ثورة الاتصالات .. الآثار السلبية والصراع المحتوم
إنَّ كلُّ ما نراه من أزمات وصراعات مستعرة أو متوقَّع حدوثها في المستقبل القريب يحدثُ في عصرٍ يشهد ثورةً في مجالات الاتصالات ووسائل المواصلات؛ جعلت العالم كأنَّه قريةٌ صغيرة، ومع الإيجابيَّات الكثيرة لهذه الثورة إلَّا أنَّها أسهمت في ظواهر خطرة جدًّا، تُسهم في دفع العالم إلى الهاوية؛ فما أن تحدث أزمة أو حربٍ في مكان إلَّا وعَلِمَها العالم في ساعة وقوعها، وتابع تطوُّرَاتها لحظةً بلحظة، مع ما يُسَبِّبه هذا البث المباشر من أثرٍ بالغٍ على الشعوب، لا سيَّما متابعتنا لأحداث الغزو الأميركي للعراق، وللاعتداءات المتكرِّرة على فلسطين، وآخرها المجزرة الصهيونيَّة الدمويَّة لأهل قطاع غزة، وما سبَّبه هذا العمل الإجرامي من احتقان وتوترات عمَّت مظاهرها الشارع العربي والإسلامي[1].
ولنلحظ ما حدث من سرعة الاستجابة للأحداث السياسيَّة، والردِّ السريع على التحديات في سرعة قياسيَّة! فلم يَعُد الأمر يحتاج إلى سيارات تحمل أبواقًا وتجول في المدن لدعوة الناس إلى مسيرة -سلميَّة أو غير سلميَّة- أو إنفاق مبالغ طائلة لترويج حدثٍ سياسيٍّ في وسائل الإعلام التجاريَّة؛ بل أصبح الأمر مجرَّد تحرير رسالة تعبئة واستنفار، وإرسالها إلى العناوين الإلكترونيَّة لآلاف الناس في لحظةٍ واحدة، أو نشرها على مواقع معيَّنة في الشبكة الإلكترونيَّة ليطَّلع عليها الآلاف، أو عبر قناةٍ فضائيَّةٍ يراها العالم أجمع فيستجيبون للنداء[2].
ذلك إلى جانب استشعارنا الخوف من محاولات بعض القوى الكبرى لاستغلال هذه الثورة المعلوماتيَّة في الترويج للغتها وثقافتها؛ لتمهيد الطريق أمام عصرٍ تكون فيه هي المهيمنة على الشعوب كافَّة.. وعلى العكس تُحاول بعض الفئات المستضعفة استثمار عصر المعلومات في الترويج لأفكارها وقناعاتها، التي قد تَتَّسم بالتطرُّف أحيانًا؛ فنرى الآن على شبكة المعلومات الدوليَّة شرحًا لكيفيَّة صنع القنابل والتخطيط للعمليَّات الإرهابيَّة، وغيرها من أعمال العنف متاحًا للجميع ولا يُكَلِّفه الحصول على هذه المعلومات سوى الضغط على زرٍّ صغير!
كذلك ما نراه من سهولةٍ ويُسر أمام انتشار الأفكار الهدَّامة، التي تُشَجِّع على الانحلال والفجور، وتُنَاقِضُ كلَّ الأعراف التي تعارف عليها البشر؛ وعلى سبيل المثال فقد كشف متخصِّصٌ سعوديٌّ في مجال الإنترنت أنَّ 93% من مستخدمي الإنترنت في السعودية يتصفَّحون المواقع الإباحيَّة، و7% يتصفَّحون مواقع محظورة؛ كالتي تُرَوِّج للمخدِّرات، أو تدعو إلى الإرهاب، أو الإساءة إلى الدين أو الدولة[3].
فإذا أضفنا إلى ما ذكرناه تفشِّي مشاعر الإحباط واليأس وانتشارها بين أغلب الشعوب، والارتفاع الملحوظ لمعدلات الإصابة بمرض الاكتئاب، والإقدام على الانتحار في العالم -ولا فرق هنا بين شعوب فقيرة أو غنيَّة، فأعلى نسب الانتحار نجدها في البلدان الغنيَّة- نستشعر قدر الخطر الذي يحيق بمستقبل أبنائنا، ويدفعنا دفعًا نحو التفكير في سُبُل إنقاذهم، ومحاولة إقناعهم بالتوقُّف عن السير نحو الهاوية.
فوَفقًا لتقارير منظمة الصحة العالميَّة أنَّه في كلِّ عامٍ يُوجد ما يقرب من مليون منتحر، وفي آخر 45 سنوات ارتفعت معدلات الانتحار بنسبة 60% في جميع أنحاء العالم، وأصبح الانتحار من بين الأسباب الثلاثة الرئيسة للوفاة بين الذين تتراوح أعمارهم من 15 إلى 44 عامًا في بعض البلدان، والسبب الرئيس الثاني للوفاة في الفئة العمريَّة من 10 إلى 24 عامًا في بلدان أخرى، علمًا بأنَّ هذه الأرقام لا تشمل محاولات الانتحار الفاشلة! وأرجعت المنظمة السبب في هذه الظاهرة إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالاضطرابات النفسيَّة -خاصَّةً الاكتئاب- واضطرابات تعاطي الكحول، يظهر ذلك بوضوح في حالات الانتحار في اليابان وأوربَّا وأميركا الشماليَّة[4]، كما أنَّ اليابان ليست بعيدة عن هذه الصورة القاتمة!
وأكثر ما نخشاه أنَّ ارتفاع هذه النسب يُؤَدِّي إلى انتشار رُوحٍ عامَّةٍ من افتقاد الأمل والإحباط، بل ويدفع إلى تصرُّفات وردود أفعال غير متَّزنة، تدفع نحو المزيد من التوتُّر والاحتقان والصراعات بين الشعوب والبلدان.
المصدر:
كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.
[1] صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، العدد (10991)، بتاريخ 31 ديسمبر 2008م.
[2] محمد بن المختار الشنقيطي: الإنترنت.. ثورة الفقراء في عصر التواصل، الجزيرة نت، 7 أبريل 2005م، [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ****
بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا