العقوبات وأضرارهاعلى المعلم الناجح أن يجتنب العقوبات المادية، وذلك لأنها خطر على الطالب وعلى المعلم كذلك، وإضاعة لوقته، حيث إن الطالب قد يتضرر من ضرب المعلم له، مما يسبب الوحشة بينه وبين معلمه، وقد يتطور الحال إلى تعرض المعلم للمسئولية أمام المفتش والمحاكم الجزائية، وولي الطالب المضروب، مما يسيء إلى سمعته ومكانته ودوره في خدمة أمته، ويندم المعلم عندئذ حين لا ينفعه الندم، فيضطر إلى وضع الوسطاء لحل مشكلته، وقد لا تحل إلا بالمحاكم الجزائية، فينال جزاء ما اقترفت يداه، وكل هذا سببه استعمال العقوبات المادية، ولذلك فقد قرر المسئولون منع هذه العقوبات؛ فوجب الانتهاء عنها وتحاشي الوصول لاستخدامها، إلا في حالة الضرورة القصوى كتأديب بعض الطلاب المنحرفين الذين لا ينفع معهم غير ذلك، أو لحفظ هيبة الدرس ونظامه بعد أن يكون المعلم قد قدم النصائح والتوجيهات لهؤلاء الطلاب فلم يرتدعوا، وذلك كما يقول المثل العربي: «آخر الدواء الكي».
* * * *
أضرار العقوبات المادية
1- عرقلة سير الدرس وتأخيره على الطلاب جميعًا.
2- انفعال المعلم والطالب أثناء العقوبة وتأثير ذلك عليهما معًا.
3- احتمال وقوع الضرر للطالب المضروب في وجهه أو عينه أو أُذنه أو غير ذلك من الجروح والأعضاء.
4- قطع فهم الدرس على الطالب المعاقب.
5- قطع سلسلة أفكار المعلم حين العقوبة.
6- تعرض المعلم للمسئولية أمام المحاكم والأهالي والمفتش.
7- ضياع الوقت على الطلاب وتأثرهم بما يجري في الدرس.
8- فقد التبجيل والاحترام المتبادل بين الطالب ومعلمه.
العقوبات الممنوعةإذا احتاج المعلم إلى العقوبة أحيانًا فعليه أن يجتنب ما يلي:
1- الضرب على الوجه:وذلك شائع بين المعلمين، حيث يضربون الطالب على وجهه، وربما أصاب أحدهم عينه أو أذنه، وتعرض للمسئولية والمحاكمة ودفع الغرامة، وكان سببًا في تعطيل أحد حواسه، ولذلك فقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن ضرب الوجه فقال: «إذا ضرب أحدكم خادمه فليتقِ الوجه» "حديث حسن – انظر: صحيح الجامع 187".2- القسوة الشديدة:المعلم القاسي في ضربه يطلق عليه الطلاب اسمًا قاسيًا ويقولون عنه «فلان معلم ظالم»، وكفى بهذا الاسم شرًّا، فليس بعد الظلم والقسوة إلا الندم، فكم رأينا بعض الأساتذة يعتذرون لأولياء الطلاب والمسئولين بعد إنزال العقوبة القاسية على طلابهم. فالله الله معاشر المعلمين في فلذات الأكباد، ارفقوا بهم فإن الرفق كله خير. قال الرسول r: «من يُحرمَ الرفق يُحَرم الخير كله». "رواه مسلم".وقال r: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شأنه» "رواه مسلم".3- الكلام السيِّئ: على المعلم أن يجتنب ما يسيء إلى الطالب من ألفاظ نابية قد تسبب له نفورًا وانحرافًا، وربما كانت سببًا في انحرافه وميله للإجرام في المستقبل، فالمعلم الذي يقول للطالب: خبيث، معلون، مجرم ... وغيرها من الكلمات القاسية التي تجرح شعور الطالب، ويتعلمها بدوره ليقولها لرفيقه في المدرسة أو لأخيه في البيت، وتكون المسئولية على ذلك المربي الذي سنَّ لطلابه أن يتعلموا مثل هذا الكلام الذي لا يليق بمعلم أن يتفوه به، وفي الحديث الصحيح: «... ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرُها ووزر مَن عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا» "رواه مسلم وغيره".4- الضرب عند الغضب: قال أبو مسعود: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط، فسمعت صوتًا من خلفي «اعلم أبا مسعود» فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله r، فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود» قال: فألقيت السوط من يدي. فقال: «اعلم أبا مسعود، أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا» "رواه مسلم 1659"5- الرفس بالرجل: وقد رأيت بعض المعلمين يرفسون بأرجلهم ونعالهم، وربما أصاب ذلك الرفس محلاً خطيرًا أودى بحياة الطالب، وتقع المسئولية، ويندم حيث لا ينفع الندم، مع العلم أن الرفس ليس من شيمة الإنسان.
6- الغضب الشديد: على المعلم الناجح في درسه أن يملك أعصابه، ويدرك مزايا الطفولة ليعذر الأطفال في تصرفاتهم، وليتذكر عمله حين كان طالبًا في المدرسة، فربما كان أشد سوءًا في تصرفاته، فإذا تذكر المعلم ذلك خفَّ غضبه، وملك نفسه وكان شجاعًا حقًّا، فقد قال المربي الكبير محمد r: «ليس الشديد بالصُرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» "متفق عليه".وليحذر المربي سواء كان معلمًا أو أبًا أن يعاقب عند الغضب، لئلا يؤذي من يعاقبه، وتكون العاقبة السيئة، وعلى المعلم أن يسجل أسماء المخالفين ليعاقبهم آخر الدرس، وإني أعرف معلمًا لحق بولده ليعاقبه في حالة الغضب فخاف الولد وهرب، وقد عثر في هربه فصُدعت رجله، وحُمل إلى المجبر ليداويه، وندم الأب على عمله.
وقام بعض المدرسين بمعاقبة أحد طلابه في حالة غضبه، فجعل يسب ويشتم ويكفر!! والطلاب ينظرون إليه باحتقار، وإذا تكرر غضب المربي أمام طلابه، وعلا صياحه، وكثر هياجه، أثر في نفوس طلابه وغُرِست فيهم تلك العادة السيئة واقتدوا بمعلمهم في سلوكهم وأعمالهم، فأصبحوا يغضبون، ويشتمون وو...
علاج الغضب:إذا اعترى المربي الغضب فليسارع إلى الدواء الشافي الذي وصفه له الطبيب الخبير محمد r حيث قال: أ- «إذا غضب أحدكم فقال: أعوذ بالله؛ سكن غضبه» "صحيح - انظر صحيح الجامع 1708".ب- «وإذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع» "صحيح – انظر: صحيح الجامع 707".ومعلوم أن الغضب من الشيطان، وعلى الإنسان أن يستعيذ بالله منه لينصرف عنه، وفي تغيير وضع الغضبان من القيام إلى الجلوس فائدة عظيمة لصرف غضبه، ولا سيما الوضوء ففيه الأدوية المفيدة.
العقوبات التربوية المفيدةهناك عقوبات تربوية ناجحة يجدر بالمعلم نحو المخالفين لآداب الدرس ومكانة الأستاذ، وهي عقوبات تربوية مأمونة العواقب، مضمونة النجاح بمشيئة الله وهي على أنواع:
1- النصح والإرشاد: وهي طريقة أساسية في التربية والتعليم لا يستغنى عنها، وقد سلكها المربي الكبير مع الأطفال والكبار:
(أ) أما مع الأطفال، فقد رأى الرسول عليه السلام غلامًا تطيش يده في الطعام فقال له يعلمه طريقة الأكل: «يا غلام، سمَّ الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك» "متفق عليه".ولا يقولن أحد: إن هذه الطريقة قليلة التأثير مع الصغار، فقد جربتها بنفسي عدة مرات، فكان لها أطيب الأثر، وقد تقدم في موضوع التحذير من الأمور الضارة قصة الولد الذي كان يسبب الدين كيف نصحته وقبل النصح.
وحدثْ مرة حينما كنت سائرًا في الشارع مع أحد المعلمين، فرأينا طفلاً يبول في وسط الشارع فصاح به المعلم: ويلك ويلك ... لا تفعل، فَذُعِرَ الصبي وقطع بوله وهرب، فقلت لذلك المعلم: لقد أضعت علينا النصح لذلك الولد، فقال لي: وهل يجوز أن أترك الولد يبول في الشارع أمام الناس، قلت له: لا، فقال المعلم: وماذا تريد أن تفعل غير ذلك؟! قلت له: اترك الطفل حتى ينتهي من بوله، ثم ادعوه إليَّ، وأتعرف عليه، ثم أقول له: يا بني، إن هذه الشوارع طريق للمارة، لا يجوز فيها البول، وقريبًا منك مكان (دورة المياه)، فاحذر أن تعود لمثل هذا فأنت ولد مهذب، أرجو لك الهداية والتوفيق. فقال لي: هذه طريقة حكيمة ومفيدة، قلت له: هذه طريقة مربي الإنسانية محمد بن عبد الله r، وحدثته بقصة الأعرابي المشهورة التي تأتي الآن.(ب) أما النصح والإرشاد مع البالغين فأكبر مثال على تأثيرها قصة الأعرابي الآتية: عن أنس رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله r إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد. أصحاب الرسول r: (يصيحون به): مَهْ مَهْ (أي اترك).الرسول r: لا تُزرموه، دعوه (لا تقطعوا بوله).(يترك الصحابة الأعرابي يقضي بوله ثم يدعو الرسول الأعرابي).
الرسول (للأعرابي): إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن.
الرسول (لأصحابه): إنما بُعثتم مُيسَّرين، ولم تبعثوا مُعَسَّرين، صُبّوا عليه دلوًا من الماء.
الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا.
الرسول r: لقد تحجَّرت واسعًا (أي ضيقت واسعًا) "متفق عليه".2- التعبيس:يستطيع المعلم أن يعبس في وجه طلابه أحيانًا إذا رأى منهم فوضى ليحافظ على نظام الدرس وهيبته، فذلك خير من التساهل معهم أولاً، حتى إذا ما اشتطوا عاقبهم.
3- الزجر:كثيرًا ما يلجأ المربي إلى زجر أحد الطلاب الذين يكثرون الأسئلة لضياع الدرس، أو يستخفون بالمعلم، أو غير ذلك من الأخطاء التي يرتكبها الطالب، فإذا ما زجره وصاح به المعلم سكت وجلس بأدب، وهذه الطريقة استعملها الرسول المربي صلوات الله وسلامه عليه حين رأى رجلاً يسوق بدَنة.
الرسول r: اركبها.الرجل: إنها بدنة.
الرسول r: اركبها.(يركب الرجل البدنة يساير النبي r والنعل في عنقها). "رواه البخاري".4- الكف عن العمل:حينما يرى المعلم بعض الطلاب يتكلمون في الدرس فيطلب منهم الكف عن الكلام بصوت قوي، فقد طلب الرسول عليه السلام من الشخص الذي تجشأ في حضرته وقال له: «كُفّ عنا جُشاءك» "حسن – انظر: صحيح الجامع 4367".5- الإعراض: بإمكان المربي أن يُعرض عن ولده أو تلميذه إذا رأى منه كذبًا أو إلحاحًا في أسئلة غير مناسبة، أو غيرها من الأعمال الخاطئة، فيشعر المتعلم بإعراض معلمه أو أبيه عنه، فيرجع عن خطئه.
6- الهجر: على المربي أن يهجر ولده أو تلميذه إذا ترك الصلاة أو ذهب إلى السينما أو قام بعملٍ منافٍ لآداب الدرس، وأكثر الهجر ثلاثة أيام لقوله r: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» "صحيح – انظر: صحيح الجامع 753".فإن في الهجر تأديبًا للابن وللطالب معًا، قال الشاعر:يا قلب صبرًا على هجر الأحبة لا
|
| تجزع لذاك فبعض الهجر تأديب
|
7- التوبيخ: للمربي أن يوبخ ولده أو طالبه إذا اقترف ذنبًا كبيرًا، ولم يؤثر فيه النصح والإرشاد.
8- جلوس القرفصاء: إذا ضاق المعلم بأحد الطلاب ذرعًا لكسله، أو وقاحته أو غير ذلك فليخرجه من مكانه وليجلسه أمامه جلوس القرفصاء على قدميه، ويرفع يديه إلى الأعلى، وهذا ما يتعب التلميذ ويكون ذلك عقوبة له، وذلك أفضل بكثير من معاقبته باليد أو العصا.
9- عقاب الأب: إذا تكرر الخطأ من الطالب فيرسل المعلم إلى وليه، ويكلفه معاقبته بعد أن ينصحه، وبذلك يتم التعاون بين المدرسة والبيت على تربية الطالب.
10- تعليق العصى:يستحب للمعلم والمربي والأب أن يعلق السوط الذي يضرب به على الجدار ليراه الأولاد فيخافوا من العقاب لقول الرسول r: «علَّقوا السوط حيث يراه أهل البيت؛ فإنه أدب لهم». "حسنه الألباني في صحيح الجامع".قوله: «يراه أهل البيت» فيرتدعون عن ملابسة الرذائل، خوفًا لأن ينالهم منه نائل.
قال ابن الأنباري: لم يُرد به الضرب، لأنه لم يأمر بذلك أحدًا، وإنما أراد لا ترفع أدبك عنهم.
وقوله: «فإنه أدب لهم» أي هو باعث لهم على التأدب، والتخلق بالأخلاق الفاضلة، والمزايا الكامل. "ذكره المناوي في فيض القدير ج4/325".
11- الضرب الخفيف: يجوز للمربي والأب أن يضرب ضربًا خفيفًا، إذا لم تنفع الوسائل المتقدمة، ولا سيما لأداء الصلاة لمن كان عمره عشر سنين؛ لقول الرسول r: «علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعًا، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا، وفرقوا بينهم في المضاجع» "صحيح - رواه البزار وغيره".والتفريق في المضاجع بين الأولاد عند النوم أمر مُهم، ولا سيما بين البنت والصبي، حتى يحفظ الأب أولاده من الانحراف، ولا سيما ما يراه الأطفال من المسلسلات الجنسية والأفلام الخليعة في السينما والتلفاز والفيديو، مما يزيد في انحرافهم، فلينتبه الآباء والأمهات، وإذا لم يتمكنوا فعليهم أن يباعدوا بينهم، ويضعوا لكل واحد غطاءً مستقلًّا، وليراقبوهم.
بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا