ماذا يحدث الآن في العراق
تشهد العراق الآن ثورة شعبية عارمة تشارك فيها جميع طوائف المجتمع العراقي، ضد نظام المالكي الطائفي، بدأت أحداثها يوم الثلاثاء 10 يونيه 2014م حيث سيطر الثوار السنة وبعض المقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على الموصل (شمال العراق) ثاني أكبر مدن العراق بعد بغداد، ثم توالت الأحداث سراعًًا -نتيجة تهاوي جيش المالكي الرافضي وميلشياته، فقد أحكم الثوار سيطرتهم بالكامل على محافظات كبيرة، مثل: محافظة نينوى شمال العراق ومركزها الموصل ومحافظة صلاح الدين ومركزها تكريت شمال غرب بغداد، ومحافظة الأنبار غرب العراق ومركزها الرمادي جنوب غرب الإقليم السني.
وحاليًا هناك مواجهات عنيفة بين ثوار العشائر من أهل السنة وجيش المالكي الرافضي في سامراء وتكريت وديالي، كما دمَّر ثوار العشائر العراقية رتلا عسكريا لجيش نوري المالكي على الجسر الياباني شمال مدينة الفلوجة، كما سيطر الثوار على مدينة تلعفر في محافظة نينوى شمال العراق بعد قتال عنيف مع القوات الحكومية والميليشيات، والهدف المعلن الآن من قبل الثوار هو الوصول إلى بغداد، وهناك أخبار تفيد أن الحزام الدائري حول بغداد (المناطق المحيطة بالعاصمة بغداد) قد أصبح بيد ثوار العشائر، مما جعل العصابات الشيعية المؤيدة للمالكي تقوم بحفر خنادق على طول المداخل الشمالية للعاصمة العراقية بغداد، وتحديدًا عند قضاء التاجي.
إيران والثورة السنية العراقية
ومع تقدم ثوار العشائر بقوة في العراق واقترابهم من العاصمة بغداد، شعر الإيرانيون بالخطر على دولتهم الفارسية الشيعية؛ فقد فتحت طهران أبواب التطوع لمواطنيها للقتال في العراق تحت دعوى حماية "عتبات الشيعة المقدسة". وأكد الرئيس الإيراني الرافضي حسن روحاني أن بلاده لن تقف صامتة وهي ترى ما أسماه "الإرهاب" يسيطر على العراق، حتى أن آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني أفتى بما سماه الجهاد الكفائي أي بحمل السلاح للتطوع في صفوف القوات الأمنية للدفاع عن العراق، بل إن أحد أعضاء اللجنة المركزية للجبهة الوطنية الإيرانية دعا بلاده الرافضية إلى احتلال شريط بمحاذاة الحدود الإيرانية في عمق الأراضي العراقية بهدف مواجهة الثوار السنة، وقال بأن إيران "ستواجه عاصفة دموية ومدمرة أسوأ من تلك التي حدثت في "القرنين الأول والثاني للهجرة"، في إشارة منه للفتح العربي الإسلامي".
بل إن هناك أخبار أن مليشيات أبي الفضل العباس وعصائب أهل الحق العراقية تنسحب من سوريا لمقاتلة ثوار العشائر، والكل شاهد الزعيم الرافضي عمار الحكيم، وهو يحمل السلاح في إشارة إلى حرب طائفية، بل إن المالكي نفسه أعلن الحرب الطائفية صريحة جليَّة عندما قال: "المعركة لا زالت مستمرة بين أنصار الحسين و أنصار يزيد!!!"، ومؤخرا نعت مواقع وصفحات إيرانية على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أحد المرتزقة الإيرانيين الذين لقوا مصرعهم على أيدي ثوار العشائر في العراق. وذكرت أنه قتل "شهيدا دفاعا عن كربلاء المقدسة والأراضي العراقية". ووصف ناشر القتيل بأنه "أول شهيد للجبهة اللوجستية الشيعية التي تقاتل في العراق" .
داعش والثورة العراقية
وإذا كان ثوار العشائر السنية قد حققوا انتصارات باهرة في العراق، فماذا عن نصيب داعش منها وهل لذلك علاقة بالموقف الإيراني والأمريكي ؟
كما أوضحنا في المقال السابق أن من دخل الموصل هم ثوار العشائر السنة ومعهم بعضًا من قادة الجيش العراقي السابق وقوات من داعش، وهو ما أكده محافظ نينوى أثيل النجيفي.
وما إن تقدم ثوار العشائر ودخلوا الموصل في عصر يوم العاشر من يونيه 2014م حتى ملأ اسم داعش عناوين الأخبار والصحف والمواقع الإلكترونية، وخرج المالكي يستغيث بصديقه الأمريكي محذرا إياه من الإرهاب الداعشي، وعلى هذه الوتيرة رددت القنوات والصحف الموالية للمالكي وإيران. فلِماذا ؟
إن تركيز المالكي ولسانه الإعلامي على داعش وإغفالهم دور الثوار والعشائر السنية له عدة تبريرات، منها أنه يريد أن يضع تبريرا للتدخل الإيراني والأمريكي ضد ما يسمى بالإرهاب من جهة، ومن جهة أخرى يبرر التعامل بعنف مع القوات السنية، وقد أفادت تقارير إخبارية أن طيران جيش المالكي واصل قصفه لمناطق متفرقة من مدينة الفلوجة غربي بغداد، وقام بقطع المياه والكهرباء عنها، وقد ارتكب الجيش الطائفي الأحد 15 يونيه 2014م فظائع وعمليات إعدام جماعية في مدينة سامراء، أسفرت عن مقتل أربعة عشر شخصا. فضلًا عن أن حكومة المالكي حجبت مواقع التواصل الاجتماعي في كل أنحاء العراق. بما فيها خدمات تويتر وفيسبوك وواتس أب.
حقيقة الوضع في العراق
وأما عن حقيقة الوضع في العراق فهو ما تبرزه الحقائق الميدانية والبيانات الرسمية للعشائر السنية المجاهدة، ففي يوم الأربعاء 11 من يونيه 2014م قام الشيخ علي الحاتم أمير عشائر الدليم بإصدار بيان باسم ثوار عشائر الأنبار حيَّ فيه ثوار العشائر السنية في الموصل والمحافظات العراقية الثائرة، والغريب أن بيان ثوار العشائر في الأنبار دعا إلى مقاتلة داعش والميلشيات الحكومية الطائفية، فهم والإرهاب سواء !!.
كما أصدرت هيئة علماء المسلمين بالعراق يوم الخميس 12 يونيه 2014م بيانًا واضحًا وجليًَّا، قالت فيه: "ولنكن صرحاء، الثورة ثورة شعب، ولا يمكن لأي فصيل أن يزعم بأن الثورة له فبعد سنين من المعاناة والاضطهاد نظم العراقيون تظاهرات سلمية في 25/2/2011 في 16 محافظة من أصل 18، قمعها المالكي بعد أشهر بقوة الحديد والنار بتواطؤ من المجتمع الدولي ..، فلم يكن أمام العراقيين سوى الرد بالأسلوب نفسه، فالثورة ثورة شعب، وأي فصيل، أو جماعة تزعم أن الثورة لها فهي واهمة. إن ما يقوم به اليوم الإعلام العالمي من التركيز على فصيل بعينه، وحجب الإعلام عن فعاليات بقية الثوار، لأسباب لا تخفى على أحد، في مقدمتها استعداء العالم ضد الثورة في سبيل إجهاضها؛ لعبة مكشوفة لا تغير من الواقع شيئا، وهو أن المتظاهرين العراقيين هم أصل الثورة، ومادتها الرئيسية وحاضنتها أولًا وآخرًا".
وقد أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السبت 14 يونيه 2014م بيانًا ذكر فيه أن ما يحدث في العراق ثورة عارمة لأهل السنة، جاءت نتيجة لسياسات الظلم والإقصاء، ويحمل حكومة المالكي المسئولية عما وصل إليه العراق، ويندد بالفتاوى الطائفية التي تدعو إلى قتال العراقيين بعضهم لبعض.
وقد أكد مفتي الديار العراقية لأهل السنة العلامة رافع الرفاعي أن ما جرى في الموصل وتكريت وغيرها من المناطق هو ثورة العشائر السنية وليس مقاتلي داعش. هدفها تحرير العراق –خاصة أهل السنة- من سيطرة الطاغية نوري المالكي. وأكد الرفاعي أن إقحام "داعش" في كل شيء، هو شماعة يعلق عليها السياسيون العراقيون فشلهم في تحقيق الأمن، إضافة إلى أنها باتت مبررا للانقضاض على السنة في الأنبار وغيرها من المناطق الأخرى.
وإذا نظرنا إلى الموقف الأمريكي نجده سلبيًا تجاه استغاثة المالكي، فقد قال أوباما في مؤتمر صحفي من واشنطن عقد بشأن الأزمة في العراق: "لن نرسل قوات للعراق وحكومة المالكي مسئولة عن الأحداث .، يجب أن نتأكد أن داعش لن يبسط سيطرته في العراق .."، وهذه التصريحات السلبية ربما تعكس لنا ما لدى الاستخبارات الأمريكية من معلومات عن الوضع الثوري الحقيقي، فقد تبين لها أن داعش لا تمثل النسبة الكبرى داخل الثوار، وأن نسبة العشائر السنية تفوقها أضعافًا، كل ذلك جعل القرار الأمريكي متراجعًا، فأوباما لا يريد أن يدخل بلاده في حرب خاسرة مع الشعب العراقي الثائر، خاصة أن تكلفة الحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان تجاوزت الألف مليار، وبلا جدوى !!
كل هذا يؤكد لنا أن ما يحدث في العراق هو ثورة شعبية سنية كبيرة، تقوم بها العشائر السنية المجاهدة، وهذا لا يعني إغفال أي دور يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام –داعش، وإنما وضع الأمور في نصابها الصحيح .
وصدق الدكتور حاكم المطيري عندما قال: "لقد فشلت أمريكا في اختزال مشهد الثورة في العراق بداعش والإرهاب! وتحاول الآن اختزاله بفشل حكومة نوري الطائفية! بينما هي ثورة ضد الاحتلالين معا !!".
داعش خطر على المشروع السنيِّ
مما سبق: يتبيَّن لنا أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام –داعش، يمثل خطرًا حقيقيًا على المشروع الإسلامي السني، لما يتبنَّاه من أفكار ومعتقدات، تجعله ممثلًا للفكر التكفيري المتشدد في التاريخ الإسلامي، وهذا لن يجعلنا ننسى ما قدَّمه ذلك التنظيم في ميلاده من حركة جهاد كبرى ضد المحتل الأمريكي في العراق، غير أن السنوات الأخيرة منذ عام 2011م تجعلنا نتبرأ من أفعالهم التي خرجوا بها عن جادة الصواب وفكر الإسلام الوسطي- من قتل وتدمير وإرهاب واستباحة أعراض المسلمين والحكم بردة المجتمع الإسلامي، والشدة في تطبيق الشريعة الإسلامية، ومحاولة فرض الزي الداعشي ومن يخالفه يجلد، بل إنهم قد حكموا بجلد 70 جلدة كل من يتلفظ بكلمة داعش. وذلك فضلًا عن الدور السيئ الذي انتهجته في إضعاف الثوار المجاهدين في سوريا، وقتل قادة اللواءات والكتائب هناك. وقد رأينا في بيانهم الصادر ردًَّا على الظواهري إعلانهم ردة الجيوش العربية وأوضحوا أن مرسي وأردوغان والإخوان كفرة مرتدون عن الإسلام !!
داعش باختصار: إما أن تكون معنا، وإلا سنذبحك !!
ختامًا
أسأل الله تعالى أن يكتب النصر والخير لعراقنا العزيز، وأن يحفظه من كل سوء ومكروه، وأن يوفق المجاهدين فيه إلى الحق والوحدة والنصر.
[1] الترمذي: سنن الترمذي، تحقيق : أحمد محمد شاكر وآخرون، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، (2188)، قال الألباني : حسن صحيح.
[2] اقتصرت حركة الجهاد الإسلامي ضد الغزو الأمريكي على أهل السنة في العراق دون الشيعة، فلا يخفى على أحد الدور الذي لعبته المخابرات الإيرانية الرافضية والشيعة في العراق لتسهيل عملية الغزو الأمريكي.
[3] الكشف عن هوية زعيم تنظيم القاعدة في العراق - أبو بكر البغدادي. موقع السومرية العراقية/ الأربعاء 1 كانون الأول 2010م.
[4] أبو بكر البغدادي: إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري السامرائي، ولد في مدينة سامراء العراقية عام 1971م، ينحدر من عائلة متدينة تأخذ بالمنهج السلفي في فهم العقيدة الإسلامية، من وجهاء عشيرة البوبدري العراقية التي تعود أصولها إلى قريش، وأعمامه دعاة إسلاميون في العراق، هو خريج الجامعة الإسلامية في بغداد، درس فيها البكالوريوس، والماجستير والدكتوراه في الشريعة، وعمل أستاذاً ومعلماً وداعية، ضليع بالثقافة الإسلامية، والعلم والفقه الشرعي، ولديه اطلاع واسع على العلوم التاريخية والأنساب الشريفة، مرَّ هذا الشخص قبل تزعمه لتنظيم داعش على العديد من التنظيمات السلفية الجهادية في العراق، فأنشأ أول تنظيم أسماه "جيش أهل السنة والجماعة" بالتعاون مع بعض رفاقه في الخط والنهج الجهادي ، ونـَشَّط عملياته في بغداد وسامراء وديالى وبعض المناطق السنية الأخرى، ثم ما لبث أن انضم مع تنظيمه إلى مجلس شورى المجاهدين، إذ عمل على تشكيل وتنظيم الهيئات الشرعية في المجلس المذكور، وشغل أبو بكر البغدادي منصب عضو في مجلس الشورى، وجمعت أبي بكر البغدادي، علاقة وثيقة بأبي عمر البغدادي، وصلت إلى حد أن الأخير أوصى قبل مقتله بأن يكون أبو بكر البغدادي خليفته في زعامة الدولة الإسلامية في العراق، وهذا ما حدث في السادس عشر من أيار/ مايو 2010م، حيث نصّب أبو بكر البغدادي أميرا للدولة الإسلامية في العراق.
انظر: من هي "داعش"؟ وما هي أهدافها؟، موقع قناة العالم الفضائية، 7 يناير 2014م.
- د/ محمد علي الأحمد: تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"النشأة - التوسع – الدور المرسوم لها ضد الثورة السورية، موقع التاريخ، 2 مارس 2014م.
- أبو بكر البغدادي أخطر رجل في العالم، موقع النبأ الإخباري الدعوي.
[5] جبهة النصرة لأهل الشام، تقارير – موقع الجزيرة نت، 8 مايو 2012م.
- الدولة الإسلامية في العراق والشام، تقارير، موقع الجزيرة نت، 14 يونيه 2014م.
- ياسر الزعاترة: تنظيم الدولة في مواجهة غير مدروسة، موقع الجزيرة نت، 19 يناير 2014م.
- د/ محمد علي الأحمد: تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"النشأة - التوسع – الدور المرسوم لها ضد الثورة السورية، موقع التاريخ، 2 مارس 2014م.
[6] القاعدة تعلن أن لا صلة لها بـتنظيم "داعش"، موقع فرانس 24، 3 فبراير 2014م.
- داعش تهاجم الظواهري وتنفي أنها فرع للقاعدة وتبين موقفها من أحداث مصر، موقع CNN بالعربية، 12 مايو 2014م.
[7] انظر: د/ محمد علي الأحمد: تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"النشأة - التوسع – الدور المرسوم لها ضد الثورة السورية، موقع التاريخ، 2 مارس 2014م.
- من هي "داعش"؟ وما هي أهدافها؟، موقع قناة العالم الفضائية، 7 يناير 2014م.
[8] هشام أبو مالك: داعش ما لها وما عليها، صحيفة الأمة الالكترونية، 14 يونيه 2014م.
- الائتلاف السوري يتهم "داعش" بأنها على "علاقة عضوية" مع النظام، موقع جريدة الحياة الالكترونية، 1 يناير 2014م.
- د/ محمد علي الأحمد: تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"النشأة - التوسع – الدور المرسوم لها ضد الثورة السورية، موقع التاريخ، 2 مارس 2014م.
[9] أخبار متفرقة حول الوضع في العراق من مواقع: الجزيرة – موقع قناة التغيير الفضائية - مفكرة الإسلام – المسلم.
[10] رسائل عاجلة إلى ثوار العراق، الموقع الرسمي لهيئة علماء المسلمين في العـــراق.
- الاتحاد يحمل حكومة المالكي المسئولية عما وصل إليه العراق، الموقع الرسمي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
- بيان ثوار العشائر في الأنبار، بثته القنوات الفضائية، ومنشور صوتا وصورة على الصفحة الرسمية للشيخ علي الحاتم أمير الدليم على الفيس بوك.
- بيان مفتي الديار العراقية العلامة رافع الرفاعي بخصوص الأحداث الجارية 11/6/2014م.
- مفتي الديار العراقية لـ"زمان الوصل": هذه ثورة "سنة العراق" لا "داعش"، جريدة زمان الوصل الالكترونية، 12 يونيه 2014م.
==============
==========
===
بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا