7-طبقات لاشعراء لابن المعتز
وحدثني ((يعني علي بن حرب)) عن أبي مرزوق: عن أبي هقان قال: كان أبو نواس آدب الناس وأعرفهم بكل شعر وكان مطبوعا لا يستقصي ولا يحلل شعره ولا يقوم عليه ويقوله على السكر كثيرا. فشعره متفاوت، لذلك لا يوجد فيه ما هو في الثريا جودة وحسنا وقوة وما هو في الحضيض ضعفا وركاكة. وكان مع كثرة أدبه وعلمه خليعا ماجنا وفتى شاطرا وهو في جميع ذلك حلو ظريف وكان يسحر الناس لظرفه وحلاوته وكثرة ملحه، وكان أسخى الناس لا يحفظ ماله ولا يمسكه، وكان شديد التعصب لقحطان على عدنان وله فيهم أشعار كثيرة يمدحهم ويهجو أعداءهم، وكان يتهم برأي الخوارج.8- طبقات الشعراء لابن المعتز
حدثني محمد بن عبد الأعلى القرشي قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: قال الأصمعي: ما رأين أنجب من البرامكة رجالا وأطفالا ولا أشرف منهم أحوالا ما أعلم أني حضرت يحيى والفضل ولا جعفرا إلا انصرفت عنهم لي ولإخواني بالحباء الجزيل ثم قال: طرب الفضل بن يحيى إلى مذاكرتي فأتاني رسوله وكان يوما باردا ذا صر وقر فقال: أجب الوزير فمضيت معه فلما دخلت عليه إذا هو في بهو له قد فرش بالسمور وهو في دست منه وعلى ظهره دواج سمور أشهب مبطن بخز وبين يديه كانون فضة فوقه أثفية ذهب وفي وسطها تمثال أسد رابض في عينيه ياقوتتان تتوقدان وفوق الصينية إبريق زجاج فرعوني وكأس كأنها جوهرة محفورة تسع رطلا، لا أظنها يفي بها مال كثير، وهو على سرير من عاج، وأنا علي ثياب قطن فسلمت عليه فرد السلام وقال لي: يا أصمعي ليس هذا من ثياب هذا اليوم، قلت: أصلح الله الوزير إنما يلبس الرجل ما يجد، فقال: يا غلام ألق عليه شيئا من الوبر، فاتيت بمثل ما عليه، فلبسته حتى الجورب، ثم أتي بخوان لم أدر ما جنسه غير أني تحيرت في جنسه، وبصفحة من الصيني مشمسة فيها لون من مخ الطير فتناولنا منها ثم تتابعت الألوان فأكلت من جميع ما حضر، لا والذي اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله بالرسالة نا عرفت منها واحدا إلا أني لم آكل في الدنيا شيئا يدانيها قط لذة وطيبا عند خليفة ولا ملك. ثم رفع الخوان وأتينا بألوان من الطيب فغسلنا أيدينا وكنت كلما استعملت منه لونا ظننته أطيب ما في الدنيا من عطر فاخر حتى إذا استعملت غيره زاد عليه طيبا، فلما فرغنا من ذلك إذا غلام قد أقبل معه جام بلوز فيه غالية قد أودفت بكثرة العنبر فتناولنا بملعقة من الذهب حتى نضحناه فصرت كأني جمرة ثم قال: اسقنا، فسقاه رطلا وسقاني مثله فما تجاوز والله لهاتي حتى كدت أطير فرحا وسرورا وصرت في مسلاخ ابن عشرين طربا، ودبت الشربة فخثرت ما بين الذؤابة والنعل وكأن دبي الجراد يثب ما بين أحشائي وثيا فلم أتمالك أن قلت: قاتل الله أبا نواس حيث يقول: إذا ما أتت دون اللهاة من الفتى
| |
دعا همه من صدره برحيل |
فقال الفضل: هذا البيت له؟ قلت: نعم يا سيدي، قال وليس إلا هذا البيت الواحد؟ قلت: أعز الله الوزير هي أبيات، قال: هاتها، فأنشدته: وخيمة نـاطـور بـرأس مـنـيفة
| |
تهـم يدا مـن رامـهـا بـزلـيل |
حططنا بها الأثقـال فـل هـجـيرة
| |
عبورية تـذكـى بـغـير فـتـيل |
تأيت قـلـيلا ثـم فـاءت بـمـزقة
| |
من الظل في رث الأبـاء ضـئيل |
كأن لديها بين عـطـفـي نـعـامة
| |
جفا زورها عن مبـرك ومـقـيل |
جلبت لأصحابي بها درة الـصـبـا
| |
بصفراء من ماء الكروم شـمـول |
إذا ما أتت دون اللهاة من الـفـتـى
| |
دعا همه مـن صـدره بـرحـيل |
فلما توفى الليل جنحا مـن الـدجـى
| |
تصابيت واستجملت غير جـمـيل. |
وأصبحت ألحي السكر والسكر محسن
| |
ألا رب إحسـان عـلـيك ثـقـيل |
كفى حزنـا أن الـجـواد مـقـتـر
| |
عليه ولا معروف عـنـد بـخـيل |
سأبغي الغنـى إمـا نـديم خـلـيفة
| |
يقيم سـواء أو مـخـيف سـبـيل |
بكل فتى لا يسـتـطـار جـنـانـه
| |
إذا نوه الزحفـان بـاسـم قـتـيل |
ليخمس مال الله فـي كـل فـاجـر
| |
وذي بطنة لـلـطـيبـات أكـول |
ألم تر أن المال عون على الـمـدى
| |
وليس جـواد مـعـدم كـبـخـيل |
قال: قاتله الله ما أشعره، يا غلام أثبتها، ثم قال: أما والله لولا قالة الناس في ما فارقني، ولكن إذا فكرت فيه وجدت الرجل ماجنا خليعا متهتكا ألوفا لحانات الخمارين فأترك نفعه لضره، فقلت: أصلح الله الوزير إنه مع ذلك بمكان من الأدب ولقد جالسته في مجالس كثيرة قد ضمت ذوي فنون من الأدباء والعلماء فما تحاوروا في شيء من فنونهم إلا جاراهم فيه ثم برز عليهم وهو من الشعر بالمحل الذي قد علمته، أليس هو القائل: ذكرتم من الترحال يوما فغـمـنـا
| |
فلو قد فعلتم صبح الموت بعضنـا |
زعمتم بأن البين يحزنكـم، نـعـم
| |
سيحزنكم حزنا ولا مثل حزنـنـا |
تعالوا نقارعكم ليحقـق عـنـدكـم
| |
من أشجى قلوبا أم من أسخن أعينا |
أطال قصير الليل يا رحم عنـدكـم
| |
فإن قصير الليل قد طال عنـدنـا |
وما يعرف الليل الطويل وهـمـه
| |
من الناس إلا من تنـجـم او أنـا |
خليون من اوجاعنا يعـذلـونـنـا
| |
يقولون لو لم يعب بالحب لانثنـى |
يقومون في الأقوام يحكون فعلـنـا
| |
سفاهة أحلام وسـخـرية بـنـا |
فلو شاء ربي لابتلاهم بمثل مـا اب
| |
تلانا فكانوا لا علـينـا ولا لـنـا |
سأشكو إلى الفضل بن يحيى بن خالد
| |
هواك لعل الفضل يجمع بينـنـا |
أمير رأيت المال في حـجـراتـه
| |
مهينا ذليل النفس بالضيم موقـنـا |
إذا ضن رب المـال ثـوب جـوده
| |
بحي على مـال الأمـير وأذنـا |
وللفضل أجرا مقدما من ضـبـارم
| |
إذا لبس الدرع الحصينة واكتنـى |
إليك أبا العباس من دون من مشـى
| |
عليها امتطينا الحضرمي الملسنـا |
قلائص لم تعرف كلالا على الوجى
| |
ولم تدر ما قرع الفنيق ولا الهنـا |
قال الفضل قد عرفتك أنه لولا ما هو بسبيله من هذا الفتك ما فاتني قربه ومعاشرته، ثم قال: يا غلام احمل إليه ألف دينار، فقلت للرسول: أعلمه أن الأصمعي عند الوزير، فتبسم وقال: وإلى بيت أبي سعيد ألف دينار 9- معجم البلدان مادة كنارك
وحدث الصولي أبو بكر: زعم أبو هفان عن أبي معاذ أخي أبي نواس قال: قدم أبو نواس إلى البصرة من سفر له فقال: قد اشتقت إلى كنارك - موضع بقراب البصرة - قال الصولي كذا في الخبر وإنما هو بقرب البصرة - وكان السلطان قد منع منه لأشياء كانت تجري فيه مما ينكرها فمضى مع إخوان له وقال: أنا بالبـصـرة داري
| |
وكنـارك مـزاري |
إن فيها مـا تـلـذ ال
| |
عين من طيب العقار |
وغــنـــاء. . . . .
| | |
قال: فوجه إليه وإلى الناحية قال: قد أبحتها لك فلست أعرض لأحد أن يفارقها.10- ديوان أبي نواس
وقال أبو هفان: لما تنسك العتابي نهى أن ينشد شعر أبي نواس فأظله شهر رمضان فدخل إليه رجل معه رقعة فيها: شهر الصيام غدا مواجهنا
| |
فليعقبن رعية النسـك |
أيامه كوني سـنـين ولا
| |
تفني فلست بسائم منك |
فكتب البيتين وقال: وددت أنهما لي بجميع ما قلته من طارفي وتليدي، فقال الرجل: إنهما لأبي نواس، فمزق الرقعة ورما بها.11- أخبار أبي نواس لابن منظور
وروى أبو هفان: أن أبا نواس لما تأدب ونشأ وظرف ورغب فيه فتيان البصرة للمصادقة قال: لا أصادق إلا رجلا غريبا شاعرا يشرب الخمور ويصفها ويصف المجالس ويكون له سخاء وشجاعة فذكروا له جماعة فلم يحب أن يكون الرجل من أهل بلده فهرب إلى الكوفة، وذكر له بها رجل من بني أسد يقال له والبة بن الحباب يشرب الخمر ويقول الشعر ويجمع الخصال التي أرادها أبو نواس فصار إليه فسأل عنه فقيل له إنه بطيرناباذ يشرب الخمر عند خمار هناك فصار إلى منزله فسأل عنه فأخبر أنه في مجلسه فاستأذن عليه فأذنت له جارية لوالبة، فدخل فإذا لوالبة نائم سكران فقال للجارية: أعندك ما يؤكل ويشرب؟ قال: نعم، قال لهاتيه، فجاءته بطعام فأكل، وجاءته بشراب فلم يزل يشرب ويغني حتى نام مكانه. وانتبه فقال: من هذا الرجل النائم؟ فأخبرته الجارية خبره فقال: هاتي لنا طعاما فأكل، ولم يزل يشرب وأبو نواس نائم حتى نام لوالبة، وانتبه أبو نواس فسأل عنه وعما كان من خبره فأخبرته الجارية فقال: هاتي طعامك. ولم يزل يشرب ولوالبة نائم حتى نام أبو نواس. ثم انتبه لوالبة فسأل عن خبره فأخبرته، فقال: هاتي طعامك فأكل ولم يزل يشرب وأبو نواس نائم حتى نام لوالبة، وانتبه أبو نواس كذلك. ولم يزل كل واحد منهما على هذه الحال سبعة أيام لا يلتقيان وهما في مجلس واحد. ثم إن لوالبة أمر الجارية أن تحبس عنه الشراب إلى وقت قيامه. فلما انتبه أبو نواس قال للجارية: أصلحت طعامك؟ قالت: الآن يصلح، قال: لا. قد عرفت ما أردت ولعله قال لك: دافعيه حتى أنتبه، فقالت الجارية ما أحسبك إلا من الجن وما رأيت إنسيا على حالك، فلما انتبه لوالبة سأله عن خبره، فأخبره بما قصد إليه، فسر لوالبة بذلك ووجه إلى أصحابه وندمائه، فجعل لهم مجلسا وأخبرهم خبر أبي نواس وما قصد له فلبثوا على ذلك أياما في صبوح وغبوق. بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا