سفينة الأحــــــــزان
من على رمال شاطئ الأسى وقفت والحيرة تخضني وعلى بعد سبعين ذراعا أطلقت بصري ليستقر على منظر لسفينة حسبتها جاثمة بكلكلها فوق سطح بحر ..
بحر لا كالبحار هو من ماء أجاج و أمواج ذات التواءات واعوجاج ’ إنما هو بحر من الكآبة والكروب . من الأسى والمآسي ’ يستضيف سفينة الأحزان ...
سفينة تتلذذ بها العواصف الهوجاء والأمواج العوجاء ’ كل يلهو بها حسب طريقته الخاصة ’ فقط هي صامتة صمت الأموات ’ لا تشتكي ولا تتكلم’ ولا تئن و لكنها بهدوء وسكينة تتألم......
وكانت لي بعض الغطسات ’ رحت مغامرا وحب الفضول يدفعني لأحاور ربانها ’ إن كان فوقها أو بداخلها أوقربها ’ مع يقيني أنه لا وراءها ولا تحتها .
شيئ في صدري يجبرني على أن اسأله عن حالها وإلى متى هذا الرسو ومتى رحلة الإقلاع ’ ولما لا يرسو بها على شاطئ هادئ آمن بعيد من هنا ’ فينجو هو وتنجو حبات الأمل المتبقية في بطنها ليزرعها هناك حيث الأديم طيب والماء عذب فرات ’ ولا من نبت ضار مضر بل ريحان وزعفران وطيب ومسك وعنبر وثمر من شجر أخضر
*- أطاب لك المقام هنا يا قائد السفينة وأنت لا ترى ما تحتها من حصب وحصا وحسك’
هذه شهور وسنين لم تبدو لأعوامها من إشارة ’ ألم يأن لك أن ترفع عاليا شراعها وتحكم جيد حبالها وتقول: [ بسم الله مجراها ومرساها.]
دعني أخاطبها إن أنت أبيت مخاطبتها ’ أو أنك هبت قمتها؟ هيا تخل عن طريقي فإني مثقل ’ متعب أكثر مما أنت فيه ..
وبخطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف ’ تراني كمكوك بين غدو ورواح . لم أراوح مكاني وكأنني بكل الأغلال قيدت . فقط هو لساني الذي فتئ يذكر ربه ويتذكر مآثر ما هناك من نعيم وحسن حديث وأمانة مستقر . فقط مقلتاي صبحا مساء ’ بكرة وأصيلا تنظران أخت يوشع وهي تغادر يومها ’ وكأني بها تشاركني همومي .في ذات الوقت تخفي عني دمعتها الساخنة. ولكن هيهات هيهات...قد أحسست بها وهي تنزل على وجنتي كالجمر ...
منسابة متسربة . وبسكينة ووقار ما طاب لها من خدي المكان راحت تحفر . لا أدري أتزرع بذور أملها أم أنها إياي تحذر وتنذر..؟
على مسافة قريبة جدا مددت يدي لأتحسس طيفها فلم أعثر على ما خالجني ’ ليس له من أثر ’ وكأن ردة فعل الأمواج جرته معها إلى عمق عمق البحر..
تعريت إلا من لباس التقوى والحياء ’ ارتميت وسط مياه لا يُرجى لمن فيها من عودة سالما إلا من أشلاء عافتها الحيتان ’ وطفت فوق السطح وألقي بها على شاطئ مأهول بالغربان ’ ذلك جزاء من ابتغى غير الوسيلة وتنحى عمدا عن طريق الصواب وشرب من أقداح النسيان ..
أيا سفينة أنت أخاطبك هلا أجبت سائلك’ من أنا بربك , هل أنا إلا إنسان؟
بالأمس كان ذلك الفتى’ واليوم كلّ’ فدوام الحال من المحال ’ دعك صاحب إيمان؟
أنا عبدك وأنت يا رب ربي وربها’ من قبل لم أكن أنا’ ولا كانت هي’ كلانا كان في عالم هو عالمك يا ملك يا ديّان’ وجئنا على قدر لعالم النسيان وسنرحل بأجل إلى عالم الرحمن
الحمد لله رب العالمين.
بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا
ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا