في أعمال اليوم العاشر من ذي الحجة «وهو يوم عيد النحر»
-السؤال:
-من الأعمال التي يقوم بها الحاجُّ في يوم عيد النحر: رميُ جمرة العقبة، فنرجو من شيخنا -حفظه الله- أن يبيِّن أحكامَه، ووقتَه، ومستحباتِه، وجزاكم الله خيرا.
-الجواب:
-الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فيستحبُ للحاجّ التقاطُ حصى الجمارِ من الطريق يوم النحر، والأفضلُ التقاطه من منى، وإن أخذَه من مزدلفةَ أجزأه، قال ابنُ قدامة -رحمه الله-: «ولا خلاف في أنه يجزئه أخذُه من حيث كان»(١)، ويدلّ على الأفضلية حديثُ الفضل بن العباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ»، وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا، ‑وَهُوَ مِنْ مِنًى‑، عَلَيْكُمْ بِحَصَى الخَذْفِ الذِي يُرْمَى بِهِ الجمْرَةُ»(٢).
-ويستحب أن يكون حجمُ حصى الرمي مثلَ حصى الخذف قدر حبة الباقلاء(٣) ما بين حبة الحِمَّص وحبة البندق، والتقاطُها أولى من تكسيرها لهذا الخبر(٤)، ولحديثِ ابن عباس رضي الله عنهما: «قَالَ لي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ العَقَبَةِ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: «هَاتِ الْقُطْ لِي» فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الخَذْفِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ: «بِأَمْثَالِ هَؤُلاءِ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ»(٥)
-فإذا وصلَ إلى جمرةِ العقبة الكبرى(٦) استقبلها وجعل مكةَ عن يساره ومنى عن يمينه، فيرميها بسبع حصياتٍ متعاقباتٍ، يرفع يده عند رمي كلِّ حصاة، ويكبِّر مع كلِّ حصاة، ولا يجزيه أن يرمي الحصياتِ جملةً واحدةً(٧)، ثم يقطع التلبية مع آخر حصاةٍ يرميها لحديث الفضل رضي الله عنه قَال: «أَفَضْتُ مَعَ النبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في عَرَفَاتٍ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَطَعَ التَلْبِيَةَ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ»(٨)، وفي حديثِ عبد الرحمن بنِ يزيد رضي الله عنه أنَّه«كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الوَادِيَ حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ هَا هُنَا وَالذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ قَامَ الذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ»(٩)، وفي رواية للبخاري-أيضا-: «فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ»(١٠)
وإِنْ رماها من الجوانب الأخرى أجزأَه فعلُه إذا وقع الحصى في المرمى، قال الحافظ -رحمه الله -: «وقد أجمعوا على أنَّه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها، والاختلافُ في الأفضل»(١١)، قال ابنُ المنذر -رحمه الله-: «وأجمعوا على أنه إذا رمى على أيِّ حالةٍ كان الرمي إذا أصاب مكان الرمي أجزأه»(١٢).
-وأفضلُ وقتٍ لرميِ جمرة العقبة الكبرى هو من طلوع الشمس إلى الزوال اتفاقًا، قال ابن قدامة -رحمه الله-: «أمّا وقتُ الفضيلة فبعد طلوعِ الشمس، قال ابنُ عبد البر -رحمه الله-: «أجمع علماء المسلمين على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما رماها ضحًى ذلك اليوم(١٣)، وقال جابر: «رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الجمْرَةَ ضُحًى يَوْمَ النَحْرِ وَحْدَهُ، وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ زَوَالِ الشَمْسِ»، أخرجه مسلم(١٤). وقال ابن عباس: قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتٍ فَجَعَلَ يَلْطَح أَفْخَاذَنَا وَيَقُولُ: أُبَيْنِيَّ لا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»(١٥)رواه ابن ماجه. وكان رميُها بعد طلوعِ الشمس يجزي بالإجماعِ وكان أولى»(١٦)
-قال الحافظُ ابنُ حجرٍ -رحمه الله- : «قال ابنُ المنذر: «السنة أن لا يرمي إلاَّ بعد طلوع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وسلَّم، ولا يجوزُ الرمي قبل طلوع الفجر لأنَّ فاعله مخالفٌ للسنَّة، ومن رمى حينئذٍ فلا إعادةَ عليه، إذ لا أعلمُ أحدًا قال: لا يجزئه»(١٧)
-وقال الشوكاني - رحمه الله -:«والأدلةُ تدلُّ على أنَّ وقت الرمي بعد طلوع الشمس لمن كان لا رخصة له، ومن كان له رخصة كالنساءِ وغيرِهنَّ من الضَعَفَة جازَ قبل ذلك، ولكنَّه لا يجزئ في أوَّل ليلةِ النحرِ إجماعًا»(١٨).
وإِنْ أخّر إلى ما بعد الزوالِ إلى آخر النهارِ جاز إجماعًا.
-قال ابنُ عبد البر-رحمه الله-: «وأجمعوا أنَّه إن رماها قبل غروب الشمس من يوم النحر فقد أجزأَ عنه»(١٩) لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى فَيَقُولُ: «لاَ حَرَجَ» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: «حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ»، فَقَالَ:« اذْبَحْ وَلا حَرَجَ» وَقَالَ: «رَمَيْتُ بَعْدَ أَنْ أَمْسَيْتُ» فَقَالَ:« لا حَرَجَ»(٢٠).
-وإن تعذَّر عليه الرميُ إلاَّ ليلاً بعد غروب الشمس من يوم النحر جاز على الصحيح(٢١)، لحديث نافعٍ أن «ابْنَةَ أخٍ لِصَفِيَةَ بِنْتِ عَبْدِ الله نَفِسَتْ بِالمزْدَلِفَةِ، وَتَخَلَّفَتْ هِيَ وَصَفِيَةُ حَتَّى أَتَتَا مِنًى بَعَدَمَا غَرَبَتِ الشَمْسُ يَوْمَ النَحْرِ، فَأَمَرَهُمَا عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ أَنْ تَرْمِيَا الجمْرَةَ حِينَ أَتَتَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا شَيْئًا»(٢٢)، وقد رخَّص رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم لرعاءِ الإبل الرميَ بالليل فقال: «الرَّاعِي يَرْمِي بِاللَّيْلِ وَيَرْعَى بِالنَّهَارِ»(٢٣)
-ويجوزُ للحاجِّ أن يرمي جمرة العقبة راكبًا من غير أن يدفع الناس، ولا يرمي غيرها يوم النحر إجماعًا، لحديثِ جابرٍ رضي الله عنه قال :«رَأَيْتُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النحْرِ وَيَقُولُ : «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»(٢٤)، وفي حديث قدامةَ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي جَمْرَةَ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ صَهْبَاءَ، لاَ ضَرْبَ وَلاَ طَرْدَ وَلاَ إِلَيْكَ إِلَيْكَ»(٢٥).
-وقال ابنُ المنذر: « وأجمعُوا على أنَّه لا يرمي في يوم النحر غيرَ جمرةِ العقبة»(٢٦)، ولا يسنُّ الوقوف عند جمرة العقبة بعد رمي الحصيات السبع لأنّ «النَبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ انْصَرَفَ وَلَمْ يَقِفْ»(٢٧).
-وليس بمنى صلاةُ عيدٍ، ورميُ جمرة العقبة لهم كصلاةِ العيد لأهلِ الأمصار(٢٨)، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصلِّ جمعةً ولا عيدًا في السفر.
-ويُسنُّ للإمام – حين ارتفاع الضحى يوم النحر– أن يخطبَ بمنى فينصح المسلمين ويعلِّمهم مناسكهم، لحديث رافع بن عمرو الْمُزَني قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَاعِدٍ وَقَائِمٍ»(٢٩)، ولحديثِ أمِّ الحصين رضي الله عنها قالت: «حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَمَعَهُ بِلالٌ وَأُسَامَةُ أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ مِن الشَّمْسِ، قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ قَوْلاً كَثِيرًا ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ:إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ -حَسِبْتُهَا قَالَتْ أَسْوَدُ- يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا»(٣٠)
-والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٥ رمضان ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٥ أوت ٢٠٠٩ م
(١) «المغني» لابن قدامة : (٣/ ٤٢٥).
(٢) أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٨٢)، رقم: (١٢٨٢)، والنسائي كتاب «مناسك الحج»، باب الأمر بالسكينة في الإفاضة من عرفة: (٥/ ٢٥٨)، وأحمد: (١/ ٢١٠)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) قال النووي في «شرح مسلم» (٩/ ٢٧،٤٧): «ولو رمى بأكبر أو أصغر جاز مع الكراهة»، قلت: «وإنما الكراهة تقررت في الزيادة أو النقصان لدخولها في باب الغلو في الدين الذي يكون سببا في هلاك صاحبه، وكذا الاغتسال لرمي الجمار وغسل الحصى ورمي الجمرات بالنعال، كل ذلك معدود من محدثات الأمور التي لم يرد فيها نص شرعي يسندها أو أثر صحيح عن سلف الأمة يدعمها». قال ابن المنذر: «لا يعلم في شيء من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم غسلها أو أمر بغسلها» قال: ولا معنى لغسلها [«المجموع» للنووي: ٨/ ١٥٣].
(٤) «المغني» لابن قدامة: (٣/ ٤٢٥).
(٥) أخرجه النسائي كتاب «مناسك الحج»، باب التقاط الحصى: (٣٠٥٧)، وابن ماجه كتاب «المناسك»، باب قدر حصى الرمي: (٣٠٢٩)، وأحمد: (١/ ٣٤٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث صححه النووي في «المجموع»: (٨/ ١٧١)، وأحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد»: (٥/ ٨٥)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»: (٣/ ٢٧٨).
(٦) قال ابن حجر -رحمه الله- في «فتح الباري» (٣/ ٥٨١): «جمرة العقبة: هي الجمرة الكبرى، وليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة، وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأنصار عندها على الهجرة، والجمرة اسم لمجتمع الحصى سميت بذلك لاجتماع الناس بها، يقال: تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا، وقيل إن العرب تسمي الحصى الصغار جمارا فسميت تسمية الشيء بلازمه، وقيل لأن آدم أو إبراهيم لما غرض له إبليس فحصبه جمر بين يديه أي أسرع فسميت بذلك» وقال -رحمه الله- أيضا في المصدر السابق (٣/ ٥٨٠): «تمتاز جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأربعة أشياء: اختصاصها بيوم النحر، وأنه لا يوقف عندها، وترمى ضحى، ومن أسفل استحبابا».
(٧) انظر شروط الرمي في فتوى رقم: (٦٠٦).
(٨) أخرجه ابن خزيمة: (٤/ ٢٨٢)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (٥/ ١٣٧)، من حديث الفضل بن العباس رضي الله عنهما. قال ابن خزيمة: «هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى وأن المراد بقوله حتى رمى جمرة العقبة أي أتم رميها» [انظر «فتح الباري» لابن حجر: (٣/ ٥٣٣)].
(٩) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب يكبر مع كل حصاة: (١/ ٤١٩)، ومسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٨٨)، رقم: (١٢٩٦)، من حديث عبد الرحمن بن يزيد.
(١٠) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره: (١/ ٤١٩)، ومسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٨٨)، رقم: (١٢٩٦)، من حديث عبد الرحمن بن يزيد.
(١١) «فتح الباري»: لابن حجر: (٣/ ٥٨٢) انظر: «الاستذكار» لابن عبد البر: (٤/ ٣٥١)، «شرح مسلم»: للنووي (٩/ ٤٢)
(١٢) «الإجماع» لابن المنذر: (٥٢).
(١٣) قال ابن عبد البر في «الاستذكار»(٤/ ٢٩٣) : «وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رمى يوم النحر في حجته جمرة العقبة بمنى يوم النحر بعد طلوع الشمس. وأجمعوا على أن من رماها ذلك اليوم بعد طلوع الشمس إلى زوالها فقد رماها في وقتها».
(١٤) كتاب «الحج»: (١/ ٥٩٠)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَأَمَّا بَعْدُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ».
(١٥) أخرجه أبو داود كتاب «المناسك»، باب التعجيل من جمع: (٢/ ٣٢٩)، والنسائي كتاب «الحج»، باب النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس: (٣٠٦٤)، وابن ماجه كتاب «الحج»، باب من تقدم من جمع إلى منى: (٣٠٢٥)، وأحمد: (١/ ٣١١)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني في «الإرواء»: (٤/ ٢٧٦).
(١٦) «المغني» لابن قدامة: (٣/ ٤٢٩).
(١٧) «فتح الباري» لابن حجر: (٣/ ٥٢٩).
(١٨) «نيل الأوطار» للشوكاني: (٦/ ١٦٨) انظر فتوى برقم (١٩٧).
(١٩) «الاستذكار» لابن عبد البر: (٤/ ٢٩٥).
(٢٠) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب إذا رمى بعدما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيا أو جاهلا: (١/ ٤١٦)، من حديث اين عباس رضي الله عنهما.
(٢١) فآخر وقت رمي جمرة العقبة هو غروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق، فعند أبي حنيفة ومالك: أن من أخرها إلى أيام التشريق عليه دم، وعند الشافعي وأحمد: لا شيء عليه إلا أنه عند أحمد إذا أخر الرمي إلى أيام التشريق لا يرمي إلا بعد الزوال. [انظر المنتقى للباجي: (٣/ ٥٢-٥٣)، «بدائع الصنائع» للكاساني: (٢/ ٢٠٧-٢٠٨)، «الشرح الكبير» لابن قدامة (٣/ ٤٨٠)، «إعانة الطالبين» للدمياطي: (٢/ ٣٤٨)].
(٢٢) أخرجه مالك في «الموطإ»: (١/ ٤٠٩)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (٥/ ١٥٠)، عن نافع رحمه الله. والأثر صححه زكريا غلام قادر الباكستاني في «ما صح من آثار الصحابة في الفقه»: (٢/ ٨٤٠).
(٢٣) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى»: (٥/ ١٥١)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (٥/ ٦٢٢).
(٢٤) أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٨٩)، رقم: (١٢٩٧)، وأبو داود كتاب «المناسك»، باب في رمي الجمار: (٢/ ٣٤٠)، وأحمد: (٣/ ٣٣٧)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٢٥) أخرجه الترمذي كتاب «الحج»، باب ما جاء في كراهية طرد الناس عند رمي الجمار: (٩٠٣)، والنسائي كتاب «الحج»، باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم: (٣٠٦١)، وابن ماجه كتاب «المناسك»، باب رمى الجمار راكبا: (٣٠٣٥)، وأحمد: (٣/ ٤١٣)، من حديث قدامة بن عبد الله العامري رضي الله عنه. والحديث صححه ابن الملقن في «البدر المنير»: (٦/ ٢٥٨)، والألباني في «المشكاة»: (٢/ ٨٠٦).
(٢٦) «الإجماع» لابن المنذر: (٥٢).
(٢٧) أخرجه البخاري كتاب «الحج» باب إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة: (١/ ٤٢٠)، وابن ماجه كتاب «المناسك»، باب إذا رمى جمرة العقبة لم يقف عندها: (٣٠٣٢)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٢٨) قال ابن تيمية - رحمه الله – في «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ١٧٠) : «ومما يغلط فيه الناس: اعتقاد بعضهم أنه يستحب صلاة العيد بمنى يوم النحر حتى قد يصليها بعض المنتسبين إلى الفقه، أخذا فيها بالعمومات اللفظية أوالقياسية وهذه غفلة عن السنة ظاهرة، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاءه لم يصلوا بمنى عيدا قط، وإنما صلاة العيد بمنى هي جمرة العقبة، فرمي جمرة العقبة لأهل الموسم بمنزلة صلاة العيد لغيرهم ولهذا استحب أحمد أن تكون صلاة أهل الأمصار وقت النحر بمنى ولهذا خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر بعد الجمرة كما كان يخطب في غير مكة بعد صلاة العيد ورمي الجمرة تحية منى كما أن الطواف تحية المسجد الحرام».
(٢٩) أخرجه أبو داود كتاب «المناسك»، باب أي وقت يخطب يوم النحر: (٢/ ٣٣٥)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (٥/ ١٤٠)، من حديث رافع بن علي المزني رضي الله عنه. والحديث صححه النووي في «المجموع»: (٨/ ٩٠)، والألباني في «صحيح أبي داود»: (١٩٥٦).
(٣٠) أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٨٩) رقم: (١٢٩٨)، من حديث أم الحصين رضي الله عنها.
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزمحمد علي فركوس -حفظه الله -
[center]في أعمال الذبح يوم عيد النحر
-السؤال:
[right]-نرجو من شيخنا -حفظه الله- ذِكرَ أحكامِ الذبح والنحر من أعمال الحج، التي تكون في اليوم العاشر من ذي الحجة؟
-الجواب:
-الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
-فالسنةُ أن يأتي الحاجُّ المنحر بمنى –بعد الفراغ من رمي جمرة العقبة – لينحر هديه أو يذبحه فيه، فإن تعذَّر عليه فيجوز له ذلك في أي مكان وسعه في منى أو في مكة إن كان متمتعا أو قارنا وساق الهدي معه(١) ويدلّ على ذلك قوله تعالى ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ [الحج: ٣٦] وقوله تعالى ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٢-٣٣] قال ابن عبد البر -رحمه الله-: «أجمعُوا أنَّ قوله عزَّ وجل: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ لم يُرِد به الذبح ولا النحرَ في البيت العتيق، لأنَّ البيت ليس بموضع للدماء، لأنَّ الله تعالى قد أمر بتطهيره، وإنما أراد بذكره البيت العتيق مكةَ ومنىً»(٢)، ويؤيِّده قولُه صلى الله عليه وآله وسلم :«قَدْ نَحَرْتُ هَا هُنَا، وَمِنَى كُلُّهَا منْحَرٌ»(٣)، وقوله: «وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَةَ طَرِيقٌ وَمنْحَرٌ»(٤)، وقوله: «فَانْحَرُوا في رِحَالِكُمْ»(٥).
-والهديُ الواجبُ شاةٌ عن المتمتع والقارن خاليةً من العيوب، وبلغت السنَّ المجزئ لذبحها(٦) ويجوز اشتراك كلّ سبعة في بقرة أو بدنة، والسنةُ أن يذبحها مستقبلا بها القبلةَ، فيضجعها على الجانب الأيسر، ويضع قدمه اليمنى على جانبها الأيمن قال ابن حجر -رحمه الله-: «واتفقوا على أنّ إضجاعها يكون على الجانب الأيسر فيضع رجله على الجانب الأيمن ليكون أسهل على الذابح أن يأخذَ السكين باليمين، وإمساكَ رأسها بيده اليسار»(٧).
-والسنةُ في الإبلِ نحرُها مقيَّدةَ الرجل اليسرى، قائمةً على بقية قوائمها، ووجهُها قِبَلَ القبلة، ويقولُ عند النحر أو الذبح: «بِسْمِ الله، وَالله أكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَإِلَيْكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي».
-ويدلّ على ذلك حديثُ عائشة رضي الله عنها قالت :«أَهْدَى النبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً غَنَمًا»(٨) وفي حديث جابر رضي الله عنه قال: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الإِبِلِ وَالبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ»(٩)، وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال :«ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ»(١٠)، وعنه رضي الله عنه «أَنَّ النبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لما دَخَلَ مَكَّةَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا، وَنَحَرَ النَّبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا»(١١)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما «أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا قَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(١٢)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج:٣٦] قال: «قِيَامًا عَلَى ثَلاثِ قَوَائِمَ مَعْقُولَةً يَدُهَا اليُسْرَى، يَقُولُ: بِسْمِ اللهِ والله أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلاَّ الله، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ»(١٣) -وفي الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ذبح يوم العيد كبشين – وفيه – ثمّ قال: «بِسْمِ الله وَالله أَكْبَرُ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ»(١٤)، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال عند الذبح:«بِسْمِ الله، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ»(١٥) قال النووي: «فيه دليل لاستحباب قول المضحي حال الذبح مع التسمية والتكبير: اللّهم تقبل مني،»(١٦).
-ويُستحب له أن ينحر هديه بيده إن تيسر ذلك، ويجوز له أن يستنيب غيره لحديث جابرِ بنِ عبد الله رضي الله عنهما الطويل وفيه: « ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ»(١٧).
-وله أن يأكلَ من هديه وأن يتزوَّد منه إلى بلده وأهله، ويُطعِمَ منها الفقير والمعتر(١٨)، ويتصدق بها لقوله تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨]، ولقوله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: ٣٦]، -وفي حديث جابرٍ رضي الله عنه قال: «ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا»(١٩) وعنه رضي الله عنه يقول: «كُنَّا لا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاثِ مِنًى، فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: «كُلُوا وَتَزَوَّدُوا» فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا»(٢٠)، وعنه رضي الله عنه أيضًا: «كُنَّا نَتَزَوَّدُ مِنْ لحُومِ الهدْيِ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى المدِينَةِ»(٢١)
-ولا يجوزُ أن يعطيَ الجزَّار أجره من الهدي، ويُستحب له التصدق بجلود الهدي وجِلاله لحديث عليٍّ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلالَهَا وَلا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا»(٢٢).
-قال ابنُ قدامةَ – رحمه الله -: «وإنما لم يعط الجازر بأجرته منها لأنَّه ذبحها فعِوَضُهُ عليه دون المساكين، ولأنَّ دفع جزءٍ منها عوضًا عن الجِزارة كبيعه ولا يجوز بيع شيء منها، وإن كان الجازر فقيرًا فأعطاه لفقره سوى ما يعطيه أجرَه جاز، لأنَّه مستحقُ الأخذِ منها لفقره لا لأجره فجاز كغيره، ويُقسِّم جلودها وجلالها كما جاء في الخبر، لأنه ساقها لله على تلك الصفة فلا يأخذ شيئًا مما جعله لله»(٢٣).
-ووقتُ نحر الهدي والأضحية أربعةُ أيام العيد، وهي مدةٌ تبدأ بعد الرمي من يوم النحر وتمتدُّ إلى غروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق(٢٤) لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم «كُلُّ أَيَّامِ التَشْرِيقِ ذَبْحٌ»(٢٥).
-وإذا لم يجدِ المتمتعُ أو القارنُ هديًا فالواجبُ عليه اتفاقًا أن يصوم ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةً إذا رجع إلى أهله لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٦] قال ابنُ قدامة -رحمه الله-: «لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أنَّ المتمتع إذا لم يجد الهدي ينتقل إلى صيامِ ثلاثةِ أيامٍ في الحج وسبعةٍ إذا رجع تلك عشرةٌ كاملة، وتعتبر القدرة في موضعه فمتى عَدِمَه في موضعه جاز له الانتقالُ إلى الصيام وإن كان قادرًا عليه في بلده، لأنَّ وجوبه مؤقت، وما كان وجوبُه مؤقتًا اعتبرت القدرة عليه في موضعه، كالماء في الطهارة إذا عَدِمَه في مكانه انتقل إلى التراب»(٢٦) ولا يُشترط التتابع في صوم الثلاثة الأيام ولا في صومِ السبعة، فيجوز فيها التتابع والتفريق لانتفاء شرط التتابع بالنصِّ، والأفضلُ تأخير صوم السبعة إلى حينِ الرجوع إلى أهله، لحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَامٍ في الحجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ»(٢٧). وهو مخيَّرٌ في صيام الثلاثة قبل النحر لقول ابن عباس رضي الله عنهما: «فَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ هَدِيَّةٌ مِنْ الإِبِلِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ، غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ فَعَلَيْهِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ كَانَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ الأَيَّامِ الثَّلاثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ»(٢٨).
-وإن شاء صامها في أيام التشريق، ويدلّ عليه حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم قالا: «لم يُرَخَّصْ في أَيَّامِ التَشْرِيقِ أَنْ يُصَمْن إِلاَّ لمنْ لَمْ يَجِدِ الهدْيَ»(٢٩) وعن ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: «الصِيَامُ لمنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إلى الحجِّ إِلى يَوْمِ عَرفَةَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى»(٣٠) قال الترمذي –رحمه الله- : «والعملُ على هذا عند أهلِ العلم يكرهون الصيامَ أيام التشريقِ إلاَّ أنَّ قومًا من أصحابِ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وغيرِهم رخَّصوا للمتمتع إذا لم يجد هديًا ولم يصم في العشر أن يصومَ أيَّام التشريق، وبه يقول مالكُ بنُ أنسٍ والشافعي وأحمد وإسحاق»(٣١)
-لكن لا يجوز له أن يصومها يوم النحر ولا أن يؤخِّرها عن أيام التشريق، قال ابنُ عبد البر -رحمه الله-: «وأجمع العلماءُ على أنَّ الثلاثة الأيام إن صامها قبل يوم النحر فقد أتى بما يلزمُه من ذلك، ولهذا قال من قال من أهل العلم بتأويل القرآن في قوله ﴿ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ في الحجِّ﴾ قال آخرُها يوم عرفة وكذلك أجمعُوا أنه لا يجوز له ولا لغيره صيام يوم النحرِ»(٣٢)
-ويُستثنى أهلُ الحرم من وجوب الهدي، ويسقطُ عنهم دم المتعة اتفاقًا، قال ابنُ قدامة -رحمه الله -: «ولا خلاف بين أهل العلمِ في أنَّ دم المتعة لا يجب على حاضري المسجد الحرام، إذ قد نصَّ الله تعالى في كتابه بقوله سبحانه: ﴿ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٦] ولأنَّ حاضرَ المسجدِ الحرامِ ميقاته مكة، فلم يحصل له الترفُهُ بتركِ أحدِ السفرين»(٣٣)
-والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٥ رمضان ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٥ أوت ٢٠٠٩م(١) فالقارن يلزمه سوق الهدي معه وإلا وجب عليه التحلل بالعمرة ليكون متمتعا.
(٢) «الاستذكار» لابن عبد البر ٤/ ٢٥٦ ).
(٣) أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٥٩)، رقم: (١٢١٨)، وأبو داود كتاب «المناسك»، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: (٢/ ٣١٨)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٤) أخرجه أبو داود كتاب «المناسك»، باب الصلاة بجمع: (٢/ ٣٢٨)، وابن ماجه كتاب «المناسك»، باب الذبح: (٣٠٤٨)، وأحمد: (٣/ ٣٢٦)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسّنه الزيلعي في «نصب الراية»: (٣/ ١٦٢)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (٥/ ٥٩٧).
(٥) أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٥٩)، رقم: (١٢١٨)، وأبو داود كتاب «المناسك»، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: (٢/ ٣١٩)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٦) قال ابن قدامة –رحمه الله – ( ٣/ ٥٥٣) : « ويمنع من العيوب في الهدي ما يمنع في الأضحية ، قال البراء بن عازب :« قام فينا رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فقال :أربع لا تجوز في الأضاحي :العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ضلعها، والكسيرة التي لا تنقى،قال: قلت :إني أكره أن يكون في السن نقص، قال :ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد» رواه أبو داود والنسائي ... فهذه الأربع لا نعلم بين أهل العلم خلافا في منعها ،ويثبت الحكم فيما فيه نقص أكثر من هذه العيوب بطريق التنبيه» [بتصرف]
(٧) « فتح الباري» لابن حجر: ( ١٠/ ١٨ ).
(٨) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب تقليد الغنم: (١/ ٤٠٩)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٩) أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٩٦)، رقم: (١٣١٨)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(١٠) أخرجه البخاري كتاب «الأضاحي»، باب من ذبح الأضاحي بيده: (٣/ ١٢٤)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(١١) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب نحر البدن قائمة: (١/ ٤١١)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(١٢) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب نحر الإبل مقيّدة: (١/ ٤١١)، ومسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٩٨)، رقم: (١٣٢٠)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(١٣) «تفسير ابن كثير»: (٣/ ٢٢٢)، والأثر أخرجه الطبري في «تفسيره»: (٩/ ١٥٢)، والحاكم في «المستدرك»: (٤/ ٢٦٠) وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».
(١٤) أخرجه أبو داود كتاب «الضحايا»، باب ما يستحب من الضحايا: (٣/ ١٥٨)، وأحمد: (٣/ ٣٧٥)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني في «الإرواء»: (٤/ ٣٦٦).
(١٥) أخرجه مسلم كتاب «الأضاحي»: (٢/ ٩٤٦)، رقم: (١٩٦٧)، وأبو داود كتاب «الضحايا»، باب ما يستحب من الضحايا: (١/ ١٥٧)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(١٦) «شرح مسلم» للنووي: (١٣/ ١٢٢).
(١٧) جزء من حديث جابر رضي الله عنه الطويل: أخرجه مسلم: كتاب «الحج»: (١/ ٥٥٦)، رقم: (١٢١٨).
(١٨) المعتر: هو الذي يتعرض لك ويلم بك لتعطيه ولا يسأل [انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : (٢٩٣) وفتح القدير للشوكاني: (٣/ ٤٥٤)]
(١٩) جزء من حديث جابر رضي الله عنه الطويل: أخرجه مسلم: كتاب «الحج»: (١/ ٥٥٦)، رقم: (١٢١٨).
(٢٠) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب ما يأكل من البدن وما يتصدق: (١/ ٤١٣)، ومسلم كتاب «الأضاحي»: (٢/ ٩٤٨)، رقم: (١٩٧٢)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٢١) أخرجه البخاري كتاب «الأطعمة»، باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره: (٣/ ٩٢)، ومسلم كتاب «الأضاحي»: (٢/ ٩٤٩)، رقم: (١٩٧٢)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٢٢) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب يتصدق بجلود الهدي: (١/ ٤١٢)، من حديث علي رضي الله عنه.
(٢٣) «المغني» لابن قدامة: (٣/ ٤٣٣).
(٢٤) انظر «المجموع» للنووي: (٨/ ٣٩٠).
(٢٥) أخرجه أحمد: (٤/ ٨٢)، وابن حبان في «صحيحه»: (٩/ ١٦٦)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (٥/ ٢٣٩)، من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه.والحديث حسّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (٥/ ٦١٧).
(٢٦) «المغني» لابن قدامة: (٣/ ٤٧٦).
(٢٧) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب من ساق البدن معه: (١/ ٤٠٧)، ومسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٦٣)، رقم: (١٢٢٧)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٢٨) أخرجه البخاري كتاب «التفسير»، باب ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس: (٢/ ٤٦٦)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢٩) أخرجه البخاري كتاب «الصوم»، باب صيام أيام التشريق: (١/ ٤٧٧)، من حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم.
(٣٠) أخرجه البخاري كتاب «الصوم»، باب صيام أيام التشريق: (١/ ٤٧٧)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(٣١) «سنن الترمذي»: (٣/ ١٤٤).
(٣٢) «الاستذكار» لابن عبد البر: (٤/ ٤١٣).
(٣٣) «المغني» لابن قدامة: (٣/ ٤٧٢).
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزمحمد علي فركوس -حفظه الله - [/center]
[/right]
بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا