الحلم سيد الأخلاق
كان مِعن بن زائدة مثالا في الحلم والكرم، وكان لا يغيظ أحدا ولا أحد يغيظه، فقال بعض الشعراء: أنا أغيظه لكم ولو كان قلبه من صخر، فراهنوه على مائة بعير إن أغاظه أخذها وإن لم يغظه دفع مثلها، فعمد الرجل إلى جمل فذبحه وسلخه ولبس الجلد مثل الثوب وجعل اللحم من الخارج والشعر من الداخل والذباب يقع عليه ويقوم، وليس برجليه نعلين من جلد الجمل، وجلس بين يدي معن بن زائدة على هذه الصورة ومد رجليه في وجهه وقال:
أنا والله لا أبدي سلاما
على معين المسمى بالأمير
فقال له معن: السلام لله، إن سلمت رددنا عليك، وإن لم تسلم ما عتبنا عليك.
فقال:
ولا أنزل بلادا أنت فيها
ولو حزت الشآم مع الثغور
فقال معن: البلاد بلاد الله إن نزلت فمرحبا بك، وإن رحلت كان الله في عونك.
فقال:
وأرحل من بلاد ألف شهر
أجد السير في أعلى القفور
فقال معن: مصحوبا بالسلامة.
فقال:
أتذكر إذ قميصك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعير
فقال معن: أعرف ذلك ولا أنكره.
فقال:
وتهوى كل مصطبة وسوق
بلا عبد لديك ولا وزير
فقال معن: ما نسيت ذلك يا أخ العرب.
فقال:
ونومك في الشتاء بلا رداء
وأكلك دائما خبز الشعير
فقال معن: الحمد لله على كل حال.
فقال:
وفي يمناك عكاز قوي
تذود به الكلاب عن الهرير
فقال معن: ما خفي عليك خبرها إذ هي كعصا موسى.
فقال:
فسبحان الذي أعطاك ملكا
وعلمك القعود على السرير
فقال معن: ذلك بفضل الله لا بفضلك.
فقال:
فعجل يا ابن ناقصة بمال
فإني قد عزمت على المسير
فأمر له بألف دينار.
فقال:
قليل ما أمرت به فإني
لأطمع منك بالشيء الكثير
فأمر له بألف دينار أخرى.
فقال:
فثلت إذا ملكت الملك رزقا
بلا عقل ولا جاه خطير
فأمر له بثلاثمائة دينار.
فقال:
ولا أدب كسب به المعالي
ولا خلق ولا رأي منير
فأمر له بأربعمائة دينار.
فقال:
فمنك الجود والإفضال حقا
وفيض يديك كالبحر الغزير
وما زال يطلب منه الزيادة حتى أخذ ما قدر له وانصرف متعجبا من حلم معن وعدم انتقامه منه، ثم قال في نفسه: مثل هذا لا ينبغي أن يُهجى بل يمدح واغتسل ولبس ثيابه ورجع إليه، فسلم عليه ومدحه واعتذر له بأن الحامل له على هجوه المائة البعير التي صار الرهن عليها نظر إغاظته له، فأمر له بمائة بعير يدفعها نظير الرهن وبمائة بعير أخرى لنفسه فأخذها وانصرف. [بهجة المجالس لابن حبان: تعليق إبراهيم الحازمي].
=======
بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا