: قضى رسول الله بين رجلين فلما أدبرا قال المقضي عليه حسبي الله ونعم والوكيل فقال : ((إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكَيْس (العقل والفطانة) فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل)) رواه أبو داود، إذاً فالمرء إذا غُلب على أمره في أى مشاكلة من أي نوع بعد استفراغ جهده كان ركونه إلى الله عندئذ معاذا يعتصم به من غوائل الانكسار فهو على الحالين قوي بعمله أولا وبتوكله ثانيا.
أيها الأخوة المؤمنون: التوكل على الله شعور ويقين بعظمة الله وربوبيته وهيمنته على الحياة والوجوه والأفلاك والأكوان فكل ذلك محكوم بحوله وقوته سبحانه.
التوكل قطع القلب عن العلائق إن ورفض التعلق بالخلائق واعلان الافتقار إلى محول الأحوال ومقدر الأقدار لا إله إلا هو إنه صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار منه أمور الدنيا والآخرة، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد.
التوكل صدق وإيمان وسكينة واطمئنان، ثقة بالله وفي الله وأمل يصحب العمل وعزيمة لا ينطفيء وهجها مهما ترادفت المتاعب.
بالتوكل ترفع كبوات البؤس وتزجر نزوات الطمع، فلا يكبح شره الأغنياء ولا يرفع ذل الفقراء سوى التوكل الصادق على الحي الذي لا يموت، يقول سعيد بن جبير رحمه الله: التوكل على الله جماع الإيمان.
المتوكل على الله ذو يقظة فكرية عالية ونفس مؤمنة موقنة قال بعض الصالحين: متى رضيت بالله وكيلا وجدت إلى كل خير سبيلا.
وقال بعض السلف: بحسبك من التوسل إليه أن يعلم قلبك حُسن توكلك عليه.
والتوكل إيمان بالغيب بعد استنفاد المسائل المشروعة في عالم الشهادة، تسليم لله بعد أداء كل ما يرتبط بالنفس من مطلوبات وواجبات.
التوكل الذي يقوى الإنسان به ضرب من الثقة بالله، ينعش الإنسان عندما تكتنفه ظروف محرجة، ويلتفت حوله فلا يرى عونا ولا أملا.
التوكل غذاء الكفاح الطويل الذي قاوم به النبيون وأتباعهم ودعاة دينهم مظالم الطغاة وبغي المستبدين كما بيّنه الله تبارك وتعالى: وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون [إبراهيم:12].
التوكل الحق قرين الجهد المضيء والإرادة المصممة وليس العجز والكسل، ولم ينفرد التوكل عن القوة والحزم إلى الضعف والتواكل إلا في العصور التي مسخ فيها الإسلام وأصبح بين أتباعه لهوا ولعبا.
عباد الله:
إن أول بواعث التوكل ومصادره توحيد الله وإفراده بالعبادة فالرب المعبود سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلا: وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم [الشعراء 217-220].
والتوكل أجمع أنواع العبادات وأعلى مقامات التوحيد وأعظمها وأجلها وما ذلك إلا لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة والرضى العميق واليقين الثابت، ولقد جاء الأمر به في كتاب الله في أوجه مختلفة وسياقات متعددة بل لقد جعله شرطا للإسلام والإيمان يقول سبحانه وتعالى: إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين قال أهل العلم، فدل ذلك على انتفاء الإسلام وكذلك الإيمان بانتفاء التوكل، ويقول لنبيه محمد : وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً [الأحزاب:3].
ويقول لصحابته رضوان الله عليهم: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل [آل عمران:173].
ويقول جل وعلا في جزاء المتوكلين: ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً .
هذا هو التوكل في حقيقته وأثره وجزائه وصفات أهله لكنه ما كان أبدا توكلا ولا اتكالية وما كان ضياعا ولا إهمالا للسنن والأسباب، أيها المسلمون إن تحقيق التوكل لا ينافي العمل والأخذ بالأسباب البينة فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة لله، والتوكل على الله بالغيب إيمان بالله، فالمتوكلون في كتاب الله هو العاملون، وإمام المتوكلين نبينا محمد رأينا في سيرته الأخذ بالأسباب فقد اختفى في الغار عن الكفار، وظاهَرَ في بعض غزواته بين درعين، وتعاطي الدواء وقال من يحرسنا الليلة، وأمر بغلق الباب، وإطفاء النار عند المبيت، وقال لصاحب الناقة (اعقلها وتوكل) وقال سبحانه وتعالى لنبيه لوط: فأسر بأهلك بقطع الليل [هود:81]. ونادى نادى أهل الأيمان: يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم [النساء:71].
فليس التوكل بإهمال العواقب واطراح التحفظ بل ذلك عند العقلاء والعلماء عجز وتفريط يستحق صاحبه التوبيخ والاستهجان وجاء أمر الله بالتوكل بعد التحرر واستفراغ الوسع حين قال: وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين المؤمن هو من يجمع بين فعل الأسباب والاعتصام بالتوكل فلا يجعل عجزه توكلا ولا توكله عجزا إن تعسر عليه شيء فبتقدير الله وإن تيسر له كل شيء فبتيسير الله.
المسلم المتوكل يخرج من بيته متوجها إلى عمله ومهنته تَزْدلف قدمه من عتبة بابه وهو يقول: ((باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أزلَّ أو أُزل أو أَضل أو أُضَل أو أَظلم أو أُظلم أو أَجهل أو يجهل علي)).
أخي المؤمن : ثمة موطن من موطن العمل لا يكون على وجهه ولا تتحقق غايته إلا حينما يكون التوكل لله وعموده.
إنه موطن الصبر والحق والثبات على المواقف وعدم التنازل عنها وهو الذي يحمل عبئه أنبياء الله عليهم السلام ومن اقتفى أثرهم من أهل العلم والدعوة والإيمان والصلاح والإصلاح فهم حين يتعرضون لمخاوف مزعجة لا يثبتون على الروع والغبن إلا لأملهم في الله واستنادهم عليه، لا يثبتون إلا بالتوكل الذي ينير أمامهم ظلمات حاضرهم ويعينهم على مواجهة الأخطار بعزم وثقة واطمئنان، وما نراه من صبر وثقة بالله لدى بعضهم أمرٌ قد يستغربه الضعفاء الواهنون ويستنكرونه ولذلك حين قال موسى وهارون عليهما السلام بعد أمر الله لهما بدعوة فرعون: قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى [طه:45]. فأجابهما جل وعلا: قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى [طه:46]. إنه الشعور الكبير والعميق بسمعية الله وعنايته ذلكم هو المؤنس في الموحشات والمشجع في الرهبات، وهذا هو أبو بكر الصديق يقول نظرت أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما وقال الله عنهم: إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبها لا تحزن إن الله معنا وحينما قال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا، هذه المقولة التي تتردد عبر التاريخ ويُوَاجه بها أهل الدعوة المخلصين في كل زمان ومكان، وقد جاء الجواب على لسان خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام بقوله تعالى: قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علماً على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين .
هذا هو المجد الشامخ والذي لا يخطه إلا نفر من المؤمنين المتوكلين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين .
اللهم بك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت أرحم الراحمين.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر. اتقوا الله تعالى.
أيها المسلمون :
من كان بالله وصفاته أعلم وأعرف كان توكله أصح وأقوى، ومن لم يكن كذلك فهو يظن من ضلاله أن حظوظا عميا هي التي تقرر مصائر الحياة والأحياء.
إن المقطوعين عن الله هم عبيد الحظوظ الشاردة والأسباب المبتورة، إن التوكل على الله لا يعرفه العاطلون الباطلون،لا يعرفه ضعيف التوكل لا هو عند الوجوه يشكر رتبته، ولا هو عند العدم يرضى حالته، و إن من الجهل بالله وصفاته وضعف الإيمان بوعده ووعيده ، لن يتوقع أحد الخذلان والضياع وهو مرتبط بربه معتمد عليه والله يقول Sad( أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فماله من هاد، ومن يهد الله فماله من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام)) ويقول جل وعلا: ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ، إن المحروم إخوتي لن يدرك مهما ألح وطلب، والمرزوق سوف يأتيه رزقه مهما قعد، ألا فاتقوا الله رحمكم الله وأجملوا في الطلب وتوكلوا على الله فإن الله يحب المتوكلين.
وصلوا وسلموا يا عباد الله على من أمر. . .

(1/715)



اتباع لا ابتداع
-----------------------
قضايا في الاعتقاد
البدع والمحدثات
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
27/5/1419
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- ابن مسعود ينهى عن الابتداع في الدين. 2- أحدايث في ذم الابتداع. 3- دعوة للتمسك بالكتاب والسنة. 4- التحذير من مخالفة هدي النبي .
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا عباد الله، اتقوا الله ـ تعالى ـ وتوبوا إليه، أخرج الدارمي بسند صحيح أن أبا موسى الأشعري قال لابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هللوا



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 10:56
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **




الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ واعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعةٌ وكل بدعة ضلالةٌ وكل ضلالة في النار، فاتبعوا ـ رحكم الله ـ ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ولا تبتدعوا فقد كفيتم، قال حذيفة بن اليمان : "كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله فلا تتعبدوها فإن الأول لم يَدَع للآخر مقالا".
وإننا حين نتحدث عن البدعة ونستعرض هذه النصوص وغيرها مما هو في كتاب الله وسنة رسوله، لننظر بعين الأسف والحسرة للحالة التي وصل إليها كثير من طوائف المسلمين، حيث انتشرت البدعة فيهم، وأصبح لها أنصار وأتباع، بل ومع الأسف علماء يسوغون ضلالها ويُروّجون لها تعصبا وعمى عن حقيقة هذا الدين وجوهره، فانتشرت البدعة لدى المسلمين فنتج عنها تفرق المسلمين وشتات دينهم في نفوسهم حيث تحلقوا ببدع عليها يوالون ويعادون، ولذلك فإنه يجب علينا أن نحذر ونحذر دائما من الوقوع في شرك الابتداع كما ضل كثير من الناس وأن لا تأخذنا العاطفة في تقويم البدعة والحكم عليها، وأن يكون علاجنا لها مبنيا على حكمة وحسن توجيه.
جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس ـ رحمه الله ـ فقال: من أين أُحرم للحج؟ قال: من حيث أحرم رسول الله ، قال الرجل: فإن أحرمت قبل ذلك؟ قال: فلا تفعل فقال الرجل: ما تكره من ذلك؟ قال: أكره عليك الفتنة قال الرجل: وأي فتنة في أميال، أزيد بها من الخير فقال مالك: فإن الله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم [النور:63]. وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك خُصِصْت بفضل لم يُخص به رسول الله أو ترى أنه قد قصر فيه.
فاتقوا الله ـ يرحمكم الله ـ وخذوا بالنهج الأول وعليكم بالاتباع وابتعدوا عن الابتداع.
وصلوا وسلموا يا عباد الله...
__________
(1) سنن الدارمي ح (204) وذكر الحديث، وفي آخره قال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحِلق، يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.
(2) المعجم الكبير للطبراني ح (1647)، ولفظه: ((ما بقي شيء يقرّب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيّن لكم)). وانظر السلسلة الصحيحة (1803).
(3) أخرجه مسلم ح (1718) بهذا اللفظ . ولفظ البخاري (2697): ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)).
(4) صحيح، أخرجه الترمذي ح (3788).
(5) صحيح، أخرجه أحمد (4/126-127)، وأبو داود ح (4607)، والترمذي ح (2676) وقال: حسن صحيح، والدارمي ح (95).

(1/716)



تربية الأبناء
-----------------------
الأسرة والمجتمع
الأبناء
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
23/10/1415
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- مداعبة رسول الله للعيال. 2- العدل بين الأولاء. 3- الصدق في وعد الأبناء. 4- رحمته بالأطفال وتقبيله لهم. 5- الأمر بتربية الأبناء. 6- جواز ضرب الأبناء والموالي لتربيتهم. 7- بيان عظيم مسئولية الوالدين في تربية أبنائهما. 8- خطر الإعلام وقنواته على أبنائنا.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد :
أيها الناس : اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه .
إخوة الإيمان ، لعلنا نقف بكم اليوم على مواقف من رسولنا الكريم وسلفنا الصالح ، في تربية أبنائهم وشبابهم ، أولئك الأبناء الذين مافتئوا بعد أن كبروا- بل وهم صغار- أن ظهرت ثمار صلاحهم في فتح الفتوحات وتدريس العلم وتدوينه وتسطير المواقف العظيمة في سجلات التاريخ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتْناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين .[الطور:21]
السلف رضوان الله عليهم وعلى رأسهم رسولنا هم قدوتنا في كل شيء ، ومنها التربية ، وقد ثبت يقينا أنهم قد نجحوا في تربية أبنائهم ، وهذا ما رأيناه في أصحاب رسول الله من الفتيان من عجائب وغرائب يقف لها التاريخ شاهدا على صدقها ، شباب ذللوا سبل المعالي ، عبد الله ابن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وأسامة بن زيد كلهم من تربية مدرسة محمد ، روى مسلم عن أنس قال : ((ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله ))، وعن أنس قال : ((كان رسول الله من أفكه الناس مع الصبي ))، وقد حث على العدل، حين قال : ((إن الله يحب أن تعدلوا بين أولادكم كما يحب أن تعدلوا بين أنفسكم )). رواه الدارقطني .
ولقد اهتم الإسلام بأن يكون الأب في موضع القدوة من ابنه ، فالتميز الخلقي المتمثل بالقدوة الصالحة هو من أكبر العوامل في التأثير على القلوب والنفوس ، وما أجدر الجيل الإسلامي اليوم ، برجاله ، ونسائه ، وكباره ، وصغاره ، أن يفهموا هذه الحقيقة ، وأن يعطوا لغيرهم القدوة الصالحة ليكونوا أقمار هداية وشموس إصلاح ، ودعاة خير وحق ، وأسباب نشر وامتداد لرسالة الإسلام الخالدة ، ومن هنا كان حرص النبي على أن يظهر المربي أمام من يقوم على تربيته بمظهر القدوة الصالحة في كل شيء حتى يتطبع الولد منذ نشأته على الخير ، ويتخلق منذ نعومة أظفاره على الصفات الفاضلة النبيلة .
روى أبو داود والبيهقي عن عبد الله بن عامر قال : ((دعتني أمي يوما ورسول الله قاعد في بيتنا فقالت : يا عبد الله تعال حتى أعطيك ، فقال لها رسول الله :ما أردت أن تعطيه ؟ قالت : أردت أن أعطيه تمرا ، فقال : أما أنكِ لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة )) وعنه عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد وغيره : ((من قال لصبي تعال هاك – أي خذ- ثم لم يعطه ، فهي كذبة))، تربية على الصدق وعدم الكذب للطفل منذ صغره ، وروى البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، أن أباه أتى به إلى رسول الله فقال : ((إني نحلت ابني هذا- أي أعطيته – غلاما كان لي ، فقال رسول الله : أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال : لا ، فقال رسول الله : فأرجعه ))، وفي رواية ، فقال : (( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ؛ فرجع أبي فرد تلك الصدقة )) ، وفي رواية أخرى قال رسول الله : ((يا بشير ألك ولد سوى هذا ، فقال :نعم ، أكلهم وهبت له مثل ذلك ، فقال : لا ، قال : فلا تشهدنَّ إذن، إني لا أشهد على جور ، أو قال : أشَهِْد على هذا غيري ، ثم قال : أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال :بلى ، قال: فلا إذن )).
هذا هديه في غرس العدل في قلوب الآباء من حوله ، لأن الظلم دائما وخصوصا من الأب سبب للخصومات ، ووجود الحقد مما يكون ثمرته ضياع الأبناء ولو استحضرت في ذهنك صور الخصومات والحقد بين الإخوة لرأيته ثمرة لعدم العدل ، ولقد نبه عن طريق صنيعه بضرورة الرحمة بالأبناء وعدم القسوة وذلك فيما روي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : ((قبّل رسول الله الحسن والحسين ابني علي رضي الله عنهم ، وعنده الأقرع بن حابس التميمي فقال الأقرع : إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت منهم أحدا قط ، فنظر إليه رسول الله ثم قال : من لا يرحم لا يرحم )) وفي الصحيحين كذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت : ((جاء أعرابي إلى رسول الله فقال : إنكم تقبلون الصبيان ، وما نقبلهم ، فقال رسول الله : أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك )) ومتى نزعت- إخوة الإيمان- الرحمة من قلب المرء أبا أو أما أو قريبا فهل تنفع التربية مع الولد ؟ أو التلميذ ؟ هل يتقبل منه موعظة أو نصحا ؟ وما نصح أحد من راحم بمن ضل أو أوشك على الضلال .
لقد كان مثلا مجسدا للرحمة بالأبناء ، روى الترمذي وغيره عن عبدا لله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله وهو يخطب فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما ، وعليهما قميصان أحمران ، يمشيان ويعثران ، فنزل النبي ، فحملهما ووضعها بين يديه ثم قال إنما أموالكم وأولادكم فتنة ، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما .
وروى النسائي والحاكم : (( بينما كان رسول الله يصلي بالناس ، إذ جاءه الحسين ، فركب عنقه وهو ساجد فأطال السجود بالناس ، حتى ظنوا أنه قد حدث أمر ، فلما قضى صلاته ، قالوا : قد أطلت السجود يا رسول الله ، حتى ظننا أنه حدث أمر ، فقال : إن ابني قد ارتحلني – أي صعد على ظهري ، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته ))، وجاء في الإصابة أنه كان يداعب الحسن والحسين رضي الله عنهما فيمشي على يديه وركبتيه ويتعلقان به من الجانبين فيمشي بهما ، ويقول : (( نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما )) وفي الصحيحين عن أنس أن النبي قال : (( إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها ، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي – أي أختصر – مما أعلم من وَجْد أمِه من بكائه )) وكان كما ورد في الصحيحين إذا مر على الصبيان يسلم عليهم ويحادثهم .
هذه نماذج من رحمة النبي بالأولاد والصبيان ، كان عليه الصلاة والسلام يفعلهما ولم تشغله مشاغله الكثيرة ، وأعباء الدعوة وهمومها عن كل ذلك ، فأي رحمة أعظم من هذه الرحمة فعلها عليه الصلاة والسلام وهو يعلم أثرها في تربية الولد ومحبته ، ولكنه مع هذه الرحمة العظيمة بهم فقد أمر بتأديب الولد وحضه على حسن الخلق ، فقد روى الترمذي أن رسول لله صلى لله عليه وسلم قال: لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع أي حينما تؤدبه في وقت ما أفضل من تصدقك بصاع في ذلك الوقت ، ويقول : (( من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه )) إذا فتأديب الأطفال مطلوب ، وحضهم على فعل الخير مرغوب ، وإبعادهم عن مواطن الشر هو الحصن له من الضياع والفساد ، روى الإمام أحمد في مسنده عن عم أبي رافع بن عمرو يقول عن نفسه : (( كنت وأنا غلام أرمي نخلا للأنصار فأتي النبي فقيل له إن ها هنا غلاما فأتي بي إلى النبي فقال : يا غلام لِمَ ترم النخل ؟ قال : قلت آكل ، قال : لا ترمي النخل، وكل مما يسقط في أسافلها ثم مسح رأسي ، وقال اللهم أشبع بطنه ))، إذا فوقوع الأطفال الصغار في الخطأ غير المقصود وارد ، ولذلك فيجب علاجه وعدم إهماله ، ومع الأسف أننا نرى كثير من الآباء والمربين اليوم إما أن يتشددوا على الطفل عند وقوعه في الخطأ فيخرجهم عن التربية الشرعية ، أو يهملون الصغير إذا أخطأ ولو كان خطؤه مؤذيا ، وهذا فيه إفساد لأخلاق الصبي فإن التأديب للصغير ولو كان بالضرب غير المبرح مؤثر على الصغير ولا ينساه فقد قال : (( اضربوهم عليها وهم أبناء عشر ))، أي على من تخلف عن الصلاة ، ويقول فيما رواه أحمد في مسنده : (( وأنفق على عيالك من طولك – أي من قدرتك – ولا ترفع عصاك أدبا وأخُِفْهُم في الله )) وروى البخاري في الأدب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله أمر بتعليق السوط في البيت ، وروى الحاكم أن رسول الله خرج في عمرة وكان معه أبو بكر وبعض من الصحابة وكان أبو بكر قد كلف غلاما له بزاملة رسول الله فنزل رسول الله في مكان في الطريق ومعه هؤلاء الصحابة وقد تأخر الغلام ثم حينما ظهر إذا به لوحده ، فقام إليه أبو بكر وكان محرما ، فقال له : أين البعير ؟ فقال : أضلني يا أبا بكر ، فأخذ أبو بكر يضرب الغلام والرسول ينظر ، ويقول : (( انظروا إلى هذا المُحْرم يؤدب غلامه وكان ينظر مبتسما )) وهذا منه إقرار .
إخوة الإيمان: وإذا نظرنا إلى هدي النبي وصحابته الكرام في تربيتهم للبنات ، نجد أنهم أشد اهتماما في إعدادهن كأمهات مربيات صالحات ، في تعويدهن على الحياء ، وعدم مخالطة الرجال وحرصهن على العلم والذكر ، ويكفي أن نقلب السير لما كانت عليه الحال لنساء المدينة وقت النبي والصحابة الكرام من بعده ، حتى نتعرف مدى ما كن عليه من تقوى وورع وحياء وتربية للأولاد بل وللرجال ، انظروا مثلا إلى سيرة فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله حتى تروا تربيته عليه الصلاة والسلام لها ، وكذلك أسماء بنت أبي بكر، وأمامة بنت أبي العاص، وغيرهن من الصحابيات رضوان الله عليهن ، نقول هذا لمن أهمل بناته أو أساء معاملتهن حتى ينتبهوا لأعراضهن من خلالهن .
وهي مسئولية على عاتق كل أب أو أم أو مربٍّ أو مربية ، بل هو تكليف رباني حمّله الله للمسؤول عن الأبناء والبنات ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .[التحريم:6]
بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه …
أما بعد : أيها الإخوة المسلمون : اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن هذه النماذج السابقة من تربية النبي وصحابته الكرام للأولاد إنما تبين المسؤولية العظمى التي تقع على الآباء والمربين في التربية والتعليم لأبنائهم وبناتهم ، إن المتطلع إلى مجتمعنا اليوم ليرى أحوالا لأولادنا ما كنا نعرفها قبلُ ، ولا توافق ما قرأناه من نماذج رائعة ، الميوعة الزائدة والتفنن بأنواع الملابس وتزيين السيارات أصبحت طابعا وهما لبعض الشباب ، وكذلك بناتنا اللاتي أصبحن سيعنين وتعلقهن بالأسواق وما ينزل فيها من موضات وتسريحات أو ما هبط في المجلات ، وأما ما تميز به بعض الشباب فهو الإيذاء للآخرين والسهر حتى الفجر وضياع الأوقات .
إن كل هذه الأحوال والمظاهر لدى أبنائنا وبناتنا مع الأسف في هذا المجتمع المسلم ، ولا يستطيع أحد إنكارها لا ألقي باللائمة وحدها على الأب والمربي في اتجاه كثير من أبنائنا وبناتنا إلى تلك المظاهر ، ولكنني أوجه اللوم أيضا إلى بعض وسائل الإعلام ، كالقنوات الفضائية ، تلك القنوات التي نوفرها في بيوتنا وبأموالنا ثم تشترك معنا في تربية أولادنا.
إن نظرة واحدة لبرامج هذه القنوات ، وما يعرض فيها من تضييع للأخلاق ، وتعليم للمساوئ ، وتعويد على أخلاق وعادات الغير ، كل ذلك كافٍ حتى نعلم مدى الخطر الكبير الذي يؤثر على الجميع ، لقد أصبح الإعلام وبتلك القنوات اليوم يشترك مع الآباء والمربين في التربية وهكذا ضاع توجيه الأب والأم ونصح المدرس المربي ، بل ويضيع مع ذلك الدين بالجلسات بالساعات الطويلة أمام هذه المقتنيات الإعلامية والقنوات الفضائية.
إن المقلب لهموم الشباب والأولاد اليوم ليجدها بعيدة كل البعد عن هموم صحابة رسول الله وأبنائهم ، كما رأينا تربيتهم فهم شبابنا، إما في ملبسه وتَزيُنه، أو في الكرة ونواديها التي أصبحت تأخذ كل أوقاتهم أو غير ذلك من الملهيات ، إن المسؤولية العظيمة تقع عليك أيها الأب في كل ذلك ولو قلبت في أحوالك وأمورك لوجدت أنك مقصر كثيرا تجاه بيتك وأسرتك ، أليس من العيب مثلا أن ترى بعض الآباء يسهرون إلى أواخر الليل كل يوم في حوش أو مجلس أمام ورقة يقتلون فيها الوقت ، أو جلسة قيل وقال ، والأطم من ذلك أمام هذه الصحون الفضائية المسماة بالدش ، ثم أليس من العيب والخطر أن ترى بعض الآباء يهملون تربية أولادهم ومحاسبتهم على الخطر ولو عرفوه، كل ذلك بدافع عدم تخويف الولد وتعقيد نفسيته ، ثم يستفحل الأمر بعد ذلك ولات حين مندم ، أليس من الخطأ إخوة الإيمان أن نرى أبناءنا وبناتنا يصاحبون كل من هب ودب ، ولا ننبههم إلى ذلك .
إن كثيرا من المشاكل التي يقع فيها أولادنا يجد المتأمل فيها أن صديق السوء أو صديقة السوء خلفها ، إن الأب إذا لم يقم على مراقبة أهليه وأولاده وتربيتهم تربية صالحة فمن الذي يقوم عيها ؟ هل يقوم عليها أباعد الناس ، أو يترك هؤلاء الأولاد والأغصان الغضة تعصف بها رياح الأفكار المضللة والاتجاهات المنحرفة والأخلاق الهدامة فينشأ من هؤلاء جيل فاسد لا يرعى لله ولا للناس حرمة ، ولا حقوقا ، جيل فوضوي متهور لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا ، متحرر من كل رق إلا من رق الشيطان ، منطلق من كل قيد إلا قيد الشهوة والطغيان ، نعم لابد أن تكون هذه هي النتيجة إلا أن يشاء الله ويرعى ذلك الولد .
إن بعض الناس يقول معتذرا أنا لا أستطيع تربية أولادي إنهم كبروا أو تمردوا علي ولو سلمنا له بهذا ، ولو سلمنا له جدلا أو حقيقة واقعة ثم فكرنا لوجدنا أنك أنت أيها الأب والمربي السبب في سقوط هيبتك في نفوسهم ، لأنك أضعت أمر الله فيهم في أول أمرهم ، فتركتهم يتصرفون كما يشاءون لا تسألهم عن أحوالهم ولا تأنس بالاجتماع إليهم ، لا تجتمع معهم على طعام أو غير ذلك ، فتقع الجفوة بينك وبين أولادك فينفروا منك وتنفر منهم ، فكيف تطمع بعد ذلك أن ينقادوا لك أو يأخذوا بتوجيهاتك بل إلى من يلجئوا حينما يقعون في مشكلة وقعوا فيها أو مصيبة جروا إليها ، لو أن الآباء اتقوا الله في أول أمرهم وقاموا بتربية أبنائهم وبناتهم على الوجه الذي يرضي الله ، لأصلح الله لك أمر الدنيا والآخرة ، يقول تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً .

(1/717)



وقفات مع غزوة الأحزاب
-----------------------
سيرة وتاريخ
غزوات
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
12/8/1415
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- بين يدي غزوة الأحزاب. 2- بشارة الله أثناء حفر الخندق بفتح بلاد الروم والفرس. 3- ظهور خور المنافقين. 4- مؤامرة اليهود وقبائل العرب ضد المسلمين. 5- قصة حذيفة يوم الخندق. 6- الملائكة والمسلمون يتوجهون لغزو بني قريظة. 7- مكر اليهود السيء يحيق بهم.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد :
أيها الناس :
اتقوا الله تعالى :
ضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
نبي أتانا بعد يأس وفترة من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
هناك عظماء كثيرون يقرأ الناس قصص حياتهم ليتعلمّوا من عناصر القوة والنبوغ فيها وليتابعوا بإعجاب مسالكها في الحياة ومواقفها إزاء ما يعرض لها من مشكلات وصعاب فكيف إذا كانت هذه المواقف شرعا منزلا من الله سبحانه وتعالى إنها سيرة محمد التي نقف عليها وإن أطلنا الوقوف حتى نستلهم منها العبر ونأخذ الدروس ونقف اليوم مع غزوة الأحزاب التي وقعت في شوال من السنة الخامسة للهجرة وحصلت هذه الغزوة بعد أن أيقنت طوائف الكفار أنها لن تستطيع مغالبة الإسلام إذا حاربته كل طائفة لوحدها وأنها ربما تبلغ أملها إذا رمت الإسلام عن قوس واحدة، وسعت يهود وخططت فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان وبنجد ومُرّة وأشجع.
ولما سمع بهم رسول الله اجتمع مع المسلمين للتشاور وكل أشار برأي إلا أن سلمان الفارسي أشار بحفر خندق حول سهل المدينة يصدُّ عنها كل مغير عليها وضرب الخندق على المدينة فعمل فيه رسول الله ترغيبا للمسلمين في الأجر وعمل معه المسلمين فشهدت المدينة منظرا عجبا، وجوها ناصعة تتألف منها فرق شتى تضرب بالفؤوس وتحمل التراب وتتعرّى من لباسها وزينتها، لتلبس حللا من نسج الغبار المتراكم والعرق واللغوب، قال البراء بن عازب في الحديث الذي أخرجه الشيخان كان رسول الله ينقل التراب يوم الخندق حتى اغبَّر بطنه وهو يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن الله سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأولى بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا
يقول البراء ولقد وارى عنا التراب جلدة بطنه وكان كثير الشعر وكان الفصل شتاء والجو باردا وهناك أزمة في الأقوات تعانيها المدينة التي توشك أن تتعرض لحصار عنيف ، وعاقت المسلمين في حفرهم الخندق صخرٌة عظيمٌة كسرت معاولهم فجاء النبي وأخذ من الصحابة المعول ثم ضرب الصخرة ضربة صدعتها وتطاير منها شرر أضاء خلالها هذا الجوّ الداكن وكبر رسول الله وكبر المسلمون معه ثم ضربها الثانية فكبر ثم الثالثة كذلك ونظر النبي إلى صحبه وقد أشرق في نفسه الكبيرة شعاع من الأشعة الغامرة والأمل الحلو، فقال: لقد أضاءت لي الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، وفي الثانية أضاءت لي القصور الحمر من أرض الروم، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها وأضاءت لي الثالثة قصور صنعاء وأمتي ظاهرة عليها فأبشروا، واستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعودٌ صادق .
ولما فرغ رسول الله من الخندق أقبلت الأحزاب في جمع كبر قريش في عشرة آلاف من رجالها ومن تبعهم من كنانة وتهامة وغطفان في طليعة قبائل نجد وبرز المسلمون بعدما جعلوا نساءهم وذراريهم فوق الآطام الحصينة ثم انتشروا على حدود مدينتهم مسندين ظهورهم إلى جبل سلع وبلغت عدتهم في هذه المعركة نحو ثلاثة آلاف مقاتل ولما انسابت الأحزاب حول المدينة وضيقوا عليها الخناق لم تظهر نفوس المسلمين شعاعا بل جابهوا واقعهم وهم وطدوا الأمل في غد كريم ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً وهنا وفي ظل مثل هذه الأزمات يبدأ الواهنون المرتابون والمخذلون ومرضى القلوب بالعمل فلقد تندّروا بأحاديث الفتح وظنوها أماني المغرورين وقالوا عن رسول الله يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرزوا، وفيهم قال الله تعالى : وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً .[الأحزاب: 12] وهؤلاء أيضا هم الذين كانوا يتسللون لواذاً من العمل في حفر الخندق ويذهبون بغير إذن من النبي
إخوة الدين والعقيدة: إن معركة الأحزاب ليست معركة خسائر فقتلى الفريقين من المؤمنين والكفار يعدّون على الأصابع ومع هذه الحقيقة فهي من أهم المعارك في تاريخ الإسلام فلقد أمسى المسلمون وأصبحوا فإذا هم كالجزيرة المنقطعة وسط طوفان يتهددها بالغرق ليلا أو نهارا وكان المشركون يدورون حول المدينة غضبا من هذه المكيدة ويقفون عليها قائلين والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها وعرف المسلمون ما يتربص بهم وراء هذا الحصار فقرروا أن يرابطوا في مكانهم ويتحملوا لأواء هذه الحراسة التي تنتظم السهل والخيل وتتسع ثغورها يوما بعد يوم، وهم كما وصف الله تعالى إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً .[الأحزاب: 10/11] وكره فوارس من قريش أن يقفوا حول المدينة متفرِّجين فخرج عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب وتيمموا مكانا ضيقا من الخندق وضربوا خيلهم فاقتحمته فأسرع فرسان المسلمين يسدّون هذه الثغرة وقاتل عليٌّ عمرو بن عبد ود فقتله بعد مبارزة شديدة بينهما ولما واجهوا ذلك فر الباقون عائدين إلى خارج المدينة وفي هذه الآونة العصيبة جاءت الأخبار أن بنى قريظة نقضوا معاهدتهم مع رسول الله وانضموا إلى كتاب الأحزاب التي تحدق بالمدينة أن حُيي بن أخطب جاء إلى كعب بن أسد سيّد قريظة وقرع عليه بابه فرفض أن يفتح له كعب فصرخ به حيي ويحك افتح لى فقال له كعب إنك امرؤ مشؤوم، وإني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه وفاء وصدقا قال له حيي بعد أن فتح له: ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وبحر طام قال : وما ذاك ؟ قال : جئتك بقريش على سادتها وقادتها وبغطفان وقد عاقدوني وعاهدوني على أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه فقال له كعب: جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هرق ماءه فهو يرعد ويبرق وليس مني شيء، دعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا وفاء وصدقا، ولكن حُييا لم يزل بهم يزين لهم الغدر في هذه الساعة الحرجة حتى مزقوا الوثيقة التي بينهم وبين النبي ولما بعث لهم سعد بن معاذ ليستطلع الأمر قالوا له : من رسول الله ؟ لا عهد بيننا وبين محمد وحاول سعد أن يذكرهم بعقدهم فتصاموا عنه فلما خوفهم عقبى الغدر وذكر لهم مصير بني النضير شتموه بأقبح الشتائم، ووجم المسلمون حين عادت رسلهم تحمل هذه الأنباء المقلقة وأحاط المشركون بالمسلمين وحاصروهم قريبا من عشرين ليلة، ولما اشتد البلاء نافق ناس كثير وأتى العدو المسلمينَ من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق من بعض المنافقين حتى قال معتب بن قشير: كان محمد يعدنا أن ننال كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط وحتى قال أوس بن قيظي : يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو فائذن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا فإنها خارج المدينة ولما رأى رسول الله ما بالناس من البلاء والكرب جعل يبشرهم ويقول : (( والذي نفسي بيده ليفرجن عنكم ما ترون من الشدة وإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمنا، وأن يدفع الله إلي مفاتيح الكعبة وليهلكن الله كسرى وقيصر ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله )) أخرجه البخاري ومسلم.
وتشجع صحابة رسول الله للمقاومة وهكذا تختلف طبائع النفوس وتتفاوت تفاوتا كبيرا لدى الأزمات والتضيقات منها الهش الذي سرعان ما يذوب ويحمله التيار معه كما هي ويصاب بالفتور ويضع أمامه العوائق الوهمية تحمله المياه الغثاء والأوصال ومنها الصلب الذي تمر به العواصف المجتاحة فتنكر حدتها على متنه وتتحول زبدا، أجل، من الناس من يهجم على الشدائد وعلى لسانه قول الشاعر :
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما
ومنهم من إذا مسه الفزع طاش لبُّه فولّى الأدبار بالأعذار وأوغل في الفرار ويزرع الشك والسب إعذارا لموقعه الدنيء .
إخوة الإيمان وأقام رسول الله وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة وأصيب سعد بن معاذ بسهم قطع منه عرق الأكحل، ونقل إلى خيمة بالمسجد ليمرَّض، قال حذيفة ابن اليمان رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن قعود وأبو سفيان ومن معه فوقنا وقريظة أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا منها ما يستطيع أحدنا أن يرى إصبعه ولم يكن معي جَُنَّة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي لا يجاوز ركبتي فقال رسول الله مَنْ رجل يقوم فينظر ما فعل القوم ثم يرجع ؟ أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة ؟ فما قام رجل من القوم من شدة الخوف والجوع والبرد، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني وقال يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون ؟ فذهب فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء فقام أبو سفيان فقال يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام قد هلك الكراع والخف وأخلتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره فارتحلوا فإني مرتحل، وكان نعيم بن مسعود من عطفان قد أسلم أثناء الحصار وجاء إلى النبي فأوصاه النبي أن يكتم إسلامه وأن يذهب إلى المشركين وبني قريظة لينخل فيما بينهم واستطاع بذكائه أن يفعل بهم الأفاعيل وعرف له ذلك اليوم وهكذا أفلح المسلمون في فَصْمِ عُرى التحالف بين الأحزاب المجتمعة حتى دب القنوط والتخاذل في صفوف المهاجمين وطلع النهار وظاهر المدينة خلاء وارتحلت الأحزاب وانفك الحصار وعاد الأمن وأهمُّ من ذلك أن الإيمان الصادق نجح في هذه المحنة وهتف رسول الله لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده ،وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وقال : كذلك الآن نغزوهم ولا يغزوننا ولما عادت حشود الأحزاب تحمل معها الفشل والخيبة بقي اليهود وبقيت معهم غدرتهم التي فضحت طواياهم وكانت مشاعر الغيظ والبغض في أفئدة المسلمين نحو أولئك اليهود قد بلغت ذروتها، ولما كان الظهر أتى جبريل رسول الله فقال : أوقد وضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال : نعم . فقال جبريل : فما وضعت الملائكة بعد إن الله عز وجل يأمرك بالمسير إلى بني قريظة، فأذن بالناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلينَّ العصر إلا ببني قريظة، وأتى رسول الله بني قريظة، ونزل عند حصونهم وتلاحق به الناس وحاصرهم رسول الله خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب، وعرض كعب بن أسد سيدهم عليهم ثلاثة حلول فقال يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني أعرض عليكم أن نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم إنه لنبي مرسل وإنه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنون به على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم ، قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا، قال إذا أبيتم علي فهلمّ نقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه فنقاتلهم لا نخشى شيئا وراءنا قالوا فما خير العيش بعد أبناءنا ونسائنا قال : فإن أبيتم فإن الليلة سبت وعسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا منها فانزلوا لعلنا نصيب منهم غرة قالوا : نفد سبتنا فقال لهم : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازما، وحاول بنو قريظة أن يظفروا بالصلح بيد أن المسلمين أبو عليهم إلا أن يسلموا دون قيد أو شرط لجرمهم وغدرهم الشائن ثم قرروا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ.
ولم ينس سعد حينذاك كيف نقضت قريظة عهدها واستقبلته بالألفاظ البذيئة عندما ذهب يناشدهم الوفاء وحكم سعد أن يقتل الرجال المقاتلين وتسبى الذرية وتقسم الأموال فقال له رسول الله لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات ونفذ فيهم الحكم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديراً .[الأحزاب: 25:27]
بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله أمرنا بطاعته واتباع رسوله،ونهانا عن اتباع أهوائنا والقول عليه بلا علم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل (( إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )) صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
أيها الإخوة المؤمنون : اتقوا الله تعالى واعلموا أن غزوة الأحزاب التي مرت على النبي وصحابته الكرام كانت أزمة مرت بهم لم يمر بهم أشد منها في المدينة حتى بلغت القلوب الحناجر كما وصف الله تعالى ولذلك فإنه في مثل هذه الأزمات يظهر النفاق وجهه الحقيقي في مجابهة الدعوة إلى الله ومقاومة أهلها وأوليائها وأما الصحابة المخلصون فقد ثبتهم الله تعالى في هذا الموقف العصيب الذي مر بهم في المدينة .
أما اليهود فإن تاريخ الإسلام حافل بكل ما هو شر وحقد على الإسلام وأهله فانظروا إخوة الإيمان ماذا فعلوا بالنبي في أحلك الظروف وأشدها تأزما هذه خلال اليهود، يسفهون إذا وجلوا ليستفيدوا منها وحدهم لا لشيء آخر أما العهود فهي آخر شيء في الحياة يقفون عنده أو تحقق لهم ما أرادوا من نيات خبيثة بالرسول وصحابته، كان ألوف المسلمين هلكى تحت أقدام الأحزاب المنسابة من كل ناحية، يحرضهم ويؤازرهم أولئك اليهود ولكن الله سلم ولقد كان مجمع الأحزاب حول المدينة أصلا بسعي حثيث من زعماء اليهود حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق، ذهبوا إلى مكة وشجعوهم على غزو المدينة وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله وقالت لهم قريش يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعمل بما بيننا وبين محمد أفدينُنَا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا فاجتمعوا لذلك وقالوا مثل ذلك لغطفان فشجعوهم على حرب النبي وفيهم يقول الله تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين ءامنوا سبيلاً أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً .[النساء:51/52] إن اليهود لا يدعون خسَّتهم أبدا ولا يرعون المواثيق إلا إذا كانت متمشية مع أطماعهم ومكاسبهم فإذا ذهب ذلك نبذوا تلك العهود وغدروا بالمسلمين وبمن وثق بهم ومدَّ لهم يده .
هذا وصلوا وسلموا يا عباد الله على من أمركم الله .

(1/718)



الصلاة وعظم مكانتها
-----------------------
فقه
الصلاة
-----------------------
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
قباء
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
أعظم شعب الإيمان بعد التوحيد : الصلاة – آخر وصاياه صلى الله عليه وسلم الصلاة وكذا أوصى بها عمر رضي الله عنه وهو ينازع الموت – حِكَم الصلاة وأسرارها - ذنب إبليس عصيان الأمر بالسجود ومشابهة تارك الصلاة له – حُكم تارك الصلاة والأدلة على ذلك
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن الله تعالى لم يفرض من شعب الإيمان وشرائع الإسلام أمرًا أعظم بعد التوحيد من الصلاة، فالصلاة هي أعظم شعب الإيمان وأركان الإسلام بعد التوحيد وهى عمود الدين كما أخبر بذلك سيدنا رسول الله ، وقد سماها الله في كتابه إيمانًا فقال سبحانه وتعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم [البقرة:143].
وسبب نزول هذه الآية أنه لما نزلت آية القبلة على سيدنا رسول الله وكانت قد حضرته صلاة العصر فصلى صلاة العصر إلى الكعبة في مسجده النبوي ولم تبلغ آية القبلة أهل قباء في هذا المسجد إلا في اليوم التالي فبلغتهم وهم في صلاة الصبح فتحولوا إلى الكعبة وهم في الصلاة وأشكل على أصحاب رسول الله أمر المصلين الذين صلوا قبل أن تبلغهم هذه الآية وأمر المصلين الذين ماتوا قبل أن تنزل هذه الآية آية القبلة ما حكم صلاتهم، فأنزل(1)[1] الله عز وجل هذه الآية ليبين حكم صلاتهم: وما كان الله ليضيع إيمانكم [البقرة:143]. أي صلاتكم.
وقد ثبت عن أنس(2)[2] رضي الله عنه أنه قال كان آخر وصية أوصى بها النبي وهو يغرغر بها في صدره ولا يكاد يفيض بها لسانه ((الصلاة الصلاة واتقوا الله فيما ملكت أيمانكم)).
وثبت عن عبد الله(3)[3] بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما طُعن عمر رضي الله عنه احتملته أنا ونفر من الأنصار فأدخلناه في منزله فلم يزل في غشية واحدة حتى أسفر "أي طلع الصبح" فقلنا الصلاة يا أمير المؤمنين.
ففتح عينيه ثم قال: أصلى الناس؟ قلنا:- نعم. قال:- أما إنه لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى رضي الله عنه وجرحه يثعب دمًا.
فهذا سيدنا رسول الله وهو في أشد حالات النزع والاحتضار يوصي أمته بالصلاة، وهذا أمير المؤمنين الفاروق عمر وهو مطعون وهو في تلك الحالة من شدة الاحتضار وكرب النزع والاحتضار وهو يسأل عن صلاة الناس ويوصي الناس بالصلاة.
وهكذا عادة جميع أصحاب رسول الله تعظيم شأن الصلاة، كانوا يعظمون شأن الصلاة ويعدونها عمود الدين فلا دين عندهم بلا صلاة، هي عمود الدين كما أخبرهم بذلك سيدنا رسول الله .
وكيف لا تكون هذه الأهمية لهذه الفريضة العظيمة وهى الصلة بين العبد وبين ربه إذا قام العبد للصلاة فقد قام بين يدي ربه عز وجل، إذا استقبل القبلة فإن الله تعالى تجاهه، العبد في الصلاة واقف بين يدي ربه يناجيه، يناجي ربه بتسبيحه وتحميده والقيام بين يديه والركوع له والسجود وذكره سبحانه وتعالى، فالصلاة هي الصلة بين العبد وربه، هي أيضًا علامة على التسليم والانقياد للرب عز وجل، الصلاة بحركاتها وأفعالها وأذكارها علامة بارزة على التسليم والانقياد لله عز وجل.
الصلاة بما فيها من قيام بين يدي الملك العلام وما فيها من ركوع وسجود وتسبيح له وتحميد وقراءة للقرآن علامة بارزة على التسليم والانقياد لله سبحانه وتعالى، فمن عصى ربه بترك الصلاة فقد أبى التسليم والانقياد لله عز وجل ولا إسلام ولا إيمان بلا انقياد ولا تسليم، قال عز وجل: فمن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى [لقمان:22]. وقال : ((الإسلام أن تسلم قلبك لله))(4)[4].
وهذا إبليس لعنه الله ما الذي أخرجه من رحمة الله وسبب له الطرد من رحمة الله واللعنة الأبدية إلى يوم يبعثون؟
لقد أبى التسليم والانقياد لأمر الله عز وجل عندما رفض أن ينفذ. أمره عز وجل بالسجود لآدم. عندما رفض أن يسجد لآدم وإلا فإقرار إبليس بربوبية الله وألوهيته ما اعتراه نقص ولا شك ولا تردد لكنه مع توحيده لله ومع معرفته بالله عز وجل أبى التسليم والانقياد لأمره، ورفض السجود لآدم امتثالاً لله عز وجل، رفض الامتثال لأمر الله عز وجل بالسجود لآدم فكفر بذلك وأبلس أي طُرد من رحمة الله عز وجل إلى يوم يبعثون.
ومن عصى ربه بترك الصلاة فقد أبى السجود لله فهو ليس أحسن حالاً من إبليس، بل هو أسوأ حالاً من إبليس فإبليس كفر برفضه السجود لآدم، وهذا الذي ترك الصلاة رفض بتركه السجود لله رب آدم رفض السجود لله عز وجل رب آدم ولذلك فهو أسوأ حالاً من إبليس ولذلك فإن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، كانوا لا يعدون شيئًا من المعاصي كفرًا إلا ترك الصلاة.
ثبت عن(5)[5] عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنهم سألوه فقالوا: نجد في القرآن الإكثار من ذكر الصلاة الذين هم على صلاتهم دائمون [المعارج:23]. على صلاتهم يحافظون [المعارج:34].
فقال: ذلك أي على مواقيتها، يحافظون على مواقيتها.
فقالوا: إنما كنا نرى يا أبا عبد الرحمن على تركها - أي يحافظون عليها بفعلها وعدم تركها-.
فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: تركها كفر.
وثبت عن عبد الله(6)[6] بن شقيق رضي الله عنه أنه قال: كان أصحاب محمد لا يعدون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
أي كان أصحاب محمد يعدون ترك الصلاة كفرًا.
وجاء الخبر يصدقهم على هذا الفهم، جاء الخبر عن رسول الله يصدقهم على هذا الفهم، فقد ثبت عنه أنه قال: ((أنه ليس بين الرجل وبين الشرك أو الكفر غير الصلاة))(7)[7].
وثبت عنه قوله : ((العهد الذي بيننا وبينهم - أي المشركين - الصلاة فمن تركها فقد كفر))(Cool[8].
وهذا الكفر الذي وُصف به ترك الصلاة هو ليس مثل الكفر الذي وُصفت به بعض المعاصي في مثل قوله : ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))(9)[9].
ومثل قوله : ((المراء في القرآن كفر))(10)[10].
أو مثل قوله : ((من كفر مسلمًا فقد باء به أحدهما))(11)[11].
أو مثل قوله إن صح عنه ذلك: ((من أتى حائضًا فقد كفر))(12)[12].
الكفر الذي وُصف به ترك الصلاة ليس مثل هذا الكفر الذي وُصفت به هذه المعاصي فإن هذا الكفر الذي وُصفت به هذه المعاصي هو كفر دون الكفر الأكبر المخرج من الملة.
فإن من قاتل مسلمًا أو من كفر مسلمًا أو من جادل في بعض مسائل القرآن أو أتى حائضًا لا يخرج من الملة وإن عصى ربه عز وجل وأتى ذنبًا عظيمًا يدل على عظم هذا الذنب وصف النبي له بالكفر.
لكنه كفر لا يخرج من الملة بخلاف ترك الصلاة فإنه كفر أكبر يخرج من الملة يدل على ذلك فهم أصحاب سيدنا رسول الله .
فإنهم مع أنهم لم يفهموا من وصف الكفر الذي أُطلق على تلك المعاصي أنه كفر أكبر يخرج من الملة فهموا من وصف الكفر الذي أطلق على ترك الصلاة أنه كفر أكبر يخرج من الملة.
ويدل على صحة فهمهم هذا كتاب الله عز وجل فإننا نجد فيه أنه جعل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة علامتين على صحة الإسلام وصحة التوبة لقوله عز وجل: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين [التوبة:11].
معنى ذلك أن من أقام الصلاة وآتى الزكاة، دلت إقامته للصلاة وإيتاؤه للزكاة على صحة إسلامه وصحة توبته. أما إذا لم يفعل ذلك فإسلامه غير صحيح وتوبته غير صحيحة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا.
أما بعد فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران:102] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا [الأحزاب:70-71].
وصلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56].
وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ))(13)[1]
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىَّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه في الإيمان باب الصلاة من الإيمان (1/23) رقم (40).
(2) أخرجه أحمد (3/117) وابن سعد في الطبقات (2/253) وابن ماجة (2697).
(3) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/350) وغيره وسنده صحيح.
(4) مسند أحمد (4/114)، (5/3).
(5) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1532-1534) وابن عبد البر في التمهيد (4/23).
(6) أخرجه الترمذي (5/14) برقم (2622) وغيره وسنده صحيح.
(7) أخرجه مسلم في صحيحه (35) برقم (82).
(Cool أخرجه أحمد (5/346)، والترمذي (5/14) برقم (2621) وغيرهما والحديث صحيح.
(9) أخرجه البخاري في صحيحه (1/27) برقم (48).
(10) 10] أخرجه أحمد (2/286و300و478) وأبو داود (4603) والنسائي (118) وابن حبان (1464) والحاكم (2/243) برقم (2883).
(11) 11] أخرجه البخاري في صحيحه (5/2263و2264) برقم (6103-6104).
(12) 12] أخرجه الترمذي برقم (135) وأبو داود (3904) وابن ماجة (639) وغيرهم.
(13) أخرجه مسلم في صحيحه (1/306) رقم (408).

(1/719)



دروس من غزوة أحد
-----------------------
سيرة وتاريخ
غزوات
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
16/10/1415
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد :
أيها الإخوة المؤمنون ما أجمل أن نداوي الجراح المكلومة الغائرة بالسيرة العطرة المعطرة لرسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه،فسيرته بلسم للجراح وملاذ للخائف وحصٌن للراجي ، والعوذ عندما تدلهم المصائب والأزمات.
فبَكََّي رسول الله يا عين عبرة ولا أعرفنك الدهر ودمعك يجمد
وما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد
تناهت وصاة المسلمين بكفه فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
أقول ولا يلقى لقولي عائب من الناس إلا عازب العقل مبعد
في الخامس عشر من شهر شوال أي في مثل هذه الأيام من السنة الثالثة من الهجرة وقعت معركة أحد بين المسلمين الموحدين ومشركي قريش ومهما أعدت ودبِّجت الرسائل فلن تعطي هذا الحديث ماله من حق في الدروس والعبر التي استفادها المسلمون من زمن الصحابة وحتى يومنا هذه وكأن الله عز وجل حينما قدّر أن الدائرة تدور على المسلمين في نهاية المعركة أراد بذلك أن يعطي الصحابة دروسا في بداية جهادهم ضد المشركين دروسا مؤثرة بالغة ترسخ في أذهانهم فلا ينسوها وتخلد في حياتهم فلا يجهلوها، وكذلك أن تصبح دروسا للأمة جمعاء في حياتها ومعاملاتها ولعل دروس النكبات والهزائم أعظم أثرا من غيرها في كل وقت وحين إلى الجسد المسلم بل والمتداهي، وهم بذلك يشوهون صورة الإسلام حينما يعرضون كل ذلك بالعلم ومحاربة البدعة ومنهج السلف هذه مواقف الإرجاف والنفاق من لدن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وحتى الآن ، فعبد الله بن أبي إنما أراد بذلك العمل أن يضعف المعنويات وأن تخور القوى لدى الصحابة حينما يهزهم هو ومن معه



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 10:56
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **


عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
23/12/1416
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- بيان الغفلة التي تغلب على الناس. 2- ذكر هادم اللذات. 3- التحذير من نسيان الموت. 4- عظم الموقف بين يدي الله يوم القيامة ، وبعض صوره. 5- موعظة.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد :
فيا أيها الناس : اتقوا الله حق التقوى … عباد الله ، نقل ابن ماجة بسند صحيح عن النبي أنه قال : (( من كانت همه الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا راغمة ، ومن كانت همه الدنيا فرق الله عليه أمره ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له )).
إخوة الإيمان .. هذه الدنيا نسير فيها سير الواثق ، نلهث خلف سرابها الزائل ، نحث الخطى مسرعين نحو لذائذها الفانية ، وننسى في غمرة ذلك السعي الحثيث لحطامها أن نوجه أنفسنا إلى الخير فيقف بها على جادة التأمل في الحال ومراجعة الحساب .. ويسير بنا الحال وكأننا في سباق محموم مع الزمن وملذاته التي نخشى فواتها … إنه باختصار وصف لحالنا وحال نفوسنا في هذه الدنيا ، وتعالوا بنا إلى وقفة نتأمل فيها الحال ونذكر فيها النفوس في خضم الحياة وسدرة الغفلة ، وما أحوج القلوب الراكدة ، والنفوس الغافلة إلى التذكير .
عباد الله : من خاف الوعيد وقصر عليه البعيد ومن طال أمله ضعف علمه ، وإن ربكم لم يخلقكم عبثا ، ولن يترككم سدى ، فتزودوا من دنياكم ما تحرزون به أنفسكم غدا ، فالأجل مستودع ، والأمل خادع .
تمر بنا الجنائز في مشاهد يومية نرى تجهيزها ويصلي الناس عليها، ويسيرون خلفها ، نشيعها محمولة إلى مثواها الأخير فترى من يلقي عليها نظرات عابرة وربما طاف بهم طائف من الحزن يسير ، أو أظلهم ظلال من الكآبة خفيف ، ثم سرعان ما يغلب على الناس نشوة الحياة وغفلة المعاش … فيا أهل الغفلة كيف ترجى الآخرة بغير عمل، أم كيف ترجى التوبة مع الغفلة والتقصير وطول الأمل ، ويل لأهل الغفلة إن أعطوا لم يشبعوا وإن منعوا لم يقنعوا .
يا أهل الغفلة : هذه الدنيا كم من واثق فيها فجعته ، وكم مطمئن إليها صرعته ، وكم من محتال فيها خدعته ، وكم من مختال أصبح حقيرا وذوي نخوة أردته ذليلا ، سلطانها دول ، وحلوها مرّ ، وعذبها أجاج .. أحوالها إما نعمٌ زائلة ، وإما بلايا نازلة ، وإما منايا قاضية .
يا أهل الغفلة : أكثروا من ذكر الموت، بهذا أوصى نبينا محمد فقال : (( أكثروا من ذكر هادم اللذات )) ، فما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا في سعة إلا ضيقها ، ومن ذكر الموت وما بعده حق الذكر حاسب نفسه في عمله وأمانيه ، وأيم الله ليوشكن الباقي منّا أن يبلى ،والحي منا ومنكم أن يموت وأن تزال الأرض منا كما أزلنا منها فتأكل لحومنا وتشرب دماءنا كما مشينا على ظهرها وأكلنا من ثمارها ثم نكون كما قال الله : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ،[الزمر:68] وقف رسول الله ذات مرة على شفير قبر فبكى حتى بلَّ الثرى ، ثم قال : (( يا إخواني لمثل هذا فأعدوا ))، ويسأله عليه الصلاة والسلام رجل فيقول : من أكيس الناس يا رسول الله ؟ فقال : (( أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعداد له ، والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ))، ومن أكثر ذكر الموت أكرمه الله بثلاث : تعجيل التوبة ، وقناعة القلب ، ونشاط العبادة … ومن نسي ابتلي بثلاث : تسويف التوبة ، وترك الرضا بالكفاف ، والتكاسل بالصلاة ، كفى بالموت للذات هادما، وللجماعات مفرقا، وللأماني مقطعا، … واستبدل الأموات بظهر الأرض بطنا ، وبالسعة ضيقا ، وبالأهل مساكنهم ، والتراب أكفانهم ، والرفاة جيرانهم ، لا يجيبون داعيا ، ولا يسمعون مناديا ، كانوا أطول منا أعمارا وأكثر آثارا ، فما أغنى عنهم ذلكم من شيء لما جاء أمر ربك فأصبحت بيوتهم قبورا ، صارت أموالهم للوارثين ، حل بهم ريب المنون ، وجاءهم ما كانوا يوعدون : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ،[المؤمنون: 115] فهل تفكرت يا عبد الله بيوم المصرع الذي ليس لدفعه حيلة ولا ينفع عند نزوله الندم ؟ هل حملنا هم الآخرة والحساب والعقاب الجزاء والثواب ؟ هل استعددنا لمواقف يوم القيامة ، وما أشدها على النفوس ؟ هل نتذكر حين يقف الإنسان بضعفه وعجزه ، يقف العبد بفقره وذله ، يقف العبد بذنبه وخطيئته ، يقف أمام جبار السماوات والأرض ، أمام القوي القهار العزيز الجبار ، من له العز كله والجبروت كله والعظمة والقهر … يقف العبد أمام رب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، يقف العبد أمام التواب جل جلاله ، وقد زالت عن هذا العبد كل مظاهر القوة الزائفة ، فذهب عن الَِملك ُملكه ، وعن السلطان سلطانه ، وعن الغَني عْناه ، وعن القوَي قواه ، لم يبق معه إلا ضعفه وذلته وفقره إلى عفو ربه يقول جل وعلا : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ،[الأنعام:94]
دخل الخليفة المهدي مسجد رسول الله فقام له كل من في المسجد إلا العالم الرباني ابن أبي ذئب ، فقد بقي مطرقا فلمّا مر به المهدي قال له أحد حاشيته :لمْ تقم لأمير المؤمنين ، فقال : " ذكرت قول الله : يوم يقوم الناس لرب العالمين فقال المهدي : كفى فوا الله لقد وقفت في بدني كل شعرة "، إنه الموقف الذي تنفع فيه الصلات وتفلس فيه العلاقات ، وتخذل فيه الإمعات ، وأعوان الطغاة الذين كانوا في الدنيا يمسكون بذيول المتكبرين والمتجبرين يبيعونهم دينهم بدنياهم ويطيعونهم في معصية ربهم ويعلمون حينذاك بأي حبل ضعيف تعلقوا .. وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ،[إبراهيم:21] إنه الموقف الذي تنكشف فيه كل حيلة ، ويظهر فيه كل زيف ، ويُخذل المنافقون الذين يصلون مع المسلمين وليس الصلاة ولا الموعظة مرادهم ، وحدث النبي فقال : (( يلقى ربكم العبد فيقول: أي فلان ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والأبل وأذرك ترأس وتربع فيقول : بلي يا رب ، فيقول :أفظننت أنك ملاقي ، فيقول : يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع ، فيقول الله الذي لا تخفى عليه خافية: هاهنا إذا : الآن نبعث شاهدنا عليك ، فيتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليه ، فيختم على فيه ، ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فينطق ليعذر من نفسه وذلك الذي يسخط الله عليه )) ، إنه موقف العرض على الله حين : خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ،[طه: 108] وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً ،[طه: 111] وعًرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعداً ، إنه موقف عظيم تبدد فيه الأموال والقوي ، يقف فيه أمام الله ليسأله عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟.. قال : (( يجاء بابن آدم يوم القيامة كالَحَمل الضعيف فيوقف بين يدي الله جل جلاله فيقول الله تعالى : أعطيتك وخولتك وأنعمت عليك فماذا صنعت ، فيقول يا رب جمعته وثمرته وتركته أكثر ما كان فارجعني آتك به ، فيقول الله : أرني ما قدمت ،فيقول معيدا : يا رب جمعته وثمَّرته وتركته أكثر ما كان ، فارجعني آتك به ، فإذا عبد لم يقدم خيرا فيمضي به إلى النار )) إنها مواقف القيامة حين المساءلة مع الله عز وجل … أما من عاشوا في هذه الدنيا يتذكرون تلك المواقف ، يتذكرون ويقولون : إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً ،[الإنسان:10] فإن الله يذكرهم ولا ينساهم … روي في الحديث عن النبي أنه قال (( يؤتى بالعبد فيوقف بين يدي ربه فيضفي عليه المولى جل جلاله كنفه أي ستره لا يفضحه ، فيكلمه ربه وهو أعلم به ، يا عبدي عملت يوم كذا وكذا ؟! عملت يوم كذا وكذا ؟! يقرره بذنوبه في الآخرة ، يقول : بلى يا رب لا ينكر من ذلك شيئا حتى إذا ظن أنه هالك ، قال له الرب الرحيم : فإنني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا اغفرها لك اليوم ))، وروى أبو ذر عن النبي أنه قال : (( إن عبدا يوقف بين يدي الله فيقول الله : اعرضوا عليه صغار ذنوبه واطووا عنه كبارها ، فتعرض عليه ذنوبه الصغار ذنبا ذنبا يقرر بها ، ويقول : بلى يا رب لا ينكر منها شيئا وهو خائف أن تعرض عليه كبارها ، فيقول الله له : فإني قد غفرتها لك اليوم وأبدلتها كل سيئة بحسنة ، فيقول : يا رب إن لي ذنوبا ما أراها هنا )) ، قالوا أبو ذر: فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه .
إخوة الدين والعقيدة ... من منا تفكر في تلك المواقف عند الموت وبعده ، حين ترتعد الفرائض وتبلغ القلوب الحناجر ، وتجثو الأمم على الُّركَب ، وأيقن المذنبون بالهلاك والعطب في ذلك اليوم العظيم حين يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه حين تتطاير الكتب فممسك كتابه بيمينه وآخر بشماله حين تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ، فما ظنكم بنا إخوة الإيمان في ذلك اليوم ترى ما حالنا حينذاك إن لم يتداركنا الله برحمته ؟!.
بأي حال نلاقي الله ونحن من بارزه بالخطايا واستكثرنا من الذنوب ؟! بأي لسان ننطق ونحن نرى عِظَمَ الموقف ؟! كيف الجواب لرب العزة الذي يخاطب بلا حجاب ؟ ينظر العبد يوم ذاك عن يمينه فلا يرى إلا ما قدم وعن شماله فلا يرى إلا ما قدم وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار ، يسأل كل منا عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن عمله ماذا عمل به … إننا نخسر ونخسر وقبل أن يدركك الشيطان .. عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال : (( إن الشيطان قال : وعزتك يا رب ، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الرب عز وجل : وعزتي وجلالي ، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني )) أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي .
التوبة .. التوبة يا عباد الله قبل أن يصل إليكم الموت …
يا أيها الباني الناسي منيته لا تأمنن فإن الموت مكتوب
على الخلائق إن ُسروا وإن فرحوا فالموت حتف لذي الآمال منصوب
لا تبنين ديارا لست تسكنها وراجع النسك فيما يغفر الحوب
فيا أيها العاصي وكنا ذاك ، هلا خرجت وقد عزمت على التوبة ، يا من سود كتابه بالسيئات قد آن لك بالتوبة أن تمحوا ، يا سكران القلب بالشهوات أما آن لفؤادك أن يصحو … إنها دعوة إلى التوبة ، توبة من كل معصية يقارفها العبد في كل شؤون حياته ، في نفسه ودينه وماله وشهواته ومنصبه ، فيا رب …
أسأت ولم أُحسن وجئتك تائبا وأنى لعبد من مواليه مهرب
يؤمل غفرانا فإن خاب ظنه فما أحد منه على الأرض أخيب
اللهم اختم لنا بخاتمة الصالحين التائبين ، اللهم واجعلنا يوم الفزع آمنين ، واجعلنا ممن يؤتون كتابهم باليمين ، وممن يُرفع مقامُهم في عليين .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتَى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرّة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين .[الزمر53-59]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم …
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه …أما بعد :
فيا عباد الله : اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله وإن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه إن الله وملائكته يصلون .

(1/722)



التوبة
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
التوبة
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- توبة الله على الصحابة جزاء اتباعهم لأمر نبيه في غزوة تبوك. 2- الأمر بالتوبة بعد الانتهاء من بعض الطاعات. 3- الله يطلب من عباده أن يتوبوا إليه. 4- الله أرحم بعباده من الأم بولدها. 5- توبة قاتل المائة. 6- بعض صور المعاصي في مجتمعنا.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله ـ يا أيها المسلمون ـ اتقوا الله عاد المسلمون من غزوة تبوك بعد سفر بعيد وجهاد لاغب، ومسافة طويلة، وشقة بعيدة، وأرض مترامية، حرارة لافحة، عادوا من غزوة العمرة التي كانت آخر غزوة غزاها النبي ، وسبقتها غزوات كثيرة وحروب مريرة. وبعد أن عاد المسلمون من وعثاء السفر، وطول البعد، والعطش الشديد، وقلة ذات اليد، وقلة الظهر والزاد .. بعد هذا كله تلقاهم الله ـ جل جلاله ـ بالترحاب والبشرى، وأنزل في سفرهم آيات تتلى، تحيى صبرهم الكبير، ومشوارهم الطويل: لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِىّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاْنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة 117]، إنها
التوبة يا عباد الله ـ وإن هذا لمن أعظم ما يبين قدر التوبة وفضلها عند الله ـ عز وجل ـ. التوبة كمال للمؤمن، وقد أعطى المولى ـ جل جلاله ـ للرسول والصحابة معه هذا الكمال بعد آخر الغزوات، بعد أن قضوا نحبهم وبذلوا نفوسهم وأموالهم، وتركوا لله ـ عز وجل ـ ديارهم، فكانت مكافأتهم من الله بأن تاب عليهم، فكانت نعم الغاية ونعم المكافأة ،إنها التوبة يا عباد الله التي لا تنال شيئا إلا برحمة الله ـ عز وجل ـ، وتوفيق للعبد، ولن يستطيع أحد أن ينال شيئا إلا برحمته ـ جل وعلا ـ، حتى أنّ أفضل خلقه وأشرف خلقه وأبرّهم وأكرمهم وأتقاهم وأخشاهم يقول: ((لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ولا أنا إلا أن يتغمّدني الله برحمته))(1)[1]، لذلك فقد كانت مكافأة الله ـ عز وجل ـ للرسول وصحابته عظيمة جليلة، بأن تاب عليهم بعد آخر غزوة. وانظروا كذلك أيها الإخوة المؤمنون، إلى رسول الله لما أتم أعظم عمل يُعمل، وأضخم إنجاز يُنجز، بعد أن بلّغ رسالات الله، وفتح مكة بلد الله الأمين، فدخل الناس في دين الله أفواجا، ودانت له أرض الجزيرة، يأمره الله قائلا: فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوبَا [النصر:3].
إنها التوبة والاستغفار بعد هذا العمل الصالح المبرور، وبعد الجهاد الطويل الذي يُختم بالتوبة والاستغفار والبشري بتوبة الله ـ عز وجل ـ إنه كان توابا.
إخوة الإيمان، نتذكر ذلك ونحن نستقبل شهرا عظيما هو رمضان بما فيه من أيام كريمة ومناسبات عظمية، وإن أعظم ما يختم به ذلك وما يبدأ به شهر رمضان، توبة صادقة مخلصة لله ـ عز وجل ـ، يعيد منها الإنسان تنظيم نفسه، فيعرف عيوبها وآفاقها، ويتخلص من الهنات. التي تُزري بنفسه أمام بارئها، ألا ترون أن النفس تستحق بعد كل مرحلة تعطفها من الحياة أن تعيد النظر فيما أصابها من غُرم أو غُنم، ألا تستحق نفوسنا أن نتعهد شؤونها بين الحين والحين، لنرى ما عراها من اضطراب فنزيله، وما لحقها من إثم فننفيه، وبدون هذه المراجعة فإن القلب يغفل وينفرط الأمر، وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]، فكان تفريط الأمر، تفريط الأمر واتباع الهوى لمن غفل قلبه، وإن خير فرصة لهذه المراجعة والمحاسبة والبداية بحياة جديدة ورحلة جادة في الطريق إلى الله ـ عز وجل ـ والدار الآخرة.
رمضان، إنه فرصه للتوبة النصوح التي تنقلنا من مرارة المعصية إلى لذة الطاعة، وتنقلنا من وحشة الغفلة إلى أنس الذكر، تنقلنا من وهدة الخطيئة إلى عزة الإيمان.
وليست التوبة فترة قصيرة يعود بعدها الإنسان إلى ما ألف من فوضى وإسفاف. إن التوبة هي العودة الظافرة التي ينتصر بها الإنسان على أسباب الضعف والخمول. إنها التوبة التي يقول الله عنها: وإني وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]. هذا هو أثرها فبعد التوبة والإيمان وعمل الصالحات قال: الِحَاً ثُمَّ اهْتَدَى، وهي إشارة إلى حياة تجددت بعد لى، ونقلةٍ غيرت معالم النفس.
أيها الأخوة المؤمنون، إن علينا أن نسارع بالتوبة وانتهاز اليوم، وإن انتهاز اليوم أفضل من انتظار الغد، وانتهز الصباح أولى من انتظار المساء، وأما تعليق التوبة على أمنية في الغيب فهو إرجاء لا يعود بخير، وحذارِ من أن نفهم أن التوبة لا تحدث فقط إلا بعد فاحشة ترتكب أو معصية كبيرة، ولنتذكر أن التوبة وظيفة العمر، وأن أفضل التوبة التي تأتي بعد طاعة وصفاء قلب وأنس بالله ـ عز وجل ـ، ولذا ختم الصحابة جهادهم بتوبة الله عليهم، وختم النبي بلاغه لرسالة الله باستغفار الله إنه كان توبا، ويقول الله ـ جل وعلا ـ واصفا عباده: كَانُواْ قَلِيلاً مّن الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17، 18]، ويأمرنا رسول الله بعد كل صلاة أن نستغفر الله ثلاثا(2)[2]، إذاً إنها التوبة التي تأتي بعد الطاعة فهي أفضل التوبة.
فالعزم كل العزم والحزم كل الحزم، بأن نجعل رمضان بداية حياة جديدة وبداية لتعديل المسار في الحياة. وتذكروا حينما نتوب أننا نتوب إلى ربٍّ توّاب، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها، وينادينا نحن المذنبين المخطئين المسرفين، قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُواْ إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ [الزمر:53، 54]، ولنتذكر حينما نتوب أن الله يفرح بتوبة العبد، روى مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : ((لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح))(3)[3]، وإننا حين نتوب ونستغفره، فإننا ندعو ونستغفر ربا غفارا ينادي عباده: ((يا عبادي، إنكم تذنبون بالليل والنهار ولا يغفر الذنوب إلا أنا فاستغفروني أغفر لكم))(4)[4]، وينادي وهو الغني عن عباده: ((يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو لقيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لقيتك بقرابها مغفرة..))(5)[5]، إنه الرب الرحيم الرحمن الذي كتب في كتاب عنده: ((إن رحمتي سبقت غضبي))(6)[6]، وهو الذي قسم الرحمة مائة جزء أنزل منها على خلقه جزءا واحدا يتراحم به الخلق كلهم، وأبقى تسعة وتسعين جزءا يرحم بها عباده(7)[7]. قدم على النبي بسبي فإذا في السبي امرأة تطوف بين السبي، قد زاغ بصرها، وشعث رأسها، وهي في حالة ذهول، تبحث عن فلذة كبدها، تبحث عن ولدها، وكان هذا التطواف منها بمرأى النبي فما هو إلا أن وجدت ولدها ذاك فالتزمته، وألصقته بصدرها، وألقمته ثديها تطعمه وضانا، فنظر النبي إلى عاطفة الأمومة ورحمة الأم، وتعجب الصحابة من ذلك فسألهم أترون هذه المرأة ملقية ولدها في النار. قالوا: لا يا رسول الله. فقال: ((لله أرحم بعباده من هذه بولدها)) رواه البخاري ومسلم(Cool[8]، وروى البخاري ومسلم وأحمد عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال: ((كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب، فأتاه فأخبره وهل له من توبة ؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة ؟ فقال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله ـ تعالى ـ فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله ـ تعالى ـ، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم حكما، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقاربي، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة وغفر له))(9)[9].
هذه هي رحمة الله ـ جل وعلا ـ يا إخوة الإيمان، فهل ننجز التوبة، فلا نسوّفها، فلا نخلفها، ونجعل من رمضان بداية تغيير المسار إلى الأفضل، وتقويم السير في الطريق إلى الله ـ عز وجل ـ.
نسأل الله ـ جل جلاله ـ أن يعيننا على التوبة وييسرها لنا، وأن يتقبل منا الأعمال. اللهم وفقنا للتوبة وتقبلها منا وأعنا عليها إنك أنت التواب الرحيم، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، وصلِّ اللهم وسلِّم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة المؤمنون، ونحن نودع قافلة من قوافل الزمن ومرحلة من مراحل التاريخ، نودع عاما ونتلقى عاما، ودعنا عاما حصلت فيه أحداث للأمة، حفرت أخاديد في وجه التاريخ. وإن من أعظم أنواع الغفلة، أن تمر هذه الأعوام والأحداث، ثم لا نرى بعد في الواقع أثرا، ولا تأثرا، فنعوذ بالله أن نكون ممن قال الله فيهم: أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون.
انظروا إلى أحداث أمتنا الإسلامية في العام الماضي، مصائب وكوارث، قتل وحرق لأفرادها، هتك للأعراض، وتشريد للأطفال، وتجهيل الأمة وإخراجها منها، ولا أبالغ حين أقول إنه لم يمر يوم من أيام السنة الماضية، إلا وكانت للأمة الإسلامية فيه حدث مؤلم أو إهانة تعرضت لها، حتى كأن وسائل الإعلام الإخبارية تخصصت في ذكر مصائب المسلمين، ولم آت لأعدد مصائب المسلمين وكوارثهم وأحزانهم، فهذا ما لا أستطيعه في هذه العجالة، ومما لا يتسع المقام لذكره.
إخوة الإيمان، جاءت هذه الأحداث للأمة، لتبين أننا أحوج ما نكون إلى الوضوح ن وتلمس الأخطاء ومعالجة العوار، والعودة إلى الدين، ولكن من الأسف لا زالت الأمة تجد وقتا فارغا وأموالا مبذولة وآذانا سامعة، للتسلية المحرمة وإفساد المجتمع بجميع فئاته، عن طريق بعض القنوات الإذاعية الجديدة التي نذرت نفسها طوال ساعات اليوم للبث والإفساد. بالأمس القريب كنا نشكو من القنوات الفضائية عبر الدشوش التي عمت وطمت ووجهت الإفساد إلى هذا المجتمع، واليوم نرى هذه القنوات الإذاعية التي خصصت للموسيقى والأغاني المائعة الماجنة، وليس هذا فقط بل وتبادل المكالمات الهاتفية، النساء مع الرجال والعكس بالعكس، وتبادل الضحكات.. ومناقشة بعض الأفكار التي ما كنا نسمعها تذاع من قبل أو يتجرأ أحد على طرقها، ولم يكفهم هذا بل راحوا يعلنون عنها في كل مكان بوسائل مغرية حتى شوارعنا ملؤوها بالإعلان عن هذه الترهات، وبأن الحال ستبدل بها دعوة للأمة للتلهي عن قضاياها المصيرية، وتغريرا بفتيان الأمة وفتياتها وتضييع اهتماماتهم، إن هذا كله إضاعة لتميز هذه الأمة وإضاعة لعقيدتها، نحن خير أمة أخرجت للناس، بم كان ذلك: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، فهل اشتغلنا بهذا، وهل رسخنا هذه القضية في قلوبنا وقلوب من حولنا، هل جعلنا هذا همنا وهويتنا؟! أسئلة أدع إجاباتها لعقولكم.
إننا أمة ما تميزت بالفن حتى نفتخر بذلك، إننا أمة ما تميزت بالرياضة التي شغلت عقولنا وأفئدة شبابنا، إننا في هذه الجزيرة لنا ما يميزنا، ولنا الرسالة التي نحملها للدنيا، ولنا ما ندعو العالم إليه، ولنا ما نبيّنه للعالم فنقول ها نحن، وهذه بضاعتنا، إننا أتينا لنقول للعالم إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، نقول للعالم أتينا لنحرر العقل من الخرافة، ولنحرر الإنسان من العبودية إلا لله، ولنضع الناس على طريق أوله في أيديهم وآخره في الجنة، هذه رسالتنا، هذه مفاخرنا، وهذه بضاعتنا.
نحن يا فنان ما عاد لنا ……أذن تهفو وللحن تحن
كل ما فينا جراح ودم ……نازف من كبد حري تئن
أنغني للهوى في مأتم ……ولنا من دمنا كأس ودن
وسيوف لا نصقلها……وسيوف الرقص للرقص تسن
أمتي يحميك نار ولظى ……ليس يحميك أغاريد وفن
نداء إلى أمة أن تعرف هدفها وغايتها لتسعى من أجلها وتنبذ ما يرديها في مهاوي السقوط والغفلة.
أسأل الله ـ جل وعلا ـ أن يرد ضال المسلمين إليه ردا جميلا، وأن يحسن عاقبتنا، وأن يجعل مآل الأمة خيرا، وصلوا وسلموا ـ يا عباد الله ـ على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، إن الله وملائكته يصلون على النبي [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم..
__________
(1) أخرجه البخاري ح (6463) ، ومسلم (2816).
(2) أخرجه مسلم (931).
(3) صحيح مسلم (2747).
(4) قطعة من حديث قدسي أخرجه مسلم (4674).
(5) صحيح ، قطعة من حديث قدسي أخرجه أحمد (5/154) والترمذي (3540) وقال : حديث غريب.
(6) أخرجه البخاري (2872) ، ومسلم ح (4939).
(7) أخرجه مسلم (2852).
(Cool صحيح البخاري (5999) ، صحيح مسلم (2754).
(9) صحيح البخاري (2470) ، صحيح مسلم (2766) ، مسند أحمد (3/72).

(1/723)



وقفات مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه
-----------------------
سيرة وتاريخ
تراجم
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
8/3/1416
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- فضل الصديق الأكبر رضي الله عنه. 2- جوانب من عظمة أبي بكر وتضحياته في مهد الإسلام. 3- مكانة الصديق عند رسول الله . 4- عظمة الصديق في خلافته نموذج لأولياء أمور المسلمين.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد، فاتقوا الله ـ إخوة الإيمان رحمكم الله ـ. أيها المسلمون، الأمم والشعوب كما تحقق العز والمجد يمسها الضعف والهوان، وتاريخ الإسلام ليس مجرد أحداث مدونة ووقائع مسجلة، ولكنه عقيدة الأمة ودينها ومقياسها وميزانها وعظتها واستكبارها والتاريخ هو الكنز الذي يحفظ مدخرات الأمة في الفكر والثقافة والعلم والتجربة، وهو الذي يمدها ـ بإذن الله ـ بالحكم التي تحتاجها في مسيرة الزمن وتقلّبِ الأحداث. والأمة التي لا تحسن فقه تأريخها، ولا تحفظ حق رجالها أمة ضعيفة هزيلة مضيعة لمعالم طريقها.
إخوة الإيمان، نقف اليوم بكم مع رجل لا كالرجال, وفذ لا كالأفذاذ, يكفيه أنه صاحب رسول الله المقدَّم، إنه عظيم القدر رفيع المنزلة، نصر الرسول يوم خذله الناس، وآمن به يوم كفر به الناس، وصدقه يوم كذبه الناس، جَِهل فعله الكثير من أبناء المسلمين، ولم يقدره قدره بعض أجيالنا ورجالنا ومثقفينا وكتابنا, يعرفون عن مغنية أو مغنًّ أو لا عب رياضي أو ساقط أو ساقطة، أكثر مما يعرفون عن هذا العَلمَ، إنه أفضل الصحابة، ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على خير منه، إنه من وُِزن إيمانه بإيمان الأمة فرجح إيمانه، لم يُؤْثر عنه أنه شرب خمرا قط، ولم يُْؤثر عنه أنه سجد لصنم قط، ولم يتعامل بربا قط، ولم يُؤْثر عنه كذب قط، إنه من لا يخفى،فهو أبو بكر الصديق وأرضاه، ولعن الله من أبغضه وعاداه من الرافضة والباطنية والضلال، نقف بكم اليوم على شيء من خبره وفيض من سيره، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى سير أمثال هؤلاء، والحال في الغالب قد تسر العدو وتحزن الصديق، ولنعلم أنه يوم تدارى أمثال هذا الرجل ظهر الفساد، وتطاول الأقزام، ونطق الرويبضة، وضيعت الأمانة.
روى ابن كثير في سيرته: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (لما اجتمع أصحاب رسول الله ألح أبو بكر على رسول الله في الظهور وعدم الاختفاء، فقال : يا أبا بكر إنا قليل فلم يزل أبو بكر يلح حتى وافقه على ذلك، وظهر رسول الله والمسلمون، وتفرقوا في نواحي المسجد وقام أبو بكر خطيبا في الناس فكان أول خطيب دعا إلى الله، وثار عليه المشركون وثاروا على المسلمين معه، وضربوا أبا بكر ضربا شديدا حتى أن عتبة بن ربيعة دنا منه فجعل يضرب وجهه بنعلين مخصوفتين، ثم ينزو على بطنه حتى ما يعرف وجهه من أنفه وجاء بنو تيم قوم أبي بكر وأجلوا عنه المشركين، وقالوا: لئن مات لنقتلن عتبة ثأرا لأبي بكر، وأبو بكر مغمى عليه لا يتكلم بكلمة، رجع إليه قومه ليكلموه، فما تكلم إلا آخر النهار، فماذا قال ؟ لقد قال: ما فعل رسول الله ؟ هذا همه الذي يشغله حتى عن نفسه وراحت أمه تلح عليه أن يطعم شيئا وهو يقول: ما فعل رسول الله ، فتقول: والله يا بني ما لي علم بصاحبك، فيقول لها: اذهبي إلى أم جميل فاطمة بنت الخطاب فسليها، فخرجت إليها: فقالت: إن ابني يسأل عن محمد، فقالت لها أم جميل: أتحبين أن أذهب معك إلى ابنك، تريد سرية الأمر، فقالت: نعم، فمضت إلى أبي بكر فوجدته صريعا، فقالت: والله إن قوما نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، فيقول أبو بكر مرددا: ما فعل رسول الله ، فقالت: إنه سالم صالح، فقال: أين هو ؟ فقالت: في دار ابن الأرقم، قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعاما ولا شرابا، حتى آتي رسول الله ، فانتظروا حتى سكن الناس، ثم خرجت أمه وأم جميل يتكأ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله ، فلما رآه عليه الصلاة والسلام قبله وأكب عليه المسلمون، ورق له رسول الله رقة شديدة لما يرى منه، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي ليس بي من بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، ثم قال:يا رسول الله هذه أمي برة بولدها، وأنت مبارك فادع الله لها وادعها إلى الله، فدعاها ودعا لها رسول الله ، فشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)(1)[1]، وهذا من أعظم البر.. .
هذا موقفه، وهذه تضحيته في سبيل الله، الذي به علا شأنه، وارتفعت مكانته، وأبو بكر كان السبب في دخول الكثير في الإسلام منهم ستة من العشرة المبشرين: عثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة رضي الله عنهم.
وهو من أعتق عشرين من الصحابة من ربقة العبودية، الذين كانوا يعذبون بأشد أنواع العذاب وأقساه، وأنفق في ذلك أربعين ألف دينار، هي كل تجارته، ليحقق معنى الجسد الواحد، الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ثم إلى وقفة أخرى مع الصديق حينما أسُري وعرج بالنبي في حادثة ومعجزة غريبة لم يعتدها مشركو قريش، بل لقد تأثر بعض ضعاف المسلمين وُِفتن بأن كَذَّب بالإسراء والمعراج، وحصوله في ليلة واحدة، فيذهب بعضهم إلى أبي بكر يريدون زعزعة عقيدته وإيمانه، فيخبرونه الخبر فوقف أمامهم ثابتا، وهو يقول: (إن كان قال فقد صدق الآن..) (2)[2]، واستحق أبو بكر أن يلقب بالصديق.
أما حديثه في الهجرة فهو الحديث الذي لا ينقضي منه العجب، هل أحدثكم عن رغبته الملحة بمرافقة النبي ، وإعداده لهذه الرحلة وتربية أولاده لخدمة الدعوة في هذه الرحلة، أم أحدثكم عن فرحته العارمة حينما أذن الله لنبيه بالهجرة، وصحبته معه حتى أن فرحته هذه أبكته، كما تقول عائشة رضي الله عنها في حديث البخاري: (ما علمت الرجل يبكي من شدة الفرح إلا يومئذ حينما رأيت أبي يبكي من شدة الفرح) (3)[3]، ترى هل كان فرحه لمرافقة النبي لنزهة صيفية؟، لا إنها رحلة إلى عمق الأخطار، حيث قريش تبذل مائة ناقة لمن يأتي برأس أحدهما، أم أخبركم عن محافظته على النبي في هذه الرحلة حين كان يمشي أمامه تارة ثم يرجع خلفه ثم يذهب يمينا ثم شمالا، فيسائله رسول الله عن ذلك فيقول: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إذا تذكرت الرصد تقدمت، وإذا تذكرت الطلب تأخرت، فدعا له النبي بخير وقبل دخول الغار، يدخل أبو بكر ليتفقد الغار من الحشرات الضارة ويسد خروق الغار، بيديه ورجله حفاظا على النبي (4)[4].
إنها التضحية والفداء في سبيل نماء هذه الدعوة، وظهورها، فبذل أبو بكر والصحابة معه كل قدراتهم في سبيل ذلك فأين نحن من هذا ؟! أين دورنا مع الدعوة إلى الله ؟! أين دفاعنا عن الدعاة والعلماء والذب عن أعراضهم ؟!.
أيها الإخوة المؤمنون، أما وقفتنا التالية مع أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم - فهي تبين لنا مكانته عند النبي ، أخرج البخاري عن أبي الدرداء قال: (كنت جالسا عند رسول الله ، إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى ركبته، فلما رآه قال: أما صاحبكم فقد غامر، أي وقع في هول وخطر، فأقبل حتى سلم على رسول الله ثم قال: يا رسول الله: إنه كان بيني وبين عمر شيء فأسرعت إليه – أي أخطأت عليه – ثم إني ندمت على ماكان مني فسألته أن يغفر لي، فأبى علي، فتبعته البقيع كله حتى تحرز بداره مني، وأقبلت إليك يا رسول الله ؛ فيقول : ((يغفر الله لك يا أبا بكر يغفر الله لك يا أبا بكر))، ثم ندم عمر حين سأله أن يغفر له فلم يصفح عنه فخرج يبحث عنه، حتى أتى منزل أبي بكر، فسأل هل ثمَّ أبو بكر، فقالوا: لا نعلم، فعلم أنه عند رسول الله فأقبل إلى رسول الله ، حتى إذا سلم فجعل وجه النبي يتمعر حتى أشفق أبو بكر أن يكون من رسول الله إلى عمر ما يكره فجثا أبو بكر على ركبتيه، وقال: يا رسول الله، كنتُ أظلم كنتُ أظلم، فيقول - مبينا مكانة أبي بكر – ((إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي ؟! فهل أنتم تاركون لي صاحبي ؟! )) فما أوذي الصديق بعدها أبدا(5)[5].
أما بذل الصديق وعطاؤه، فيصفه لنا عمر بن الخطاب فيقول: كما روى الترمذي بسند حسن: (ندب النبي وسلم للصدقة ذات يوم فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر ولم أكن أسبقه في شيء طول الدهر، فجئت بنصف مالي فتصدقت به، فقال : ما أبقيت لأهلك، قال عمر: أبقيت لهم مثله، ويأتي أبو بكر بكل ماله لم يبق قليلا ولا كثيرا، فيقول له رسول الله : ما أبقيت لأهلك، قال: أبقيت لهم الله ورسوله !! فيقول عمر: فقلت في نفسي والله لا أسابقك إلى شيء بعد اليوم أبدا) (6)[6].
وروى الإمام أحمد أن النبي قال: ((أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي))، فقال أبو بكر وددت يا رسول الله أني معك حتى أنظر إليه، فقال له عليه الصلاة والسلام: ((أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي)) (7)[7].
هذه مواقف أبي بكر، هذه تضحياته، هذا فضله. أما حاله حين ولي الخلافة، حين ولي مقاليد الأمة، فهو الحال الذي تفتقده أمة الإسلام اليوم في ولاتها وحكامها، وجدير بكل من ولي من أمر المسلمين شيئا أن يتأمل سيرته وحاله في ولايته، أرأيتم خطبته حين تولى فماذا قال؟!
(أيها الناس إني قد وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، الضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، لا يدع قوم الجهاد إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيتهما فلا طاعة لي عليكم)(Cool[8] هذا هو دستور أبي بكر في خلافته وولايته، فهل كانت هذه خطبة رنانة، وأقوالا فضفاضة، كالتي تنشر على شعوب الإسلام اليوم ولا يطبق حرف؟ هل كان قوله هذا غشا أو تجارة أو دعوة لانتخابه فقط؟ لا؛ إنه أبو بكر، إنه الصديق.
أول ما عمل أن سير جيش أسامة الذي ندبه النبي فأرهب به الروم والعرب، ثم قام بحرب المرتدين، وما تهاون معهم بل قال: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ؟ والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه للنبي لقاتلتهم عليه)(9)[9]، روي في السير عن عمر بن الخطاب قال: (كنت أفتقد أبا بكر أيام خلافته ما بين فترة وأخرى، فلحقته يوما فإذا هو بظاهر المدينة – أي خارجها – قد خرج متسللا، فأدركته وقد دخل بيتا حقيرا في ضواحي المدينة، فمكث هناك مدة، ثم خرج وعاد إلى المدينة، فقلت لأدخلن هذا البيت فدخلت فإذا امرأة عجوز عمياء، وحولها صبية صغار، فقلت: يرحمك الله يا أمة الله من هذا الرجل الذي خرج منكم الآن؟ فقالت: أنه ليتردد علينا حينا، والله إني لا أعرفه، فقلت: فما يفعل ؟ فقالت: إنه يأتي إلينا فيكنس دارنا، ويطبخ عشاءنا، وينظف قدورنا، ويجلب لنا الماء، ثم يذهب، فبكى عمر حينذاك، وقال: الله أكبر والله لقد أتعبت من بعدك يا أبكر) (10)[10].
إننا إخوة الإيمان، تحت ضغط الحياة المادية نعتبر هذا الكلام نسج خيال، ولكنه الإيمان الذي وقر في قلوب أصحاب النبي فحولوه من أقوال إلى أعمال ومن آيات تتلى وتحفظ إلى أحكام تطبق ويعمل بها.
هذه جهود أبي بكر في الإسلام وهذا عمله، وهذه ولايته، ولذلك فقد استحق عن جدارة قول النبي فيما رواه الترمذي: ((ما من صاحب يد إلا وقد كافأناه عليها إلا أبا بكر فإن له عند الله يدا يكافئه بها يوم القيامة ))(11)[11]، وختم حياته أبا بكر عنه بالمسك بأن ولي عمر بن الخطاب الخلافة بعده فكانت خلافته عزًا وقوة للإسلام، وأوصى أبو بكر في حال موته، فقال: "أما قد ولينا أمر المسلمين فلم نأكل درهما، ولا دينارا، ولُكْنا خشن طعامهم في بطوننا، ولبسنا خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا شيء من فيء المسلمين، فانظروا ما زاد من مالي فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي "، فما تَرِكتُه يا ترى؟ ما تركة من كانت ميزانية الأمة تحت يديه ؟ لقد خلف عبدا حبشيا وبعيرا كان يسقي عليه وعباءة لا تساوي خمسة دراهم، فلما بعثوا بها إلى عمر بكى حين رآها حتى سالت دموعه، وقال: (رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده) (12)[12].
نعم رحم الله أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا وسائر صحابة رسول الله لقد ودع الصديق الأمة بعد أن جعل من نفسه مثلا للداعية والمجاهد والعابد والزاهد والخليفة والوالي.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاّوْلِى الالْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَاكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.[يوسف:111]

-------------------------
الخطبة الثانية
لم ترد.
__________
(1) البداية والنهاية لابن كثير (3/29 ـ 30).
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك (3/62 ـ 63) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) هذه اللفظة ليست في حديث البخاري، وانظر القصة في صحيح البخاري (3906)، وقول عائشة هذا أخرجه ابن إسحاق في سيرته (سيرة ابن هشام 2/485)، وراجع فتح الباري (7/235).
(4) أخرجه الحاكم (3/6) وقال: صحيح على شرط الشيخين لولا إرسال فيه. ووافقه الذهبي.
(5) صحيح البخاري (3661).
(6) سنن الترمذي (3675) وقال: حسن صحيح.
(7) لم أجده في مسند أحمد، وأخرجه أبو داود (4652)، قال الألباني: إسناده ضعيف. مشكاة المصابيح (6024).
(Cool سيرة ابن هشام (4/661).
(9) أخرجه البخاري (1400) ومسلم (20).
(10) 10] أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، كما ذكر ذلك السيوطي في تاريخ الخلفاء (1/78) بنحوه.
(11) 11] سنن الترمذي (3661)، وصححه الألباني. صحيح الترمذي (2894).
(12) 12] انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي (1/78).

(1/724)



الصبر على المصائب
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
مكارم الأخلاق
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
14/11/1415
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- منزلة الصابر عند الله. 2- وسائل تحصيل الصبر. 3- ما يقوله المصاب. 4- المصيبة الأعظم وفاة النبي . 5- المصائب مقدرة ومكتوبة ، ولعل ذنوبنا هي سبب بعضها. 6- فوائد الصبر على البلاء. 7- أمور تعين الإنسان على الصبر. 8- أقسام الصبر.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها الناس، روى أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما أنه في يوم من الأيام في المدينة، جاء ناس من الأنصار إلى النبي يسألونه المال فأعطاهم عليه السلام، ثم سألوه فأعطاهم، ومازال يعطيهم حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده: ((ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبَّر يتصبّره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر)). هذا الحديث متفق عليه(1)[1]، نعم إخوة الإيمان إنه الصبر، هذا مقام الأنبياء والمرسلين، ومنازل المتقين، وحلية أولياء الله المخلصين، وهو أهم ما نحتاج إليه نحن في هذا العصر الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقلّ معها صبر الناس على ما أصابهم به الله تعالى من المصيبة، ولو يعلم المصابون ما ينالون من الأجر الكبير إن هم صبروا، لتمنوا أن مصيبتهم أشد بلاء، وأعظم نكاء. واعلموا يا عباد الله أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له، ومن يتصبر يصبره الله، والصبر ضياء، بالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً [الفرقان:75]، وقال تعالى عن أهل الجنة: سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24]، هذا هو الصبر، وتلك منزلته، وما أجمل إخوة الإيمان أن نعلم هذه المنزلة، وأن نقدرها حق قدرها، وأن نصبّر أنفسنا ومن حولنا عندما تقع المصيبة، وما أسرع الجزع والسخط إلى نفوسنا عندما تقع المصائب علينا، أو على من حولنا، بل إننا أصبحنا عوناً للإنسان على أن يتسخط وأن لا يرضى بقضاء الله، في بكاؤنا وطريقة عزائنا، وما أجمل الصبر وما أروعه، عندما يكون عند الصدمة الأولى، فذلك هو الاختيار الحقيقي، والمحك الرئيسي، لصدق العبد في صبره، واحتسابه مصيبته عند الله.
إخوة الإيمان إن للصبر وسائل يجب أن نعوّد أنفسنا عليها وأول هذه الوسائل للصبر على المصيبة: التأمل، والتدبر، والنظر في كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه ، ففيها ما تقرّ به الأعين، وتسكن به القلوب، وتطمئن إليه النفوس، ولو قارن المصاب بين ما أخذ منه وما أعطي فلا مقارنة فإنه سيجد أن ما أعطي من الأجر، والثواب، أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة، وقِفُوا مع آية عظيمة في كتاب الله كفى بها واعظة ومسلية، عند وقوع المصائب: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الاْمَوَالِ وَالاْنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صلاتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]، (إنا لله وإنا إليه راجعون) علاج ناجع من الله عز وجل لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة ومصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، لابد أن يخلف في الدنيا يوما ما وراء ظهره، ويأتي ربه فردا كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا عشيرة ولا حول ولا قوة ولكن بالحسنات والسيئات، فهل يا ترى يعلم هذا المصاب بمصيبة ما روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (سمعت رسول الله يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبة وأخلفه خيرا منها))، قالت: ولما توفي أبو سلمة؛ قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله ثم عزم الله علي فقلتها – فما الخلف؟ - قالت: فتزوجت رسول الله )(2)[2]. وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي قال: ((ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه ))(3)[3].
والثاني من الوسائل المعينة على الصبر: تذكر المصيبة العظيمة بموت الرسول وكل مصيبة دون مصيبتنا بموته تهون، فبموته عليه الصلاة والسلام انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة، وبموته انقطعت النبوّات، وبموته ظهر الفساد في البر والبحر، وتذكر ذلك تسلية وعزاء للمصائب يقول في الحديث الصحيح: ((إذا أصيب أحدكم ب



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 10:57
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **


الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد: فيقول الله تعالى: ياأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا.
حياة النبي مملوءة بكل معاني الخير التي يجب أن تتوفر في الدعاة إلى الله، كما أنها مملوءة بما يجب أن يتعلمه المسلمون من منهج حياته، وإننا مهما حاولنا استخلاص العبر فيها وأخذ الدروس من وقائعها لن ننتهي من ذلك، وإن تعددت المصنفات والخطب والمواعظ فالسيرة النبوية الكريمة كالبحر، كلما تعمقت في قاعه ظفرت بأجود أنواع اللؤلؤ والمرجان.
وإن فيما أخذناه اليوم من سيرة رسول الله وما لقي من أذى قومه عبرًا عظيمة ينبغي لدعاة الله وأوليائه أن يراجعوها ويقرؤوها في كل ما يلاقيهم من صنوف الأذى، بل إن هذا الجمّ الغفير من أنبياء الله ورسله الذين بلغ عددهم ثلاثمائة وبضعة عشر كما في بعض الأحاديث الحسنة كلهم رفعوا راية الإصلاح في وسط مجتمعات سيطر عليها الفساد بكل صوره وألوانه، ولم يكتفوا بمجرد صلاح أنفسهم، فلم يكن من بينهم قط واحد رضي بأن يعيش بين قوم ضالين منحرفين وهو مخالف لهم إلا أن يصدع بدعوة الحق والتوحيد بين أظهرهم، فهل لقوا التكريم من أقوامهم؟! لقد سمعنا في حديث النبي أن النبي يأتي يوم القيامة ومعه واحد، والنبي يأتي ومعه اثنان، ويأتي النبي وليس معه أحد(11)[1]، هذا عدا من قتل وأوذي من أنبياء الله ورسله.
إذًا فالأذى هو سمة أهل الدعوة إلى الله، ولقد كان الله تعالى قادرا على نصر أوليائه في مكة، ولكنه أراد تربيتهم وتعويدهم على الصبر، فصبروا ثلاث عشرة سنة، وأخرجوا وأوذوا حتى صفت نفوسهم وقوي إيمانهم. عن أبي عبد الله خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! فقال: ((قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتي بالمنشار، فيوضع إلى رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)) رواه البخاري(12)[2]، فأراد النبي أن يربي صحابته بهذا الحديث العظيم الذي يبين نصرة الإسلام والحق برغم القهر والأذى من أعداء الله. إذًا فللدّعاة إلى الله ولأوليائه قدوة بما حصل بإذن الله لهم وإن طال الزمان أو قصره، نسأل الله جلّت قدرته أن يعلي كلمتَه وينصر أولياءه، إنه سميع مجيب.
هذا وصلوا وسلّموا على نبيكم الكريم، فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين، فقال جل من قائل عليما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]...

__________
(1) رواه مسلم (2865).
(2) ذكره أبو سعيد السمعاني في أدب الإملاء (ص1)، والسيوطي في الأحاديث المشتهرة وغيرهما. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (18/375): "المعني صحيح، لكن لا يُعرف له إسناد ثابت". وانظر: السلسلة الضعيفة (72).
(3) صحيح البخاري (3).
(4) صحيح البخاري (4).
(5) أخرجه ابن إسحاق في السيرة (سيرة ابن هشام 1/266). وإسناده ضعيف لانقطاعه، حيث قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حُدّث. وانظر: السلسلة الضعيفة (909).
(6) أخرجه أحمد (2/218)، قال الهيثمي في المجمع (6/16): "رواه أحمد، وقد صرّح ابن إسحاق بالسماع، وبقية رجاله رجال الصحيح"، وقال أحمد شاكر في تعليقه على المسند (7036): "إسناده صحيح، وبعضعه في البخاري".
(7) أخرجه الترمذي (2925) وقال: "غريب صحيح"، وأبو داود (4734)، وابن ماجه (201)، وهو في صحيح الترمذي (2335).
(Cool أخرجه ابن إسحاق (سيرة ابن هشام 1/350-351، 374-376) بدون إسناد، وانظر: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية لمهدي رزق الله أحمد (ص217-219).
(9) أخرج هذه القصة ابن إسحاق (سيرة ابن هشام 2/419) بسند صحيح عن محمد بن كعب القرطبي مرسلاً، أما الدعاء فقد ذكره بدون سند، (المصدر السابق 2/420). وانظر: فقه السيرة للغزالي بتعليق الألباني (ص125-126).
(10) 10] أخرجه البخاري (3231)، ومسلم (1795).
(11) أخرجه مسلم (220).
(12) صحيح البخاري (6943).

(1/727)



دروس من غزوة تبوك
-----------------------
سيرة وتاريخ
غزوات
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
4/1/1415
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- تجهز الصحابة لغزوة تبوك. 2- اعتذار المنافقين وتذرعهم بالذرائع الواهية. 3- انفاق عثمان &. 4- البكاءون لما حرموا في الخروج إلى الجهاد. 5- علي على ولاية المدية. 6- أبو قتادة يحفظ النبي حال تعبه وسفره. 7- أبو ذر يلحق بالرسول إلى تبوك. 8- دفن ذي البجادين. 9- المجاهدون بنياتهم.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا عباد الله، اتقوا الله ـ تعالى ـ، واعلموا علم اليقين أن حكمة الله اقتضت أن يكون الحق والباطل في خلاف دائم، وصراع مستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كل ذلك ليميز الله الخبيث من الطيب، فمذ بزغ هذا الدين وأعداؤه من يهود ونصارى ومشركين ومنافقين يحاولون القضاء عليه، بكل ما يستطيعون، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8]، والتاريخ في ماضيه وحاضره يشهد بذلك أنى لهم أن يفلحوا ما تمسكنا بكتابنا وسنة نبينا محمد .
كل العدا قد جندوا طاقاتهم …ضدا الهدى والنور، ضد الرفعة
إسلامنا هو درعنا وسلاحنا …ومنارنا عبر الدجى في الظلمة
هو بالعقيدة رافع أعلامه …فامشي بظل لوائها يا أمتي
لا العرب يقصد عزنا كلا ولا…شرق التحلل إنه كالحية
الكل يقصد ذلنا وهواننا …أفغير ربي منقذ من شدة
إخوة الإيمان، يوم يقلب المرء صفحات الماضي المجيد، ويتدبر القرآن الكريم، ثم ينظر لواقعنا ويقارنه بذلك الماضي، يتحسر يوم يجد البون شاسعا والفرق عظيما، يتحسر يوم يرى تلك الأمة التي كانت قائدة، وقد أصبحت تابعة حينما ابتعدت عن شرع ربها ونهج نبيها، فعودا والعود أحمد، عودا سريعا إلى الماضي المجيد، لنستلهم منه الدروس والعبر في هذا الحاضر العاثر، عودا لسيرة من لم يطرق العالم دعوة كدعوته، ولم يؤرخ التاريخ عن مصلح أعظم منه، ولم تسمع أذن عن داعية أكرم منه، وما أحرانا ونحن في الأيام العصيبة أن تتجاوز المدة الزمنية كي نعيش يوما من أيام محمد ، لنأخذ العبر والدروس، نعود بكم إلى شهر رجبَ في السنة التاسعة من الهجرة لنعيش وإياكم أحداث غزوة العسرة التي تساقط فيها المنافقون وثبت فيها المؤمنون وذل فيها الكافرون وعز فيها الصادقون.
إخوة الإيمان، بلغ النبي أن الروم تتجمع لحربه ولتهديد الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، يريدون مبادرته بالحرب قبل أن يبادرهم، فعند ذلك أعلن النبي لأول مرة عن مقصده وعن تجهيز الجيش، فتجهز أقوام وأبطأ آخرون، تجهز ثلاثون ألف مقاتل، باعوا أنفسهم إلى الله نصرة لله ورسوله، وتساقط المنافقون فها هو أحدهم يقول له رسول الله كما روى ابن هشام: ((هل لك في جلاد بني الأصفر أي الروم؛ فيقول: يا رسول الله ائذن لي ولا تَفْتنَّى، فو الله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر، فأعرض عنه ))، ولكن الله ـ جل وعلا ـ فضحه وأذله، وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائْذَن لّي وَلاَ تَفْتِنّى أَلا فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [التوبة:49](1)[1]، وتحدثت الآيات في القرآن عمن نكص كذلك من هذه المعركة وتحجج بحجج واهية، حين آثروا ظل القعود في بيوتهم وحقولهم على حر الصحراء ووعثاء السفر، مقابل الجلاء، فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِى الْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ، وتجلت في الإعداد لهذا الجيش طوايا النفوس، ومقدار ما استودعت من قبل من إخلاص وسماحة ونشاط، فهناك أغنياء أخرجوا ثرواتهم ليجهزوا الجيش من الرواحل والسلاح والخيل، منهم عثمان ابن عفان، سبق في بذله سبقا بعيدا حتى إن رسول الله عجب من كثرة ما أنفق وقال: ((ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)) رواه الحاكم وصححه الألباني(2)[2].
ومنهم الفقراء الذين لم يجدوا زادا ولا راحلة، فأتوا رسول الله يقولون يا رسول الله لا زاد ولا راحلة، فيبحث لهم عن زاد وراحلة فلا يجد ما يحملهم عليه، فيرجعوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون، إنهم بكاؤون لم يبكوا على فقد متاع أو فقد دنيا، بل يبكون على فقد جهاد وقتال في ساعةٍ عسيرة، قد تذهب أرواحهم فدا لهذا الدين الذي آمنوا به، روى عن علبة بن زيد: أنه قام من الليل يصلي فتهجد ما شاء الله ثم بكى وقال: "اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به ولم تجعل في يدي رسولك ما يحملني عليه، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها في مال أوحد أو عرض"، وأصبح الرجل على عادته مع الناس فقال رسول الله: ((أين المتصدق هذه الليلة))، فلم يقم أحد، ثم قال: ((أين المتصدق هذه الليلة؟ فليقم فقام إليه فأخبره، فقال له رسول الله: أبشر فوالذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة))، حديث صحيح صححه الألباني(3)[3].
ويخرج ويستخلف على المدينة عليا ويخيم في ثنية الوداع ومعه ثلاثون ألفا ويأتي المنافقون الخلوف الذين لايتركون دسائسهم وإرجافهم على مر الأيام، يلاحقون أهل الخير والاستقامة، يلمزون ويهمزون ويتندرون ويسخرون، ـ سخر الله منهم ـ، ويستهزئون به، والله يستهزئ بهم، يأتون إلى علي ويقولون له ماخلفك رسول الله إلا استثقالا لك، فتأثر بذلك ولبس درعه وشهر سيفه يريد الجهاد في سبيل الله ويصل إلى النبي ويقول له زعمهم فيجيبهم يقول: ((كذبوا يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي))، وعاد رضي الله عنه إلى المدينة راضيا(4)[4].
ويتوجه إلى تبوك فيمر بديار ثمود، ديار غضب الله على أهلها، فتلك بيوتهم خاوية وآبارهم معطلة وأشجارهم مقطعة، فيدخلها وقد غطى وجهه وهو يبكي، ويقول لجيشه: ((لا تدخلوها إلا باكين أو متباكين لئلا يصيبكم ما أصابهم))(5)[5].
انظروا يا عباد الله كيف فعل الله بهذه الأرض وأهلها التي سكنها الظلمة، فكيف بمن يجالس الظَلَمة، ويؤيد الظَلَمة، ويركن إلى الظلمة، ويكون لهم أنيسا ولسانا وصاحبا، فكيف تكون حاله ؟ ألا يخاف غضب الله عليه ونقمته حين يأخذه أخذ عزيز مقتدر، وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113]، حتى الماء في هذه الأرض نهى المسلمين عنه حينما استقوا منه فقال لهم: ((لا تشربوا من مائها ولا تتوضئوا منه للصلاة وما عجنتم من عجين بمائها فأعطوه الإبل ولا تأخذوا منه شيئا))(6)[6] واستمر في طريقه إلى تبوك، وقد بلغ به الجوع والتعب مبلغا عظيما، ومع السَّحَر ينام من التعب على دابته حتى يكاد يسقط، كما في صحيح مسلم، فيقرب منه أبو قتادة فيدعمه بيده، حتى يعتدل، ثم يميل أخرى فيدعمه، أبو قتادة حتى يعتدل، ثم يميل ميلة أخرى أشد حتى كاد يسقط فيدعمه أبو قتادة بيده، فيرفع رأسه ، ويقول من هذا قال أنا أبو قتادة فقال له: ((حفظك الله بما حفظت نبي الله يا أبا قتادة))(7)[7] يقول المؤرخون فما زال أبو قتادة محفوظا بحفظ الله في أهله، وذريته، ما أصابهم سوء حتى ماتوا. درس لمن حفظ أولياء الله فإن الله يحفظه، و((صنائع المعروف تقي مصارع السوء))(Cool[8].
عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب حدثنا عن شأن ساعة العسرة؟ فقال عمر: "خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا، وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى أن الرجل لينحر بعيره، فيعتصر فرثه فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا ؟ فقال: أو تحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع رسول الله يديه إلى السماء فلم يرجعهما حتى أذنت السماء بالمطر، فأطلت ثم سكبت فملؤوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت المعسكر"، حسن هذا الألباني(9)[9].
ويتأخر عن الجيش أبو ذر ببعيره الهزيل، فماذا فعل يا ترى؟ لقد ترك بعيره وأخذ متاعه وحمله على ظهره، وينزل في أحد المنازل على الطريق، وينظر أحد المسلمين ويقول يا رسول الله رجل يمشي إلى الطريق وحده، متاعه على ظهره، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((كن أبا ذر كن أبا ذر فإذا هو أبو ذر؛ فأخبروا النبي بذلك، فقال: رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده))(10)[10].
وتمضي الأيام والأعوام ونفي أبو ذر إلى الربذة ويحضره الموت هناك، وليس معه إلا امرأته وغلامه، وقبل موته أوصاهما أن يغسلاه، ويكفناه، ويضعاه على الطريق، وأن يقولا لأول ركب يمرّ بهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله فأعينونا على دفنه ،فيفعلان ذلك ويأتي عبد الله بن مسعود ومعه رهط مسافرون فما رءاهم إلا الجنازة على قارعة الطريق فأخبرهم غلامه فاندفع عبد الله بن مسعود باكيا يقول صدق رسول الله: ((تمشي وحدك وتموت وحدك)) ثم دفنوه.
إخوة الإيمان، وينتهي المسير برسول الله إلى تبوك، ويقيم بها بضع عشرة ليلة، فلم يجدوا بها كيدا أو يواجهوا عدوا ولكنهم بذلك أرهبوا الروم وحلفاءهم، وفرضوا عليهم الجزية، وحصلت الأحداث أثناء بقائه ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيها، منها أنه لما نام ليلة في تبوك أتاه جبريل ـ عليه السلام وقال ـ: (يا رسول الله قم صل صلاة الغائب على معاوية بن معاوية الليثي، فقد توفي بالمدينة)، أما معاوية هذا، إخوة الإيمان، فهو صالح عابد يذكر الله قائما وقاعدا، وسأل عنه النبي فأخبر أنه كان يقرأ (قل هو الله أحد) قائما، وقاعدا وعلى جنب ، بالليل والنهار، وقد صلي عليه بالمدينة وشهد الصلاة عليه صفَّان من الملائكة في كل صفٍ سبعون ألف ملك .. فقام وصلى عليه(11)[11].
وحدث عبد الله بن مسعود فقال: نمنا ليلة متعبين في تبوك وانتبهت في وسط الليل، فالتفت إلى فراش النبي فلم أجده، والى فراش أبي بكر وعمر فلم أجدهما، وإذا بنار وسط الليل تضيء آخر المعسكر، فذهبت أتبعهما فإذا رسول الله حفر قبرا، ومعه أبو بكر وعمر، وعنده سراج بيده قد نزل وسط القبر فقلت: يا رسول الله من الميت؟ قال هذا أخوك عبد لله ذو البجادين. إنه أحد الصحابة أسلم، وكان تاجرا، فأخذ أهله وقومُه مالَه كله حتى لباسه فذهب فما وجد لباسا غير شملة قطعها إلى بجادين وفر بدينه يريد الله والدار الآخرة، وأخبر بخبره، فقال: ((تركتَ مالكَ لله ولرسوله، أبدلك الله ببجاديك إزارا ورداء في الجنة أنت ذو البجادين))(12)[12]، فلقب بذلك .. يقول عبد الله بن مسعود وأنزله إلى القبر فوالذي لا إله إلا هو مانسيت قوله وهو في القبر وقد مد ذراعيه لذي البجادين وهو يقول لأبي بكر وعمر أدنيا إلَّي أخاكما، فدلياه في القبر، وهو يبكي ودموعه تتساقط على الكفن، ثم وقف ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما وضعه في القبر رافعا يديه مستقبلا القبلة، وهو يقول: ((اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه، اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه)) يقول ابن مسعود فوالله ما تمنيت إلا أن أكون صاحب الحفرة لأنال دعاءه (13)[13]، وغزوة تبوك مشابهة لغزوة الأحزاب، فإن بلاء المسلمين أولها كان شديد ثم جال ختامها طمأنينة وعزا. وقفل النبي عائدا إلى المدينة موفورا منصورا، حتى قدم إلى المدينة، ولاحت له معالمها من بعيد فقال هذه طابة، وهذا أُحد يحبنا ونحبه، وتسامع الناس بمقدمه، وفرح النساء والصبيان وهم يقولون:
طلع البدر علينا ……من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ……ما دعا لله داع
وقوبل جيش العسرة بحفاوة بالغة، ولم ينس النبي في ذهابه وإيابه أصحاب القلوب الكبيرة الذين صعب عليهم أن يجاهدوا معه فتخلفوا راغمين والعبرات تملأ عيونهم، روى البخاري عن أنس ابن مالك : أن رسول الله رجع من عزوة تبوك فدنا من المدينة، فقال: ((إن في المدينة أقواما ماسرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ؛ فقالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟! قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر))(14)[14].
بهذه المواساة الرقيقة كرم النبي الرجال الذين شيعوه بقلوبهم، وهو ينطلق إلى الروم فأصلح بالهم، وأراح هما ثقيلا عن أفئدتهم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحياةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِى الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [التوبة:38، 39].
بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم…

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة المؤمنون، ها قد عشتم بعض أحداث غزوة تبوك التي انتهت بنصر المؤمنين، ولئن انتهت فما انتهت دروسها وعبرها ومواعظها، ففي كل حديث منها قصة، وفي كل قصة عبرة وعظة، وحذار أن يكون نصيبنا منها تغنياً بالماضي، وسرد الحديث الغابر، فإن هذا لا يجدي شيئا، وقد آلت الأمة إلى ما آلت إليه وتداعى الأكلة إليها.
وأول هذه الدروس: أن هذه الأمة أمة جهاد ومجاهدة وصبر ومصابرة، وحتى ما تركت الجهاد ضربت عليها الذلة والمسكنة، ولذلك فقد رأينا حياة النبي جهاداً في جهاد، فإذا فرغ من جهاد المشركين رجع إلى جهاد ومقاومة المنافقين ثم جهاد الروم.
وثاني هذه الدروس: أن الله كتب العزة والقوة لهذه الأمة، متى ما صدقت وأخلصت، فها هي دولة الإسلام الناشئة تقف في وجه الكفر كله بقواه المادية فتهزمه وتنصره عليه وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ [الحج:40].
ومن هذه الدروس أن العدو ما تسلل سبعا ولا خفا إلا من خلال صفوف المنافقين والمرجفين، ولم يكن الضعف والتفرقة في هذه الأمة إلا من قبل أصحاب المسالك الملتوية والقلوب السوداء، لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولاَوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [التوبة:47].
ومن الدروس أن مواجهة الأعداء لا يشترط فيها تكافؤ القوة ثم يكفي المؤمنين أن يُعِدُّوا أنفسهم بما استطاعوا من قوة ثم يتقوا الله ويتعلقوا به، ويصبروا وعندها ينصرون، فها هو عبد الله بن رواحة يقول: "والله ما نقاتل الناس بعدد ولا عدة وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به".
ومنها أن الحق لا بد له من قوة تحرسه وترهب أعداءه حتى لا يكفي حق بلا قوة.
دعا المصطفى دهرا بمكة لم يُجَبْ ……وقد لان منه جانب وخطاب
فلما دعا والسيف بالكف مسلطة ……له أسلموا واستسلموا وأنابوا
ومن الدروس العظيمة من هذه الغزوة أن تمكن العقيدة في قلوب رجال الإسلام أقوى من كل سلاح وعتاد، وقضى الله أن الأمة متى ما حادث عن عقيدتها وتعلقت بغيرها، إلا تقلبت في ثنايا الإهانات والنكبات والنكسات، حتى ترجع إلى كتاب ربها وسنة نبيها.
هذه تبوك غزوة العسرة وهذه دروسها فاعتبروا بها عباد الله وتدبروها.
__________
(1) أخرجه ابن إسحاق (سيرة ابن هشام 4/516) مرسلاً.
(2) أخرجه الحاكم (3/102) وصححه ووافقه الذهبي ، وانظر فقه السيرة للغزالي بتعليق الألباني (ص405).
(3) أخرجه الطبراني كما ذكر ذلك الحافظ في ((الإصابة)) (7/42-44) في ترجمة علبة بن زيد رضي الله عنه ولم أجده في المطبوع من المعجم الكبير ، وذكر غيرها من الروايات. وانظر سيرة ابن هشام (4/518) ، وفقه السيرة للغزالي بتعليق الألباني (ص405).
(4) أخرجه البخاري (4416) ، ومسلم (2404) ، دون ذكر قول المنافقين ، وأخرجه تاماً ، ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (4/519، 520).
(5) أخرجه البخاري (433، 3380) ، ومسلم (2980) دون قوله : ((متباكين)) ، ودون ذكر بكائه .
(6) أخرجه الطبراني في الأوسط (3/361) بنحوه ، قال الهيثمي في المجمع (6/193) : وفيع عبد الرحمن بن بشير الدمشقي ضعفه أبو حاتم.
(7) صحيح مسلم (681).
(Cool أخرجه الطبراني في الكبير (8014) ، قال المجمع (3/115) : إسناده حسن ، وصححه الألباني في الصحيحة (1908).
(9) أخرجه البزار في مسنده (1/331) وقال : وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي بهذا اللفظ إلا عن عمر بهذا الإسناد. وأخرجه أيضاً الطبراني في الأوسط (2/323). قال الهيثمي في المجمع (6/195) : رواه البزار والطبراني في الأوسط ، ورجال البزار ثقات. وانظر فقه السيرة للغزالي بتعليق الألباني (ص407).
(10) 10] أخرجه الحاكم (3/50، 51) وصححه ، قال الذهبي : فيه إرسال.
(11) 11] أخرجه الطبراني في الكبير (8/116) والأوسط (4/163) ، والبيهقي في دلائل النبوة (5/246) ، وضعفه ابن حبان في المجروحين (2/181) ، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (10/156) : أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقويّة.
(12) 12] لم أجده بهذا اللفظ في جميع مصادر من ترجموا الذي البجادين رضي الله عنه ، وروى ابن إسحاق سبب تسميته بذي البجادين ، كما ذكر هنا (سيرة ابن هشام 4/528) وفي إسناده انقطاعن ، وانظر الإصابة (6/149).
(13) 13] أخرجه ابن إسحاق (سيرة ابن هشام 4/527) ، قال ابن حجر في الإصابة (6/149) : وإسناده ثقات ، إلا أن فيه انقطاعاً. وأخرجه البزار في مسنده (5/122-123) ، قال الهيثمي في المجمع (9/369) : رواه البزار عن شيخه عباد بن أحمد المرزحي وهو متروك.
(14) 14] أخرجه البخاري (4423) ، ومسلم (1911).

(1/728)



سلامة الصدر
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
أعمال القلوب
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
5/11/1417
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- الحث على سلامة الصدر على المؤمنين. 2- القرآن يدعو للإصلاح حرصاً على سلامة الصدر. 3- السنة تعظم أمر الإصلاح بين المتخاصمين. 4- النهي عن التدابر والتباغض. 5- الأمر بقبول عذر المخاصم. 6- تحريم الإسلام لكل ما يوغر الصدر كالغيبة. 7- قصة المبشر بالجنة لسلامة الصدر.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد :
فيا عباد الله : اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه روى ابن ماجة فيما صححه الألباني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : (( خير الناس ذو القلب المخمول واللسان الصادق قيل ما القلب المحموم ؟ قال هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد ، قيل : فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة ،قيل : فمن على أثره ؟ قال : مؤمن في خلق حسن )).
ليس أروح للمرء ولا أطرد لهمومه ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب ومبرأ من وساوس الضغينة وثوران الأحقاد إذا رأى نعمة تنساق إلى أحد - رضي الله عنهم - بها وأحسن فضل الله فيها وفقر عباده إليها وذكر قوله اللهم ما أصبح بي من نعمة أو أحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر وإذا رأى أذى يلحق مسلما رثى له ورجا الله أن يفرج كربه ويغفر ذنبه وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة مستريح القلب والنفس من نزغات الحقد الأعمى، فإن فساد القلب بالضغائن داء عياء وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش كما يتسرب الماء من الإناء المثلوم، والقلب الأسود يفسد الأعمال الصالحة ويطمس بهجتها ويعكر صفوها، أما القلب المشرق فإن الله يبارك في قليله، ومن ثم كانت الجماعة المسلمة حقاً هي التي تقوم على عواطف الحب المشترك والود الشائف التعانق والمتبادل والمجاملة الرقيقة، لا مكان فيها للفردية المتسلطة بل هي كما وصف القرآن والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم [الحشر:10]
إن سلامة الصدر وصلاح ذات البين أمر من لوازم التقوى ولهذا قرن الله عز وجل بينهما في قوله : فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم [الأنفال:1] وسلامة الصدر نعمة من النعم التي توهب لأهل الجنة حينما يدخلونها قال تعالى : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين .
إخوة الإيمان : إن الخصومة إذا نمت وغارت جذورها وتفرعت أشواكها شلت زهرات الإيمان الغض وأذوت ما يوحي به من حنان وسلام، وعندئذ لا يكون في أداء العبادات المفروضة خير ولا تستفيد النفس منها عصمة وكثيرا ما تطيش الخصومة بألباب ذويها فتتدلى بهم إلى اقتراف الصغائر المسقطة للمرؤة والكبائر الموجبة للعنة وعين السخط تنظر دائما من زاوية مظلمة فهي تعمى عن الضال وتضخم الرذائل، وقد يذهبها الحقد إلى التخيل وافتراض الأكاذيب وذلك كله مما يسخطه الإسلام ويحاذر وقوعه ويرى منه أفضل القربات قال رسول الله ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين رواه الترمذي .
إذا كان الشيطان وعجز أن يجعل من الرجل العاقل عابد صنم فلن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربه حتى يجهل حقوقه أشد مما يجهلها الوثني المشرك وهو إنما يحتال لذلك بإيقاد نيران العداوة في القلوب فإذا اشتعلت استمتع بها الشيطان وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم وتلتهم علائقهم وفضائلهم قال : (( إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكنه لم ييأس في التحريش بينهم )) رواه مسلم .
إن الشر إذا تمكن من الأفئدة فتنافر ودها وانكسرت زجاجتها ارتد الناس إلى حال القسوة والعناد والإعراض، وإن المتأمل لحال هذه الأمة الآن يرى فيها كثرة الاختلاف والتفرق حتى أصبح بأسها الذي كان من الواجب أن يكون على أعدائها أصبح بينها في أفرادها وجماعتها حتى بدأت تسمع من يكيل السب والشتم للخيرين والعلماء، وأصبحنا كما وصف ابن عبد البر رحمه الله أهل زمانه حين قال : " والله لقد تجاوز الناس الحد في الغيبة والذم فلم يقنعوا بذم العامة دون الخاصة ولا بذم الجهال دون العلماء " أ.هـ.
إن المصيبة تكبر حينما يكون هذا صادر من بعض من ينتسبون إلى الدين اسما وبلدا .
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
وهذا والله منذر بسبيل عذاب، قد انعقد غمامه ومُؤْذِنٌ بليل :
بلاء قدادلهم ظلامه إخوة الدين والعقيدة
إن انتصار هذا الدين وظهوره على الدين كله أمر تهفو إليه النفوس المؤمنة وتتطلع إليه وتتمناه وترجوه ولكن لا سبيل إلى ذلك إلا بتألف القلوب وسلامة الصدور من كل ما يعكر صفاء الأخوة وصدق المحبة بين المؤمنين لأن من صفات أهل الإيمان أنهم كما قال عز وجل أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ولذلك فقد يقظ الإسلام لبوادر الجفاء فلاحقها بالعلاج قبل أن تستفحل وتستطيل إلى عداوة فاجرة ولذلك شرع الإسلام من المبادئ ما يرد عن المسلمين عوادي الانتقام والفتنة وما يحك القلوب على مشاعر الولاء والمودة فنهى عن التقاطع والتدابر يقول : (( لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث )) رواه البخاري .
بهذا الإرشاد المبين يحول المؤمن إلى مستوى رفيع من الصداقات المتبادلة أو المعاملات العادلة والإسلام يعبر من دلائل الصفاء أن يرسب الغل في أعماق النفوس فلا يخرج منها وكثير من أولئك الذين يحتبس الغل في أفئدتهم يتمسكون متنفسا له في وجوه من يعف معهم لا يستريحون إلا إذا أرغوا وأزبدوا وآذوا وأفسدوا، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال : (( ألا أنبئكم بشراركم ؟ قالوا: بلى ، قال : إن شراركم الذي ينزل وحده، ويجلد عبده، ويمنع رقده، أفلا أنبئكم بشر من ذلك ؟ قالوا بلى ، قال: من يبغض الناس ويبغضونه، ثم قال : أفلا أنبئكم بشر من ذلك ؟ قالوا بلى ، قال : الذين لا يقبلون عشرة ولا يقبلون معذرة، ولا يغفرون ذنبا ، قال : أفلا أنبئكم بشر من ذلك ؟ قالوا بلى ، قال : من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره )) رواه الطبراني إنها أطوار الحقد عندما تتضاعف علته وتفتضح سوأته وقد أحس الناس به من قديم حتى في جاهليتهم حين قال عنه عنترة :
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب
لقد حذر الإسلام من رذائل مصدرها الحقد، فالافتراء على الأبرياء سيما الخيرين جريمة لا يدفع إليها إلا الكره الشديد ولما كان أثرها شديدا في تشويه الحقائق وجرح المستورين عدها الإسلام من أقبح الزور روى أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: (( أتدرون أربى الربا عند الله . قالوا :الله ورسوله أعلم ، قال :فإن أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم )) ثم قرأ : والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا إن تلمس العيوب للناس وإلصاقها بهم عن تعمد يدل على خبث ودناءة حذر منها الإسلام حين قال رسول الله : ((من ذكر امراً بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاد ما قال فيه )) رواه الطبراني إن سلامة الصدر تفرض على المؤمن أن يتمنى الخير للناس إن عجز من سوقه إليهم بيده أما من لا يجد بالناس شرا فيرميهم به ويزوره عليهم تزويرا فهو أفاك أثيم إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون [النور:19] إن من فضل الله على العباد أنه استحب ستر عيوب الخلق ولو صدق اتصافهم بها، وما يجوز لمسلم أن يفضح العيوب فصاحب الصدر السليم يأسى لآلام العباد ويشتهي لهم العافية أما التلهي بسرد الفضائح وكشف الستور وإبداء العورات فليس ملك المسلم الحق ولذلك حرم الإسلام الغيبة إذ هي متنفس حقد مكظوم وصدر فقير إلى الرحمة والصفاء.
عن أبي هريرة أن رسول الله قال : (( أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره، قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن ما تقول فقد بهته )) رواه مسلم .
ومن آداب الإسلام التي شرعها لحفظ الموراث واتقاء الفرقة تحريم النميمة لأنها ذريعة إلى تكدير الصفو وتغيير القلوب، لقد كان النبي ينهى أن يبلغ عن أصحابه ما يسوؤه حين قال عليه الصلاة والسلام : (( لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر )) رواه أبو داود .
أيها الأحبة : سلامة الصدر تجعل المسلم لا يربط بين حظه من الحياة ومشاعره مع الناس ذلك أنه ربما فشل حيث نجح غيرها وربما تخلف حيث سبق آخرون فمن الحسد والحقد أن يتمنى الخسارة لكل إنسان والتخلق لا لشيء إلا لأنه هو يربح ولذلك كان دخول الجنة ثمنا غاليا يستحق من انطوى قلبه على حب الناس وتمنى الخير لهم ونبذ الضغينة عنهم عن أنس بن مالك قال كنا جلوسا عند النبي فقال : (( يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة )) فطلع رجل من الأنصار تندف لحيته من وضوئه، فلما كان من الغد قال عليه الصلاة والسلام مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال عليه الصلاة والسلام مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول فلما قام الرجل تبعه عبد الله بن عمرو فقال له إني لا حيت أبي - أي خاصمته - فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت قال نعم قال أنس فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تقلب في فراشه ذكر الله عز وجل حتى ينهض لصلاة الفجر قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الليالي الثلاث وكدت أحتقر عمله قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرات يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت ثلاث مرات فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أرك عملت كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله ؟قال ماهو إلا ما رأيت قال عبد الله فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه وفي رواية لم أبت ضاغنا على مسلم فقال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ، رواه أحمد .
إخوة الإيمان: ومما قاله ابن القيم رحمه الله : " القلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح، والكبر وحب الدنيا والرئاسة فسلم من كل آفة تبعده عن الله، وسلم من كل شبهة تعارض خيره ومن كل شهوة تعارض أمره، وسلم من كل إرادة تزاحم مراده وسلم من كل قاطع يقطع عن الله ".
إن سلامة القلب والصدر ليست السذاجة والضعف ليست القلب الذي يسهل غشه وخداعه والضحك عليه ولا يعرف الخير من الشر ، إن سلامة القلب كما قال ابن تيمية رحمه الله القلب السليم المحمود هو الذي يريد الخير لا الشر، ومآل ذلك بأن يعرف الخير والشر فأما من لا يعرف الشر فذاك نقص فيه لا يمدح به.
تلك هي سلامة الصدر بما كانت عليه من فضل وعاقبة غفل عنها الكثيرون، فبتنا لفقد نرى أسبابا للتشاحن والتباغض تنخر في جسد الأمة المنهك لتنكأ جراحه وتبري عظامه فتزيد من آلامه وفرقته .
نسأله جل وعلا أن يجمع شتات الأمة يصلح قلوبنا ويطهرها من الشرك والنفاق والرياء والشقاق وسوء الأخلاق، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم [الشعراء:87-89]
بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم ،،،
-------------------------
الخطبة الثانية
لم ترد.

(1/729)



دروس من سورة يوسف عليه السلام
-----------------------
العلم والدعوة والجهاد, موضوعات عامة
الرؤى والمنامات, القرآن والتفسير
-----------------------
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
15/4/1411
قباء
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
مقدمة السورة ودلالتها – مكانة يوسف عند أبيه ورؤيته التي رآها , وتأويلها – حسد اخوة يوسف له وموقف يعقوب من ذلك – هديه صلى الله عليه وسلم فيمن رأى رؤيا في منامه - وقوع رؤيته صلى الله عليه وسلم كفلق الصبح , ومعنى قوله صلى اله عليه وسلم : " الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة "
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
جاء القرآن بأفضل القصص وجاء بعلوم وأحكام وآداب وأخبار لم يكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يعلمها بل كان خالي الذهن منها.
بسم الله الرحمن الرحيم: آلر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين [يوسف:1-4]. بعد هذه المقدمة المحكمة بدأت القصة. بدأت القصة الكريمة الجليلة إنها قصة يوسف الابن الثاني عشر ليعقوب بن إسحاق بن يعقوب وهو في بداية القصة صبي صغير في سن يخاف عليه أبوه فيها أن يأكله الذئب إذن هو في سن لا يستطيع فيها أن يحمي نفسه ويرى أبوه فيه من المخايل الكريمة منذ صغره يرى أبوه فيه من المخايل والصفات الكريمة ما جعله يحبه أكثر من باقي إخوته ويفضله عليهم ثم جاءت هذه الرؤيا العظيمة الجليلة لتنبه الأب يعقوب عليه السلام إلى أن هذا الصبي الصغير الكريم هو حلقة تلك السلسلة الكريمة الاصطفائية الأبوية من ذرية إبراهيم عليه السلام لتنبهه إلى أن هذا الصبي الصغير الكريم سيكون له شأن عظيم في النبوة والظهور والسلطان. ألا ترون أن الأب فسر الرؤيا بمجرد أن سمعها من ابنه يوسف بقوله: وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق [يوسف:6]. فما هي النعمة التي أتمها الله على إبراهيم وإسحاق إنها النبوة والرسالة والاصطفاء للنبوة والرسالة ولذلك ختم قوله ذلك بقوله : إن ربك عليم حكيم عليم بمن يختارهم ويصطفيهم للنبوة والرسالة حكيم باختيارهم واصطفائهم على حد قوله تعالى في الآية الأخرى : الله أعلم حيث يجعل رسالته [الأنعام:124]. ها هي ذي الرؤيا العظيمة الجليلة تؤذن بما لهذا الصبي الصغير الكريم من شأن عظيم إنه من سلالة النبوة حفيد أبي الأنبياء خليل الله ورسوله إبراهيم عليه السلام إنه حفيد إبراهيم عليه السلام وها هي ذي هذه الرؤيا العظيمة تؤذن وتنبئ بذلك وتعلنه.
رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم ساجدين له وتلك عادة الناس في تلك الأزمنة تحيتهم للملوك والعظماء السجود ونسخ ذلك في شريعتنا فلا سجود إلا لله رب العالمين ولكن السجود في الرؤيا له دلاله أخرى إن معناه أن إخوة يوسف سيخضعون له ومن شدة خضوعهم له وتعظيمهم إياه تعظيما زائدا سيخرون له ساجدين إجلالا وإكراما واحتراما وقد فهم الأب كل ذلك، الأب يعقوب عليه السلام مدرك لطبيعة البشر ومتنبه لحال أبنائه ومتنبه لحال بنيه وما بينهم من تنافس وتغاير وتحاسد كما هو شأن الأخوة غالبا ومتنبه إلى تميز ابنه الصغير هذا يوسف تميزه عليهم في مخايله وصفاته الكريمة وربما أجج التنافس بين أولئك الأخوة أنهم مختلفون في الأم فقد روي أن أم يوسف هي غير أم باقي إخوته إلا واحدا منهم ولا شك أن هذا مما يزيد التنافس والتحاسد بين الإخوة كما هو مشاهد في حال الناس. كان الأب متنبها لكل ذلك فأوصى ابنه يوسف الصبي الصغير الكريم بعد أن سمع منه تلك الرؤيا العظيمة العجيبة الجليلة أوصاه ألا يقصها على إخوته أي يخفيها عنهم فإنهم إذا سمعوا أدركوا ما ينتظر هذا الأخ الصبي الصغير من مستقبل عظيم وشأن كريم وأدركوا أن الله سيفضله عليهم أو فضله عليهم وحين إذن ربما تتفجر كوامن الغيرة والحسد في نفوسهم وربما انقلب الحسد إلى كيد مدمر مهلك يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين [يوسف:5]. تأملوا إسلوب القرآن تأملوا هذا الإسلوب العجيب المعجز هذا البيان المعجز كيف صورت الآية وصية هذا الأب الكريم لهذا الابن الصغير الكريم كيف عبر الأب عن خوفه بلغة أبوية بلغة شفوقة حانية كيف عبر عن خوفه وقد كان خوفه في محله فيكيدوا لك كيدا لم يكتف في الإسلوب بذكر الفعل ولا بذكر متعلقه الجار والمجرور وقد كان كافيا في إفادة المعنى لو قال: فيكيدوا لك هذا كاف لإفادة المعنى ولكنه مع ذلك أكد بذكر المفعول فيكيدوا لك كيدا مبالغة في تصوير خوف ذلك الأب الكريم على ابنه ذلك الصبي الصغير الكريم ما أعجبه من موقف يصوره القرآن الكريم فهذه الآيات الثلاث التي افتتحنا بها من حسن بلاغتها وقوة بيانها تكاد تصور هذا الموقف بين هذا الأب الكريم وهذا الابن الصبي الصغير الكريم تكاد تصوره تصويرا حسيا تراه الأعين لكنها صورة بيانية متكاملة تشاهدها البصائر وإن لم تشاهدها الأبصار هذا الأب الكريم مع ابنه الصغير الذي هو أحب أبناءه الاثني عشر وأكرمهم عنده وكلهم كرام فقد نشؤوا في بيت النبوة كلهم كرام ألا ترى الرؤيا صورتهم بصورة الكواكب وهذه كلها صور مدح وتكريم يقول الشاعر العربي:
كأنك شمس والملوك كواكب
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
فهذا الابن الصغير الصبي الكريم يروي لأبيه تلك الرؤيا العظيمة الجليلة أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم جميعا ساجدين له فجاءت هذه الرؤيا تؤكد ليعقوب إضافة إلى ما لابد أنه لمسه من مخايل عظيمة وكريمة ما لمسه ورآه من مخايل النبوة على ابنه يوسف منذ صغره فإن مخايل النبوة تظهر على كل نبي منذ صغره فإضافة إلى ذلك جاءت هذه الرؤيا العظيمة تؤكد ليعقوب أن ابنه هذا حلقة تلك السلسلة الكريمة العظيمة النبوية من ذرية إبراهيم عليه السلام وهذه هي بداية القصة هذه هي بداية هذه القصة الكريمة التي يقصها ربنا عز وجل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته من بعده نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن [يوسف:3]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم ما يحب – أي إذا رأى أحدكم في نومه – فليحدث به وإذا رأى ما يكره فليتحول إلى جنبه الآخر وليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره))(1)[1] أو كما قال صلى الله عليه وسلم: ((الرؤيا من الله والحلم من الشيطان))(2)[2] الرؤيا الصالحة الصادقة من الله وأما الأحلام أضغاث الأحلام فمن الشيطان وسوسة الشيطان.
الرؤيا الصالحة الصادقة مقام شريف ومنزلة رفيعة وهي جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ولذلك كانت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة كانت أول ما بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يفجأه الوحي في غار حراء وكان يرى الرؤيا فتجيء مثل فلق الصبح كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها(3)[3] فالرؤيا إذن جزء من النبوة الرؤيا الصالحة الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ولكن ليس معنى هذا أن كل من رأى رؤيا صادقة فقد أوتي جزءً من ستة وأربعين جزءا من النبوة(4)[4] فالرؤيا الصادقة قد يراها المؤمن والكافر والموحد والمشرك والصالح والفاسد كل هؤلاء يمكن أن يروا رؤيا صادقة وفي قصة يوسف عليه السلام ستأتينا رؤيا الفتيين في السجن وقد كانا مشركين وستأتينا رؤيا الملك ولقد كان كافرا فالرؤيا الصادقة قد يراها الكافر ولا تضاف حينئذ إلى النبوة الخبر الذي يخبر به الكاهن من أخبار الغيب فربما صدق فيه فخبر من أخبار الغيب، إذا صدق فيه الكاهن لا يعتبر هذا الخبر من النبوة لا يعتبر خبر الغيب الذي صدق فيه الكاهن من النبوة بل هذا نادر وقليل لا يثبت به هذا الوصف والرؤيا الصادقة من بقايا المبشرات الغالب فيها أنها تبشر المؤمن بشارة للمؤمن ولكنها قد تكون بشارة وتنبيها فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل غزوة أحد رأى ثلمة في سيفه أو رأى سيفه انقطع ورأى بقرا تذبح ففسر ذلك صلى الله عليه وسلم بأنه رجل من أهل بيته يقتل ونفر من أصحابه يقتلون(5)[5] وفي نفس الرؤيا رأى نفسه وقد أدخل يده الشريفة في درع حصينة أولها المدينة(6)[6] وإنما حكى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا لأصحابه مع أن فيها ما يحزنه وما يسوءه فيها ما لا يحبه صلى الله عليه وسلم وهو قتل رجل من أهل بيته وقتل نفر من أصحابه إنما اضطر لأن يذكر هذه الرؤيا لأصحابه تنبيها لهم إلى ما هو أفضل إلى الحل الأفضل الذي كان ينبغي أن يلجؤوا إليه في تلك الحالة وهي أن يتحصنوا بالمدينة وقد كانوا اختاروا أن يخرجوا خارج المدينة لملاقاة عدوهم وإلا فقد نهى صلى الله عليه وسلم كما سمعتم إذا رأى المؤمن رؤيا لا يحبها نهاه أن يحدث بها وسن لنا في مثل هذه الحالة إذا رأى أحدنا رؤيا يكرهها وساءته وأخافته أن يتحول إلى الجنب الآخر وهو في فراشه وأن يتفل عن يساره ثلاثا ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يحدث بهذه الرؤيا أحدا فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ((إن الرؤيا في رجل طائر فإذا ما حدثت بها وقعت))(7)[7] فلا تحدث بها إلا أخا ناصحا محبا وهذه سنة أخرى إذا رأيت رؤيا سواء أعجبتك وأحببت ما فيها أو كرهتها وخفت مما فيها فلا تحدث بها إلا أخا ناصحا محبا تثق به وهذه هي وصية يعقوب يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك [يوسف:5].
فإذا كنت لا تثق بأحد فلا تحدثه بما ترى من رؤى تحبها أو لا تحبها إلا أخا تثق به ناصحا أمينا محبا فإذا رأيت رؤيا لا تحبها فلا تحدث بها والسنة أن تفعل كما أرشدك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أم



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 10:59
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **


عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
10/6/1416
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- شكر المنعم جل جلاله. 2- التفكر في ما نحن فيه من نعم وآلاء. 3- الاعتبار بمن زالت عنهم النعم بسبب عدم القيام بشكرها. 4- إن الله جميل يحب الجمال (فضل اللباس والزينة). 5- ذلك مقيد بعدم الإسراف والخيلاء. 6- الحذر من التشبه بالكفار في ملابسهم وزجر التجار الذين يجلبون ذلك لبلادنا.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى
كان المعتمد بن عباد أمير أشبيلية في الأندلس يعيش حياة مترفة غاية في التنعم، واللذة، طيبات الدنيا تجلب له. وفي ذات يوم اشتهت زوجته أن تخوض في الطين كعادة المترفين، ونفذ رغبتها لقد أمر بسحق الطين ثم نثر في ساحة القصر حتى غطاها ثم عجنه بماء الورد حتى تخوض فيه زوجه، وحياتها كانت حياة لذة ومعة وأنس وبهجة، فهل دامت لهم؟
دارت الدائرة عليه فاجتاحته، قوات المرابطين، فإذا أميرهم يوسف بن تاشفين، يصفد بالأغلال يديه ورجليه ،فإذا به يفرد في السجن واستُذل بنوه وبناته، وعاد مرحوما بعد أن كان محسودا.
وفي يوم من أيام سجنه دخلت عليه بناته في يوم العيد، وهن في أطمار رثة، ومعهن المغازل يغزلن بها للناس حتى يحصلن على بعض القوت فقال:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فسائك العيد في أغمات مأسورا
من بات بعدك في ملك يسر به فإنما بات بالأحلال مغرورا
يطأن بالطين والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكا وكافورا
كم من أمة، وكم من شعب، ودولة، كان مساؤها نعيما، وترفا، ولذة، وحديا لاهيا، وغنى مطغيا، ثم كان صبحها عذابا، وتشريدا، وفتكا .. وآيات الكتاب شاهدة : وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون [النحل:112]. ويقول تعالى: كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد [هود:102].
ولا تزال حوادث التاريخ منذ بدأ الخليقة إلى زماننا هذا تصب في سمع الدنيا من أبناء القرى التي فتحت عليها النعم فما رعوها حق رعايتها فقطفت في يناع زهوها واستكمال بهجتها أتاها أمر الله لتذهب عنها النعم، وهذه الأمم أشد ما تكون وثوقا بها وافتتانا بزهرتها، وكل شيء لهم على بال إلا أن تزول هذه النعم أو تتحول:
حسنت ظنك بالأيام إذ حسنت وغاب عنك الذي يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها وعند صفو الليالي يحدث الكدر
وتستمر آيات القرآن واعظةً اللاهين السادرين الذين ركنوا إلى نعم الحياة وقوة سلطانها وجبروت ملكهم: لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور [سبأ 16-17]. ورد في الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة أنه سمع النبي يقول: ((إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، أراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا، فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به، فمسه فذهب عنه قذره وأعطي لونا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك قال الإبل، فأعطي ناقة عشراء، وقال له بارك الله لك فيها، فأتى الأقرع فقال أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس؛ فمسحه فذهب عنه وأعطى شعرا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملا وقال بارك الله لك فيها؛ فأتى الأعمى، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال أن يرد الله اليّ بصري فابصر الناس، فمسحه فرد الله إليه بصره قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدا، فانتج هذان وولد هذا ،فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم، ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ به في سفري، فقال: الحقوق كثيرة. فقال: كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيرا فأعطاك الله . فقال : إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر. فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت، وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال له: مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل مارد هذا فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت، ثم أتى الأعمى في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لصاحبيه، فرد عليه قائلا: قد كنت أعمى فرد الله الي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت، فقال له: أمسك مالك فإنما ابتُلِيتُم، قد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك)).
نعم يا عباد الله إنه جزاء من شكر النعم، وذلك جزاء من جحد بها، ولم يقدم شكرها بل نسبها إلى نفسه.
إخوة الإيمان ونحن ممن قد حبانا الله بنعم عظيمة، وآلاء جزيلة، أحوج ما نكون إلى أن نحافظ عليها بالشكر، لمن رزقنا إياها فإلى متى نتعامى عن النّذر والآيات التي أصاب بها الله أقواماً أنعم عليهم، فكفرت بأنعمه وجحدت فضله، فألبسهم الله ثوب الجوع والخوف والنقص، إن هذه الدنيا لا يغتر بها إلا غافل ولا يركن إليها إلا جاهل .
فكم ذكر الناصحون السادرين فما تذكروا وكم توالت على أهلها النذر فلم يتنبهوا ثم أفاقوا على أمر جاء بلا نذر سابقة ولا دلائل منذرة فلما نسوا ماذكروا به فتحنا عيهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ، وأفاقوا على نعمهم فإذا هي ذكرى، وعلى بهجتهم فإذا هي أماني … ولو سألنا حوادث التاريخ لأثبتت ذلك سلوا بغداد كيف كان أهلها في رغد من العيش، فماذا فعل بهم التتار، سلوا دمشق وسلوا الأندلس، ونعيمها وبهجتها سلوا الكويت قبل سنوات قريبة، وستنطق لكم الأيام بأفصح لسان وحوادثها بأبلغ بيان لتخبركم أن الحوادث جاءت عندما نسوا شكر الرب المتفضل بالنعم. ويزداد البلاء ويتعمق الجرح حين تجد من تعمى أبصارهم عن حقيقة هذا البلاء فيتعلقون بأسباب مادية منها يبدأون وبها لمصيرهم خصالهم يؤولون وإليها يعودون. إن الواجب علينا أن نعتبر قبل أن نكون عبرة، وأن نتذكر قبل أن نكون ذكرى، والحوادث من حولنا تترى، تقول لنا إن من نسى الله وفضله نسيه الله، ومن عصى الله وهو يعرفه سلط الله عليه من لا يعرفه، ومن أولي النعمة فلم يشكرها سلبها الله منه: إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم [يونس:96-97].
إخوة الإيمان إننا أمام كل حادثة من حوادث التاريخ، أمام كل حادثة من حوادث العصر وقوارعه، والناس يتخطفون من حولنا ونحن قد حبانا الله بنعم عظيمة، لم تتوفر لغيرنا، أمام كل ذلك لا بد لنا أن نفيق من سبات طالما استغرقنا فيه، أن نستفيق من لهو طالما سهونا فيه، ومن لم توقظه هذه القوارع فمتى يستفيق، ومن لم توجعه هذه الحوادث، إنه ليس بيننا وبين الله نسب حتى يكون العذاب وسلب النعم لغيرنا ونحن السالمون، فمتى نرجع أما نخشى الله ونحن نقرأ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة [الأنفال:25]. إن دفع هذا البلاء مرهون بصدق العودة إلى الله وشكر نعمه وتحقيق الإيمان به فلولا كانت قرية ءامنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلي حين [يونس:98]. إن خير وسيلة لتحقيق ذلك الإيمان هو اللجوء إلى الله بالدعاء والتضرع والشكر يقول تعالى فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ، إن شكر الله على نعمه لا يكفي بالأقوال فقط، وإنما نلوذ بالله موقنين وأن ندعوه واثقين وأن تكون ثقتنا بربنا أعظم من ثقتنا بكل قوة، ويقيننا بالله أعظم من يقيننا بكل يقين، وشكرنا لله وحده وليس لغيره كائنا من كان، وإننا حينما نتعلق بغير الله فإنا نخسر، ولا نربح، وقد تكون الخسارة في شيء لا يعوض، ولات حين مندم، إن اعتمادنا على الله وحده يكفينا شر المغرضين، والحاقدين، والمرجفين، الذين يسعون بكل ما أوتوا من قوة لنشر إرجافهم، وحقدهم، في مجتمعنا المسلم حاسدين ما أوتينا من نعمة ومكانة، ولكن يجب أن نكون أعظم وعيا وأشد إيمانا وأفضل شكرا لهذه النعم التي نتبوأها ونتلمس غرها إننا بذلك وحده نستطيع الحفاظ على هذه النعم وتسخيرها في خدمة ديننا وأمتنا وعلماءنا الصادقين وأوليائنا الناصحين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أولم يروا أنا جعلنا حرما آمناً ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون .
بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
-------------------------
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة المؤمنون: روى قيس بن بشر التغلبي حديث أبي الدرداء أن سهل بن حنظلة: مر يوما بأبي الدرداء في دمشق، فقال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا تضرنا، فقال سهل: سمعت رسول الله يقول: ((إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس – أي علامة – فإن الله لا يحب الفحش ولا المتفحش))، رواه أبو داود بإسناد حسن.
اللباس إخوة الإيمان، زينة يتزين بها الخلق، ونعمة من الله، أنعم بها على عباده يقول تعالى : يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا ًيواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير الآية[الأعراف 26]، ويقول جل وعلا : وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم [النحل 81]والسرابيل هي القمصان.
وتزين الإنسان باللباس والظهور بالمظهر الحسن اللائق أمر حث عليه الإسلام مالم يكن فيه مدعاة إلى الكبر، روى مسلم في صحيحه عن عبد اله بن مسعود عن النبي قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ؛ فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة؛ قال: إن الله جميل يحب الجمال – أي ليس ذلك من الكبر – الكبر بطر الحق وغمط الناس)).
إخوة الإيمان مع هذه المشروعية العظيمة في اللباس إلا أنا نرى في زماننا هذا مبالغة كبيرة في التزين باللباس، مع نسيان الضوابط الشرعية فيه لدى كثير من الناس، وخصوصا النساء والشباب، فبتنا نرى مظاهر من اللباس في أسواقنا عبر منتديات نسائية، وأماكن تجمع الشباب،وهي لا تمُت إلى مجتمعنا بصلة، ومع كل أسف فإنك ترى أن هذه الألبسة تباع في الأسواق ويشتريها نساء وشباب هذا المجتمع المؤمن الذي قام بإيمانه وليس بعادات غيره وتقاليدهم، والمؤسف أننا نرى كثيرا من الأولياء والآباء لا يهتمون بمراعاة هذا الجانب في أولادهم ونسائهم، ونظرة واحدة منك إلى السوق ترى العجب، وكأن أسواقنا في هذا الجانب ليست في مجتمعات إسلامية، وحينما ترى ألبسة النساء أو الشباب المعروضة في غالب هذه المحلات تجدها بعيدة عن ضوابط الشرع للباس المرأة المسلمة، وفيها تقليد لعادات الغرب ومجتمعاته وموضاته، فأين رقابة هؤلاء الناس لمحلاتهم ؟ وأين خوفهم على مجتمعاتهم من انتشار مثل هذه الظواهر الغربية ؟ وأين تقديمهم لموعود الله على كسب هذه الدنيا الذي لا يغني الإنسان في آخرته ومعاده؟
إن جهدنا يجب أن يكون مركّزا على توعية الجميع لأن هذا مظهرنا الذي نظهر به أمام الناس، وهو أثر من آثار نعمة الله علينا فيجب أن نكون على مستوى هذه النعمة شكرا وحسن استعمال، والأب والولي مسؤول أمام الله عن متابعة بيته في مثل ذلك.
وكذلك أصحاب المحلات هم مسؤولون عن جلب ذلك إلى مجتمعنا، وأنتم يا عباد الله عليكم القيام بجانب النصح والتوعية وإخبار الرقابات التجارية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن كل ما هو غريب وضار على ديننا ومجتمعنا، ونصح صاحبه، أسأل الله جل وعلا أن يحمي مجتمعنا من كل سوء وأن يقيه شر الأشرار وكيد الفجار.
إخوة الإيمان: الإسلام يوحي بالاعتدال في ارتداء الملابس، ويكره للرجل أن يباهي أو يختال فيها، ولا يعتبر حسن البزّة من عناصر الرجولة، أو مقومات الخلق العظيم، ورب امرئ لا تساوي ثيابه درهما، ترجح نفسه بقناطير الذهب والفضة، قال رسول الله : ((رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره)) من المؤسف أن ترى شبابا يقضون الساعات الطوال في البيوت ليس لهم عمل إلا استكمال وجاهتهم، والإطمئنان إلى أناقتهم، ولو أنهم كلفوا ببذل هذا الوقت للتزيد من علم أو التفقه في دين، لنفروا ونكصوا، ويحسبون اتساق الملابس شهادة للكمال، وظنوا المغالات في اللباس تستر نقصهم وهيهات، روى البخاري عن أبي بريدة قال: ((دخلت على عائشة رضي الله عنها فأخرجت لنا كساء ملبدا أي مرقعا وإزارا مما يصنع في اليمن وأقسمت بالله لقد قبض رسول الله في هذين الثوبين)).
إن الاستغناء عن الفضول، والاكتفاء بالضرورات من آيات الاكتمال في الخلق، ذكر الفتى عمره الثاني، وحاجته مافاته وفضول العيش أسفر.
والدين لا يحب الملابس المزرية، أو يرحب بالهيئات المستكرهة، سأل رجل عبد الله بن عمر ما ألبس من الثياب؟ قال: " ما لا يزدريك فيه السفهاء ولا يعيبك به الحكماء ".

(1/732)



أحكام وسنن وعبر في الشتاء والربيع
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
اغتنام الأوقات
-----------------------
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة
6/8/1416
جامع السلام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- اغتنام ليل الشتاء للقيام (لطوله) ونهار الشتاء للصيام (لقصره). 2- تيسير الله ورخصه في الشتاء وغيره (المسح على الخفين – المسح على الجبيرة). 3- فقه المسح على الخفين. 4- تحل البركة بالأرض في الشتاء فتخضر وتنبت العشب والكلأ. 5- فصول السنة الأربع تذكر بالآخرة. 6- الحث على اغتنام شهر شعبان في الطاعات.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله, اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه.
أيها الإخوة المؤمنون, الدهور والأعوام الليالي والأيام سنن الله تتعاقب في هذه الدنيا ولن تجد لسنة الله تبديلاً، وبتعاقبها وسيرها تتعاقب الفصول على الناس، فهذا فصل للصيف وذا للشتاء وذاك للخريف وذا للربيع، ومن نعمه أن خص كل موسم بما يناسبه من الزروع والثمار ونوّع الأعمال، ودفع السآمة عن الإنسان, والمؤمن الحق من وقف مع هذه النعمة وتدبرها حق التدبر وشكر الله لأجلها قولاً وعملاً، ولأننا في فصل الشتاء فإننا نقف بكم اليوم إخوة الإيمان على شيء مما ورد فيه، وكذلك غيض مما يحتاجه المسلم من الأحكام، وما شرع له من السنن فيه، أخرج الإمام أحمد في حديثٍ حسنٍ عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال: ((الشتاء ربيع المؤمن)) أخرجه البيهقي، وزاد فيه: ((طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه)) وإنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة، ولا كلفة تحل به من جوع أو عطش، فلا يحس بمشقة الصيام.
ففي المسند والترمذي عن النبي : ((الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة))، وكان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: (ألا أدلكم على الغنيمة الباردة) قالوا: بلى, فيقول: (الصيام في الشتاء وقيام ليل الشتاء) نسأل الله أن يوفقنا لذلك.
يكون يسيراً لطول الليل فيه, يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة.
وروي عن ابن مسعود قال: (مرحبا بالشتاء تنزل فيه البركة, ويطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهار للصيام)، وعن الحسن قال: "ونعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه ونهاره قصير يصومه".
قال ابن رجب رحمه الله : "قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف ولهذا بكى معاذ عند موته، وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركاب عند حلق الذكر". انتهي كلامه رحمه الله، ومن فضائل الشتاء أنه يُذكِّر بزمهرير جهنم، ويوجب الاستعاذة منها, ذكر ابن رجب في حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما عن النبي قال: ((إذا كان يوم شديد البرد فإذا قال العبد لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم، اللهم أجرني من زمهرير جهنم، قال الله تعالى لجهنم إن عبداً من عبادي استجار بي من زمهريرك وإني أشهدك أني قد أجرته)) قالوا وما زمهرير جهنم. قال: ((بيت يلقى فيه الكفار فيتميز من شدة برده))، وفي الحديث عند الشيخين وغيرهما عن النبي أنه قال: ((إن لجهنم نفسين نفساً في الشتاء ونفساً في الصيف، فأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها، وأشد ما تجدون من الحر من سمومها))، وروي عن ابن عباس قال: (يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة يصدع العظام بردها فيسألون الحر ويستغيثون بحر جهنم).
كم يكون الشتاء ثم المصيف ……وربيع يمضي ويأتي الخريف
وارتحال من الحرور إلى البر ……دِ وسيف الردى عليك منيف
عجبا لامرئ يذل لذي الدنـ ……ـيا ويكفيه كل يوم رغيف
أيها الإخوة المؤمنون, ومما يحتاجه المؤمن كثيراً في الشتاء وغيره كذلك، المسح على الخفين، وإن من تيسير الله علينا في هذا الدين العظيم، أن أجاز الله لعباده عدداً من الرخص يترخصون بها، وفيها المسح على الخفين بدلاً من غسل الرجلين، ويلزم الإنسان عند لبس الخفين أو الشراب ـ الجورب ـ ونحوه أن يكون طاهراً متوضئاً، ويمسح عليهما عند الوضوء، إن كان مقيماً يوماً وليلة، وإن كان مسافراً ثلاثة أيام بلياليهن، وتبدأ مدة المسح على الخفين من أول مسحة عليهما, فإن لبس الإنسان خفيه عند صلاة الفجر ومسح عليهما في صلاة الظهر فابتداء المدة من الوقت الذي مسح فيه عند صلاة الظهر، فيمسح المقيم إلى مثل ذلك الوقت من الغد، وإذا تمت المدة، وهو على طهارته، فطهارته باقية حتى ينتقض وضوؤه، وإذا انتقض بعد تمام المدة وجب عليه غسل رجليه إذا توضأ، ثم يلبس من جديد، ومن تمت مدته فنسي ومسح بعد تمام المدة فعليه أن يعيد الصلاة التي صلاها بذلك المسح، ومن لبس الكنادر فله أن يمسح عليها وإن شاء مسح على الشراب, إذا مُسِح أحدهما أول مرة تعلق الحكم به، فإذا قدر أن يمسح الكنادر فليستمر على مسحها ولا يخلعهما حتى تتم المدة، فإن خلعهما قبل تمام المدة لنوم أو لغيره فإنه لا يعيدها إذا توضأ حتى يغسل رجليه لأن الممسوح إذا خلع لا يعود المسح عليه إلا بعد غسل الرجلين أما إذا تعلق المسح بالشراب فلا يضر خلع الكنادر، وكيفية المسح أن يبل يديه بالماء ثم يمرهما على ظهر الخفين من أطرافه مما يلي الأصابع إلى الساق مرة واحدة، ومن رحمة الله بالعباد أن من احتاج إلى ربط شيء على كسر أو جرح بجبيرة فإنه يمسح عليها كلها بدلاً من غسلها في الوضوء والغسلِ حتى تبرأ, ويقوم مسحها مقام غسلها تيسيراً من الله تسهيلاً على عباده ولله الحمد والمنة.
إخوة الإيمان, وكذلك مما يرد على الإنسان في الشتاء كثرة الأمطار، وهي نعمة الله عز وجل، وخير للبلاد والعباد، تستحق منا الشكر، ووقت نزول المطر هو من أوقات الاستجابة للدعاء، ومما ورد من الأذكار والأدعية عند نزول المطر أن يقول المسلم: ((مطرنا بفضل الله ورحمته))، وكذلك أن يقول: ((اللهم اجعله صيباً نافعاً))، وغير ذلك من الأدعية والسنن، وإن في تصريف الأمطار في بعض الأمصار وحبسها عن بعض الديار لعبرة لأولي الأبصار وعظة للعصاة الفجار، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِى أَرْسَلَ الرّيَاحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُوراً لّنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِىَّ كَثِيراً وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً [الفرقان:48-50].
وفي نهاية الشتاء تخضر الأرض، وتخرج بركاتها بفضل الله ومنته، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم ما يُخرِجُ الله لكم من بركات الأرض، قيل : ومابركات الأرض؟ قال: زهرة الدنيا، فقال له رجل: هل يأتي الخير بالشر؟ فصمت النبي حتى ظننا أنه يُنزل عليه، ثم جعل يمسح عن جبينه، فقال أين السائل ؟ قال: أنا، قال: لا يأتي الخير إلا بالخير، إن هذا المال خضرة حلوة، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حَبَطاً أو يُلِمُّ ـ أي يشبع ـ إلا آكلةَ الخَضِرَةِ أكلتْ حتى إذا امتدت خاصرتها استقبلت الشمس فاجترَّتْ وثلطت وبالت ثم عادت فأكلت وإن هذا المال خضرة حلوة من أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم المعونةُ هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع)). عباد الله, كل ما في الدنيا فهو مذكِّر بالآخرة، ودليل عليه، فإنبات الأرض واخضرارها في الربيع بعد يبسها، يدل على بعث الموتى من الأرض، وذكر الله ذلك في مواضع كثيرة من كتابه فهو يقول: وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْىِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ ءاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ [الحج:5-7]. ويقول جل وعلا: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رّزْقاً لّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذالِكَ الْخُرُوجُ [ق:9-11]. قال أبو رزين للنبي : كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه؟ قال: ((أما مررت بواد أهْلِكَ مَحْلاً, قال: بلى, قال: أما مررت به يهتز خَضِراً قال: قلت بلى، قال: ثم مررت به محلاً, قال: بلى, قال: فكذلك يحيي الله الموتى, وذلك آيته في خلقه)) خرجه الإمام أحمد.
تفكر في نبات الأرض وانظر ……إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين ناظرات ……بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات ……بأن الله ليس له شريك
إخوة الإيمان, فصول السنة تذكر بالآخرة, فشدة حر الصيف يذكر بحرِّ جهنم، وهو من سمومها، وشدة برد الشتاء يذكر بزمهرير جهنم، وهو من نفسها، والخريف يكمل فيه اجتناء الثمرات التي تبقى وتدخر في البيوت، فهو منبه على اجتناء ثمرات الأعمال في الآخرة، وأما الربيع فهو أطيب فصول السنة وهو يذكر بنعيم الجنة، وطيب عيشها, فهذه التنقلات توجب للعاقل الدهش والتعجب من صنع صانعه وقدرة خالقه جل وعلا.
فوا عجباً كيف يعصى الإلـ ……ـه أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة ……وتسكينة أبداً شاهد
وفي كل شيء له آية ……تدل على أنه واحد
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَهُوَ الَّذِى أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَىْء فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِى ذالِكُمْ لأَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [سورة الأنعام:99].
بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم . . .
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله...
أما بعد, فيا عباد الله, اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه.
خرج الإمام أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد قال: (كان رسول الله يصوم الأيام يسرد حتى نقول لا يفطر, ويفطر الأيام حتى لا يكاد يصوم, ولم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان؛ فقلت: يا رسول الله إنك تصوم لا تكاد تفطر, وتفطر لا تكاد تصوم, إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما؟ قال : ((أي يومين؟)) قال: يوم الاثنين والخميس؛ قال: ((ذاك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)) قلت: ولم أرك تصوم من الشهور ما تصوم شعبان؟ قال: ((ذاك شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم))، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان)) وفي رواية للنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان أحب الشهور إلى رسول الله أن يصوم شعبان كان يصله برمضان).
إخوة الإيمان, ها أنتم في شهر شعبان الذي أدرككم، فاستغلوه بالصيام وفعل الخيرات، كما ورد ذلك عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وهو من مواسم الخير التي ينبغي للإنسان استغلالها، ويجب على من فاته شيء من رمضان الماضي فأفطره لعذر، أن يتدارك نفسه ويصومه قبل مجيء شهر الخير والإحسان شهر رمضان، قال ابن رجب رحمه الله: "ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن..... لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن فيا من فرط في الأوقات الشريفة وضيعها وأودعها الأعمال السيئة وبئس ما استودعها".
مضى رجب وما أحسنت فيه ……وهذا شهر شعبان المبارك
فيا من ضيع الأوقات جهلا ……بحرمتها أفق واحذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قهرا ……يخلي الموت كرها منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا ……بتوبة مخلص واجعل مدارك
على كسب السلامة من جحيم ……فخير ذوي الجرائم من تدارك
واعلموا يا عباد الله, أن تخصيص صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته بدعة لم يرد فيه شيء عن النبي ، أما من مر عليه النصف في صيامه فلا بأس، فتنبهوا لذلك ونبهوا غيركم وخصوصا من العمالة الوافدة التي تنتشر هذه البدعة في بلادهم, وقد تكلم أهل العلم عنها فلهم من الله الأجر والمثوبة.
واتقوا الله يا عباد الله, وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم وما كان عليه السلف الصالح وصلوا وسلموا يا عباد الله...

(1/733)



دروس من سورة يوسف عليه السلام
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب, سيرة وتاريخ
القصص, الكبائر والمعاصي
-----------------------
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
قباء
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة"اعتراف امرأة العزيز – خطر النفس – أصل الشر والفساد – خصائص النفس الزكية خطبة 2 : " إذا تبايعتم بالعينة " – خطر الربا وترك الجهاد – واقع المسلمين اليوم عقوبة "
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد فلقد قال الله تعالى ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين [يوسف:24].
لقد وصلنا إلى هذا الموقف من مواقف تلك القصة القرآنية العظيمة قصة نبي الله ورسوله يوسف عليه السلام, هذا الموقف الذي لما راودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي انه لا يفلح الظالمون [يوسف:23]. وفي هذه الآية قال: ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه فقد يفهم من ظاهر هذه الآية أن يوسف الصديق عليه السلام هم بأن يفعل بتلك المرأة من السوء والفحشاء مثلما همت هي أن تفعل ولكن القرآن العظيم بين لنا شهادة خمسة على براءته من ذلك وهم يوسف الصديق نفسه وامرأة العزيز نفسها وزوجها والنسوة اللاتي قطعن أيديهن والشاهد من أهلها.
أما يوسف الصديق نفسه فقد جزم ببراءة نفسه وثبت على نقائه وطهارته فقال: هي راودتني عن نفسي [يوسف:26]. وقال لما هددته امرأة العزيز بالسجن إن لم يستجب لها رب السجن أحب إليّ [يوسف:33].
وأما امرأة العزيز فاعترفت وأقرت ببراءة يوسف فقالت ولقد راودته عن نفسه فاستعصم [يوسف:32]. وقالت في موقف أخر أمام الملك: الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين [يوسف:51].
أما النسوة اللاتي قطعن أيديهن فقلن عن يوسف: حاشا لله ما علمنا عليه من سوء [يوسف:51].
وأما زوج المرأة فقال مخاطباً امرأته إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين [يوسف:28-29]. فبين بكلامه هذا براءة يوسف وأن اللوث والتهمة والكيد والخطيئة في امرأته.
وأما الشاهد من أهلها فقال: إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين [يوسف:26]. فوجدوا قميص يوسف قد من دبر أي شق من خلفه وذلك أنهما لما استبقا الباب يوسف وامرأة العزيز, يوسف يفر بنفسه من السوء والفحشاء وامرأة العزيز مصممة على السوء والفحشاء أمسكت بقميصه من خلفه فشقته فوجدوا قميص يوسف شق من دبر فكان ذلك من الأدلة على براءته عليه السلام, ثم شهد الله جل وعلا من فوق سبع سماوات ببراءة عبده ونبيه ورسوله يوسف الصديق فقال: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين قال المفسرون في هذه الآية شهادة من الله عز وجل ببراءة يوسف الصديق أربع مرات أولها في قوله: لنصرف عنه السوء فاللام للتوكيد والمبالغة وثانيها قوله: والفحشاء أي وكذلك لنصرف عنه الفحشاء وثالثها في قوله: إنه من عبادنا وقد وصف الله عباده بقوله: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً [الفرقان:63]. ومن أوصافهم أنهم لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون, ورابعاً قوله: المخلصين أي المصطفين المجتبين المطهرين الأخيار فيوسف من هؤلاء وفي قراءة المخلصين بكسر اللام ومعناه الذين أخلصوا عبوديتهم وعبادتهم لله تعالى, وعلى كلتا القراءتين فهذا اللفظ من أدل الألفاظ على كون يوسف منزهاً نقياً طاهراً وبهذا نعلم أن ما ذكر ببعض كتب التفسير من أن يوسف عليه السلام هم بفعل الفاحشة بل تهيأ لفعلها فجلس بين شعبها وفك سراويله ولم يمنعه من ذلك إلا أنه رأى صورة والده يعقوب علي الجدار أو ظهر له جبريل فاستحيى منه كل هذه الأخبار وأمثالها أقل ما يقال فيها أنها أكاذيب إسرائيلية فيها من قلة الأدب مع أنبياء الله ورسله ما لا يليق إلا أن يصدر من اليهود, فهذه عادة يهودية, اليهود الذين يقتلون أنبياء الله ويسبونهم ويرمونهم بالعظائم وفعل الفواحش, هذه عادة يهودية قتل الأنبياء وسب الأنبياء وسب أتباع الأنبياء وأصحاب الأنبياء فالافتراء علي يوسف الصديق نبي الله ورسوله ليس غريباً منهم فقد افتروا علي سائر أنبياء الله ورسله في التوراة المحرفة, نسبوا إلى نبي الله لوط أنه شرب الخمر وزنا بابنتيه وليس العجب من صنيع اليهود هذا من افترائهم على أنبياء الله ورسله وتحريفهم لكتبه ولكن العجب ممن سود تلك الصحائف صحائف التفاسير بمثل هذه الأكاذيب الإسرائيلية, فيوسف عليه السلام بريء من هذه التهمة فإذا قيل فما معنى قوله: وهم بها لولا أن رأى برهان ربه قلنا إن ذلك له معنيان صحيحان لائقان بمقام يوسف الصديق عليه السلام.
أولهما: أن الهم لم يقع منه أصلاً عليه السلام لوجود المانع وهو البرهان من ربه فالآية تنفي وقوع الهم من يوسف لوجود البرهان وهذا أسلوب عربي قرآني معروف ونظيره قوله تعالى: إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها [القصص:10]. في قصة أم موسى عليه السلام لما قذفت وليدها في اليم والتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً ثم رقق الله قلب امرأة فرعون وقالت لفرعون قرة عين لي ولك [القصص:9]. ثم حرم الله عليه المراضع ثم جاءت أخته فاقترحت على آل فرعون أن تأتيهم بامرأة ترضعه فجاءت بأمه فلما تناولته لترضعه من شدة شفقتها وشوقها إلى ابنها ورضيعها كادت تكشف أمرها وأنها أمه إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها أي لم يحصل الإبداء منها لوجود الربط على قلبها.
والمعنى الثاني أن الهم وقع من يوسف عليه السلام ولكن معناه الخاطر الذي يقع في النفس ولقد بادر يوسف عليه السلام بطرده من نفسه لعلو درجته في مقام الإحسان ألم يصفه ربه بأنه من المحسنين حين قال: ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين [القصص:14]. والمحسن هو الذي يستحضر في قلبه دائماً عظمة الله جل وعلا وأنه يراه ويراقبه ويعلم سره ونجواه, فيوسف الصديق عليه السلام خطر في نفسه الخاطر بحكم بشريته وغريزته ولكن هذا الخاطر لم يتحول إلى فعل ولا إلى بدايات الفعل ولا حتى إلى التهيؤ للفعل فإن المقام العظيم مقام المشاهدة والمراقبة الذي كان هو مقام يوسف عليه السلام منعه من ذلك فاستعصم من السوء والفحشاء, منعه هذا المقام من ذلك ومن أبسط ما نقل في وصف هذا الحال حال يوسف عليه السلام في هذا المقام ما ذكره الإمام القرطبي أن إماماً من الأئمة السابقين ذكر في حلقة درسه يوماً قصة يوسف وذكر تبرئة يوسف مما نسب إليه من المكروه فقام رجل من أخر الحلقة من عوام الناس فقال : يا شيخ فإذن يوسف هم وما تم. قال الشيخ: نعم لأن العناية كانت ثم. أي وقع الهم منه والخاطر ولكن لم يتم أي لم يتحول إلى فعل ولا إلى شروع للفعل لماذا؟ لأن عناية الله ورعايته وحمايته لعبده هذا المخلص المصطفى المجتبى المطهر يوسف الصديق عليه السلام كانت حاضرة وحمت يوسف من الوقوع في السوء والفحشاء والإنسان لا يؤاخذ على خاطر النفس ولا على حديث النفس قال سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: ((لقد عفا الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها))(1)[1].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من هم بسيئة فلم يفعلها كتبت له حسنة))(2)[2] ويوسف الصديق عليه السلام منقبته العظمى وفضله المبين في هذا المقام وفي هذا الموقف هو أنه استعصم من السوء والفحشاء مع وجود الدواعي وتوافرها لديه فهو بشر وهو شاب جميل بل لقد أوتي شطر الحسن كما ذكرنا سابقاً أي أن الحسن والجمال قسم نصفين فنصف لسائر الخلق ونصف ليوسف عليه السلام والغريزة فيه قوية وهو مع ذلك شاب أعزب لم يتزوج بعد وهو مع ذلك في الظاهر عبد مملوك والعادة في الناس أن العبد يستبيح فعل ما لا يستبيحه الحر وإن كان يوسف في الحقيقة حراً ولكنه كان في الظاهر عبداً مملوكاً للعزيز وهو مع ذلك غريب بعيد عن أهله وعن عشيرته والعادة في الناس أن الإنسان يستحيي وهو بين أهله وعشيرته أن يفعل ما يفعله وهو بعيد عنهم ومع ذلك أيضاً كانت هي الطالبة الساعية حتى أنها هيأت كل الأسباب لتغريه وتفتنه حتى غلقت الأبواب وما غلقت الأبواب إلا وقد هيأت قبل ذلك كل ما يلزم في ظنها الآثم لإغراء يوسف بفعل الفحشاء ومع هذا كله استعصم ذلك الشاب الجميل الممتلئ حيوية وقوة وغريزة وترفع بنفسه أن يقع في مستنقع المعصية الآثم وعاذ بجناب ربه فأعاذه ربه وحماه واصطفاه كافأه على ذلك فهو أهل لما كافأه به ربه, كافأه ربه على ذلك بالتمكين في الأرض, جعله على خزائن الأرض وملكه تلك الناحية وجعل له الحكم والعلم وجمعه بأحبته بأبويه واخوته وفوق ذلك كله أنعم عليه بالنبوة والرسالة, كل ذلك جزاء على إحسانه واستعصامه وتعففه ولجوئه إلى ربه عز وجل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: ((كان إذا أتاه أمر يسره قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه أمر يسوؤه قال الحمد لله على كل حال))(3)[1], الصبر حقيقته الرضا بالله تعالى بكل ما يفعله سبحانه, الرضا بقضائه وقدره والرضا بأوامره ونواهيه وشرعه, والرضا وإن كان من أعمال القلوب فإن كماله الحمد على السراء والضراء, روي في الحديث أن أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء(4)[2] وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو سيد الحمادين حامل لواء الحمد يوم القيامة وأمته هم في مقدمة الحمادين ولذلك هم أول من يدخل الجنة يحمدون ربهم على السراء والضراء وللحمد مشهدان المشهد الأول أن يعلم العبد أن الله تبارك وتعالى مستوجب مستحق للحمد لذاته ولنفسه فقد خلق سبحانه وتعالى كل شيء فأحسن خلقه وصنع كل شيء فأتقن صنعه فهو الحكيم في أفعاله العليم بعباده العليم بكل شيء والمشهد الثاني أن يعلم العبد أن اختيار الله تعالى له هو خير له من اختياره لنفسه ولذلك ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((والذي نفسي بيده ما يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له فإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له))(5)[3], فعليكم أيها المسلمون بالصبر على السراء والضراء ونحن اليوم نمر بمحنة وفتن جسام ومحنة عظيمة أحاطت بالمسلمين والمؤمنين هذه الفتنة التي تسبب بها هذا الطاغية العراقي البعثي الكافر الملحد الذي انتهك حرمات المسلمين وسفك دمائهم وشغلهم عن عدوهم الصهيوني وشق صفوفهم وقدم خدمة جلى لأعداء الإسلام والمسلمين ما كانوا يحلمون بها, والله لا ينبغي أن يشك متبصر أن هذا الطاغية وأمثاله إنما هم أذناب لأعداء الإسلام والمسلمين ينفذون مخططاتهم لشق صفوف المسلمين وإضعاف شوكتهم واشغالهم عن عدوهم الحقيقي العدو الصهيوني الذي استباح المسجد الأقصى والأرض المباركة حوله ولكن من أعجب ما نشاهد اليوم من هذه الفتنة أن هذا البعثي الملحد العلماني الكافر يريد أن يستخدم الإسلام سلاحاً لمحاربة الإسلام والمسلمين وهذا والله بلاء عظيم, هذا من الضراء فالله تعالى من سننه أنه يبتلي عباده المؤمنين بالضراء كما يبتليهم بالسراء لعلهم يتضرعون ويرجعون إليه بعد أن كانوا معرضين, بعد أن غرقوا في المعاصي والذنوب فإن من رحمة الله بعباده إذا رآهم معرضين غافلين غارقين في المعاصي والذنوب أنه ينبههم ويبتليهم بالشدائد والمحن والأعداء لعلهم يتضرعون ولذلك فإن من أوجب الواجبات علينا في مثل هذه المحن أن نلح في الدعاء ونلج في الرجاء ونتضرع بين يديه سبحانه ونتوب إليه من ذنوبنا ومعاصينا فإن الخوف والله علينا من معاصينا لا من عدونا, ولقد كان من عادة سلف هذه الأمة أنهم دائماً يلجؤون إلى الله، وهم في الشدائد والمحن أكثر لجوءً إليه سبحانه واستغاثة به وتضرعاً إليه, هذا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو خير الخلق وأكرم الخلق وإمام المرسلين حبيب الرحمن وخليله ومع ذلك فعندما التقى الفريقان المؤمنون أصحابه والمشركون من قريش عندما التقى الفريقان في بدر قام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه يلح بالدعاء ويلج بالرجاء والتضرع إلى الله قائلاً: ((يا رب أنجز وعدك الذي وعدتني يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض))(6)[4] يشفق رسول الله ويخاف علي تلك الثلة المؤمنة خير هذه الأمة بعد رسولها من أن تهلك فماذا نصنع نحن وكيف لا نلجأ لربنا؟ كيف لا نتوب إليه ونحن غارقون في المعاصي والذنوب والغفلة والإعراض عن ربنا؟ الجؤوا إلى ربكم أيها المسلمون وتضرعوا بين يديه وتوبوا إليه فإذا صدقتم في ذلك فلا تخشوا أحداً أبداً من الخلق ولو اجتمع الخلق عليكم أجمعين.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله علي الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب:56]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة صلى الله بها عليه عشرا))(7)[5]، اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

__________
(1) البخاري في الطلاق (4968).
(2) البخاري: ك: الرقاق (6126).
(3) الحاكم (1/499) وصححه.
(4) مسند أحمد (4/434)، وسنن الدارمي (5، 7، Cool.
(5) مسلم: الزهد (2999).
(6) أخرجه البخاري بنحوه: ك: المغازي (3737).
(7) صحيح مسلم ((408).

(1/734)



حماية النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد
-----------------------
التوحيد
أهمية التوحيد
-----------------------
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
قباء
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة"الغاية من الرسالة – حرص الرسول على جناب التوحيد – وسائله في حماية التوحيد : 1- النهي عن إطرائه 2- إظهار العبودية لله 3- اجتناب المدح – المدح الشرعي للرسول "
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فقد قال الله تبارك وتعالى: فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون [البقرة:22] الأنداد جمع ند والند هو المثل والنظير.
ومعنى أن تجعل لله أندادًا أن تصرف العبادة أو شيئًا منها لغيره.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: أي لا تشركوا بالله شيئًا من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أن ربكم لا يرزقكم غيره، وأن الذي يدعوكم إليه رسوله من توحيده هو الحق الذي لا شك فيه وزاد بن عباس رضي الله عنهما هذه الآية تفسيرًا وتفصيلاً فقال: الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النملة على الصفاء السوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول والله وحياتك يا فلانة وحياتي.
أو تقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص أو لولا البط في الدار لأتانا اللصوص.
أو هو كقول الرجل لصاحبه ما شاء الله وشاء فلان. ولولا الله وفلان لا تجعل فيها فلانًا هذا كله به شرك. انتهى كلامه رضي الله عنه.
كما رواه بن أبي حاتم ودل هذا الكلام من ابن عباس رضي الله عنهما أنه يجب على المؤمن الموحد أن يحتاط ويحترز في عباراته وكلامه الذي يتكلم به خشية من الوقوع في الشرك وهو لا يدري.
دل كلام ابن عباس رضي الله عنهما على أن كل مؤمن موحد أن يحترز ويحتاط في كلامه خشية من الوقوع في الشرك، الشرك ليس هو فقط ما يفعله عباد الأصنام والأوثان من صرف العبادة إلى أوثانهم وأصنامهم ذلك هو الشرك الأكبر ذلك أن الشرك أنواع ومراتب ودرجات أكثر من هذه المراتب وهذا النوع وهذه الدرجة تخفى على الناس بل هو أخفى من دبيب النملة على الصخرة الصماء في ظلمات الليل كما عبر ابن عباس رضي الله عنهما وإنما أراد بهذا التعبير تصوير شدة خفاء الشرك على الناس فإن الشرك أخفى من دبيب النملة على الصخرة السوداء في ظلمة الليل.
والتوحيد جوهره أن تؤمن بأن الربوبية والألوهية لله وحده فتوحده سبحانه بجميع أنواع العبادة ومن أعظم أنواع العبادة تعظيم الرب جل وعلا.
ومن أهم أساليب التعظيم القسم والحلف ولذلك لا يجوز لك أن تحلف إلا بالله لا يحل لك أن تقسم إلا بالله فإذا أقسمت بغيره كائنًا من كان فقد وقعت في الشرك. ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :لأن أحلف بالله كاذبًا أحبُّ إلىّ من أن أحلف بغيره صادقًا.
ومعنى كلامه هذا أن الحلف بالله كذبًا كبيرة من الكبائر يأثم مرتكبها إثمًا عظيمًا، أما الحلف بغيره ولو كان صادقًا فإنه شرك والشرك أعظم ذنبًا من الكبيرة ولو كان شر



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 11:01
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **


ملخص الخطبة"رمضان موسم عظيم –العمر كله موسم – مضاعفة الأجر في رمضان أعظم الأعمال : الصيام – القيام – القرآن – الصدقة – العمرة "
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد فقد قال الله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون [البقرة:185]. هذا الشهر المبارك موسم عظيم للخير والبركة والعبادة والطاعة والمؤمن الصادق كل الشهور عنده مواسم للعبادة والعمر كله عنده موسم للطاعة , ولكنه في شهر رمضان تتضاعف همته للخير وينشط قلبه للعبادة أكثر ويقبل على ربه سبحانه وتعالى , وربنا الكريم من جوده وكرمه تفضل علي المؤمنين الصائمين فضاعف لهم المثوبة في هذا الموقف الكريم واجزل لهم العطاء والمكافئة على صالح الأعمال , واعلموا أيها المؤمنون الصائمون أن من أعظم الأعمال في هذا الشهر الكريم الصيام نفسه ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ))(1)[1]. أي سبعين سنة , فإذا كان صيام يوم واحد يباعد العبد عن النار سبعين سنة فما بالك بصيام شهر رمضان كله , والصيام طريق إلى الجنة وباب من أبوابها فعن سهل بن سعد الساعدي رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( إن للجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون ولا يدخل منه أحد غيرهم ))(2)[2], والصيام مثل القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الشراب والطعام في النهار فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه, قال: صلى الله عليه وسلم يشفعان أي فيشفعان ))(3)[3].
و صيام شهر رمضان خصوصاً يمحو الذنوب ويكفر السيئات ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ))(4)[4], وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن ما اجتنب الكبائر ))(5)[5] فدل هذا الحديث على أن المراد تكفير ما سوى الكبائر من الذنوب أما الكبائر فلا يمحوها إلا التوبة الصادقة, واعلموا أن من أجل الأعمال أيضاً وأعظمها في هذا الموسم العظيم القيام أو صلاة الليل سواء كان مع الإمام في صلاة التراويح أو كان القيام في البيت منفرداً وحده في أخر الليل وهذه أفضل من تلك كما قال عمر الفاروق رضى الله عنه: " والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون " , قال الله تعالى لنبيه ومصطفاه يأيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً [المزمل:1-4], وقال سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أمراً أو نادباً أمته إلى قيام الليل (( يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ))(6)[6], وقال صلى الله عليه وسلم في قيام شهر رمضان على وجه الخصوص (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ))(7)[7], وقال عن القيام مع الإمام في صلاة التراويح على وجه الخصوص أيضاً (( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ))(Cool[8] من قام مع الإمام حتى ينصرف أي ينتهي من صلاته كتب له قيام ليلة كأنما قام تلك الليلة كلها في الفضل والأجر والثواب , ولقد صلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح بأصحابه ولكنه لم يزد علي إحدى عشر ركعة وصلاها الصحابة بعده في عهد الصديق إحدى عشرة ركعة وكذلك في أول عهد الفاروق عمر ثم صلوها إحدى وعشرين وفي رواية ثلاث وعشرين فدل ذلك على أن كلاً سنة وعلى أن هذا الأمر فيه سعة.
و اعلموا أيها المؤمنون الصائمون أن من أجل الأعمال وأعظمها أيضاً في هذا الموسم الكريم قراءة كتاب الله عز وجل وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار فهذا شهر القرآن شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن , وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل هذا الشهر الكريم شمر وأيقظ أهله وكان يلتقي فيه بأمين وحي رب العالمين جبريل يدارسه القرآن ويعرض عليه القرآن , وقال صلى الله عليه وسلم (( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ))(9)[9], والقرآن كما سبق أن ذكرنا يشفع لصاحبه يوم القيامة في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف البقرة وآل عمران بالزهراوين وقال (( إنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان يحاجان عن صاحبهما ))(10)[10] أي عن الذي يحفظهما ويقرأ بهما دائماً يأتيان يذبان عنه ويدافعان ويحاجان عنه يوم القيامة , وكذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم أن سورة الملك: تبارك الذي بيده الملك تذب عن صاحبها في القبر من يحفظها ويقرأ بها تذب عنه وتدافع عنه عذاب القبر(11)[11]. فعليكم بهذا الكتاب العظيم اقرؤوا كتاب الله عز وجل واتلوه آناء الليل وأطراف النهار فإن من أراد أن يناجي ربه فليقرأ هذا القرآن العظيم فإنه كلام الله ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [القمر:32-40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد فاعلموا أن من أجل الأعمال أيضاً وأعظمها وخاصة في هذا الموسم العظيم البذل والإنفاق علي الأهل والعيال والأرحام والصدقة علي الفقراء والمساكين والمحتاجين فهذا الشهر شهر البذل والإنفاق والجود والكرم وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأعظمهم جوداً وكرماً وبذلاً وسخاءً وإنفاقاً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر قط وقد أعطى رجل من أصحابه ما بين جبلين من الماشية(12)[1] وكان صلى الله عليه وسلم إذا جاء هذا الشهر الكريم يكون أعظم ما يكون جوداً وكرماً يصير مثل الريح المرسلة كما قال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما(13)[2] , والصدقة من أعظم أبواب البر قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (( والصدقة برهان ))(14)[3] أي دليل على صدق إيمان العبد لأنه بذلك يكون قد تغلب علي الطبيعة المغروسة في الإنسان وهي الشح: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون [الحشر:9], وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصدقة فقال: (( أيها الناس تصدقوا )) وقال: (( اتقوا النار ولو بشق تمرة )) وأمر النساء على وجه الخصوص بالإكثار من الصدقة فقال صلى الله عليه وسلم: (( تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار )).
واعلموا أيضاً أن من أعظم الأعمال صدقة السر الصدقة التي تنفقها بيمينك فلا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك مبالغة في السر بحيث تكون أبعد عن الرياء والسمعة هذه الصدقة تطفئ غضب الرب كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: (( صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر )), أما الصدقة المعلنة في الجرائد وأعمال الخير التي يطبلون لها ويزمرون مع وصف صاحبها بمختلف الأوصاف " المحسن الكبير " " صاحب أعمال الخير " فلان وفلان هذه صدقة الرياء والسمعة تذهب هباء منثوراً لا تنفع صاحبها عند الله عز وجل, لا تطفئ غضب الرب بل ربما تزيد غضبه عز وجل.
و اعلموا أيها المؤمنون الصائمون أن من أعظم الأعمال وأجلها في هذا الموسم الكريم العمرة إلي بيت الله الحرام فإنها تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: (( لما رجع من حجة الوداع قال لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان : ما منعك أن تحجي معنا؟ فقالت: أبو فلان تعني زوجها أبو فلان له ناضحان حج على أحدهما والأخر نسقي عليه. فقال لها صلى الله عليه وسلم: فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة معي ))(15)[4]. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اللهم إنا نسألك أن تعيننا على صيام هذا الشهر الكريم وعلى قيام هذا الشهر الكريم وعلى الطاعة والعبادة فيه . أن تعيننا فيه وفي غيره على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وعلى تلاوة كلامك العظيم آناء الليل وأطراف النهار ونسألك أن تتقبل منا ذلك كله يا كريم يا رحيم .
يا بن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب:56]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة صلى الله بها عليه عشرا))(16)[5]. اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق و ذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

__________
(1) صحيح البخاري (2840) صحيح مسلم (1153).
(2) صحيح البخاري (1896) صحيح مسلم (1152).
(3) مسند أحمد (2/174).
(4) صحيح البخاري (1901) صحيح البخاري (760) من أبي هريرة رضي الله عنه .
(5) صحيح مسلم (233).
(6) سنن الترمذي (2485) وقال : حديث صحيح ، سنن ابن ماجة (1334) عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه.
(7) صحيح البخاري (2009) صحيح مسلم (759) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(Cool سنن الترمذي (806) وقال : حسن صحيح ، سنن النسائي (1605) سنن ابن ماجة (1327) عن أبي ذر رضي الله عنه.
(9) سنن الترمذي (2910) وقال : حسن صحيح غريب. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(10) 10] صحيح مسلم (804) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.
(11) 11] سنن الترمذي (2890) عن ابن عباس ، وقال : حديث حسن غريب.
(12) صحيح مسلم (2312) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(13) صحيح البخاري (1902)، صحيح مسلم (2308).
(14) صحيح مسلم (223) عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
(15) صحيح البخاري (1863) ، صحيح مسلم (1256).
(16) صحيح مسلم (408) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(1/737)



احفظ الله يحفظك
-----------------------
العلم والدعوة والجهاد
أحاديث مشروحة
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
12/10/1419
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- حديث ((احفظ الله يحفظك)) وما فيه من معانٍ وتوجيهات 2- معنى حفظ العبد لله 3- معنى حفظ الله للعبد ، وأنواع ذلك وصوره
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصيكم إخوتي الكرام ونفسي بمراقبة الله سبحانه في الظاهر والباطن، ومحاسبة النفس في الدنيا قبل الحساب الأكبر يوم القيامة.
أخرج الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف النبي فقال: ((يا غلام أو يا غليم، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ قلت: بلى، فقال:
احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)) وفي رواية: ((واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا)).
قال ابن الجوزي: تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش، فوا أسفى من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه.
إن في هذا الحديث من معاني التوحيد والتعلق بالله وحده وتسليم الأمور له وحده والطمأنينة بقضائه وقدره، ما يشعر المسلم معه بطمأنينة النفس وسكون الروح، وسمو المشاعر وانضباط الجوارح.
لقد علم النبي ابن عباس ذلك الغلام الفذ علّمه تلك الوصايا العظيمة الجامعة لسعادة الدنيا والآخرة، وفيه درس عظيم لنا في أن نعلم أبناءنا ونساءنا ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وبث النصح والتوجيه المستمر، وفي الوقت المناسب، لتكون مصابيح في طريقهم إلى الخير.
أما قول النبي : ((احفظ الله يحفظك))، في هذا يعني حفظ حدود الله بلا تجاوز، وحفظ حقوقه، وأوامره ونواهيه، وذلك باتباع أوامر الله سبحانه وتعالى واجتناب نواهيه، جاء في الأثر: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حُرُمات فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها.
وقد أثنى الله على من حفظ حدود الله قال تعالى: والحافظون لحدود الله [التوبة 112] وقال تعالى: هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب [سورة ق 32-33]، ومن أعظم ما يجب حفظه من المأمورات الصلوات الخمس، قال : ((من حافظ عليهن كن له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة)).
ومما أمر الله بحفظه الرأس وما وعى، والبطن وما حوى.
وحفظ البطن وما حوى يتضمن حفظ القلب عن الإصرار على محرم، ويدخل فيه حفظ البطن من إدخال الحرام إليه من المأكولات والمشروبات وما يجب حفظه من المنهيات حفظ اللسان والفرج قال : ((من يضمن لي ما بين لحييه ورجليه أضمن له الجنة)).
كما يشمل ما أمر الله به أن يحفظ العبد سمعه عن الحرام، وأن يحفظ بصره فلا ينظر إلى الحرام، فمن أدى ما أمر الله به حينئذ فليستبشر بحفظ الله له فإن الجزاء من جنس العمل كما قال تعالى: وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم [البقرة 40]. وكما قال تعالى: اذكروني أذكركم [البقرة 152]، وحفظ الله تعالى لعبده يتضمن نوعين:
أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، وكذلك كان يدعو بهذه الدعوات حين يمسي وحين يصبح يقول: ((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)).
وقال علي : إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه .
وحفظ الله وجده إبراهيم عليه السلام في النار، ووجده يوسف عليه السلام في الجب، ووجده يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث، كما وجده موسى عليه السلام في اليَم وهو طفل مجرد من قوة ومن كل حراسة، كما وجده في قصر فرعون وهو عدو له متربص له.
ومن حفظ الله للعبد أن يحفظه في بدنه وقوته وعقله وماله، وكان أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة وهو ممتع بعقله وقوته فوثب يوما من سفينة كان فيها إلى الأرض وثبة شديدة، فعوتب على ذلك، فقال: هذه جوارح حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر .
وعكس هذا أن الجنيد رأى شيخا يسأل الناس فقال: إن هذا ضيع الله في صغره، فضيعه الله في كبره.
وقد يحفظ الله العبد بصلاحه في ولده وولد ولده كما قيل في قوله تعالى: وكان أبوهما صالحاً [الكهف 82] إنما حفظا بصلاح أبيهما، وقال سعيد بن المسيب لابنه: إني لأزيد في صلاتي من أجلك رجاء أن أحفظ فيك.
ومن أنواع حفظ الله لمن حفظه في دنياه أن يحفظه من شر كل من يريده بأذى من الجن والإنس كما قال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً [الطلاق 2]. وقال الربيع بن خثيم : يجعل له مخرجا من كل ما ضاق على الناس، وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية : إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا.
ومن عجيب حفظ الله تعالى لمن حفظه أن يجعل حتى الحيوانات المؤذية بالطبع حافظة له من الأذى، ساعية في مصالحه كما جرى لسفينة مولى النبي حيث كسر به المركب وخرج إلى جزيرة فرأى السبع، فقال: يا أبا الحارث، أنا سفينة مولى رسول الله ، فجعل يمشي حوله ويدله على الطريق حتى أوقفه عليه، ثم جعل يهمهم كأنه يودعه وانصرف عنه.
اللهم اجعلنا حافظين لحدودك، مؤتمرين بأمرك، منتهين عما نهيت عنه يا رب العالمين .
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فمن ضيع الله ضيعه الله بين خلقه، حتى يدخل عليه الضرر ممن كان يرجو أن ينفعه، ويصبح أخص أهله به وأرفقهم به يؤذيه فتجد المال يؤذيه، والولد يؤذيه، وكذا المقربين من أصحابه. كما قال بعضهم: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي وحماري، يعني أن خادمه يسوء خلقه عليه ولا يطيعه، وحماره يستعصي عليه فلا يواتيه لركوبه .
والنوع الثاني من الحفظ وهو أشرفها وأفضلها: حفظ الله تعالى لعبده في دينه، فيحفظ عليه دينه وإيمانه في حياته من الشبهات المردية والبدع المضلة، والشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإسلام فأي نعمة أعظم من هذه، وأي سعادة أعظم من هذه السعادة، في الوقت الذي يتهاوى فيه كثير من الناس في الشهوات والشبهات، وقد ثبت في الصحيحين من حديث البراء بن عازب أن النبي علم أن يقول عند منامه: ((اللهم إن قبضت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)).
وكان النبي إذا ودع من يريد السفر يقول له: ((أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)) وفي رواية وكان يقول: ((إن الله إذا استودع شيئا حفظه)).
ومن حفظ الله للعبد أن يحول بينه وبين الوقوع في المعصية كما حفظ يوسف عليه السلام: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين [يوسف 24] وسمع عمر رجلا يقول: اللهم إنك تحول بين المرء وقلبه، فحُل بيني وبين معاصيك، فأعجب عمر ودعا له بخير. وقال الحسن عندما ذكر أهل المعاصي قال: هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم.
ومن أنواع حفظ الله لعبده في دينه أن العبد قد يسعى في سبب من أسباب الدنيا من الولايات أو التجارات أو غير ذلك، فيحول الله بينه وبين ما أراده لما يعلم له من الخيرة في ذلك وهو لا يشعر مع كراهيته لذلك.
قال ابن مسعود : إن العبد ليهمّ بالأمر من التجارة أو الإمارة فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإني إن يسرته له أدخلته النار فيصرفه الله عنه، فيظل يتطير، يقول: سبقني فلان، دهاني فلان، وما هو إلا فضل الله عز وجل.
وفي الجملة فمن أراد أن يتولى الله حفظه ورعايته في أموره كلها فليراع حقوق الله عليه، ومن أراد ألا يصيبه شيء مما يكره فلا يأتي شيئا مما يكرهه الله، وكان بعض السلف يدور على المجالس ويقول: من أحب أن تدوم له العافية فليتق الله.
وكان بعض الناس يطلب من العمري الزاهد الوصية له فيقول له: كما تحب أن يكون الله لك، فهكذا كن لله عز وجل.
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : لا يرجون عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه.
وقال مسروق: من راقب الله في خطرات قلبه عصمه الله في حركات جوارحه.
فتأمل في حفظ الله لعباده الصالحين، قد حفظهم في أنفسهم وأموالهم وأهليهم، ثم هو يحفظهم في أعظم ما يحملون في دينهم، بل ويحفظهم من كل سوء لم يقدره عليهم، فهنيئا لأولئك الذين صبروا على طاعة ربهم، وهنيئا لمن راقب الله في جوارحه ولسانه وأعمال قلبه، قد نالوا حفظ الله لهم، ومن يحفظه الله فلا يمكن لأي قوة في الأرض أن تخترق هذا الحجاب المنيع.
أما الذين ضيعوا أمر الله فوا أسفى على حياة ما تلذذوا بها، وعلى أيام حيل فيها بينهم وبين ما يشتهون، فانقلبت لذتهم حزنا وصفوهم كدرا.

(1/738)



وداع رمضان
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب, فقه
الصوم, فضائل الأعمال
-----------------------
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
5/10/1411
قباء
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
درس من وداع رمضان – دوام انفتاح أبواب الخير – أنواع من نوافل الصيام – القيام بعد رمضان – أهمية السنن الرواتب
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد قال الله تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون [يونس:58].
إن من أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين توفيقهم للطاعات وفعل الخيرات من صيام وقيام وقراءة للقرآن وصدقة وغير ذلك ومن أعظم هذه النعم أن يبلغهم شهر رمضان ذلك الموسم العظيم الحافل بالبركات والهدى والنور والفرقان, ذلك الموسم العظيم الذى تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران, ولله فيه عتقاء من النيران نسأل الله أن يجعلنا منهم. كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان, فإذا ما بلغوه وصاموه وأحيوا ليله حتى أتموه سألوا الله تعالى ستة أشهر أن يتقبله منهم.
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتقبل منا أجمعين ويتوب علينا أجمعين وأن يبلغنا رمضان سنوات كثيرة عديدة عامرة بطاعته سبحانه مزدهرة بعبادته.
أيها المؤمنون: هذا هو رمضان ولى وانصرم كأنما هو طيف عابر مر ولم نشعر فيه بمضي الزمان ولا بكرِّ الليالى والأيام. هكذا العمر يمر بنا ونحن لا نشعر, يكون بعضنا غارقاً في شهواته حتى يغزو الشيب مفرقيه نظير أجل محتوم قد يحل بساحته, قد يحل الأجل والغافل لم يستقر بعد للرحيل, فإذا حانت ساعة الميعاد, فلات حين مناص, يحمل الغافل على الأعواد ويدس بين الإلحاد والذنب كثير والعمل قليل وحينئذ لا ينفعه أي عض على أصبع الندم ولا أن يهتف وينادي يا ليتنى أرد فأعمل غير الذى كنت أعمل, فالعمر فرصة لا تمنح للإنسان إلا مرة واحدة, فإذا ما ذهبت هذه الفرصة وولت فهيهات أن تعود.
فاغتنم أيها المؤمن هذه الفرصة قبل أن تموت, فإن أبواب الخير مفتحه أمامك في رمضان وغير رمضان, أبواب الخير والطاعات والعباده مفتحه أمامك في رمضان وفي غير رمضان.
فالصيام مثلاً ليس قاصرا على شهر رمضان, فقد سن لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام ست أيام من شوال فقال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله))(1)[1] وسن لنا أيضا صيام ثلاثة أيام من كل شهر: ((ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله))(2)[2] رواه مسلم.
والأفضل أن يصوم الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر لحديث أبى ذر الغفاري رضي الله عنه عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا أبا ذر إذا صمت ثلاثة من كل شهر فصم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر))(3)[3] رواه أحمد والنسائي.
وسن لنا أيضا صيام يوم عرفة وأخبرنا بأنه يكفر السنة الماضية والباقية, وصيام يوم عاشوراء وأخبرنا أنه يكفر السنة الماضية, وسن لنا صيام الإثنين من كل أسبوع وقال إنه يوم ولدت فيه وفيه أنزل علي.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصيام بعد رمضان فقال: ((أفضل صيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم))(4)[4] وفي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يتحرى صيام الإثنين والخميس.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس وأحب أن يعرض عملى وأنا صائم))(5)[5].
وعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: ((ما أكمل رسول الله شهراً قط إلا شهر رمضان وما رأيته أكثرصياماً منه في شعبان))(6)[6] فالحمد الله رب العالمين ذلك الصيام, وهو من أعظم العبادات, أبوابه مفتحه مشروعة في كل الشهور طوال السنة, فاغتنم الفرصه أيها المؤمن, فإن من صفات المؤمنين والمؤمنات أنهم صوامون قوامون قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون [الذاريات:17]. فصلتهم بربهم عز وجل الذى يحبهم ويحبونه, صلتهم لا تنقطع أبدا, فهم دائما وفي كل حين يذكرونه سبحانه وتعالى ويناجونه أما ذلك الذي لايعرف ربه إلا في رمضان, فإذا ما خرج من رمضان, أعرض عن ربه ونسي ذكره, ذلك في حبه لربه شك وارتياب, هذا ليس من شأن المحب أنه لا يذكر حبيبه إلا شهرا واحدا في السنة.
فاتقوا الله أيها المؤمنون واعمروا أيامكم وشهوركم عمركم كله بذكر الله عز وجل ومناجاته وعبادته.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب رسولك وحب من يحب رسولك وحب عمل يقربنا إليك.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ونعوذ بك من سخطك والنار.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العلمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد فإن من بركات شهر رمضان قيام الليل ولكنه أيضا ليس خاصا برمضان, فربنا عز وجل كما أخبرنا النبي ينزل في كل ليلة من ليالى السنة إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل الآخر فيقول: ((هل من تائب فأتوب عليه, هل من مستغفر فأغفر له, هل من سائل فأعطيه سؤله))(7)[1] ولذلك سن لنا النبي القيام والصلاة في هذا الوقت الجليل المبارك.
وصلاة الليل مثنى مثنى أي ركعتين ركعتين, يصلي المؤمن ما تيسر له, وبما تيسر له من القرآن حتى إذا خشي أن يدركه الصبح صلى واحدة توتر له صلاته.
لقد حثنا ربنا على التقرب إليه بهذه النافلة وبمثلها من النوافل صيام أو صلاة أو صدقة أو غير ذلك. فقال تعالى في الحديث القدسي: ((ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)) أداء الفرائض أولا ثم قال: ((ومازال يتقرب إلي عبدي بالنوافل حتى أحبه)) لازال المؤمن يتزلف إلى ربه بما تيسر له من نوافل من صيام وصلاة وصدقة وقراءة للقرآن وغير ذلك حتى يحوز على تلك الدرجة العظيمة أن يحبه الله عز وجل وهذه الدرجة معناها وميزتها النور, إن من أحبه الله يمتلأ نورا كما امتلأ قلبه بنور الإيمان, فإن النور يفيض على جوارحه كلها: (( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى عليها, ولئن سألنى لأعطينه, ولئن استعاذنى لأعيذنه))(Cool[2].
وحثنا سيدنا رسول الله على صلاة الليل على وجه الخصوص فقال: ((أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام))(9)[3] ولكن من لم يقدر على صلاة الليل وقيامه فعليه أن يحافظ على هذه السنن الرواتب التابعة للفرائض وهي اثنتا عشرة ركعة, قبل الظهر أربع وبعده ركعتان, وبعد المغرب ركعتان, وبعد العشاء ركعتان, وقبل صلاة الفجر ركعتان, قال الرسول : ((ما من مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتا عشرة ركعة تطوعا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة))(10)[4].
واعلموا أيها المؤمنون أن أداء النوافل, أداؤها في البيوت أفضل من المسجد وذلك لأنه بالصلاة وقراءة القرآن تعمر البيوت وتزدهر وتفر منها الشياطين وأما بدون ذلك فإن البيوت تظلم وتصبح قبورا وتمتلئ بالشياطين.
قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا بيوتكم قبورا, صلوا في بيوتكم))(11)[5]، وقال: ((صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة))(12)[6].
فاتقوا الله أيها المؤمنون واغتنموا العمر, اعمروا أيامكم وعمركم كله بطاعة الله.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب:56]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة صلى الله بها عليه عشرا))(13)[7] اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

__________
(1) مسلم: كتاب الصيام (1164).
(2) مسلم: كتاب الصيام (1162).
(3) الترمذي: كتاب الصيام (761).
(4) مسلم: كتاب الصيام (1163).
(5) النسائي: في الصيام (2358).
(6) أخرجه النسائي بنحوه في الصيام (2354).
(7) البخاري: التهجد (1094).
(Cool البخاري: الرقاق (6136).
(9) ابن ماجة: أبواب إقامة الصلاة (1334).
(10) رواه مسلم: كتاب صلاة المسافرين (103).
(11) أخرجه أحمد (2/367).
(12) أخرجه أبو داود في الصلاة (1044).
(13) صحيح مسلم (408).

(1/739)



تتمة احفظ الله يحفظك
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد
أحاديث مشروحة, مكارم الأخلاق
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
24/10/1419
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
- عاقبة الصبر والصابرين , والتحذير من السخط على قضاء الله – أنواع الصبر الذي يعقُبه النصر : 1- صبر على جهاد العدو 2- صبر على جهاد النفس والهوى – استشعار الفرَج وزوال الكروب , ونماذج لذلك
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن المسلم في حاجة إلى زاد عظيم في هذه الدنيا، يواجه به ما يلم به من مشكلات الحياة وجهل الناس وأذى السفهاء، بل وأعظم من ذلك الانتصار، يجب أن يكون شامخا متمنطقا بالصبر والاحتساب.
وأنى لي ولك ـ أخي الكريم ـ من الزاد إلا ما علمناه قدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله ، الذي أوصى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بقوله: ((واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا))(1)[1] فالصبر واجب وهو حتم لابد منه، وفيه خير كثير، وقد أمر الله بالصبر ووعد عليه بجزيل الأجر: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صلاتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ، وعلى المسلم أن يرضى بكل قضاء قدره الله ـ عز وجل ـ، فإن الصبر على المكروه يوجب كف النفس واللسان وحجبها عن التسخط مع وجود الألم على المكروه، أما الرضى، فيوجب انشراح القلب من روح اليقين والمعرفة، وكما أن الصبر إنما يكون عند الصدمة الأولى كما صح ذلك عن النبي ، فالرضى إنما يكون عند نزول البلاء كما كان النبي يقول في دعائه: وأسألك الرضى بعد القضاء، لأن المسلم قد يعزم في قرارة نفسه على الرضى بالقضاء، انفسخت تلك العزيمة، والصبر على البلاء واجب لابد منه، وإنما ينال بقليل من التجلد والتحمل كما قال : ((ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر))(2)[2].
وإن الصبر في ذات الله وعلى كل مكروه عاقبته خير، كما حصل ليوسف: إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.
مع إخوانه حينا أعلى الله شأنه وأحسن له العاقبة قال: قال عمر : وجدنا خير عيشنا بالصبر وعبارات السلف في فضل الصبر كثيره بالصبر، وقال علي بن أبي طالب : إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، وصبر المسلم على الضر هو من توفيق الله، قال الحسن : الصبر كنز من كنوز الجنة لا يعطيه الله إلا لمن تكرم عليه.
وقال إبراهيم التيمي: ما من عبد وهبه الله صبرا على الأذى، وصبرا على البلاء، وصبرا على المصائب، إلا وقد أوتي فضلا ما أويته أحد بعد أحد بعد الإيمان بالله ـ عز وجل ـ.
ولقد كان الصبر جلبابا يرتدونه عند نزول البلايا وشعارا عند حلول المصاب، قال بعض السلف: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله إذ رزقني الصبر عليها، إذا لم تكن أعظم مما هم وأحمد الله إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد الله إذ وفقني للاسترجاع، وأحمد الله إذ لم يجعلها في ديني.
الوصية التالية: واعلم أن النصر مع الصبر.
والصبر الذي يعقبه النصر نوعان:
صبر على لقاء العدو نظاهر كما قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وكقوله ـ سبحانه ـ: كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ.
والنوع الآخر: صبر على جهاد النفس والهوى، فجهادهما والصبر على ذلك مقدَّم على جهاد الكفار، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما سئل عن الجهاد : ابدأ بنفسك التي بين جنبيك، فكم مرة دعتك إلى المعصية، وكم مرة نازعتك إلى تغيير طبيعتك الخيرة، وكم مرة استجبت لهواتف النفس والهوى التي تدعوك إلى النوم عن صلاة الفجر وصلاة العصر، وكم مرة زين لك أكل الحرام وسرقة الأموال، وفي كم موطن أعطتك نفسك فتوى جاهزة ومبررات مقبولة عندك لتفعل ما لا يحل لك فعله، وتترك ما يجب عليك من معاقرة الخمر مثلا والوقوع في الفاحشة ولذا كانت وصية أبي بكر الصديق لعمر الفاروق حين استخلفه : إن أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك، وهذا من فقهه فإن من صبر على مجاهدة نفسه وهواها وشيطانه، انتصر عليهم، وعاش عزيز النفس، يوجه نفسه، لا توجهه نفسه، ومن لم يصبر عاش أسيرا ذليلا. والنفس بمنزلة الدابة إن عرفت منك الجد جدت، وإن عرفت منك الكسل طمعت فيك، وطلبت منك حظوظها وشهواتها.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، ودليلا للسالكين، وحجة على الخلق أجمعين.
أما بعد:
فالوصية الثالثة هي أَن الفرج مع الكرب.
وهذه الوصية تمحو وتحجب اليأس، وتدعو إلى استشراف المستقبل بثقة واطمئنان، مذكرا أن الليل كلما اشتد سواده كان مؤذنا بفجر جديد.
فاشدد يديك بحبل الله معتصما …فإنه الركن إن خانتك أركان
ولقد حصل للناس في عهد النبي كرب وضيق احتبس عنهم المطر، وجهد الناس، فسألوه أن يستسقي ربه، فرفع النبي يديه فاستقى لهم فنشأ السحاب ومطروا إلى الجمعة الأخرى حتى قاموا إليه وسألوه أن يستصحي لهم ففعل فأقلعت السماء: فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانظُرْ إِلَى ءاثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْىِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وكثيرة تلك الوقائع التي تُظهر الفرج مقترنا بالكرب.
عسى الكرب الذي أمسيت فيه …يكون وراءه فرج قريب
عسى فرجا يأتي به الله إنه …له كل يوم في خليقته أمر
فهذا إبراهيم خليل الرحمن ـ عليه الصلاة والسلام ـ رأى في المنام أنه يذبح ابنه فلذة كبده، يذبحه بيديه وهو سوف يرى ابنه بعد قليل يتشحط في دمه، إنها لحظات شِداد فجاء الفرج من الله: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ.
وقصة عائشة بنت الصديق ـ رضي الله عنهما ـ عندما اتهمها المنافقون في حادثة الإفك، ولبثت شهرا، تعيش همّ هذه القرية الآثمة، حتى نزلت براءتها من فوق سبع سماوات: إِنَّ الَّذِينَ جَاءوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلّ امْرِىء مّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ والقصص في هذا المعنى كثيرة جدا.
الوصية الرابعة: ((إن مع العسر يسرا)) وهذه الوصية تأكيد للوصية السابعة قال ـ تعالى ـ: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً. وإن الله لا يجمع على عبده عسرين، فهي بشرى للمسلم أن تيسير أمره يكون بعد العسر.
ولا شك أن غاية ما يرجوه إنسان هو اليسر، وإنها لنعمة عظيمة أن يرى المسلم أموره ميسرة بعد العسر الذي ألم به، وقد جاء في الأثر: لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه، ومتى وقع المسلم في العسر، فإنه لا بد له من الدعاء والتضرع وهذا في حد ذاته نعمة عظيمة.
إن هذه الوصايا يا عباد الله التي أوصى بها نبي الأمة ابن عباس، إنها درية الألفاظ، عسجدية المعاني، مشرقة المعاني محكمة الألفاظ، قد تجافت عن مضاجع القلب، إنها تعيش في المشاعر، وتتحرك في الجوارح، وهي زاد عظيم، وعلم جليل، يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلى بشيء كتبه الله عليك، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا.
اللهم ارزقنا العمل بوصية نبيك صلى الله عليه وسلم...
__________
(1) صحيح ، أخرجه أحمد (1/307) ، وانظر سنن الترمذي : كتاب صفة القيامة – تابع باب ما جاء في صفة أواني الحوض (2800).
(2) أخرجه البخاري : كتاب الزكاة – باب الاستعفاف عن المسألة (1469) ، ومسلم : كتاب الزكاة – باب فضل التعفف والصبر (1053).

(1/740)



السحر
-----------------------
التوحيد
الشرك ووسائله, نواقض الإسلام
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
23/8/1419
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
خطورة السحر وحقيقته – معنى السحر وصوره – حكم الساحر – التحذير من الكهَنة والعرّافين وحكم من يأتيهم لمرض أو نحوه – ماذا يفعل من ابتُلي بالسحر – كيفية الوقاية من السحر
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا إخواني، أوصيكم ونفسي بتقوى الله في الظاهر والباطن وبمتابعة النبي قولاً وعملاً.
أيها المؤمنون، بعد أن كانت الأمة موئلا للتوحيد وملاذا للإيمان وقلعة من قلاع العقيدة، غزت بعض تلك الأمم أو قل كلها تيارات الشرك، وأناخت بركابها الشعوذة، فأمطرت سحبها وأزهر سوقها، وطال ربيعها.
إن السحر عالم عجيب، ظاهره جميل خلاب، وباطنه قذر عفن، لقد عبّد الشيطان السحر والسحرة وأتباعه للشمسَ والقمر والنجوم والأوثان، بل ترقى به الحال إلى تعبدهم لنفسه الخبيثة، لقد كان السحر ولا يزال منزلقا لم يجن البشر من ورائه إلا ثمرات مُرَّة، إنه صورة مشوهة، وأيد ملطخة بدماء الأبرياء، لقد سلب الفرحة من قلوب كثير من الناس، وأزال البسمة عن شفاههم، إنه تاريخ مظلم بظلام آثاره وضلال أتباعه.
لقد نعى الله ـ تبارك وتعالى ـ على فريق من الذين أوتوا الكتاب أنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وتركوا ما فيه، واتجهوا إلى ما يضاده، ألا وهو السحر، قال ـ تعالى ـ: وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَاكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلّمُونَ النَّاسَ السّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْء وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ.
لقد انتشر السحر في طول الدنيا وعرضها، لم يدع أمة من الأمم إلا كان فيها، واستخدم لتعبيد الناس لغير رب العالمين، بل لقد كان أداة فاعلة في حرب الرسل والرسالات، وتهمة جاهزة تلصق بكل نبي يدعو إلى عبادة الله ونبذ الشرك.
وقد جاء السحر بمعان متعددة، فمن معانيه الإزالة والخداع، وإخراج الباطل في صورة الحق، ويأتي بمعنى الإفساد، أما معناه الاصطلاحي فقيل فيه: عزائم ورقى وعقد، تؤثر في الأبدان والقلوب، فيمرض ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن الآخر، والذي يصنع هذه الأمور هو الساحر أو الساحرة، ولكي يعملوا هذه الأعمال الخبيثة فإنه لا بد لهم من طريقة معينة يسلكونها، ونظام ثابت يتبعونه ليبلغ درجة الكفر بالله، أرجو أن لا يقشعر بدنك، فهم يرتدون المصحف في أقدامهم يدخلون به الخلاء، أو يكتبون آيات الله بالقذارة أو بدم الحيض، ويذبحون لغير الله، ومنهم من يأتي أمه أو ابنته، ومنهم من يسجد للكواكب.
إن هذه الفعال الكفرية التي يفعلها الساحر هي دليل صدقه في التعلم، وعنوان صداقته لإبليس ـ لعنه الله ـ: إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى، وكلما كان الساحر أشد كفراً كان الشيطان أكثر طاعة وأسرع في تنفيذ أمره، وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ .
لقد خرج هذا الساحر إلى حيث أراد إبليس خرج إلى حيث غضب الله وسخطه، وقصده الذي قال: فيما حكاه الله عنه: لاَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً، كَذالِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ، ومن يعمل هذه الأعمال فهو كافر. وقد اتفق الأئمة العلماء على ذلك واستدلوا بقول الله تعالى: وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ.
وحد الساحر القتل، لأنه من أهل السعي في الأرض بالفساد، لتعلمه السحر، واستدعائه الناس إليه وإفساده إياهم، مع ما صار إليه من الكفر.
ومن كان هذا حكم الله فيه فقد ظهر خطره، لكنه لا يظهر أمام الناس بوجهه الكالح، بل يظهر على أنه رجل معالج وربما أطلق عليه (السيد) أو (الشيخ) نعم إنه شيخ ضلالة، وربما تجده يصلي بالناس أحيانا ليلبس على الناس، وربما ادعى أنه يصوم النوافل فيُخْدَع به المغفلون.
وبعد كل ما يصنعه فإنك تجد ـ أخي الكريم ـ أن هذه البضاعة منتشرة مشهورة في بلاد المسلمين، وأن لها رواداً وعواداً، حتى عادت شيئا لا غرابة فيه ، ولا أحد ينكره إلا من رحم الله، فأنت ربما تجد الساحر في وسائل الإعلام يجعل الحيةَ حبلا، ويخرج حيوانات كثيرة من قبعته وغير ذلك باسم المهارة والألعاب العجيبة، وربما تجرى معه المقابلة ويظهر الساحر بمظهر ذلك الإنسان الذي فتح قدرات لا يملكها غيره من الناس إمعانا في التلبيس وخداع البسطاء من الناس.
أخي الكريم، هل أتاك نبأ أولئك النفر الذين يذهبون إلى هناك، نعم هناك حيث يطفأ نور الإيمان، حيث المعصية، لقد اشتعلت قلوب بعضهم بفتيل الحسد، فسهروا الليل وكابدوا النهار، فساروا بخطوات سريعة، متناسين هواتف النفس، بأن هذا الطريق إيذاء للمسلم.
لقد دخل على الساحر وتحدثا بحديث الغدر والخيانة، ثم ما لبث أن سمع كلمات الطمأنينة من هذا الساحر المفسد بأن كل شيء سوف يسير كما يخططون: أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ، أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُ



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 11:02
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فا أيها الإخوة الكرام، لقد نزل بالأمة خطب جلل وأمر عظيم، لقد فجع الناس، وبكى الكثير منهم، وغشيتهم الدهشة والذهول، وتسربلوا بثوب الحزن والأسى، لفقد عالم جليل فقيه عابد مجاهد صابر زاهد ورع، اجتمعت القلوب على حبه، وحمل على عاتقه لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله أكثر من نصف قرن من الزمان، لقد قضى الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ـ حياته في العلم والتعليم والتدريس والتأليف ولد ـ رحمه الله ـ في عام 1330هـ في شهر ذي الحجة، قد نشأ يتيما، إذ توفي والده وعمره ثلاث سنوات فعاش في كنف والدته التي لم تأل جهدا في تربيته والعناية به، ثم فقد الشيخ بصره قبل بلوغ العشرين، لقد كان ـ رحمه الله ـ ذا حافظة وقّادة، وفهم ما وهبه الله من تقوى وزهد في الدنيا وعبادة، وللشيخ مائدة لها أكثر من خمس وثلاثين سنة يحضرها من يشاء من الكبار والصغار والأغنياء والفقراء، والسادة والمسودون، وهو معهم يأكل ويشرب، وكان الشيخ ـ رحمه الله ـ يتقاضى راتبا حكوميا كبيرا، ولكنه يصرفه في سد حاجة المحتاجين، وقضاء حوائج المتضررين.
ثم لا يأتي آخر الشهر إلا وقد استدان، وكان يعمل ـ رحمه الله ـ على كبر سنه، يعمل في اليوم ما يقارب الثماني عشرة ساعة.
أما سيرة الشيخ العلمية، فإنه حفظ القرآن الكريم وهو لم يتجاوز سن البلوغ، ودرّس في المعهد العلمي وكلية الشريعة لمدة عشر سنوات في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم عُيّن رئيسا للجامعة الإسلامية خمس سنوات، ثم رئيسا لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وأخيرا مفتيا عاما لهذه البلاد، وقد تولى منصب القضاء لمدة أربعة عشر عاما، وهو من تلاميذ الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة سابقا، وتتلمذ على الشيخ جمع كبير من العلماء المبثوثين في البلاد من أبرزهم فضيلة الشيخ محمد ابن عثيمين، وصالح الفوزان، وعبد الله بن جبرين، وعبد الله ابن منيع، وألف ـ رحمه الله ـ عددا من الكتب والفتاوي والردود.
وكان ـ رحمه الله ـ يواظب على صيام الاثنين والخميس، وله دروس تعقد بعد الفجر من كل إثنين وخميس من كل أسبوع، وله ـ رحمه الله ـ مع الليل شأن آخر، فقد كان يحييه بالصلاة والدعاء.
أيها الاخوة الكرام، إن العلماء الراسخين يعرفون في الشدائد والأزمات، وهم الذين يقفون سدا منيعا ضد المنكرات، لقد أصدر سماحته ـ رحمه الله ـ فتوى عن حرمة توظيف النساء في الدوائر الحكومية المؤدي إلى الاختلاط، وأن يوظف الشباب بدلا عنهن.
كما كان له ـ رحمه الله ـ دعوة إلى عموم المسلمين لنصرة إخوانهم المظلومين المستضعفين في البوسنة وأن يوقف بجانبهم وأن تمد يد العون لهم.
أيها المسلمون، وفي يوم الخميس السابع والعشرين من شهر الله المحرم وقبل صلاة الفجر قضى الشيخ عبد العزيز ابن باز نحبه، وانتقل إلى جوار ربه، وأن المؤمنين في شرق الأرض وغربها ليحزنها ذلك، وإن أولياء الرحمن ليتباكون لوفاته، وإن حزب الشيطان من العلمانية والمنافقين وأهل البدع ليطيرون فرحا، قاتلهم الله أنى يأفكون.
أيها الاخوة لئن مات سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ، فإن الأمة فيها من الرجال والعلماء الأوفياء الكثير.
إذا مات منا سيد قام سيد……قؤول لما قال الكرام فعول
ولئن مات الشيخ فإن الموت سنة ماضية، وإن هذا الدين تحرسه عناية الله، وسوف ينتصر رغم الأعادي والعوادي: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ.
يا رب فاجمعنا معا ونبينا ……في جن تثني عيون الحسد
اللهم اغفر للشيخ عبد العزيز.
ألا وصلوا وسلموا...
__________
(1) صحيح، أخرجه أحمد (5/196)، وأبو داود: كتاب العلم – باب الحث على طلب العلم، حديث (3641)، والترمذي: كتاب العلم – باب ما جاء عن فضل الفقه عن العبادة، حديث (2682).
(2) صحيح، أخرجه الترمذي، كتاب العلم – باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة حديث (2685)، وقال: غري، وأخرجه الطبراني في الكبير، حديث (7912).
(3) أخرجه البخاري: كتاب العلم – باب كيف يُقبض العلم، حديث (100)، ومسلم: كتاب العلم – باب رفع العلم وقبضه... حديث (2673).
(4) أخرجه الترمذي: كتاب العلم – باب ما جاء في ذهاب العلم، حديث (2653)، وقال: حسن غريب، وأخرجه أيضاً الحاكم: كتاب العلم (1/99) وصححه، ولم يتعقبه الذهبي، والحديث صحيح، انظر صحيح الترمذي (2137).
(5) أخرجه أحمد (3/157)، قال الهيثمي في المجمع (1/121)، وفيه رشدين بن سعد واختلف في الاحتجاج به، وأبو حفص صاحب أنس مجهول، وفي تقريب التهذيب ضعف رشدين (ص209)، فالحديث ضعيف.
(6) انظر تفسير الطبري (3/327).
(7) انظر إعلام الموقعين لابن القيم (1/7).
(Cool أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام – باب قول النبي : ((لا تزال طائفة...)) حديث (7311)، ومسلم: كتاب الإمارة – باب قوله : ((لا تزال طائفة...)) حديث (156).
(9) مفتاح دار السعادة (1/140).
(10) 10] الفتاوى (11/43).
(11) 11] أخرجه البخاري: كتاب الجنائز – باب ثناء الناس على الميت، وحديث (1367)، ومسلم: كتاب الجنائز – باب فيمن ثني عليه خيراً أو شراً بين الموتى، حديث (949).
(12) 12] نقلاً عن ابن حمدان (صفة الفتوى والمستفتي) (7).

(1/742)



نعمة رمضان
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب, فقه
الصوم, فضائل الأعمال
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
1/9/1420
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
مشاعر المسلمين عند استقبال شهر رمضان – فضل شهر رمضان – بعض الطاعات المطلوبة في شهر رمضان : التوبة ,الدعاء ,الإنفاق ,العمرة ,القيام – أصناف الناس في رمضان
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون، كم هي مشاعر الفرحة والغبطة التي تغمر المسلمين في أنحاء الأرض كلها، تخالط قلوبهم وهم يترقبون دخول هذا الشهر الكريم، شهر رمضان الكريم الذي أنزل فيه القرآن، لعلمهم أنه يحمل بين جنباته سعة رحمة الله ومغفرته ورضوانه قال : ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار، وصفرت الشياطين))(1)[1]، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر، قال ـ تعالى ـ: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ.
إن رمضان انبثاقة فجر جديد للعالم، إنه تشرف أن يكون فيه تبديد ظلام الشكر والضلال الذي خيم على الأرض قرونا، بنزول القرآن فيه، والصيام فيه يربي العبد على التطلع إلى دار الآخرة، فهو يترك طعامه وشرابه وشهوته انتظارا للجزاء الحسن يوم القيامة.
والصيام استسلام وعبودية لله، فالعبد يأتمر بأمر ربه في مواعيد الإمساك، ومواعيد الأكل والشرب، لا يتقدّم عنها ولا يتأخر. والصوم تربية للمجتمع على التلاحم والشعور بحاجة الآخرين.
أيها المسلمون، إن من رحمة الله ـ تبارك وتعالى ـ أن أخرَنا لبلوغ هذا الشهر، وأمهلنا فلم يتخطّفنا الموت كما تخطّف أناساً غيرنا، ولو تأمّلنا قليلاً في حال بعض أقربائنا أو جيراننا أو أصحابنا في ساعة ما، فكم هي نعمة أن يبلّغنا ربنا هذا الشهر الكريم، ومنْ يدري هل سوف نبلغه العام القادم أم لا؟ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ.
إنك ـ أخي الكريم ـ ترى في هذا الشهر صنفاً مسارعاً إلى طاعةالله، لقد حنّوا في مسيرهم الدنيا إلى الله العلي الكبير، فكلّما تذكروا ما أعدّ الله للصائمين من عظيم الأجر قالوا:
يا حبذا الجنة واقترابها ……طيبةٌ وباردٌ شرابها
إنك تراهم يحملون همماً عالية في الخير، وهمماً في الإحسان إلى الناس، وهمماً في البر والمعروف، لقد استعد أهل الدنيا لاستقبال هذا الشهر الكريم، فكيف استعدوا هم له وبم يستقبلونه، ومن أعمالهم فيه التوبة والاستغفار، فرمضان فرصة عظيمة وساحة واسعة للتفكير الصادق في العودة إلى الله ـ تعالى ـ، وترك أكل الحرام وشهادة الزور، والتوبة الصادقة من الظلم والغيبة والنميمة، وقد قال الله ـ تعالى ـ: وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
فإن لم نبت في رمضان فليت شعري متى نتوب؟ ولله ـ سبحانه ـ في كل ليلة من رمضان عتقاء من النار.
ثانيا: الدعاء: قال ـ تعالى ـ: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ وقال : ((لكل مسلم دعوة مستجابة يدعو بها في رمضان))(2)[2]، وعلى المسلم أن يتخير أوقات في أدبار الصلوات المكتوبات، وما بين الأذان والإقامة، وفي الساعة الأخيرة من يوم الجمعة، وعند دخول الإمام إلى أن تنقضي صلاة الجمعة، وعند إفطار الصائم وغيرها.
صرفت إلى رب الأنام مطالبي……ووجهت وجهي نحوه وقالبي
إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقه …مليك يرجى شيبه وفي المتاعب
فما زال يوليني الجميل تلطفا ……ويدفع عني في صدور النوائب
إذا أغلق الأملاك دوني قصورهم ……ونهنه عن غشيانهم زجر حاجب
فزعت إلى باب المهيمن طارقا ……مدلا أنادي باسمه غير هائب
فلم أنف حجابا ولم أخش منعة ……ولو كان سؤلي فوق هام الكواكب
كريم يلبي عبده كلما دعا……نهارا وليلا في الدجى والغياهب
سأسله ما شئت إن يمينه ……تسح رفاقا باللهى والرغائب
ثالثا: الإنفاق:
النفقة من أسباب القرب من الله ـ تعالى ـ ودخول الجنة أو سارعوا إلى مغفرة قال : ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه))(3)[3]، وإنها لفرصة ثمينة أن ينال العبد الأجر العظيم، بصدقة لا تنقص ماله، وقال : ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر))(4)[4].
رابعا: العمرة: قال : ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))(5)[5] وهذا الفضل العظيم للعمرة عام في كل حين وأما في رمضان فإن فضلها يتضاعف، فقد قال لامرأة من الأنصار: ((فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة، أو قال: حجة معي))(6)[6].
بارك الله لي ولكم...

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
أما بعد:
فمن أعمالهم الصالحة الموفقة كذلكم:
خامسا: القيام، كما أن شهر رمضان شهر الصيام، فهو كذلك شهر القيام قال ـ تعالى ـ: قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتّلِ الْقُرْءانَ تَرْتِيلاً.
وقال ـ تعالى ـ في صفة عباده المحسنين: كَانُواْ قَلِيلاً مّن الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.
وقل : ((من قام رمضان إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه))(7)[1]، وكانوا لا يقتصرون على هذه الأعمال بل كل شيء يقربهم إلى الجنة ويباعدهم عن النار. جعلنا الله وإياكم من هذه الصنف من الناس الذي عرف حقيقة الوقت وعمل لما بعد الموت، وهناك صنفان من الناس، لم يتكيف مع رمضان كما ينبغي بل كان واقعه مختلفا عن هدي السلف الصالح ولعلي أقص عليك طرفا منها:
فمنهم من يغلق مجاري الابتسامة على شفتيه، فما تراه إلا معبس الوجه مقطب الجبين، وإن حصل بينه وبين إنسان اخر شيء من الخلاف، سمعت السب والشتم ورفع الصوت، أو يكون نهاره إفطارا على لحوم إخوانه المسلمين وتتبعاً لعوراتهم، بل لا يكاد يسلم منه المسلم الذي يصلي بجواره في المسجد. ونقول لهذا الصنفان من الناس رويدك فما هكذا يكون خلق الصائم، وما هكذا يقضي يومه.
ومنهم من يجعل شهر رمضان شهر النوم والكسل والبطالة، فيقضي جل نهاره نائما وربما تجد البعض لا يستيقظ إلا قبيل المغرب بلحظات، وقد فاتته صلاة الظهر والعصر.
ومنهم من يمضي ليله أمام أجهزة الإفساد إلى قبيل الفجر عند نزول الرب إلى السماء الدنيا، فهو يطيع الله في النهار ويعصيه في الليل.
ومنهن من تقض ليالي رمضان في التجول في الأسواق وأمام نوافذ المشاغل، وفي أماكن أخرى، وربما خرجن بدون محرم، أو متبرجات سافرات، فيرجعن مأزورات غير مأجورات.
عجيب هذا الصنف من الناس، كيف لم يقدروا هذا الشهر حق قدره ولم يستشعروا حديث النبي : ((أتني جبريل فقال: يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، فقلت: آمين، قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله، فقلت: آمين، قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله فقلت: آمين))(Cool[2].
فنسأل الله ـ عز وجل ـ في هذه الساعة المباركة أن لا يجعلنا منهم نحن ولا أهلونا.
إن هؤلاء القوم يخشى عليهم ينتهي أن رمضان وقد حرموا خيرا عظيما، اللهم لا تجعل حظنا من صيامنا الجوع والعطش، ولا من قيامنا النصب والتعب.
ألا وصلوا وسلموا...

__________
(1) أخرجه البخاري : كتاب الصوم – باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟... حديث (1899) ، ومسلم : كتاب الصيام – باب فضل شهر رمضان ، حديث (1079).
(2) قال الهيثمي في المجمع (3/143): عن أبي سعيد قال : قال رسول الله : ((إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة – يعني في رمضان – وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة)). رواه البزار وفيه أبان بن أبي عياش ، وهو ضعيف. اهـ. قلت: لم أجده في المطبوع من مسند البزار ن وقال ابن حجر في أبان : متروك ، التقريب (ص87) ، فإسناده ضعيف. وأخرج أحمد (2/254) عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد – شك الأعمش – قال : قال رسول الله : ((إن لله عتقاء في كل يوم وليلة ، لكل عبد منهم دعوة مستجابة)) قال الهيثمي في المجمع (10/216) : ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (2165).
(3) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب البر والصلة – باب استحباب العفو والتواضع ، حديث (2588).
(4) أخرجه الطبراني في الكبير (8014) ، قال الهيثمي في المجمع (3/115) : إسناده حسن ، وصححه الألباني في الصحيحة (1908).
(5) أخرجه مسلم : كتاب الحج – باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة ، حديث (1349).
(6) أخرجه البخاري : كتاب العمرة – باب عمرة في رمضان ، حديث (1782) ، وكتاب جزاء الصيد – باب حج النساء ، حديث (1863) ، ومسلم : كتاب الحج – باب فضل العمرة في رمضان ، حديث (1256).
(7) أخرجه البخاري : كتاب الإيمان – باب تطوع قيام رمضان من الإيمان ، حديث (37) ، ومسلم : كتاب صلاة المسافرين – باب الترغيب في قيام رمضان ، حديث (759).
(Cool أخرجه الطبراني (2022) ، وابن حبان : كتاب البر والإحسان – باب حق الوالدين ، حديث (409) ، قال الهيثمي في المجمع (8/139): رواه الطبراني بأسانيد ، وأحدها حسن. وانظر كلام محقق صحيح ابن حبان ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (75) ، فالحديث صحيح بمجموع طرقه.

(1/743)



القرآن العظيم والإنفاق
-----------------------
العلم والدعوة والجهاد, فقه
الزكاة والصدقة, القرآن والتفسير
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
21/9/1419
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- حال العرب قبل الإسلام 2- أثر القرآن على العرب ودوره في هدايتهم 3- طبيعة القرآن وصفاته 4- حال الصحابة مع القرآن 5- صور هجر القرآن، ودور الكفار في الصد عنه 6- فضل النفقة في سبيل الله، والتحذير من البخل والشح 7- جهود الكفار وبذلهم في سبيل التنصير 8- الدعوة للنفقة والبذل في سبيل القرآن والدعوة إليه وتعليمه.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، والتمسك بكتابه فهو حبل الله المتين، من استمسك به نجا ومن تركه ضل ولم تجد له وليا مرشدا قال الله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان [البقرة 185].
إن رمضان هو شهر القرآن، لقد أنزله الله تبارك وتعالى إيذانا بإنبثاق نور جديد للبشرية التي عاشت ردحا من الزمان بعيدة عن عقيدة التوحيد وملة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لقد كان العربي قبل نزول القرآن كتل لحم تسير في الصحراء لا هم له إلا شويهاته يعيش من أجلها ويموت في سبيلها، لقد هانت عليه نفسه لدرجة أنه يصنع صنما من تمر يعبده من دون الله فإذا جاع أكله.
وفي الحديث عن عياض بن حمار : ((إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب)) حينئذ نزل القرآن، ليهدي تلك القلوب التائهة، والعقول الحائرة، والنفوس المريضة، لقد حول هذا القرآن أولئك الأعراب من رعاة الغنم إلى قادة للأمم، فكم هي نعمة الله علينا سبحانه وتعالى: لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل ولفي ضلال مبين ،[آل عمران 164] الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين [البقرة 1].
وقد وصفه الله الذي أنزله على عباده بصفات التزكية والتعظيم، ونزهة عن كل نقص وعيب فوصفه سبحانه بأنه نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، وهو شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، وهو تذكرة لمن يخشى الله، وبشارة لأولئك المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجر كبيرا، والذين ما أن يستمعوا إلى كتاب ربهم وكلامه حتى تقشعر له جلودهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، كما أنه مبارك وعجيب يهدي إلى الرشد، ولو أنزل على الجبال الصم الصلاب، لرأيتها خاشعة متصدعة من خشية رب الأرباب سبحانه إنه كتاب لا يمكن أن يتطرق إليه الباطل ولا يمكن للإنس والجن فضلا عن أن يكون أحدهما أن يأتي بمثل هذا القرآن.
وإن كتابا يحمل كل هذه الصفات والنعوت لجدير أن يكون له من التأثير والنفاذ إلى القلوب ما لا يملكه أي كتاب ولا أي كلام حتى الذين كانوا يقعدون بكل صراط ويصدون عن سبيل الله لم يستطيعوا إنكار إعجابهم بالقران الكريم .
روى ابن إسحاق في السيرة النبوية أن أبا سفيان قبل إسلامه وأبا جهل بن هشام المخزومي، والأخنس بن شريق خرجوا ذات ليلة متفرقين إلى غير موعد إلى حيث يستمعون من رسول الله وهو يتلو القرآن في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه، ولا أحد منهم يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر، تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض، لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة التالية، عاد كل منهم إلى مجلسه لا يدري بمكان صاحبه فباتوا يستمعون للرسول حتى طلع الفجر، فتفرقوا، وجمعهم الطريق فتلاوموا وانصرفوا على ألا يعودوا، لكنهم عادوا فتسللوا في الليلة الثالثة وباتوا يستمعون إلى القرآن.
لقد أدهشهم كلام الله ولم يستطيعوا أن يعتقوا أنفسهم من أسره.
أما الصحابة رضوان الله عليهم فلهم شأن آخر مع كتاب الله عز وجل، لقد تلقفوا القرآن تلقف الإبل إليهم يقرأونه ويتدبرونه ويعملون به، عن أبي رجاء قال: رأيت ابن عباس رضي الله عنهما وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع، وعن أبي صالح قال: قدم ناس من أهل اليمن على أبي بكر الصديق فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون، فقال أبو بكر الصديق : هكذا كنا.
وعن عمر بن الخطاب : أنه صلى بالجماعة الصبح فقرأ سورة يوسف، فبكى حتى سمعوا بكاءه من وراء الصفوف.
إن الحياة مع القرآن وتدبره نعمة لا يعرفها إلا أولئك الذين تذوقوها، نسأل الله أن يجعلنا منهم: إنها نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه.
إنك وأنت تتجول في كتاب الله الكريم من آية إلى آية ومن سورة إلى سورة تعيش مشاهد وأحداثا، فتقرأ: إن الله سميع بصير [المجادلة 1] وتقرأ: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة [المجادلة 7]وأنه يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منا وما ينزل من السماء وما يعرج فيها [سبأ 2]، فإن المسلم وهو يسمع هذه الآيات يصبح في قلبه حساسية تجاه رقابة الله لأعماله الظاهرة والباطنة، فيحرص على نظافة هذه الأعمال والمشاعر ليراها الله نظيفة فيرضى عنها ويثيب عليها.
وحيث يقرأ: هو الرزاق ذو القوة المتين [الذاريات 58]، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر .[الرعد 26]
حينئذ لم يعد القلق على الرزق يشغلهم ولم يعد يحس حين يتعرض لأي أذى أو اضطهاد أن البشر هم الذين يتصرفون في رزقه أو قوته أو أمنه أو راحته .
إننا نحن المسلمين أحوج إلى تدبر القرآن وتدارسه وتعليمه أبناءنا، إنك تفرح وأنت تسمع أن أسرة من الأسر في هذا البلد الأب يحفظ القرآن، وثلاث أبنائه يحفظون القرآن، وثلاث من البنات كذلك وبقية الأولاد يحفظون الجزء ما بين الرابع والخامس عشر إن الكل يتمنى أن لو كان أبناؤه بهذه المثابة وأسرته كهذه الأسرة، خير من أسرة أمام الشاشة بالساعات الطوال حتى إذا ما جاء القرآن رأيتهم يتأففون، وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون [الزمر 45]وقد يبلغ البعض هجر سماع القرآن الكريم وقراءته، أو هجر العمل به، أو هجر تحكيمه أو التحاكم إليه أو هجر الاستشفاء والتداوي به من أمراض القلوب وأدوائها.
وهذا كله داخل في شكوى الرسول من هجر القرآن الكريم: وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذ هذا القرآن مهجوراً .[الفرقان 30]
أخي: أيها المسافر في هذه الحياة، لقد أدرك الكفار أن عزة المسلمين في التمسك بهذا القرآن، فبدأوا ينفثون سمومهم ليجعلوا منه أثرا رجعيا متخلفا، أو لجعله رمزا فقط لا يعمل به، ولا تنفذ توجيهاته: يقول غلادستون رئيس وزراء بريطانيا سابقا: ما دام هذا القرآن موجودا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق.
ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر : إننا لن ننتصر على الجزائريين ماداموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم.
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا يا حي يا قيوم أقول قول هذا . .
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
القائل: ((ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال : ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله باب فقر .. وأحدثكم لأربعة نفر: بعد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقه، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا هو صادق النية يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء)).
أما بعد:
فإن الإنفاق سبيل المؤمنين المحلفين بالقران وعدهم الله جنة عرضها السماوات والأرض كما قال تعالى : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء .[آل عمران 134]
وعن أبي ذر قال : انتهيت إلى النبي وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال: ((هم الأخسرون ورب الكعبة قال : فجئت حتى جلست فلم اتقاءّّ حتى قمت فقلت يا رسول الله: فداك أبي وأمي من هم؟ قال هم الأكثرين أموالا إلا من قال: هكذا وهكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل هم))، وجاء في الحديث أنه: ((ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الأخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا)) .
والمسلم موعود بالخلف ممن إنه من رب العالمين قال تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه [سبأ 39]وقال : ((ما نقصت صدقة من مال)).
وقال : ((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين، قال: أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده، أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين، قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي)) رواه مسلم.
أخي الكريم: يا من علمناه باذلا ماله في الخير، هل تذكرت معنى حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وفيه: ((رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ))، أخي الكريم، لقد جنى الكفار أموالا طائلة لنشر دينهم ومبادئهم، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي قال: ((بيننا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة :اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة (أو هي الأرض التي بها حجارة سود كثيرة ) فإذا شرجة من تلك الشراج (الشرجة : مسايل الماء في الحرار) قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له يا عبد الله، ما اسمك، قال : فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له، يا عبد الله لم تسألني عن اسمي، فقال إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها، قال : أما إذا قلت هذا، فإني نظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وأكل أنا وعيالي ثلثا، وأراد فيها ثلثه)).
أخي الكريم: لقد جنّد الكفار من اليهود والنصارى أموالا مذهلة لنشر دينهم ومبادئهم المخرفة وأفكارهم عن طريق الإذاعة والتلفزة والمراسلات وغير ذلك فقد أنفق النصارى اثنان وعشرون مليون دولار مع مدرسة تنصرية في بلد عربي، وانفق على مؤتمر للمنصرين واحدا أكثر من واحد وعشرين مليون دولار وجمع اليهود تبرعات تحت شعار (قاتلوا المسلمين) وذلك في فرنسا، فجمعوا ألف مليون فرنك خلال أربعة أيام، وهذا وهم موعودون بالحسرة كما قال الله تعالى: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها فثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون [الأنفال 36].
فكيف بمن ينفق ماله في سبيل الله بل في خدمة كتاب الله، خصوصا ونحن نعلم أيها الاخوة الكرام أن الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالطائف تقوم بأنشطة خيرية كثيرة، وما من أحد منا لا وقد انتفع من برامج هذه الجمعية أو ولده أو ابنته أو إحدى قريباته والعاملون فيها نحسبهم من الثقات المخلصين والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحدا، وكثير ممن يعمل في هذه الجمعية من المحتسبين، كما أن هذه الجمعية تقوم بأعمالها على نفقات المحسنين من أمثالكم الذين ما فتئتم تقدمون كل دعم لها، وهاهم اليوم يلتمسون منكم دعما سخيا، تحتسبونه عند الله تعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا، وتترقبون أنتم دعاء الملك بالخلف ألا وصلوا . .

(1/744)



النار ووصفها
-----------------------
الإيمان, الرقاق والأخلاق والآداب
الجنة والنار, اليوم الآخر
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
1/8/1419
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
وصف النار وحال أهلها وطعامهم وشرابهم وخلودهم فيها – صفة أهل النار من الكفار - تلاوم أهل النار – وجوب التوبة ومحاسبة النفس
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والاستعداد ليوم عظيم، تذهل كل مرضعة فيه عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها.
إخواني في الله، مر معنا في الخطبة الماضية حديث عن الجنة التي هي نزل الكرامة والرحمة والغفران، وفي هذه الخطبة نعرج على النار التي أوقد الله عليها ألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى احمرت وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة ـ أجارنا الله وإياكم منها ـ.
إنها دار الذل والهوان، والعذاب والخذلان، دار الشهيق والزفرات، والأنين والعبرات، دار أهلها أهل البؤس والشقاء، والندامة والبكاء، والأغلال تجمع بين أيديهم وأعناقهم، والنار تضطرم من تحتهم ومن فوقهم، شرابهم من حميم يصهروا به ما في بطونهم والجلود، وأكلهم شجر الزقوم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم، يدعون على أنفسهم بالموت فلا يجابون، ويسألون ربهم الخروج منها فلا يكلمون، كيف لو أبصرتهم وهم يسحبون فيها على وجوههم وهم لا يبصرون، أم كيف لو سمعت صراخهم وعويلهم وهم لا يسمعون: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحياةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
وحينما يجاء بالموت على صورة كبش أملح فيذبح، تزداد حسرة أهل النار وينقطع أملهم في الموت بعد أن كانوا في الدنيا لا يحبونه، وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يالَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ياوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:27-29].
وعن أبي هريرة قال: قال النبي : ((لا يدخل أحد الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، ولا يدخل النار أحده إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة)) رواه البخاري(1)[1].
فتوضع الأغلال في أعناقهم ويجمع بعضهم إلى بعض نكاية لهم وزيادة في العذاب، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الاْغْلَالُ فِى أَعْنَاقِهِمْ [الرعد:5]، وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِى الاْصْفَادِ [إبراهيم:49].
ويلبسون ثيابا من نار وإن اشتهوا الماء فإنهم يسقون من ماء صديد يتجرعونه ولا يكادون يسيغونه، هَاذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْواجٌ [ص:57، 58]، عن أبي أمامة عن النبي : ((يقرب إليه فيكرهه، فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره))، وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا(2)[2] [الكهف:29]، وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف:50]، وإذا جاعوا أكلوا من شجرة الزقوم التي لا أقبح ولا أبشع من منظرها مع ما هي عليه من سوء الطعم والريح والطبع، فَإِنَّهُمْ لاَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الصافات:66]، إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِى فِى الْبُطُونِ كَغَلْىِ الْحَمِيمِ [الدخان:43-45]، قال : ((لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه))(3)[3].
ومن هذا الطعام والشراب واللباس الذي هو من النار يصف الله ـ تعالى ـ شدة حرها: كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لّلشَّوَى تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى [المعارج:15-17]، أي إنها لشدة حرها تبري الجلد واللحم عن العظيم وتنزعه ثم يبدل بعد ذلك وهي أيضا من شدة حرها: لاَ تُبْقِى وَلاَ تَذَرُ [المدثر:28]، أي تأكل لحوم أصحابها وعروقهم وعصبتهم وجلودهم، قال : ((ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم)) قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: ((فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها))(4)[4].
يخلق الله الكافرين غلاظ الأجسام نكاية بهم، قال رسول الله : ((ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث))(5)[5] وقال : ((ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع))(6)[6].
وهذه النار تمتلئ بالعصاة والكافرين: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلاَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ [ق:30]، إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98]. عن أبي هريرة قال: كنا مع رسول الله إذ سمع وجبة فقال النبي : ((أتدرون ما هذا، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها))(7)[7].
وتحيط به النار من كل مكان، فلا يستطيعون الفرار أو الاختباء: لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر:16]، لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ [الأنبياء:39]. وقال : ((إن أهون أهل النار عذابا من له فعلان وشراكان من نار يغلي منها دماغه كما يغلي المرجل (القدر) ما يرى أن أحدا أشد عذابا منها وإنه لأهونهم عذابا))(Cool[8] وقال : ((منهم من تأخذه النار إلى كعبيه ومنهم من تأخذه النار إلى حجرته ومنهم من تأخذه النار إلى ترقوته))(9)[9]. والحجزة: معقد الإزرار، والترقوة: العظم المشرف من النحر.
لقد صب عليهم العذاب صبا، وذاقوا مس سقر، وفي ذلك المكان المرعب المخيف ما لهم من ناصرين ولا صديق حميم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: هَاذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ

(1/745)



الحج وتاريخه
-----------------------
فقه
الحج والعمرة
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
2/12/1419
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
حكم الحج – قصة بناء إبراهيم عليه السلام البيت – فضل الحج – أحكام الحج وأقسامه - أعمال الحاج
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن الحج تلك الشعيرة العظيمة من شعائر ديننا العظيم، فرض فرضه الله على عباده إلى بيته العتيق مرة؛ في العمر لقوله عندما سئل عن الإسلام فقال ((أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إذا استطعت إليه سبيلاً))(1)[1]، فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر، ومن أقر بها وتركها تهاوناً فهو على خطر، قال عمر بن الخطاب : (لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا من كان عنده جِدة فلم يحج، فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين)، وقال علي بن أبي طالب : (استكثروا من الطواف بهذا البيت، قبل أن يحال بينكم وبينه).
إن بيت الله الحرام، هو منارة التوحيد، بناه إمام الموحدين وأمره الله أن يطهر بيته من الرجس والأوثان، إن قدر الله لغالب ألا مكان للوثنية والشرك عند بيته المحرم.
وللبيت قصة عجيبة، لقد جاء إبراهيم عليه السلام بهاجر وابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت العتيق، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هناك ووضع عندهما ماء وتمراً، ثم انطلق إبراهيم، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي، الذي ليس فيه أنيس ولا شيء، قالت ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليها فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال نعم، قالت: إذا لا يضيعنا. ثم انطلق إبراهيم عليه السلام حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مّنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37]، وجعلت أم إسماعيل ترضع ولدها إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نَفِد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فقامت على الصفا ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحداً ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحداً فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه، ثم تسمعت فسمعت أيضاً، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه بيدها، فشربت وأرضعت، فقال لها الملك: ((لا تخافوا الضيعة، فإن هذا البيت يبنيه هذا الغلام وأبوه)) رواه البخاري(2)[2].
ويبني الخليل وابنه البيت، وأمر الله خليله إبراهيم عليه السلام بأن يؤذن في الناس بالحج قال تعالى: وَأَذّن فِى النَّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ [الحج:27]. فقال إبراهيم: يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذ إليهم؟ فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، هل الحج اسم لمكان معين؟ وقيل: على الصفا، وقيل على أبي قبيس. وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأجابه كل شيء سمعه من حجر وقدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة، لبيك اللهم لبيك.
وقد حث النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه على الحج ورغب فيه، وأنه يهدم ما قبله من سيئ العمل، فعن عمرو بن العاص قال: لما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت رسول الله فقلت: ابسط يدك فلأبايعك، فبسط، فقبضت يدي، فقال: ((مالك يا عمرو))؟ قلت: أشترط، قال ((تشترط ماذا))، قلت: أن يغفر لي، قال: ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله))(3)[3].
فالحاج الذي لم يرفث ولم يفسق يخرج طاهرا نقيا من الذنوب صغيرها وكبيرها.
قال : ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه))(4)[4]، وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله : ((تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة)) رواه أحمد وصححه الألباني(5)[5].
وللحاج دعوة مستجابة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: ((الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم))(6)[6].
الحاج في حفظ الله تعالى، قال : ((ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى المسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازياً في سبيل الله، ورجل خرج حاجاً))(7)[7].
ومما جاء في فضل الحج وأنه منفاة للذنوب، حديث ابن عمر قال: قال رسول الله : ((أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك، يكتب الله بها لك حسنة، ويمحو عنك بها سيئة وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي، جاءوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج، أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك، وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك)) رواه الطبراني وحسنه الألباني(Cool[8].
إن في هذه الأحاديث دعوة ونداء إلى المبادرة بالحج، وغسل النفس من ذنوبها، فإن العبد لا يعلم متى موعد رحيله من هذه الدنيا، والحج أيام معدودات، من استطاع أن يلبي فيها نداء ربه ثم لم يفعل فهو المحروم، إن الحج إلى بيت الله الحرام وأجره وفضله، يحرك الساكن، ويهيج المشاعر والقلوب التي تطمع في مغفرة علام الغيوب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فإذا عقد المسلم نيته على الحج فعليه أن يلبس ملابس الإحرام إزاراً ورداء، فيمر بالميقات وينوي الدخول في الحج بأحد الأنساك الثلاثة:
فإن كان متمتعاً يحرم بالعمرة وحدها ويقول إذا وصل الميقات: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج، فإذا وصل إلى مكة، طاف وسعى سعي المعمرة ثم يحلق أو يقصر، فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أعماله، وإن أخر إحرامه إلى اليوم التاسع فلا حرج عليه لكنه خلاف السنة، وينحر الهدي في اليوم العاشر.
وإن أراد الحاج (الإفراد) يقول عند الميقات: لبيك حجاً، فإذا أخرّ سعيَ الحج سعى بعد طواف الإفاضة، ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل من إحرامه، بل يبقى على إحرامه حتى يحل منه بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد. والمفرد لا هدي عليه.
والنسك الثالث: القرآن، وهو أن يحرم بالعمرة والحج جميعا فيقرن بينهما، وعمل القارن مثل عمل المفرد سواء بسواء إلا أن القارن عليه هدي كالمتمتع، وصفة النية أن يقول: لبيك عمرة وحجاً، وفي اليوم الثامن يستحب التوجه إلى منى قبل الزوال فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً، ويبيت فيها فيصلي فجر التاسع، وفي اليوم التاسع ـ وهو يوم عرفة ـ يمكث الحاج بعد صلاة الفجر في منى إلى ما بعد شروق الشمس ثم ينطلق من منى إلى عرفة وهو يلبي أو يكبر، فإذا زالت الشمس صلى الحاج الظهر والعصر جمعاً وقصراً جمع تقديم بأذان واحدا وإقامتين، ولا يصلي قبلهما ولا بينهما شيئاً ويتفرغ الحاج بعد ذلك للذكر والدعاء والتضرع إلى الله ويدعو بما أحب رافعاً يديه ويكثر من التهليل فإنه خير الدعاء يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وكان للسلف أحوال من الرجاء في مغفرة الله، فكان أبو عبيدة الخواص يقول في الموقف: واشوقاه إلى من يراني ولا أراه، وكان بعد ما كبر يأخذ بلحيته ويقول: يا رب قد كبرت فأعتقني. قال ابن المبارك جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تهملان، فالتفت إلي فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له. وروي عن الفضيل أنه نظر إلى نشيج الناس وبكائهم عشية عرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقاً يعني سدس درهم، أكان يردهم؟ قالوا: لا قال: واللهِ لَلْمَغْفِرَةُ عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق.
فإذا غربت الشمس أفاض الحجاج من عرفات إلى المزدلفة وعليهم السكينة والوقار، فإذا وصلوا المزدلفة صلوا المغرب والعشاء جمع تأخير قصراً، ويبيت في مزدلفة ويصلي فيها صلاة الفجر ويكثر من الذكر والدعاء بعد الصلاة ويلتقط سبع حصيات لرمي جمرة العقبة ثم يرمي جمرة العقبة مكبراً مع كل حصاة، ثم يحلق أو يقصر، ويطوف طواف الإفاضة، ويجوز تأخيره إلى اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو مع طواف الوداع، ثم السعي إن لم يسعَ أولاً. وعلى القارن والمتمتع نحر الهدي، وفي اليوم الحادي عشر يبيت في منى ويرمي الجمرة الصغرى فالوسطى فالكبرى بعد الزوال، يكبر مع كل حصاة ويدعو بعد الصغرى والوسطى، وكذا يفعل في اليوم الثاني عشر، لكن يجوز للحاج أن يتعجل فينفر من منى إلى مكة قبل غروب الشمس، ثم يطوف طواف الوداع، ومن أراد أن يتأخر إلى اليوم الثالث عشر ـ وهو الأفضل ـ يبيت في منى ثم يرمي الجمرات الثلاث ويطوف طواف الوداع وهو واجب في تركه دم إلا الحائض والنفساء.
أما والذي حج المحبون بيته ……ولبوا له عند المهل وأحرموا
وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعا ……لِعِزَّهِ من تعنوا الوجوهَ وتسلم
دعاهم فلبوه رضا ومحبة ……فلما دعوه كان أقرب منهم
وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبة ……ولم تثنهم لَذَّاتُهم والتنعم
ولما رأت أبصارهم بيته الذي ……قلوب الورى شوقا إليه تضرم
فلله كم من عبرة مهراقة ……وأخرى على آثارها لا تقدم
فلله ذاك الموقف الأعظم الذي ……كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم
ويدنو به الجبار جل جلاله ……يباهي به أملاكه فَهْوَ أكرم
فأشهدكم أني غفرت ذنوبهمْ ……وأعطيتهم ما أمَّلوه وأنعم
فكم من عتيق فيه كمل عتقه ……وآخر يستسعي وربك أكرم
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله...
__________
(1) أخرجه مسلم : كتاب الإيمان – باب الإيمان والإ



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 11:03
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
الوقفة الثانية: أن الأمة تتردى في الكوارث بسبب الذنوب والبعد عن الدين الصحيح، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]، فالزلازل والحروب والقحط وضيق العيش والتردي الاقتصادي ما هي إلا ثمراتٌ مُرّةٌ للذنوب: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِى مَسْكَنِهِمْ ءايَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّاتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْزِى إِلاَّ الْكَفُورَ [سبأ:15، 17]ُ.
الوقفة الثالثة: ظهور حقيقة الغرب النصراني.
لقد كان الناس يتوقعون أن الشعارات البراقة التي يرفعها الغرب الكافر مثل حقوق الإنسان والشرعية الدولية والنظام العالمي الجديد والديمقراطية ، سيكون الغرب جادا في عدم تجاوز حدودها، لكن الأزمة في البلقان والمذابح المرتكبة هناك زيف وعنصرية شعار حقوق الإنسان، وعرف من هو الإنسان الذي تحفظ حقوقه إنه كل أحد ما عدا المسلم إن حق تقرير المصير للشعوب داسته دبابات الصرب ومزقته مدافعهم، هاههم المتحضرون البيض والشعوب الراقصة في أوروبا التي تلهث لإناث الكلاب والقطط، وتذرف دموع التماسيح حزنا على مصير الدببة في أقاصي القطب الشمالي، ترى بشرا يعيشون محرقة إنسانية مكتملة الفصول وتهجيرا وإجراما دون أن يفعلوا شيئا عمليا صحيحا يوقف هذه المأساة.
وهم لا يمكن أن يخاطروا بجندي واحد من أجل المسلمين.
إن النصارى هم أعداؤنا بالأمس وأعداؤنا اليوم وأعداؤنا إلى آخر الزمان، وعلى المسلم أن يقيم في قلبه قضية الولاء والبراء، فلا يعطي ولاءه وحبه إلا لله ولرسوله وللمؤمنين، والدين هو محور الولاء، لا الجنس ولا اللون ولا العنصر ولا اللسان.
والوقفة الرابعة: الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ [الحج:39، 40]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الّجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْءانِ [التوبة:11]، والجهاد هو سبيل رفعة الأمة وعزتها ولن يرفع عن هذه الأمة الجريحة الأسيرة، وهو السبيل لكف بأس الذين كفروا، كما أنه باب لنشر الدين وحجب العوائق التي تقف دون وصوله إلى الناس، وها أنت ترى المستضعفين من المسلمين في البلقان يقاتلون على قلة في العدد والعدة، وأخشى ما يخشاه الغرب أن يتنادى المسلمون للجهاد في سبيل الله ونصرة إخوانهم هناك. إن المسلمين هناك:
يسائلون الليل والأفلاك ما فعلت ……جحافل الحق لما جاءها الخبر
هل قام مليون مهدي لنصرتها ……هل صامت الناس هل أودى بها الضجر
هل أجهشت في البيوت عاكفة ……كل القبائل والأحياء والأسر
ولكن مع الأسف لم يكن المسلمون على مستوى الحدث ولم يبلغوا مستوى نجدة المستغيث.
الوقفة الخامسة: واجبنا. إننا ـ نحن المسلمين ـ كما أخبر كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر(1)[1]، لا أهل؟ من خفقة قلب حزين على مصائب إخوانه هناك، ثم الدعاء لهم بأن ينصرهم الله ويثبتهم ويخذل عدوهم ويكف بأسهم، لأن المسلمين لا بواكي لهم ولا ناصر غير الله لهم، فهذا أقل القليل نفعله تجاههم.
وصلوا وسلموا...

__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب: البر والصلة – باب تراحم المؤمنين وتعاضدهم.

(1/747)



الجنة
-----------------------
الإيمان, الرقاق والأخلاق والآداب
الجنة والنار, اليوم الآخر
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
24/7/1419
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
- أشرف الساعات واللحظات في تاريخ المؤمن – أبواب الجنة ودرجاتها وبناؤها وطعام أهلها – فراش أهل الجنة ونساؤهم – أعظم نعيم أهل الجنة – خلود أهل الجنة - أسباب دخول الجنة
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والاجتهاد في الأعمال الصالحة والعمل لما بعد الموت.
إخواني، إنها أشرف الساعات، وأنفس اللحظات في تاريخ العبد المؤمن، تلك اللحظة التي يتناول فيها كتابه بيمينه: فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً تكاد تخرج روحه من بين أضلعه فرحا إنه كتاب من عزيز راحم ـ سبحانه ـ ذي الجبروت والملكوت والإجلال والإكرام.
فتفتح لهم أبواب الجنة: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الاْبْوَابُ وعدتها ثمانية، فإن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، وإن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، وإن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان.
وقد يدعى العبد الصالح المحسن من تلك الأبواب كلها، ومقدار ما بين مصراعي باب الجنة أربعون سنة، قال عتبة بن غزوان : وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام كما ذكر له(1)[1].
وإن سألت عن زمر أهل الجنة، أي الذين يدخلون الجنة أول الناس، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة))(2)[2].
أيها المؤمنون بالله واليوم الآخر، لقد أخبر الصادق المصدوق أن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض(3)[3]، روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك: ((أن أم الربيع بنت البراء أتت رسول الله فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة، وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غَرَبَ، فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء، قال: يا أم حارثة إنها جنان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى))(4)[4].
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى عن رسول الله قال: ((جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما، وحليتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء عن وجهه في جنة عدن))(5)[5]، وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَىّ ءَالآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ.
سئل النبي عن الجنة ما بناؤها قال: ((لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذخر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وتربتها الزعفران من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، ولا تبلى ثيابهم ولا يفني شبابهم)) رواه الترمذي وهو حديث صحيح(6)[6]، وكما أن هذا حالها وأرضها وبناؤها فإن فيها خيمة من درة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل لا يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن، ولك أخي الكريم أن تتخيل هيئة هذه الخيمة، وإذا أجال العبد المؤمن طرفه يرى شجرة كما أخبر النبي يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها(7)[7]، لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً، فإن اشتهى الفاكهة ففيها كما أخبر الله تعالى: فِيهِمَا مِن كُلّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ وقال: فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ، وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ.
وليست تلك الفواكه كفواكه الدنيا، وإنما تتشابه في الأسماء، فالاسم هو الاسم والمسمى. غير المسمى، ألا ما أطيب تلك الثمار التي غرست أشجارها في أرض المسك ثم سقيت بماء هو أطهر ماء وأنقاه، وأعذب مورد للصادي وأحلاه، فإن كنت تريد غرسا في الجنة فلا يَفْتُرَنّ لسانك عن (سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر) فهو غراسها.
أما أولئك الأخيار فلهم فواكه مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، وشرابهم أنهار تجري من غير أخدود، سبحان الله من أمسكها عن الفيضان، تجري من تحتهم وتفجر لهم كما شاءوا وأينما كانوا، وهذه الأنهار عسل مصطفى وماء وخمر لذة للشارب منه، ولبن لم يتغير طعمه، أما على ماذا يقدم الطعام والشراب، فعلى صحاف من ذهب يطوف عليهم بها غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
وهم الملوك على الأسرة على رؤوسهم التيجان: يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ، يَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ أبهج الألوان الأخضر وألين اللباس الحرير، فقد جمع الله لأهل الجنة بين حسن منظر اللباس والتذاذ العين به، وبين نعومته والتذاذ الجسم فيه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، هيأ لعباده الصالحين الكرامة والنعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، وصلى الله عليه وسلم وبارك على عبده ورسوله النبي الأمي الذي أتم الله به النعمة، وكشف به الغمة، ونشر به على الخلائق الرحمة.
أما بعد:
فبينما أهل الجنة كذلك في نعيمهم وسرورهم إذ تتراءى لهم خيام عالية قد أشرق منها النور وسطع الضياء، فيقصدون تلك الخيام فيبصرون نساء كأنهن البدور ليلة التمام: فِيهِنَّ قَاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ. وفي الصحيح أن لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من روائها، إنهن حور حسان قد كَملَ خَلقُهن وكملت محاسنهن، حتى إن الطرف ليحار من حسنها، بل وبشرب من كؤوس جماله كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : لو أن حوراء أخرجت كفها بين السماء والأرض لا فتتن الخلائق بحسنها، ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة في الشمس لا ضوء لها، ولو أخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض، ثم يأتي أعلى نعيم يمر على أهل الجنة وألذه وأكرمه وأبركه إنهم يرون ربهم الذي آمنوا به وصدقوا رسله وأطاعوه ظاهرا وباطنا، والذي أكرمهم بإدخالهم الجنة وجعل لهم هذا النعيم العظيم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : ((إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم، فيقولون: مالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول: أنا أعطيتكم أفضل من ذلك، قالوا: وأي شيء أفضل من ذلك قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا))(Cool[1].
وبعد قرارهم في الجنة وتمتعهم بها يؤتى بالموت كالكبش الأملح فيوقف بين الجنة والنار فيذبح وهم ينظرون(9)[2]، فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة، ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار.
كيف لا يبلغ بهم الفرح مبلغه وهم الذين صبروا على طاعة ربهم ومولاهم، لقد صرفوا جوارحهم وسخروها في طاعته ونصرة دينه، لم تؤخرهم أمواج الشهوات عن اللحاق بركب الصالحين، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ.
بالله ما عذر امرئ هو مؤمن ……حقا بهذا ليس باليقظان
تالله لو شاقتك جنات النعيـ……ـم طلبتها بنفائس الأثمان
يا سلعة الرحمن لست رخيصة ……بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن أين المشتري ……فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب ……فالمهر قبل الموت ذو إمكان
يا سلعة الرحمن كيف تَصَبَّر الـ ……خُطَّاب عنك وهم ذوو إيمان
فاتعب ليوم معادك الأدنى تجد ……راحاته يوم المعاد الثاني
ألا وصلوا وسلموا...

__________
(1) أخرجه مسلم : كتاب الزهد ، والرقائق ، حديث (2967).
(2) صحيح البخاري : كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة أنها مخلوقة ، حديث (3246) ، صحيح مسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها – باب أول زمرة تدخل الجنة... حديث (2834).
(3) أخرجه البخاري : كتاب الجهاد والسير – باب درجات المجاهدين في سبيل الله... حديث (2790) ، ومسلم : كتاب الإمارة ، باب : بيان ما أعدّه الله تعالى للمجاهد في الجنة من الدرجات ، حديث (1884).
(4) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير – باب من أتاه سهم غرب فقتله ، حديث (2809).
(5) صحيح البخاري : كتاب التفسير – باب ومن دونهما جنتان حديث (4878) ، صحيح مسلم : كتاب الإيمان – باب : إثبات رواية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى ، حديث (180).
(6) سنن الترمذي : كتاب صفة الجنة – باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها ، حديث (2526) ، وقال : هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي ، وليس هو عندي بمتصل ، وأخرجه أيضاً أحمد (2/445) ، وابن حبان : كتاب إخباره عن مناقب الصحابة – ذكر الغخبار عن وصف بناء الجنة... (16/396). وصححه الألباني ، انظر : صحيح حسن الترمذي (2050).
(7) أخرجه البخاري : كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة ، حديث (3251، 3252) ، ومسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها ، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب... حديث (2826).
(Cool أخرجه البخاري : كتاب الرقاق ، باب صفة الجنة والنار ، حديث (6549) ، ومسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها ، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة... حديث (2829).
(9) أخرجه البخاري : كتاب التفسير – باب: وأنذرهم يوم الحسرة ، حديث (4730) ، ومسلم : كتاب الجنة وصفة نعيمها – باب النار يدخلها الجبارون... حديث (2849).

(1/748)



القرآن العظيم وهجره
-----------------------
العلم والدعوة والجهاد
القرآن والتفسير
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
18/3/1420
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
- منزلة القرآن وفضله على الأمة والبشرية – أمثلة لتأثّر العرب ببلاغة القرآن - تأثر الصحابة بالقرآن وأثره فيهم – لمن يَمنح القرآن كنوزه وأسراره – حال كثير من الناس مع القرآن وهجرهم له وصور ذلك
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الاخوة الكرام، إن القرآن العظيم هو الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، بل جعل هذه الأمة تبلغ ذروة الفضائل والمجد، إنه الأصل الذي يرجع إليه، والنبع الذي تتفجر منه عيون الإيمان وليقين، وفيه ترد يقين النفوس، ولذة عيون المتدبرين، وملاذ قلوب المنكسرين وبماذا يمكن أن تصفه عيون الشعر مهما أوتي أصحابها من بيان وإبداع، إذ هو كلام الله المنزلْ، تكلم به حقيقة ـ سبحانه ـ، وهو صراطه المستقيم، وحبل الله المتين.
أيها الاخوة الكرام، شهدت الأرض ميلادا عظيما بنزول القرآن على محمد إذ شع نوره عليها، وأورقت أغصانها، وسرت الحياة الطيبة في عروقها، أما السماء فكان لها شأن آخر، لقد ملئت حرسا شديدا وشهبا، ولما لم يعد الجن قادرين على استراق السمع كما كانوا من قبل بسبب كثرة الشهب في السماء والرمي بها، ظن الإنس والجن أن ذلك مؤذن بخراب العالم أو هلاك أهل السماء، ولكن الصحيح أن الله أراد بأهل الأرض رشدا، نعم لقد أراد بهم رشدا في أن يعرفهم العقيدة والتوحيد، وأن لا إله إلا هو ـ سبحانه ـ، التي تعني نزع السلطان الذي يزاوله الكهان، ومشيخة القبائل، والأمراء والحكام على الناس ورده كله إلى الله، والتي تعني التأثير على القلوب والشعائر، وواقعيات الحياة، والتأثير في المال، والأرواح والأبدان، لتعود كلها مكومة بشريعة من عند الله.
ونزل القرآن على العرب فرأوا أنهم أمام هيبة رائعة وروعة مخوفة وخوف تقشعر منه الأبدان، فأحسوا ـ وهم الفصحاء ـ أنهم ضعفاء أمام هذا الكمال العظيم، فاستسلموا لبلاغته، وتعلقت قلوبهم به وارتبطت نفوسهم بإعجازه.
هذا الطفيل بن عمرو الدوسي جاء إلى مكة، فلم يزل كفار قريش يقولون: إن محمدا فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه، ولا تسمعن منه شيئا، قال الطفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا، ولا أكلمه حتى حشوت في أذني كرسفا خوفا أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن اسمعه، فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله قائم يصلي عند الكعبة فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن أسمع بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني رجل لبيب شاعر، وما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقوله، فإن كان الذي يقوله حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته، فلما سمع القرآن من النبي غضا طريا قال: (والله ما سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمرا أعدل منه)، ولقد أثرت كلمات القرآن في نفسه، وسرت إلى عقله وقلبه همسات دافئة هادئة تحمل هداية القرآن.
وهنا رجل آخر كان جبارا في الجاهلية شديدا على المسلمين المستضعفين يومئذ، فلما سمع قول الله ـ تعالى ـ: طه

(1/749)



المرأة بين الحجاب والتبرج
-----------------------
الأسرة والمجتمع
المرأة
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
20/2/1420
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
- نعمة الله على عباده باللباس والرياش – التلازم بين سَتر العورة والتقوى – العلاقة بين الدعوة إلى السفور والعُرْي ومخطط اليهود – أهمية الحجاب وشروطه – مظاهر التسيّب في حجاب المرأة اليوم
-------------------------
الخطبة الأولى
ثم أما بعد:
أيها المسلمون، لقد امتن الله على عباده بما جعل لهم من اللباس والرياش، قال الله ـ تعالى ـ: يَابَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوارِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذالِكَ خَيْرٌ.
فاللباس، لستر العورات وهي السوآت، والرياش والريش ما يتجمل به ظاهرا، فالرياش من الضروريات، والريش: من التكملات والزيادة، ولباس التقوى هو الإيمان وخشية الله. قال عبد الرحمن بن أسلم: يتقي فيواري عورته، فذاك لباس التقوى.
أيها الاخوة الكرام، إن هناك تلازم بين شرع الله اللباس لستر العورات للزينة وبين التقوى، كلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه، وذاك يستر عورات الجسم ويزينه، وهما متلازمان، فمن الشعور بالتقوى والحياء ينبثق الشعور باستقباح عري الجسد والحياء منه ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو غيره إلى العري، العري من الحياء والتقوى، والعري من اللباس وكشف السوأة.
إن ستر الجسد للذكر والأنثى ليس مجرد اصطلاح وعادات وعرف بيئي، كما تزعم الأبواق المسلطة على حياء الناس والنساء وعفتهم لتدمر إنسانيتهم، إنما هي فطرة خلقها الله في الإنسان، ثم هي شريعة أنزلها الله للبشر.
ومن هنا يستطيع المسلم الواعي أن يربط بين الحملة الضخمة الموجهة إلى حياء الرجال والنساء وأخلاقهم، والدعوة السافرة لهم إلى التكشف والانحلال باسم الزينة والحضارة والتطور من جهة، وبين الخطة اليهودية لتدمير إنسانيتهم، وجعلهم يتزينون بزي الحيوانية وهي زينة التكشف والعري.
إن المسلم الحق هو الذي يمتثل قول الله ـ عز وجل ـ: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ. وقد أمر الله سبحانه إماءه بالحجاب والستر، قال ـ تعالى ـ: ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاِزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. قال ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب.
إن هذا الغطاء الذي يستر الوجه والبدن هو علامة المسلمة المحتشمة التي تدين الله بالخضوع والطاعة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصلاةَ وَيُؤْتُونَ الزكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ.
وقد ذكر العلماء شروطا للبس المرأة المسلمة العارفة لدينها الحريصة على حيائها الأول:
أن يكون ساترا لجميع البدن، الثاني: أن يكون كثيفا غير رقيق ولا شفاف، لأن الغرض من الحجاب الستر، فإذا لم يكن ساترا لا يسمى حجابا، لأنه لا يمنع الرؤية ولا يحجب النظر.
الثالث: ألا يكون زينة في نفسه أو مبهرجا ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار لقوله تعالى: وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا، ومعنى (ما ظهر منها) أي بدون قصد ولا تعمد، فإذا كان في ذاته زينة فلا يجوز ارتداؤه، ولا يسمى حجابا، لأن الحجاب هو الذي يمنع ظهور الزينة للأجانب، ومن هنا يعلم أن كثيرا من العباءات التي تباع الآن وفيها من الزينة ما يلفت النظر لا يجوز ارتداؤه.
الرابع: أن يكون واسعا غير ضيق ولا يشف عن البدن، ولا يجسم العورة، ولا يظهر أماكن الفتنة.
الخامس: ألا يكون الثوب معطرا فيه إثارة للرجال لقوله : ((إن المرأة إذا استطعرت فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية))(1)[1].
السادس: أن لا يكون الثوب فيه تشبه بالرجال لحديث أبي هريرة : ((لعن النبي الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل))(2)[2]، وفي الحديث: ((لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء))(3)[3].
السابع: أن لا يشبه ملابس الكافرات، قال : ((من تشبه بقوم فهو منهم))(4)[4]، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: رأى رسول الله علي ثوبين معصفرين، فقال: ((أن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسها))(5)[5].
وقد حذر النبي من فتنة النساء قال عليه الصلاة والسلام: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))(6)[6] متفق عليه، ولقد عرف أعداء الإسلام أن في فساد المرأة وتحللها إفساداً للمجتمع كله.
يقول أحد كبار الماسونية: كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوهم في حب المادة والشهوات.
وقال آخر: يجب علينا أن نكسب المرأة، فأي يوم مدت إلينا يدها فُزْنا بالمراد وتبدد جيش المنتصرين للدين.
ومن حينها باتت دور الأزياء وصيحات الموضة تنسج لنساء المسلمين كل ما يخدش لحياء ويفضي إلى التهتك، من الملابس الضيقة والعارية والقصيرة والمفتوحة، وأصبحت مجلات الأزياء وغيرها توجه الفتاة المسلمة بكل خبث إلى نوع ما ترتديه من ملابس في صيف عام كذا، أو في شتاء عام كذا، حتى غدت المسلمة أسيرة لآخر الموديلات وأحدث التقليعات التي فيها تشبه بالكافرات، ومحبتهم والإعجاب بهم، وهذا قادح في كمال عقيدة المسلمة.
لحد الركبتين تشمرينا ……بربك أي نهر تعبرينا
كأن الثوب ظل في صباح ……يزيد تقلعاً حينا فحينا
تظنين الرجال بلا شعور ……لأنك ربما لا تشعرينا
قال : ((صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))(7)[7]، ولقد تحققت نبوة رسول الله فقد وصفهن وصف المشاهد لهن، فمعنى (كاسيات عاريات): يلبس ثيابا رقيقة تصف لون الجسد أو قصيرة، فهي كاسية في الاسم عارية في الحقيقة. ومعنى (مائلات): أي زائغات عن طاعة الله، وما يلزمهن من الحياء والتستر مائلات في مشيتهن. (مميلات): أي مميلات فيرهن فيعلمنهن التبرج والسفور بوسائل متعددة، مميلات لقلوب الرجال لفعلهن، ومعنى (رؤوسهن كأسنمة البخت): أي يعملن شعورهن بلفها وتكويرها إلى أعلى كأسنمة الإبل المائلة.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد ابن عثيمين عن اللباس الضيق والمفتوح للمرأة فقال: هذا اللباس لباس أهل النار، كما قال النبي : ((صنفان من أهل النار لم أرهما..))، وذكر الحديث السابق، فهذه المرأة التي تلبس هذا اللباس كاسية عارية، لأن اللباس إذا كان ضيقا فإنه يصف حجم البدن ويبين مقاطعه، وكذلك إذا كان مفتوحا، فإنه يبين ما تحته، لأنه ينفتح، فلا يجوز مثل هذا اللباس، وقال ـ حفظه الله ـ في موضع آخر: أرى إنسياق المسلمين وراء هذه الموضة من أنواع الألبسة التي ترد علينا من هنا وهناك، وكثير منها لا يتلاءم مع الزي الإسلامي الذي يكون فيه الستر الكامل للمرأة، مثل الألبسة القصيرة أو الضيقة جدا أو الخفيفة، ومن ذلك لبس البنطلون فإنه يصف حجم رِجل المرأة، وكذلك بطنها وخاصرتها وغير ذلك، فلابسته تدخل تحت الحديث الصحيح السابق، فنصيحتي لنساء المؤمنين ولرجالهن أن يتقوا الله ـ عز وجل ـ، وأن يحرصوا على الزي الإسلامي الساتر وألا يضيعوا أموالهم في اقتناء مثل هذه الألبسة، أما عن حكم لبس مثل هذه الملابس عند المحارم والنساء فقال: وأما بين المرأة والمحارم فإنه يجب عليها أن تستر عورتها، والضيق لا يجوز لا عند المحارم ولا عند النساء إذا كان الضيق شديدا يبين مفاتن المرأة انتهى كلامه ـ حفظه الله ـ.
بارك الله لي ولكم...

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
أيها الاخوة الكرام، لقد شاع في هذا الزمان بين أوساط كثير من النساء محاذير شرعية في لبسهن، جعل المرأة المسلمة تنحرف عن مسارها الصحيح، هاجرة تعاليم ربها، مقبلة على أهوائها وشهواتها، إن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وزين لها الظهور أمام الرجال بمنظر لافت، وخدعها بأن تمشي فيهم بطريقة معينة، إلى غير ذلك مما يزينه لها الشيطان.
ومما شاع أيها الاخوة الفضلاء ما رأيتموه جميعا بل كل يوم يأتينا عنه نبأ، ألا وهي العباءة لا تحمل أي شكل من أشكال الإغراء، فتارة ترى عباءة مزينة بالقيطان أو مطرزة في موضع الأكمام أو الصدر أو الظهر، أو عبارة مكتوبة عليها بالذهبي عبارات ملفتة أو العباءة الفرنسية، أو موديل الدانتيل، أو موديل التخريم وغيرها وغيرها.
ومن مشاهد الضياع في ارتداء الحجاب، ما يفعله بعض النساء من وضع العباءة على كتفها ولف الطرحة على رأسها ليبدوا قوامها ويمتشق قدها، ولا شك أيها الإخوة أن هذا الفعل فتنة للمرأة وفتنة للرجل، وقد أفتى الشيخ عبد الله بن جبرين بحرمة هذا الفعل، سئل ـ حفظه الله ـ: إنه انتشر بين نساء المسلمين ظاهرة خطيرة وهي لبس بعض النساء العباءة على الكتفين وتغطية الرأس بالطرحة والتي تكون زينة في نفسها، وهذه العباءة تلتصق بالجسم وتصف الصدر وحجم العظام ويلبسن هذا اللباس موضة أو شهرة، ما حكم هذا اللباس وهل هو حجاب شرعي؟ وهل ينطبق عليهن حديث النبي : ((صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما..))؟
قال ـ حفظه الله ـ: قد أمر الله النساء المؤمنات بالتستر والتحجب الكامل قال ـ تعالى ـ: ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاِزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ. والجلباب: هو الرداء الذي تلتف به المرأة ويستر رأسها وجميع بدنها، فلبس المرأة للعباءة هو من باب التستر والاحتجاب الذي يقصد منه منع الغير من التطلع ومد النظر قال تعالى: ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ، ولا شك أن بروز رأسها ومنكبيها مما يلفت الأنظار نحوها، فإذا لبست العباءة على الكتفين كان ذلك تشبها بالرجال، وكان منه إبراز رأسها وعنقها وحجم المنكبين، وبيان بعض تفاصيل الجسم كالصدر والظهر ونحوه، مما يكون سبباً للفتنة وامتداد الأعين نحوها وقرب أهل الأذى منها ولو كانت عفيفة، وعلى هذا فلا يجوز للمرأة لبس العباءة فوق المنكبين لما فيه من المحذور ويخاف دخولها في الحديث المذكور السابق ذكره، انتهى كلامه ـ حفظه الله ـ.
ومن مظاهر الحجاب العصري الفاسدة المنتشرة بين كثير من الفساد بداعي التقليد والإثارة أو الجهل، ما يفعله كثير منهن من إظهار العينين وجزء من الوجه وربما اكتحلت إحداهن أو وضعت الأصباغ على وجهها لتبدوا بشكل لافت ومثير.
أيها الاخوة الكرام، إن إطلاق المرأة لبصرها تنظر في الرجال وينظرون إليها، لهو فتنة لها ولقلبها، والنساء ضعيفات سريعات التأثر، فينتج عن ذلك فتنة وفساد كبير ـ أعاذنا الله وإياكم ـ.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن ما يسمى بالنقاب وطريقة لبسه، ففي بداية الأمر كان لا يظهر إلا العينان فقط، ثم بدأ النقاب بالاتساع شيئا فشيئا فأصبح يظهر مع العينين جزء من الوجه مما يجلب الفتنة، ولا سيما أن كثيرا من النساء يكتحلن عند لبسه. فأجاب فضيلته: في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه بل نرى منعه وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز، ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب أو البرقع في أوقاتنا هذه، بل نرى أنه يمنع منعا باتا، وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر وأن لا تنتقب، لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه، فيما بعد الأسواق والحدائق الأماكن العامة.
ومن مظاهر التناقص في لبس الحجاب، أن ترى المرأة المسلمة بلبس حجابها ولكن فوق ثوب مشقوق الجانبين أو فوق تنورة مفتوحة من الخلف، وربما تلبس عباءتها فوق بنطلون يكون في بعض الأحيان ضيقا، أو تسير بين الرجال ورائحة الطيب تفوح منها، وربما تجد امرأة قد أكملت حجابها ولمت عباءتها ولكنها تتحدث مع صاحب المحل بصوت متكسر يطمع الرجال فيها.
أيها الاخوة المؤمنون، إن هذه المظاهر الشاذة في مجتمعنا المسلم المحافظ لمما يبعث على الأسى والحسرة، ولكن ما هو واجبنا كرجال ملكنا القوامة على النساء، وحملنا مسؤولية التوجيه والتربية لزوجاتنا وبناتنا؟
إن الواجب أن نتقي الله ـ سبحانه ـ أولا وآخرا، وأن ننصح لزوجاتنا وبناتنا، ونعلمهن ما هو حلال ونعينهن عليه، وما هو حرام فنزجرهن عنه، لأن الرجل هو الذي يغار على أهله ويحفظهم من نظرات الساقطين والسافلين، فلنكن أيها الاخوة رسل هداية ومنابر توجيه لأهلينا، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه مرضاته.
ألا صلوا وسلموا...
__________
(1) حسن، أخرجه أحمد (4/418)، وأبو داود: كتاب الترجل، باب ما جاء في المرأة تتطيب للخروج، حديث (4173)، والترمذي: كتاب الأدب، باب ما جاء عن كراهية خروج المرأة المتعطرة، وقال: حسن صحيح، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2698).
(2) صحيح، أخرجه أحمد (2/225)، وأبو داود: كتاب اللباس – باب في لباس النساء، حديث (4098)، والطبراني في الأوسط (988)، والحاكم: كتاب اللباس (4/194)، وصححه ولم يتعقبه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4971).
(3) صحيح، أخرجه البخاري: كتاب اللباس – باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت، حديث (5886).
(4) صحيح، أخرجه أحمد (2/50)، وابن أبي شيبة في المصنف: كتاب اللباس – باب في لبس الشهرة حديث (4031)، وحسّن ابن حجر إسناد أبي داود، فتح الباري (10/271)، وقال شيخ الإسلام في اقضتاء الصراط المستقيم (1/240): وهذا إسناد جيد، وانظر حجاب المرأة المسلمة للألباني (ص104).
(5) صحيح، أخرجه مسلم: كتاب اللباس – باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، حديث (2077).
(6) صحيح، أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب ما يُتقيى من شؤم المرأة، حديث (5096)، ومسلم: كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء ... حديث (2740).
(7) صحيح، أخرجه مسلم: كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات العاريات... حديث (2128).

(1/750)



الغناء
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
الكبائر والمعاصي
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
17/11/1419
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
- طبيعة المعركة بين الإنسان والشيطان – من وسائل الشيطان ومكايده الغناء بالآلات المحرّمة خطورة الغناء ومفاسده حكمه
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ـ تعالى ـ، ومعرفة ما يحب من الأقوال والأفعال وتطبيقها، ومعرفة ما يكره والتباعد منه، وعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى وأن ملك الموت قد تخطاكم غيركم وسيتخطى غيركم إليكم فخذوا حذركم.
أيها الاخوة الكرام، إن المعركة بين إبليس وجنوده من الجن والإنس وبين المؤمنين دائمة لا تتوقف وإنها معركة نعيشها كل يوم، لا بل كل ساعة وكل دقيقة، لقد أقسم إبليس يوم أن لعنه الله وأهبطه إلى الأرض أن يشن حربا لا هوادة فيها وأن يجند لها كل من استطاع أن يغويه من عباد الله، وقد اتخذ لأجل ذلك وسائل وطرقا كاد بها بني آدم، فمن مكايد عدو الله ومصايده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين وصاد بها قلوب الجاهلين، سماع الغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية الزنا واللواط، وهو رسول العاشقين الفسقة لينالوا ما يريدون، وهو سبيل تسلط الفسقة من الجن على الإنس، وهذا الغناء الذي أصبحت لا تكاد تجد من نجا منه إلا من عصم الله، بل لربما رأيت الأب يعلم طفله أو طفلته الغناء وألفاظه ويشجعهم على هذا الفعل الذميم مع الأسف الشديد، هذا الغناء قد جاء له في الشرع بضعة عشر اسما: هي اللهو، واللغو، والباطل، والزور، المكاء، والتصدية، ورقية الزنا، وقران الشيطان، ومنفث النفاق في القلب، والصوت الأحمق، والصوت الفاجر، وصوت الشيطان، ومزمور الشيطان، السُمُود، وهو الغناء بلغة حمير.
أسماؤه دلت على أوصافه، تباً لذي الأسماء والأوصاف أما اسمه الأول: وهو اللهو، فقد جاء في قول الله ـ تعالى ـ: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءايَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِى أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.
قال ابن مسعود : والله الذي لا إله غيره هو الغناء، يرددها ثلاث مرات. وصح عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ، أنه الغناء، وبه قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وهؤلاء الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ الذين فسروا لهو الحديث بالغناء شهدوا الوحي والتنزيل، فهم أعلم الناس بكلام الله. أما كيف يكون الغناء ملهيا فأنت لا تجد أحدا غنى بالغناء وسماع آلاته، وتابع ما يصدر عن ذلك المغني أو تلك المغنية، إلا وفيه ضلال عن الهدى علما وعملا، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، بحيث لو عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرآن، وربما حمله ذلك إلى أن يسكت القارئ ويستطيل قراءته، ويستزيد المغني ويستقصر نوبته، وقد جاء رجل إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما تقول في الغناء، أحلال هو أم حرام؟ فقال له: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة، فأين يكون الغناء؟ فقال الرجل يكون مع الباطل، فقال له ابن عباس: اذهب فقد أفتيت نفسك.
والغناء: رقية الزنى ومن أقوى جنوده، ففيه الدعوة إلى الموعد، والدعوة إلى الجلوس والخلوة مع المحبوب، والغرام والعشق والصداقة، والتأوه والتأسف لفراق المحبوب، والدعوة إلى التهتك والسفور وغير ذلك مما لا يخفى عليكم ضرره وفحشه وإسفافه، قال الفضيل بن عياض :الغناء رقية الزنى، وقال يزيد بن الوليد: يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة ،وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل المسكر، فإن كنتم ولابد فاعلين فجنبوه النساء، فإن الغناء داعية الزنى.
والنساء هن أكثر من يتأثرن بالغناء من جهة الصوت والأنغام ومن جهة معنى الكلمات، وربما يورث ذلك أن تحب الفتاة ذلك المغني ومن ثم تجد صورته وأغانيه لا تفارقها، فأي فتنة في الدين أعظم من هذه؟ فلعمر الله، كم من حرة صارت بالغناء من البغايا.
والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، كما قال ذلك ابن مسعود ، فالغناء والقرآن لا يجتمعان في القلب أبدا لما بينهما من التضاد، فالقرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة وترك الشهوات، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك بل ويحسنه.
أليس الغناء يهيج النفوس إلى الشهوات، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، أليس هو الذي يسوق النفوس إلى وصل كل امرأة وصبي ؟ فهو والخمر رضيعا لبان وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان، فإنه صِنْو الخمر ورضيعه ونائبه وحليفه وخدينه وصديقه، عقد الشيطان بينهما عقد الإخاء الذي لا يفسح، وأحكم بينهما شريعة الوفاء التي لا تنسخ، وأكثر ما يورث الغناء عشق الصور، واستحسان الفواحش.
اللهم جنبنا مقتك وغضبك وأسباب عقوبتك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم...
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فحذر نبينا من سماع الغناء واتخاذ آلات اللهو والمعازف، قال : ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) رواه البخاري(1)[1].
ومعنى يستحلون الحر أي: الزنا، والمعازف هي آلات اللهو كلها، ولا خلاف بين أهل اللغة في ذلك، ولو كانت حلالا لما ذمهم على استحلالها، ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والحرير.
وعن علي قال: قال رسول الله : ((إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: إذا كان المغنم دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وأطاع الرجل زوجته وعق أمه، وبر صديقه وجفا أباه وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وشربت الخمور، ولبس الحرير واتخذت القيان، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا ريحا حمراء وخسفا ومسخا))(2)[2].
وعن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله : ((يكون في أمتي خسف وقذف، ومسخ، قيل: يا رسول الله متى؟ قال: إذا ظهرت المعازف، والقينات، واستحلت الخمرة)) (3)[3].
وقد أفتى الأئمة الأربعة بتحريم الغناء، فأما الإمام مالك ـ رحمه الله ـ فإنه نهى عنه وقال: إنما يفعله عندنا الفساق. وقال: إذا اشترى الرجل جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب.
وأما أبو حنيفة: فإنه يكره الغناء، ويجعله من الذنوب، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها، كالمزمار، وصرحوا بأنه معصية، يوجب الفسق وترد به الشهادة.
وأما الشافعي فقد صرح أصحابه بتحريمه، ويرون أن منفعة الغناء بمجرده منفعة محرمة، وأن الاستئجار على الغناء باطل، وأن أكل المال بالغناء هو أكل مال بالباطل، كما لا يجوز لرجل بذل ماله للمغني، ويحرم عليه ذلك، وأنّ بذله في ذلك كبذله في مقابلة الدم والميتة، ويرون أن الزمر حرام، وإذا كان الزمر الذي هو أجف آلات اللهو حراما، فكيف بما هو أشد منه كالعود واليراع والكمان وغيرها.
وأما مذهب الإمام أحمد، فقال ابنه عبد الله: سُئل أبي عن الغناء؟ فقال: الغناء ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله الفساق.
وأما سماع الغناء من المرأة الأجنبية أو الأمرد، فمن أعظم المحرمات وأشدها فسادا للدين.
أخي الكريم، يا من ابتلي في نفسه وفي بيته بهذه المعصية بادر بالتوبة فإن ربك غفور رحيم، هو القائل: نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، بادر بالتوبة الصادقة، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأود أن أبعث رسالة شكر إلى أولئك الذين حفظوا أنفسهم وأهليهم من الحرام، وهجروا الخبيث مما عليه أهل الزمان، إنهم لهم السعداء حقا.
يا باغي الإحسان يطلب ربه ……ليفوز فيه بغاية الآمال
انظر إلى هدي الصحابة والذي ……كانوا عليه في الزمان الخالي
واسلك طريق القوم أين تيمموا ……خذ يمنة ما الدرب ذات شمال
تالله ما اختاروا لأنفسهم سوى ……سبل الهدى في القول والأفعال
القانتين المخبتين لربهم ……الناطقين بأصدق الأقوال
أهواؤهم تبع لدين نبيهم ……وسواهم بالضد في ذي الحال
وهم الأدلة للحيارى من يَسِرْ ……بهداهم لم يخش من إضلال
ألا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام...

__________
(1) صحيح، صحيح البخاري: كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، حديث (5590).
(2) ضعيف، أخرجه الترمذي: كتاب الفتن – باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف، حديث (2210)، وقال: حديث غريب... والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض أهل الحديث، وضعفه من قبل حفظه. وأخرجه أيضا ابن الدنيا في "ذم الملاهي" (ص34)، والخطيب في تاريخ بغداد (3/158)، قال الدارقطني: باطل، ميزان الاعتدال (3/345)، قال العراقي: وفيه خرج بن نضالة، ضعيف. تخريج أحاديث إحياء علوم الدين ؟(5/2033)، وضعفه الألباني، ضعيف الجامع (608).
(3) صحيح، أخرجه أحمد (5/259)، والترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف حديث (2210)، والطبراني (5810)، واللفظ له، قال الهيثمي في المجمع (8/10): وفيه عبد الله بن أبي الزناد، وفيه ضعف، وبقية رجال إحدى الطريقين رجال الصحيح. وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة (2203).

(1/751)



الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام
-----------------------
الإيمان, سيرة وتاريخ
الإيمان بالرسل, القصص
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
5/10/1419
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
- كثرة قُدُوات الشر في هذا الزمان – جوانب القدوة في شخصية الخليل عليه السلام - مولد الخليل عليه السلام ودعوته لأبيه – حواره مع النمرود ومحاجاته له – تحطيمه عليه السلام للأصنام ونجاته من النار
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا إخواني الكرام، يطيب لي أن أعرض أنموذجا بشريا عجيبا، في وقت كثرت فيها القدوات لكن في الشر، فلكل إنسان قدوة يعجب بها في الرياضة أو الفن أو طريقة الكلام وأسلوب الحديث أو غير ذلك، أما اتخاذ قدوة في العِلْم والعمل والصبر والتضحية والجهاد والإنفاق في سبيل الله فقليل من الناس من يجعل نصب عينيه أفرادا عاشوا في سبيل، هذه المبادئ وماتوا في ظلها.
أما هذا العَلَم الذي سوف نزين صدورنا بنسيم ذكره، ورياحين سيرته، فهو إمام الموحدين، لقد كان شجاعا لدرجة أنه أرهب أعداءه، وكان ذا حجة عظيمة أسكت العباقرة المتكلمين، أما عن علاقته بربه فلا تسل عنها إنه يحمل في قلبه إيمانا ويقينا وثباتا تتضاءل أمامه جبال الدنيا، ولعلك قد عرفت أنه ذلك النبي الكريم أبو الأنبياء ومن أولي العزم من الرسل، إنه إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ، إِنَّ إِبْراهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 11:04
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله وآله وصحبه أجمعين.
وبعد:
تعددت يا بني قومي مصائبنا ……فأقفلت بابنا المفتوح إقفالا
كنا نعالج جرحا واحدا فغدت……جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا
أيها الاخوة الكرام، لقد أدرك الأعداء أن المرأة حصن عظيم ومهم في الأمة المسلمة، وأن هذا الحصن قد ظل قرونا يحافظ على قوة المجتمع المسلم وصلابته، واهتدوا بهدى الشيطان إلى أنه متى استولوا على هذا الحصن العظيم وأصبح بأيديهم، حينئذ كَبِر على المجتمع أربعا.
لقد استفاد الأعداء مما حل بالحضارتين اليونانية والرومانية من انهيار بسبب فساد المرأة، لقد كانت المرأة في أول حضارتهم مصونة محتشمة تدبر المنزل تشغل الصوف، فاستطاعوا أن يفتحوا الفتوح ويوطدوا أركان إمبراطوريتهم العظيمة، فلما تبرجت المرأة وأصبحت ترتاد المنتديات والمجالس العامة وهي في أتم زينة وأبهى حلة، فسدت أخلاق الرجال، وضعفت ملكتهم الحربية، فانهارت حضارتهم انهيارا مريعا، نعم سقطت الإمبراطوريتان العظميان في ذلك الزمان، ولا بد أن تسقط الأمة الإسلامية سقوطا لا قيام بعده، هذا هو الهدف الاستراتيجي الذي يسعى إليه أعداء الأمة المسلمة، جاء في كتاب بروتوكولات حكماء صهيون: (لقد كنا أول من صاح في الشعب بما مضى بالحرية والإخاء والمساواة، تلك الكلمات التي راح الجهلة في أنحاء المعمورة يرددونها بعد ذلك دون تفكير أو وعي، وكانت هذه الكلمات في ذلك الوقت، شيء إلى الرخاء السائد لدى المسيحيين وتحطم سلمهم وعزيمتهم ووحدتهم، عاملة بذلك على تقويض دعائم الدولة).
أيها الاخوة الكرام، إن أعداء المرأة المسلمة هم اليهود والنصارى، وأتباعهم من المنافقين والعلمانيين والنفعيين، وبالطبع فإن حملة لواء إفساد المرأة المسلمة وإخراجها من بيتها لا يمكن أن يدعو إليه إلا أبناء المسلمين الذين جعلوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، إنهم دعاة إلى أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب.
أيها المؤمنون، لقد تم نزع
حجاب المرأة المسلمة إثر مخطط محكم ومدروس وفي ظل غفلة الأمة، تم نزع الحجاب في مصر والجزائر وأفغانستان وتركيا وغيرها، وسيناريو ـ أو قل ـ مسرحية نزع حجاب المرأة المسلمة واحدة وإن اختلفت الأسماء والأدوار.
وإليك أخي الحبيب، هذا المخطط الإفسادي لنكون جميعا على حذر، ولكي لا يخدعنا أعداء المسلمين من المنافقين والعلمانيين.
أولا: افتعال قضية، فالناس لا يتحركون بغير قضية تزعجهم وتقض مضاجعهم، ومن هنا يحرص المنافقون أن يوحوا للناس أن للمرأة قضية تحتاج إلى نقاش، ثم يستدعون الأنصار لها والمدافعين عنها، فيكثرون الحديث في وسائل الإعلام المختلفة بأن المرأة تعاني ما تعاني وأنها مظلومة وشقٌ معطل ورئة مهملة، ولا تنال حقوقها كاملة، وأن الرجل قد استأثر بكل شيء، وهكذا يشعروا الناس عن طريق الإعلام أن هناك قضية للمرأة، وإذا سئلوا عن الحل قالوا هل سيكون إقامة دعوى ضد الرجل أم ماذا؟ قالوا: لا، الحل في نزع الحجاب، لأنه هو السبب الذي جعل المرأة مظلومة والحق أن المرأة لا تعيش (في مجتمعنا) أي مشكلة، وعلاج مشاكل المرأة تكون بدعوة الرجال والنساء والكبار والصغار إلى تقوى الله، فأي أمة تتقي الله وتخافه، ـ واللهِ ـ لتعيشن السعادة في الدنيا والآخرة.
ثانيا: الإجهاض على مناعة المجتمع ضد الفساد حتى يصبح فاقدا الغَيْرة على دينه والحمية لعقيدته. ومن وسائل إضعاف المناعة ما يلي:
أ . المجلات الماجنة والصحف، فتظهر المرأة بالصورة الفاضحة والمنظر المخزي، ولست أدري كيف تصادر البضائع الفاسدة، ولا تصادر هذه المجلات التي تفسد قلوب وعقول الناس.
ب . والوسيلة الثانية: نشر الفكر المنحرف من خلال الأعمدة الصحفية أو المقابلات، حتى يعتاد الناس على سماعه مرة هنا ومرة هناك.
ثالثا: المطالبة بحرية المرأة، وأن المرأة مقيدة وأنها عبد يجب تحريره فيظهر الديوثون على أعراض أمتهم على أنهم منقذون رحماء. جاء في البروتوكول الرابع: (إن لفظة الحرية تجعل المجتمع في صراع مع جميع القوى، بل مع قوة الطبيعة وقوة الله نفسها).
رابعا: يصورون البيت ومهمة الأمومة والحضانة وقوامة الرجل بصورة بشعة، فالبيت ـ عندهم ـ سجن مؤبد، والزوج سجان قاهر، والقوامة سيف مصلت، والأمومة تكاثر رعوي، حتى تحدث هذه الدعاية ردة فعل سلبي تجاه هذه الأمور.
وأخيرا: يقولون إن العفة سلوك ينبع من النفس الطاهرة، وهذا يعني عند هؤلاء أن المرأة الراقصة مادامت نفسها طاهرة فهي عفيفة، أما المحجبة فلو كانت نفسها غير طاهرة فليست بعفيفة، هكذا يقلبون الموازين رأسا على عقب.
أيها الأحبة الكرام، هل تعلمون ما نتائج هذه الدعوة؟ إنهم يدعون إلى استجلاب غضب الله ـ تعالى ـ على المجتمع ونزول العقوبة به: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ.
وإذا نزلت العقوبة فمن ذا يدفعها؟ ومن ذا يردها؟
ويدعون إلى إفساد أخلاق أبنائنا وبناتنا، ودفعهم إلى الفواحش المرحمة بأنواعها يدعوننا إلى تحطيم الروابط الأسرية وانعدام الثقة بين أفرادها وتفشي الطلاق إنهم يدعون إلى انتشار الأمراض الفتاكة قال : ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا))(5)[1]. نعم لقد حرص المنافقون والعلمانيون على إفساد المرأة باسم التحرير، وإذا نزل بنا البلاء وتقطعت منا الأشلاء فلن ينفعنا تباكي أعداء المجتمع على المرأة.
يريدون هدم صروح الفضيلة، يريدون هدم المعاني الجميلة، يريدون وأدك والنفس حية، أنا لست أقبل هذا الهراء، وهذا العداء، فهيا اخرصوا أيها الأدعياء، فأنتم دعاة الهوة والرذيلة. لقد جرب اغرب ما تدعون، فهاهم لما زرعوا يحصدون حصاد الهشيم، ترى البنت تخرج من بيتها، قبيل البلوغ، فترجع تحمل في بطنها نتاج اللقاح، فنجهضه لتعيد اللقاء وتدعه ليلاقي أبناء أعباء الحياة وحده فتلقيه في ملجأ أو حضانة، فيبحث عن أمه أو أبيه، لكي يطعموه لكي يرحموه لكي يمنحوه الحنان الكبير لكي يرضعوه، فينأ يحمل حقدا دفينا لكل الوجود. أهذين الحقوق كما تزعمون؟ فأُفٍّ لكم ولما تدعون.
ألا صلوا وسلموا...

__________
(1) صحيح، أخرجه الطبراني في الأوسط (8309) وقال: لم يروِ هذا الحديث عن عكرمة إلا مسلم بن بشير، تفرد به السمتي، والحاكم في المستدرك: كتاب الإيمان (1/22)، وصححه، قال الهيثمي في المجمع (1/92): وفيه يوسف بن خالد السمتي كذاب خبيث، قلت: وهو ليس في إسناد الحاكم قال المناوي في فيض القدير (3/426): قال الحافظ العراقي: حديث صحيح غريب، إلا أنه قد اختُلف على جرير بن حازم في رفعه ووقفه. وصححه أيضاً الألباني في صحيح الجامع (3195).
(2) صحيح، أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة – باب وقت الفجر (578)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة – باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها... (645).
(3) صحيح، أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: كتاب الجامع – باب إسبال الإزار (19984)، وإسناده صحيح، وأخرجه الترمذي: كتاب اللباس – باب ما جاء في جر ذيول النساء، حديث (1731)، والنسائي: كتاب الزينة – باب ذيول النساء، حديث (5336)، ذكره الحافظ في الفتح (10/259) وقوّاه، وقال المناوي في فيض القدير (6/113): إسناده صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1415).
(4) ضعيف، أخرجه أحمد (6/30)، وأبو داود: كتاب المناسك – باب في المحرقة تغطي وجهها، حديث (1833)، وابن ماجه: كتاب المناسك – باب المحرمة تسدل الثوب على وجهها، حديث (2935)، قال المنذري في مختصر أبي داود (2/354): وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وقد تكلم فيه غير واحد، وأخرج له مسلم في جماعة، غير محتج به. قلت: قال الحافظ في يزيد هذا: ضعيف، كبر فتغير وصار يتلقّن، وكان شيعياً، التقريب (7768)، وانظر إرواء الغليل للألباني (1024).
(5) صحيح، أخرجه ابن ماجه: كتاب الفتن – باب العقوبات، حديث (4019) والطبراني في الأوسط (4668)، والحاكم، كتاب الفتن والملاحم (4/54) وصححه، ولم يتعقبه الذهبي، قال البوصيري في زوائد ابن ماجه (ص518): هذا حديث صالح للعمل به، وقد اختُلف في ابن أبي مالك وأبيه، وذكره ابن حجر في الفتح (10/192، 193) وقوّاه بشاهد. وصححه الألباني بشواهده، السلسلة الصحيحة (106).

(1/753)



ألفاظ الغناء والمغنيين
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
الكبائر والمعاصي
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
24/11/1419
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
- حكم الغناء في القرآن والسنة – خطورة الغناء وأثره – نماذج عما تحتويه بعض الأغاني من شرك وكفر , والاعتداء على الرسل , والقضاء والقدر , وغير ذلك من الانحرافات
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الاخوة الكرام: مر معنا في الخطبة الماضية حديث عن حكم الغناء وأنه حرام وأن الله سماه (لهو الحديث)، وقال الله: واستفزز من استطعت منهم بصوتك [الإسراء 64] ذكر المفسرون في صوت الشيطان أن منه الغناء، وكذلك سماه الله: سمودا وهو الغناء بلغة أهل اليمن، وقد تأفف منها أصحاب النبي ، فحينما مر عمر بقوم يغنون في الحج قال: لا سمع الله لكم، وسد الصحابي أذنه لما مر بزمار راع، احتياطا منها وأخبر أن هذه الأمة ستستحل الحرَ والحرير والخمر والمعازف واستحلال الحر يعني: الزنا وكذلك الخمر، والمعازف هي أدوات الموسيقي المنتشرة في كل مكان تقريبا، ومر معنا كلام الأئمة الأربعة وأنهم يقولون بتحريم الغناء، ويشتد التحريم إذا كان بصوت امرأة، ويشتد إذا رافقه معازف وموسيقى، ولم يخالف قوم الجمهور من أهل العلم إلا ثلاثة، معاند أو إنسان في قلبه مرض الشهوات، أو شخص لا يعتد برأيه .
أيها الاخوة الكرام: ولخطورة الغناء، وأنه سبب من أسباب فتنة الناس وإفسادهم وخاصة الشباب منهم، ولأن الغناء هو السم الناقع، أحببت أن أصحبكم في جولة سريعة على بعض ما في كلمات الأغاني من المحادة لله ولرسوله ومن الشرك الأكبر والأصغر، ومن التعدي على رسل الله الكرام، ومن تمييع للمعاني السامية والمثل الرفيعة، ومن الاعتراض على رب العالمين والاعتداء عليه وعلى ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ وغير ذلك مما يردده الجيل صباحا ومساء، فيصحو الشاب وينام على أنغامه بل أصبح الكثير لا غنى له عن الغناء وسماعه .
وقد جمع أحد الفضلاء بعض هذه المخالفات الشرعية التي يسمعها الملايين من المسلمين وإني استسمحكم واستعذركم في ذكر بعض هذه الكلمات على منبر خطبة الجمعة، لأن الموضوع فيه أشياء عجيبة مما ذكرت لكم.
أخي الكريم: لقد لحنوا الكفر الصريح والردة المعلنة عن دين الله بما غنوه من قصيدة الشاعر النصراني :
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت
كيف أبصرت طريقي لست أدري
لقد غنوا هذه الكلمات التي تبين أنهم لا يعرفون سبب وجودهم في هذه الدنيا، وأنهم لا يعرفون ماذا بعد الموت، أبعث ونشور أم إهمال وترك، يقولون هذا، والله يقول وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [الذاريات 56] قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين [الأنعام 162-163].
وكاتب الكلمات، والملحن والمغني هم شركاء في الإثم والوزر، وقال : ((من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا )) وتقول قائلتهم : لست ثوب العيش ولم أستشره، ويقول الآخر: لو كنت أعلم خاتمتي ما كنت بدأت.
عجيب: هل هم يحيون ويموتون كما يشاءون، ويفعلون ما يشتهون، يريدون أن يستشاروا في الحياة، من الذي سيستشيركم، وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون [القصص 68].
كما أنهم يصرحون بعبادة المحبوب ولأجله يعيشون في الدنيا، بل يقولون إنهم ما خلقوا في هذه الدنيا إلا من أجله، قال قائلهم، أو قائلتهم، فض الله أفوههم: عشت لك وعلشانك، والله يقول قل إن صلاتي ونسكي ومحيياي ومماتي لله رب العالمين [الأنعام 162].
ويصرح بعضهم بصرف أنواع من العبادة إلى المحبوب أو المحبوبة، وهو التوبة يقول: أتوب إلى ربي وإني لمرة يسامحني ربي إليك أتوب، ورأيت أنك كنت لي ذنبا، سألت الله ألا يغفره فغفرته. هذا الذي يقولونه من صرف التوبة إلى غير الله.
فهم يعبدون المحبوب، يتوبون إليه، يطلبون منه المغفرة، والله وحده هو الذي يغفر: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله [آل عمران 135]. وقال سبحانه: وإليه متاب [الرعد 30]، وتقديم حرف الجر هنا (إليه) يفيد الحصر يعني إليه التوبة لا إلى غيره.
وتجد منهم يقول تصريحا بعبادة المحبوب يقول قائلهم :أعشق حبيبي وأعبد حبيبي. ويقول آخر: قلت المحبة عندي لو تعلمين عبادة. وآخر يقول : أنا أعبدك.
منزلة العبودية هي المقام العظيم الرفيع الذي وصف الله نبيه محمدا به في أربعة مواضع في القرآن لأن العبودية معناها : كمال الحب مع كمال الذل والخضوع لله، وتجد هؤلاء القوم يصرفونها إلى غير رب العالمين، والمرء مع من أحب يوم القيامة .
وبعضهم ينافي ويضاد ويكذب على الله يقول : الله أمر، لعيونك أسهر قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالا تعلمون .[الأعراف 28]
أما اعتداؤهم على أنبياء الله ورسله فاسمع إلى قولهم في فراق المحبوب أو المحبوبة : صبرت صبر أيوب، وأيوب ما صبر صبري، اعتداء فاحش على نبي الله الكريم الذي ابتلاه مولاه سنوات طويلة فصبر إنا وجدناه صابراً نِعمَ العبد إنه أواب [ص 44].
أيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين [الأنبياء 83]، وهؤلاء يقولون : أيوب ما صبر صبري .
أما عقيدة القضاء والقدر ولوم الرب : فلهم فيها النصيب الأوفر، يقول قائلهم : ليه القسوة؟ ليه الظلم؟ له يا رب ليه؟
هكذا يتهم الله - تعالى الله - بالقسوة والظلم، وهذا المغني هو الآن تحت أطباق الثرى، الله أعلم ماذا يفعل به، نسأل الله حسن الخاتمة والستر في الدنيا والآخرة .
ومنهم من يصرح بأنه مستعد للذهاب إلى جهنم مع محبوبته : يا تعيش وإياي في الجنة، يا أعيش وإياك في النار، بطلت أصوم وأصلي، بدّي أعبد سماك، لجهنم ماني رايح إلا أنا وإياك،.
أعلنوا ترك الصلاة وترك الصيام، والنبي يقول : ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))، ويريدون الذهاب إلى جهنم، وماذا في جهنم التي أوقد الله ثلاثة آلاف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة وما أدرك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر [المدثر 27-30]. لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها [فاطر 36]، إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون [غافر 72] وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً [الكهف 29] هذه النار التي يتمنون الذهاب إليها اللهم اصرف عنا مقتك وغضبك يا حي يا قيوم .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم . . الخ .
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فمن مفاسد المغنيين : أن يصرح بضعهم بأنه إذا لم تحل له محبوبته على دين محمد لأخذها على دين المسيح ابن مريم عليه السلام، وهل كان المسيح ابن مريم يحل الزنا ؟
كما أنهم يستحلون المحارم، قبحهم الله، فكانت حلالا لي ولو كنت محرمي، لو كانت من المحارم لاستحلها، ويصرح بعضهم بأنه سيحب محبوبته عند سكرات الموت : أهواك عند سكرات الموت، وهذا صحيح فالذي يفتن بالشيء يغرم به ويحبه إلى الغاية ويفتن به فيذكره عند السكرات .
وكم حدثتم وحدثنا عن أناس كان يقال لهم : قولوا لا إله إلا الله فيغنون، أو يسبون القرآن، أو يرفضون الشهادة، والله المستعان .
ثم هم يميعون القيم العالية والمعاني الفاضلة، فمنزلة الشهادة منزلة عظيمة عند الله ومن يطع الله رسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً [النساء 69] والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، والشهيد هو الذي يقتل بين الصفين مقبلا غير مدبر في سبيل الله، ثم يقول العندليب الأسمر : يا ولدي قد مات شهيدا من مات فداء للمحبوب.
هكذا جعلوا هذا المقام العظيم مقام الشهادة، جعلوه للمحبوب، وهذا المغني قد انتسب إلى غير أبيه ((ملعون من انتسب إلى غير أبيه ) والانتساب إلى غير الأب كثير في الوسط الفني القذر.
ومن مخالفات العقيدة قولهم :
والخوف بعينيها تتأمل فنجان المقلوب
قالت يا ولدي لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب
اشتمل هذا البيتان على جلوس هذا الفاجر مع امرأة تدعي علم الغيب فهي كاهنة وعرافة ومشعوذة تقرأ الفنجان المقلوب واشتمل أيضا على الكذب على الله في أنه كتب الحب على هذا الرجل، وادعاء علم الغيب كفر واعتداء على خصوصية من خصوصيات الله قل من لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله [النمل 65] وقراءة الفنجان والكف وضرب الودع والتخطيط في الرمل، والقراءة في كرة الكريستال كل ذلك شرك وحرام .
وفي أغانيهم الاستعانة بغير الله ونداء الأموات والحلف بغير الله فيقول قائلهم: مدد يا نبي مدد. أو: وحياة عينيك، والنبي يقول : ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)).
ويشيع عند المغنين سب الدهر والساعة والزمان والعمر يقولون : كتاب حزين كله قاسي، جابني في زمان كله غدار قاسي، والنبي يقول : (( لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ))، هو مقلب الأيام والليالي، فمن سب الدهر فقد سب شيئا ليس بأهل للسب ولا ذنب له، لأن الدهر ظرف الوقوع الحوادث، والله هو الذي يفعل ما يشاء ويجري الحوادث في الزمان بمشيئته سبحانه .
ثم هم يعتدون على ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ : الفرح مسطر غلط مكتوب، يعني أن الله الذي كتبه في اللوح المحفوظ كان غلطا، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
هذا بعض ما يقال، لقد اعتدى هؤلاء المغنون على الشريعة وما أبقوا عزيزا إلا أذلوه، ولا غاليا إلا لطخوه بهذه الكلمات، إن الله تعالى ما حرم شيئا إلا لفساده وضرره يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [البقرة 185] إن الله كان بكم رحيماً [النساء 29] .
اخوتي الكرام : هل نحن منتبهون لهذا الإفساد العظيم هل نحن منتهون عن هذا الفسق .
يا رب غفرا قد طغت أقلامنا يا رب معذرة من الطغيان

(1/754)



تكريم الإسلام للمرأة
-----------------------
الأسرة والمجتمع
المرأة
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
21/1/1420
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
- مكانة المرأة في الإسلام والوصية بها – المراحل التي تمر بها المرأة وعناية الإسلام بها ( البنت – الزوجة – الأم )
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الأحبة الكرام : كان الحديث في الخطبة الماضية عن حال المرأة في ظل الجاهليات القديمة لها والحديثة ، وكيف أنها تعيش تحت الذل والاستعباد ، والكيد والقهر والتسلط ، فكأني بها تحادث نفسها وهي تعيش مأساة حقيقية تقول لِمَ خلقت أنثى ولم تخلق ذكرا ، قويا جبارا متسلطا ، إن كانت هذه هي الحياة ، فبطن الأرض خير من ظهرها.
ولكن الله الرحيم اللطيف بعباده ، العليم بما هو خير لهم ، لم يشأ أن يطول الظلام ، وتستمر الظلامة على المرأة فجاء الله بالإسلام وأرسل محمدا فأشرق وجه الفجر، وبدا ثغر الشمس ضاحكا، وانطلقت أشعة الشمس في سباق محموم لتطرق على المرأة باب خدرها، تطرق عليها الباب لتقول: أبشري بخير يوم طلعت فيه الشمس عليك ، ولتأخذها إلى عالم أكثر هدوءا ، وأعظم رحمة، وأهدى سبيلا، إنه موعد طالما انتظرته المرأة موعد مع السعادة، موعد مع التكريم والعزة ، موعد مع الحرية الحقيقية.
أيها الأحبة الكرام: أنى لي أن آتي على كل مظاهر إعزاز وتكريم الإسلام للمرأة، في هذه الخطبة القصيرة، بل من أين أبدأ ، ماذا عسى أن أقول ، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
أيها الاخوة الكرام: لقد ساوى القرآن في أغلب تكاليف الإيمان بين النساء والرجال قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار . وقال تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً .
وقال : (( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له لكل مؤمن ومؤمنة حسنة )).
أما ثوابها على أعمالها الصالحة في الدنيا والآخرة فعظيم قال تعالى : من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون . وقال سبحانه: وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم .
وقال : (( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت )) ، فإذا احتمل الرجل نارا الهجير واصطلى جمرة الحرب ، وتناثرت أوصاله تحت ظلال السيوف ، فليس ذلك بزائد مثقال حبة على المرأة إذا وفت لبيتها ، وأخلصت لزوجها ، وأحسنت القيام إلى بنيها .
ومن فضائل النساء ما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : ((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)) ، ومن عظيم أجر المرأة عند ربها ، ((أن رسول الله عاد عبد الله ابن رواحة ، فلما تحوز له عن فراشه ، تنحى ، فقال : أتدري من شهداء أمتي؟ قال : قتل المسلم، قال : إن شهداء أمتي إذاً لقليل ، قتل المسلم شهادة ، والطاعون شهادة، والمرأة يقتلها ولدها جمعاء ، تموت وفي بطنها ولد شهادة ، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة )).
وقد يظن ظان أن أجور الرجال أكثر عند الله لما يقومون به من شهود الجماعات ، والجنائز ، والجهاد وغيرها ، والصحيح أن أجر المرأة كأجر الرجل متى قامت بأعمال يسيرة: ((أتت أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها النبي فقالت : إني رسول الله ورائي من جماعة نساء المسلمين كلهن يقلن بقولي وعلى مثل رأيي : إن الله بعثك إلى الرجال والنساء ، فآمنا بك واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات ، قواعد بيوت ، وإن الرجال فضلوا بالجمعات، وشهود الجنائز والجهاد ، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم ، وربينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله ؟ فالتفت رسول الله بوجهه إلى أصحابه فقال: هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالا عن دينها من هذه ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله فقال رسول الله انصرفي يا أسماء ، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل أحداكن لزوجها ، وطلبها لمرضاته ، واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال )) فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارا بمقالة النبي ، إنه عمل قليل وأجر عظيم.
وكان يوصي أمته بالنساء خيرا وأن يرفقوا بهن قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن عوان عندكم ، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((واستوصوا بالنساء خيرا ، فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء ))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وخياركم خياركم لنسائكم )).
أيها الاخوة الكرام : إن المرأة تمر بمراحل ثلاث: تكون بنتا ثم تكون زوجا ثم تغدوا أمّا ، ولكل مرحلة من المراحل الثلاث التي تمر عليها تعيش المرأة أسمى مظاهر العطف والرحمة والعزة والرفعة .
فإذا كانت المرأة بنتا: فإن الإسلام اعتنى بها أيما عناية وصانها وحفظها وفرض لها حقوقا ، فمن ذلك العدل بين الأولاد في الهبة فعن ابن عباس رضي الله عنها مرفوعا : ((سووا بين أولادكم في العطية ، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء)) ، ومن الناس من إذا رزق إناثا ولم يرزق الذكور تبرم وتضجر ، وتشاؤم وحزن وقد نهى الله تعالى عن كل ذلك ، قال تعالى وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم قال واثلة بن الأسقع إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى ، قبل الذكر لقوله تعالى: يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور فبدأ بالإناث.
ورعاية البنت وتربيتها تربية صحيحة يدخل وليها الجنة قال : (( من عال جارتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو . وضم أصابعه، أي معا ))، وعن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله يقول: ((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن من جرته، يعني ماله ، كن له حجابا من النار )) إن من يسمع هذا الثناء والإطراء ليجتهد ويجهد في الإحسان إليهن ، والعمل على إحسان تربيتهن تربية صالحة .
كتب أحد الأدباء رسالة إلى صديق له يهنئه بالبنت يقول : أهلا وسهلا بعقيلة النساء ، وأم الأبناء ، وجالبة الأصهار ، والأولاد الأطهار والمبشرة بإخوة يتناسقون ، ونجباء يتلاحقون :
فلو كان النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب وما التذكير فخر للهلال
فها هي البنت تعيش جوهرة مصونة ودرة مكنونة في كنف أسرتها ، تلقى كل الحب والرعاية، وتتعلم التربية السوية الصالحة من أبويها لتكون غدا زوجا صالحة مصلحة .
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وأكرمنا به ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين .
وبعد :
أيها الاخوة الكرام: فإذا غدت المرأة زوجة فإنها لا تكون في ظل شريعة الإسلام كما كانت عند الآخرين ودنساً يجب التنزه عنه، ولكن سما بها إلى العلياء ، وجعل رباط الزواج من نعمه سبحانه على عباده قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وقد أوجب الإسلام هدية تكريم للمرأة حين إقبالها على بيت الزوجية قال تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فلا يجوز لأحد أكل مهرها أو التصرف منه بغير إذنها الكامل ورضاها الحقيقي ، فإذا ما تزوجت فإن على الزوج أن ينفق عليها والنفقة تشمل الطعام والشراب والملبس ، وما تحتاج إليه الزوجة لقوام بدنها لقوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته ، وعن معاوية بن حيرة قال : قلت يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه ، ولا تضرب )) وقال عليه الصلاة والسلام: ((كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)) وعن أبي هريرة قال : ((دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجر الذي أنفقته على أهلك ))، ولا تكلف المرأة بشيء من الإنفاق ، أماً كانت أو أختا، أو كانت زوجة، قادرة على العمل أو عاجزة عنه ، غنية كانت الزوجة أو فقيرة ، وسواء كان زوجها قادرا على العمل أو عاجزا عنه ، غنيا كان أو فقيرا ، فالرجل المسؤول عن النفقة البيتية ، وليس من حقه أن يلزمها إلا إذا تبرعت مساهمة في تحمل بعض العبء.
ومن حقوق المرأة المتزوجة أن يكون لها مسكن تستظل بظلاله ، وتنعم بالقرار فيه ، وتحس أنها مديرة شؤونه ، ومسؤولة عن كل صغيرة وكبيرة فيه ، قال الله تعالى: أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم فإذا وجبت السكنى للمطلقة ، فالتي في صلب النكاح أولى ، قال تعالى وعاشروهن بالمعروف ومن المعروف أن يسكنها في مسكن .
ومن حقوق الزوجة التي كفلها الإسلام أن يعلمها زوجها أمور دينها فيعلمها أركان الإيمان وأحكام الطهارة والعبادات خاصة الصلاة ويحثها على أدائها في أول وقتها وشروطها وأركانها مفسداتها ، لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً . ومن وقايتها من النار تعلمها أمر دينها ، وقد أثنى الله على نبيه إسماعيل عليه السلام بقوله : وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً ومنها : المعاشرة بالمعروف ، وقد أمر الله بها، كيف لا ، وقد اجتمعت الأبدان والأرواح في مكان واحد ، وأصبح المصير واحدا ، والهم هم واحد قال تعالى : وعاشروهن في بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً وقيل في المعروف : أن لا يضربها ، ولا يسيء الكلام معها ، ويكون منبسط الوجه معها ، ومن المعاشرة بالمعروف أن يناديها بأحب الأسماء ، وأن يكرمها في أهلها عن طريق الثناء عليهم .
ما من حسن المعاشرة ما جاء عنه أنه قال لعائشة رضي الله عنها: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى، قالت : ومن أين تعرف ذلك، فقال: أما إذا كنت راضية فإنك تقولين لا ورب محمد ، وإذا كنت غضبى لا ورب إبراهيم ، قالت: أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك)). وبعد حياة السعادة الزوجية تغدوا الزوجة أما وتحمل مسؤولية كبيرة في تربية ليوث المستقبل ، ورجالات الأمة ، فهي المحضن الخصب الذي يخرج منه إلى الحياة أولئك الأبطال ، والذي لولاها بعد الله لخرجن نماذج كرتونية ضعيفة هزيلة .
ومما أوجب الله في حق الأم برها والإحسان إليها قال تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ في الجواب ، ولا يحد النظر إليهما ، ولا يرفع صوته عليهما ، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد كلا لهما . وقال تعالى فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما فقد نهى الله أن يقول الابن لأمه : أف وهي أقل كلمة فكيف بما هو أعظم منها؟ ((جاء رجل إلى رسول الله فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي، قال: أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك )) .
فالأم من أعظم الناس فضلا وأحق الناس بالإكرام والإحسان ، ومن لا خير له في أمه فلا خير له فيمن هم دونها: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي أنه قال: ((دخلت الجنة فسمعت قراءة فقلت من هذا ؟ فقيل : حارثة بن النعمان . فقال رسول الله وكذلكم البر .كذلكم البر)). وزاد عبد الرزاق في روايته ، وكان أبر الناس بأمه ، وجاء في الأدب المفرد أن رجلا يمانيا حمل أمه وراء ظهره يطوف بالبيت فرأى ابن عمر فقال : إني لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر ، الله ربي ذي الجلال الأكبر ، حملت أكثر مما حملت ، فهل ترى جازيتها يا ابن عمر ؟ ثم قال : يا ابن عمر أتراني جزيتها؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة .
أيها المسلمون: هاهي المرأة المسلمة التي رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ، هاهي قد حفت بسياج عظيم من التكريم ، وأمطرت عليها سحب الرسالة فيضا من الحفظ والصون ، والاهتمام والرعاية حتى عدت مشاركة قوية وفعالة في الحياة ، لا تصلح الحياة إذا فسدت.
وارجع قليلا بذاكرتك إلى الإحصاءات المخيفة في الخطبة الماضية لترى البون الشاسع بين المرأتين ، والفرق الكبير بين الحياتين ، حياة في ظل الإسلام وحياة في ظل الجاهلية النتنة، إلا أنه لم يرق لأعداء دينك هذا الاستقرار الذي تعيشه المرأة المسلمة، فبدأوا بالمؤامرات تلو المؤامرات لإفسادها ، وهذا هو موضوع الخطبة القادمة بمشيئة الله.

(1/755)



الإيمان والتوحيد (1)
-----------------------
الإيمان
فضائل الإيمان
-----------------------
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
قباء
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- أهمية الحديث عن الإيمان 2- المرحلة المكية وغرس الإيمان 3- مِنَّة الله علينا بالإيمان 4- علم الكلام والفلسفة أفسدا وأساءا لقضية الإيمان 5- عودة الفلاسفة عن علم الكلام إلى الإيمان 6- وضوح قضية الإيمان عند أهل العلم والفِطَر السليمة 7- سهولة ويُسر في عرض الإسلام من رسول الله
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد فقد يقول قائل ما أكثر حديثك عن الإيمان. أليست هناك أمور أخرى تهم المسلمين وهناك مشكلات كثيرة يعاني منها المجتمع ليتك تتحدث عنها.
هناك أمور كثير تهم المسلمين ولكنها كلها تتفرع من قضية الإيمان.
وهناك مشكلات كثيرة يعاني منها المجتمع لكن أهمها وأخطرها ما وقع من الخطأ في إيمان الناس ثم هي سنة المصطفى .
لقد لبث رسول الله في مكة ثلاث عشرة سنة منذ أوحي إليه جعلها في أن يدعو الناس للإيمان بالله وحده.
ولم يُنزل عليه من الشرائع في مكة إلا القليل كالصلاة ثم نُزلت عليه الشرائع تترى في المدينة في مدة ولم تتجاوز عشرة أعوام.
وما امتن الله على رسوله بشيء كما امتن عليه بالإيمان والهداية إليه فقال سبحانه: وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [الشورى: 52].
وامتن الله تعالى على عامة المؤمنين بالهداية للإيمان فقال تعالى: بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين [الحجرات: 17].
ثم إن ما وقع الناس فيه وتكاثرت عليهم المشكلات وفسدت حياتهم لما وقع الخبث وطغى الفساد على إيمانهم.
الإيمان علم وعمل والفساد اليوم وقع في العلم ووقع في العمل.
كثير من المسلمين اليوم تصورهم العلمي للإيمان في غاية من الفساد وذلك بسبب أن الشياطين انصرفت بهم عما جاء به سيدنا محمد من الوحي المنزل، وذهبت بهم الشياطين كل مذهب، فتارة تحط بهم على وساوس أهل الفساد والفلسفة.
وتارة تحط بهم في زحام أوهام أهل الأوهام والمنكشفين من أهل الشر.
وهان عليهم بسبب ذلك بأمرين ما حجب قلوبهم فلم يعد نور الكتاب والسنة يجدي معهم شيئًا ولا يبدد تلك الظلمات التي غلقت تلك القلوب إلا أن يشاء الله تعالى.
وكثير من المسلمين اليوم وقع الخلل في عملهم، فهناك فجوة كبيرة بين إيمانهم وبين حياتهم وذلك إما بسبب خلو القلوب من الإيمان والعياذ بالله أو بسبب ضعف الإيمان في القلوب ضعفًا شديدًا، وهذا الضعف يتفاوت شدةً ففي بعض القلوب قد لا يبقى من الإيمان فيها إلا بسيط ضئيل ضعيف جدًا يطفئه أول داعٍ من شبهة أو شهوة.
ففي بعض القلوب لم يبق من الإيمان إلا هذا القدر البسيط الضعيف الضئيل الذي يطفئه أول داعٍ من شبهة أو من شهوة.
أيها المسلمون إن قضية الإيمان ليست شائكة ولا معقدة كما يصورها أهل الفساد والفلسفة أو كما يصورها الغارقون في أوهام أهل الأوهام في بحر الأوهام.
فإن الإيمان عند هؤلاء وهؤلاء عند أهل الفلسفة والكلام وعند الخارقين في بحار الأوهام بحار الوحدة وفي بحار الكشوفات، الإيمان عند هؤلاء وهؤلاء أشبه ما يكون بطريق وعر وصعب وكثير المهالك، بل من أعجب ما عند هؤلاء من تصوراتهم الدينية للإيمان أن الجبن عندهم هو طريق الإيمان، الجبن عندهم هو طريق الإيمان.
الجبن عندهم أولاً ثم الإيمان أو كما يعبرون بعباراتهم، الشك هو الطريق إلى اليقين والعياذ بالله تعالى.
إن كثيرًا من المسلمين اليوم لا يدرك حقيقة الإيمان ولا يفهم معنى الإيمان من أجل ذلك وتأكيدًا لأحاديثنا السابقة التي حاولنا أن نشرح فيها معنى الإيمان كما ورد في حديث جبريل عليه السلام وكنا قد وقفنا عند جواب رسول الله على سؤال جبريل لما سأله: ما الإيمان؟ أو قال له أخبرني عن الإيمان.
وتلك الوقفة هي قوله : أن تؤمن بالله(1)[1]، فقبل أن نعود إلى تكميل شرح معنى الإيمان كما ورد في حديث جبريل سنشرع منذ اليوم إن شاء الله تعالى في بيان حقيقة الإيمان وفضل الإيمان والدعوة إلى الإيمان كما سنّ سيدنا رسول الله .
فكثير من المسلمين كما ذكرت قد شوشت عقولهم وساوس الفلسفة في علم الكلام دعوا بذلك أم لم يدعوا، أو شوشت عليهم أوهام أهل الأوهام من أهل الكشوفات والخرافات، بل كثير من المسلمين المتعلمين اليوم ممن وقع في حبائل تلك الوساوس أو في حبائل تلك الأوهام العجائز اللاتي لم يقرأن كتابًا قط في بيوتهن إيمانهن أحسن إيمانًا منهم، ولذلك فإن عدداً من كبار أئمة علم الكلام والمتفلسفين وكبار الغارقين في بحر الأوهام والمنكشفين عدد من هؤلاء لمّا حضرتهم الوفاة وكشفت رهبة الموت لهم عن الحقائق خضبوا لحاهم بدموعهم خوفًا من الله تعالى وأسفًا على أعمالهم التي ضيعوها وشغلوها بغير كلام الله وكلام رسول الله فلما أدركوا وهم عند الوفاة أنهم قد فاتهم ندب الإيمان عن الله ورسوله لم يجدوا ملجأ يلجأون إليه إلا أن يخلوا ذممهم يخلوا ذمتهم من وساوس علم الكلام وأوهام أهل الأوهام وهتفوا وهم على أبواب الآخرة: اللهم إيمان كإيمان العجائز، يقولون وهم على أبواب الآخرة: اللهم إيمان كإيمان العجائز، يقولون: عفا الله عنا وعنهم: يا رب نلقاك وقد تخلينا عن كل تلك الوساوس والأوهام التي غرقنا فيها وضيعنا أعمارنا فيها ولا نجد اليوم ونحن على أبواب الآخرة ما نلقاك به وقد فاتنا ندب الإيمان عن كتابك وسنة رسولك إلا أن نلقاك بإيمان العجائز اللاتي لم يقرأن كتابًا قط فهو أسلم من إيمان أهل الكلام وإيمان أهل الأوهام وإيمان أهل الهتورات، إيمان العجائز اللائي في بيوتهن ممن لم يقرأن كتابًا قط أسلم من إيمان هؤلاء.
أيها المؤمنون قضية الإيمان قضية واضحة ناصعة كالشمس والطريق إليها سهل معبد ميسور لا كما يتصور أولئك يحتاج للوصول إلى حقيقة الإيمان أولاً إلى أمرين أولاً إلى نظرة سليمة وثانيًا علم بالكتاب والسنة نتلقى منهما الإيمان.
فأما إذا كانت فطرته قد شوشت عليها وساوس البيان والفلسفة أو أوهام أهل الأوهام فإن الجهد عليك مضاعف والعبء عليك ثقيل والواجب علينا أهل الإيمان أولاً أن تخلي صفحتك من تلك الأوهام والوساوس وثانيًا أن تتلقى الإيمان عن الله ورسوله.
الإيمان واضح وناصع كالشمس لا يحتاج إلى كل تلك المداورات ولا إلى كل ذلك اللف والدوران، ولا إلى كل ذلك الجدال، انظر إلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كيف فهموا الإيمان وكيف تلقوا الإيمان وكيف أدركوا حقيقة الإيمان.
يروي البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: بينما نحن جلوس بالمسجد مع النبي مر رجل على جمل فأناخه ثم عقله فقال: أيكم محمد - والنبي متكئ بين ظهرانيهم، بين أصحابه، فلم يعرفه ذلك الرجل - فقالوا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فجاءه فقال له:- بن عبد المطلب قال النبي قد أجبتك، فقال الرجل:- إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجب علي حينًا به، فقال النبي : سل عما بد لك.
فقال الرجل: أسألك بربك وبرب من جاء قبلك آلله بعثك إلى الناس كلهم؟
فقال : اللهم نعم.
فقال الرجل: ناشدتك الله ،آلله أمرك بهذه الصلوات الخمس في اليوم والليلة.
قال النبي : اللهم نعم.
قال الرجل: ناشدتك الله ،آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة.
قال النبي : اللهم نعم.
قال الرجل: ناشدتك الله ، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا وتقسمها على فقرائنا.
فقال النبي : اللهم نعم.
فقال الرجل: آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي أنا ضمام بن ثعلبة أخلف بني سعد بن بكر.
وفي رواية ابن العباس رضي الله عنهما عند أبي داود أن الرجل جاء النبي فقال: ناشدتك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله بعثك إلينا رسولاً؟ فقال النبي : اللهم نعم.
فقال الرجل: وأمرك أن نعبده لا نشرك به شيئًا ونخلع هذه الأمثال التي كان آباؤنا يعملون.
فقال النبي : اللهم نعم.
فآمن الرجل(2)[2].
قضية الإيمان لم تكن معقدة شائكة كما عند أهل الجدال وأهل الأوهام، سأل النبي فأجابه النبي فآمن الرجل بما جاء به النبي هكذا بيسر وسهولة انكشفت له حقيقة الإيمان بفطرته السليمة تلقاها عن الله ورسوله .
وهكذا تجد أصحاب رسول الله إذا دعاهم النبي إلى الإيمان فهموا قضية الإيمان ووعوها بقلوبهم واستجابوا لها ثم تجدهم بعد ذلك صادقين في علمهم وعملهم.
أما نحن اليوم فكثير منا قضية الإيمان عنده أصبحت قضية شائكة صعبة ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا اهدنا إلى الإيمان.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين في كل مكان فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
-------------------------
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ولا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار. واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة ولو لم يبقى من المتمسكين فينا إلا رجلان أو قليل أو أقل من القليل الجماعة هي الكتاب والسنة فعليكم بالجماعة فإن من شذ عن الجماعة فقد شذ في النار.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران: 102] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا [الأحزاب: 70،71].
وصلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب: 56].
وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ)).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
__________
(1) انظر هذا الحديث العظيم في صحيح البخاري (50) ، صحيح مسلم (Cool عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) سنن أبي داود (486، 487) مختصراً، ولم أجده على اللفظ الذي ذكره الشيخ.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]







أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالثلاثاء 11 ديسمبر - 11:04
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله وآله وصحبه أجمعين.
وبعد:
تعددت يا بني قومي مصائبنا ……فأقفلت بابنا المفتوح إقفالا
كنا نعالج جرحا واحدا فغدت……جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا
أيها الاخوة الكرام، لقد أدرك الأعداء أن المرأة حصن عظيم ومهم في الأمة المسلمة، وأن هذا الحصن قد ظل قرونا يحافظ على قوة المجتمع المسلم وصلابته، واهتدوا بهدى الشيطان إلى أنه متى استولوا على هذا الحصن العظيم وأصبح بأيديهم، حينئذ كَبِر على المجتمع أربعا.
لقد استفاد الأعداء مما حل بالحضارتين اليونانية والرومانية من انهيار بسبب فساد المرأة، لقد كانت المرأة في أول حضارتهم مصونة محتشمة تدبر المنزل تشغل الصوف، فاستطاعوا أن يفتحوا الفتوح ويوطدوا أركان إمبراطوريتهم العظيمة، فلما تبرجت المرأة وأصبحت ترتاد المنتديات والمجالس العامة وهي في أتم زينة وأبهى حلة، فسدت أخلاق الرجال، وضعفت ملكتهم الحربية، فانهارت حضارتهم انهيارا مريعا، نعم سقطت الإمبراطوريتان العظميان في ذلك الزمان، ولا بد أن تسقط الأمة الإسلامية سقوطا لا قيام بعده، هذا هو الهدف الاستراتيجي الذي يسعى إليه أعداء الأمة المسلمة، جاء في كتاب بروتوكولات حكماء صهيون: (لقد كنا أول من صاح في الشعب بما مضى بالحرية والإخاء والمساواة، تلك الكلمات التي راح الجهلة في أنحاء المعمورة يرددونها بعد ذلك دون تفكير أو وعي، وكانت هذه الكلمات في ذلك الوقت، شيء إلى الرخاء السائد لدى المسيحيين وتحطم سلمهم وعزيمتهم ووحدتهم، عاملة بذلك على تقويض دعائم الدولة).
أيها الاخوة الكرام، إن أعداء المرأة المسلمة هم اليهود والنصارى، وأتباعهم من المنافقين والعلمانيين والنفعيين، وبالطبع فإن حملة لواء إفساد المرأة المسلمة وإخراجها من بيتها لا يمكن أن يدعو إليه إلا أبناء المسلمين الذين جعلوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، إنهم دعاة إلى أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب.
أيها المؤمنون، لقد تم نزع
حجاب المرأة المسلمة إثر مخطط محكم ومدروس وفي ظل غفلة الأمة، تم نزع الحجاب في مصر والجزائر وأفغانستان وتركيا وغيرها، وسيناريو ـ أو قل ـ مسرحية نزع حجاب المرأة المسلمة واحدة وإن اختلفت الأسماء والأدوار.
وإليك أخي الحبيب، هذا المخطط الإفسادي لنكون جميعا على حذر، ولكي لا يخدعنا أعداء المسلمين من المنافقين والعلمانيين.
أولا: افتعال قضية، فالناس لا يتحركون بغير قضية تزعجهم وتقض مضاجعهم، ومن هنا يحرص المنافقون أن يوحوا للناس أن للمرأة قضية تحتاج إلى نقاش، ثم يستدعون الأنصار لها والمدافعين عنها، فيكثرون الحديث في وسائل الإعلام المختلفة بأن المرأة تعاني ما تعاني وأنها مظلومة وشقٌ معطل ورئة مهملة، ولا تنال حقوقها كاملة، وأن الرجل قد استأثر بكل شيء، وهكذا يشعروا الناس عن طريق الإعلام أن هناك قضية للمرأة، وإذا سئلوا عن الحل قالوا هل سيكون إقامة دعوى ضد الرجل أم ماذا؟ قالوا: لا، الحل في نزع الحجاب، لأنه هو السبب الذي جعل المرأة مظلومة والحق أن المرأة لا تعيش (في مجتمعنا) أي مشكلة، وعلاج مشاكل المرأة تكون بدعوة الرجال والنساء والكبار والصغار إلى تقوى الله، فأي أمة تتقي الله وتخافه، ـ واللهِ ـ لتعيشن السعادة في الدنيا والآخرة.
ثانيا: الإجهاض على مناعة المجتمع ضد الفساد حتى يصبح فاقدا الغَيْرة على دينه والحمية لعقيدته. ومن وسائل إضعاف المناعة ما يلي:
أ . المجلات الماجنة والصحف، فتظهر المرأة بالصورة الفاضحة والمنظر المخزي، ولست أدري كيف تصادر البضائع الفاسدة، ولا تصادر هذه المجلات التي تفسد قلوب وعقول الناس.
ب . والوسيلة الثانية: نشر الفكر المنحرف من خلال الأعمدة الصحفية أو المقابلات، حتى يعتاد الناس على سماعه مرة هنا ومرة هناك.
ثالثا: المطالبة بحرية المرأة، وأن المرأة مقيدة وأنها عبد يجب تحريره فيظهر الديوثون على أعراض أمتهم على أنهم منقذون رحماء. جاء في البروتوكول الرابع: (إن لفظة الحرية تجعل المجتمع في صراع مع جميع القوى، بل مع قوة الطبيعة وقوة الله نفسها).
رابعا: يصورون البيت ومهمة الأمومة والحضانة وقوامة الرجل بصورة بشعة، فالبيت ـ عندهم ـ سجن مؤبد، والزوج سجان قاهر، والقوامة سيف مصلت، والأمومة تكاثر رعوي، حتى تحدث هذه الدعاية ردة فعل سلبي تجاه هذه الأمور.
وأخيرا: يقولون إن العفة سلوك ينبع من النفس الطاهرة، وهذا يعني عند هؤلاء أن المرأة الراقصة مادامت نفسها طاهرة فهي عفيفة، أما المحجبة فلو كانت نفسها غير طاهرة فليست بعفيفة، هكذا يقلبون الموازين رأسا على عقب.
أيها الأحبة الكرام، هل تعلمون ما نتائج هذه الدعوة؟ إنهم يدعون إلى استجلاب غضب الله ـ تعالى ـ على المجتمع ونزول العقوبة به: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ.
وإذا نزلت العقوبة فمن ذا يدفعها؟ ومن ذا يردها؟
ويدعون إلى إفساد أخلاق أبنائنا وبناتنا، ودفعهم إلى الفواحش المرحمة بأنواعها يدعوننا إلى تحطيم الروابط الأسرية وانعدام الثقة بين أفرادها وتفشي الطلاق إنهم يدعون إلى انتشار الأمراض الفتاكة قال : ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا))(5)[1]. نعم لقد حرص المنافقون والعلمانيون على إفساد المرأة باسم التحرير، وإذا نزل بنا البلاء وتقطعت منا الأشلاء فلن ينفعنا تباكي أعداء المجتمع على المرأة.
يريدون هدم صروح الفضيلة، يريدون هدم المعاني الجميلة، يريدون وأدك والنفس حية، أنا لست أقبل هذا الهراء، وهذا العداء، فهيا اخرصوا أيها الأدعياء، فأنتم دعاة الهوة والرذيلة. لقد جرب اغرب ما تدعون، فهاهم لما زرعوا يحصدون حصاد الهشيم، ترى البنت تخرج من بيتها، قبيل البلوغ، فترجع تحمل في بطنها نتاج اللقاح، فنجهضه لتعيد اللقاء وتدعه ليلاقي أبناء أعباء الحياة وحده فتلقيه في ملجأ أو حضانة، فيبحث عن أمه أو أبيه، لكي يطعموه لكي يرحموه لكي يمنحوه الحنان الكبير لكي يرضعوه، فينأ يحمل حقدا دفينا لكل الوجود. أهذين الحقوق كما تزعمون؟ فأُفٍّ لكم ولما تدعون.
ألا صلوا وسلموا...

__________
(1) صحيح، أخرجه الطبراني في الأوسط (8309) وقال: لم يروِ هذا الحديث عن عكرمة إلا مسلم بن بشير، تفرد به السمتي، والحاكم في المستدرك: كتاب الإيمان (1/22)، وصححه، قال الهيثمي في المجمع (1/92): وفيه يوسف بن خالد السمتي كذاب خبيث، قلت: وهو ليس في إسناد الحاكم قال المناوي في فيض القدير (3/426): قال الحافظ العراقي: حديث صحيح غريب، إلا أنه قد اختُلف على جرير بن حازم في رفعه ووقفه. وصححه أيضاً الألباني في صحيح الجامع (3195).
(2) صحيح، أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة – باب وقت الفجر (578)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة – باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها... (645).
(3) صحيح، أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: كتاب الجامع – باب إسبال الإزار (19984)، وإسناده صحيح، وأخرجه الترمذي: كتاب اللباس – باب ما جاء في جر ذيول النساء، حديث (1731)، والنسائي: كتاب الزينة – باب ذيول النساء، حديث (5336)، ذكره الحافظ في الفتح (10/259) وقوّاه، وقال المناوي في فيض القدير (6/113): إسناده صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1415).
(4) ضعيف، أخرجه أحمد (6/30)، وأبو داود: كتاب المناسك – باب في المحرقة تغطي وجهها، حديث (1833)، وابن ماجه: كتاب المناسك – باب المحرمة تسدل الثوب على وجهها، حديث (2935)، قال المنذري في مختصر أبي داود (2/354): وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وقد تكلم فيه غير واحد، وأخرج له مسلم في جماعة، غير محتج به. قلت: قال الحافظ في يزيد هذا: ضعيف، كبر فتغير وصار يتلقّن، وكان شيعياً، التقريب (7768)، وانظر إرواء الغليل للألباني (1024).
(5) صحيح، أخرجه ابن ماجه: كتاب الفتن – باب العقوبات، حديث (4019) والطبراني في الأوسط (4668)، والحاكم، كتاب الفتن والملاحم (4/54) وصححه، ولم يتعقبه الذهبي، قال البوصيري في زوائد ابن ماجه (ص518): هذا حديث صالح للعمل به، وقد اختُلف في ابن أبي مالك وأبيه، وذكره ابن حجر في الفتح (10/192، 193) وقوّاه بشاهد. وصححه الألباني بشواهده، السلسلة الصحيحة (106).

(1/753)



ألفاظ الغناء والمغنيين
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
الكبائر والمعاصي
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
24/11/1419
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
- حكم الغناء في القرآن والسنة – خطورة الغناء وأثره – نماذج عما تحتويه بعض الأغاني من شرك وكفر , والاعتداء على الرسل , والقضاء والقدر , وغير ذلك من الانحرافات
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الاخوة الكرام: مر معنا في الخطبة الماضية حديث عن حكم الغناء وأنه حرام وأن الله سماه (لهو الحديث)، وقال الله: واستفزز من استطعت منهم بصوتك [الإسراء 64] ذكر المفسرون في صوت الشيطان أن منه الغناء، وكذلك سماه الله: سمودا وهو الغناء بلغة أهل اليمن، وقد تأفف منها أصحاب النبي ، فحينما مر عمر بقوم يغنون في الحج قال: لا سمع الله لكم، وسد الصحابي أذنه لما مر بزمار راع، احتياطا منها وأخبر أن هذه الأمة ستستحل الحرَ والحرير والخمر والمعازف واستحلال الحر يعني: الزنا وكذلك الخمر، والمعازف هي أدوات الموسيقي المنتشرة في كل مكان تقريبا، ومر معنا كلام الأئمة الأربعة وأنهم يقولون بتحريم الغناء، ويشتد التحريم إذا كان بصوت امرأة، ويشتد إذا رافقه معازف وموسيقى، ولم يخالف قوم الجمهور من أهل العلم إلا ثلاثة، معاند أو إنسان في قلبه مرض الشهوات، أو شخص لا يعتد برأيه .
أيها الاخوة الكرام: ولخطورة الغناء، وأنه سبب من أسباب فتنة الناس وإفسادهم وخاصة الشباب منهم، ولأن الغناء هو السم الناقع، أحببت أن أصحبكم في جولة سريعة على بعض ما في كلمات الأغاني من المحادة لله ولرسوله ومن الشرك الأكبر والأصغر، ومن التعدي على رسل الله الكرام، ومن تمييع للمعاني السامية والمثل الرفيعة، ومن الاعتراض على رب العالمين والاعتداء عليه وعلى ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ وغير ذلك مما يردده الجيل صباحا ومساء، فيصحو الشاب وينام على أنغامه بل أصبح الكثير لا غنى له عن الغناء وسماعه .
وقد جمع أحد الفضلاء بعض هذه المخالفات الشرعية التي يسمعها الملايين من المسلمين وإني استسمحكم واستعذركم في ذكر بعض هذه الكلمات على منبر خطبة الجمعة، لأن الموضوع فيه أشياء عجيبة مما ذكرت لكم.
أخي الكريم: لقد لحنوا الكفر الصريح والردة المعلنة عن دين الله بما غنوه من قصيدة الشاعر النصراني :
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت
كيف أبصرت طريقي لست أدري
لقد غنوا هذه الكلمات التي تبين أنهم لا يعرفون سبب وجودهم في هذه الدنيا، وأنهم لا يعرفون ماذا بعد الموت، أبعث ونشور أم إهمال وترك، يقولون هذا، والله يقول وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [الذاريات 56] قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين [الأنعام 162-163].
وكاتب الكلمات، والملحن والمغني هم شركاء في الإثم والوزر، وقال : ((من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا )) وتقول قائلتهم : لست ثوب العيش ولم أستشره، ويقول الآخر: لو كنت أعلم خاتمتي ما كنت بدأت.
عجيب: هل هم يحيون ويموتون كما يشاءون، ويفعلون ما يشتهون، يريدون أن يستشاروا في الحياة، من الذي سيستشيركم، وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون [القصص 68].
كما أنهم يصرحون بعبادة المحبوب ولأجله يعيشون في الدنيا، بل يقولون إنهم ما خلقوا في هذه الدنيا إلا من أجله، قال قائلهم، أو قائلتهم، فض الله أفوههم: عشت لك وعلشانك، والله يقول قل إن صلاتي ونسكي ومحيياي ومماتي لله رب العالمين [الأنعام 162].
ويصرح بعضهم بصرف أنواع من العبادة إلى المحبوب أو المحبوبة، وهو التوبة يقول: أتوب إلى ربي وإني لمرة يسامحني ربي إليك أتوب، ورأيت أنك كنت لي ذنبا، سألت الله ألا يغفره فغفرته. هذا الذي يقولونه من صرف التوبة إلى غير الله.
فهم يعبدون المحبوب، يتوبون إليه، يطلبون منه المغفرة، والله وحده هو الذي يغفر: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله [آل عمران 135]. وقال سبحانه: وإليه متاب [الرعد 30]، وتقديم حرف الجر هنا (إليه) يفيد الحصر يعني إليه التوبة لا إلى غيره.
وتجد منهم يقول تصريحا بعبادة المحبوب يقول قائلهم :أعشق حبيبي وأعبد حبيبي. ويقول آخر: قلت المحبة عندي لو تعلمين عبادة. وآخر يقول : أنا أعبدك.
منزلة العبودية هي المقام العظيم الرفيع الذي وصف الله نبيه محمدا به في أربعة مواضع في القرآن لأن العبودية معناها : كمال الحب مع كمال الذل والخضوع لله، وتجد هؤلاء القوم يصرفونها إلى غير رب العالمين، والمرء مع من أحب يوم القيامة .
وبعضهم ينافي ويضاد ويكذب على الله يقول : الله أمر، لعيونك أسهر قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالا تعلمون .[الأعراف 28]
أما اعتداؤهم على أنبياء الله ورسله فاسمع إلى قولهم في فراق المحبوب أو المحبوبة : صبرت صبر أيوب، وأيوب ما صبر صبري، اعتداء فاحش على نبي الله الكريم الذي ابتلاه مولاه سنوات طويلة فصبر إنا وجدناه صابراً نِعمَ العبد إنه أواب [ص 44].
أيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين [الأنبياء 83]، وهؤلاء يقولون : أيوب ما صبر صبري .
أما عقيدة القضاء والقدر ولوم الرب : فلهم فيها النصيب الأوفر، يقول قائلهم : ليه القسوة؟ ليه الظلم؟ له يا رب ليه؟
هكذا يتهم الله - تعالى الله - بالقسوة والظلم، وهذا المغني هو الآن تحت أطباق الثرى، الله أعلم ماذا يفعل به، نسأل الله حسن الخاتمة والستر في الدنيا والآخرة .
ومنهم من يصرح بأنه مستعد للذهاب إلى جهنم مع محبوبته : يا تعيش وإياي في الجنة، يا أعيش وإياك في النار، بطلت أصوم وأصلي، بدّي أعبد سماك، لجهنم ماني رايح إلا أنا وإياك،.
أعلنوا ترك الصلاة وترك الصيام، والنبي يقول : ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))، ويريدون الذهاب إلى جهنم، وماذا في جهنم التي أوقد الله ثلاثة آلاف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة وما أدرك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر [المدثر 27-30]. لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها [فاطر 36]، إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون [غافر 72] وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً [الكهف 29] هذه النار التي يتمنون الذهاب إليها اللهم اصرف عنا مقتك وغضبك يا حي يا قيوم .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم . . الخ .
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فمن مفاسد المغنيين : أن يصرح بضعهم بأنه إذا لم تحل له محبوبته على دين محمد لأخذها على دين المسيح ابن مريم عليه السلام، وهل كان المسيح ابن مريم يحل الزنا ؟
كما أنهم يستحلون المحارم، قبحهم الله، فكانت حلالا لي ولو كنت محرمي، لو كانت من المحارم لاستحلها، ويصرح بعضهم بأنه سيحب محبوبته عند سكرات الموت : أهواك عند سكرات الموت، وهذا صحيح فالذي يفتن بالشيء يغرم به ويحبه إلى الغاية ويفتن به فيذكره عند السكرات .
وكم حدثتم وحدثنا عن أناس كان يقال لهم : قولوا لا إله إلا الله فيغنون، أو يسبون القرآن، أو يرفضون الشهادة، والله المستعان .
ثم هم يميعون القيم العالية والمعاني الفاضلة، فمنزلة الشهادة منزلة عظيمة عند الله ومن يطع الله رسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً [النساء 69] والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، والشهيد هو الذي يقتل بين الصفين مقبلا غير مدبر في سبيل الله، ثم يقول العندليب الأسمر : يا ولدي قد مات شهيدا من مات فداء للمحبوب.
هكذا جعلوا هذا المقام العظيم مقام الشهادة، جعلوه للمحبوب، وهذا المغني قد انتسب إلى غير أبيه ((ملعون من انتسب إلى غير أبيه ) والانتساب إلى غير الأب كثير في الوسط الفني القذر.
ومن مخالفات العقيدة قولهم :
والخوف بعينيها تتأمل فنجان المقلوب
قالت يا ولدي لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب
اشتمل هذا البيتان على جلوس هذا الفاجر مع امرأة تدعي علم الغيب فهي كاهنة وعرافة ومشعوذة تقرأ الفنجان المقلوب واشتمل أيضا على الكذب على الله في أنه كتب الحب على هذا الرجل، وادعاء علم الغيب كفر واعتداء على خصوصية من خصوصيات الله قل من لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله [النمل 65] وقراءة الفنجان والكف وضرب الودع والتخطيط في الرمل، والقراءة في كرة الكريستال كل ذلك شرك وحرام .
وفي أغانيهم الاستعانة بغير الله ونداء الأموات والحلف بغير الله فيقول قائلهم: مدد يا نبي مدد. أو: وحياة عينيك، والنبي يقول : ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)).
ويشيع عند المغنين سب الدهر والساعة والزمان والعمر يقولون : كتاب حزين كله قاسي، جابني في زمان كله غدار قاسي، والنبي يقول : (( لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ))، هو مقلب الأيام والليالي، فمن سب الدهر فقد سب شيئا ليس بأهل للسب ولا ذنب له، لأن الدهر ظرف الوقوع الحوادث، والله هو الذي يفعل ما يشاء ويجري الحوادث في الزمان بمشيئته سبحانه .
ثم هم يعتدون على ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ : الفرح مسطر غلط مكتوب، يعني أن الله الذي كتبه في اللوح المحفوظ كان غلطا، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
هذا بعض ما يقال، لقد اعتدى هؤلاء المغنون على الشريعة وما أبقوا عزيزا إلا أذلوه، ولا غاليا إلا لطخوه بهذه الكلمات، إن الله تعالى ما حرم شيئا إلا لفساده وضرره يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [البقرة 185] إن الله كان بكم رحيماً [النساء 29] .
اخوتي الكرام : هل نحن منتبهون لهذا الإفساد العظيم هل نحن منتهون عن هذا الفسق .
يا رب غفرا قد طغت أقلامنا يا رب معذرة من الطغيان

(1/754)



تكريم الإسلام للمرأة
-----------------------
الأسرة والمجتمع
المرأة
-----------------------
منصور الغامدي
الطائف
21/1/1420
أبو بكر الصديق
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
- مكانة المرأة في الإسلام والوصية بها – المراحل التي تمر بها المرأة وعناية الإسلام بها ( البنت – الزوجة – الأم )
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الأحبة الكرام : كان الحديث في الخطبة الماضية عن حال المرأة في ظل الجاهليات القديمة لها والحديثة ، وكيف أنها تعيش تحت الذل والاستعباد ، والكيد والقهر والتسلط ، فكأني بها تحادث نفسها وهي تعيش مأساة حقيقية تقول لِمَ خلقت أنثى ولم تخلق ذكرا ، قويا جبارا متسلطا ، إن كانت هذه هي الحياة ، فبطن الأرض خير من ظهرها.
ولكن الله الرحيم اللطيف بعباده ، العليم بما هو خير لهم ، لم يشأ أن يطول الظلام ، وتستمر الظلامة على المرأة فجاء الله بالإسلام وأرسل محمدا فأشرق وجه الفجر، وبدا ثغر الشمس ضاحكا، وانطلقت أشعة الشمس في سباق محموم لتطرق على المرأة باب خدرها، تطرق عليها الباب لتقول: أبشري بخير يوم طلعت فيه الشمس عليك ، ولتأخذها إلى عالم أكثر هدوءا ، وأعظم رحمة، وأهدى سبيلا، إنه موعد طالما انتظرته المرأة موعد مع السعادة، موعد مع التكريم والعزة ، موعد مع الحرية الحقيقية.
أيها الأحبة الكرام: أنى لي أن آتي على كل مظاهر إعزاز وتكريم الإسلام للمرأة، في هذه الخطبة القصيرة، بل من أين أبدأ ، ماذا عسى أن أقول ، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
أيها الاخوة الكرام: لقد ساوى القرآن في أغلب تكاليف الإيمان بين النساء والرجال قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار . وقال تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً .
وقال : (( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له لكل مؤمن ومؤمنة حسنة )).
أما ثوابها على أعمالها الصالحة في الدنيا والآخرة فعظيم قال تعالى : من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون . وقال سبحانه: وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم .
وقال : (( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت )) ، فإذا احتمل الرجل نارا الهجير واصطلى جمرة الحرب ، وتناثرت أوصاله تحت ظلال السيوف ، فليس ذلك بزائد مثقال حبة على المرأة إذا وفت لبيتها ، وأخلصت لزوجها ، وأحسنت القيام إلى بنيها .
ومن فضائل النساء ما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : ((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)) ، ومن عظيم أجر المرأة عند ربها ، ((أن رسول الله عاد عبد الله ابن رواحة ، فلما تحوز له عن فراشه ، تنحى ، فقال : أتدري من شهداء أمتي؟ قال : قتل المسلم، قال : إن شهداء أمتي إذاً لقليل ، قتل المسلم شهادة ، والطاعون شهادة، والمرأة يقتلها ولدها جمعاء ، تموت وفي بطنها ولد شهادة ، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة )).
وقد يظن ظان أن أجور الرجال أكثر عند الله لما يقومون به من شهود الجماعات ، والجنائز ، والجهاد وغيرها ، والصحيح أن أجر المرأة كأجر الرجل متى قامت بأعمال يسيرة: ((أتت أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها النبي فقالت : إني رسول الله ورائي من جماعة نساء المسلمين كلهن يقلن بقولي وعلى مثل رأيي : إن الله بعثك إلى الرجال والنساء ، فآمنا بك واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات ، قواعد بيوت ، وإن الرجال فضلوا بالجمعات، وشهود الجنائز والجهاد ، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم ، وربينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله ؟ فالتفت رسول الله بوجهه إلى أصحابه فقال: هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالا عن دينها من هذه ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله فقال رسول الله انصرفي يا أسماء ، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل أحداكن لزوجها ، وطلبها لمرضاته ، واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال )) فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارا بمقالة النبي ، إنه عمل قليل وأجر عظيم.
وكان يوصي أمته بالنساء خيرا وأن يرفقوا بهن قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن عوان عندكم ، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((واستوصوا بالنساء خيرا ، فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء ))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وخياركم خياركم لنسائكم )).
أيها الاخوة الكرام : إن المرأة تمر بمراحل ثلاث: تكون بنتا ثم تكون زوجا ثم تغدوا أمّا ، ولكل مرحلة من المراحل الثلاث التي تمر عليها تعيش المرأة أسمى مظاهر العطف والرحمة والعزة والرفعة .
فإذا كانت المرأة بنتا: فإن الإسلام اعتنى بها أيما عناية وصانها وحفظها وفرض لها حقوقا ، فمن ذلك العدل بين الأولاد في الهبة فعن ابن عباس رضي الله عنها مرفوعا : ((سووا بين أولادكم في العطية ، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء)) ، ومن الناس من إذا رزق إناثا ولم يرزق الذكور تبرم وتضجر ، وتشاؤم وحزن وقد نهى الله تعالى عن كل ذلك ، قال تعالى وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم قال واثلة بن الأسقع إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى ، قبل الذكر لقوله تعالى: يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور فبدأ بالإناث.
ورعاية البنت وتربيتها تربية صحيحة يدخل وليها الجنة قال : (( من عال جارتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو . وضم أصابعه، أي معا ))، وعن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله يقول: ((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن من جرته، يعني ماله ، كن له حجابا من النار )) إن من يسمع هذا الثناء والإطراء ليجتهد ويجهد في الإحسان إليهن ، والعمل على إحسان تربيتهن تربية صالحة .
كتب أحد الأدباء رسالة إلى صديق له يهنئه بالبنت يقول : أهلا وسهلا بعقيلة النساء ، وأم الأبناء ، وجالبة الأصهار ، والأولاد الأطهار والمبشرة بإخوة يتناسقون ، ونجباء يتلاحقون :
فلو كان النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب وما التذكير فخر للهلال
فها هي البنت تعيش جوهرة مصونة ودرة مكنونة في كنف أسرتها ، تلقى كل الحب والرعاية، وتتعلم التربية السوية الصالحة من أبويها لتكون غدا زوجا صالحة مصلحة .
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وأكرمنا به ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين .
وبعد :
أيها الاخوة الكرام: فإذا غدت المرأة زوجة فإنها لا تكون في ظل شريعة الإسلام كما كانت عند الآخرين ودنساً يجب التنزه عنه، ولكن سما بها إلى العلياء ، وجعل رباط الزواج من نعمه سبحانه على عباده قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وقد أوجب الإسلام هدية تكريم للمرأة حين إقبالها على بيت الزوجية قال تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فلا يجوز لأحد أكل مهرها أو التصرف منه بغير إذنها الكامل ورضاها الحقيقي ، فإذا ما تزوجت فإن على الزوج أن ينفق عليها والنفقة تشمل الطعام والشراب والملبس ، وما تحتاج إليه الزوجة لقوام بدنها لقوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته ، وعن معاوية بن حيرة قال : قلت يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه ، ولا تضرب )) وقال عليه الصلاة والسلام: ((كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)) وعن أبي هريرة قال : ((دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجر الذي أنفقته على أهلك ))، ولا تكلف المرأة بشيء من الإنفاق ، أماً كانت أو أختا، أو كانت زوجة، قادرة على العمل أو عاجزة عنه ، غنية كانت الزوجة أو فقيرة ، وسواء كان زوجها قادرا على العمل أو عاجزا عنه ، غنيا كان أو فقيرا ، فالرجل المسؤول عن النفقة البيتية ، وليس من حقه أن يلزمها إلا إذا تبرعت مساهمة في تحمل بعض العبء.
ومن حقوق المرأة المتزوجة أن يكون لها مسكن تستظل بظلاله ، وتنعم بالقرار فيه ، وتحس أنها مديرة شؤونه ، ومسؤولة عن كل صغيرة وكبيرة فيه ، قال الله تعالى: أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم فإذا وجبت السكنى للمطلقة ، فالتي في صلب النكاح أولى ، قال تعالى وعاشروهن بالمعروف ومن المعروف أن يسكنها في مسكن .
ومن حقوق الزوجة التي كفلها الإسلام أن يعلمها زوجها أمور دينها فيعلمها أركان الإيمان وأحكام الطهارة والعبادات خاصة الصلاة ويحثها على أدائها في أول وقتها وشروطها وأركانها مفسداتها ، لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً . ومن وقايتها من النار تعلمها أمر دينها ، وقد أثنى الله على نبيه إسماعيل عليه السلام بقوله : وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً ومنها : المعاشرة بالمعروف ، وقد أمر الله بها، كيف لا ، وقد اجتمعت الأبدان والأرواح في مكان واحد ، وأصبح المصير واحدا ، والهم هم واحد قال تعالى : وعاشروهن في بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً وقيل في المعروف : أن لا يضربها ، ولا يسيء الكلام معها ، ويكون منبسط الوجه معها ، ومن المعاشرة بالمعروف أن يناديها بأحب الأسماء ، وأن يكرمها في أهلها عن طريق الثناء عليهم .
ما من حسن المعاشرة ما جاء عنه أنه قال لعائشة رضي الله عنها: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى، قالت : ومن أين تعرف ذلك، فقال: أما إذا كنت راضية فإنك تقولين لا ورب محمد ، وإذا كنت غضبى لا ورب إبراهيم ، قالت: أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك)). وبعد حياة السعادة الزوجية تغدوا الزوجة أما وتحمل مسؤولية كبيرة في تربية ليوث المستقبل ، ورجالات الأمة ، فهي المحضن الخصب الذي يخرج منه إلى الحياة أولئك الأبطال ، والذي لولاها بعد الله لخرجن نماذج كرتونية ضعيفة هزيلة .
ومما أوجب الله في حق الأم برها والإحسان إليها قال تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ في الجواب ، ولا يحد النظر إليهما ، ولا يرفع صوته عليهما ، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد كلا لهما . وقال تعالى فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما فقد نهى الله أن يقول الابن لأمه : أف وهي أقل كلمة فكيف بما هو أعظم منها؟ ((جاء رجل إلى رسول الله فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي، قال: أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك )) .
فالأم من أعظم الناس فضلا وأحق الناس بالإكرام والإحسان ، ومن لا خير له في أمه فلا خير له فيمن هم دونها: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي أنه قال: ((دخلت الجنة فسمعت قراءة فقلت من هذا ؟ فقيل : حارثة بن النعمان . فقال رسول الله وكذلكم البر .كذلكم البر)). وزاد عبد الرزاق في روايته ، وكان أبر الناس بأمه ، وجاء في الأدب المفرد أن رجلا يمانيا حمل أمه وراء ظهره يطوف بالبيت فرأى ابن عمر فقال : إني لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر ، الله ربي ذي الجلال الأكبر ، حملت أكثر مما حملت ، فهل ترى جازيتها يا ابن عمر ؟ ثم قال : يا ابن عمر أتراني جزيتها؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة .
أيها المسلمون: هاهي المرأة المسلمة التي رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ، هاهي قد حفت بسياج عظيم من التكريم ، وأمطرت عليها سحب الرسالة فيضا من الحفظ والصون ، والاهتمام والرعاية حتى عدت مشاركة قوية وفعالة في الحياة ، لا تصلح الحياة إذا فسدت.
وارجع قليلا بذاكرتك إلى الإحصاءات المخيفة في الخطبة الماضية لترى البون الشاسع بين المرأتين ، والفرق الكبير بين الحياتين ، حياة في ظل الإسلام وحياة في ظل الجاهلية النتنة، إلا أنه لم يرق لأعداء دينك هذا الاستقرار الذي تعيشه المرأة المسلمة، فبدأوا بالمؤامرات تلو المؤامرات لإفسادها ، وهذا هو موضوع الخطبة القادمة بمشيئة الله.

(1/755)



الإيمان والتوحيد (1)
-----------------------
الإيمان
فضائل الإيمان
-----------------------
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
قباء
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- أهمية الحديث عن الإيمان 2- المرحلة المكية وغرس الإيمان 3- مِنَّة الله علينا بالإيمان 4- علم الكلام والفلسفة أفسدا وأساءا لقضية الإيمان 5- عودة الفلاسفة عن علم الكلام إلى الإيمان 6- وضوح قضية الإيمان عند أهل العلم والفِطَر السليمة 7- سهولة ويُسر في عرض الإسلام من رسول الله
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد فقد يقول قائل ما أكثر حديثك عن الإيمان. أليست هناك أمور أخرى تهم المسلمين وهناك مشكلات كثيرة يعاني منها المجتمع ليتك تتحدث عنها.
هناك أمور كثير تهم المسلمين ولكنها كلها تتفرع من قضية الإيمان.
وهناك مشكلات كثيرة يعاني منها المجتمع لكن أهمها وأخطرها ما وقع من الخطأ في إيمان الناس ثم هي سنة المصطفى .
لقد لبث رسول الله في مكة ثلاث عشرة سنة منذ أوحي إليه جعلها في أن يدعو الناس للإيمان بالله وحده.
ولم يُنزل عليه من الشرائع في مكة إلا القليل كالصلاة ثم نُزلت عليه الشرائع تترى في المدينة في مدة ولم تتجاوز عشرة أعوام.
وما امتن الله على رسوله بشيء كما امتن عليه بالإيمان والهداية إليه فقال سبحانه: وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [الشورى: 52].
وامتن الله تعالى على عامة المؤمنين بالهداية للإيمان فقال تعالى: بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين [الحجرات: 17].
ثم إن ما وقع الناس فيه وتكاثرت عليهم المشكلات وفسدت حياتهم لما وقع الخبث وطغى الفساد على إيمانهم.
الإيمان علم وعمل والفساد اليوم وقع في العلم ووقع في العمل.
كثير من المسلمين اليوم تصورهم العلمي للإيمان في غاية من الفساد وذلك بسبب أن الشياطين انصرفت بهم عما جاء به سيدنا محمد من الوحي المنزل، وذهبت بهم الشياطين كل مذهب، فتارة تحط بهم على وساوس أهل الفساد والفلسفة.
وتارة تحط بهم في زحام أوهام أهل الأوهام والمنكشفين من أهل الشر.
وهان عليهم بسبب ذلك بأمرين ما حجب قلوبهم فلم يعد نور الكتاب والسنة يجدي معهم شيئًا ولا يبدد تلك الظلمات التي غلقت تلك القلوب إلا أن يشاء الله تعالى.
وكثير من المسلمين اليوم وقع الخلل في عملهم، فهناك فجوة كبيرة بين إيمانهم وبين حياتهم وذلك إما بسبب خلو القلوب من الإيمان والعياذ بالله أو بسبب ضعف الإيمان في القلوب ضعفًا شديدًا، وهذا الضعف يتفاوت شدةً ففي بعض القلوب قد لا يبقى من الإيمان فيها إلا بسيط ضئيل ضعيف جدًا يطفئه أول داعٍ من شبهة أو شهوة.
ففي بعض القلوب لم يبق من الإيمان إلا هذا القدر البسيط الضعيف الضئيل الذي يطفئه أول داعٍ من شبهة أو من شهوة.
أيها المسلمون إن قضية الإيمان ليست شائكة ولا معقدة كما يصورها أهل الفساد والفلسفة أو كما يصورها الغارقون في أوهام أهل الأوهام في بحر الأوهام.
فإن الإيمان عند هؤلاء وهؤلاء عند أهل الفلسفة والكلام وعند الخارقين في بحار الأوهام بحار الوحدة وفي بحار الكشوفات، الإيمان عند هؤلاء وهؤلاء أشبه ما يكون بطريق وعر وصعب وكثير المهالك، بل من أعجب ما عند هؤلاء من تصوراتهم الدينية للإيمان أن الجبن عندهم هو طريق الإيمان، الجبن عندهم هو طريق الإيمان.
الجبن عندهم أولاً ثم الإيمان أو كما يعبرون بعباراتهم، الشك هو الطريق إلى اليقين والعياذ بالله تعالى.
إن كثيرًا من المسلمين اليوم لا يدرك حقيقة الإيمان ولا يفهم معنى الإيمان من أجل ذلك وتأكيدًا لأحاديثنا السابقة التي حاولنا أن نشرح فيها معنى الإيمان كما ورد في حديث جبريل عليه السلام وكنا قد وقفنا عند جواب رسول الله على سؤال جبريل لما سأله: ما الإيمان؟ أو قال له أخبرني عن الإيمان.
وتلك الوقفة هي قوله : أن تؤمن بالله(1)[1]، فقبل أن نعود إلى تكميل شرح معنى الإيمان كما ورد في حديث جبريل سنشرع منذ اليوم إن شاء الله تعالى في بيان حقيقة الإيمان وفضل الإيمان والدعوة إلى الإيمان كما سنّ سيدنا رسول الله .
فكثير من المسلمين كما ذكرت قد شوشت عقولهم وساوس الفلسفة في علم الكلام دعوا بذلك أم لم يدعوا، أو شوشت عليهم أوهام أهل الأوهام من أهل الكشوفات والخرافات، بل كثير من المسلمين المتعلمين اليوم ممن وقع في حبائل تلك الوساوس أو في حبائل تلك الأوهام العجائز اللاتي لم يقرأن كتابًا قط في بيوتهن إيمانهن أحسن إيمانًا منهم، ولذلك فإن عدداً من كبار أئمة علم الكلام والمتفلسفين وكبار الغارقين في بحر الأوهام والمنكشفين عدد من هؤلاء لمّا حضرتهم الوفاة وكشفت رهبة الموت لهم عن الحقائق خضبوا لحاهم بدموعهم خوفًا من الله تعالى وأسفًا على أعمالهم التي ضيعوها وشغلوها بغير كلام الله وكلام رسول الله فلما أدركوا وهم عند الوفاة أنهم قد فاتهم ندب الإيمان عن الله ورسوله لم يجدوا ملجأ يلجأون إليه إلا أن يخلوا ذممهم يخلوا ذمتهم من وساوس علم الكلام وأوهام أهل الأوهام وهتفوا وهم على أبواب الآخرة: اللهم إيمان كإيمان العجائز، يقولون وهم على أبواب الآخرة: اللهم إيمان كإيمان العجائز، يقولون: عفا الله عنا وعنهم: يا رب نلقاك وقد تخلينا عن كل تلك الوساوس والأوهام التي غرقنا فيها وضيعنا أعمارنا فيها ولا نجد اليوم ونحن على أبواب الآخرة ما نلقاك به وقد فاتنا ندب الإيمان عن كتابك وسنة رسولك إلا أن نلقاك بإيمان العجائز اللاتي لم يقرأن كتابًا قط فهو أسلم من إيمان أهل الكلام وإيمان أهل الأوهام وإيمان أهل الهتورات، إيمان العجائز اللائي في بيوتهن ممن لم يقرأن كتابًا قط أسلم من إيمان هؤلاء.
أيها المؤمنون قضية الإيمان قضية واضحة ناصعة كالشمس والطريق إليها سهل معبد ميسور لا كما يتصور أولئك يحتاج للوصول إلى حقيقة الإيمان أولاً إلى أمرين أولاً إلى نظرة سليمة وثانيًا علم بالكتاب والسنة نتلقى منهما الإيمان.
فأما إذا كانت فطرته قد شوشت عليها وساوس البيان والفلسفة أو أوهام أهل الأوهام فإن الجهد عليك مضاعف والعبء عليك ثقيل والواجب علينا أهل الإيمان أولاً أن تخلي صفحتك من تلك الأوهام والوساوس وثانيًا أن تتلقى الإيمان عن الله ورسوله.
الإيمان واضح وناصع كالشمس لا يحتاج إلى كل تلك المداورات ولا إلى كل ذلك اللف والدوران، ولا إلى كل ذلك الجدال، انظر إلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كيف فهموا الإيمان وكيف تلقوا الإيمان وكيف أدركوا حقيقة الإيمان.
يروي البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: بينما نحن جلوس بالمسجد مع النبي مر رجل على جمل فأناخه ثم عقله فقال: أيكم محمد - والنبي متكئ بين ظهرانيهم، بين أصحابه، فلم يعرفه ذلك الرجل - فقالوا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فجاءه فقال له:- بن عبد المطلب قال النبي قد أجبتك، فقال الرجل:- إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجب علي حينًا به، فقال النبي : سل عما بد لك.
فقال الرجل: أسألك بربك وبرب من جاء قبلك آلله بعثك إلى الناس كلهم؟
فقال : اللهم نعم.
فقال الرجل: ناشدتك الله ،آلله أمرك بهذه الصلوات الخمس في اليوم والليلة.
قال النبي : اللهم نعم.
قال الرجل: ناشدتك الله ،آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة.
قال النبي : اللهم نعم.
قال الرجل: ناشدتك الله ، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا وتقسمها على فقرائنا.
فقال النبي : اللهم نعم.
فقال الرجل: آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي أنا ضمام بن ثعلبة أخلف بني سعد بن بكر.
وفي رواية ابن العباس رضي الله عنهما عند أبي داود أن الرجل جاء النبي فقال: ناشدتك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله بعثك إلينا رسولاً؟ فقال النبي : اللهم نعم.
فقال الرجل: وأمرك أن نعبده لا نشرك به شيئًا ونخلع هذه الأمثال التي كان آباؤنا يعملون.
فقال النبي : اللهم نعم.
فآمن الرجل(2)[2].
قضية الإيمان لم تكن معقدة شائكة كما عند أهل الجدال وأهل الأوهام، سأل النبي فأجابه النبي فآمن الرجل بما جاء به النبي هكذا بيسر وسهولة انكشفت له حقيقة الإيمان بفطرته السليمة تلقاها عن الله ورسوله .
وهكذا تجد أصحاب رسول الله إذا دعاهم النبي إلى الإيمان فهموا قضية الإيمان ووعوها بقلوبهم واستجابوا لها ثم تجدهم بعد ذلك صادقين في علمهم وعملهم.
أما نحن اليوم فكثير منا قضية الإيمان عنده أصبحت قضية شائكة صعبة ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا اهدنا إلى الإيمان.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين في كل مكان فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
-------------------------
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ولا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار. واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة ولو لم يبقى من المتمسكين فينا إلا رجلان أو قليل أو أقل من القليل الجماعة هي الكتاب والسنة فعليكم بالجماعة فإن من شذ عن الجماعة فقد شذ في النار.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران: 102] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا [الأحزاب: 70،71].
وصلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب: 56].
وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ)).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
__________
(1) انظر هذا الحديث العظيم في صحيح البخاري (50) ، صحيح مسلم (Cool عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) سنن أبي داود (486، 487) مختصراً، ولم أجده على اللفظ الذي ذكره الشيخ.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]







أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالسبت 12 يونيو - 22:24
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 19645
تاريخ التسجيل : 10/08/2013
رابطة موقعك : https://ouargla30.ahlamontada.com
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **

تحميل برامج ﻟﺘﺴﯿﯿﺮ المؤسسات العمومية والشركات والمخازن التجارية والوثائق الإدارية




تحميل برنامج الشامل لكافة وثائق الحالة المدنية بالفرنسية و مع الكودبار
تحميل برنامج الشهادات العائلية 1.0.32
تحميل برنامج تسيير عقود بيع المركبات 2016 2.0
تحميل ﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﻣﻌﺪ ﻟﺘﺴﯿﯿﺮ ﺑﯿﻊ اﻟﻤﺮﻛﺒﺎت واﻟﺴﯿﺎرات اﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﺘﺮﻗﯿﻢ ﺑﺠﻤﯿﻊ أﻧﻮاﻋﮭﺎ
تحميل برنامج نفقات المهام والتنقلات لكافة المؤسسات والادارات العمومية مجاني كامل لتسيير 
تحميل برنامج تسيير البطاقات المهنية 2.0
تحميل برنامج شهادة العمل و الأجر ATS 3.0
تحميل النماذج الجديدة لوثائق الحالة المدنية بالفرنسية مع الرمز الشريطي 7.9
تحميل برنامج الدفتر العائلي 7.5
تحميل برنامج امر دفع غرامة 2500 1.0.0
تحميل تطبيق شهادة العزوبة EC4 بالفرنسية 2.0
تحميل برنامج جديد مستقل لحجز و طباعة الشهادات العائلية
تحميل تطبيق عقود الحالة المدنية بالفرنسية بالنسبة للمولودين خارج البلدية 1.0.0
تحميل برنامج تسيير الشؤون الاجتماعية مع الكود بار 2.0.0
تحميل برنامج سندات الطلب 1.0.4.0 النسخة الفرنسية
تحميل برنامج سندات الطلب 1.0.4.0 النسخة الفرنسية
تحميل برنامج جديد و مجاني لتسيير و حجز و طباعة سندات الطلب في المؤسسة العمومية​
تحميل تطبيق تصريح بيع المركبات 2021 6.0
تحميل برنامج شهــادة العـمــل و الأجــــر  (اكسال)  ATTESTATION DU  TRAVAIL  ET  DE  SALAIRE
تحميل تطبيق تسيير عتاد الحظيرة البلدية 2.0.0
تحميل برنامج كشف الراتب شهادة العمل والأجر
تحميل تطبيق لمستخدمي الأجور.. دوال حصرية و مفيدة جدا للمساعدة في الحساب الآلي
تحميل تطبيق دالة حساب الضريبة IRG 2020 للاستخدام الجاهز و الحساب التلقائي مع Windev و اكسل و أكسس كماكرو مضمن


تحميل برنامج مجاني كامل لتسيير نفقات المهام والتنقلات لكافة المؤسسات والادارات العمومية




تحميل برنامج الشامل لكافة وثائق الحالة المدنية بالفرنسية و مع الكودبار




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




 بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله 




اما بعد




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]









download تحميل

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا





*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




======================
شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق





برنامج الشهادات العائلية 1.0.32




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]









برنامج جديد مستقل لحجز و طباعة الشهادات العائلية




كلمة المرور الافتراضية 0000​




البرنامج للملحقات أو الأجهزة التي لا تتصل بسيرفر الحالة المدنية و بالتالي لا يمكنها استخدام البرنامج الرسمي لوزارة الداخلية أو لمن أراد تغيير البرنامج




البرنامج به خيارات عدة
إضافة تعديل و حذف الشهادات و كذلك الأطفال مع خيارات تحكم كاملة
يمكن إضافة عدة مستخدمين بصلاحيات
مدير النظام يمكنه التحكم في كل البرنامج و تسيير كل شيء.
الموظف يمكنه حجز و طباعة الشهادات
الزائر لا يمكنه التعديل أو الإضافة، و يمكنه البحث و طباعة الشهادات فقط ( مفيد مع الزملاء من خارج المصلحة )
البحث البسيط المتعدد
الاطلاع على سجل حجز و تعديلات الشهادات و من قام بذلك ( صلاحيات مدير النظام فقط )
من خلال إعدادات البرنامج يتم:
التحكم في إعدادات البلدية
التحكم في إظهار الكودبار عند الطباعة من عدمه
امكانية اختيار إظهار محرر الوثيقة من عدمه عند الطباعة
البرنامج مجاني تماماً و محدث باستمرار ان شاء الله​
للتحميل هنا

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا

*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




رابطة رقم 2 رابطة رقم 2 رابطة رقم 2

======================




برنامج تسيير عقود بيع المركبات 2016 2.0




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]













برنامج بسيط لتسيير عمليات بيع المركبات بالبلديات معمول على أكسس 2010 و أعلى
أرجو أن ينال رضاكم
البرنامج في نسخته الاولى و هو مجاني و سيبقى كذلك و سيتم تطويره باستمرار ان شاء الله


أي اقتراح او إضافة للبرنامج لا تبخلو بها




download تحميل

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا

*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




======================
رابطة رقم 2 رابطة رقم 2 رابطة رقم 2





ﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﻣﻌﺪ ﻟﺘﺴﯿﯿﺮ ﺑﯿﻊ اﻟﻤﺮﻛﺒﺎت واﻟﺴﯿﺎرات اﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﺘﺮﻗﯿﻢ ﺑﺠﻤﯿﻊ أﻧﻮاﻋﮭﺎ




ﺑرﻧﺎﻣﺞ ﺗﺣرﯾر ﺗﺻﺎرﯾﺢ ﺑﯾﻊ اﻟﺳﯾﺎرات
ھﺬا اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﻣﻌﺪ ﻟﺘﺴﯿﯿﺮ ﺑﯿﻊ اﻟﻤﺮﻛﺒﺎت واﻟﺴﯿﺎرات اﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﺘﺮﻗﯿﻢ ﺑﺠﻤﯿﻊ أﻧﻮاﻋﮭﺎ.
ﻣﮭﺎم اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ: ﯾﻘﻮم ھﺬا اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﺑﺎﻟﻤﮭﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ:
ﺗﺤﺮﯾﺮ اﻟﺘﺼﺎرﯾﺢ ﺑﺎﻟﺒﯿﻊ ﻟﻠﻤﺮﻛﺒﺎت اﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﺘﺮﻗﯿﻢ ، ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮم ﺑﻤﮭﺎم ﺣﻔﻆ اﻟﺘﺼﺎرﯾﺢ وطﺒﻌﮭﺎ واﻟﺮﺟﻮع إﻟﯿﮭﺎ ﻟﻠﻤﻌﺎﯾﻨﺔ واﻟﺘﻌﺪﯾﻞ واﻟﻄﺒﻊ.
ﺗﺤﺮﯾﺮ اﻟﺘﺼﺎرﯾﺢ ﺑﺎﻟﺘﺮاﺟﻊ أو إﻟﻐﺎء اﻟﺒﯿﻊ
طﺒﻊ ﻧﻤﺎذج ﻟﻠﺘﺼﺎرﯾﺢ ﺑﺎﻟﺒﯿﻊ أو اﻹﻟﻐﺎء ﻓﺎرﻏﺔ




ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺗﺴﻴﻴﺮ ﺷﺒﺎك ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺴﻴﺎرات
ﯾﻘﻮم ھﺬا اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﺑﺘﺴﯿﯿﺮ ﺷﺒﺎك ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺴﯿﺎرات ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺒﻠﺪﯾﺎت وﯾﺴﺎﻋﺪ اﻟﻤﻮظﻔﯿﻦ ﻓﻲ ﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﻼزﻣﺔ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﺳﺮﯾﻌﺔ وﺳﮭﻠﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺴﮭﯿﻞ اﻟﺨﺪﻣﺔ ﻟﻠﻤﻮظﻔﯿﻦ وﻣﺎﻟﻜﻲ اﻟﻤﺮﻛﺒﺎت ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺳﻮاء.
ﻣﮭﺎم اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ: ﯾﻘﻮم ھﺬا اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﺑﺎﻟﻤﮭﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ:
ﺗﻮﻓﯿﺮ اﺳﺘﻤﺎرات طﻠﺐ ﺗﺴﺠﯿﻞ اﻟﻤﺮﻛﺒﺎت، وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ ﻧﻤﺎذج اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﻔﺎرﻏﺔ.
ﺣﺠﺰ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻤﺮﻛﺒﺎت ﻣﻦ أﺟﻞ طﺒﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ: - وﺻﻞ اﻟﺴﯿﺮ اﻟﻤﺆﻗﺖ - اﺳﺘﻤﺎرة ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺗﺴﻠﻢ ﻟﻠﻤﺎﻟﻚ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺿﯿﺎع وﺛﺎﺋﻖ اﻟﻤﺮﻛﺒﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﺳﺘﺼﺪار اﻟﺘﺼﺮﯾﺢ ﺑﺎﻟﻀﯿﺎع ﻣﻦ اﻟﺠﮭﺎت اﻟﻤﺨﺘﺼﺔ - اﺳﺘﻤﺎرة ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺗﺴﻠﻢ ﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻷﻣﻦ واﻟﺠﮭﺎت اﻟﻘﻀﺎﺋﯿﺔ.
وﺿﻊ ﻧﺎﻓﺬة ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﺣﺘﺴﺎب اﻟﻄﻮاﺑﻊ اﻟﻤﺴﺘﺤﻘﺔ وﻛﺬﻟﻚ رﺳﻢ ﻧﻘﻞ اﻟﻤﻠﻜﯿﺔ أو رﺳﻢ ﺑﯿﻊ اﻟﻤﺮﻛﺒﺔ اﻟﻤﺤﺼﻠﺔ ﻟﻔﺎﺋﺪة اﻟﺨﺰﯾﻨﺔ اﻟﻌﻤﻮﻣﯿﺔ.


ﺗﺴﯿﯿﺮ وﺣﻔﻆ اﻷرﺷﯿﻒ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ اﻟﺬﻛﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ.




Download

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا





*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************




======================
شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق





برنامج نفقات المهام والتنقلات لكافة المؤسسات والادارات العمومية مجاني كامل لتسيير 




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





برنامج مجاني كامل لتسيير نفقات المهام والتنقلات لكافة المؤسسات والادارات العمومية




البرنامج عبارة عن قرص ISO للحرق مباشرة




=============================
الوصول الكامل
admin
1234
=============================
الوصول المحدود
user
0000
=============================
download تحميل

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا





*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




======================
رابطة رقم 2 رابطة رقم 2 رابطة رقم 2





برنامج تسيير البطاقات المهنية 2.0




أﻧﻈﻤﺔ وﯾﻨﺪوز 32 بت، تعيين الفرنسية كلغة محلية في لوحة التحكم.
هاتف المبرمج 0778-08-42-56
هذه هي تطبيقة البطاقات المهنية بعد تعديلها مراعاة لمرسوم اويحي الاخير. اريد ان انوه/
لا تستعمل التطبيقة الا بعد استشارة رئيس البلدية
هناك ثلاث نماذج للبطاقات المهنية حيث هناك نموذج اقتصادي في الحبر.
يمكن استعمال السمة او theme في طبع الشارات كما تم ارفاق التطبيقة بمجلد يحوي نماذج اخرى يمكن استعمالها وهذا بوضعها مباشرة في المجلد thème
طبع عبارة على السلطات الامنية....الخ يجب مراعاة احكام المادة 11 من مرسوم اويحي فهي مخصصة لاصحاب المناصب العليا المعينين بمرسوم.
في win7 من الاحسن تنصيب BDE الملف مرفق بالتطبيقة اسمه installBorlandDatabase
كلمة المرور 0000


للتغيير اسم البلدية افتح الملف Code.text من التطبيقة الملف مرفق.




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]









للتحميل هنا

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا





*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




======================
الوردة الزرقاء الوردة الزرقاء الوردة الزرقاء





برنامج شهادة العمل و الأجر ATS 3.0




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





Download

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا





*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




======================
رابطة رقم 2 رابطة رقم 2 رابطة رقم 2





النماذج الجديدة لوثائق الحالة المدنية بالفرنسية مع الرمز الشريطي 7.9




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





المبرمج توفيق بغامي
متطلبات التشغيل ويندوز 10/8/7
هاتف المبرمج 0668.61.34.34
تطبيقة حجز و طباعة وثائق الحالة المدنية
بالفرنسية ( ميلاد – زواج- وفاة)
بالنماذج الجديدة و الرمز الشريطي 2018




المطبوعات الجديدة:




1- في حالة استعمال التطبيقة لأول مرة:
- قم بتثبيت الخط المرفق IDAutomationHC39M Code 39 Barcode او نسخه في المجلد C:\Windows\Fonts​
- قم باسترجاع قواعد البيانات المرفقة على جهاز الخادم للحالة المدنية ( ملاحظة : يجيب استرجاع قواعد البيانات كلها ميلاد – زواج – وفاة ) ​
- قم بنسخ التطبيقات المرفقة :​
Pool Nais3.3: لحجز المعطيات الميلاد​
Pool mariage3.0 : لحجز الزواج​
Pool deces2.3 : لحجز الوفيات​
Imprime acte fr 7.9 لطبع وثائق الحالة المدنية وفق النموذج الجديد ( ملحق 01 ؛ 05؛06؛07؛09)​
التحديث في التطبيقة هو اضافة الرمز الشريطي​
2- في حالة استعمال التطبيقة من قبل:
فقط قم بنسخ التطبيقات.​












قواعد البيانات يتم تنصيبها على خادم البلدية من قبل المهندس أو التقني المسؤول عن ذلك
مرفق مع البرنامج ملف word لتوضيح كيفية التنصيب




download تحميل

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا





*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************




======================
شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق





برنامج الدفتر العائلي 7.5




معلومات إضافية السجل
المبرمج توفيق بغامي
متطلبات التشغيل ويندوز 10/8/7
هاتف المبرمج 0668.61.34.34
تطبيقة رقمنة الدفتر العائلي​
التعريف بالتطبيقة :




مبدأ عمل التطبيقة هو حجز بيانات الدفتر العائلي و استخراج كل الوثائق المستخرجة بواسطته – شهادة عائلية باللغتين، شهادة عدم الزواج و عدم الطلاق باللغتين..الخ. كما سياسعدك البرنامج في تخزين بيانات المواطنين غير مولودين بالبلدية (لاستعمالها في الانتخابات، في الحج، ...)
- الحجز : يكون يدوي عندما يكون عقد الزواج غير مسجل بالبلدية .
نصف آلي : عقد الزواج غير مسجل بالبلدية مع احد الزوجين مولود بالبلدية او كليهما
آلي : عندما يكون عقد الزواج مسجل بالبلدية مع امكانية التعديل
- إمكانية تحويل البيانات المحجوزة الى قاعدة البيانات الوزارة.


لتثبيت التطبيقة يجب استرجاع قاعدة البيانات المرفقة على جهاز الخادم للحالة المدنية




قواعد البيانات يتم تنصيبها على خادم البلدية من قبل المهندس أو التقني المسؤول عن ذلك






مرفق مع البرنامج ملف word لتوضيح كيفية التنصيب




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]







download تحميل

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا





*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




======================
الوردة الزرقاء الوردة الزرقاء الوردة الزرقاء





برنامج امر دفع غرامة 2500 1.0.0




download تحميل

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا





*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
****
*****************

*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




======================
شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق





تطبيق شهادة العزوبة EC4 بالفرنسية 2.0




المبرمج بولعسل رفيق ﺑﻠدﯾﺔ اﻟﺷﻘﻔﺔ ولاية ﺟﯾﺟل
متطلبات التشغيل ويندوز 10/8/7، تعيين الفرنسية كلغة محلية في لوحة التحكم.
هاتف المبرمج 0778-08-42-56
مميزات البرنامج




حجز و طباعة EC4
حفظ و استرجاع قاعدة البيانات
خيارات متعددة لادارة طريقة الطباعة.


طريقة عمل مبسطة




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





للتحميل هنا

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا





*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




======================
رابطة رقم 2 رابطة رقم 2 رابطة رقم 2





تطبيق عقود الحالة المدنية بالفرنسية بالنسبة للمولودين خارج البلدية 1.0.0




المبرمج بولعسل رفيق ﺑﻠدﯾﺔ اﻟﺷﻘﻔﺔ ولاية ﺟﯾﺟل
متطلبات التشغيل ويندوز 10/8/7، تعيين الفرنسية كلغة تنسيق محلية في لوحة التحكم
تطبيق عقود الحالة المدنية بالفرنسية بالنسبة للمولودين خارج البلدية،
هو اول تطبيق من نوعه بعد تعليمة الوزارة التي تطلب من مصالح لحالة المدنية استخراج مثل هذه الوثائق وان كانت الوثيقة مقيدة في سجلات بلدية اخرى.
التطبيق يتيح حجز وطبع الوثائق التالية EC1-EC5-EC6-EC7-EC9
بالنسبة للوثيقتين EC5 و EC6 مستخرج من الاحكام الجماعية ومستخرج من السجل الاصلي. هذه الوثائق غير متاحة على السجل الاوثماتيكي الوطني للحالة المدنية لهذا فقد وضعتهما على التطبيق والقرار لضابط الحالة المدنية ان اراد العمل بهما او لا.
يمكن للتطبيق ايضا العمل في الملاحق البلدية لانه متحرر من اي شبكة او خادم محلي. كما يمكن استعماله ايضا لاستخراج الوثائق المقيدة في سجلات البلدية (محلية).
تم تصميم النماذج داخل التطبيق مما اعطى لها وضوح تام اثناء الطبع. وزود التطبيق بنماذج فارغة.
اكثر من مئة ساعة عمل بين تصميم وضبط العناصر مع تحرير الاف اسطر التعليمات، ومراجعة لكل وظائف التطبيق . غير ان هذا لا يجعل هذا المولود الجديد خال من العيوب فنحن بشر نخطئ ونصيب، فالتطبيق في نسخته التجريبية واتمنى ان يساعد الموظفين على اداء مهامهم.


بالتوفيق للجميع




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





download تحميل

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا





*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************




======================
رابطة رقم 2 رابطة رقم 2 رابطة رقم 2





برنامج جديد مستقل لحجز و طباعة الشهادات العائلية




Download

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا





*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




======================
الوردة الزرقاء الوردة الزرقاء الوردة الزرقاء





برنامج تسيير الشؤون الاجتماعية مع الكود بار 2.0.0








المبرمج بوسعيد مصطفى
متطلبات التشغيل ويندوز 10/8/7
هاتف المبرمج 049.97.31.28
برنامج متعدد المهام للتسهيل على الزملاء لطباعة مختلف وثائق الشؤون الاجتماعية للبلديات مع الرمز الشريطي Code Bar




البرنامج يمكنك من تسيير و طباعة مايلي:
شهادة عدم الإحتراف
الوكالات
التصريح الأبوي
شهادة التكفل العائلي
التصاريح الشرفية
يمكن تغيير إعدادات البلدية
إمكانية تسمية عناوين الوثائق






البرنامج سيتم تطويره و تحديثه باستمرار ان شاء الله ... أي اقتراحات يرجى استخدام نموذج اتصل بنا




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]









download تحميل

المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا





*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




او من هناااااااا




*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************


*********************




======================




يتبع يتبع يتبع يتبع





../..




.....




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : ans


التوقيع
ــــــــــــــــ


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالسبت 12 يونيو - 22:29
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 19645
تاريخ التسجيل : 10/08/2013
رابطة موقعك : https://ouargla30.ahlamontada.com
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **

برنامج الشامل لكافة وثائق الحالة المدنية بالفرنسية و مع الكودبار


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


بعد التنصيب اذهب للقرص C و ستجد المجموعة هناك في المجلد Office APC


ما يتم استخراجه مع هذه المجموعة


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




للتحميل هنا
المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


======================
شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق


برنامج سندات الطلب 1.0.4.0 النسخة الفرنسية


download تحميل
المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


======================


برنامج جديد و مجاني لتسيير و حجز و طباعة سندات الطلب في المؤسسة العمومية​


للتحميل هنا
المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


======================
الوردة الزرقاء الوردة الزرقاء الوردة الزرقاء


تطبيق تصريح بيع المركبات 2021 6.0


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


تطبيق تصريح بيع المركبات نسخة 4.0
مصمم التطبيق بولعسل رفيق الشقفة جيجل


كود تغيير إعدادات البلدية
code activation

022021Q10BL1807


مميزات البرنامج


حجز و طباعة EC4
حفظ و استرجاع قاعدة البيانات
خيارات متعددة لادارة طريقة الطباعة.

طريقة عمل مبسطة


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




للتحميل هنا
المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


======================
شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق


تطبيق تسيير عتاد الحظيرة البلدية 2.0.0


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


نظرة عامة تحديثات (1) السجل
المبرمج بولعسل رفيق ﺑﻠدﯾﺔ اﻟﺷﻘﻔﺔ ولاية ﺟﯾﺟل
متطلبات التشغيل ويندوز 10/8/7، تعيين الفرنسية كلغة تنسيق محلية في لوحة التحكم
هاتف المبرمج 0676-30-87-93
تسيير عتاد الحظيرة​


تطبيق بسيط وفعال لتسيير ومتابعة عتاد الحظيرة البلدية
حجز بيانات العتاد
مراقبة حالة الحظيرة وهذا بتزويد المستخدم بمختلف بيانات العتاد
وضع جداول تصنيف للعتاد من حيث النوع والعلامة والمهام الخ
متابعة العتاد من حيث الصيانة الدورية للمحرك الزيت الفلترات الشمعات الخ
وضع نظام لتتبع العتاد اثناء الدخول والخروج من ورشة الصيانة
طبع بطاقات تقنية للعتاد وطبع القوائم حسب كل حالة او تصنيف
استعمال سهل للتطبيق




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




download تحميل
المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


======================
الوردة الزرقاء الوردة الزرقاء الوردة الزرقاء


برنامج تسيير المخزون


للتحميل هنا
المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
*********************


======================
رابطة رقم 2 رابطة رقم 2 رابطة رقم 2


شهــادة العـمــل و الأجــــر  (اكسال)  ATTESTATION DU  TRAVAIL  ET  DE  SALAIRE


كشف الراتب شهادة العمل والأجر


للتحميل هنا
المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا

*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
*********************


او من هناااااااا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************

*********************




======================
موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** 2022168246 موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** 2022168246 موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** 2022168246


لمستخدمي الأجور.. دوال حصرية و مفيدة جدا للمساعدة في الحساب الآلي


----------------------
المبرمج بوسعيد مصطفى
هاتف المبرمج 049.97.31.28
السلام عليكم
بعض الدوال المفيدة لللإستخدام مع Excel أو Access و هي جهد شخصي و إن شاء الله توفي المطلوب
ستجدون في الأخير ملف ماكرو جاهز للإدراج
في حالة الإدراج اليدوي يتم إدراجها عن طريق Module جديد


الدوال هي لحساب مايلي:


الأجر القاعدي - الخبرة المهنية - المنحة الجزافية - منحة المنطقة حسب جدول 1989


***************************
الأجر القاعدي و صيغتها
Code:
=saler(رقم الخلية)
محتوى مخفي: الدالة saler
حساب الخبرة المهنية وصيغتها
***************************
Code:
=IEP(خلية الصنف;خلية الدرجة)
مثلا:
Code:
=IEP(P10;P11)
***************************
محتوى مخفي: دالة الخبرة IEP
دالة المنحة الجزافية و صيغتها
Code:
=IFC(خلية الصنف)
***************************
محتوى مخفي: الدالة IFC
دالة منحة المنطقة و صيغتها
Code:
=icr(رقم خلية الصنف القديم)


محتوى مخفي: الدالة ICR
---------------------------

***************************


للتحميل هنا
المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

*********************
*********************
======================
شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق شكرا لك بالتوفيق


دالة حساب الضريبة IRG 2020 للاستخدام الجاهز و الحساب التلقائي مع Windev و اكسل و أكسس كماكرو مضمن


السلام عليكم​


دالة حساب الضريبة IRG 2020 للاستخدام الجاهز و الحساب التلقائي مع Windev و اكسل و أكسس كماكرو مضمن


*****************************
الضريبة و صيغتها
Exemple dans MS Excel:
=IRG_New(رقم الخلية)


--------------------------------
VBA​


VBA:
' IRG 2020 Function By Boussaid Mustafa
' APC SALI 2020
Function IRG_New(moTr)


moTr = (Int(moTr / 10)) * 10


Select Case moTr
    Case 0 To 30000: IRG_New = 0
    Case 30010 To 34999: IRG_New = (moTr - 30000) * 0.8
    Case 35000 To 120000: IRG_New = 2500 + ((moTr - 30000) / 10) * 3
    Case Is > 120000: IRG_New = 29500 + ((moTr - 120000) / 10) * 3.5
End Select


End Function
--------------------------------
WINDEV PROCEDURE​
مثال الاستخدام:
Exemple Usage:
SAI_Irg = IRG_2020(SAI_Brut)
--------------------------------
الجنوب الكبير:
Grand Sud:
SAI_Irg = IRG_2020(SAI_Brut)/2
--------------------------------
PROCEDURE​


WINDEV:
// IRG 2020 PROCEDURE By Boussaid Mustafa
// APC SALI 2020
PROCEDURE irg_2020(i is currency)
--------------------------------
cyIrgn is currency
p is currency = IntegerPart((IntegerPart(i))/10)*10
--------------------------------
SWITCH i
    CASE 0 TO 30000: cyIrgn = 0
    CASE 30010 TO 34999: cyIrgn = (p - 30000) * 0.8
    CASE 35000 TO 120000: cyIrgn = 2500 + ((p - 30000) / 10) * 3     
    CASE > 120000: cyIrgn = 29500 + ((p - 120000) / 10) * 3.5
END


RESULT  cyIrgn
--------------------------------

*****************************
Download
المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا


*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
*********************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

*********************
======================








======================
رابطة رقم 2 رابطة رقم 2 رابطة رقم 2




برنامج مجاني كامل لتسيير نفقات المهام والتنقلات لكافة المؤسسات والادارات العمومية
البرنامج عبارة عن قرص ISO للحرق مباشرة


===========
الوصول الكامل
admin
1234
===========
الوصول المحدود
user
0000
===========














رابطة رقم 2 رابطة رقم 2 رابطة رقم 2


















[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





=




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : ans


التوقيع
ــــــــــــــــ


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Emptyالسبت 19 أغسطس - 21:44
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو الجوهرة
الرتبه:
عضو الجوهرة
الصورة الرمزية


البيانات
عدد المساهمات : 19645
تاريخ التسجيل : 10/08/2013
رابطة موقعك : https://ouargla30.ahlamontada.com
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **



موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **

تحميل برنامج تسيير الشؤون الاجتماعية مع الكود بار 2.0.0


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




download تحميل
المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا  المحتوى مخفي ضع ردا
----------------
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
----------------
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
----------------
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
----------------

----------------
او من هنااااااااااا  التحميل
----------------
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
----------------
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
----------------
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
----------------


----------------










رابطة رقم 2 رابطة رقم 2 رابطة رقم 2






























[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




==============




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : ans


التوقيع
ــــــــــــــــ


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



الكلمات الدليلية (Tags)
موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **, موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **, موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر **,

الإشارات المرجعية

التعليق على الموضوع بواسطة الفيس بوك

الــرد الســـريـع
..
آلردودآلسريعة :





موسوعة خطب المنبر ** موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر ** Collapse_theadتعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

اختر منتداك من هنا



المواضيع المتشابهه

https://ouargla30.ahlamontada.com/ منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب