وقفات
في شهر رمضان
تأليف
فضيلة الشيخ
سلمان بن فهد العودة
المشرف العام على موقع الإسلام اليوم
وقفات في شهر رمضان
تحدث الشيخ -حفظه الله- عن بعض الأمور التي يحتاجها الصائم، فوقف ثلاثين وقفة في مطلع شهر رمضان بين فيها فضل هذا الشهر الكريم وأهمية التزود من فضائله ونفحاته، لأن تزكية النفس في شهر رمضان مطلب كل مسلم لا سيما أن للقرآن فيه طعماً خاصاً ولذة قاهرة ومعاني أصلية، ويعيش المرء فيه مع الله.وقفة مع آية الصيامإن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعــد: هذا هو المجلس السابع في سلسلة الدروس العلمية العامة، وينعقد في ليلة الإثنين، التاسع والعشرين من شهر شعبان لعام ألف وأربعمائة وعشرة للهجرة، ومن المحتمل أن تكون هذه الليلة هي آخر ليلة في شهر شعبان، فنسأل الله عز وجل أن يوفقنا للصيام والقيام، وأن يوفقنا للتوبة النصوح، وأن يجعل ما نستقبل من أيامنا خيراً مما استدبرنا، إنه على كل شيءٍ قدير. أيها الإخوة الأكارم: درسنا هذه الليلة درسٌ جديدٌ تحت عنوان: (عشر وقفات في مطلع شهر رمضان) فاعتباراً من هذه الليلة، وعلى مدى شهر رمضان المبارك، فسوف تكون الدروس -إن شاء الله- دروساً أو جلسات رمضانية، نتحدث عن بعض الأمور التي يحتاجها الصائم، وفي هذه الليلة لنا عشر وقفات في مطلع هذا الشهر، وبإذنه تبارك وتعالى في الأسبوع القادم لنا عشر وقفات أخرى، فالوقفات في الأصل عشرون لكن نأخذ منها الليلة عشراً، وسيكون موعد الدرس -إن شاء الله- بعد صلاة التراويح في هذا المسجد في ليلة الإثنين، أي في مثل هذه الليلة من كل أسبوعٍ إن شاء الله تعالى. الوقفة الأولى -أيها الإخوة- هي وقفة مع النص القرآني.أسفل النموذج الأصل في وجوب صيام رمضانيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:183-184] فهذه الآية أصل في وجوب صيام رمضان، ولذلك أجمع أهل العلم كافةً على أنه يجب على كل مسلم أن يصوم شهر رمضان، ومن أنكر وجوبه أو جحده فهو كافر مرتد؛ إلا أن يكون جاهلاً حديث عهد بإسلام فيعلَّم، فإن أصر على جحوده فإنه يكون كافراً؛ وذلك لأنه ثابت بنص القرآن {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[البقرة:183] أي: فرض وأوجب وألزم عليكم.أعلى النموذج العلة من الصيامثم قال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}[البقرة:183] إشارة إلى العلة والحكمة من مشروعية الصيام، وهي تحقيق التقوى للصائم {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ}[البقرة:184] فهي قليلة بالقياس إلى السنة، فإنها شهر من السنة فهي أياماً معدودة قليلة ليس فيها على الإنسان مشقة ولا ثقل،... إلى آخر الآيات.أصناف الناس في رمضانالوقفة الثانية: أصناف الناس في رمضان. والناس في استقبالهم لرمضان على صنفين:أسفل النموذج أناس فرحونالصنف الأول من الناس: من يفرحون بهذا الشهر، ويسرون بقدومه، وذلك لأسباب: أولاً: لأنهم عودوا أنفسهم على الصيام، ولهذا تجدون في السنة النبوية -مثلاً- استحباب صيام أيامٍ كثيرة، كالإثنين والخميس وأيام البيض ويوم عرفة لغير الحاج، ويوم عاشوراء مع يوم قبله أو يوم بعده، وصيام شعبان، وغير ذلك من الأشياء التي شرعها النبي e لأمته؛ حتى يعتادوا الصيام ولا يصبح الصيام غريباً عليهم. ولذلك تجدون أن الذي يصوم النفل، وعلى الأقل يصوم أيام البيض -مثلاً- لا يستثقل صيام رمضان، بل يعتبر صيام رمضان بالنسبة له أمراً طبيعياً لا تكلف فيه ولا ثقل، لكن الإنسان الذي لا يصوم، لا ستاً من شوال ولا الأيام البيض ولا غيرها؛ فإنه يحسب لرمضان حساباً ويجد فيه شيئاً من الثقل والمشقة؛ لأنه لم يعود نفسه على الصيام. ولذلك ينقل عن السلف رضي الله عنهم من ذلك شيء عجيب. يروى أن قوماً من السلف باعوا جارية لهم فاشتراها رجل، فلما أقبل رمضان بدأ يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لاستقبال شهر رمضان -كما يصنع الناس في هذا الزمان- فقالت لهم: لماذا تصنعون هذا؟! قالوا: نصنعه لاستقبال رمضان. قالت: وأنتم لا تصومون إلا في رمضان! والله لقد جئت من عند قومٍ السنة عندهم كأنها رمضان، لا حاجة لي إليكم ردوني إليهم. فرجعت إلى سيدها الأول. ويروى أن الحسن بن صالح وكان من الزهاد العباد الورعين الأتقياء، كان يقوم الليل هو وأخوه وأمه أثلاثاً، يقوم ثلثاً ويقوم أخوه ثلثاً آخر وتقوم أمه الثلث الباقي، فلما ماتت أمه تناصف هو وأخوه الليل، فصار يقوم نصفه ويقوم أخوه النصف الآخر، فلما مات أخوه نقل عنه أنه كان يقوم الليل كله. قيل: إن الحسن بن صالح هذا باع أمةً له، فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد، قامت في وسط الدار وصاحت: يا قوم، الصلاة الصلاة، فقاموا فزعين، وقالوا: هل طلع الفجر؟! قالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة!! فلما أصبحت رجعت إلى سيدها، وقالت: لقد بعتني على قوم سوء، بعتني على قومٍ لا يصلون إلا الفريضة، ولا يصومون إلا الفريضة، لا حاجة لي إليهم ردوني ردوني، فردها. إذاً: إذا اعتاد الإنسان على الصيام لم يجد في صيام رمضان ثقلاً ولا مشقةً، وهذا من أسباب فرح المؤمنين بشهر الصوم، حيث يصومون فيه شهراً كاملاً، ويوافقهم الناس كلهم على صيام هذا الشهر. الأمر الثاني من أسباب رغبتهم فيه وفرحهم به: أنهم يعرفون أن الامتناع من اللذات في هذه الدنيا سببٌ لحصولها في الدار الآخرة، فإن امتناع الصائم عن الأكل والشرب والجماع، وسائر المفطرات في نهار رمضان طاعةً لله عز وجل، يكون سبباً في حصوله على ألوان الملذات في الجنة، فلقوة يقينهم بذلك يفرحون بهذا الشهر الكريم، والعكس بالعكس، فإن الإنسان الذي يقبل على الملذات المحرمة في الدنيا يكون هذا سبباً في حرمانه منها يوم القيامة. ولذلك قال رسول الله e في الحديث الصحيح: {من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة} وإنما لم يشرب الخمر في الآخرة -أي وإن دخل الجنة- عقاباً له على تمتعه بخمرة الدنيا، وهي خمرةٌ محرمة حرم الله على عباده المؤمنين أن يتعاطوها، وقد ورد في حديث آخر أيضا: {من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة}. السبب الثالث: أنهم يدركون أن هذا الشهر من أعظم مواسم الطاعات والتنافس في القربات: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:26] ويعلمون أن الله عز وجل يجري فيه من الأجور ما لا يجري في غيره من الشهور، ولذلك يفرحون بقدومه فرح الغائب بقدوم غائبه وحبيبه، وهؤلاء لا شك همُ المؤمنون الصادقون، نسأل الله أن يجعلنا منهم.أعلى النموذج قومٌ كارهونوفي مقابل ذلك تجد طائفةً أخرى من الناس يستثقلون هذا الشهر الكريم، ويستعظمون نـزوله بهم إذا نـزل، فهو كالضيف الثقيل، ثم يعدون أيامه وساعاته ولياليه، وهم يعيشون على أعصابهم، ويفرحون بكل يومٍ يمضي وليلة تفوت، حتى إذا قرب العيد بدأت قلوبهم ترفرف فرحاً بقرب خروج هذا الشهر، وذلك لأنهم لم يقدروه حق قدره؛ لأنهم أولاً: اعتادوا على اللذات، والشهوات، من التوسع في المأكل والمشرب والملبس والمنكح، وغيرها.... فضلاً عن اللذات المحرمة، فوجدوا في هذا الشهر مانعاً وقيداً يحبسهم ويحول بينهم وبين لذاتهم؛ فاستثقلوه واستطالوا أيامه ولياليه. ثانياً: لأنهم قومٌ عظم تقصيرهم في الطاعات، حتى إن منهم من لا يؤدي الصلاة، ومنهم من يقصر كثيراً في حقوق الله، فإذا جاء هذا الشهر التزموا ببعض العبادات، فوجدتَ كثيراً من الناكثين القاسطين المقصرين بدءوا يترددون على المساجد، ويشهدون الجمع والجماعات إلى غير ذلك، فيستثقلون هذا الشهر؛ لأنهم يلتزمون فيه ببعض الطاعات التي قصروا فيها في غيره. لذلك يذكر المؤرخون -كابن رجب وغيره- أن ولداً لهارون الرشيد كان غلاماً سفيهاً، فلما أقبل رمضان ضاق به ذرعاً وبدأ يقول: دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ولا صمت شهراً بعده آخر الدهر
فلو كان يعديني الأنام بقوة على الشهر لاستعديت قومي على الشهر
فهو يدعو على رمضان ويقول: عسى ألا أصوم شهراً بعده آخر الدهر، ولو كان يمكن أن أستعين بالناس على هذا الشهر لأتغلب عليه لاستعنت بهم، قال: فأصيب بمرض الصرع، فكان يصرع في اليوم عدةَ مرات، وما زال كذلك حتى مات قبل أن يصوم رمضان الآخر بعد ما قال ما قال. وهكذا الذين يستثقلون رمضان لأنهم سيفارقون فيه مألوفهم من الشهوات، ويلتزمون ببعض العبادات، إضافةً إلى ضعف يقينهم بما أعد الله تبارك وتعالى للمؤمنين، فإنهم لا يدركون فضل هذا الشهر ولا يتصورون عظمة الأجر المكتوب لهم، فيه فلا يجدون فيه من اللذة والفرح والسرور ما يجده أصحاب الإيمان.من معاني الصيامالوقفة الثالثة: من معاني الصيام. وللصيام -أيها الإخوة- معانٍ ومقاصد عظيمة لو تأملناها لطال عجبنا منها:أسفل النموذج ارتباط الصيام بالإيمان الحق بالله سبحانهأولاً: من معاني الصيام: أنه مرتبط بالإيمان الحق بالله جل وعلا. ولذلك جاء أن الصوم عبادة السر، لأن الإنسان بإمكانه ألا يصوم لو شاء، حتى لو لم يأكل ولم يشرب، فمجرد فقد النية يكفي في ألا يصوم الإنسان، فإن من شرط الصوم -خاصةً صوم الفرض كما سيأتي-: النية. فلو لم ينو الإنسان الصيام حتى لو ظل ممسكاً طيلة نهاره فإنه ليس بصائم، فالصيام قضية قلبية بين العبد وبين ربه، فكون الإنسان يمتنع عن الأكل والشرب وسائر المفطرات، على رغم أنه يستطيع أن يصل إليها في خلوة وبعد عن أعين الناس، دليل على أنه يتعامل مع ربٍ يؤمن به، ويعلم أنه مطلع على سرائره وخفاياه ولذلك يمتنع، ففي هذا تربية لقوة الإيمان بالله جل وعلا. وقل مثل ذلك في سائر العبادات، انظر -مثلاً- إلى الوضوء أمر إلى الغسل، فكون الإنسان يتعمد أن يتوضأ ويغتسل ليرفع حدثه الأصغر والأكبر، فلولا إيمانه بالله جل وعلا، وأن الله رقيبٌ عليه؛ لما كان يفعل ذلك. وانظر إلى الصلاة، فكون العبد يقول وهو قائم: " الحمد لله رب العالمين "، أو يقول وهو راكع: سبحان ربي العظيم، أو يقول وهو ساجد: سبحان ربي الأعلى، أو يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، أو يقول في التشهد: التحيات لله، والرجل الذي إلى جواره لا يسمعه، فلو لم يكن مؤمناً بإله يراقبه ويعلم حتى همسات لسانه ووساوس قلبه وخواطره، فلو لم يكن مؤمناً بهذا الرب؛ لما دعا وذكر الله عز وجل سراً، في حين أن جاره في الصلاة قد لا يسمع همساته وكلماته. إذاً فالصوم من أعظم معانيه: تربية الإيمان بالله العليم الخبير المطلع على العبد في سره ونجواه: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}[طه:7].التربية على التطلع إلى الدار الآخرةالمعنى الثاني من معاني الصيام: أنه يربى العبد على التطلع إلى الدار الآخرة، وذلك لأن الناس موازينهم دنيوية في الغالب، فإذا أراد الإنسان -مثلاً- أن يشتري صفقة أو يبيع؛ فإنه يجري عملية حسابية لينظر هل هذه الصفقة رابحة أو خاسرة، وبناءً على ذلك يتصرف على حسب ما تصل إليه حساباته، فهم يقيسون بالأمور الدنيوية البحتة؛ لكن المؤمن عنده مقياس آخر وهو أنه يدرك أن هناك داراً آخرة فيها حساب، ولذلك قد يتخلى عن بعض الأشياء الدنيوية تطلعاً إلى ما عند الله. فمثلاً: بمقياس الماديين فإن الأكل يقوي الجسم، وفيه تحصيل للذة، والشبع، والسعادة، والشرب كذلك، وإتيان النساء كذلك، لكن المؤمن عنده مقياس آخر: أن هذه الأشياء وإن كانت تحقق بعض ما ذكر، إلا أن هناك مقياساً آخر وهو مقياس الآخرة. فإذاً من الممكن أن يترك المؤمن -مثلاً- الأكل لأنه ينتظر أن يجازى على هذا الترك في الآخرة وليس في الدنيا، ويترك الشرب لذلك ويترك المحرمات لذلك، فيتربى في قلبه الإيمان بالدار الآخرة، التي هي في الحقيقة دار الجزاء والحساب. أما ما يلقاه المؤمن في هذه الدنيا من النعيم بسبب الطاعة، فإنما هو عربونٌ فقط، فما تجده -مثلاً- من أثر الصوم في الدنيا، من الصحة والسعادة، والفرح، … إلى آخره، إنما هو عربون، والجزاء الحقيقي والثمن الحقيقي لهذا العمل إنما تجده في الدار الآخرة، فيربي الصوم الإنسان على التطلع إلى الدار الآخرة التي فيها الجزاء الحقيقي، وفيها نهاية المطاف، وليست نهاية المطاف في هذه الدار الدنيا.الاستسلام والاستشعار للعبوديةالمعنى الثالث من معاني الصيام: الاستسلام لله تعالى. وذلك بأن تشعر بأنك عبد فعلاً، والعبودية لله هي كمال الحرية، ولذلك يقول عياض رحمه الله: ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
فهو يعتبر أن من أعظم الشرف أنه مخاطبٌ بقول الله تعالى: يا عبادي. ويقول الآخر: أطعت مطامعي فاستعبدتني ولو أني قنعت لكنت حرا
إذاً: كمال الحرية في كمال العبودية لله جل وعلا، والصوم يربي العبد على العبودية، وانظر كيف، يقول لك الله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ}[البقرة:187] فيكون في هذا أمر لك بالأكل، فتجد أن من العبادة أن تأكل، ولذلك يستحب للإنسان أن يأكل -مثلاً- عند السحور وعند الإفطار كما هو معروف، ويكره له الوصال؛ بحيث يواصل الإنسان يوماً أو يومين فلا يفطر بينهما، فتكون العبادة حينئذٍ بأن تأكل وتشبع شهوتك من الأكل والشرب، وفي وقتٍ آخر يأمرك الله عز وجل بضد ذلك فيقول: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة:187] فتمسك من طلوع الفجر إلى الليل، عن الأكل والشرب وسائر المفطرات طاعة لله عز وجل، فتتربى حينئذٍ على العبودية الحقيقية لله، إذا قال لك: كل فإنك تأكل، وإذا قال لك: اشرب فإنك تشرب، وإذا قال لك: صم وأمسك؛ فإنك تصوم وتمسك. ففي هذا يتربى العبد على أن القضية ليست مجرد أذواق وشهوات وأمزجة يتعاطاها؛ بل هي طاعة لله عز وجل، فإن أمرنا بالأكل أكلنا وإن أمرنا بالإمساك أمسكنا. ولذلك تجد العبد -مثلاً- في صلاته أحياناً يقف، وأحياناً يركع، وأحياناً يسجد، وأحياناً يقعد، لأن هذا هو الأمر الذي أراده الله، وهذا هو التعليل. وفي الإحرام مثلاً حين يحرم الإنسان ليس منهياً عن الأكل ولا عن الشرب، ولكنه منهيٌ عن الجماع ودواعيه، ومنهيٌ عن تغطية الرأس، وعن الطيب وعن تقليم الأظافر، وعن قص الشعر، وعن جميع ألوان الترفه، فيمتنع عن جميع هذه الأشياء ما دام محرماً؛ لأن الله تعالى هكذا أراد منا إرادة شرعية، لكن له أن يأكل، ولو امتنع المحرم عن الأكل والشرب لأنه محرم لكان مبتدعاً في ذلك. فإذا انتهى إحرامه يقال له: مطلوبٌ منك الآن -وجوباً- أن تحلق أو تقصر رأسك، ومطلوبٌ منك أن تقلم أظفارك، وأن تتزين وتتطيب وتغتسل قال الله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}[الحج:29]. فهذه تربيةً على العبودية الحقيقية لله جل وعلا، يأمرك بالشيء فتمتثل ويأمرك بنقيضه فتمتثل أيضاً، وليس من الضروري أن ندرك علة أو حكمةً لهذا الأمر أو لذاك النهي، فالعلة والحكمة تتلخص في أن الله تعالى أمر فأطعنا وامتثلنا، ونهى فانتهينا وامتثلنا، وهذا هو معنى العبودية الحقيقية.أعلى النموذج تربية المجتمعالمعنى الرابع من معاني الصيام: تربية المجتمع. ربما يكون الكثير منا -بل لعل الجميع- صام يوماً من الأيام نفلاً، إما أيام البيض أو يوم عاشوراء أو يوم عرفة، أو ما أشبه ذلك. فما هي المقارنة بين صوم النفل وصوم الفرض؟ صوم النفل يتعب فيه الإنسان بعض الشيء ويجد شيئاً من المشقة، أما صوم الفرض فإن الإنسان يقول فيه: سبحان الله! كيف يسر الله تبارك وتعالى لنا الصوم، والله ما كأننا صائمين. هكذا لسان الجميع، ما هو السبب؟ لا شك أن الله تعالى يعين العبد في فرض الصيام ونفله، وإن كانت الإعانة في الفرض أكثر، لكن الإعانة موجودة في الجميع، وإنما من أهم الأسباب -في نظري-: أن الله تعالى جعل صوم رمضان فرضاً على الجميع، ولذلك كلما تلفت الإنسان وجد أن المجتمع صائم، فأنت تخرج للسوق فتجد الناس صائمين، وتذهب لسوق الخضار فتجد الناس صائمين، وتدخل البيت فتجد أهل البيت صائمين، وتذهب إلى المدرسة فتجد زملاءك صائمين، وتذهب للعمل فتجدهم صائمين، فالكل صائم. ولذلك يحس الإنسان بأن الأمر الذي يفعله هو أمر يفعله الجميع، وهذا لا شك مما يجعل الموضوع غير ثقيل على النفس، ولهذا فالإخوة الذين يصومون في مجتمعاتٍ مفطرة، كما يقع لبعض الذين يعيشون في بلاد الغرب، إما لمرض -عافانا الله وإياكم- أو لحاجة أو لضرورة، فإنهم يجدون مشقة عظيمة في صيام رمضان؛ لأن الناس مفطرون هناك، فهو يجد الناس يأكلون في كل مكان، ولا يراعى أن يكون صائماً، فهو مطالب بأن يعمل كما يعمل غيره، ويخرج كما يخرج غيره، ويدخل كما يدخل غيره، من غير مراعاة لكونه صائماً، فيجد في ذلك مشقةً عظيمة، كما حدثنا الإخوة الذين عاشوا هناك في شهر الصيام، لكن في المجتمعات المسلمة الصائمة لا يجد الإنسان هذه المشقة، وفي هذا تربيةٌ للمجتمع. ولذلك رأينا -أيها الإخوة- بأعيننا أن الإنسان حين يذهب في شهر الصيام حتى للمجتمعات المنهمكة في الفساد، ولكن عليها آثار الإسلام وفيها بقايا الإسلام؛ يجد دخول الشهر الكريم مميز تماماً، فإذا دخل الشهر وجدت آثار رمضان ظاهرة على الجميع، حتى الفساق يظهر عليهم آثار الشهر الكريم، ففي ذلك تربية للمجتمع. ولهذا تلاحظون دائماً أن الإسلام يُعنى عنايةً كبيرةً بإصلاح المجتمعات من الفساد -مثلاً- كحادثة فردية، فإن هذه الأخطاء الفردية واقعة في كل مجتمع لا بد منها، حتى المجتمع النبوي مجتمع الصحابة، وقع فيه حالات من الانحراف، وجد إنسان زنا وآخر سرق وثالث شرب الخمر مثلاً، لكن المشكلة حين تتحول هذه المنكرات إلى منكرات معلنة موجودة على الملأ، فتتلوث البيئة العامة، ويصبح الإنسان الذي يريد الخير قد لا يهتدي لأن المجتمع يضغط عليه، ولهذا -أيضاً- تلاحظون أن أعداء الإسلام حريصون على إفساد المجتمع وتلويث البيئة. ولعلكم سمعتم -مثلاً- بما يسمى بالبث المباشر، وكثيراً من تُحدِثَ عن هذا الموضوع، وهو محاولة الدول الغربية أن ترسل بثاً تلفزيونياً إلى البلاد الإسلامية يكون مثل قنوات الراديو -تقريباً- بحيث يكون من الممكن في التلفاز أن يشاهد الإنسان أي محطة، وهذا ليس -كما يتصور البعض- أنه أمر قاب قوسين أو أدنى، لا شك أنه أمر فيه صعوبة وأمامه عقبات، لكنه أمر متوقع، فهم حين يفعلون ذلك وغيره كثير، يحاولون أن يلوثوا البيئة العامة حتى تفسد وتنحرف؛ بحيث أن الذي يريد الصلاح لا يصلح لأن المجتمع يعارضه، فهو إن صلح يصبح ضد التيار كما يقال. وهذا من أعظم مقاصد الصيام، أن الله عز وجل يربي المجتمع الإسلامي بالصيام، بحيث يتحول إلى مجتمعٍ صائم، ولذلك تجد الصغار عندنا يصومون، وتجد الفساق يستترون، وتجد الكفار لا يستطيعون أن يعلنوا الأكل والشرب في الأسواق وعلى الملأ، لأن المجتمع يفرض عليهم هذا الأمر.فضائل الصيامالوقفة الرابعة: فضائل الصيام.أسفل النموذج الصوم جنةٌ من النارأولاً: الصيام جنةٌ من النار. كما جاء في مسند الإمام أحمد بسند صحيح، عن جابر أن النبي e قال: {الصوم جنة يستجن بها العبد من النار} وفي الحديث المتفق عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي e قال: {من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً}. إذاً: فالصوم جنة ووقاية من النار، وكلما صام العبد بعد عن النار، فإذا كان من صام يوماً أبعد سبعين خريفاً -أي سبعين عاماً- فما بالك بمن يصوم شهراً، وما بالك بمن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وما بالك بمن يصوم أكثر من ذلك! لا شك أنه أبعد ما يكون عن النار.الصوم جنةٌ عن الشهواتثانياً: الصوم جنة عن الشهوات. ولذلك جاء في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي e قال: {يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} فأمر النبي e الشباب بالزواج، وإذا لم يستطيعوا أرشدهم إلى الصيام، وبين عليه الصلاة والسلام أن الصوم وجاء يمنع الشهوة أن تتحرك وتبلغ مبلغها في الإنسان. فإلى الشباب الذين يشتكون من الشهوات -وهم كثيرٌ خاصة في هذا العصر المليء بالمغريات، فالشاب -مثلاً- يشتكي أنه إن خرج إلى السوق وجد النساء المتبرجات، وإن دخل البقالة وجد المجلات التي فيها صور النساء الكاسيات العاريات، وإن ركب في السيارة سمع الغناء، وإن ركب الطائرة كذلك، وإن ذهب أو دخل أو خرج وجد الشهوة والفتنة تلاحقه في كل مكان، مع ما جبل عليه وركب من الشهوة الغريزية التي تتحرك في نفس كل إنسان، ومع ضعف الرادع والوازع عند الكثيرين- إلى هؤلاء الشباب نهدي هذه النصيحة النبوية: {ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} وهذا طب نبوي للذين يشتكون من الشبق وشدة الشهوة، وقد جرب هذا الطب فوجد أنه علاج ناجع ودواءٌ نافع، وهو كافٍ عن غيره من العلاجات والأدوية المادية، إضافة إلى أدوية أخرى شرعية في هذا المجال.الصوم سبيل إلى الجنةالفضيلة الثالثة: إن الصوم سبيل إلى الجنة. ولذلك روى النسائي بسند صحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه، أنه قال: {يا رسول الله دلني على عملٍ يقربني من الجنة ويباعدني من النار، فقال له النبي e : عليك بالصوم فإنه لا مثل له} فبين أنه لا شيء يقرب العبد من الجنة ويباعده من النار مثل الصيام. بل إن في الجنة باباً خاصاً للصائمين، كما في الحديث المتفق عليه عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن النبي e قال: {إن في الجنة باباً يقال له الريان} ولاحظ اسم الباب، فإنه يتناسب مع صفة الصائم، فإن الصائم يصيبه العطش والجوع في سبيل الله؛ فجوزي بأن يدخل من باب الريان، والجزاء من جنس العمل: {إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد غيرهم} فهذا جزاء الصائمين.الصوم شافع مشفعالفضيلة الرابعة: أن الصوم شافع مشفع في الصائم. ولذلك روى الإمام أحمد والحاكم بسند حسن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي e قال: {القرآن والصيام يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: يا رب منعته الطعام والشراب فشفعني فيه. ويقول القرآن: يا رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال عليه الصلاة والسلام: فيشفعان}. فالأعمال التي يعملها العبد في هذه الدنيا لا مانع أن تكون يوم القيامة أشياءً حسية تشفع للعبد، وتتكلم وتوزن إلى غير ذلك مما ورد في النصوص الشرعية، وهاهنا أثبت النبي e أن الصوم يكون ذاتاً يوم القيامة يتكلم ويقول: يا رب منعته الطعام والشراب والشهوة فشفعني فيه، فيشفع الصوم في صاحبه، سواء أكان صوم فرضٍ أم كان صوم نفل.الصوم كفارةٌ للذنوبومن فضائله: أنه كفارةٌ للذنوب ومغفرة. ولذلك قال الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ }[هود:114] فالصوم فيه حسنات كثيرة، والحسنات تذهب السيئات، فكل عمل صالح فهو سببٌ في مغفرة الذنوب وستر العيوب وتجاوز الله تبارك وتعالى عن العبد، ولكن ورد في الصوم خاصةً أحاديث كثيرة: منها: حديث حذيفة المتفق عليه، بل رواه الستة ، أن النبي e قال: {فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة} أي: أن ما يحدث منك من أخطاء، سواء أكانت كلمة نابية، أم اعتداءً أم إيذاءً لأهلك أم خطأ عليهم، أم في مالك، أم في جيرانك، أو ما أشبه ذلك من الصغائر، تكفرها الصلاة والصوم والصدقة. وفي الحديث المتفق عليه -أيضاً- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي e قال: {من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} أي: إيماناً بالله عز وجل، واحتساباً لأجر الصوم، ومعرفة بما أعد الله تبارك وتعالى للصائمين، فهو يصوم ويتوقع الأجر الذي سيعطاه على هذا الصيام، غفر له ما تقدم من ذنبه. وفي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة أيضاً، أن النبي e قال: {الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر}. فالصوم مكفر لما قبله بشرط اجتناب الكبائر، فإن جمهور علماء أهل السنة وجمهور علماء السلف على أن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة؛ وإنما الصوم والصلاة وغيرها تكفر صغائر الذنوب، ولذلك قال الله عز وجل {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً}[النساء:31].الصوم سبب للسعادة في الدارينومن فضائل الصوم: أنه سبب للسعادة في الدارين. ولذلك جاء في الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة ، أن النبي e قال: {للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فطره وفرحةٌ عند لقاء ربه} أما فرحة الصائم عند فطره فهي فرحةٌ دنيوية وفرحةٌ عاجلة، وهي سعادة لأن السعادة في الحقيقة هي فرح القلب، فالذين يبحثون عن السعادة لا يجدونها إلا في طاعة الله تعالى وتقواه، وهذا نموذج للسعادة. فالذي يفطر يفرح عند فطره، وفرحه يكون من وجهين: الأول: فرحه بأن الله تعالى أباح له الأكل والشرب، والنفس مجبولة على حب الأكل والشرب، ولذلك تعبدنا الله تبارك وتعالى بتركهما، كما يترك الإنسان الجماع، مع أنه يرغبه وقد ركب في طبعه وجبلته، فيتركه طاعة لله تعالى، فإذا أذن له في ذلك فرح بأنه سوف يأكل ويشرب. والأمر الآخر الذي يفرح به، وهذا فرح أعلى وأسمى من الفرح الأول: أنه يفرح لأن الله تعالى وفقه لإتمام صيام ذلك اليوم، فيفرح بإكمال هذه العبادة وإتمامها على الوجه المطلوب، فهو فرح من الوجهين.أعلى النموذج خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسكومن فضائل الصوم: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك. وخلوف فم الصائم هي الرائحة التي تخرج من الفم، وهي في الواقع من المعدة، لكن تخرج عن طريق الفم في آخر النهار، بسبب خلو المعدة من الطعام، وهي رائحة مكروهة للخلق؛ لكنها محبوبةٌ للخالق، ولذلك قال e في الحديث المتفق عليه: {ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك} وفي صحيح مسلم : {أطيب عند الله تعالى يوم القيامة من ريح المسك} وفي هذا دليل على أنه لا بأس أن يتسوك الإنسان بعد الزوال. وهذا هو الرأي الراجح والصحيح في المسألة؛ بل يستحب للإنسان أن يستاك بعد الزوال ولو كان صائماً، فيستاك عند الصلاة وعند الوضوء، ويستاك عند دخول المنـزل، وعند الاستيقاظ من النوم.. إلى غير ذلك من المواضع التي يستحب فيها السواك، لأن الخلوف هذا -أولاً- ليس من الفم وإنما هو من المعدة، وثانياً: أنه أطيب عند الله تعالى يوم القيامة من ريح المسك. وقد ورد في أثر إسرائيلي: إن الله عز وجل لما أمر موسى أن يأتي إليه، أمره أن يصوم ثلاثين يوماً فصام ثلاثين يوماً، فلما انتهى منها وجد رائحة الخلوف في فمه فكأنه أفطر أو استاك، فأمره الله عز وجل أن يصوم عشرة أيام بعدها، وقال له: يا موسى، أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك. فأتمها الله تعالى عشرة أيام، فتم ميقات ربه أربعين ليلة. المهم أن من فضائل الصوم: أن خلوف فم الصائم -وهو أمر مكروه للخلق- أطيب عند الله تبارك وتعالى من ريح المسك، وهكذا جاء في الحديث عن دم الشهيد - مع أن الدم بحد ذاته أمر مستقبح مستقذر، بل هو نجس عند أكثر الفقهاء، لكن قال الرسول e : {إن الشهيد يأتي يوم القيامة وجرحه يدمي، اللون لون الدم والريح ريح المسك}. ولذلك فإن بكاء المذنبين بين يدي الله عز وجل، هو من أعظم السرور لهم والقربى إلى الله عز وجل، وربما يكون-أحياناً- خيراً من كثير من العبادات والطاعات التي يدل بها العبد ويستعظمها، ويعتبر أنه فعل من جرائها شيئاً عظيماً، بخلاف المنكسرين الباكين بين يدي ربهم، فإن قلوبهم منكسرة، ولذلك ورد في أثرٍ -وإن كان ليس بالقوي- أن الله عز وجل قال لبعض رسله وأنبيائه حين قالوا: أين تكون يارب؟ قال: عند المنكسرة قلوبهم من أجلي. ولهذا لا أعظم من الدعاء؛ لأن الدعاء يتحقق فيه انكسار العبد، وافتقاره إلى الله جل وعلا، وخاصةً إذا كان دعاءً عن ضرورةٍ وعن اضطرار: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ}[النمل:62]. بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا