التصحر ونقص المياه .. ناقوسا خطر ينذران العالم
إنَّ بجانب العوامل التي صنعها الإنسان وأدَّتْ إلى نشوب الصراعات وارتفاع درجة الاحتقان والتوتُّر في عالمنا المعاصر، تأتي مشاكل أخرى من البيئة الطبيعيَّة المحيطة بنا، وتُنذر عند تفاقمها بحدوث نزاعات وحروب قد تكون أخطر وأقسى في نتائجها؛ ونضرب مثلًا بما تُنذر به مشكلة التصحر ونقص المياه العذبة من حروب مستقبليَّة طاحنة.
مشكلة التصحر
فقد عُقد مؤتمر قمَّة الأرض الثاني في مدينة (جوهانسبرج) بجنوب إفريقيا في الفترة من 26 أغسطس إلى 4 سبتمبر 2002م، وبحضور أكثر من 9300 شخص من بينهم مائة من زعماء العالم، وقد برز من خلال قمَّة (جوهانسبرج) خطورة التحدِّيَّات التي يُواجهها العالم؛ ومنها: مشكلة المياه، ومشكلة تصحر الأراضي الزراعيَّة؛ حيث أُهدِرَ أكثر من 20 مليار طنٍّ من التربة الخصبة سنويًّا، كما تتعرَّض 70% من الأراضي الجافَّة التي تُستخدم في الزراعة -أي حوالي ثلث أراضي العالم- إلى مخاطر تحوُّلها إلى أراضٍ صحراويَّة، وتتعرَّض أكثر من 110 دول -غالبيَّتها من الدول الفقيرة، بالإضافة إلى ثلث الولايات المتحدة وخمس إسبانيا- إلى مخاطر في هذا الصدد[1].
وأوضح المؤتمر أنَّ تكلفة ظاهرة التصحر عالميًّا حوالي 42 مليار دولار سنويًّا، ومن المتوقَّع أن يُهاجر 60 مليون شخص بسبب هذه المشكلة من منطقة الساحل الإفريقي إلى شمال إفريقيا وأوربَّا بحلول عام 2020م[2]، كما يُهَدِّد التصحُّر نحو خمس المساحة الكليَّة للبلاد العربيَّة (2,87 مليون كم2)، وتبلغ نسبة زحف الصحراء في شرق العالم العربي إلى نحو نصف الأراضي 48,6%، وإلى نحو الثلث في وادي النيل والقرن الإفريقي 28,6%[3].
وتتجلَّى أبرز آثار التصحُّر في القحط الناجم عن نضوب موارد المياه الجوفيَّة، أو الكامنة في باطن الأرض، وفي تقلُّص المساحات وتدهورها جرَّاء قطع الأشجار، والرعي، والحرق، وفقدان خصوبة التربة وتماسكها في المناطق المجدبة.. كما أدَّت مشكلات الرعي غير المنظَّم مع تحوُّل الأرض إلى أسلوب الزراعة المستقرَّة في منطقة دارفور بغرب السودان إلى منازعاتٍ وتوتراتٍ بالغة[4].
أمَّا على جانب الموارد المائيَّة فنجد أنَّ حجمها الإجمالي المتوفِّر في البلدان العربية يُقَدَّر بنحو 300 مليار متر مكعب سنويًّا؛ تُمَثِّل منها موارد المياه السطحيَّة ما يُقَدَّر حجمه الإجمالي بنحو 277 مليار متر مكعب في السنة[5]، وأكثر من نصف موارد المياه السطحيَّة في العالم العربي مشترك مع دولٍ أخرى (57%)، بمعنى أنَّ النهر قد ينبت في البلد العربي ويمرُّ ببلادٍ أخرى، أو العكس يمرُّ النهر أو يصبُّ في بلدٍ عربيٍّ وهو ينبع ويمرُّ في دولٍ أخرى؛ ولهذا فإنَّ العلاقات القائمة بين هذه الدول المشتركة في الموارد يشوبها التوتُّر والاضطراب، ومعرَّضة لنشوب العديد من النزاعات مستقبلًا[6].
بالإضافة إلى النزاعات الناشئة بفعل أعداء الخارج، مثل تشجيع المحاولات الرامية لانفصال جنوب السودان عن شمالها، وتقديم كافَّة سبل الدعم لإقامة دولةٍ جديدةٍ ناشئةٍ بهدف السيطرة على منابع نهر النيل، وذلك للضغط على مصر وشمال السودان سياسيًّا؛ حيث سيُصبح مصيرهما مرتبطًا بالدولة المسيطرة على مجرى النيل؛ ومن ثَمَّ مرتبطًا بالدول الكبرى ورغباتها، وعندها يصير القرار السياسي مرهونًا برغبات هؤلاء، وتفقُّد مصر والسودان استقلاليَّتهما عمليًّا، أو تضطرَّان إلى خوض غمار حربٍ أمام القوى الكبرى دفاعًا عن الحياة ذاتها[7].
إلى جانب توقُّع العديد من الخبراء في المؤتمر الدولي حول المياه الذي عُقد في ستكهولم عام 2005م أن تزداد بؤر التوتُّر الإقليميَّة المرتبطة بالسيطرة على المياه، مع تفاقم الجفاف في مختلف أنحاء العالم، وكان الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي حذَّر عام 1988م -عندما كان وزيرًا للخارجيَّة المصريَّة- من أنَّ "النزاع المقبل في منطقتنا لن يدور حول السياسة، بل حول مياه النيل". وكذلك توقَّعت الأمم المتحدة من جانبها أن تُواجه مناطق مهمَّة في العالم منها: الصين، ومعظم الدول العربيَّة في غضون عِقْدٍ أزماتٍ حادَّةٍ في التزوُّد بالمياه[8].
المصدر:
كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.
[3] تقرير جامعة الدول العربية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2004م.
[4] ضياء الدين القوصي: التهديدات البيئية التي يتعرض لها وادي النيل وتؤدي إلى التصحر 2008م، ص41.
[5] طبقًا لحسابات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - مكتب تقرير التنمية الإنسانية العربية، بالاستناد إلى قاعدة البيانات الإحصائية لنظام المعلومات العالمي عن المياه والزراعة (AQUASTAT) لدى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.
[6] من تقرير المنظمة العربية للتنمية الزراعية، التابعة لجامعة الدول العربية لعام 2003م.
[7] راغب السرجاني: بين التاريخ والواقع، 1/40.
****
بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا