منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب
السلام عليكم ورحمة الله وبركـاتـه

أهلا وسهلا في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب نحن سعداء جدا في منتداك بأن تكون واحداً من أسرتنا و نتمنى لك الأستمرار و الاستمتاع بالإقامة معنا و تفيدنا وتستفيد منا ونأمل منك التواصل معنا بإستمرار في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب و شكرا.

تحياتي

ادارة المنتدي

https://ouargla30.ahlamontada.com/
منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب
السلام عليكم ورحمة الله وبركـاتـه

أهلا وسهلا في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب نحن سعداء جدا في منتداك بأن تكون واحداً من أسرتنا و نتمنى لك الأستمرار و الاستمتاع بالإقامة معنا و تفيدنا وتستفيد منا ونأمل منك التواصل معنا بإستمرار في منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب و شكرا.

تحياتي

ادارة المنتدي

https://ouargla30.ahlamontada.com/


منتدى علمي ثقافي تربوي ديني رياضي ترفيهي
 
الرئيسيةالبوابة*الأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول


هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

للتسجيل اضغط هـنـا

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى ، فيرجى التكرم بزيارةصفحة التعليمـات، بالضغط هنا .كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيعو الإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب .

القانون الدستوري - الجزء السادس

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
فقدت كلمة المرور
البحث فى المنتدى

منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب :: °ღ°╣●╠°ღ°.. منتديات التعليم العالي والبحث العلمي ..°ღ°╣●╠°ღ° :: منتدى القانون و الحقوق و الاستشارات القانونية

شاطر
القانون الدستوري - الجزء السادس Emptyالإثنين 13 مايو - 19:47
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: القانون الدستوري - الجزء السادس



القانون الدستوري - الجزء السادس

القانون الدستوري - الجزء السادس



القسم الثالث
مبادئ التنظيم السياسي

الحكومة :
يستخدم تعبير الحكومة Le Gouvernement للدلالة على معان مختلفة :
فقد يستخدم تعبير الحكومة للدلالة على نظام الحكم في الدولة، أي كيفية ممارسة صاحب السيادة للسلطة العامة و شكل الحكم. وفي هذا الإطار يجب عدم الخلط بين شكل الحكم أو الحكومة و شكل الدولة.
و قد يستخدم تعبير الحكومة للدلالة على مجموعة الهيئات الحاكمة أو المسيرة للدولة، أي السلطات العامة في الدولة من تشريعية و تنفيذية و قضائية. و يستخدم تعبير الحكومة أحياناً للدلالة على السلطة التنفيذية، أي رئيس الدولة و الوزارة، أي الهيئة المكلفة بتنفيذ القوانين و إدارة المرافق العامة. و قد يقصر البعض استخدام تعبير الحكومة للدلالة على الوزارة فقط، أي أحد جوانب السلطة التنفيذية. و هذا الاستخدام شائع في الدول ذات الأنظمة البرلمانية، حيث يقال عادةً الحكومة مسؤولة أمام البرلمان كمرادف للقول بأن الوزارة مسؤولة أمام البرلمان. بهذا الصدد و للإحاطة بمفهوم الحكومة أو الإطار الحكومي في الدولة، لم نقصر دراستنا للحكومة على ما تتضمنه المعاني السابقة فقط، و إنما سوف نتناول بعض الجوانب المؤثرة في تكوين الحكومة أو بشكل أوسع الإطار الحكومي في الدولة. و لذلك سوف نتناول في عدة مباحث الموضوعات التالية :
الفصل الأول : أشكال الحكومة
الفصل الثاني : الديمقراطية و الحكم الديمقراطي
الفصل الثالث : آلية إسناد السلطة في النظام الديمقراطي التمثيلي
الفصل الرابع : أشكال النظام التمثيلي
الفصل الخامس : القوى المؤثرة على العمل الحكومي



ملاحظة : الفصل الاول والثاني والثالث والخامس مقتبس من كتاب القانون الدستوري و النظم السياسية للدكتور سـام دلّـه عميد جامعة حلب
الفصل الأول : أشكال الحكومة

تنقسم الدول من حيث الشكل، كما رأينا سابقاً، إلى نوعين : دول موحدة أو بسيطة، و دول مركبة أو اتحادية. و معيار التمييز بين هذين النوعين يرتكز على كيفية تركيب السلطة، فالدول الموحدة أو البسيطة تتسم بوحدة السلطة و وحدة القانون، في حين تتسم الدول المركبة بتعدد السلطة و تعدد القوانين (سلطات اتحادية و سلطات الدويلات، قوانين اتحادية و قوانين الدويلات). و لذلك يجب عدم الخلط بين شكل الحكم أو الحكومة و شكل الدولة، فهناك دول من شكل واحد و مع ذلك تختلف من حيث شكل الحكومة، و هناك دول تختلف من حيث شكلها و لكنها تأخذ بشكل حكومي واحد. فالبحث في شكل الحكومة أو نظام الحكم في الدولة، يرتكز على كيفية إسناد السلطة، و كيفية ممارسة صاحب السيادة للسلطة العامة. و في هذا الصدد توجد عدة تقسيمات لأشكال الحكومات، سوف نجمعها في ثلاثة تقسيمات أساسية. فتقسم الحكومات من حيث حدودها أو من حيث خضوعها للقانون إلى : حكومات استبدادية و حكومات قانونية. و تنقسم الحكومات من حيث طريقة اختيار الرئيس الأعلى في الدولة إلى : حكومات ملكية و حكومات جمهورية. و تنقسم الحكومات من حيث مصدر السلطة أو السيادة إلى : حكومات فردية، و حكومات القلة، و حكومات ديمقراطية.


المبحث الاول : الحكومة من حيث خضوعها للقانون

تنقسم الحكومات من حيث خضوعها أو عدم خضوعها للقانون إلى : حكومات استبدادية و حكومات قانونية.
1- : الحكومة الاستبدادية : الحكومة الاستبدادية Gouvernement despotique ou arbitraire، هي الحكومة التي لا تخضع للقانون. فالحاكم أو الحكام لا يخضعون في سلطانهم لأي حد أو قيد، فإرادته أو إرادتهم لها قوة القانون أو هي القانون ذاته، التي يخضع لها الجميع باستثنائهم. ففي الدول ذات الحكم الاستبدادي تكون سلطات الحاكم أو الحكام مطلقة و غير مقيدة سواء من حيث الوسيلة أم الغاية. و هذا النوع من الحكومات كان سائداً في العصور القديمة، كالحكم الملكي المطلق Monarchie absolue، حيث كان يتولى السلطة حاكم عن طريق الوراثة يطلق عليه اسم ملك أو إمبراطور أو سلطان..، و قد يوجد إلى جانبه هيئات أخرى خاضعة له، و لا يلتزم هذا الحاكم بأي قانون سوى إرادته، و من أمثلة الحكم الاستبدادي ما يسمى بحكم الطغاة Tyrnnie، حيث يتولى السلطة فيه عادةً حاكم عن طريق القوة. و يمكننا القول : إنّ بعض الحكومات الديكتاتورية Dictature تعتبر من الحكومات الاستبدادية، حيث تكون فيها إرادة الحاكم أو الديكتاتور بمثابة القانون. و في ظل هذا النوع من الحكومات تكون مسألة حقوق و حريات الأفراد أمراً لا مجال لطرحه، بل هو نوع من المحرمات.
2- : الحكومة القانونية : الحكومة القانونية Gouvernement légal، هي الحكومة التي يخضع الحاكم أو الحكام في تصرفاتهم لأحكام القوانين النافذة. و يقصد بالقانون في هذا الصدد لا مجرد التشريع بل جميع القواعد القانونية من دستورية و تشريعية و لائحية. و خضوع الحكومة للقانون لا يعني حرمانها من حق إلغاء أو تعديل أحكامه، و إنما فقط الالتزام بها مادامت نافذة.


المبحث الثاني: الحكومة من حيث طريقة اختيار رئيس الدولة

تنقسم الحكومات من حيث طريقة اختيار رئيس الدولة إلى : حكومات ملكية و حكومات جمهورية.
1- : الحكومة الملكية : الحكومة الملكية هي الحكومة التي يتولى فيها رئيس الدولة السلطة عن طريق الوراثة، و يسمى هذا الرئيس بمسميات مختلفة : إمبراطور، ملك، قيصر، أمير، سلطان، دوق،…الخ. و تكون مدة الرئاسة في الأنظمة الملكية، من حيث المبدأ، غير محددة أو لمدى الحياة. كذلك يكون رئيس الدولة غير مسؤول سياسياً و لا جنائياً.
2- :الحكومة الجمهورية : الحكومة الجمهورية، هي الحكومة التي يتولى فيها رئيس الدولة السلطة عن طريق الانتخاب. و انتخاب الرئيس قد يأخذ أشكالاً متعددة، بواسطة الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر، أو بواسطة البرلمان، أو قد يشترك البرلمان و الشعب في انتخاب الرئيس. و تكون مدة الرئاسة محددة بمدة معقولة، و لو كانت قابلة للتجديد بدون تحديد. و تقرير المسؤولية السياسية لرئيس الدولة عن تصرفاته تختلف باختلاف دساتير الدول، أما مسؤوليته الجنائية فهي من حيث المبدأ مقر بها. و في الحقيقة إن التمييز، في عصرنا الحالي، بين الملكية و الجمهورية لا يعطي أية دلالة على السمات التي يمكن أن تميز سير عمل هذه النظام السياسي أو ذاك. فصلاحية الأنظمة السياسية الحديثة لا تتوقف على مزاياها أو عيوبها الخاصة بقدر ما تتوقف على مدى ملاءمتها للظروف السياسية و الاجتماعية للدولة الذي يطبق فيها، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ معظم الملكيات المعاصرة هي ملكيات دستورية. فالتمييز بين الملكية و الجمهورية يكاد يتلاشى إذا ما سلمنا بما قاله لافاييت بأن “الملكية الدستورية التمثيلية الوراثية هي أجمل الجمهوريات”[1]، يضاف إلى ذلك إذا ما أخذنا بالحسبان معطيات علم السياسة التي تعتقد بوجود سمات ملكية لرؤساء الجمهوريات و تتحدث حتى عن “الرئاسة الإمبراطورية”.


المبحث الثالث : الحكومة من حيث مصدر السلطة

تنقسم الحكومة من حيث مصدر السلطة أو السيادة إلى ثلاثة أشكال : فإما أن يكون مصدرها فرداً واحداً و تسمى بالحكومة الفردية، أو يكون مصدرها فئة قليلة من الأفراد و تسمى بحكومة القلة أو الأقلية، أو يكون مصدرها مجموع الشعب فتسمى بالحكومة الديمقراطية.
1- : الحكومة الفردية : الحكومة الفردية Moncratie[2]، هي الحكومة التي تتركز فيها السلطة في يد فرد واحد. ففي نظام الحكم الفردي يمارس فيه الرئيس سلطة لا تعرف حدوداً، يستمدها من ذاته، و قد يكون وصل إلى السلطة عن طريق الوراثة فيسمى ملكاً أو إمبراطوراً أو أميراً…، أو عن طريق القوة أو حتى الانتخاب، بفضل مقدرته الذاتية و كفايته الشخصية و يسمى طاغيةً أو ديكتاتوراً …، و في كلا الحالتين لا يضطلع المواطنون بأية حرية في تحديد شكل الحكم، و إنما هم مجرد محكومين. فالحكم الفردي تقليدياً عرف في ملكيات الحق الإلهي[3] الذي كان سائداً في القديم أو حكم الطغاة. و حديثاً يعتبر الحكم الديكتاتوري أحد أهم مظاهر الحكم الفردي. في الحقيقة لا يوجد صورة واحدة من الأنظمة الديكتاتورية الفردية التي سادت و تسود في دول عالمنا، فهذه الأنظمة هي نتاج الاعتبارات السياسية، و الاجتماعية و الاقتصادية التي مرت بها كل دولة. و في الحقيقة أن عامل الوقت أو الظرفية الذي رافق هذه الاعتبارات لعب دوراً حاسماً في وصول هذه الأنظمة لسدة الحكم. و لكن على الرغم من ذلك يوجد قواسم مشتركة بين هذه الأنظمة الديكتاتورية سواء من الناحية الفلسفية أم الإيديولوجية التي تنطلق منها أم من ناحية التنظيم السلطوي لها. و في هذا الصدد يجدر بنا تحديد أهم الأنظمة الفردية التي سادت دول عالمنا منذ بداية القرن العشرين، و أهم منظري الفكر الديكتاتوري، وأنواع و خصائص هذه النظام السلطوي.
أولاً-أهم الأنظمة الديكتاتورية الفردية
-موسوليني في إيطاليا (29 تشرين الثاني 1922 عن طريق انقلاب).
-هتلر في ألمانيا (30 كانون الأول 1933 بطريقة شرعية).
-سالازار في البرتغال (1928 عن طريق انقلاب).
-فرانكو في أسبانيا (بعد الحرب الأهلية التي اندلعت في الفترة 1936-1939). و هو آخر الأنظمة الديكتاتورية التي بقيت في أوربا حيث بقي هذا النظام حتى عام 1975 بموت فرانكو.
إضافةً لهذه الأنظمة المشهورة وجدت دكتاتوريات فردية في دول العالم الثالث، سواء في أمريكا اللاتينية (بينوشية في تشيلي) أو في أفريقيا (موبوتو في زائير سابقاً) أو في آسيا (ماركوس في الفيليبين).
ثانياً-منظرو الفكر الديكتاتوري[4] يذهب البعض إلى القول : إنّ جذور الفكر الديكتاتوري يمكن إيجادها في كتاب أفلاطون -الجمهورية-، ففي هذا الكتاب يرى أفلاطون ضرورة حصر السلطة في أيدي أفراد محددين نظراً لامتيازهم، كذلك يرى ضرورة وضع قيود على الفكر الإنساني. و لكن أهم من نظروا بشكل مباشر للفكر الديكتاتوري هو ميكافللي في كتابه الشهير "الأمير" و الذي يؤمن بأن السياسة لا أخلاق فيها، و السلطة يجب أن تكون قوية و مركزة في مواجهة الأفراد. كذلك فإن توماس هوبس دعا إلى فكرة الدولة القوية ذات السلطان المطلق. إضافة إلى الكثير من الفلاسفة الألمان و على رأسهم هيغل، كذلك نيتشه الذي دعا إلى سيادة الدولة المطلقة و هاجم كلاً من الديمقراطية الليبرالية و الاشتراكية و الأخلاق المسيحية.
ثالثاً- الديكتاتورية الإيديولوجية و الديكتاتورية العسكرية : من الأمثلة التي قدمناها لأهم الديكتاتوريات التي سادت عالمنا منذ بداية القرن العشرين، يمكننا القول إنّ هذه الديكتاتوريات تنقسم إلى : ديكتاتوريات إيديولوجية (الفاشية و النازية) و ديكتاتوريات عسكرية.
I- الديكتاتوريات الإيديولوجية : الفاشية و النازية : سوف نحدد بداية الإيديولوجية التي تنطلق منها هذه الديكتاتوريات، و أهم أركان تنظيمها.
1-إيديولوجية الأنظمة الديكتاتورية الفاشية و النازية : إذا كان بالإمكان القول إنّ للأنظمة الديكتاتورية إيديولوجية معينة، فإننا يمكننا تحديد هذه الإيديولوجية من خلال نظرة هذه الأنظمة للدولة و للفرد.
¨ النظرة للدولة : فالدولة بالنسبة للأنظمة الديكتاتورية هي القيمة المطلقة الوحيدة في الحياة الإنسانية. والقانون ليس إلا التعبير الموضوعي عن روح الدولة. و الدولة بهذا المفهوم المطلق تتعارض مع فكرة الدولة الحارسة، التي هي أساس الديمقراطيات الليبرالية، و لذلك فإن الدولة يجب أن تتدخل في جميع جوانب الحياة. و بهذا الصدد يعبر موسوليني -أحد أعمدة الأنظمة الديكتاتورية- عن هذه الفكرة بالقول : “إن الدولة هي المطلق في مواجهة الأفراد و الجماعات الذين يظلون دائماً بمثابة أمور نسبية في مواجهة الدولة … إن الدولة ليست مجرد حارس ينشغل بواجب تحقيق السلامة للمواطنين. كذلك فإنها ليست مؤسسة ذات أغراض مادية بحتة لضمان مستوى معيشي جيد … إن الدولة تمثل الروح الخالدة للأمة … إن الدولة لا تلغي الفرد و لكن تجعله جندياً في كتيبة… و هي تبقي للفرد نطاقاً من الحرية بعد أن تحول بينه و بين الحريات غير المفيدة، و الدولة وحدها هي التي تقرر مدى ذلك النطاق”.
¨ النظرة للإنسان: أما بالنسبة لنظرته للإنسان فإنه يمكننا أن نميز مستويين في هذه النظرة : الفرد الممتاز و الجنس الممتاز.
فحسب أصحاب هذا المفهوم الديكتاتوري، الناس ليسوا متساوين بل يختلفون اختلافاً فرضته الطبيعة، و ليست الظروف المحيطة بالإنسان، و لذلك لا يمكن التغلب على هذه الاختلافات و العمل على تجاوزها. و بالتالي فإن الطبيعة أوجدت أناساً ليحكموا، و أوجدت أناس ليكونوا محكومين. و من بين الناس الذين وجدوا ليحكموا هناك فرد ممتاز يشكل الزعيم و هو يجسد الأمة بخصائصها كلها. و هذا الفرد الزعيم الممتاز ليس مجرد نائب عن الأمة، بل إن الأمة ترتبط بشخصه، بحيث تصبح إرادة الأمة هي إرادته و قدسية الأمة من قدسيته.
إضافة لفكرة الفرد الممتاز هناك فكرة أخرى قائمة على التعصب القومي و مستندها أن الأجناس البشرية غير متساوية.
2-أركان النظام الديكتاتوري الفاشي و النازي
من الناحية الدستورية أو بالأحرى تنظيم السلطة في النظامين الفاشي و النازي يمكننا القول : هناك الأركان التالية :
¨ عصمة الزعيم و اتحاد شخصيته بشخصية الدولة : إنّ السلطة كلها في يد الفرد الممتاز أو الزعيم يمارسها بشكل مطلق. فهذا الزعيم معصوم فلا يمكن محاسبته و لا مناقشته و لا معارضته. فلا حق للأغلبية في مناقشته، و لا وجود أساساً للمعارضة. فكيف يمكن تصور وجود معارضة لمن يمثل إرادة الأمة في الماضي و الحاضر و المستقبل. فجميع الأجهزة و السلطات مرتبطة ارتباطا وثيقاً بشخص الزعيم. فالتعصب لشخص الزعيم و لكل ما يقوله و رفض مناقشة كلامه باعتباره نوعاً من الهدى لا يجوز الخروج عنه، هو أهم ما يميز النظام الديكتاتوري الفردي. و بهذا الصدد يمكن أن نذكر جملة قالها أحد القادة الألمان الكبار تلخص مكانة الزعيم و عصمته : “ليس لي أي اعتقاد، فاعتقادي هو أدولف هتلر”.
¨ وجود برلمان مسلوب الإرادة (برلمان صوري) : على الرغم من أن الأنظمة الديكتاتورية ضد النظام البرلماني، فإن الغالبية العظمى من هذه الأنظمة أقامت برلمانات. و لكن دور هذا البرلمان بقي دوراً صورياً نظرياً ليس غير. فهو لا يجتمع إلا ليصدق القوانين التي اتخذها الزعيم بموجب تفويض دستوري في الفترة الطويلة التي تفصل دورات انعقاده. و انتخابات هذا البرلمان تتم بطريقة مشوهة، و تدعو للسخرية : ففي ألمانيا مثلاً كان الحزب الوطني الاشتراكي له الحق فقط في تقديم مرشحين، و في إيطاليا كان الشعب مدعواً للتصديق على قائمة موضوعة من قبل النقابات و الجمعيات الموالية لموسوليني.
¨ وجود حزب يعمل للدعاية و التهويل: تقوم الأنظمة الدكتاتورية على فكرة الحزب الواحد المرتبط بشخص الزعيم. و قد يكون وجود هذا الحزب سابقاً لوصول الزعيم إلى السلطة (أي هو الذي أوصله) و من ثم أصبحت إمكاناته موضوعة لخدمة هذا الزعيم، و قد يكون لاحقاً لوصوله إلى السلطة، أنشئ لخدمته و ممارسة الدعاية له. فإذا كان الحزب سابقاًَ لوصول الزعيم إلى السلطة فيمكن أن يكون بين أعضائه بعض المخلصين للزعيم المؤمنين بأفكاره، عملوا لإيصال الزعيم إلى السلطة (كما حدث مع هتلر و موسوليني) . أما إذا كان الحزب قد أنشئ بعد وصول الزعيم إلى السلطة فإنه يكون في أغلب الأحيان مأوى للانتهازيين و المنافقين الذين همهم الوحيد مصالحهم، يدافعون عنها عن طريق الاتجار بالكلام، و هؤلاء سرعان ما ينفضون عن الزعيم عند ظهور بوادر سقوطه و الالتفاف عليه لصالح الحكم الجديد. و في كلتا الحالتين يكون الحزب مجرد بوق للزعيم، حيث يقوم بالدعاية له و تصويره بأنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه من خلال الكثير من الشائعات.
¨ أجهزة القهر العلنية و السرية : في هذه الأنظمة تلغى الحريات و خاصة السياسية منها، من حرية الرأي و الاجتماع…، و يكون المواطنون محكوماً عليهم بالولاء المطلق للزعيم، و إلا اتخذت بحقهم الجزاءات التي تقدرها أجهزة الزعيم، و خاصة منها أجهزة القهر العلنية منها و السرية. و هذا القهر يمارس أحياناً على أعوان الزعيم عندما يريدون الخروج و لو قليلاً عن طاعة الزعيم، أو حتى عندما يخطئون، و ذلك عملاً بمبادئ ميكافللي التي ترى الحياة السياسية متناقضة مع قواعد الأخلاق. فكما يقول الكاتب الألماني كارل شمت “ليس في السياسة خير و لا شر و لا جمال و لا قبح و إنما في السياسة صديق و عدو. فللصديق كل شيء و مع العدو يباح كل شيء دون التقيد بالقواعد الأخلاقية لأنها قواعد غير واردة في السياسة”.
II-الديكتاتوريات العسكرية : في نهاية القرن العشرين و بداية الألفية الثالثة تعتبر الديكتاتورية العسكرية هي الشكل الأكثر انتشاراً للديكتاتورية و بالتالي للحكم الفردي. و هذه الديكتاتورية على الرغم مّما قد تشترك به من خصائص تنظيمية مع الديكتاتورية الإيديولوجية من قدسية رئيس الدولة أو الديكتاتور، و وجود برلمان صوري، و حزب وحيد أو مسيطر يمارس الدعاية و التهويل، إضافة لأجهزة القمع و الإرهاب الشعبي، تتركز إيديولوجيتها الوحيدة في كيفية البقاء في السلطة، و يعتبر الجيش فيها هو المحرك الأساسي للحياة السياسية.
2- : حكومة الأقلية أو الأوليغارشية :يدل تعبير الأوليغارشية Oligarchie أو حكومة الأقلية، على أن الحكم أو السلطان يعود إلى فئة أو قسم من أفراد الشعب. و بذلك يتميز حكم القلة من جهة أولى عن الحكم الفردي حيث تعود السلطة لفرد واحد، و من جهة ثانية عن الحكم الديمقراطي حيث تعود السلطة لمجموع أفراد الشعب. و هناك شكلان قديمان لحكم الأقلية هما : حكم الأثرياء Plutocraties و حكم الأرستقراطيين Aristocraties. ففي حكم الأثرياء يقصر حق ممارسة الحكم على فئة معينة من المواطنين، الذين يتوافر لديهم نصاب مالي معين من الثروة أو دفع الضرائب، أي يؤخذ بحق الاقتراع المقيد بنصاب مالي. و في الحكم الأرستقراطي يعهد بالسلطة السياسية إلى طبقة اجتماعية متميزة، تعتبر أفضل من غيرها. و في كلا الحكمين، تعتبر الأقلية الحاكمة السلطة التي تمارسها ملكاً خاصاً لها، و تحكم من أجل مصلحتها الخاصة، و تستفيد من امتيازات ممنوعة على بقية المواطنين. و يمكننا اعتبار النظام الذي أقيم في الاتحاد السوفيتي السابق بعد انتصار الثورة البلشفية عام 1917، نوعاً من الحكومات الأوليغارشية أو حكومات الأقلية، حيث أعلنت دساتير الاتحاد السوفيتي المتلاحقة، دستور 1918 و دستور 1924 و دستور 1936، التي اعتبرت أن ممارسة السلطة السياسية حكر لطبقة الشغيلة أو البروليتاريا Prolétariat، إلى أن جاء دستور 1977 و أعلن بأن الدولة السوفيتية أنجزت مهمات ديكتاتورية البروليتاريا و أصبحت دولة الشعب بأسره.
3- : الحكومة الديمقراطية الحكومة الديمقراطية Démocratie، هي الحكومة التي تكون فيها السيادة لجميع أفراد الشعب، و ليست حكراً على فرد كما في الحكم الفردي، أو على فئة من الشعب كما في حكم الأقلية. فالديمقراطية هي نظام حكم يتميز بمشاركة المواطنين La Participation في إدارة شؤون الدولة. و هذا النوع من أنواع الحكم هو النظام الوحيد المقبول في أنظمة دول عالمنا المعاصر، التي تدعي جميعها بأنها تقوم على أساس ديمقراطي. و ضمن الأنظمة السائدة في دول عالمنا يمكن تصنيف عدة أنواع، أو بالأحرى درجات للديمقراطية، و ذلك حسب جسامة الفجوة الموجودة بين الأساس النظري للديمقراطية و التطبيق العملي لها، لذلك يمكن القول إنّ هناك، أنظمة ديمقراطية فعلية، و أنظمة تبحث عن الديمقراطية، و أنظمة تدعي الديمقراطية[5].
لذلك سوف نتناول في الفصول التالية مفهوم الديمقراطية، و صور الحكم الديمقراطي و آلياته.
-------------
[1]- Olivier DUHAMAL et Yves MENY : ”Dictionnaire Constitutionnel“,P.U.F.,1996, R.1132.
[2]-إضافةً لتعبير La Moncratie الذي يعني حكم الفرد، هناك تعبير آخر هو Dyarchie الذي يعني حكم الشخصين، أي يدل على بنية للحكم التي تناط السلطة فيها لفردين. انظر حول هذا الموضوع Olivier DUHAMAL et Yves MENY : ”Dictionnaire Constitutionnel“,P.U.F.,1996, R.554.
[3]- المثال التقليدي لنظام الحكم الفردي هو النظام الذي كان سائداً في روسيا القيصرية. فالقيصر في هذا النظام كان الحائز الطبيعي لكل السلطات : التشريعية و التنفيذية و القضائية، التي يجمعها في شخصه. و القيصر يمارس سلطاته هذه في غياب أية قيود أو حدود و ذلك على غرار الملك في فرنسا في القرون الوسطى حيث كان يعلن “الدولة هي أنا”، فالقوانين التي كانت تسود المجتمع هي مجرد إرادة القيصر و تحت تصرفه، لأنه كان يعتبر نفسه مالك الناس و الأشياء. و بهذا يفترق هذا النوع عن ملكيات الحكم المطلق، رغم ما قد يوحي الاعتقاد، فهي ليست بحكم الفرد المطلق، حيث الحاكم في هذه الأنظمة يعتبر بأن السلطة السيدة متمثلة بشخصه (كما كان يقول لويس الخامس عشر في آذار 1766)، فهو لا يعتبر هذه السلطة سلطة حسب إرادته فقط، فالملك في هذه الملكيات كان ملزماً بالضمير المسيحي، و احترام القوانين الأساسية للمملكة.
[4]-راجع حول هذا الموضوع خاصةً :
Dmitri Georges Lavroff : ”Les grandes étapes de la pensée politique“,Dalloz,1993.
[5]- يقول جان جاك روسو في عقده الاجتماعي في نهاية الفصل الرابع من الكتاب الثالث المتعلق بالديمقراطية : "و كان هناك شعب من الآلهة يحكم نفسه ديمقراطياً. إن حكماً كاملاً بما فيه الكفاية لا يناسب الناس". ROUSSEAU : “ Du Contrat social ”, éd. GF-Flammarion ,1996,R.97.


.../... يتبع




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



القانون الدستوري - الجزء السادس Emptyالإثنين 13 مايو - 19:50
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: القانون الدستوري - الجزء السادس



القانون الدستوري - الجزء السادس

الفصل الثاني : الديمقراطية و الحكم الديمقراطي
لكي نفهم الديمقراطية كنظام للحكم، يجدر بنا تحديد مفهوم الديمقراطية (المبحث الأول)، و الصور المختلفة للحكم المنبثقة من المفهوم الديمقراطي[1] (المبحث الثاني).


المبحث الاول : مفهوم الديمقراطية
الديمقراطية كما عرفها إبراهام لنكولن “هي حكم الشعب، من قبل الشعب، و من أجل الشعب". هذا التعريف الأكثر شيوعاً لمفهوم الديمقراطية كنظام للحكم، يعنى بأن الحكم يكون ديمقراطياً عندما يكون المحكومون هم الحكام، أو عندما يشترك أكبر عدد من المحكومين في ممارسة السلطة. بيد أن هذا التعريف لا يعبر بشكل دقيق عن الأنظمة السياسية التي سادت عالمنا، و اعتنقت مفاهيم مختلفة للديمقراطية، نتيجة تفسيرات مختلفة لهذا المفهوم السياسي الذي يعتبر محور الفكر السياسي في العالم.
1- : الأوجه المختلفة لمفهوم الديمقراطية :- في الحقيقة إن الأفكار السياسية الداعية للديمقراطية المؤسسة على فكرة سيادة الشعب و أنّ الحكم للجميع قديمة جداً. فالديمقراطية التي هي كلمة يونانية مركبة منDemos و معناها الشعب و Kratos و معناها السلطة أو الحكم، كانت مطبقة في بعض المدن اليونانية القديمة و في روما، و تعود بجذورها إلى الفلاسفة الإغريق و خصوصاً أفلاطون و أر سطو. و بدون الدخول في الأصل التاريخي لمصطلح الديمقراطية، فإن مفهوم الديمقراطية كتعبير عن نظام حكم معين، كان موضوعاً أساسياً في الصراع بين المذاهب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي سادت التاريخ الإنساني منذ نهاية القرن الثامن عشر حين أصبح الفكر السياسي يذكر مصطلح الديمقراطية مقروناً بإحدى المفردات المعبرة عن هذه المذاهب مثل : الديمقراطية الليبرالية أو البرجوازية، و الديمقراطية الاشتراكية أو الاجتماعية، و الديمقراطية التوتاليتارية (الشمولية) أو السلطوية، و الديمقراطية الشعبية، و الديمقراطية الصناعية، و الديمقراطية الإسلامية، و التكنو-ديمقراطية …الخ. لذلك لا بد لنا من طرح الملاحظات التالية لوضع مفهوم الديمقراطية في إطاره الصحيح[2] :
-الديمقراطية هي مفهوم تاريخي اتخذ عبر تطور المجتمعات و اختلاف الثقافات صوراً و تطبيقات و مضامين متباينة في المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.
-ضرورة الفصل بين الديمقراطية كمفهوم تاريخي و بين الديمقراطية الليبرالية، التي هي نتاج الثورة البرجوازية التي اعتمدت اقتصاد السوق و الرأسمالية كمذهب اقتصادي.
-إنّ الديمقراطية كمفهوم تاريخي لم تحدد شكلاً أو آلية معينة لكيفية ممارسة الشعب للسلطة، أي لا توجد وصفة جاهزة لكل الشعوب أو المجتمعات و الدول. فكل مجتمع له خصوصيته الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و التراثية التي تحدد هذا الشكل أو هذه الآلية لكيفية ممارسة الشعب للسلطة. و في التاريخ الإنساني المعاصر ساد مفهومان رئيسيان للديمقراطية : الديمقراطية الليبرالية، و الديمقراطية السلطوية أو الماركسية.
أولاً- الديمقراطية الليبرالية : الديمقراطية الليبرالية Démocratie libérale التي تعتبر الأساس الفلسفي للأنظمة السياسية السائدة في الدول الغربية، هي تزاوج بين مفهومين متباينين من حيث النشأة التاريخية و الأهداف. فالأفكار السياسية الداعية للديمقراطية المؤسسة على فكرة سيادة الشعب سابقة، في وجودها للثورة البرجوازية. في الواقع إن الأفكار الفلسفية الديمقراطية الليبرالية يمكن تفسيرها، كما أشرنا سابقاً، على أنها ردة فعل من الفرد ضد مجتمعه، أكثر منها ردة فعل شعب ضد سلطة أو نظام حكم كان يضطهده. لهذا فقد قاوم الليبراليون الديمقراطية بدايةً ثم استوعبوها تدريجياً، حيث قيدوا حق المشاركة السياسية و خاصةً حق الاقتراع بقيود مالية أو طبقية أو حتى عرقية، و لم يسمحوا بحق الاقتراع العام للجميع إلا منذ نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين[3]. فالديمقراطية الليبرالية، هي شكل من الحكم تعتبر الحرية فيه العنصر الأساسي. فتعبير الحكم “من أجل الشعب” يفهم على أن الحكم “من أجل تطور الشعب بشكل حر ”، أي إعطاء الحرية لكل فرد من أفراد الشعب. فالحرية هي التي تفسح المجال لتحقيق أماني الشعب، و هي مصدر المساواة (المساواة القانونية لا المساواة الفعلية)، و بالتالي فإن هذه الحرية هي الجديرة بالحماية المطلقة. و حماية الحرية في الديمقراطية الليبرالية يكمن في مجالين : مجال العمل الحكومي، و مجال العلاقات بين الحكام و المحكومين. ففي مجال العمل الحكومي، يجب أن تتاح حرية الرأي، فتتعدد الآراء فيما يتعلق بكيفية إدارة الشؤون العامة. و هي، السماح بقيام تشكيلات سياسية (حزبية) مختلفة يمكن أن تشكل أكثرية و أقلية، و تتداول فيما بينها إدارة الشؤون العامة، أي هي بمعنى آخر وجود أغلبية حاكمة و أقلية معارضة. أما على صعيد العلاقات بين الحكام و المحكومين، فتتجلى مسألة احترام الحرية من خلال ضمان حقوق الأفراد، و عدم افتئات الحكومة عليها مهما بلغت الأكثرية المؤيدة لها، فالحقوق هي التي تحفظ للأفراد استقلالهم الذاتي.
ثانياً- الديمقراطية السلطوية أو الماركسية : أما الديمقراطية السلطوية أو الماركسية أو الاشتراكية، فقد نجمت عن تأثير النظرة الماركسية أو الاشتراكية لمفهوم الدولة، التي تعتبرها مجرد سيطرة طبقة أو طبقات اجتماعية، مسيطرة على أدوات الإنتاج، على سائر الطبقات الأخرى، أي هي نتيجة للصراع الطبقي في المجتمع. و الدولة بهذا المفهوم سوف تزول بزوال الطبقات، ليحل محل الدولة التي تحكم الأفراد، دولة لإدارة الأشياء[4]. و الديمقراطية السلطوية، تركز على السلطة و على الإجماع في الحكم، كذلك تركز على المساواة الفعلية، لا القانونية فقط، بين المواطنين. فالمساواة هي التي تقيد الحرية أو تنظمها، فأفراد المجتمع جميعهم متساوون مساواة فعلية، و بالتالي لا مجال لوجود أغلبية حاكمة و أقلية معارضة، أي أن المجتمع هو مجتمع إجماعي.
2- : أسباب تعدد مفاهيم الديمقراطية :- أمام هذا التباين في فهم فكرة الديمقراطية، و ظهور هذه الثنائية للديمقراطية : الليبرالية و الماركسية، لا بد لنا من طرح الأسباب التي أدت إلى ذلك. و بهذا الشأن ظهرت عدة تفسيرات فقهية لهذا التباين، سوف نعرض لأهمها، لأنّ من شأنها أن تساعدنا على فهم أعمق لمفهوم الديمقراطية[5].
أولاً- التفسير عن طريق ثنائية مفهوم الحرية : هذا التفسير عن طريق ثنائية مفهوم الحرية يعود إلى تحليل قام به العميد جورج فيدل G. Vedel. حيث يرى العميد فيدل بأن الأيديولوجية الكامنة في أساس الديمقراطية واحدة و هي الحرية، مهما كان النظام الديمقراطي ليبرالياً أم ماركسياً. فالديمقراطية هي نظام يهدف إلى تحقيق الحرية. إلا أن الحرية في حد ذاتها مفهوم مركب و معقد. فالحرية على الصعيد الفردي، تتلخص في القدرة المتاحة لكل فرد في أن يحدد سلوكه و طريقه بنفسه دون أن تتدخل السلطة في ذلك أو بمنأى عن أية ضغوط خارجية. و على الصعيد الجماعي، يعتبر المجتمع السياسي حراً إذا تولى مجموع أعضاء الجماعة تحديد تصرفاتهم الجماعية. فالحرية إذن هي مفهوم مركب : حرية فردية، و حرية سياسية. و نظراً لتعدد الحرية، يشير العميد فيدل، إلى أن هذه المفاهيم المتعددة للحرية متكاملة و متنافرة في آن واحد. فهي متكاملة من جهة الإنسان الفرد بحكم كونه اجتماعياً، أو بالأحرى مضطراً للعيش في المجتمع. و لكي يحافظ على استقلاله الذاتي، عليه أن يزاوج باختياره بين هذا الاستقلال و ما تفرضه عليه من قيود الكتلة الاجتماعية التي هو جزء منها. و لكي تتوافق أو تتطابق الحرية الفردية مع الحرية السياسية تماماً يتوجب أن يحصل إجماع على ذلك. و انطلاقاً من هذه الفكرة يمكن القول بأن الديمقراطية تؤدي بنا إلى نوعين من المجتمع : مجتمع لا إجماع فيه، أي مجتمع مركب أو تعددي تسود فيه التسويات، و مجتمع إجماعي.
فالمجتمع المركب أو التعددي، هو الذي يقوم على أساس الديمقراطية الكلاسيكية أو الليبرالية. فالديمقراطية الليبرالية تقبل بوجود تعددية في الأحزاب، و أغلبية و أقلية : أي أغلبية حاكمة و أقلية معارضة. و تعترف بشرعية التعارض بين سلطة الدولة و الحقوق الفردية للمواطنين. و بالتالي فإن الحياة السياسية في ظل الديمقراطية الليبرالية يجب أن تقوم على التسوية : التسوية بين الأكثرية و الأقلية، التسوية بين سلطة الدولة و حقوق و حريات الأفراد …الخ.
أما المجتمع الإجماعي، فهو الذي يقوم على أساس الديمقراطية الماركسية. فالماركسية تهدف إلى إنشاء مجتمع إجماعي، يتفق الأفراد كلهم على كل شيء تتحقق فيه الأماني التي يقتضيها التصور المثالي للحرية : فمن جهة لا يلتزم الفرد إلا بالتصرف الذي يرتضيه، و من جهة أخرى يكون كل قرار جماعي من فعل الجميع. فالأفراد يتمتعون جميعاً بحرية مطلقة، و بذات الوقت يؤيد الجميع السلطة تأييداً مطلقاً. و يكفي لتحقيق ذلك المجتمع الإجماعي خلق الظروف الموضوعية للحرية الحقيقية و ذلك عن طريق الثورة : التي تعمل على إلغاء الطبقات و إقرار المساواة الفعلية بين الناس، و عندها تزول تدريجياً التناقضات بين المصالح و الآراء. و لذلك فإن الديمقراطية الماركسية تقبل قيام حكومات تسلطية، و لو لفترة على الأقل، للقضاء على المعارضة و الخلافات، و بالتالي العمل على إقرار إجماع في المجتمع.
ثانياً- الاختلاف الإيديولوجي حول ثنائية الحرية و المساواة : أنصار هذا التفسير يرون بأن فكرتي الحرية و المساواة هما من أسس الديمقراطية. و لكن هاتين الفكرتين متناقضتان: فممارسة الحرية تؤدي إلى خلق عدم المساواة، و العمل على إقرار المساواة يؤدي بصورة حتمية للحد من الحرية. و التركيز على الحرية أو على المساواة هو الذي يؤدي بنا للاتجاه نحو الديمقراطية الليبرالية أو نحو الديمقراطية الماركسية.
فالديمقراطية الليبرالية لا تتنكر للمساواة، و لكن تهتم فقط بالمساواة في الحقوق أو المساواة القانونية. فالمساواة في الديمقراطية الليبرالية ليست سوى نوع من الحرية الإضافية، التي إن لم تحقق التعادل بين الأفراد في الواقع، فهي تقرر نوعاً من المساواة في الأوضاع أو الفرص. كذلك فإن الديمقراطية الماركسية لا تنكر الحرية، و لكن ترى أنّ الحرية الحقيقية لا تنال إلا إذا أقرت المساواة الفعلية (في الظروف المادية) و ليس مجرد المساواة القانونية. و بالتالي فإنه يمكننا تعريف الديمقراطية الليبرالية عن طريق الحرية، و الديمقراطية السلطوية أو الماركسية عن طريق المساواة، و هو الذي يفسر لنا هذا التناقض بين مفهومي الديمقراطية. فالديمقراطية الليبرالية تعطي الأفضلية لمفهوم الحرية على الرغم من عدم تنكرها للمساواة، في حين الديمقراطية السلطوية أو الماركسية تعطي الأفضلية لمفهوم المساواة على الرغم من عدم تنكرها للحرية.
و في الواقع إنّ العديد من دول العالم قد حاولت التوفيق بين هذين المفهومين للديمقراطية، من خلال إكمال الديمقراطية السياسية بالديمقراطية الاقتصادية و الاجتماعية.


المبحث الثاني : صور الحكم الديمقراطي
يتميز الحكم الديمقراطي، كما أشرنا سابقاً، بإشراك الشعب في ممارسة السلطة، سواء قلنا إنّ السيادة تعود، من الناحية الفلسفية، للأمة أو للشعب. و تختلف صور الحكم الديمقراطي تبعاً لكيفية أو لمدى مشاركة الشعب في ممارسة السيادة أو السلطة. و بهذا الصدد يمكننا أن نميز ثلاثة صور للحكم الديمقراطي : الديمقراطية المباشرة، الديمقراطية شبه المباشرة، و الديمقراطية التمثيلية.
1- : الديمقراطية المباشرة:- لكي نفهم ماذا نقصد بالديمقراطية المباشرة Démocratie directe، يجدر بنا تحديد مضمون هذه الديمقراطية و تطبيقاتها و مستقبلها.
أولاً- مفهوم الديمقراطية المباشرة : تعتبر الديمقراطية المباشرة النموذج المثالي للحكم الديمقراطي، لأنها تسمح للشعب بممارسة السلطة بنفسه، فيكون المواطنون محكومين و حكاماً في نفس الوقت.
فالديمقراطية المباشرة نظام بمقتضاه يباشر الشعب، صاحب السيادة، السلطة بدون وسيط من نواب أو ممثلين عنه، فيتولى الشعب السلطات جميعها من تشريعية و تنفيذية و قضائية (يضع القوانين، و يشرف على تنفيذها و على سير المرافق العامة، و يقيم القضاء بين أفراده). فالشعب يجتمع بشكل جمعية عامة من أجل إقرار القوانين، و اتخاذ القرارات الحكومية كتعيين الموظفين و إبرام العقود و المعاهدات، و يتخذ القرارات القضائية.
ثانياً- تطبيقات الديمقراطية المباشرة : تعود الديمقراطية المباشرة في أصولها إلى ممارسة السلطة السياسية في المدن اليونانية القديمة. ففي هذه المدن كان المواطنون، دون العبيد و الأجانب يجتمعون بصفة دورية و منتظمة بهيئة جمعية عامة Ecclesia، حيث يقومون بالتصويت على القوانين، و يعينون القضاة، و يراقبون أعمال مجلس الخمسمئة Boulès، الذي أنيط به تصريف الشؤون العامة[6]. بيد أن هذا النظام الذي طبق في المدن اليونانية كان نظاماً ديمقراطياً مباشراً قاصراً : فجمعية الشعب العامة Ecclesia لم تكن تضم أغلبية سكان المدينة، و إنما كانت تقتصر على المواطنين الأحرار الذكور الذين يكونوا يشكلون سوى أقلية من سكان المدينة، كذلك فإن جمعية الشعب العامة Ecclesia لم تكن تمارس كافة الوظائف و السلطات، بل كانت تمارس فقط الوظيفة التشريعية من إقرار للقوانين و المعاهدات و الضرائب، في حين كانت تفوض الوظيفة التنفيذية لمجلس الخمسمئة Boulès الذي تختاره الجمعية، و كانت تفوض الوظيفة القضائية أيضاً لقضاة تعينهم الجمعية العامة للشعب. أما التطبيق المعاصر للديمقراطية المباشرة، فهو موجود في ثلاث مقاطعات (كانتونات) سويسرية هي : Glaris، و Unterwald، و Appenzell. و لكن هذا التطبيق يمكننا اعتباره في الحقيقة نوعاً من الفلكلور أو التراث أكثر منه نظاماً للحكم. ففي هذه المقاطعات الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها عشرات الآلاف، يجتمع مواطنوها بهيئة جمعية شعبية Landesgemeinde، مرة واحدة في الربيع من كل سنة، و ذلك بشكل احتفالي، يقومون خلاله بإقرار القوانين المعدة من قبل موظفين، و يصوتون على الموازنة….
بيد أن تغيب المواطنين عن هذا الاجتماع كبير جداً، و المناقشات التي تدور فيه سطحية أو مصطنعة، و القرارات التي يتم التصويت عليها أو اتخاذها تكون معدة بدقة من قبل مجلس المقاطعة Le Conseil contonal المنتخب من قبل الجمعية الشعبية.
ثالثاً- تقدير و مستقبل الديمقراطية المباشرة : مما تقدم لا يسعنا سوى التأكيد على أن الديمقراطية المباشرة، هي نظام مثالي يسمح للشعب بممارسة السلطة بنفسه دون وسيط، مما يرتقي إلى حد كبير بمستوى مشاركة المواطنين في تحمل المسؤولية مباشرة في كل ما يتعلق بإدارة شؤونهم العامة. بيد أن مثالية هذا النظام تصل إلى حد الخيال، فالديمقراطية المباشرة لا يمكن تطبيقها أو تصور تطبيقها سوى في المجتمعات الصغيرة، التي لا يتجاوز عدد سكانها بضعة آلاف من المواطنين، حيث إنّ بعض المقاطعات السويسرية مثل مقاطعتي Uri و Shwytw بعد أن تعدى عدد سكانها حداً معيناً تخلت عن الديمقراطية المباشرة. يضاف إلى أن تقنية و فن الحكم مادياً لا يسمح بتطبيق نظام الديمقراطية المباشرة. و لكن البعض يعتقد بأن هذه الصيغة من الحكم الديمقراطي ليست حلماً مثالياً بدون مستقبل لها. فالذي رأيناه في الأمس و لا زلنا ننظر إليه اليوم بأنه مثالي و خيالي، قد لا يبقى كذلك في المستقبل. فتطلعات المواطنين و تطور و سائل الاتصال، يسمح بإزالة القيود المادية التي يمكن أن تعيق ممارسة الديمقراطية المباشرة. فبواسطة الراديو و التلفزيون و الانترنيت يمكن تأمين المناقشات في الشؤون العامة بشكل واسع، و المواطنون من خلال هذه الوسائل يسمح لهم في المشاركة في الشؤون العامة و هم جالسون في منازلهم[7].
2- : الديمقراطية شبه المباشرة:- ماذا نقصد بالديمقراطية شبه المباشرة Démocratie semi-directe، و ما أهم مظاهرها، و ما تقديرنا لهذا النوع من الحكم الديمقراطي؟
أولاً- المقصود بالديمقراطية شبه المباشرة : الديمقراطية شبه المباشرة هي نظام وسط بين الديمقراطية المباشرة و الديمقراطية التمثيلية. حيث تأخذ الديمقراطية شبه المباشرة ببعض مظاهر الديمقراطية المباشرة التي تعتمد على ممارسة الشعب للسيادة بدون وسيط، و تعتمد أيضاً بعض مظاهر الديمقراطية التمثيلية التي تعتمد، كما سنرى لاحقاً، على تفويض حق ممارسة السيادة إلى نواب أو هيئة نيابية تمثل الشعب، و تضطلع بمهام الحكم نيابة عنه.
ثانياً- مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة : توجد عدة مظاهر أو وسائل تميز الديمقراطية شبه المباشرة فتجعل منها نظاماً وسطاً بين الديمقراطيتين المباشرة و التمثيلية. و يمكن إجمال هذه المظاهر في نقطتين : مشاركة الشعب في العمل التشريعي، و رقابة الشعب على البرلمانيين.
I-مشاركة الشعب في العمل التشريعي : من مظاهر مشاركة الشعب في العمل التشريعي : الاعتراض الشعبي، و الاقتراح الشعبي، و الاستفتاء الشعبي.
1-الاعتراض الشعبي : الاعتراض الشعبي Le veto populaire[8]، يعني إعطاء عدد من المواطنين (الناخبين طبعاً) الحق و الوسيلة في الاعتراض على قانون صادر عن البرلمان، و ذلك خلال مدة محدودة من تاريخ صدوره. فحق الاعتراض الشعبي يسمح للشعب التدخل في عملية التشريع : فالبرلمان إذا صوت على قانون لم يشارك الشعب في إعداده، فلهذا الأخير الحق في الاعتراض بعد التصويت عليه. و من الناحية العملية و الفنية يحصل الاعتراض الشعبي على الشكل التالي : بعد موافقة البرلمان على قانون ما، فإن هذا القانون لا يطبق مباشرة و إنما يشترط لنفاذه مده معينة (يحددها الدستور)، خلال هذه المدة يحق لعدد من المواطنين الناخبين (يحدده الدستور) أن يعترض على هذا القانون و يطلب عرضه على الشعب (الاستفتاء الشعبي)، فإذا وافقت أغلبية الناخبين على الاعتراض فإن القانون موضوع الاعتراض يسحب بأثر رجعي، أي يعتبر كأنه لم يكن[9].
2-الاقتراح الشعبي : الاقتراح الشعبي L’initiative populaire، يتمثل في قيام عدد معين من المواطنين (الناخبين طبعاً) باقتراح مشروع قانون أو فكرة معينة، و الطلب إلى البرلمان إصدار تشريع في مجالها. أي هو أسلوب يسمح للمواطنين بإجبار البرلمان على التشريع في مجال معين. فالاقتراح الشعبي قد يتضمن مشروع قانون محدد، يلتزم البرلمان بمناقشته و إصداره أو عرضه على الاستفتاء الشعبي بحسب ما ينص عليه الدستور. و قد يقتصر الاقتراح التشريعي على مجرد إبداء الرغبة في التشريع في مجال معين، ثّم يتولى البرلمان صياغة مشروع قانون بهذا الصدد، يقره بنفسه أو يعرضه على الاستفتاء الشعبي[10].
3-الاستفتاء الشعبي : الاستفتاء الشعبي Le référendum، هو أسلوب يسمح بأخذ رأي الشعب حول موضوع معين أو مشروع قانون. و نظرياً يمكننا التمييز بين عدة أنواع من الاستفتاء بحسب وقت إجرائه، أو موضوعه،أو غايته، و من حيث إلزامية اللجوء إليه، و من حيث القوة الملزمة لنتائجه.
- فمن حيث الوقت يمكننا أن نميز بين الاستفتاء السابق و الاستفتاء اللاحق. فالاستفتاء السابق هو أسلوب يلجأ بمقتضاه البرلمان إلى عرض مشروع قانون على الشعب، قبل أن يصوت هو عليه، و ذلك لأخذ رأي الشعب حوله، و البرلمان ليس ملزماً عادةً بنتيجة الاستفتاء، فيمكنه التصويت على هذا المشروع دون التقيد بنتيجة الاستفتاء الذي أجري. و في الحقيقة هذا النوع من الاستفتاء نادر الحدوث. أما الاستفتاء اللاحق فهو أسلوب يلجأ البرلمان بمقتضاه إلى عرض قانون، كان قد صوت عليه سابقاً، على الشعب، بحيث لا يصبح هذه القانون نافذاً إلا إذا وافق الشعب عليه.
- من حيث الموضوع يمكننا أن نميز بين : الاستفتاء الدستوري، و الاستفتاء التشريعي، و الاستفتاء السياسي. فالاستفتاء التشريعي هو الذي يكون موضوعه يتعلق بقوانين عادية، كما هو مطبق في بعض الدول مثل إيطاليا و سويسرا. أما الاستفتاء الدستوري الذي يكون موضوعه التصديق على دستور جديد أو تعديل الدستور، و هذا تأخذ به العديد من الدول. أمّا الاستفتاء السياسي يكون موضوعه يتعلق بأمر هام من الأمور السياسية العامة للدولة. و في هذا الإطار تتوجب الإشارة إلى وجود نوع آخر من الاستفتاء الشعبي، هو الاستفتاء الشعبي السياسي للمبايعة Le plébiscite، الذي فيكون موضوعه الموافقة أو عدم الموافقة على تبوء شخص محدد لمنصب سياسي كبير، عادةً ما يكون رئاسة الدولة. و هذا الأمر معمول به في عدد من الدول العربية فيما يتعلق بالاستفتاء على منصب رئيس الجمهورية، كما في سورية بموجب المادة /84/ من الدستور الدائم لعام 1973، و في مصر بموجب المادة /76/ من الدستور الحالي لعام 1971.
- و من حيث غاية الاستفتاء فإنه يمكننا التمييز بين : الاستفتاء التصديقي و الاستفتاء الإلغائي. فالاستفتاء التصديقي (و هو الغالب) يهدف إلى موافقة الشعب على قانون أو موضوع (معاهدة عادةً) أقره البرلمان سابقاً. أما الاستفتاء الإلغائي فهو الذي يهدف إلى إلغاء نص معمول به (معاهدة عادةً).
يضاف إلى هذين النوعين من الاستفتاءات من حيث الغاية الاستفتاء التحكيمي Le référendum d'arbitrage، الذي تكون غايته الاحتكام إلى الشعب ليقول الكلمة الفصل حول خلاف سياسي نشب بين السلطات (السلطتين التشريعية و التنفيذية).
-من حيث إلزامية اللجوء إلى الاستفتاء يمكننا التمييز بين : الاستفتاء الوجوبي و الاستفتاء الاختياري. فالاستفتاء الوجوبي أو الإجباري هو الاستفتاء الذي ينص الدستور على وجوب إجرائه في بعض المسائل، مثل تعديل الدستور. أما الاستفتاء الاختياري فهو الاستفتاء الذي يلجأ إليه بناء على طلب البرلمان أو الحكومة لاستفتاء الشعب على إحدى المسائل الهامة التي لم ينص الدستور على وجوب استفتاء الشعب عليها.
- و من حيث القوة الإلزامية لنتيجة الاستفتاء يمكننا التمييز بين : استفتاء ملزم و استفتاء استشاري. فالاستفتاء الملزم هو الذي تقيد نتيجته البرلمان أو الحكومة. أما الاستفتاء الاستشاري فهو الذي لا تقيد نتيجته البرلمان أو الحكومة، حيث يبقى القرار الأخير لهما. و في الحقيقة فإن الاستفتاء الاستشاري هو أمر غير مقبول في الأنظمة الديمقراطية.
و مما تجدر الإشارة إليه هنا، أن المبادرة في طرح أو اقتراح الاستفتاء الشعبي يمكن أن تعود (بحسب النص الدستوري) إلى السلطة التنفيذية، أو إلى المواطنين، أو إلى البرلمان :
- إلى السلطة التنفيذية : أي إلى رئيس الدولة أو إلى لحكومة. ففي سورية /المادة 112 من الدستور/ و في مصر /المادة 152 من الدستور/ أعطي رئيس الجمهورية وحده حق المبادرة في طرح موضوع للاستفتاء الشعبي، و في فرنسا أعطى دستور الجمهورية الخامسة /المواد 3، 11، و 89/ هذا الحق لرئيس الجمهورية و لكن بناء على اقتراح من الحكومة أو البرلمان[11].
-إلى المواطنين : أي إلى عدد محدد (كحد أدنى) من المواطنين الموقعين، الذين يملكون حق الانتخاب، على عريضة تدعو للاستفتاء حول موضوع معين. ففي سويسرا حدد دستورها هذا العدد /100000/ توقيع بالنسبة للاستفتاء الدستوري بمبادرة شعبية، و في إيطاليا حدد هذا العدد بـ /500000/ توقيع.
-إلى البرلمان : و هذه الحالة قليلة جداً، لأن في ذلك انتقاصاً من قيمة البرلمان، الذي تعتبر من أهم سلطاته الطبيعية عملية إعداد القوانين و إقرارها. و لكن هذا الحق في طرح موضوع للاستفتاء الشعبي لعدد من أعضاء البرلمان قد يخدم الأقلية التي قد ترغب في العودة للشعب حول أمر معين. ففي الدانمرك مثلاً، يعطي دستورها الحالي لعام 1953 حق المبادرة في طرح استفتاء على الشعب إلى 1/3 أعضاء المجلس النيابي المسمى [12]Folketing.
II-رقابة الشعب على البرلمانيين : من مظاهر رقابة الشعب على البرلمانيين : العزل الشعبي و الحل الشعبي.
1-العزل الشعبي للنائب : العزل الشعبي، أو Recall حسب التعبير الأنكلوساكسوني الذي يمكن ترجمته بالاسترداد، هو إجراء ديمقراطي شبه مباشر يعزل بموجبه بناء على طلب شعبي البرلماني في البرلمان (أو من يشغل وظيفة عمومية بالانتخاب) لكونه لم يعد يحظى برضى الناخبين. و العزل الشعبي، الذي أساسه التقليد الإنكليزي في مجلس العموم، يفسر نوعاً من الحذر تجاه الديمقراطية التمثيلية، و يجسد نوعاً من الرقابة الشعبية المستمرة على السلطة. و من الناحية العملية و الفنية يتم العزل الشعبي على النحو التالي : يطلب عدد معين من المواطنين الناخبين (يحدده الدستور) عزل نائب معين، و في هذه الحالة يتم إجراء انتخابات جزئية أو فرعية على المقعد الذي يشغله هذا البرلماني، و يمكن، أو يتوجب، على البرلماني محل العزل الترشيح، فإذا حصل هذه البرلماني على الأقلية ينسحب و يحل محله من حصل على الأغلبية، و إذا حصل البرلماني محل العزل على الأغلبية يعتبر و كأنه أعيد انتخابه. و هذه الممارسة العملية نظمتها لأول مرة ولاية لوس أنجلوس عام 1903، و تلتها دساتير عدد من الولايات الأخرى، و ذلك بشأن جميع الوظائف التي يحتلها حائزوها عن طريق الانتخاب (خصوصاً في الوظائف القضائية). و هذا الأمر كان مطبقاً في الاتحاد السوفيتي السابق، حيث كانت المادة /107/ من دستور 7 تشرين الأول 1977، تجبر البرلمانيين على تقديم كشف حساب لناخبيهم بشكل دوري، و تسمح بعزلهم إذا لم يعودوا متمتعين بثقة الناخبين[13].
2-الحل الشعبي للبرلمان : الحل الشعبي يتم عندما يكون العزل الشعبي يتناول جميع أعضاء المجلس أو البرلمان، و يعبر عنه في اللغة الألمانية بتعبير Abberufungsrecht. و من الناحية العملية و الفنية يتم هذا الأمر على النحو التالي : يطلب عدد معين من المواطنين الناخبين (يحدده الدستور) حل البرلمان، فيتم تنظيم استفتاء شعبي حول هذا الموضوع، فإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض فيبقى البرلمان، و إذا كانت النتيجة بالإيجاب فتتم الدعوة لانتخابات جديدة. هذا الأسلوب كان مطبقاً في بعض المقاطعات الألمانية، و لا يزال مطبقاً في بعض المقاطعات السويسرية.
ثالثاً- تقدير الديمقراطية المباشرة : كلما كانت المشاركة الشعبية واسعة في تقرير و تسيير الشؤون العامة، اقتربنا أكثر من فكرة الديمقراطية. فإذا كان تطبيق الديمقراطية المباشرة أمراً مستحيلاً أو على الأقل فيه صعوبة، فتبقى الديمقراطية شبه المباشرة أقرب من الديمقراطية التمثيلية المبدأ الديمقراطي.
لكن تطبيق الديمقراطية شبه المباشرة تحتاج إلى حد ما من الوعي السياسي للمواطنين، كي لا تستخدم مظاهر أو آليات الديمقراطية شبه المباشرة، بشكل يهدد الاستقرار التشريعي في الدولة نتيجة ما يملكه الشعب خصوصاً من خلال الاعتراض التشريعي و الاقتراح التشريعي، أو يقلل من هيبة المجالس البرلمانية المنتخبة من خلال العزل و الحل الشعبي. و قد تستغل هذه الوسائل الديمقراطية من بعض الأوساط المستفيدة، لخلق نوع من عدم الاستقرار السياسي في الدولة. لذلك نرى أنّ أغلب دول العالم لا تضمن دساتيرها سوى بعض مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة، و خاصةً الاستفتاء الشعبي، و لكن تقيد هذا الحق بحدود كثيرة.
3- : الديمقراطية التمثيلية أو النيابية :- لكي نفهم ماذا نقصد بالديمقراطية التمثيلية La Démocratie représentative، سوف نحدد مفهوم الديمقراطية التمثيلية أو النظام التمثيلي، و أركانه، و أهم الانتقادات الموجهة لهذا النظام الديمقراطي.
أولاً- مفهوم النظام التمثيلي :- في هذا الإطار سوف نعرف النظام التمثيلي Régime représentatif و مبررات وجوده، و ما هي الأسس النظرية لمبدأ التمثيل؟
I-التعريف بالنظام التمثيلي و مبررات وجوده : نقصد بالنظام التمثيلي، أو الديمقراطية التمثيلية، النظام الذي يمارس فيه الشعب السلطة بواسطة ممثلين أو نواب (و لذلك يسميه البعض بالنظام النيابي)[14]، أي أن مجموع المواطنين الذين يشكلون الجسم الانتخابي (من يملك من المواطنين حق الانتخاب) يقومون بانتخاب ممثلين أو نواب عنهم، يباشرون السلطة مكانهم و باسمهم.
و كما أشرنا سابقاً فإن القول بنظرية سيادة الأمة، كإحدى النظريتين الديمقراطيتين لتفسير أساس السلطة، يؤدي بالضرورة إلى نظام حكم قائم على التمثيل. بمعنى آخر إن النظام التمثيلي هو النتاج الطبيعي لنظرية سيادة الأمة. هذا النظام التمثيلي يمكن تعريفه بأنه النظام الذي تكون فيه الهيئة التمثيلية (المنتخبة) بموجب الدستور مالكةً التعبير عن إرادة الأمة. و قد أخذت الغالبية العظمى من الدول الديمقراطية بالنظام التمثيلي المستند إلى مبدأ سيادة الأمة، لاعتبارات : مادية و عملية، و عقلانية و سياسية.
1-الاعتبارات المادية و العملية : مادياً و عملياً هناك صعوبة، بل استحالة، في تطبيق نظام الديمقراطية المباشرة، أي أن يمارس الشعب بنفسه ممارسة السيادة أو السلطة السياسية، و ذلك للأسباب التي أشرنا إليها عند دراستنا للديمقراطية المباشرة.
2-الاعتبارات العقلانية و السياسية : إضافةً للاعتبارات المادية أو العملية، يوجد في الحقيقة اعتبارات سياسية وراء قيام النظام التمثيلي، متمثلة أساساً في الحذر من الشعب، و بالتالي من الديمقراطية المباشرة.
فليس من المستحب أن يباشر الشعب السلطة بنفسه، فالشعب لا تتوفر فيه الكفاءة لممارسة السلطة مباشرة و بدون وسيط. فممارسة السلطة تتطلب توافر مقدرات فنية و تخصصية، لا تتوفر في عامة الشعب[15]. فالشعب ليس على المستوى الذي يسمح له بإدارة و تصريف الشؤون العامة، خصوصاً أن سلطة الشعب أو الأغلبية منه تغالي (أو تمارس ديكتاتورية) في استعمال هذه السلطة على حساب الأقلية. في حين أنه في ظل النظام التمثيلي حيث البرلمان، تمارس الأغلبية سلطتها بشكل عقلاني بعيد عن الديمغوجية، و بشكل يصون حقوق و حريات الأقلية.
II-الأساس النظري لمبدأ التمثيل : إذا كانت الديمقراطية تعطي السيادة للشعب ليمارسها بنفسه، فقد ظهرت تساؤلات حول علاقة النظام التمثيلي بالديمقراطية، لأن الذي يمارس السيادة في هذا النظام هو البرلمان نيابة عن الشعب. لذلك قدم الفقه الدستوري نظريتين لتبرير علاقة النظام التمثيلي بالديمقراطية هما : نظرية النيابة، و نظرية العضو.
1-نظرية النيابة : هذه النظرية مستقاة من القانون الخاص من فكرة الوكالة أو النيابة، التي تقضي بأن البرلماني أو الوكيل يقوم بالتصرفات القانونية بمقتضى الوكالة، التي تنتج آثارها في ذمة الموكل، كما لو أن هذه التصرفات كانت صادرة عن الموكل مباشرة.
و بموجب هذه النظرية يعتبر البرلمان نائباً عن الشعب أو الأمة، يعمل لحسابها و يعبر عن إرادتها. أي أن الممثلين الذين ينتخبهم الشعب هم بمثابة وكلاء أو نواب عن الأمة، يتصرفون باسمها، و تنصرف آثار تصرفاتهم إلى الأمة. بيد أن هذه النظرية تعرضت للعديد من الانتقادات : هذه النظرية تعترف بوجود شخصية قانونية أو معنوية للشعب أو الأمة إلى جانب الشخصية القانونية أو المعنوية للدولة، و قد بينا سابقاً عدم صحة هذه الفكرة التي تقوم على خيال محض. فالأمة كشخص مجرد، لا يمكن أن تملك حق النيابة أو الوكالة، فليس لها إرادة حقيقية، تمكنها من أن تنيب أحداً في التعبير عن هذه الإرادة. و لذلك فإن البرلمان لا يمثل إرادة الأمة، و إنما يخلقها، فإرادة الأمة ليس لها وجود سابق على البرلمان لتنيبه في التعبير عن هذه الإرادة، و إنما البرلمان هو الذي يوجد هذه الإرادة. كذلك فإن عملية الانتخاب ليست توكيلاً للنواب، و إنما هي مجرد عملية اختيار بين عدة أشخاص.
2-نظرية العضو : هذه النظرية تقوم أيضاً على فكرة خيالية، حيث تشبه الأمة بالإنسان و الهيئات الحاكمة، و منها البرلمان، بأعضاء الإنسان (يد، عين….) المعبرة عن إرادته. و بمقتضى هذه النظرية فإن الأمة شخص معنوي له إرادة يعبر عنها بواسطة عضو لا يمكن فصله عنه، أي أن هذا العضو ليس له شخصية مستقلة عن شخصية الشخص الجماعي المتمثل بالأمة. فنظرية العضو تستند إلى وجود شخص واحد فقط يمثل الأمة كجماعة منظمة له إرادة واحدة، و بالتالي تجنبت الانتقاد الذي وجه إلى نظرية النيابة المتمثل بوجود شخصين مختلفين ينفذ أحدهما إرادة الآخر. بيد أن هذه النظرية يمكن انتقادها أيضاً على أكثر من صعيد : فهي تقوم على محض الخيال، كما هو حال نظرية النيابة، بتصورها بوجود شخصية معنوية للأمة أو الشعب إلى جانب الشخصية المعنوية للدولة. كذلك فإن هذه النظرية تؤدي إلى ظهور الحكم الاستبدادي، لأنها لا تفرق بين إرادة الحكام و إرادة المحكومين، إذ تقوم على اعتبار الجماعة المنظمة شخصية واحدة، و بالتالي فإن إرادة الحكام هي حتماً إرادة المحكومين المتمثلة بإرادة الأمة، فليس للمحكومين أن يعترضوا على تصرفات الهيئات الحاكمة، لأنها تمثل إرادة الأمة، مما قد يؤدي إلى استبداد الحكام بالمحكومين. و لكن و بغض النظر عن النظريتين السابقتين اللتين لا تخلوان من الانتقاد، فإن حقيقة التمثيل ترجع- كما أشرنا سابقاً- إلى الضرورات العملية، و استحالة تطبيق الديمقراطية المباشرة، و صعوبة تطبيق الديمقراطية شبة المباشرة، إضافةً للظروف التاريخية التي رافقت ظهور و تطور النظام التمثيلي.
ثانياً- أركان النظام التمثيلي :- يقوم النظام التمثيلي على عدة أركان يمكن إجمالها بأربعة : برلمان منتخب، يمثل الأمة بأكملها، مستقل عن هيئة الناخبين، و ذلك خلال مدة محددة.
I-برلمان منتخب : يعتبر وجود برلمان (يمكن أن يكون البرلمان مؤلف من مجلس واحد أو من مجلسين) منتخب من الشعب أهم الدعامات الأساسية التي يقوم عليها النظام التمثيلي. و لكي يتحقق هذا النظام من الناحية الفعلية يجب أن تكون سلطات البرلمان حقيقية من خلال اشتراكه في إدارة شؤون الدولة، خاصة الوظيفة التشريعية، فلو كان دور البرلمان فقط استشارياً لما استقام النظام التمثيلي. و إذا كان شرط الانتحاب هو أساسي فإنه يمكن -حسب ظروف كل دولة- أن يكون عدد من أعضاء البرلمان غير منتخبين أي معينين، و لكن يجب في هذه الحالة أن تكون الغالبية الساحقة من الأعضاء منتحبين. و مبرر التعيين يكون إما لإدخال بعض الكفايات إلى البرلمان و إما لتمثيل الأقليات التي لا يمكن أن تمثل بسبب الأنظمة الانتخابية[16].
II-البرلماني في البرلمان يمثل الأمة بأكملها : أي أن البرلماني لا يمثل دائرته الانتخابية فقط، و إنما يمثل الأمة بأسرها، و بالتالي يستطيع إبداء الرأي بحرية كاملة دون التقيد بتعليمات ناخبيه لأنه يعمل من أجل الصالح العام للأمة وليس فقط لمجرد تحقيق مصالح إقليمية خاصة بالدائرة المنتخب فيها. بالتأكيد إن إقليم الدولة مقسم إلى عدد من الدوائر الانتخابية، و لكن البرلماني المنتخب في دائرة انتخابية لا يمثل فقط ناخبيه في هذه الدائرة بل الأمة بكاملها، فهو يعتبر منتخباً ممن يملك حق الانتخاب في دائرته و ممن لا يملك هذا الحق، و ممن شاركوا في الانتخاب و ممن تغيبوا، و ممن صوت له أو صوت ضده، و من القاطنين في دائرته و من القاطنين في الدوائر الانتخابية الأخرى. و لذلك لا نقول بأن البرلماني منتخب عن هذه الدائرة الانتخابية أو تلك، و إنما نقول بأن البرلماني انتخب في هذه الدائرة الانتخابية أو تلك. فتقسيم إقليم الدولة إلى عدة دوائر انتخابية يعود إلى اعتبارات فنية بحتة متعلقة بعملية تنظيم الانتخاب، و ليس له أي معنى سياسي، لأن السيادة لا تتجزأ. فمثلاً لو احتل جزء من إقليم الدولة مثلاً فإن البرلمانيين المنتخبين في هذا الجزء يبقون أعضاء في البرلمان المعبر عن إرادة الأمة[17].
III-استقلال البرلمان عن هيئة الناخبين[18] : لا يمكن تحديد و كالة البرلماني بأي قيد أو شرط، فالبرلمانيون يمارسون ولايتهم بحرية دون الارتباط بالتزامات يمكن أن يكونوا قد تعهدوا بها قبل انتخابهم، و لا بتعليمات ناخبيهم خلال الولاية. و هذا الركن في الحقيقة نتيجة طبيعية لكون البرلماني يمثل الأمة. فبعد انتهاء الانتخابات يباشر البرلمان سلطاته بدون الرجوع إلى الهيئة الناخبة، بحيث لا يجوز الأخذ بمظاهر الديمقراطية شبه المباشرة (استفتاء شعبي، اقتراح شعبي، اعتراض شعبي، العزل الشعبي أو الحل الشعبي)، فهيئة الناخبين لا تملك سوى أن تنتظر الانتخابات التالية لمحاسبة ممثليها، و لذلك لا بدّ من الركن الرابع المتمثل بتأقيت مدة البرلمان.
IV-البرلمان يمثل الأمة لمدة محددة : إذا كان استقلال البرلمان عن الناخبين يعتبر من الأركان الأساسية للنظام التمثيلي، وذلك بهدف التعبير عن إرادة الأمة و تحقيق مصالحها، فلا بدّ أن تكون مدة ولايته La législature محددة بزمن معلوم، لأنه لو ظلت ولايته مدى الحياة فإن ذلك يؤدي لا محالة إلى الاستبداد نتيجة تراجع أو ضعف فكرة التمثيل مع مرور الزمن، و لا يبقى البرلمان هو المعبر عن إرادة الأمة، و هو الهدف الأساسي لوجود البرلمان في النظام التمثيلي.وهذه المدة يجب ألا تكون طويلة جداً بحيث تنقطع الصلة بين الهيئة الناخبة و البرلمانيين (الهيئة المنتخبة)، كما يجب أن لا تكون قصيرة جداً لكي لا يظل البرلمان تحت ضغط الهيئة الناخبة و الخوف من الاستحقاق الانتخابي المقبل إضافة للتكاليف المالية للعملية الانتحابية وما لها من أثر كبير على الوضع الاقتصادي و المالي للدولة. و لكن مما تجدر الإشارة إليه هنا أنّ هذه المدة المحددة، لا يشترط في كل برلمان أن يتم ولايته بأكملها، فكما سنرى بأنه في الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني، تملك السلطة التنفيذية حق حل البرلمان قبل نهاية ولايته. و في الحقيقة إن هذه الأركان الأساسية للنظام التمثيلي طرأ عليها العديد من التطورات، فرضتها الظروف التاريخية، و العملية، حيث أفرزت الآليات الفنية و السياسية المتعلقة بتطبيق النظام التمثيلي بعض هذه التطورات[19]، و خصوصاً في مجال علاقة الناخبين بالبرلمانيين.
فقد أصبح، في وقتنا الحاضر، البرلماني خاضعاً لتأثير الناخبين لأسباب فرضتها آليات العملية الانتخابية : فالمرشح يتقدم ببرنامج أو بوعود انتخابية لإقناع الناخبين بانتخابه، و بعد انتخابه يسعى لتقديم خدمات مباشرة لناخبيه، و يمارس واجبه النيابي انطلاقاً من رغبته في الحصول على استمرارية تأييد الناخبين له من أجل تأمين إعادة انتخابه. يضاف إلى ذلك سيطرة الأحزاب على البرلمانيين. فالناخبون يصوتون في أغلب الأحوال لصالح مرشح هذا الحزب أو ذاك أكثر من تصويتهم لصالح شخص هذا المرشح أو ذاك المرشح. أي أن الناخب يصوت لبرنامج الحزب المحدد، و احترام البرلماني لبرنامج الحزب المنتمي إليه يعتبر مطلباً للناخبين المؤيدين لهذا الحزب، لذلك فإن الأحزاب تفرض على البرلمانيين المنتمين إليها حداً من الالتزام خلال التصويت في البرلمان.
ثالثاً-الانتقادات الموجهة للنظام التمثيلي :- واجه النظام التمثيلي، و يواجه حتى اليوم الكثير من النقد. و يمكن أن نميز في هذا الإطار تيارين أساسيين: الأول ينتقد الديمقراطية التمثيلية، و يراها بأنها ليست النظام الأفضل، و يحاول التغلب على السلبيات الناجمة عنها، و ذلك عن طريق بعض الآليات الإضافية، أما التيار الثاني فيرى أن الديمقراطية التمثيلية ليست سوى نظام فاسد لا يمكن إصلاحه من خلال بعض التعديلات عليه، و لكن لابد من تغييره كاملاً و إحلال نظام جديد محله. حتى أنصار النظام التمثيلي يرون أنه لا يخلو من بعض الانتقادات، و لكن يعتبرونه أفضل الممكن. و أهم هذه الانتقادات هي التالية :
- إن مبدأ سيادة الشعب أو الأمة الذي يقوم عليه النظام التمثيلي، ليس حقيقة، بل مجرد فرض خيالي. فهل يمكن القبول بأن يكون للأمة التي تحوز السيادة شخصية قانونية؟ و هل الشخصية القانونية للأمة هي نفس الشخصية القانونية للدولة؟. و إذا سلمنا جدلاً بمبدأ سيادة الأمة، كيف يمكن لنا تبرير وجود السلطة فعلياً في جميع الأنظمة التمثيلية بيد الأغلبية لا بيد الأمة بكاملها؟ و على أي أساس يمكن تبرير إخضاع الأقلية لحكم الأغلبية؟ هل يعني هذا أن إرادة مجموعة من الأفراد هي أفضل و أغلى من إرادة مجموعة أخرى؟ و في الحقيقة، إنّ سيادة الأمة تحل محلها سيادة البرلمان أو الأغلبية البرلمانية في جميع النظم التمثيلية.
-إضافة للانتقاد النظري الفلسفي السابق، يضاف انتقاد عملي له صلة به. فالأنظمة التمثيلية و إن كانت تقوم نظرياً على أساس أن الحكم للأغلبية فإنها في الواقع لا تحقق ذلك، بل إن الحكم عملياً يؤول في النهاية إلى أقلية لا إلى الأغلبية. و لتوضيح وجهة نظرهم يقولون : إنّه في جميع الديمقراطيات التمثيلية، لا يشترك جميع أفراد الشعب في العملية الانتخابية بل فقط جزء منهم. و لو فرضنا أن هذا الجزء يمثل أغلبية الشعب، فإن البرلمانيين الذين يختارهم الشعب ينقسمون إلى فئتين: أغلبية حاكمة و أقلية معارضة. و القرارات المتخذة من قبل الأغلبية الحاكمة تتخذ بأغلبية الحاضرين من نواب الأغلبية الحاكمة. و من ثم فإن الدراسات و الإحصائيات تدل على أن القرارات التي يلزمون بها جميع أفراد الشعب ليست صادرة سوى عن أقلية.
- إن وجود الأحزاب السياسية أصبح ملازماً للديمقراطية التمثيلية، و هذه الأحزاب بشكلها الحالي تعمل على انحراف الديمقراطية. فهذه الأحزاب ليست إلا مؤسسات انتخابية، لا هدف لمناصريها سوى الوصول إلى السلطة، و لو عن طريق اتخاذ مواقف لا تتفق مع المصلحة العامة. كذلك فإن هذه الأحزاب مسيطر عليها من قبل زعاماتها، فلو وصل حزب إلى السلطة فالذي يحكم هو فئة قليلة تمثل زعامات الحزب و بالتالي نصل إلى حكم الأقلية.
-كذلك يؤخذ على الديمقراطية التمثيلية بأنها لا تعنى بالتخصص، فهي تولي اهتماماً للاعتبارات السياسية و تهمل الأمور الفنية. و لذلك قد يصل إلى رأس أغلب مناصب السلطة أناس لا يفهمون من الناحية الفنية ما يديرون أو يرأسون.
-------------
[1]- حول الأساس النظري لمشاركة المواطنين في السلطة في النظام الديمقراطي، و المتمثلة بنظريتي سيادة الأمة و السيادة الشعبية، ارجع إلى الفصل المتعلق بالدولة.
[2]- الدكتور علي الدين هلال : “مفاهيم الديمقراطية قي الفكر السياسي الحديث”، بحث مقدم إلى الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان : أزمة الديمقراطية في الوطن العربي، منشورات مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت 1984، ص36-37.
[3]- سوف نتطرق لخصائص و سمات الأنظمة السياسية القائمة على أساس الديمقراطية الليبرالية في القسم الثاني من هذا المؤلف.
[4]-سوف نتطرق لخصائص و سمات الأنظمة السياسية القائمة على أساس الديمقراطية السلطوية في القسم الثاني من هذا المؤلف.
[5]-انظر حول هذا الموضوع : André HAURIOU : ”Droit Constitutionnel et Institutions Politiques“,3éd., Paris,1968, R.285. - أو انظر الترجمة العربية لهذا المؤلف : “القانون الدستوري و المؤسسات السياسية”، الجزء الأول، ترجمة علي مقلد و شفيق حداد و عبد الحسن سعد، الأهلية للنشر و التوزيع-بيروت، طبعة ثانية 1977، ص305-308.
[6]- أعضاء مجلس الخمسمئة Boulès كانوا يختارون من قبل الجمعية العامة Ecclesia.
[7]- Ph. ARDANT : ”Institutions politiques et Droit constitutionnel“,op.cit., R.168.
[8]-يجب عدم الخلط بين الاعتراض الشعبي Le veto populaire الذي هو مظهر من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة و بين الاعتراض التشريعي Le veto législatif، حيث تمنح، بعض الدساتير- كما سنرى لاحقاً- رئيس الدولة الحق في الاعتراض على القوانين التي يصوت عليها البرلمان (التي تتم عادةً بالأغلبية المطلقة







../..



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



القانون الدستوري - الجزء السادس Emptyالإثنين 13 مايو - 19:53
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: القانون الدستوري - الجزء السادس



القانون الدستوري - الجزء السادس

[8]-يجب عدم الخلط بين الاعتراض الشعبي Le veto populaire الذي هو مظهر من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة و بين الاعتراض التشريعي Le veto législatif، حيث تمنح، بعض الدساتير- كما سنرى لاحقاً- رئيس الدولة الحق في الاعتراض على القوانين التي يصوت عليها البرلمان (التي تتم عادةً بالأغلبية المطلقة للحاضرين من أعضائه)، و لا يتمكن البرلمان من تجاوز هذا الاعتراض إلا بالتصويت على القانون موضوع الاعتراض مجدداً و ذلك بأغلبية خاصة أو موصوفة (هي عادةً أغلبية ثلثي أعضاء البرلمان).
[9]- من الدساتير التي تأخذ بالاعتراض الشعبي : الدستور الإيطالي و الدستور السويسري.
[10]-من الدساتير التي تأخذ بالاقتراح الشعبي : الدستور الإيطالي و الدستور السويسري.
[11]Ph. ARDANT : ”Institutions politiques et Droit constitutionnel“,op.cit., R.183. -
[12]- تجدر الإشارة هنا إلى أن عدد أعضاء المجلس النيابي (البرلمان) Folketing يبلغ /79/ نائباً ينتخبون لمدة /4/ سنوات.
[13]- بين عامي 1960-1984، تم بهذه الطريقة عزل /13/ نائباً في مجلس السوفيت الأعلى.
[14]-نفضل مصطلح النظام التمثيلي على النظام النيابي كترجمة حرفية للمصطلح الفرنسي Régime représentatif، و ذلك لأن البعض يستعمل تعبير النظام النيابي كمرادف للنظام البرلماني Régime parlementaire، الذي هو أحد أشكال النظام التمثيلي كما سنرى لاحقاً. لذلك تجنباً لهذا الخلط في المصطلحات سوف نستخدم تعبير النظام التمثيلي الذي يعتبر الترجمة الأقرب للمصطلح الفرنسي.
[15]- بدون شك قد تتوافر لدى عامة الشعب هذه المقدرة في المسائل السياسية العامة، التي لا تحتاج إلى مقدرات فنية خاصة، و لذلك نجد أن أغلب دساتير دول العالم التي تأخذ بالنظام التمثيلي كأساس للحكم تأخذ ببعض مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة، و خصوصاً الاستفتاء الشعبي، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً.
[16]- نصت المادة /87/ من دستور جمهورية مصر العربية لعام 1971 على أنه يجوز لرئيس الجمهورية أن يعين في مجلس الشعب عدداً من الأعضاء لا يزيد عن عشرة. و يستخدم الرئيس هذا الحق لكي يدخل إلى المجلس بعض الأعضاء الممثلين للطائفة القبطية الذين لا يتمكنون من الوصول إلى المجلس عن طريق الانتخاب، و ذلك بسبب النظام الانتخابي المتبع.
[17]- ففي فرنسا مثلاً استمر نواب إقليمي الألزاس و اللورين في عضوية البرلمان الفرنسي، على الرغم من ضم هذين الإقليمين إلى ألمانيا في عام 1871.
[18]- في الحقيقة قدم لنا الفقه ثلاث نظريات في تكييف علاقة البرلماني بالهيئة الناخبة : نظرية الوكالة الإلزامية، نظرية الوكالة العامة للبرلمان، نظرية الانتخاب مجرد اختيار. نظرية الوكالة الإلزامية : تعتبر هذه النظرية الرابطة التي تربط الناخبين بنوابهم، هي عقد الوكالة (المعروف في القانون المدني)، أي أن البرلماني هو وكيل عن الناخبين و ممثل لهم و عليه أن يعمل طبقاً لما يرونه : الالتزام بتعليمات الناخبين و عدم الخروج عن حدودها، تقديم كشف حساب للناخبين عن تصرفاته، حق الناخبين في عزل البرلماني. نظرية الوكالة العامة للبرلمان : أي أن البرلماني لا يمثل ناخبيه فقط و إنما الأمة بأجمعها، مع النتائج المترتبة على ذلك و هي التي تقدم شرحها أعلاه من عدم الخضوع لتعليمات الناخبين، و عدم قدرة الناخبين على عزله و إنهاء ولايته، و هو غير ملزم بتقديم كشف حساب للناخبين. نظرية الانتخاب مجرد اختيار : و في الحقيقة أن كلتي النظريتين السابقتين لا تخلوان من النقد حيث تقوم الأولى على أساس قانوني بحت، و تقوم الثانية على أساس افتراض محض، في حين أن نظرية الانتخاب مجرد اختيار تقوم على اعتبار علاقة البرلماني بالناخبين علاقة سياسية، حيث تنحصر مهمة الناخبين في اختيار من يرونهم يمثلونهم لممارسة السلطة، و تنتهي هذه العلاقة بمجرد انتهاء عملية الانتخاب، و طيلة مدة ولاية البرلمان، و لا تعود إلا في الانتخاب القادم.
[19]- من ذلك الأخذ ببعض مظاهر الديمقراطية المباشرة، و ظهور تمثيل المصالح المهنية أو الاجتماعية.


------------
الفصل الثالث : آلية إسناد السلطة في النظام التمثيلي
إنّ مبدأ مشاركة Participation الشعب أو المواطنين في السلطة يعتبر من أهم المبادئ التي تميز النظام التمثيلي. هذه المشاركة في السلطة تتم من خلال الانتخاب، الذي يعتبر الوسيلة الأساسية لإسناد السلطة في الديمقراطية التمثيلية. فوجود برلمان منتخب من الشعب يعتبر جوهر النظام التمثيلي. و لكن هناك عدة عوامل تسهم في الوصول إلى البرلمان المنتخب، و قد تؤثر هذه العوامل سلباً أو إيجاباً في التقريب أو الابتعاد عن محتوى فكرة الديمقراطية، التي تقوم على قاعدة المشاركة الشعبية بأوسع نطاق.
في هذا الإطار سوف نتناول في مبحثين : الانتخاب كوسيلة للوصول إلى البرلمان أو الهيئة المنتخبة (المبحث الأول)، و كيفية تكوين البرلمان أو هذه الهيئة المنتخبة (المبحث الثاني).


المبحث الأول : الانتخاب
الانتخاب L'élection هو نمط لأيلولة السلطة يرتكز على اختيار يجري بواسطة التصويت أو الاقتراع Scrutin. و الانتخاب يعتبر الطريقة الأساسية لإسناد السلطة في الديمقراطية التمثيلية، بل أصبح الوسيلة الوحيدة لمنح الشرعية للسلطة. فالانتخاب أضحى بمثابة عقيدة للديمقراطية، و أضحت الفترة الانتخابية أهم الأوقات في الحياة السياسية للشعوب. فعلى الرغم من العيوب التي يمكن أن تسند لمبدأ الانتخاب كوسيلة لتعيين الحكام، يبقى هذا المبدأ الوسيلة الأنجع في الطريق نحو الديمقراطية التي تجتاح دول عالمنا.
و لفهم الانتخاب كوسيلة لتعيين الحكام في الديمقراطية التمثيلية، و الأمور الفنية المتعلقة بالانتخاب التي تتوقف عليها طبيعة الهيئة المنتخبة، لا بد لنا من تناول : التكييف القانوني للانتخاب، و الهيئة الناخبة، و تنظيم الانتخاب، و سير الانتخاب، و نظم الانتخاب و ذلك بشكل متتال.
1- : التكييف القانوني للانتخاب:- في الحقيقة تعتبر دراسة مسألة تحديد الطبيعة القانونية للانتخاب، مسألة فقهية بحتة، على الرغم من الآثار القانونية التي تترتب على تحديد هذه الطبيعة. في هذا الصدد ظهرت عدة أراء فقهية لتحديد الطبيعة القانونية للانتخاب : فهناك من يقول إنّ الانتخاب هو حق شخصي، و هناك من يقول إنّ الانتخاب هو وظيفة، و هناك رأي وسط يقول إنّ الانتخاب هو حق و وظيفة، أما الرأي الراجح في الفقه المعاصر فيقول إنّ الانتخاب هو سلطة قانونية سياسية.
أولاً- الانتخاب حق شخصي :يرى أصحاب هذا الاتجاه أنّ الانتخاب هو حق شخصي أو ذاتي، يتمتع به كل مواطن. أي هو حق من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز حرمان أحد منها. و في الحقيقة إنّ القول بهذا الرأي يتوافق مع نظرية السيادة الشعبية، أو بالأحرى أحد نتائجها. هذه النظرية التي تقوم، كما أشرنا سابقاً، على أساس أن كل فرد من الشعب يملك جزءاً من السيادة، و بالتالي الانتخاب حق لكل فرد لممارسة هذا الجزء الذي يملكه من السيادة. و بذلك فإن التسليم بهذا الرأي يؤدي إلى عدم جواز تقييد حق الاقتراع بأية شروط، أي الأخذ بمفهوم الاقتراع العام. كذلك القول بأن الانتخاب هو حق يؤدي إلى أن المواطن له الخيار في استعمال هذا الحق أو عدم استعماله، أي أنه لا يمكن القبول بفكرة التصويت الإجباري.
ثانياً- الانتخاب وظيفة : يرى أصحاب هذا الاتجاه بأن الانتخاب هو مجرد وظيفة يؤديها المواطن نتيجة لانتمائه إلى الأمة صاحبة السيادة. و في الحقيقة إنّ القول بهذا الرأي يتوافق مع نظرية سيادة الأمة، أو بالأحرى أحد نتائجها. فهذه النظرية تقوم، كما أشرنا سابقاً، على أساس أن السيادة هي ملك للأمة جمعاء باعتبارها شخصية قانونية، أي أن هذه السيادة لا تتجزأ و لا تتوزع بين الأفراد، و بالتالي فإن الانتخاب ليس حقاً شخصياً لكل فرد، بل هو مجرد وظيفة لا يمكن أن يمارسها من المواطنين إلا من تتوافر فيه شروط معينة. فالمواطنون ينقسمون إلى فئتين : المواطنين الإيجابيين الذين يتمتعون بالشروط التي تؤهلهم لممارسة الحقوق السياسية و منها الانتخاب، و المواطنين السلبيين و هم الذين لا يتمتعون بالشروط التي تؤهلهم لممارسة الحقوق السياسية. فالذين يمكنهم ممارسة وظيفة الانتخاب هم فقط المواطنون الإيجابيون، الذين يقع على عاتقهم واجب اختيار الأشخاص لممارسة شؤون السلطة.
و بالتالي فإن التسليم بهذه الرأي يؤدي إلى القبول بتقييد حق الاقتراع ببعض الشروط، و القبول بأن التصويت يمكن أن يكون إجبارياً.
ثالثاً- الانتخاب حق و وظيفة : حاول أصحاب هذا الرأي الجمع بين الرأيين السابقين، أي القول بأن الانتخاب هو حق و وظيفة بنفس الوقت. و لكن الانتخاب ليس حقاً فردياً خالصاً : لأن القول بذلك يصطدم باعتبارات عملية من أهمها ضرورة حرمان بعض الأفراد من ممارسة الانتخاب كالقصر و المحكوم عليهم بجرائم تخل بالشرف، و لأن تكييف الانتخاب بأنه حق يقتضي القبول بجواز التنازل عنه، و هذا الأمر لا يمكن القبول به.
و الانتخاب ليس وظيفة فحسب، لأن ذلك يسمح للمشرع بإمكانية تضييق دائرة الهيئة الناخبة، أو الأخذ بالاقتراع المقيد بأوسع حدوده، و بالتالي تصبح المشاركة الشعبية هامشية. و بالتالي فإنّ الانتخاب ليس حقاً و وظيفة في نفس الوقت، و لو كان كذلك لم نتمكن من الجمع بين المفهومين، و لكن ما أراد قوله أصحاب هذا الرأي هو أن : الانتخاب حق شخصي تحميه الدعوى القضائية التي تمكن الناخب من تقييد اسمه في الجداول الانتخابية، و يصبح الانتخاب بعد ذلك وظيفة تمكن الناخب من الاشتراك في اختيار من يتولى السلطات العامة في الدولة عن طريق ممارسته لعملية التصويت أو الاقتراع.
رابعاً- الانتخاب سلطة قانونية : يذهب أغلب الفقه الدستوري المعاصر، ونؤيده في ذلك، إلى أن التكييف القانوني السليم للانتخاب يقضي باعتباره سلطة أو مكنة قانونية، منحت بموجب القانون للناخبين لتحقيق المصلحة العامة، لا لتحقيق مصالحهم الشخصية. فالدستور و قانون الانتخاب هما اللذان يحددان مضمون هذه السلطة و شروط استعمالها. و استناداً لهذا التكييف فإن للمشرع أن يعدل في شروط ممارسة الانتخاب وفقاً لمتطلبات المصلحة العامة.
2- : الهيئة الناخبة :- لا بد بدايةً من تحديد المقصود بالهيئة الناخبة Corps électoral، قبل أن نتناول كيفية تكوين الهيئة الناخبة و العوامل التي تؤثر في ذلك، و النتائج التي تترتب على ذلك.
أولاً- المقصود بالهيئة الناخبة : يقصد بالهيئة الناخبة مجموع الأشخاص الذين يتمتعون بحق التصويت بموجب قانون الانتخاب. و تحتل الهيئة الناخبة مكاناً أساسياً في سير عمل المؤسسات في الدولة، إذ إنها تشكل أول أجهزة الدولة ما دامت إرادتها حاسمة في تكوين أجهزة الدولة الأخرى عن طريق الانتخاب المباشر أو غير المباشر. فالهيئة الناخبة هي التي تعين الحكام، و تمارس الرقابة عليهم عن طريق ممثليها في البرلمان، و تعتبر سلطة الفصل الحاسمة في النزاع الذي يمكن أن يثور بين السلطات العامة في الدولة.
ثانياً- تكوين الهيئة الناخبة : لكي يكون الانتخاب متوافقاً مع المفهوم الحقيقي للديمقراطية يجب أن يكون مفتوحاً أمام أكبر عدد ممكن من المواطنين، الذين يشكلون الهيئة الناخبة، حتى يكون معبراً قدر الإمكان عن رأي أغلبية المواطنين. فكلما كانت الهيئة الناخبة عريضة كان الانتخاب، و بالتالي البرلمان، متوافقاً مع روح الديمقراطية. و في هذا الإطار فإن التطور التاريخي لممارسة حق الاقتراع، الذي يسمح بإعطاء الرأي حول اختيار شخص (انتخاب) أو حول قرار (استفتاء)، أدى إلى توسيع نطاق الهيئة الناخبة، من خلال الانتقال من الاقتراع المقيد إلى الاقتراع العام، و من الاقتراع غير المتساوي إلى الاقتراع المتساوي.
I-الاقتراع المقيد و الاقتراع العام : لم يصبح الاقتراع العام مبدأ أساسياً في الديمقراطية التمثيلية، إلا منذ عهد قريب[1] و بعد تطور تاريخي طويل، حيث كان المبدأ هو الاقتراع المقيد.
1-الاقتراع المقيد[2] : يقصد بالاقتراع المقيد Suffrage Restrient، قصر حق التصويت على مجموعة من الأشخاص الذين يملكون نصاباً معيناً من الثروة، أو كفاية معينة.
- الاقتراع المقيد بنصاب مالي : نظام الاقتراع المقيد بشرط النصاب المالي Suffrage Censitaire يتطلب في الناخب أن يكون من مالكي العقارات أو من دافعي الضرائب. و هذا الشرط برر خاصةً بأنه يضمن جدية الانتخابات، لأن الناخبين في اختيارهم سيكونون حريصين جداً لأنّ البرلمان الذي انتخب من قبلهم سيؤثر من خلال تشريعاته على ثرواتهم و أموالهم، أما من لا يملك شيئاً فسيكون في اختياره غير مبال.
- الاقتراع المقيد بشرط الكفاءة : نظام الاقتراع المقيد بشرط الكفاءة Suffrage Capacitaire، يقصر حق الاقتراع على الأشخاص الذين تتوافر بهم بعض الكفاءات : كشرط الإلمام بالقراءة و الكتابة أو الحصول على مؤهل علمي معين. و قد برر هذا الشرط بأن الناخب الأمي أو غير المتعلم يسهل تضليله أو أنه لا يملك المقدرة على الاختيار الحر خاصةً إذا أخذنا بعين الاعتبار سرية الانتخابات، و أحياناً برر بكونه حافزاً للمواطنين من أجل الخروج من الأمية.
2- الاقتراع العام : يقصد بالاقتراع العام Suffrage Universel، الاقتراع الذي يمنح مجموعة من الأشخاص حق التصويت دون تقييده بشرط النصاب المالي أو بشرط الكفاءة. و هذا الاقتراع العام ساد و بشكل متتابع جميع الدول الديمقراطية[3] و ذلك بهدف توسيع قاعدة الهيئة الناخبة للبرلمان لكي يعبر هذا الاقتراع قدر الإمكان عن إرادة الأمة. و لكن هذا لا يعني أن الاقتراع العام لا يشترط في الناخب أية شروط[4]. فالاقتراع العام لا يتعارض مع بعض الشروط المتعلقة بالجنسية و الجنس و السن و الأهلية. و في الحقيقة أن هذه الشروط يمكن أن تؤثر سلباً أو إيجاباً في الاتجاه أو اللون السياسي للهيئة المنتخبة. و هذه الشروط أو القيود على الاقتراع العام، تسمى بشروط الانتخاب :
- الجنسية : جميع دول العالم تشترط في الانتخابات البرلمانية أن يكون الناخب من رعاياها، أي يتمتع بجنسيتها La nationalité. فصفة المواطن أو المواطنة التي ترتبط بالجنسية تعتبر أساس منح حق التصويت أو الاقتراع. و حتى لو حصل فرد على الجنسية التي تعطيه صفة المواطن فإن بعض الدول تشترط مرور زمن معين لاعتبار هذا الفرد ناخباً. و لكن يلاحظ أن بعض الدول كإيطاليا، و السويد و هولندا و الدانمرك تمنح حق الانتخاب في الانتخابات المحلية للأجانب المقيمين فيها بصورة شرعية، كذلك الأمر يحق لرعايا دول المجموعة الأوربية المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأوربية في أية دولة من دول هذه المجموعة و لو لم يكونوا من رعاياها بشرط أن يكونوا مقيمين بها[5]. و السؤال المطروح هل يمكن أن يصل الأمر إلى منحهم هذا الحق بالنسبة للانتخابات البرلمانية ؟
- السن : تختلف الدول في تحديد سن معينة لمنح حق الانتخاب، أو ما يسمى بسن الرشد السياسي Majorité électorale، حسب الظروف المحيطة في كل دولة، فكلما خفض هذا السن اتسعت قاعدة الهيئة الناخبة و العكس بالعكس، فإذا كان السن مرتفعاً في الماضي فإن الاتجاه العام في دول عالمنا الحالي هو خفض هذا السن. ففي فرنسا على سبيل المثال كان شرط السن 25 سنة في دستور 1791 و أصبح 30 سنة في دستور 1814، هذه السن أصبحت 21 سنة في دساتير الجمهوريات 1714 و 1848 وبقي هذا السن حتى تموز 1970 حيث أعطي في عهد الرئيس بومبيدو (الذي كان معارضاً لخفض هذه السن)[6] حق الانتخاب للشباب الذين بلغوا 19 سنة و أدوا الخدمة العسكرية، و أصبحت هذه السن 18 سنة في 5 تموز 1974 بعد وصول فاليري جيسكار ديستان إلى سدة الرئاسة. كذلك اعتمد سن الـ 18 سنة في بريطانيا، الولايات المتحدة، كندا، ألمانيا، هولندا،…الخ. و في بعض الدول حددت هذه السن بـ 19 سنة كالسويد و النمسا. و في البرازيل حدد سن الانتخاب بـ 16 سنة. و قد أخذ التشريع السوري موقفاً وسطاً في هذه الاتجاه حيث حددت المادة /54/ من الدستور و المادة /3/ من قانون الانتخابات العامة السن الانتخابية بثماني عشرة سنة. و في الحقيقة فقد أثبتت بعض الدراسات بأن الميول السياسية للشباب تتجه نحو التطرف إلى اليسار أو إلى اليمين، و القليل منهم ينتخب أحزاب الوسط.
- الجنس : من الأمور، التي كانت تعتبر و لا تزال في بعض الدول، مثار جدل هو منح المرأة حق الاقتراع. فعلى الرغم من أن قصر حق الاقتراع على الرجال دون النساء لم يكن يعتبر متناقضاً مع مبدأ الاقتراع العام، فإنّ أغلب دول العالم وخصوصاً منذ مطلع القرن العشرين أخذت تمنح المرأة هذه الحق، بحيث أضحى حرمان المرأة حق الانتخاب، و نحن في بداية الألفية الثالثة، من الأمور التي تتنافى مع مبدأ الاقتراع العام. فجميع دول الديمقراطيات الغربية أعطت للمرأة حق الانتخاب :1915 في الدانمرك، 1919 في هولندا، 1928 في بريطانيا، 1944 في فرنسا، 1945 … و كانت آخر دولة أوربية في هذا المجال هي سويسرا عام 1971. أما في سورية فقد أعطيت النساء حق الاقتراع منذ عام 1949[7]، و قد نحت هذا المنحى الغالبية العظمى من الدول العربية. و في هذه الإطار يمكننا أن نشير إلى أن مسألة منح المرأة حق الاقتراع لا تزال مجال جدل سياسي دستوري كبير في دولة عربية هي دولة الكويت : فقد رفض مجلس الأمة الكويتي في عامي 1973 و 1982 منح حق الاقتراع للمرأة، و سقط بانتهاء ولاية مجلس الأمة في عام 1996 اقتراح تقدم به عدد من أعضائه بشأن إعطاء المرأة حق الانتخاب، و في عام 1999 رفض مجلس الأمة مرسوماً أميرياً يتضمن منح المرأة حق الانتخاب.
في الحقيقة إنّ إعطاء المرأة حق الانتخاب له تأثير على نتائج هذه الانتخابات، فتجارب بعض الدول الأوربية التي عملت على فصل أصوات النساء عن أصوات الرجال، لوحظ أن النساء يصوتن في الاتجاه المحافظ أكثر من الرجال. ضمن نفس الاتجاه و نتيجة سبر معلومات أجريت على الانتخابات الرئاسية الفرنسية في كانون الأول 1965 و أيار 1974، لوحظ بأن فرانسوا ميتران كان سيفوز على خصميه الجنرال ديغول (في انتخابات 1965) و فاليري جيسكار ديستان (في انتخابات 1974) لو لم تشترك النساء في الانتخابات. و عندما فاز ميتران في انتخابات 1980 و 1986 لوحظ أن الفرق في ميول التصويت بين النساء و الرجال كان بسيطاً جداً.
- الأهلية : الأهلية العقلية و الأهلية الأدبية : فيما يتعلق بالأهلية العقلية La capacité فإنه يحرم من ممارسة حق الاقتراع من لا يتمتع بالأهلية المدنية، لأن من لا يستطيع إدارة شؤونه الخاصة بنفسه لا يمكنه المشاركة في إدارة الشؤون العامة التي تقررها الانتخابات. لذلك يحرم من حق الانتخاب الأطفال وصغار السن وذلك بشكل مؤقت حتى بلوغهم السن المحددة في قانون الانتخابات، كما يحرم من الانتخاب من كان فاقداً لقواه العقلية بسبب الجنون أو العته، أي المحجور عليهم Les aliénés، و ذلك حتى شفائهم. أما فيما يتعلق بالأهلية الأدبية، فإن بعض التشريعات تحرم من ممارسة حق الانتخاب بعض الأشخاص الذين لهم سوابق قضائية Un passé judiciaire، و خصوصاً من صدر بحقه حكماً في جريمة تمس الشرف و الاعتبار La dignté. و إذا كان حرمان المحكوم عليهم بجرائم تمس الشرف و الاعتبار لا يتنافى مع مبدأ الاقتراع العام، فإنه لا يمكن تعميم هذا الحرمان على جميع المحكومين عليهم، و خصوصاً المحكوم عليهم بجرائم سياسية، و ذلك حتى لا يستغل هذا الحرمان كوسيلة لمن في السلطة لإبعاد خصومهم السياسيين.
- العسكريين : خلال مدة طويلة حرمت العديد من دول العالم العسكريين من ممارسة حق الانتخاب لسببين أساسيين : تجنب إقحام الجيش في الجدل و الصراع السياسي الذي قد يؤدي إلى الفوضى و تمزيق صفوفه، و الخوف من ممارسة القادة ضغوطاً على مرؤسيهم للتصويت في هذا الاتجاه أو ذاك مما يؤدي إلى نوع من التأثير على حرية الناخبين و بالتالي تشويه نتائج الانتخاب.
II-الاقتراع المتساوي و الاقتراع غير المتساوي : إن المنطق الديمقراطي يفترض بأن يكون الاقتراع متساوياً، أي أن قيمة (أو وزن) صوت كل مواطن ناخب هي واحدة : يد واحدة-تصويت واحد، أو شخص واحد-صوت واحد- قيمة واحدة وفقاً للمقولة الإنكليزية one man, one vote, one value. هذا المبدأ هو الذي يكمل مبدأ الاقتراع العام و يعطي الديمقراطية مفهومها الحقيقي[8]. و لذلك فإن عدم المساواة، القانونية منها و الفعلية، في الاقتراع لا تتوافق مع المنطق الديمقراطي.
1-عدم المساواة القانونية : عدم المساواة القانونية يمكن أن تأخذ مظهرين :
- التصويت المتعدد أو المتكرر : التصويت المتعدد أو المتكرر Le vote multiple، هو التصويت الذي يمكن الناخب من التصويت في عدة دوائر انتخابية.
- التصويت الجمعي أو العددي : التصويت الجمعي أو العددي Le vote plural، هو التصويت الذي يعطي بعض الناخبين الحق في التصويت عدة مرات، أي أن تكون قيمة تصويت بعض الناخبين أكبر من قيمة تصويت ناخبين آخرين. و في كلتا الحالتين تكون قيمة صوت ناخب ما أكبر من قيمة صوت ناخب آخر، و بالتالي يتنافى مع المنطق الديمقراطي، لذلك يكاد يكون هذا النظام الانتخابي معدوماً في دول عالمنا، و لكن عدم المساواة في الانتخابات يمكن أن تكون فعلية و ليس قانونية.
2-عدم المساواة الفعلية : على الرغم من أن كل ناخب لا يملك قانوناً سوى صوت واحد، فإنه في التطبيق قد يظهر بأن قيمة صوت أحد الناخبين أكبر من قيمة صوت ناخب آخر. وهذه الحالة تنجم خاصة من خلال آلية توزيع أو تحديد الدوائر الانتخابية :
- فتقسيم الدوائر الانتخابية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على المساواة قدر الإمكان بين ما يمثله كل نائب من المواطنين (و ليس فقط من الناخبين). إن المثالية في التقسيم التي تؤدي إلى هذه النتيجة يصعب تحقيقها، و لذلك قلنا بأن التقسيم يجب أن يؤدي إلى مساواة قدر الإمكان، بحيث لا تكون عدم المساواة واضحة أو يكون هناك خطأ ظاهر في التقدير L'errure manifeste d'appréciation[9] : فمثلاً في انتخابات الجمعية الوطنية في فرنسا، التي جرت في آذار 1993، فاز نائب الدائرة الخامسة في إقليم Côtes d'Armor نتيجة تصويت 92866 ناخباً، في حين فاز نائب الدائرة الثانية في إقليم Lozère نتيجة تصويت 26468 ناخباً فقط.
- كذلك فإن تقسيم الدوائر الانتخابية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار إقامة المساواة بين قيمة صوت كل ناخب، و ذلك من خلال المساواة بين الناخبين في عدد ما ينتخبونه من نواب. ففي الدول التي تأخذ بنظام الانتخاب حسب الدوائر الانتخابية الفردية أو التي تعتبر إقليم الدولة دائرة انتخابية واحدة فإن هذه المساواة تعتبر محققة، أما في الدول التي تقسم إقليمها لعدد من الدوائر الانتخابية و كل دائرة تنتخب عدداً من البرلمانيين يختلف من دائرة إلى أخرى وفقاً لحجمها الديموغرافي فإنه تنتج نوعاً من عدم المساواة في قيمة تصويت الناخبين من دائرة إلى أخرى : ففي سورية مثلاً المرسوم التشريعي رقم /128/ تاريخ 18/10/1998 المتعلق بانتخاب مجلس الشعب للدور التشريعي السابع، وزع مقاعد مجلس الشعب بين الدوائر الانتخابية، فحدد مقاعد دائرة ريف حلب بـ/32/ عضواً و عدد مقاعد دائرة محافظة الرقة بـ/4 / أعضاء، و بالتالي فإن صوت الناخب في ريف حلب يرسل عدداً أكبر، بثمانية أضعاف، مما يرسله صوت الناخب في مدينة الرقة من الأعضاء إلى مجلس الشعب.
- كذلك فإن تقسيم الدوائر الانتخابية يجب أن يراعي الاعتبارات الجغرافية و الاجتماعية و الاقتصادية حتى السياسية. و هذا الأمر قد ينتج عدم مساواة بين أصوات الناخبين يمكننا توضيحه من خلال المثال التالي : لو فرضنا أنّ هناك دائرتين انتخابيتين، الدائرة الأولى تضم /50000/ ناخب منهم /30000/ ناخب من مالكي العقارات يصوتون بشكل دائم للحزب (آ) و /20000/ ناخب من العمال الذين يصوتون بشكل دائم للحزب (ب)، أما الدائرة الثانية فتضم /80000/ ناخب منهم /20000/ ناخب من مالكي العقارات يصوتون بشكل دائم للحزب (آ) و /600000/ ناخب من العمال الذين يصوتون بشكل دائم للحزب (ب)، في هذه الحالة يفوز نائب من الحزب (آ) في الدائرة الأولى و نائب من الحزب (ب) في الدائرة الثانية. فلو أعدنا تقسيم هاتين الدائرتين بحيث فصلنا من الدائرة الثانية منطقة تضم /20000/ ناخب منهم /17000/ يصوتون بشكل دائم للحزب (ب) و /3000/ يصوتون بشكل دائم للحزب (آ) و ضممناها للدائرة الأولى، فبموجب هذا التقسيم الجديد للدوائر يحصل الحزب (ب) على المقعدين في الدائرتين الأولى و الثانية و يحرم الحزب (أ) من أي تمثيل، لأنه في الدائرة الثانية على الرغم من إعادة التقسيم يبقى ناخبو الحزب (ب) يمثلون الأغلبية، و يصبحون أغلبية في الدائرة الأولى (يصبح عدد ناخبي الحزب (أ) 30000+3000=33000 ناخب، في حين يصبح عدد ناخبي الحزب (ب) 20000+17000=37000 ناخب).
3- : تنظيم الانتخاب:- إن تنظيم أية عملية انتخابية يجب أن تكون معدة بطريقة محكمة. فكل عملية انتخابية تتطلب عدداً من المسائل الفنية، التي تتوقف إلى حد كبير على كيفية معالجتها نتيجة الانتخاب. و من هذه المسائل: تقسيم الدوائر الانتخابية، و إعداد الجداول الانتخابية، و كيفية الترشيح، و الحملة الانتخابية.
أولاً- تقسيم الدوائر الانتخابية :- يمكننا تعريف الدائرة الانتخابية Circonscription بأنها الإطار الجغرافي الذي يجري فيه الانتخاب. في هذا الصدد سنتناول مبدأ تقسيم الدوائر الانتخابية، و كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية و تحديدها.
I-مبدأ تقسيم الدوائر الانتخابية : تختلف كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية من دولة إلى أخرى، و ضمن الدولة الواحدة، و تختلف أيضاً من انتخاب إلى آخر. و بهذا الخصوص نذكر الاحتمالات التالية : الدولة دائرة انتخابية واحدة، الدولة مقسمة إلى دوائر انتخابية فردية كل دائرة تنتخب نائباً واحداً، الدولة مقسمة إلى عدد من الدوائر تنتخب كل منها عدداً من البرلمانيين. فهناك بعض الانتخابات تفرض اعتبار الدولة دائرة انتخابية واحدة، كالانتخابات الرئاسية و الاستفتاء، أما الانتخابات البرلمانية فإن أغلب دول العالم لا تعتبر الدولة دائرة انتخابية واحدة[10]، بل تقسمها إلى عدة دوائر تنتخب كل منها عدداً من البرلمانيين، أو إلى دوائر فردية بعدد البرلمانيين تنتخب كل منها نائباً واحداً.
II-كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية و تحديدها : إن كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية Le découpage ترتبط بشكل وثيق بالنظام الانتخابي المعتمد في الدولة. و السلطة المختصة في تحديد عدد الدوائر الانتخابية و كيفية تقسيمها هي السلطة التشريعية. و من حيث المبدأ يعتبر إسناد اختصاص تحديد الدوائر الانتخابية إلى المشرع ضمانة أساسية، لتجنب إحداث دوائر انتخابية غير متساوية، أو دوائر يكون محور تحديدها محاباة فريق سياسي و الإضرار بفريق آخر. و يتم تحديد عدد الدوائر الانتخابية بإحدى طريقتين :
-الطريقة الأولى : يتم بموجبها تحديد عدد أعضاء البرلمان بشكل ثابت، و من ثم يتم توزيع هذا العدد على دوائر انتخابية، و بذلك يبقى عدد الدوائر الانتخابية ثابتاً لا يتغير بتغير عدد السكان سواء أخذ بنظام الدوائر الفردية أو قسم إقليم الدولة لعدة دوائر انتخابية كل منها تنتخب عدداً من البرلمانيين[11].
-الطريقة الثانية : كل نائب في البرلمان يمثل عدداً محدداً من السكان، و بالتالي فإن عدد أعضاء البرلمان يتغير بتغير عدد السكان، و بالتالي فإن تقسيم الدوائر و تحديد عددها يكون، أو يجب أن يكون[12]، أيضاً متغيراً.
إنّ معايير و غايات تقسيم أو تقطيع الدوائر الانتخابية يجب أن يراعي بشكل دائم و قدر الإمكان-كما أشرنا سابقاً- مبدأ المساواة في حق الانتخاب : أي أن تكون قيمة صوت كل ناخب مماثلة لقيمة صوت غيره من الناخبين، سواء كان معيار التقسيم تمثيل جزء من الأرض أم مجموعة من الأفراد.
لذلك يجب أن لا تكون مطلقاً غاية تقسيم الدوائر الانتخابية هو تمزيقها، أو تشريحها Gerrymandering[13]، بشكل تؤدي إلى محاباة فريق سياسي و الإضرار بفريق آخر، و هو ما يسمى تفصيل الدوائر الانتخابية حسب الطلب أو "طبخ" أو "خياطة" قانون الانتخاب على قياس إحدى الفرق السياسية Les lois électorales sur mesure. و يتم ذلك من خلال تشتيت الخصوم السياسيين في دوائر انتخابية يصبحون فيها أقلية، أو تجميعهم في دوائر كبيرة، عدد نوابها محدود[14].
و مما تجدر الإشارة إليه فيما يتعلق بتقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية، أنّ هذا التقسيم لا يشترط فيه أن يكون متوافقاً مع التقسيم الإداري المعتمد في الدولة[15].
ثانياً- الجداول الانتخابية :- الجدول الانتخابي La liste électorale هي قائمة بأسماء الأشخاص أصحاب الحق في الاقتراع في كل دائرة انتخابية، يتم تحريرها حسب الترتيب الأبجدي. و في هذا الصدد سوف نتناول أهمية جداول الانتخاب، و خصائصها و كيفية ضمان سلامتها.
I-أهمية الجداول الانتخابية : تعتبر الجداول الانتخابية عنصراً أساسياً في العملية الانتخابية، فالقيد في جداول الانتخاب يعد شرطاً لممارسة حق الانتخاب لمن يتمتعون بحق الانتخاب قانوناً.
و القيد في الجدول الانتخابي الخاص بدائرة انتخابية ما يتطلب توافر رابطة ما بين الناخب المراد قيده و هذه الدائرة الانتخابية : سكن (كمنزل، أو كإقامة بحكم الوظيفة…)، إثبات الناخب أن له مصلحة جدية في ذلك (كدفع الضرائب المحلية للبلدية التي تكون الدائرة الانتخابية في نطاقها…).
و التسجيل في الجداول الانتخابية هو أمر إلزامي، و على أصحاب العلاقة طلب تسجيلهم، أي أن التسجيل لا يتم بشكل تلقائي من قبل الإدارة. و لا يمكن تسجيل الناخب إلا في جدول انتخابي واحد خاص بإحدى الدوائر الانتخابية، حيث لا يمكن للناخب سوى التصويت مرة واحدة في كل عملية انتخابية، و في الدائرة التي يوجد فيها الجدول الانتخابي المقيد فيه اسمه. و بالتالي يساهم وجود الجدول الانتخابي بأن يكون التمثيل الناجم عن الانتخاب صحيحاً، و يحد من إمكانية التزوير الانتخابي La fraude électorale[16]، و حتى في حالة التزوير و تقرير إعادة الانتخاب في دائرة ما يساهم في تحديد من يحق له الانتخاب في هذه الدائرة، كذلك الأمر في حالة تقرير إجراء انتخابات جزئية أو فرعية L'élection partielle بسبب شغور أحد المقاعد في البرلمان.
II-خصائص الجداول الانتخابية : تتميز الجداول الانتخابية بأنها عامة و دائمة : فعمومية الجداول الانتخابية تقضي بأن هذه الجداول لا ترتبط بانتخابات معينة و إنما تكون معتمدة و صالحة في كل عملية اقتراع ذي طبيعة سياسية (انتخابات رئاسية، برلمانية، محلية، استفتاء)، أما صفة الديمومة للجداول الانتخابية فتقضي بأن لا يجوز شطب أو حذف اسم شخص من الجداول الانتخابية إلا إذا فقد صفة الناخب.
و في هذه الحالة الأخيرة، أي شطب أو حذف اسم شخص من الجداول الانتخابية، يكون عبء الإثبات على من يدعي العكس. فالشخص المقيد اسمه في الجداول الانتخابية لا يمكن مطالبته بتقديم الدليل على استمرار تمتعه بصفة الناخب، أما الشخص غير المقيد في الجداول الانتخابية و يطلب تسجيله فعلية إثبات تمتعه بصفة الناخب.
III-ضمان سلامة الجداول الانتخابية : يتضمن قانون الانتخاب عادةً كيفية تنظيم الجداول الانتخابية بدقة، و ذلك لضمان سلامة هذه الجداول من التزوير، لأنها كما ذكرنا تعتبر عنصراً أساسياً في العملية الانتخابية. و من هذه الضمانات :
- ضرورة إجراء مراجعة سنوية لجداول الانتخاب و ذلك لإضافة أسماء من اكتسبوا صفة الناخب أو الذين أهملوا في تسجيل أسمائهم في الجداول سابقاً، و حذف أسماء من فقدوا هذه الصفة.
- ضرورة عرض الجداول الانتخابية التي تعد سنوياً في الأماكن العامة التي يحددها القانون. و هذا الإجراء على درجة كبيرة من الأهمية، لأنه يسمح لكل شخص يتمتع بصفة الناخب Électorat إذا أهمل إدراج اسمه بدون حق في الجداول الانتخابية أن يطلب إدراج اسمه في هذه الجداول، كما أنها تمكن كل صاحب مصلحة المطالبة بحذف اسم شخص ما من الجداول الانتخابية لأنه لا يتمتع بصفة الناخب، و بالتالي أدرج أسمه بدون حق. و في حال عدم حل النزاع إدارياً حول ذلك، يمكن لصاحب المصلحة اللجوء إلى القضاء المختص أو القاضي الانتخابي Le juge élctoral لاستصدار حكم يقضي بإدراج أو حذف اسم من الجداول الانتخابية.
و نتيجة لهاتين الضمانتين يتمكن كل ذي مصلحة من الطعن أمام القضاء في نتائج الانتخابات، مستنداً في دفعه على عدم سلامة جداول الانتخاب، إذا كان من شأن ذلك التأثير على نتيجة الانتخاب.
ثالثاً- المرشحون :- المرشح Le candidat هو الشخص الذي يأمل في الوصول إلى ولاية انتخابية Mandat و تتوفر فيه الشروط القانونية للترشيح و يكون إيداع ترشيحه مقبولاً. و في هذا الصدد سوف نتناول المبدأ العام في الترشيح، و القيود الواردة عليه، و كيفية إيداع أو إعلان الترشيح.
I-المبدأ العام : المبدأ العام للترشيح في النظام الديمقراطي يقضي بجواز الترشيح لكل شخص تتوافر فيه الشروط القانونية للترشيح، و ذلك إعمالاً لمبدأ المساواة أمام القانون الذي تقره أغلب دساتير الدول.
و المبدأ العام للترشيح يفترض حرية الترشيح و المساواة في الترشيح، أي يجب أن لا يتضمن القانون نوعاً من التمييز بين المرشحين. بيد أن عدداً من الدول تأخذ بما يسمى بالتمييز الإيجابي La discrimination positive، حيث أن دساتيرها أو قوانين الانتخابات فيها تحفظ حصة Quota معينة من المقاعد في البرلمان لبعض الفئات التي تكون حظوظ نجاحها في الانتخاب ضئيلة جداً إذا لم تقرر لها هذه الحصة : ففي بعض الدول، و خصوصاً منها الاسكندنافية، تحفظ حصة من المقاعد في برلماناتها للنساء تصل إلى حد 50%[17]، و في لبنان حيث أن هناك حصصاً محددة لكل طائفة دينية من مقاعد البرلمان[18]، و في سورية أيضاً فقد حفظت، كما سنرى لاحقاً، حصة كحد أدنى من مقاعد مجلس الشعب للعمال و الفلاحين.
II-قيود الترشيح : على الرغم من أن المبدأ العام يقضي بحرية الترشيح لكل شخص، فإن هناك بعض القيود التي قد تمنع بعض الأشخاص من إعلان ترشيحهم، و تتعلق هذه القيود بعدم أهلية الترشيح، و التمانع.
1-عدم أهلية الترشيح : نقصد بعدم أهلية الترشيح L'inéligibilité بالمعنى الواسع وضع من لا يستوفي الشروط القانونية التي تتيح له أن يترشح للانتخاب. و شروط الترشيح القانونية يجب، لكي تتوافق مع المفهوم الديمقراطي، أن لا تكون شديدة، حتى تسمح قدر الإمكان لأوسع نطاق للمشاركة الشعبية في الترشيح. فشروط الترشيح متعددة و تختلف من دولة إلى أخرى، و في العموم تكون هذه الشروط أقسى من تلك التي يجب أن تتوافر في الناخب. أما عدم أهلية الترشيح بالمعنى الضيق فنقصد بها منع حق الترشيح عن بعض الأشخاص الذين تتوافر فيهم الشروط القانونية للترشيح، و ذلك بسبب ممارستهم بعض الوظائف الحساسة (محافظ، قائد منطقة عسكرية، رئيس محكمة عليا…) و ذلك لضمان نزاهة الانتخاب. و لذلك نجد أن بعض القوانين تذهب إلى محاولة التوفيق بين عدم حرمان هذه الفئات من حق الترشيح و ضمان نزاهة الانتخاب، من خلال منعهم فقط من الترشيح في الدائرة التي يمارسون فيها وظائفهم.
2-التمانع : التمانع L'incompatibilité هو عدم توافق أو تعارض الولاية البرلمانية Mandat parlementaire مع عدد معين من الولايات الانتخابية الأخرى و الوظائف العامة و النشاطات الخاصة، و ذلك من أجل صون استقلال المنتخبين تجاه السلطات العامة و القوى الخاصة. و حالات التمانع تختلف من دولة إلى أخرى.
III-إيداع أو إعلان الترشيح : لا يكفي في الشخص أن تتوافر فيه الشروط القانونية للترشيح، فقوانين الانتخابات تفرض على الشخص، المتوفراة فيه شروط الترشيح و يرغب في ترشيح نفسه، بعض الشكليات و المدد : تقديم طلب لدى إحدى الجهات الإدارية المعنية خلال مدة محددة، إيداع تأمين ما كقرينة على جدية الانتخاب، لائحة بممتلكات المرشح…الخ.
و عملية إعلان الترشيح La candidature، تسهم في وضوح الانتخابات، من خلال تحديد عدد المرشحين، و تعريف الناخبين بأسماء المرشحين قبل فترة من عملية الاقتراع. و هذا الأمر يشكل مظهراً من مظاهر الوضوح القانوني (الشفافية) الذي يعتبر من أهم تطبيقات دولة القانون على الصعيد السياسي.
رابعاً- الحملة الانتخابية :- الحملة الانتخابية La compagne électorale هي الفترة التي تسبق الانتخاب، و يسمح فيها للمرشحين بعرض أفكارهم. و ينظم القانون مدة الحملة الانتخابية و الأحكام المتعلقة بكيفية ممارسة الحملة الانتخابية و تمويلها و سقف الإنفاق على ذلك، مما يؤدي إلى ضمان سلامة العميلة الانتخابية قدر الإمكان.
I-تمويل الحملة الانتخابية و سقفها : في الحقيقة إنّ تمويل الحملات الانتخابية Le financement de la compagne électorale، سواء الرئاسية أو البرلمانية…، يكلف مبالغاً كبيرة : صور، إعلانات، منشورات، أوراق انتخابية، نفقات فريق الحملة…الخ. و هذا يؤدي إلى نوع من التمييز، غير المقبول به ديمقراطياً، بين المرشحين بحسب قدراتهم المالية. و لذلك فإن أغلب دول العالم تحدد كيفية تمويل الحملة الانتخابية و سقفها لتحقيق نوع من المساواة في تكافؤ الفرص بين المرشحين.
II-ممارسة الدعاية الانتخابية : الدعاية الانتخابية La propagande électorale هي مجموعة الأعمال التي تجري في خلال الحملة الانتخابية لتأمين انتخاب المرشح، و ذلك من خلال الإعلان عن برنامجه الانتخابي و مديح كفايته و اعتباره، و ذلك بواسطة المنشورات و الاجتماعات و…و وسائل الإعلام خصوصاً. و يخصص قانون الانتخاب عادةً أحكاماً مفصلة تسوسها مبادئ الحرية و المساواة بين المرشحين، حيث يحدد القانون الأعمال الدعائية المسموح بممارستها، و أساليب تنظيمها[19].
و في هذا الإطار يتوجب أن تقف أجهزة السلطة العامة، بأشخاصها و وسائلها و إمكانياتها المادية، موقف الحياد، أي على مسافة واحدة من جميع المرشحين : الموالين لها و المعارضين.
و باعتبار أن وسائل الإعلام المرئية و المسموعة لها أهمية كبيرة كوسيلة للدعاية و إقناع الجمهور، فإن المشرع في معظم الدول الديمقراطية عالج بأحكام محددة مسألة الدعاية الانتخابية عن طريق البث الإذاعي و التليفزيوني[20].
------------
[1]- في الحقيقة لم يصبح الاقتراع العام مبدأ مجمعاً عليه في الدول الغربية إلا بعد الحرب العالمية الأولى 1914.
[2]- لن ندخل في تفاصيل ممارسة الاقتراع المقيد في دول العالم، لأنه أصبح في الحقيقة من الأمور التاريخية، التي أردنا ألا نقحم القارئ بها.
[3]- كانت فرنسا السباقة في هذا المجال و أقرت الاقتراع العام في 5 آذار 1848، أما في بقية الدول الأوربية فقد أقرت في وقت متأخر : 1909 في السويد، 1912 في إيطاليا، 1917 في هولندا، 1918 في بريطانيا، 1919 في ألمانيا، 1921 في بلجيكا. في حين يمكن القول بأن الاقتراع العام في الولايات المتحدة لم يقر إلا بواسطة التعديل الرابع و العشرين للدستور الأمريكي في شباط 1964.
[4]- في الحقيقة أن الاقتراع العام لا يعني بأنه عام بالمطلق، أي منح كل مواطن حق التصويت. فهناك جملة من القيود المادية و القانونية، تختلف من دولة إلى أخرى، تقلص هذه العمومية. ففي فرنسا مثلاً لا يوجد سوى /39/ مليون ناخب من أصل /56/ مليون مواطن يشكلون سكان فرنسا، أي أن الهيئة الناخبة في فرنسا تشكل حوالي 70% من عدد السكان. و في سورية يوجد حوالي /7.5/ مليون ناخب من أصل /16/ مليون مواطن يشكلون عدد السكان، أي أن الهيئة الناخبة تمثل أقل من 50% من عدد السكان.
[5]-و ذلك منذ التوقيع على معاهدة ماستريشت Maastricht بين دول الاتحاد الأوربي عام 1992، التي أنشأت ما يسميه الفقه الدستوري الفرنسي بالمواطنة الأوربية.
[6]- و كان ذلك نتيجة الثورة الثقافية التي قام بها الشباب عام 1968.
[7]- أعطيت النساء في سورية حق الانتخاب لأول مرة بالمرسوم التشريعي رقم 17 تاريخ 10 أيلول 1949، أما في مصر فلم تعط المرأة هذا الحق إلا في عام 1956.
[8]-نصت المادة /2/ من قانون الانتخابات العامة في سورية “…، و لكل ناخب صوت واحد”.
[9]- انظر بهذا الصدد حكمي المجلس الدستوري الفرنسي : C.C., 8 août 1985, Rec. p.63. et C.C., 23 août 1985, Rec. p.70.
[10]- برأينا أن اعتبار الدولة دائرة انتخابية واحدة فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية يجعل مهمة الناخبين صعبة جداً نظراً لعدم معرفتهم بالمرشحين، و لذلك نجد أن أغلب الدول الأوربية كإيطاليا و البرتغال…التي طبقت مبدأ الدائرة الواحدة في الانتخابات البرلمانية، قد عزفت عن ذلك.
[11]- هذه الطريقة متبعة في لبنان حيث حدد الدستور عدد البرلمانيين بـ/128/ نائباً، في حين أن توزيعهم على الدوائر الانتخابية اختلف باختلاف القوانين الانتخابية التي اعتمدت في الأعوام 1992، 1996، و 2000. كذلك فإن هذه الطريقة متبعة في دولة الكويت، حيث حددت المادة /80/ من الدستور الكويتي عدد أعضاء مجلس الأمة المنتخبين بـ/50/ عضواً، و تركت المادة /81/ منه أمر تحديد الدوائر الانتخابية إلى القانون، حيث قسمت المادة الأولى من قانون الانتخاب الكويت إلى /25/ دائرة انتخابية، تنتخب كل منها عضوين.
[12]- في هذا الإطار فإن قضاء المجلس الدستوري في فرنسا مستقر على أن تحديد الدوائر الانتخابية يجب أن يتم وفقاً لأسس تعتمد على الحجم السكاني، و بالتالي فإن هذا التحديد يجب أن يخضع للمراجعة بشكل دوري. انظر حول ذلك :
FAVOREU Louis et PHILIP Loüc :”Les grandes décisions du Conseil Constitutionnel“, 6 éd., Sirey,1991, p.688.
[13]- هذا المصطلح في أصله يعود إلى حاكم ولاية ماساشوستيس الأمريكية في القرن التاسع عشر، المدعو جيري Gerry، الذي اشتهر بمهاراته في تشريح أو تمزيق الدوائر الانتخابية.
[14]- انظر في ذلك المثال الذي طرحناه سابقاً.
[15]- في سورية اعتمد قانون الانتخابات العامة التقسيم الإداري كأساس لتقسيم الدوائر الانتخابية مع استثناء وحيد يتعلق بمحافظة حلب، حيث نصت المادة /13/ من هذا القانون : “تعتبر كل محافظة دائرة انتخابية، باستثناء محافظة حلب التي تقسم إلى دائرتين : آ-مدينة حلب، ب-مناطق محافظة حلب”.
[16]- إن وجود الجدول الانتخابي (أو كما يسمى في بعض الدول كلبنان بلائحة الشطب) في كل قلم اقتراع Le bureau de vote، يسمح بشطب L'émargement اسم الناخب من خلال التوقيع بجانبه في جدول الانتخاب الموجود في القلم، مما يسمح بسهولة عند فرز الأصوات من مقارنة عدد الناخبين المقيدين في الجدول الانتخابي الذين قاموا بالإدلاء بأصواتهم في مركز قلم الاقتراع، و مقارنتها مع عدد المغلفات أو أوراق الاقتراع الموجودة في صندوق اقتراع هذا القلم.
[17]- في فرنسا قرر المجلس الدستوري (قراره الصادر بتاريخ 18 تشرين الثاني 1982) عدم دستورية القانون الذي يحدد أنصبة أو حصصاً انتخابية بحسب الجنس، و ذلك بمناسبة طعن قدم ضد مشروع قانون الانتخابات البلدية الذي أقره البرلمان بمجلسيه و الذي ينص على أن كل لائحة انتخابية في كل دائرة انتخابية لا يمكن أن تضم أكثر من 75% من المرشحين، و هذا النص أقره مجلسا البرلمان بشبه إجماع و ذلك لزيادة تمثيل النساء في المجالس البلدية. و قد اعتمد المجلس الدستوري في إعلان عدم دستورية هذا النص إلى الفقرة /4/ من المادة /3/ من الدستور الذي يكفل لجميع المواطنين من الجنسين تمتعهم بحقوقهم السياسية، إضافة للمادة /6/ من إعلان حقوق الإنسان و المواطن التي تنص على أن جميع المواطنين متساوون في القبول في المناصب و المراكز و الوظائف العامة وفقاً لأهليتهم و بدون تمييز.
[18]- وزعت المقاعد البرلمانية في المجلس النيابي اللبناني بشكل متساو بين المسلمين و المسيحيين، و حدد عدد المقاعد في كل دائرة انتخابية لكل طائفة بنسبة ما تمتلك هذه الطائفة من ناخبين. حول التمثيل الطائفي في البرلمان اللبناني انظر :



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



القانون الدستوري - الجزء السادس Emptyالإثنين 13 مايو - 19:55
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: القانون الدستوري - الجزء السادس



القانون الدستوري - الجزء السادس

- : - : سير الانتخاب :- إضافةً لتنظيم الانتخاب، ينظم المشرع من خلال قانون الانتخاب كيفية ممارسة الاقتراع Scrutin، و يضع الضمانات التي تكفل حسن سير الانتخاب.
أولاً- التصويت الاختياري و التصويت الإلزامي : إن ممارسة الناخب لعملية التصويت قد يكون أمراً إلزامياً، أو يترك للناخب الحرية في ممارسة ذلك أو عدم ممارسته.
و في الواقع فإن أغلب دول العالم تأخذ بمبدأ التصويت الانتخابي الاختياري Le vote facultatif، أي أن ممارسة الناخب لعملية التصويت أمراً متروكاً لخياره، و هذا ما ذهب إليه المشرع في سورية. و لكن هذا الأمر يؤدي إلى تغيب عدد كبير من الناخبين عن ممارسة التصويت L'abstentionnisme، مما يؤثر على العملية الانتخابية و الحياة السياسية. لذلك فإن عدداً قليلاً من الدول (مثل : بلجيكا، إيطاليا، هولندا، أستراليا، البرازيل…) أخذت بمبدأ التصويت الإلزامي أو الإجباري Le vote obligatoire لتجنب تغيب الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم، من خلال فرض بعض العقوبات على المتغيبين عن الإدلاء بأصواتهم.
ثانياً- التصويت العلني و التصويت السري : يعتبر مبدأ التصويت السري Le vote secret من أهم ضمانات حرية التصويت، بينما يسمح التصويت العلني Le vote public بممارسة عدة أشكال من الضغط على الناخب. لذلك فإن أغلب دول العالم اعتمدت مبدأ الاقتراع السري، من خلال ضرورة مرور الناخب في الغرفة السرية أو المعزل Isoloire[1] لإملاء ورقته الانتخابية Bulletin de vote، و وضعها ضمن مغلف Enveloppe قبل وضعها في صندوق الاقتراع Urne، و إلغاء أية ورقة انتخابية تحمل إشارة يمكنها أن تدل على هوية الناخب.
ثالثاً- نزاهة الانتخاب : يقصد بنزاهة الانتخاب La sincérité du scrutin، احترام صوت الناخب، بحيث تأتي نتيجة الانتخاب متفقة مع حقيقة أصوات الناخبين. و أشكال المساس بنزاهة الانتخاب متنوعة:
- الضغط على الناخبين بالترهيب و الترغيب : إذا كان تهديد الناخبين جسدياً أو مادياً أصبح نادراً، فإن شراء الأصوات يعتبر من أهم وسائل الضغط على الناخبين.
- التزوير : تصويت من ليس لهم الحق في الانتخاب، إضافة أوراق بدون مقترعين، تبديل أوراق الاقتراع، أو الغش أثناء فرز الأصوات. و لذلك فإن قوانين الانتخاب عادةً تضع أحكاماً دقيقة فيما يتعلق بعملية التصويت و فرز الأصوات Le dépouillement من خلال حضور مندوبين Délégués يمثلون جميع المرشحين خلال عمليتي التصويت و الفرز[2]، إضافة لأحكام تتعلق بجرائم الانتخاب و عقوباتها، و كيفية ممارسة الطعن القضائي في نتائج الانتخاب في حال المساس بنزاهته.
5- : نظم الانتخاب :- مع التوسع في قاعدة الهيئة الناخبة عن طريق إقرار نظام الاقتراع العام، و مع بروز الأحزاب السياسية، لم يعد مقبولاً أن يكون البرلمان ممثلاً للأمة كهيئة مجردة، بل على البرلمان أن يمثل جميع المواطنين بحقائقهم المختلفة و أمانيهم المتنوعة و مصالحهم المتفاوتة لكي لا نقول المتعارضة. وهذا الأمر لن يتم إلا باعتماد النظام الانتحابي Le système électoral الأمثل Idéal و الذي بمقتضاه يصل إلى البرلمان قدر الإمكان نواب يمثلون مختلف التيارات و الاتجاهات الموجودة بين الشعب. بهذا الصدد نرى أن الأنظمة الانتخابية تختلف من دولة إلى أخرى و ذلك تبعاً لعدة ظروف خاصة بكل منها (تاريخية، اجتماعية، اقتصادية، سياسية، ثقافية…). وهذه الأنظمة الانتخابية لها دور هام في تحديد نتائج الانتخاب الاتجاه السياسي للأغلبية في البرلمان المنتخب). و في هذا الإطار سوف ندرس أهم هذه الأنظمة الانتخابية بمقارنة بعضها ببعض، و تحديد آثار كل منها[3].
أولاً- الانتخاب المباشر و الانتخاب غير المباشر:- الانتخاب المباشر Suffrage direct و هو الذي بمقتضاه يقوم الناخبون بانتخاب البرلمانيين مباشرة دون وسيط، أي أن الانتخابات تتم على درجة واحدة. أما الانتخاب غير المباشر Suffrage indirect فيتم على درجتين، بحيث يقتصر دور الناخبين على انتحاب مندوبين (يشكلون مجمعاً انتخابياً)، و هؤلاء المندوبون هم الذين يقومون في مرحلة ثانية بانتخاب البرلمانيين. من ظاهر الأمر يمكن القول : إنّ طريقة الانتخاب المباشر هي الأقرب إلى مفهوم الديمقراطية الحقيقي[4] و أغلب الدول المعاصرة تأخذ بهذه الطريقة لانتخاب البرلمان، ولكن لا يزال معمولاً بطريقة الانتخاب غير المباشر في بعض الدول لانتخاب المجلس الثاني في الدول التي يتكون البرلمان فيها من مجلسين.
ثانياً- الانتخاب الفردي و الانتخاب بالقائمة:- الانتخاب الفردي Scrutin uninominal هو الذي بمقتضاه يقوم الناخبون في دائرة انتخابية معينة بانتخاب نائب واحد يمثلهم في البرلمان . و بذلك يقسم إقليم الدولة في نظام الانتخاب الفردي إلى دوائر انتخابية صغيرة بحيث يجب أن يتطابق عدد هذه الدوائر مع عدد المقاعد في البرلمان. أما في الانتخاب بطريق القائمة Le Scrutin de liste فيقوم الناخبون في كل دائرة انتخابية بانتخاب عدة نواب يمثلونهم في البرلمان. و بذلك يقسم إقليم الدولة في نظام الانتخاب بالقائمة إلى عدد من الدوائر الانتخابية الكبيرة (عادة كل إقليم يشكل دائرة انتخابية) أو تشكل الدولة كلها دائرة انتخابية. و للانتخاب بطريق القائمة عدة أشكال : فهناك أسلوب الاقتراع للوائح المكتملة La liste complète و اللوائح غير المكتملة La liste incomplète. فالاقتراع وفق اللوائح المكتملة يؤدي إلى أسلوب الاقتراع بموجب القوائم المغلقة Le Scrutin de liste bloquée، أي أن الناخب يلتزم بالتصويت لصالح إحدى القوائم دون أي تعديل و متقيد بترتيب أسماء المرشحين الوارد في اللائحة. أما الاقتراع وفق اللوائح غير المكتملة يسمح بالأخذ بأسلوب المزج بين اللوائح Le panachage، أي أن الناخب ليس مجبراً بالتصويت لصالح إحدى اللوائح المتنافسة، بل يملك تشكيل لائحته الانتخابية بالجمع بين أسماء المرشحين الواردة في اللوائح الانتخابية المتنافسة. و هناك أسلوب التصويت مع التفضيل Le vote préférentiel في حال اعتماد نظام الانتخاب النسبي، حيث يستطيع الناخب تغيير ترتيب أسماء مرشحي القائمة الواحدة و عدم الالتزام بالترتيب الموجود في اللائحة و التي تمثل رأي الحزب أو الجماعة السياسية التي تدعم هذه اللائحة. و بهذا يتضح لنا أهم مزايا كل من النظامين و كل نظام يحاول تلافي عيوب الآخر :
فالانتخاب الفردي يمكن الناخبين من معرفة المرشحين معرفة شخصية و بالتالي تمكنهم من الاختيار بشكل أفضل، فهو يمتاز بالبساطة و السهولة، كما أن البرلماني من جهة أخرى يكون أوثق صلة بناخبيه مما يمكنه من نقل رغباتهم إلى البرلمان، وبذلك نتجنب أحد مساوئ الانتخاب بالقائمة حيث يجهل الناخب في أغلب الأحيان شخصية المرشحين الذي سوف ينتخبهم، و كذلك الأمر نتجنب خداع الناخبين إذا اعتمد نظام الانتخاب بالقائمة المغلقة Scrutin de liste bloquée (الناخب في هذه الحالة لا يملك سوى التصويت لإحدى القوائم دون أن يتمكن من إدخال تعديلات عليها أو تغيير ترتيب الأسماء داخل اللائحة) لأن الأحزاب تقوم عند تشكيل قوائمها الانتخابية بوضع اسم شخصية مرموقة على رأس القائمة ثم تضع بعد ذلك أسماء شخصيات مجهولة سياسياً. فالانتخاب بطرق القائمة المغلقة يدعم دور الأحزاب في السيطرة على عملية الانتخاب، و ذلك لأن المرشح يعتبر أن حظه في الفوز لن يكون كبيراً إلا إذا كان اسمه في رأس القائمة التابعة لحزبه أما إذا كان اسمه في نهاية القائمة فيكون حظه في الفوز معدوماً. لذلك تلعب القيادات الحزبية دوراً أساسياً و لو كان غير مباشر في تحديد الشخصيات التي ستدخل البرلمان، فبذلك يخضع المرشح خضوعاً تاماً لتعليمات هذه القيادات الحزبية حتى بعد انتخابه و دخوله البرلمان و ذلك لتأمين انتخابه في المرة القادمة.
أما أهم مزايا الانتخاب بالقائمة فهو تحويل عملية الانتخاب إلى مفاضلة بين برامج انتخابية Plats-formes تعكس مبادئ الأحزاب المتنافسة، و بذلك نتجنب أهم مساوئ الانتخابات الفردية و هو المفاضلة بين أشخاص تلعب فيها الصلات و العلاقات العائلية و الدينية دوراً أساسياً. فالانتخاب بالقائمة يرفع من المستوى السياسي للناخبين بحيث تصبح اهتماماتهم بالمسائل العامة أكثر لأنه مطلوب منهم المفاضلة بين برامج سياسية و ليس مفاضلة ضيقة بين أشخاص.
ثالثاً- الانتخاب بالأغلبية و الانتخاب على أساس التمثيل النسبي:- إذا كان الانتخاب بالأغلبية Le Scrutin majoritaire يتم في معظم الدول على أساس الانتخاب الفردي فإنه يمكن أن يكون في بعض الدول على أساس الانتخاب بالقائمة، أما الانتخاب على أساس التمثيل النسبي Représentation Proportionnelle فلا يمكن أن يكون إلا على أساس الانتخاب بالقائمة. وفي الحقيقة إنّ التفرقة القائمة بين نظام الانتخاب بالأغلبية و نظام الانتخاب على أساس التمثيل النسبي هي تفرقة قائمة على كيفية تحديد النتيجة. و الأخذ بأحد النظامين له أثر هام و أحياناً حاسم في تحديد لون أو اتجاه البرلمان المنتخب.
I-نظام الانتخاب بالأغلبية : يقصد بنظام الانتخاب بالأغلبية أنّ المرشح (أو القائمة) الذي يحصل على أغلبية الأصوات الصحيحة المدلى بها suffrages exprimés في الدائرة الانتخابية يفوز في الانتخابات. و نظام الانتخاب بالأغلبية إما أن يتم بالأغلبية البسيطة أو النسبية و يجري على دورة واحدة Scrutin majoritaire á un seul tour، أو أن يتم بنظام الأغلبية المطلقة و يجري على دورتين Scrutin majoritaire á deux tours .
1-نظام الانتخاب بالأغلبية على دورة واحدة : كنظام الانتخاب بالأغلبية على دورة واحدة مطبق في الولايات المتحدة وفي بريطانيا و بعض الدول الأنكلوساكسونية، و بموجب هذا النظام فإن المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات الصحيحة المدلى بها، أي الأغلبية البسيطة أو النسبية Majorité relative، يعتبر فائزاً في الانتخابات مهما كانت نسبة الأصوات الحاصل عليها من مجموع الأصوات الصحيحة المدلى بها في الانتخابات. في الحقيقة هذا النظام الانتخابي قد يؤدي إلى نتائج غريبة في الدول التي يوجد فيها العديد من الأحزاب بحيث ينتخب برلمان لا يمثل أغلبية الناخبين : فمثلاً لو فرضنا أنه في دائرة انتخابية خمسة مرشحين و حصل المرشح الأول على 4000 صوت و المرشح الثاني على 3500 صوت و الثالث على 3000 صوت و الرابع على 2500 صوت و الخامس على 1000 صوت، في هذه الحالة المرشح الأول هو الذي فاز بالمقعد النيابي عن هذه الدائرة الانتخابية رغم أنه لا يمثل أغلبية الأصوات المدلى بها في الانتخابات، ففي مثالنا لم يحصل المرشح الأول سوى على أقل من 20% من مجموع الأصوات المدلى بها في دائرته الانتخابية، و على الرغم من ذلك فاز بالمقعد النيابي عن هذه الدائرة. فلو عممنا ما جرى في هذه الدائرة الانتخابية لحصلنا على برلمان لا يمثل سوى أقلية الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم. حتى في الدول التي يوجد فيها حزبان قويان فقط كالولايات المتحدة (الديمقراطي و الجمهوري) و بريطانيا (العمال و المحافظين) قد نحصل على نتائج غير عادلة. ففي بريطانيا، كما سنرى لاحقاً، أظهرت الدراسات بأن الفرق بين عدد المقاعد التي يحصل عليها الحزبان المتنافسان (المحافظين و العمال) لا يتناسب البتة مع الفرق بين نسبة الأصوات التي حصل عليها كل حزب.
2-نظام الانتخاب بالأغلبية على دورتين : هذا النظام هو أقل سوءاً من حيث الآثار من النظام السابق. فطبقاً لهذا النظام لا يكفي للفوز في الدورة الأولى الحصول علي الأغلبية البسيطة أو النسبية من عدد الأصوات المدلى بها في الانتخابات، بل يجب على المرشح أن يحصل على الأغلبية المطلقة Majorité absolue من عدد هذه الأصوات 50% + صوت واحد بشرط أن تكون هذه الأغلبية تمثل نسبة محدده (يحددها قانون الانتخاب) من عدد الناخبين المسجلين في السجلات الانتخابية للدائرة الانتخابية. فإذا لم تتحقق هذه النتيجة من أول دورة في دائرة انتخابية معينة يلجأ إلى دورة انتخابية ثانية، و لا يسمح للتقدم إليها سوى للمرشحين (أو المرشحين الذين حصلوا على نسبة معينة من الأصوات في الدورة الأولى يحددها قانون الانتخاب)، اللذين حصلا على أعلى عدد من الأصوات، و هذا ما يسمى بالبلتجة Ballotage. و تكفي الأغلبية البسيطة أو النسبية في الدورة الثانية للفوز في المقعد المخصص للدائرة الانتخابية. وهذا النوع من الانتخاب بالأغلبية على عكس الأول يسمح بالتحالفات الانتخابية بين الأحزاب السياسية، و هذه التحالفات قد تكون دائمة (كما هو الحال بين حزب التجمع من أجل الجمهورية R.P.R. و التجمع الديمقراطي الفرنسي U.D.F. الذي يضم بدوره تجمع عدة أحزاب صغيرة)، أو مؤقتة (كما حدث مؤخراً في الانتخابات الفرنسية الأخيرة في حزيران 1997 بين الحزب الاشتراكي P.S. و الحزب الشيوعي P.C. و حزب الخضر Vert)، و من خلال هذه التحالفات يمكن أن تدخل بعض الأحزاب الصغيرة إلى البرلمان كما حصل لحزب الخضر الفرنسي الذي دخل البرلمان لأول مرة في عام 1997، و بدون تحالفه مع الحزب الاشتراكي ما كان له أن يدخل البرلمان. و لكن هذا النظام الانتخابي مع ما يجره من تحالفات انتخابية قد يمنع بعض الأحزاب القوية من الوصول إلى البرلمان كما هو حال حزب الجبهة الوطنية الفرنسي (المتطرف)Front National الذي يعتبر ثالث أكبر حزب فرنسي، ففي الانتخابات الأخيرة في حزيران 1997 لم يحصل سوى على مقعد واحد رغم أنه حصل على نسبة 15% من الأصوات، في حين حصل الحزب الشيوعي على 33 مقعداً على الرغم من أنه لم يحصل سوى على 9% من الأصوات و حصل حزب الخضر على 7 مقاعد رغم أنه لم يحصل سوى على حوالي 5% من نسبة الأصوات على المستوى الوطني. ويبقى أهم عيب يؤخذ على نظام الانتخاب بالأغلبية البسيطة أو المطلقة مسألة تقسيم الدوائر الانتخابية. فبفضل نظام الانتخاب بالقائمة و على أساس التمثيل النسبي نتجنب مسألة صعوبة تقسيم الدوائر الانتخابية، و خاصة مسألة توزيع الدوائر الانتخابية بشكل يحابي بعض الأحزاب. فعلى سبيل المثال لو فرضنا أن إقليماً معيناً يستحق حسب مساحته و عدد سكانه مقعدين برلمانيين فقط و أن الناخبين في هذا الإقليم مؤلفون من 40% من العمال الذين يسكنون في مركز الإقليم و يدلون بأصواتهم عادة لصالح مرشح الحزب (أ) ذي الاتجاهات العمالية، و أن الـ 60% الباقين من سكان الإقليم هم من المزارعين و ملاك الأراضي و الذين يسكنون في ضواحي الإقليم، و يدلون بأصواتهم عادة لصالح مرشح الحزب (ب) ذي الاتجاه المحافظ. فلو قسمنا هذا الإقليم إلى دائرتين انتخابيتين باعتبار مركز الإقليم دائرة انتخابية أولى و ضواحي الإقليم دائرة انتخابية ثانية لحصل كل من الحزبين (أ) و (ب) كلاً على مقعد نيابي واحد. أما لو قسمنا الإقليم بطريقة أخرى بحيث جعلنا نصف مركز المدينة و نصف الضواحي دائرة انتخابية أولى بحيث يكون الناخبين فيها مشكلين من 20% من العمال الذين يدلون بأصواتهم لمرشح الحزب (أ) و 30% من المزارعين و الملاك الذين يدلون بأصواتهم لمرشح الحزب (ب)، و جعلنا نصف مركز المدينة الثاني و نصف الضواحي المتبقية دائرة انتخابية ثانية بحيث يكون الناخبون فيها مشكلين أيضاً من 20% من العمال الذين يدلون بأصواتهم لمرشح الحزب (أ) و 30% من المزارعين و الملاك الذين يدلون بأصواتهم لمرشح الحزب (ب)، فحسب هذا التقسيم يفوز الحزب (ب) بالمقعدين النيابيين بينما الحزب (أ) لن يحصل على أي مقعد.
II-الانتخاب على أساس التمثيل النسبي : إذا كان نظام الانتخاب بالأغلبية يمكن أن يتم بالانتخاب على أساس فردي أو على أساس القائمة، فإن نظام الانتخاب على أساس التمثيل النسبي لا يتم إلا عن طريق الانتخاب بالقائمة. و سوف نقوم بتحديد مفهوم الانتخاب على أساس التمثيل النسبي، و كيفية حساب الأصوات نظراً لأهمية ذلك في تحديد نتيجة الانتخاب.
1-مفهوم التمثيل النسبي : في الواقع إنّ نظام الانتخاب على أساس التمثيل النسبي أخذ يعم معظم الدول الأوربية الديمقراطية، و من الدول التي لا تعتمد هذا النظام الانتخابي فرنسا[5] و بريطانيا[6]. و السبب في هذا التعميم لنظام الانتخاب على أساس التمثيل النسبي، هو أن هذا النظام يسمح بانتخاب برلمان يمثل قدر الإمكان الاتجاهات المعبر عنها من قبل الهيئة الناخبة. فالأخذ بنظام الانتخاب على أساس التمثيل النسبي يؤدي إلى تلافي بعض العيوب و الانحرافات الموجودة في نظام الانتخاب بالأغلبية.
- فنظام الانتخاب على أساس التمثيل النسبي يحقق قدر الإمكان العدالة في توزيع المقاعد على الأحزاب أو اللوائح المتنافسة، بحيث يحصل كل حزب أو لائحة على عدد من المقاعد البرلمانية بشكل متناسب مع عدد الأصوات التي حصل عليها. و بالتالي يكون البرلمان المنتخب معبراً عن كل الاتجاهات و التيارات المتنافسة.
- و من أهم مزايا الانتخاب على أساس التمثيل النسبي أنه يسمح بدخول الأحزاب الصغيرة إلى البرلمان، دون حاجة لأن تعقد هذه الأحزاب اتفاقات انتخابية قد تكون في بعض الأحيان شاذة.
- إن توزيع أو تقسيم الدوائر الانتخابية لا يمكن أن يلعب أي دور في تحديد اتجاه البرلمان المنتخب لأن الدوائر الانتخابية تكون كبيرة. و لكن على الرغم من كل هذه الإيجابيات لهذا النظام فهو لا يخلو من العيوب. و أهم هذه العيوب هو التشجيع على كثرة عدد الأحزاب و خاصة وجود عدة أحزاب لها نفس الأهداف و البرامج مما يؤدي إلى تشتيت الأصوات داخل البرلمان و صعوبة إيجاد أغلبية برلمانية قوية تمكنها من تشكيل حكومة. و هذا بدوره يؤدي إلى تشكيل حكومات ائتلافية ينتج عنها أزمات سياسية و بالتالي حالة عدم استقرار سياسي في الدولة (كما يحدث في إيطاليا فمنذ الحرب العالمية الثانية حتى نهاية القرن العشرين تشكلت في إيطاليا سبع و خمسون حكومة، و كما يحدث حالياً في تركيا)[7]. وأيضاً يمكن أن يعاب على نظام الانتخاب على أساس التمثيل النسبي تعقيد و صعوبة عملية فرز الأصوات مما قد يؤدي إلى التلاعب في نتائج الانتخابات، و لكن يمكن أن يرد على ذلك ببساطة بوجود المعلوماتية. و لكن الذي تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو أن طريقة حساب الأصوات قد تؤثر على نتائج الانتخابات.
2-كيفية حساب الأصوات : من حيث المبدأ تحصل كل لائحة انتخابية على عدد من المقاعد يتناسب مع نسبة الأصوات التي حصلت عليها كل منها. و يبدو من الناحية النظرية هذا المبدأ بسيطاً جداً، و لكن الواقع يدل على أن تطبيقه يظل أمراً دقيقاً و المثال التالي يوضح ذلك :
فلو فرضنا مثلاً أنّ دائرة انتخابية معينة كان فيها خمس لوائح انتخابية هي (أ)، و (ب)، و (ج)، و (د) و (و) تتنافس على عشرة مقاعد انتخابية و كان عدد الأصوات التي أدلي بها في الانتخابات 100000 صوت. فنقوم بداية بإيجاد ما يسمى بالحاصل الانتخابي Quotient électoral و هو نتيجة قسمة عدد الأصوات المدلى بها على عدد المقاعد فيكون هذا الحاصل في مثالنا 100000/10 = 10000 صوت.
و لو فرضنا أيضاً في مثالنا أن : اللائحة (أ) حصلت على 39000 صوت
اللائحة (ب) حصلت على 25000 صوت
اللائحة (ج) حصلت على 23000 صوت
اللائحة (د) حصلت على 7000 صوت
اللائحة (و) حصلت على 6000 صوت
فتكون نتيجة كل لائحة من المقاعد حسب الحاصل الانتخابي هو التالي : اللائحة (أ) = 3 مقاعد، اللائحة (ب) = 2 مقعد، اللائحة (ج) = 2 مقعد، أما اللائحتان (د) و (و) لم تحصلا على أي مقعد.
و لكن بقي لدينا 3 مقاعد لم توزع و عدد من الأصوات لم تمثل و هي : 9000 صوت من اللائحة (أ)، 5000 صوت من اللائحة (ب)، 3000 صوت من اللائحة (ج)، و 7000 صوت للائحة (د) و 6000 صوت للائحة (و) فكيف توزع المقاعد المتبقية على الأصوات المتبقية؟ بهذا الصدد هناك طريقتان و لكل منهما تأثير على نتائج الانتخابات.
-الطريقة الأولى و تسمى نظام الأقوى من الرواسب أو البواقي Le système du plus fort reste و بموجبه تعطى المقاعد المتبقية بالترتيب للوائح التي تملك أكبر عدد من الأصوات المتبقية بعد التوزيع الأول حسب الحاصل الانتخابي. فحسب مثالنا المطروح تحصل اللائحة (أ) على مقعد إضافي، و اللائحة (د) على مقعد و اللائحة (و) على مقعد. و بذلك تكون النتيجة النهائية للانتخابات حسب هذه الطريقة كما يلي :
اللائحة (أ) حصلت على 4 مقاعد
اللائحة (ب) حصلت على 2 مقعد
اللائحة (ج) حصلت على 2 مقعد
اللائحة (د) حصلت على مقعد واحد
اللائحة (و) حصلت على مقعد واحد
-الطريقة الثانية وتسمى نظام المعدل الوسطي الأقوى Le système de la plus forte moyenne، فبموجب هذه الطريقة يتم توزيع كل مقعد باق باتباع الطريقة التالية : تعطى كل لائحة انتخابية مقعداً إضافياً وهمياً يزاد إلى عدد مقاعدها التي حصلت عليهم نتيجة الحاصل الانتخابي و يحسب متوسط الأصوات لكل مقعد حصلت عليه كل لائحة فيكون حسب مثالنا المطروح التالي :
اللائحة (أ) حصلت على 3 مقاعد + 1 مقعد وهمي = 4 مقاعد مقابل 39000 صوت أي بمعدل 9750 صوت لكل مقعد
اللائحة (ب) حصلت على 2 مقاعد + 1 مقعد وهمي = 3 مقاعد مقابل 25000 صوت أي بمعدل 8333 صوت لكل مقعد
اللائحة (ج) حصلت على 2 مقاعد + 1 مقعد وهمي = 3 مقاعد مقابل 23000 صوت أي بمعدل 7666 صوت لكل مقعد
اللائحة (د) حصلت على 0 مقعد + 1 مقعد = 1 مقعد وهمي مقابل 7000 صوت أي بمعدل 7000 صوت لكل مقعد
اللائحة (و) حصلت على 0 مقعد + 1 مقعد = 1 مقعد وهمي مقابل 6000 صوت أي بمعدل 6000 صوت لكل مقعد
وبالنتيجة يتضح بأن اللائحة (أ) هي التي تملك أقوى معدل وسطي فتعطي المقعد الإضافي الأول و بذلك يصبح عدد مقاعدها أربعة، ثم نقوم بنفس العملية لإعطاء المقعد الإضافي الثاني حسب التالي:
اللائحة (أ) حصلت على4 مقاعد + 1 مقعد وهمي = 5 مقاعد مقابل 39000 صوت أي بمعدل 7800 صوت لكل مقعد
اللائحة (ب) حصلت على 2 مقاعد + 1 مقعد وهمي = 3 مقاعد مقابل 25000 صوت أي بمعدل 8333 صوت لكل مقعد
اللائحة (ج) حصلت على 2 مقاعد + 1 مقعد وهمي = 3 مقاعد مقابل 23000 صوت أي بمعدل 7666 صوت لكل مقعد
اللائحة (د) حصلت على 0 مقعد + 1 مقعد = 1 مقعد وهمي مقابل 7000 صوت أي بمعدل 7000 صوت لكل مقعد
اللائحة (و) حصلت على 0 مقعد + 1 مقعد = 1 مقعد وهمي مقابل 6000 صوت أي بمعدل 6000 صوت لكل مقعد
وبالنتيجة يتضح بأن اللائحة (ب) هي التي تملك أقوى معدل وسطي فتعطي المقعد الإضافي الثاني و بذلك يصبح عدد مقاعدها ثلاثة، ثم نقوم بنفس العملية لإعطاء المقعد الإضافي الثالث حسب التالي :
اللائحة (أ) حصلت على4 مقاعد + 1 مقعد وهمي = 5 مقاعد مقابل 39000 صوت أي بمعدل 7800 صوت لكل مقعد
اللائحة (ب) حصلت على 3 مقاعد + 1 مقعد وهمي = 3 مقاعد مقابل 25000 صوت أي بمعدل 6250 صوت لكل مقعد
اللائحة (ج) حصلت على 2 مقاعد + 1 مقعد وهمي = 3 مقاعد مقابل 23000 صوت أي بمعدل 7666 صوت لكل مقعد
اللائحة (د) حصلت على 0 مقعد + 1 مقعد = 1 مقعد وهمي مقابل 7000 صوت أي بمعدل 7000 صوت لكل مقعد
اللائحة (و) حصلت على 0 مقعد + 1 مقعد = 1 مقعد وهمي مقابل 6000 صوت أي بمعدل 6000 صوت لكل مقعد
وبالنتيجة يتضح بأن اللائحة (أ) هي التي تملك أقوى معدل وسطي فتعطي المقعد الإضافي الثالث و بذلك يصبح عدد مقاعدها خمسة مقاعد.
و بذلك نكون قد انتهينا من توزيع المقاعد المتبقية في مثالنا المطروح و تكون النتيجة النهائية هي التالية :
اللائحة (أ) حصلت على 5 مقاعد
اللائحة (ب) حصلت على 3 مقعد
اللائحة (ج) حصلت على 2 مقعد
اللائحة (د) لم تحصل على أي مقعد
اللائحة (و) لم تحصل على أي مقعد
بمقارنة النتائج النهائية حسب طريقتي توزيع المقاعد المتبقية على الأصوات المتبقية نستنتج أن الطريقة الأولى تلعب دوراً في صالح الأحزاب الصغيرة حيث في مثالنا حصلت اللائحة (د) و اللائحة (و) كلاً منهما على مقعد و هما يمثلان 7% و 6% من الأصوات المدلى بها في الانتخابات. في حين تلعب الطريقة الثانية في صالح الأحزاب الكبيرة لأنّ النتيجة النهائية المحسوبة بهذه الطريقة تبيّن أنّ اللائحتين (د) و (و) لم تحصلا على أي مقعد.
-طريقة هوندت، تسمى هذه الطريقة بطريقة هوندت Hondt نسبة لعالم الرياضيات البلجيكي الذي وضعها، و تعطينا نتيجة مماثلة للطريقة التي شرحناها أعلاه حول توزيع البواقي بأسلوب المعدل الوسطي الأقوى. فبموجب هذه الطريقة يمكننا توزيع المقاعد الانتخابية مباشرةً دون المرور بمرحلة الحاصل الانتخابي، و من ثم توزيع البواقي، و ذلك على النحو التالي : تقسم الأصوات التي نالتها كل لائحة على 1، 2، 3،…ع، و يمثل (ع) عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية، ثم نصنف المعدلات الوسيطة بترتيب تناقصي حتى نصل إلى العدد ع الذي يمثل عدد المقاعد (و الرقم الحاصل نسميه بالمخرج المشترك)، مما يعطينا عدد المقاعد التي فازت بها كل لائحة بسهولة. و المثال التالي يوضح لنا هذه الطريقة : فلو فرضنا أن هناك أربع لوائح تتنافس على خمسة مقاعد و حصلت اللائحة (أ) على 35000 صوت، و اللائحة (ب) على 21000 صوت، و اللائحة (ج) على 12000 صوت، و اللائحة (د) على 7000 صوت فنجد بطريقة القاسم الانتخابي المشترك :
اللائحة (أ) اللائحة (ب) اللائحة (ج) اللائحة (د)
1- 35000 21000 12000 7000
2- 17500 10500 6000 3500
3- 11666 7000 4000 2333
4- 8750 5250 3000 1750
و بعد ترتيب المعدلات الوسطية حتى المرتبة الخامسة (عدد المقاعد المتنافس عليها) : 35000، 21000، 17500، 12000، 11666، و هذا الرقم الأخير نسميه بالرقم الموزع أو الحاصل الانتخابي Chiffre répartiteur ou Quotient électoral، و بالنتيجة نجد أن اللوائح حصلت كل منها على عدد من المقاعد على النحو التالي :
اللائحة (أ) : 35000 ÷ 11666 = 3 مقاعد
اللائحة (ب) : 21000 ÷ 11666 = 1 مقعد
اللائحة (ج) : 12000 ÷ 11666 = 1 مقعد
اللائحة (د) : 7000 ÷ 11666 = 0 مقعد
---------------
[1]- إنّ عدم وجود المعزل يعتبر مخالفة من شأنها إبطال الانتخاب (قرار مجلس الدولة الفرنسي، 7 كانون الثاني 1972، انتخابات بلدية Laran، المجموعة ص 1007)، أما عدم مرور بعض الناخبين في المعزل فإن أحكام مجلس الدولة الفرنسي حول هذا الموضوع مختلفة بحسب نسبة هؤلاء الناخبين، أو بحسب الظروف المادية التي لم تسمح بمرورهم في المعزل.
[2]- هناك بعض الدول أخذت تستخدم الآلة الانتخابية La machine à voter في عمليتي التصويت و الفرز مما يجنب تزوير الانتخاب.
[3]- في الواقع إن الأنظمة الانتخابية ليست حيادية، بل إنها تمارس تأثيراً كبيراً في تمثيل القوى السياسية و في نمط الحكم على السواء. و اختيار أحد هذه الأنظمة لا ينجم عن اعتبارات نظرية أو تقنية فحسب، بل ينجم أو يأخذ بعين الاعتبار النتيجة المتوقعة في الحسبان، و ذلك في ضوء المعطيات السياسية الموجودة في الدولة. لذلك نجد أنّ الأغلبية أو من في السلطة تسول لها نفسها دائماً العمل على تبني نمط انتخاب يبدو لها أنه الأفضل لتحقيق مصالحها.
[4]- إنّ نظام الانتخاب المباشر على درجة واحدة يمكن الناخبين من اختيار أعضاء البرلمان دون إمكانية التأثير أو الضغط المباشر على الهيئة الناخبة التي تكون عريضة جداً بحيث يصعب السيطرة عليها، أما في نظام الانتخاب غير المباشر أي على مرحلتين فيمكن بسهولة الضغط على الناخبين في المرحلة الثانية أي على هيئة المندوبين المنتخبة من أجل انتخاب أعضاء البرلمان.
[5]- طبق نظام الانتخاب النسبي في فرنسا في بعض الفترات بالنسبة للانتخابات البرلمانية ثم عدل عنه، و لا يزال نظام الانتخاب النسبي معمولاً به في الانتخابات البلدية و انتخابات البرلمان الأوربي. و منذ فترة قصيرة بدأ موضوع الأخذ بنظام التمثيل النسبي يطفو على سطح المناقشات السياسية بين مؤيدين و معارضين، ويلاحظ أنه توجد انقسامات في الرأي داخل الحزب الواحد، فعندما طرح الوزير الأول السابق آلان جوبيه موضوع التمثيل النسبي لاقى معارضة شديدة في وسط حزبه (الحزب الديغولي و المسمى بحزب التجمع من أجل الجمهورية R.P.R.). و كانت الأسباب المعلنة لهذه المعارضة هو أن الأخذ بنظام التمثيل النسبي مع وجود العديد من الأحزاب قد يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي (أو بالأحرى عدم الاستقرار الحكومي) كما هو الحال في إيطاليا، و لكن في الحقيقة كان السبب الجوهري وراء هذه المعارضة هو منع حزب الجبهة الوطنية Front National المتطرف من الحصول على عدد كبير من المقاعد. فهذا الحزب حصل في الانتخابات الأخيرة في حزيران 1997 على 15% من مجموع الأصوات المدلى بها، فلو كانت فرنسا تأخذ بالنظام التمثيلي لحصل هذا الحزب على حوالي تسعين مقعداً في البرلمان (من أصل 577 نائباً يشكلون الجمعية الوطنية Assemblée nationale، في حين لم يحصل في هذه الانتخابات التي تقوم على الانتخاب الفردي بالأغلبية على دورتين سوى على مقعد واحد.
[6]- في بريطانيا يعود عدم الأخذ بنظام التمثيل النسبي لأسباب تعود للمحافظة على التقاليد المتبعة، و يعود كذلك إلى طبيعة الصراع بين القوى السياسية الموجودة، فعندما بدأ نظام التمثيل النسبي يعم الدول الأوربية في النصف الثاني من هذا القرن، بدأ حزب الأحرار Parti Libéral (الحزب الثالث في بريطانيا) بالأفول (حصل فقط على 2.5% في انتخابات 1951) و لم يبق في الصراع سوى الحزبين الأساسيين (العمال Parti Travaillste و المحافظين Conservateurs) اللذين تتفق مصالحهما الانتخابية بالأخذ بنظام الانتخاب الفردي بالأغلبية.
[7]- لذلك فإن بعض الدول تشترط الحصول على حد أدنى من نسبة الأصوات ليتمكن أي حزب من الدخول إلى البرلمان، فحسب الدستور الألماني الأحزاب التي تحصل على أقل من 5% من الأصوات المدلى بها في الانتخابات ليس لها الحق أن تتمثل في المجلس الاتحادي للبرلمان المسمى Bundestag.


.../... يتبع




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



القانون الدستوري - الجزء السادس Emptyالإثنين 13 مايو - 19:58
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: القانون الدستوري - الجزء السادس



القانون الدستوري - الجزء السادس

المبحث الثاني - : تنظيم الهيئة المنتخبة أو البرلمان
تختلف دساتير دول العالم في كيفية تنظيم الهيئة المنتخبة أو البرلمان، فمنها من يأخذ بنظام المجلس الواحد أو الفردي Monocaméralisme، و منها من يأخذ بنظام المجلسينBicaméralisme [1]. لذلك فإننا بعد دراسة هاتين النقطتين، سنتطرق للتنظيم الداخلي للبرلمان.
1- : نظام المجلس الأحادي أو الفردي:- يقصد بنظام المجلس الأحادي، تكوين البرلمان في الدولة من مجلس أو غرفة واحدة Chambre unique يمارس السلطة التشريعية. و في الحقيقة إنّ أغلب دول العالم وخصوصاً ذات الشكل الموحد أو البسيط تأخذ بهذا النظام. و يرى أنصار المجلس الأحادي بأنه يتلافى عيوب نظام المجلسين، حيث يتميز نظام المجلس الواحد بالبساطة، و خاصة في مشكلة توزع الاختصاصات، و يتميز أيضاً بالسرعة في العملية التشريعية.
2- : نظام المجلسين:- أما نظام المجلسين، فيقصد به تكوين البرلمان من مجلسين أو غرفتين Deux chambres يمارسان السلطة التشريعية، إما بتوزيع الاختصاص بينهما، أو بالتعاون فيما بينهما.
و نظام المجلسين يرتبط إلى حد كبير بطبيعة النظام السياسي، وخصوصاً شكل الدولة، حيث نجد أن أغلب الدول الفيدرالية تعتمد نظام المجلسين : كالولايات المتحدة الأمريكية، و ألمانيا، و روسيا الاتحادية…، كذلك فإن بعض الدول ذات الشكل البسيط تأخذ بنظام المجلسين : إما لأسباب تاريخية كما في بريطانيا حيث مجلس اللورداتHouse of Lords الذي يمثل الأرستقراطية إلى جانب مجلس العموم House of Communes الذي يمثل الشعب، أو لأسباب اجتماعية أو اقتصادية[2].
و في هذا الصدد سوف نشير إلى الأسباب التي تدعو بعض الدول للأخذ بنظام المجلسين، كذلك ضرورة وجود اختلاف أو مغايرة في كيفية تكوين و اختصاص المجلسين.
أولاً- أسباب الأخذ بنظام المجلسين :- تختلف هذه الأسباب من دولة إلى أخرى، و يمكننا أن نذكر أهمها :
I-الشكل الفيدرالي أو الاتحادي للدولة : في الواقع إن الشكل الفيدرالي أو الاتحادي للدولة يفرض الأخذ بنظام المجلسين، حيث يتكون البرلمان من : مجلس يمثل الولايات أو الدويلات الأعضاء في الاتحاد (إما تمثيلاً متساوياً كما في الولايات المتحدة الأمريكية، أو بحسب أهميتها السكانية و الجغرافية كما في ألمانيا)، و مجلس آخر يمثل شعب الدولة الاتحادية بمجموعه. و هذا الأمر تفرضه ضرورة التوفيق بين النزعة الانفصالية للولايات أو الدويلات الأعضاء في الاتحاد، و ضرورة حماية استمرارية الاتحاد. و قد أشرنا سابقاً إلى أن معظم الدول الفيدرالية تأخذ بنظام المجلسين باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة.
II-منع استبداد السلطة التشريعية : يرى البعض أن انفراد مجلس واحد بسلطة سن القوانين في الدولة، قد يؤدي إلى استبداد هذا المجلس، و تعسفه في استعمال سلطته هذه في مواجهة السلطة التنفيذية خاصةً. أمّا إذا توزعت سلطة التشريع بين مجلسين، فإن ذلك يمنع الاستبداد أو التعسف، و يعتبر عاملاً لتحقيق نوع من التوازن بين السلطات، و خاصةً السلطتين التشريعية و التنفيذية. و هذا الأمر يمكن الرد عليه بأنه في كثير من دول العالم التي تعتمد نظام المجلس الفردي، لا يتعسف فيها هذا المجلس بسلطاته، فالعبرة بالتطبيق.
III-منع التسرع في التشريع : إن سلطة التشريع تعتبر عملية أساسية و هامة في كل دولة لأنها تنظم مختلف أوجه النشاط البشري، و لذلك لا بد من أن تتسم بالدقة و تحقق الاستقرار التشريعي، لكي لا تكون عرضةً للتغيير و التعديل خلال فترات قصيرة من صدورها. لذلك يرى البعض بأنه يجب أن لا تتسرع السلطة المختصة في إصدار هذه التشريعات، و يرون بأن نظام المجلسين يمنع هذا التسرع، و يضمن إصدار التشريعات بعد تمحيص و تدقيق. و يمكننا الرد على هذا الأمر بوضع ضوابط و آليات دستورية و قانونية تمنع التسرع في عملية استصدار القوانين في ظل نظام المجلس الفردي، كما أنه يمكننا الرد من جهة أخرى بأنه في حال عدم وجود ضوابط و آليات أيضاً في ظل نظام المجلسين يمكن أن يؤدي إلى بطء أو عرقلة عملية التشريع.
IV-رفع مستوى كفاءة أعضاء البرلمان : يرى البعض بأن نظام المجلسين يتيح إمكانية إدخال عناصر تتمتع بكفاءات عالية إذا كان أحد المجلسين يسمح بالتعيين أو تمثيل أصحاب المصالح و الطوائف و الكفاءات. و على الرغم من وجاهة هذا السبب، يمكننا القول بأنه في ظل نظام المجلس الواحد الذي يعتمد أسلوب الانتخاب كوسيلة للوصول إلى عضويته، فإن اختيار نظام الانتخاب و الممارسة الديمقراطية يمكن أن تتيح دخول أصحاب الكفاءات إلى المجلس.
ثانياً- المغايرة في كيفية تكوين و اختصاص المجلسين :- لكي يحقق نظام المجلسين غاياته المتمثلة بواحد أو عدد من المزايا التي ذكرناها سابقاً، لا بد أن يختلف المجلسين في كيفية تكوين كل منهما و اختصاصاته.
I-المغايرة بين المجلسين في كيفية التكوين[3] : تتنوع مظاهر المغايرة بين مجلسي البرلمان من حيث تكوينهما : كيفية التشكيل، و عدد الأعضاء، و شروط العضوية و مدة العضوية.
- فمن حيث التشكيل : يتشكل أحد المجلسين (و هو عادةً المجلس الشعبي) عن طريق الانتخاب المباشر، في حين يتشكل المجلس الآخر عن طريق الوراثة أو التعيين، أو الانتخاب غير المباشر، أو الجمع بين هذه الطرق.
- و من حيث عدد الأعضاء : يكون عدد أعضاء أحد المجلسين (المجلس الشعبي عادةً) أكبر من عدد أعضاء المجلس الآخر.
- و من حيث شروط العضوية : تكون الشروط الواجب توفرها لعضوية أحد المجلسين (المجلس الشعبي عادةً) أخف من تلك الواجب توفرها لعضوية المجلس الآخر.
-و من حيث مدة العضوية أو ولاية المجلس : تكون ولاية أحد المجلسين (المجلس الشعبي عادةً) أقصر من ولاية المجلس الآخر.
- يضاف إلى ذلك أنه في الدول التي تعطي السلطة التنفيذية حق حل البرلمان، هذا الحق لا يسري عادةً إلا في مواجهة أحد المجلسين، و هو المجلس الشعبي.
II-المغايرة بين المجلسين في الاختصاصات : إن السلطة التشريعية باختصاصاتها المختلفة يمارسها البرلمان بمجلسيه، و يكون عادةً هناك اختصاصات منفردة لكل من المجلسين، و هناك اختصاصات مشتركة. و لكنه في أغلب دول العالم التي تعتمد نظام المجلسين فإن اختصاصات المجلس الشعبي تكون أوسع في مجال التشريع من اختصاصات المجلس الآخر، و تكون إرادته هي الحاسمة في الاختصاصات المشتركة.
3- : التنظيم الداخلي للبرلمان :- سواء كان البرلمان يتألف من مجلس واحد أم من مجلسين، فإن قواعد التنظيم الداخلي للبرلمان لا تختلف. فعلى الرغم مّما قد يدل ظاهرها على أنها مسائل فنية بحتة، فإن عملية التنظيم الداخلي للمجلس البرلماني تحتوي في ثناياها على مسائل سياسية هامة. و هذه القواعد المتعلقة بتنظيم المجلس البرلماني يحددها الدستور و النظام الأساسي أو الداخلي للمجلس Le réglement d'assamblée. فالدستور يحدد عادةً الضمانات الخاصة بأعضاء المجلس و أهمها مبادئ : الحصانة البرلمانية، و عدم المسؤولية البرلمانية، و التعويضات البرلمانية.
أولاً- الحصانة البرلمانية : معظم الدول ذات الأنظمة البرلمانية تنص في دساتيرها على تمتع البرلماني، طيلة مدة ولايته، بالحصانة البرلمانية L'immunité parlementaire، لتمكنه من ممارسة ولايته بحرية. و هذه الحصانة ليست امتيازاً معطى للبرلماني، بل مجرد ضمانة ممنوحة للمجلس البرلماني من أجل عدم عرقلة سير عمله. و لذلك فإنه يمكن ملاحقة البرلماني جزائياً ضمن شروط محددة، فيمكن ملاحقته مباشرة في حالة الجرم المشهود، و يمكن ملاحقته بناءً على إذن سابق من البرلمان.
ثانياً- عدم المسؤولية البرلمانية : عدم المسؤولية البرلمانية L'irresponsabilité parlementaire، تمنح للنائب لتمكنه من ممارسة ولايته و القيام بواجبه بحرية، و تعني أنّ البرلماني لا يسأل جزائياً أو مدنياً بسبب الوقائع التي يوردها أو الآراء التي يبديها أو التصويت في الجلسات العلنية و السرية، و في أعمال اللجان البرلمانية.
ثالثاً- التعويضات البرلمانية : إن الغالبية العظمى من الدول ذات الأنظمة الديمقراطية تمنح البرلماني تعويضاً L'indemnté parlementaire، و لهذا الأمر عدة اعتبارات : أنه يتيح المجال لكل مواطن، مهما كان وضعه المالي، الوصول إلى البرلمان، و ليس حكراً على الأغنياء، فهو بذلك عنصر إسباغ الديموقراطية على الحياة السياسية. و يضع البرلمانيين أو المنتخبين بمنأى من الضغوطات و الإغراءات المحتملة. كذلك فإنّ ذلك يساهم في التعويض عن الأعباء الخاصة المرتبطة بممارسة الولاية البرلمانية. و يحيل الدستور عادةً إلى النظام الداخلي للمجلس أمر تحديد كيفية تطبيق هذه الضمانات إضافةً لتلك المتعلقة بالأعمال التي لا يمكن للنائب ممارستها خلال ولايته، و تلك المتعلقة بعمل المجلس. و النظام الداخلي أو الأساسي للمجلس هو قانون يصوت عليه المجلس المعني، و يتضمن الأحكام المتعلقة بتنظيم عمله و تحديد مواعيد جلساته، و تأليف هيئاته و تحديد مهامها. و يتضمن أيضاً تدابير فنية ذات طبيعة داخلية : انضباط المداولات، وقت الكلام و مدته، إجراءات حسن سير الجلسات، أنماط التصويت. كذلك يتضمن علاقة المجلس بالسلطة التنفيذية : إيداع مشاريع القوانين، كيفية إحالتها للجان المختصة، امتيازات الوزراء أثناء المناقشة في جلسة عامة…الخ.



الفصل الرابع:
أشكال النظام التمثيلي

ليس للنظام التمثيلي شكل محدد أو واحد، و إنما تتعدد طبيعة النظم السياسية التي تعتمد النظام التمثيلي كأساس لنظام الحكم، باختلاف طبيعة العلاقة بين السلطات العامة في الدولة، و خاصةً السلطتين التشريعية و التنفيذية، و ذلك باختلاف المفهوم المعتمد فيها لمبدأ فصل السلطات.
واستنادا على معيار الفصل بين السلطات يمكن التمييز بين الأنظمة التي تأخذ بالفصل المرن بين السلطات (النظام البرلماني ) وبين الأنظمة التي تكرس التفسير الجامد لهذا الفصل (النظام الرئاسي)، وبين تلك التي تدمج بين النظامين البرلماني والرئاسي وبين تلك التي ترفض فكرة الفصل نهائيا(النظام المجلسي). وهو ما سنتناوله في العناصر التالية:


المبحث الأول : النظام البرلماني
إنّ النظام البرلماني Le régime parlementaire هو نتاج لتطور تاريخي طويل، فقد ولد هذا النظام و ترعرع بطريقة تجريبية Empirique في إنكلترا، و لم يصبح موضع دراسة نظريه إلا بعد أن استكمل أغلب عناصره. فلذلك من أجل فهم هذا النظام لابد من فهم التطور التاريخي لنشأة النظام البرلماني في إنكلترا لنعرف، و بشكل سريع[4]، الحالة التي وصل إليها هذا النظام، و ذلك من أجل تحديد الخصائص الأساسية المشتركة للنظم البرلمانية المطبقة في أغلب دول العالم[5].
1- : نشأة و تطور النظام البرلماني:- كما نوهنا سابقاً، إلى أنه في إنكلترا وبعد ثورة 1688، جيء بملوك جدد، حيث أبعد إدوارد الثاني عن السلطة و حل محله زوج ابنته غيوم، الذي أجبر قبل اعتلاء العرش على التوقيع على إعلان حقوق Bill of Rights، و بموجب هذا الإعلان دعمت سلطات البرلمان و قلّت من امتيازات التاج بشكل كبير. فدور الملك أصبح محدوداً في تنفيذ القوانين مع حق التدخل في المجال التشريعي من خلال الحق في اقتراح مشاريع القوانين أو الاعتراض على قانون أقره البرلمان[6]، إذا رأى ضرورة لذلك. و لم يعد له الحق، كما كان سابقاً، في توقيف تنفيذ القوانين أو الإعفاء من تطبيقها. و لكن النظام البرلماني الإنكليزي تطور بعد ذلك بشكل سريع نتيجة لظروف خاصة مرت بها هذه الدولة. فبعد موت الملك غيوم سنة 1714 بدون ترك وريث[7]، انتقلت الملكية إلى جورج الأول و هو من عائلة هانوفر الألمانية، و الذي كان بالغاً من العمر 54 سنة و كان لا يتكلم الإنكليزية، أما ابنه الذي خلفه جورج الثاني فقد كان يفهم الإنكليزية و لكن لم يكن يتكلمها، فهذا الأمر أدى إلى تراجع دور الملك و ظهور سمات النظام الإنكليزي الحديث، و لكن بشكل متلاحق، و على عدة مراحل :
أولاً- ظهور منصب أو وظيفة الوزير الأول : في مواجهة المؤسسات الملكية كان الرأي العام الإنكليزي منقسماً. فقد كان هناك حزبان قويان: حزب التوري Tory (الذي أصبح اسمه في القرن 19 حزب المحافظين) المؤيد لسلطات التاج، و حزب الويج Whigs (الذي سمي فيما بعد بحزب الأحرار) المؤيد لسلطات البرلمان. و كان من المنطقي أن يستند ملوك عائلة هانوفر في حكمهم على حزب التوري Tory ضد حزب الويج Whigs. و لكن حزب التوري Tory كان متهماً بأن أنصاره لا يزالون يريدون أن تعود الملكية إلى جاك ستيوارت، و يحاولون التآمر على العائلة المالكة الجديدة (هانوفر). لذلك فإن ملوك هانوفر فضلوا اختيار وزرائهم و مساعديهم من حزب الويج Whigs. و لما كان الملوك الأوائل من عائلة هانوفر لا يتكلمون الإنكليزية لم يحضروا اجتماعات مجلس الوزراء. بل كانوا يكلفون أحد الوزراء بنقل توجيهاتهم إلى باقي الوزراء، و يقوم هذا الوزير بتقديم ملخص لمجريات اجتماعات الوزراء إلى الملك. و شيئاً فشيئاً أصبح له دور هام و مميز عن بقية الوزراء و أصبح يسمى بالوزير الأول. و قد استقر و تكون منصب أو وظيفة الوزير الأول خاصةً في عهد والبولWalpole الذي استمر في هذا المنصب 21 سنة (1721-1742).
ثانياً- حلول مسؤولية الوزراء السياسية محل مسؤوليتهم الجنائية : كان والبول Walpole من حزب الويج Whigs و يملك أغلبية من الويج Whigs في مجلسي البرلمانيين، مستعدة لمساندة سياسته من خلال التصويت على القوانين أو منحه الاعتمادات التي يطلبها. و لكن في سنة 1742انشق تيار من حزب الويج Whigs بزعامة وليم بيت William Pitt و انضم إلى حزب التوري Tory.
من حيث المبدأ فإن مصير الوزراء متعلق بالملك وحده الذي يسميهم و يعزلهم بإرادته المنفردة دون التقيد في اختيارهم سواء كانوا من حزب الأغلبية في البرلمان أم لا. و لكن كان يوجد في النظام الإنكليزي ما يسمى حالياً بحق الاتهام الجنائي L'Impeachment حيث بمقتضاه كان يمكن لمجلس العموم الحق في اتهام الوزراء و إحالتهم للمحاكمة أمام مجلس اللوردات. و قد كان هنالك عدة سوابق في هذا المجال أدت إلى عقوبات قاسية جداً بحق الوزراء المتهمين (إعدام، مصادرة أموالهم،…). فلذلك عندما لوح مجلس العموم باستخدام حق الاتهام الجنائي ضد والبول Walpole، قدم هذا الأخير استقالته للملك منسحباً بشرف. و بعد ذلك تبعه جميع الذين خلفوه باتخاذ نفس الموقف عندما يشعرون بفقدان ثقة مجلس العموم بسياستهم. فلذلك يمكننا القول : إنّه منذ تصرف والبول Walpole سنة 1742 قد ظهرت المسؤولية السياسية للوزراء، و حلت محل مسؤوليتهم الجنائية.
ثالثاً- ظهور المسؤولية الجماعية أو التضامنية للحكومة (حجب الثقة) : إن استقالة والبول Walpole لم تؤد إلى استقالة جميع الوزراء، فوالبول Walpole ذهب و لكن بقي جميع الوزراء في مناصبهم، فالوزارة لم تكن تشكل هيئة جماعية، فكل وزير كان مسؤولاً بمفرده أمام الملك، و منذ حادثة والبول Walpole في عام 1742 أصبح مسؤولاً بمفرده سياسياً أمام مجلس العموم فلم تكن مسؤوليتهم جماعية أو تضامنية : أي أن استقالة الوزير الأول لا يستتبع معها استقالة الوزراء جميعاً. و لكن منذ الوقت الذي بدأ الملك باختيار الوزراء بناء على اقتراح الوزير الأول بحسب ارتباطهم السياسي أو بحسب سياسة الحزب الذي ينتمي إليه، فقد أصبح يظهر الوزراء في عيون الرأي العام و البرلمان متضامنين في تنفيذ السياسة العامة للوزارة. ففي عام 1782 كان لورد نورث Lord North بمنصب الوزير الأول في عهد الملك جورج الثاني، و قد حاول لورد نورث Lord North تغيير سياسته تجاه أمريكا. و لكن أمام المعارضة الشديدة لهذه السياسة من قبل مجلس العموم، اضطر لورد نورث Lord North إلى الاستقالة، و استقال معه جميع الوزراء. بهذا الشكل ولد مبدأ تضامنية الوزارة، بحيث لو استقال رأسها يتوجب على بقية الوزراء الاستقالة، و ذلك تحملاً لنتائج إسهامهم في اتخاذ القرارات و تحديد السياسة العامة للوزارة، أي أن السياسة العامة للوزارة أصبحت تحدد بشكل جماعي من قبل هيئة تسمى مجلس الوزراء.
رابعاً- ظهور حق حل البرلمان بمفهومه الحديث : كان حق الحل متروكاً لإرادة الملك يستعمله متى شاء، و في كثير من الأحيان كان يستخدمه لأسباب شخصية. و لكن عندما خلف وليم بيت لوجونle Jeune William Pitt (ابن وليم بيت William Pitt خصم والبول Walpole) اللورد نورث Lord North، رفض أن يستقيل على الرغم من معارضة مجلس العموم له، و حاول إخضاع البلاد إلى برنامج إصلاحي. فعندما شعر أن أصوات الناخبين تؤيد أفكاره من أجل الإصلاح، طلب من الملك حل مجلس العموم، وبذلك احتكم إلى الناخبين لحل النزاع الموجود بينه و بين البرلمان. بنتيجة الانتخابات هزم معارضيه هزيمة ساحقة، الذين خسروا /160/ مقعداً، فأصبحت الأغلبية الجديدة من مناصريه. و بعد ذلك استعمل حق الحل من قبل الذين خلفوه لحل النزاع السياسي بينهم و بين البرلمان، وبهذه الطريقة ظهر حق الحل بمفهومه الجديد : أي لحل خلاف سياسي بين الحكومة و البرلمان.
2- : الخصائص الأساسية للنظام البرلماني:- في الحقيقة لا يوجد نظام برلماني واحد في دول عالمنا، و لكن توجد عدة أنظمة برلمانية، أو عائلة أنظمة برلمانية، تتسم بخصائص مشتركة. و يمكننا تعريف النظام البرلماني انطلاقاً من خصائصه المشتركة بالتالي : النظام البرلماني يتميز بالتعاون بين السلطتين التنفيذية و التشريعية، الأولى بالرغم من استقلالها مسؤولة أمام الثانية. أي يمكننا القول بأن فكرة وجود مسؤولية الحكومة أمام البرلمان هي الميزة الأساسية للنظام البرلماني.
و بشكل إجمالي يمكننا القول : إنّ هناك خاصتين أساسيتين تميزان الأنظمة البرلمانية المعاصرة هما : الثنائية في الهيئة أو السلطة التنفيذية، و التوازن و التعاون بين السلطتين التنفيذية و التشريعية.
أولاً- ثنائية الجهاز التنفيذي:- نقصد بثنائية الهيئة أو السلطة التنفيذية L'exécutif bicéphale في الأنظمة البرلمانية هو وجود رئيس دولة غير مسؤول و وزارة مسؤولة.
I- وجود رئيس دولة غير مسؤول : بشكل عام في أغلب الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني يعتبر رئيس الدولة (ملك، أمير أو رئيس… يصل إلى الحكم بالوراثة أو الانتخاب المباشر من قبل الشعب أو من قبل البرلمان أو هيئة ناخبة) أحد أركان السلطة التنفيذية. و من حيث المبدأ لا يتولى رئيس الدولة سلطات تنفيذية فعلية، فلذلك لا تقع على عاتقه أية مسؤولية سياسية سواء كان رئيس الدولة ملكاً أم رئيساً للجمهورية[8]. لذلك فإن أغلب القرارات التي يتخذها رئيس الدولة يتوجب توقيع الوزير المختص (أو الوزراء المختصين) إلى جانب توقيع الرئيس و هو ما يسمى بالتوقيع الإضافي Le Contreseing[9]، بحيث يتحمل الوزير المختص (أو الوزراء المختصون) المسؤولية السياسية عن هذه القرارات. و قد اختلف الفقه حول حقيقة دور الرئيس في الأنظمة البرلمانية : فمنهم من قال إنّ دوره سلبي، و منهم من قال إنّ دور الرئيس إيجابي، و الرأي الثالث و السائد هو احتلال الوزارة لمركز الصدارة.
II-وجود وزارة مسؤولة سياسياً : تعتبر الوزارة في النظام البرلماني مركز السلطة التنفيذية، حيث يقع على عاتقها تحديد السياسة العامة للدولة، فلذلك تكون مسؤولة سياسياً أمام البرلمان. و المسؤولية السياسية للوزارة La responsabilité politique du gouvernement أمام البرلمان تعتبر مع حق السلطة التنفيذية بحل البرلمان Le droit de la dissolution أهم ركنين في النظام البرلماني. و مسؤولية الوزارة أمام البرلمان قد تكون تضامنية أو جماعية، و قد تكون مسؤولية فردية لوزير معين. فلذلك يملك البرلمان سحب ثقته من الوزارة بكاملها، أو من وزير معين، و يترتب على ذلك ضرورة استقالة الوزارة أو الوزير في هذه الحالة.
و في الحقيقة هناك شكلان للنظام البرلماني. فهناك النظام البرلماني المزدوج Le régime parlementaire dualiste، حيث رئيس الدولة ليس فقط مجرد حكم بين السلطات، بل يمارس اختصاصات هامة تسمح له بالتدخل في سير النظام السياسي، وخاصةً سلطته في تعيين الوزراء و عزلهم، بحيث يعتبر الوزراء إضافةً إلى أنهم مسؤولون أمام البرلمان، مسؤولين سياسياً أمام رئيس الدولة، الذي يملك أيضاً حق حل البرلمان دون الرجوع إلى الحكومة. و هذا النوع من النظام البرلماني موجود في فرنسا و أغلب الدول العربية و منها سورية. و هناك النظام البرلماني الفردي Le régime parlementaire moniste، الذي يعتبر الأكثر كمالاً أو تقليدياً و الأكثر انتشاراً، حيث لا يلعب رئيس الدولة سوى مجرد دور شرفي. و في هذا النظام الحكومة و الوزراء ليسوا مسؤولين سياسياً سوى أمام البرلمان، و تملك الحكومة بالمقابل حق حل البرلمان، حتى لو كان هذا الحق يمارسه رئيس الدولة من الناحية الشكلية فإنه يتوجب عليه الرضوخ للإرادة الحكومية دون أن يملك أية سلطة تقديرية في ذلك. و هذا النظام مطبق في إنكلترا و معظم الدول الأوربية و الديمقراطيات في العالم.
ثانياً- التوازن و التعاون بين السلطة التنفيذية و التشريعية :- إن النظام البرلماني يقوم على أساس الفصل المرن و المتعاون بين السلطات و خاصة السلطتين التنفيذية و التشريعية. هذا يستتبع وجود نوع من التوازن بين هاتين السلطتين يسمح لكل سلطة بإمكانية الحد من تمادي السلطة الأخرى، إضافة لوجود نوع من التعاون يساعد أيضاً في منع تمادي إحدى السلطتين.
I-التوازن بين السلطتين التنفيذية و التشريعية : تملك كل من السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية آليات دستورية تتمكن بموجبها من الحد من السلطة الأخرى مما يخلق نوعاً من التوازن بينهما، يجنب البلاد خطر الوقوع في الأزمات السياسية. و أهم هاتين الآليتين هما : مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، و حق حل البرلمان.
1- مسؤولية الحكومة السياسية : تعتبر الوزارة، كما أشرنا سابقاً، مسؤولة سياسياً أمام البرلمان عن سياستها. و بهذا الصدد يملك البرلمانيون حق توجيه الأسئلة Les questions و الاستجوابات Les interpellations إلى الوزراء بشأن السياسة التي تتبعها الوزارة، و يمكن للبرلمان سحب الثقة من الوزارة بأكملها أو من وزير معين. و في هذه الحالة يتوجب على الوزارة أو الوزير الذي سحبت منه الثقة تقديم استقالته. و يمكن تحريك مسؤولية الحكومة الذي قد يؤدي لسحب الثقة بناء على طلب الحكومة نفسها، أو بناء على طلب من البرلمان. يمكن أن تحرك مسؤولية الحكومة أمام البرلمان من قبل الحكومة نفسها رغبة منها في الحصول على ثقة البرلمان، فتطرح الثقة بنفسها La question de confiance من تلقاء نفسها، و في حال جاء التصويت سلبياً تسقط الحكومة. و في هذه الحالة لا تطرح الحكومة الثقة بنفسها طبعاً أمام البرلمان رغبةً منها في حجب الثقة عنها و إنما لأسباب أخرى : الرغبة في التأكد من مساندة الأغلبية لها و تدعيمها عندما يظهر أن هناك انقساماً في صفوفها، بمناسبة التصويت على قانون تعتبر الحكومة مسألة الموافقة عليه مسألة ثقة بها، في معرض طلب الموافقة على جزء من سياستها أو على سياستها العامة. و في معظم هذه الحالات تستخدم الحكومة وسيلة طرح الثقة بنفسها، كوسيلة للضغط على الأغلبية التي تؤيدها في البرلمان.
و يمكن تحريك مسؤولية الحكومة من قبل البرلمان الذي يطلب، سحب ثقته من الوزارة Montion de censure. و يخضع طلب الثقة هذا إلى شروط (يحددها الدستور و ينظمها النظام الداخلي للبرلمان) تتعلق بتوقيع عدد من البرلمانيين على الطلب، و بعض الإجراءات المتعلقة بالمواعيد، و نسبة المصوتين لصالح سحب الثقة…الخ. و هذا الإجراء لا تستخدمه عادةً الأغلبية البرلمانية التي تنبثق عنها الحكومة[10]، و إنما تستخدمه المعارضة في الكثير من الحالات على الرغم من أنها تعرف مسبقاً بأنها لا تملك الأغلبية المطلوبة للتصويت على حجب الثقة، و ذلك كإجراء احتجاجي على سياسة الحكومة في مجال معين. و في بعض الدول كألمانيا هناك ما يسمى بحجب الثقة البناء Défiance constructive، حيث لا يمكن لمجلس البندستاغ سحب الثقة من المستشار (و بالتالي من الحكومة بكاملها) إلا إذا اختار مستشاراً جديداً يحل محل من فقد الثقة.
2- حل البرلمان : في مواجهة مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، و هو يمكن هذا الأخير من إسقاط الحكومة من خلال حجب الثقة، تملك السلطة التنفيذية حق حل البرلمان Droit de dissolution. و حق الحل يمكن السلطة التنفيذية من إنهاء ولاية البرلمان[11] قبل أوانها، يترتب عليه إجراء انتخابات مبكرة لاختيار برلمان جديد[12]. و حق الحل يمكن أن يكون بيد رئيس الدولة يستخدمه وفقاً لسلطته التقديرية كما في فرنسا و سورية و معظم الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني المزدوج، و قد يكون في يد الوزير الأول كما في أغلب الأنظمة البرلمانية، و قد يكون بالتوافق بين رئيس الدولة و الحكومة أو الوزير الأول. و حق الحل هذا تلجأ إليه السلطة التنفيذية استثنائياً لحل خلاف بين السلطتين التشريعية و التنفيذية و بالتالي العودة إلى الهيئة الناخبة باعتبارها السلطة العليا في الدولة، و لكن غالباً ما تلجأ إليه السلطة التنفيذية لأسباب سياسية انتخابية بحتة نذكر منها :
-البحث عن أغلبية برلمانية قوية، إذا لم تكن الحكومة تتمتع بهذه الأغلبية البرلمانية، نتيجة قيامها على أساس ائتلافي هش.
- التهديد بالحل من أجل توحيد الأغلبية البرلمانية المؤيدة للحكومة في حال ظهور انشقاق في صفوفها.
- البحث عن تدعيم الأغلبية البرلمانية المؤيدة للحكومة، إذا كانت الاستطلاعات تشير إلى أن الرأي العام مناسب لإجراء انتخابات مبكرة، تعطي الحكومة أغلبية برلمانية لفترة ولاية برلمانية جديدة.
باختصار يمكننا القول : إنّ وجود حق حجب الثقة للبرلمان و حق الحل للسلطة التنفيذية يحقق نوعاً من التوازن بين السلطتين التنفيذية و التشريعية.
II-التعاون بين السلطتين التنفيذية و التشريعية : إضافة إلى التوازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، يوجد نوع من التعاون بين هاتين السلطتين لتجنب الوصول إلى طريق مسدودة بين الجانبين يؤدي إما إلى استخدام حجب الثقة أو حق الحل. و أهم صور هذا التعاون تتمثل في حق السلطة التنفيذية باقتراح القوانين، و مشاركة الوزراء في مناقشة مشروعات القوانين المطروحة أمام البرلمان سواء من خلال المشاركة في مناقشات اللجان البرلمانية، أم الدفاع عن السياسة العامة للوزارة أمام البرلمان بهيئته العامة. بالإضافة لذلك تملك السلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان للانعقاد و فض دورات انعقاده، و تحديد جدول أعماله.
بالمقابل يستطيع البرلمان تشكيل لجان تحقيق برلمانية للتحقيق في بعض أعمال السلطة التنفيذية، إضافةً للجان الدائمة المختصة في مجالات عمل الحكومة. حيث يمكنهم الاستماع إلى أعضاء السلطة التنفيذية. و لكن التعاون الأكثر أهمية يتمثل بموافقة البرلمان إعطاء أو تفويض الوزارة سلطة التشريع Délégation législative لمدة محددة في مجال محدد.
-----------
[1]- من النادر وجود دول تأخذ بثلاثية المجلس أو تعدديته، و في التاريخ الحديث لم يوجد ذلك إلا في أفريقيا الجنوبية في ظل دستور التمييز العنصري، و في يوغسلافيا قبل إصلاحات 1974 حيث كانت تعتمد المجلس النيابي ذا الإدارة الذاتية.
[2]- من الدول الأوربية الأخرى التي تأخذ بنظام المجلسين يمكننا أن نذكر : إيطاليا (مجلس نواب و مجلس شيوخ)، أسبانيا (مؤتمر البرلمانيين و مجلس شيوخ)، بلجيكا (مجلس الممثلين و مجلس شيوخ)، أيرلندا (مجلس الممثلين و مجلس شيوخ)، و هولندا. و من الدول العربية التي تأخذ بنظام المجلسين (على الرغم من شكل الدولة البسيط) : الأردن فالفصل الخامس من الدستور يبين بأن من يمارس السلطة التشريعية هو مجلس الأمة، الذي ينقسم بموجب المادة /60/ من الدستور إلى مجلسين هما مجلس الأعيان و مجلس البرلمانيين. و في مصر و وفقاً للتعديل الدستوري عام 1980 أنشئ مجلس الشورى إلى جانب مجلس الشعب، و لكن اختصاصات مجلس الشورى في المجال التشريعي بقيت استشارية بحتة، كذلك أخذت المغرب بنظام المجلسين بموجب التعديل الدستوري لعام 1997.
[3]- فعلى سبيل المثال يتكون البرلمان في بعض الدول الأوربية التي تأخذ بنظام المجلسين على النحو التالي : ففي ألمانيا يتكون البرلمان من البندستاغ، الذي يعتبر المجلس الشعبي، من 662 عضواً لمدة أربع سنوات ينتخب نصفهم بنظام الدوائر الفردية بالأغلبية البسيطة، و النصف الأخر بنظام القوائم النسبية، أما المجلس الثاني المسمى بالبندسرات، و الذي يمثل الأقاليم، فيتألف من 68 عضواً يعينون من قبل حكومات الأقاليم. و في فرنسا يتكون البرلمان : من الجمعية الوطنية المؤلفة من 577 عضواً ينتخبون لمدة خمس سنوات بالأغلبية المطلقة على دورتين، و من مجلس الشيوخ المؤلف من 321 ينتخبون لمدة تسع سنوات بالاقتراع غير المباشر. و في بريطانيا يتكون البرلمان : من مجلس العموم المؤلف من 659 ينتخبون لمدة خمس سنوات بالأغلبية البسيطة على دورة واحدة، و من مجلس اللوردات المؤلف من نحو 1200 عضو لمدى الحياة بالوراثة أو بالتعيين. أما في الولايات المتحدة فيتألف البرلمان المسمى بالكونغرس من مجلس الشيوخ المكون من 100 عضو ينتخبون لمدة ست سنوات، و من مجلس النواب المؤلف من 435 عضواً ينتخبون لمدة سنتين.
[4]- سوف نتطرق لهذا الموضوع بشكل مفصل عند دراسة النظام الإنكليزي الحالي لاحقاً.
[5]- معظم كبرى الديمقراطيات في العالم تأخذ بالنظام البرلماني : بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، أسبانيا…اليابان، الدول الاسكندنافية، أستراليا…الخ، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي تأخذ بالنظام الرئاسي و سويسرا التي تأخذ بالنظام المجلسي.
[6]- حق الملك في الاعتراض على القوانين ألغي بدوره منذ عام 1707.
[7]-لم يتمكن أخوه جاك ستيوارت من اعتلاء العرش لأنه كان كاثوليكياً، و ذلك بموجب قانون صدر في 1701.
[8]- أما بالنسبة للمسؤولية الجنائية فإنّ الأمر مختلف. فأغلب الدول البرلمانية ذات النظام الملكي لا يسأل الملك فيها جنائياً على أساس قاعدة أن الملك لا يخطئ، أما في الدولة البرلمانية ذات النظام الجمهوري فإن الرئيس يسأل جنائياً عن الجرائم التي يرتكبها.
[9]-حول هذا الموضوع المنصوص عليه في المادتين 19 و 22 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 و موقف الفقه و القضاء الفرنسيين من طبيعة هذه القرارات و هل Le Contreseing مسألة اختصاص أم مسألة شكل، يمكن مراجعة رسالة أستاذنا البرفسور رينة هوستيو المنشورة في دار نشر رسائل الدكتوراه القيمة L.G.D.J. و هي بعنوان : René HOSTIOU :”Procédure et Forme de l'acte administratif unilatéral en droit français“,L.G.D.J.,1975,R.215.
[10]- إلا في حالة الانشقاق في صفوفها.
[11]-إن معظم الدول البرلمانية التي تأخذ بنظام المجلسين لا تعطي السلطة التنفيذية سوى حق حل المجلس الشعبي، باستثناء بعض هذه الدول كبلجيكا و هولندا على سبيل المثال.
[12]- هناك بعض الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني ألغت حق حل البرلمان، و من هذه الدول النرويج و النمسا… و لبنان.


.../... يتبع




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



القانون الدستوري - الجزء السادس Emptyالإثنين 13 مايو - 20:00
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: القانون الدستوري - الجزء السادس



القانون الدستوري - الجزء السادس

المبحث الثاني - : تنظيم الهيئة المنتخبة أو البرلمان
تختلف دساتير دول العالم في كيفية تنظيم الهيئة المنتخبة أو البرلمان، فمنها من يأخذ بنظام المجلس الواحد أو الفردي Monocaméralisme، و منها من يأخذ بنظام المجلسينBicaméralisme [1]. لذلك فإننا بعد دراسة هاتين النقطتين، سنتطرق للتنظيم الداخلي للبرلمان.
1- : نظام المجلس الأحادي أو الفردي:- يقصد بنظام المجلس الأحادي، تكوين البرلمان في الدولة من مجلس أو غرفة واحدة Chambre unique يمارس السلطة التشريعية. و في الحقيقة إنّ أغلب دول العالم وخصوصاً ذات الشكل الموحد أو البسيط تأخذ بهذا النظام. و يرى أنصار المجلس الأحادي بأنه يتلافى عيوب نظام المجلسين، حيث يتميز نظام المجلس الواحد بالبساطة، و خاصة في مشكلة توزع الاختصاصات، و يتميز أيضاً بالسرعة في العملية التشريعية.
2- : نظام المجلسين:- أما نظام المجلسين، فيقصد به تكوين البرلمان من مجلسين أو غرفتين Deux chambres يمارسان السلطة التشريعية، إما بتوزيع الاختصاص بينهما، أو بالتعاون فيما بينهما.
و نظام المجلسين يرتبط إلى حد كبير بطبيعة النظام السياسي، وخصوصاً شكل الدولة، حيث نجد أن أغلب الدول الفيدرالية تعتمد نظام المجلسين : كالولايات المتحدة الأمريكية، و ألمانيا، و روسيا الاتحادية…، كذلك فإن بعض الدول ذات الشكل البسيط تأخذ بنظام المجلسين : إما لأسباب تاريخية كما في بريطانيا حيث مجلس اللورداتHouse of Lords الذي يمثل الأرستقراطية إلى جانب مجلس العموم House of Communes الذي يمثل الشعب، أو لأسباب اجتماعية أو اقتصادية[2].
و في هذا الصدد سوف نشير إلى الأسباب التي تدعو بعض الدول للأخذ بنظام المجلسين، كذلك ضرورة وجود اختلاف أو مغايرة في كيفية تكوين و اختصاص المجلسين.
أولاً- أسباب الأخذ بنظام المجلسين :- تختلف هذه الأسباب من دولة إلى أخرى، و يمكننا أن نذكر أهمها :
I-الشكل الفيدرالي أو الاتحادي للدولة : في الواقع إن الشكل الفيدرالي أو الاتحادي للدولة يفرض الأخذ بنظام المجلسين، حيث يتكون البرلمان من : مجلس يمثل الولايات أو الدويلات الأعضاء في الاتحاد (إما تمثيلاً متساوياً كما في الولايات المتحدة الأمريكية، أو بحسب أهميتها السكانية و الجغرافية كما في ألمانيا)، و مجلس آخر يمثل شعب الدولة الاتحادية بمجموعه. و هذا الأمر تفرضه ضرورة التوفيق بين النزعة الانفصالية للولايات أو الدويلات الأعضاء في الاتحاد، و ضرورة حماية استمرارية الاتحاد. و قد أشرنا سابقاً إلى أن معظم الدول الفيدرالية تأخذ بنظام المجلسين باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة.
II-منع استبداد السلطة التشريعية : يرى البعض أن انفراد مجلس واحد بسلطة سن القوانين في الدولة، قد يؤدي إلى استبداد هذا المجلس، و تعسفه في استعمال سلطته هذه في مواجهة السلطة التنفيذية خاصةً. أمّا إذا توزعت سلطة التشريع بين مجلسين، فإن ذلك يمنع الاستبداد أو التعسف، و يعتبر عاملاً لتحقيق نوع من التوازن بين السلطات، و خاصةً السلطتين التشريعية و التنفيذية. و هذا الأمر يمكن الرد عليه بأنه في كثير من دول العالم التي تعتمد نظام المجلس الفردي، لا يتعسف فيها هذا المجلس بسلطاته، فالعبرة بالتطبيق.
III-منع التسرع في التشريع : إن سلطة التشريع تعتبر عملية أساسية و هامة في كل دولة لأنها تنظم مختلف أوجه النشاط البشري، و لذلك لا بد من أن تتسم بالدقة و تحقق الاستقرار التشريعي، لكي لا تكون عرضةً للتغيير و التعديل خلال فترات قصيرة من صدورها. لذلك يرى البعض بأنه يجب أن لا تتسرع السلطة المختصة في إصدار هذه التشريعات، و يرون بأن نظام المجلسين يمنع هذا التسرع، و يضمن إصدار التشريعات بعد تمحيص و تدقيق. و يمكننا الرد على هذا الأمر بوضع ضوابط و آليات دستورية و قانونية تمنع التسرع في عملية استصدار القوانين في ظل نظام المجلس الفردي، كما أنه يمكننا الرد من جهة أخرى بأنه في حال عدم وجود ضوابط و آليات أيضاً في ظل نظام المجلسين يمكن أن يؤدي إلى بطء أو عرقلة عملية التشريع.
IV-رفع مستوى كفاءة أعضاء البرلمان : يرى البعض بأن نظام المجلسين يتيح إمكانية إدخال عناصر تتمتع بكفاءات عالية إذا كان أحد المجلسين يسمح بالتعيين أو تمثيل أصحاب المصالح و الطوائف و الكفاءات. و على الرغم من وجاهة هذا السبب، يمكننا القول بأنه في ظل نظام المجلس الواحد الذي يعتمد أسلوب الانتخاب كوسيلة للوصول إلى عضويته، فإن اختيار نظام الانتخاب و الممارسة الديمقراطية يمكن أن تتيح دخول أصحاب الكفاءات إلى المجلس.
ثانياً- المغايرة في كيفية تكوين و اختصاص المجلسين :- لكي يحقق نظام المجلسين غاياته المتمثلة بواحد أو عدد من المزايا التي ذكرناها سابقاً، لا بد أن يختلف المجلسين في كيفية تكوين كل منهما و اختصاصاته.
I-المغايرة بين المجلسين في كيفية التكوين[3] : تتنوع مظاهر المغايرة بين مجلسي البرلمان من حيث تكوينهما : كيفية التشكيل، و عدد الأعضاء، و شروط العضوية و مدة العضوية.
- فمن حيث التشكيل : يتشكل أحد المجلسين (و هو عادةً المجلس الشعبي) عن طريق الانتخاب المباشر، في حين يتشكل المجلس الآخر عن طريق الوراثة أو التعيين، أو الانتخاب غير المباشر، أو الجمع بين هذه الطرق.
- و من حيث عدد الأعضاء : يكون عدد أعضاء أحد المجلسين (المجلس الشعبي عادةً) أكبر من عدد أعضاء المجلس الآخر.
- و من حيث شروط العضوية : تكون الشروط الواجب توفرها لعضوية أحد المجلسين (المجلس الشعبي عادةً) أخف من تلك الواجب توفرها لعضوية المجلس الآخر.
-و من حيث مدة العضوية أو ولاية المجلس : تكون ولاية أحد المجلسين (المجلس الشعبي عادةً) أقصر من ولاية المجلس الآخر.
- يضاف إلى ذلك أنه في الدول التي تعطي السلطة التنفيذية حق حل البرلمان، هذا الحق لا يسري عادةً إلا في مواجهة أحد المجلسين، و هو المجلس الشعبي.
II-المغايرة بين المجلسين في الاختصاصات : إن السلطة التشريعية باختصاصاتها المختلفة يمارسها البرلمان بمجلسيه، و يكون عادةً هناك اختصاصات منفردة لكل من المجلسين، و هناك اختصاصات مشتركة. و لكنه في أغلب دول العالم التي تعتمد نظام المجلسين فإن اختصاصات المجلس الشعبي تكون أوسع في مجال التشريع من اختصاصات المجلس الآخر، و تكون إرادته هي الحاسمة في الاختصاصات المشتركة.
3- : التنظيم الداخلي للبرلمان :- سواء كان البرلمان يتألف من مجلس واحد أم من مجلسين، فإن قواعد التنظيم الداخلي للبرلمان لا تختلف. فعلى الرغم مّما قد يدل ظاهرها على أنها مسائل فنية بحتة، فإن عملية التنظيم الداخلي للمجلس البرلماني تحتوي في ثناياها على مسائل سياسية هامة. و هذه القواعد المتعلقة بتنظيم المجلس البرلماني يحددها الدستور و النظام الأساسي أو الداخلي للمجلس Le réglement d'assamblée. فالدستور يحدد عادةً الضمانات الخاصة بأعضاء المجلس و أهمها مبادئ : الحصانة البرلمانية، و عدم المسؤولية البرلمانية، و التعويضات البرلمانية.
أولاً- الحصانة البرلمانية : معظم الدول ذات الأنظمة البرلمانية تنص في دساتيرها على تمتع البرلماني، طيلة مدة ولايته، بالحصانة البرلمانية L'immunité parlementaire، لتمكنه من ممارسة ولايته بحرية. و هذه الحصانة ليست امتيازاً معطى للبرلماني، بل مجرد ضمانة ممنوحة للمجلس البرلماني من أجل عدم عرقلة سير عمله. و لذلك فإنه يمكن ملاحقة البرلماني جزائياً ضمن شروط محددة، فيمكن ملاحقته مباشرة في حالة الجرم المشهود، و يمكن ملاحقته بناءً على إذن سابق من البرلمان.
ثانياً- عدم المسؤولية البرلمانية : عدم المسؤولية البرلمانية L'irresponsabilité parlementaire، تمنح للنائب لتمكنه من ممارسة ولايته و القيام بواجبه بحرية، و تعني أنّ البرلماني لا يسأل جزائياً أو مدنياً بسبب الوقائع التي يوردها أو الآراء التي يبديها أو التصويت في الجلسات العلنية و السرية، و في أعمال اللجان البرلمانية.
ثالثاً- التعويضات البرلمانية : إن الغالبية العظمى من الدول ذات الأنظمة الديمقراطية تمنح البرلماني تعويضاً L'indemnté parlementaire، و لهذا الأمر عدة اعتبارات : أنه يتيح المجال لكل مواطن، مهما كان وضعه المالي، الوصول إلى البرلمان، و ليس حكراً على الأغنياء، فهو بذلك عنصر إسباغ الديموقراطية على الحياة السياسية. و يضع البرلمانيين أو المنتخبين بمنأى من الضغوطات و الإغراءات المحتملة. كذلك فإنّ ذلك يساهم في التعويض عن الأعباء الخاصة المرتبطة بممارسة الولاية البرلمانية. و يحيل الدستور عادةً إلى النظام الداخلي للمجلس أمر تحديد كيفية تطبيق هذه الضمانات إضافةً لتلك المتعلقة بالأعمال التي لا يمكن للنائب ممارستها خلال ولايته، و تلك المتعلقة بعمل المجلس. و النظام الداخلي أو الأساسي للمجلس هو قانون يصوت عليه المجلس المعني، و يتضمن الأحكام المتعلقة بتنظيم عمله و تحديد مواعيد جلساته، و تأليف هيئاته و تحديد مهامها. و يتضمن أيضاً تدابير فنية ذات طبيعة داخلية : انضباط المداولات، وقت الكلام و مدته، إجراءات حسن سير الجلسات، أنماط التصويت. كذلك يتضمن علاقة المجلس بالسلطة التنفيذية : إيداع مشاريع القوانين، كيفية إحالتها للجان المختصة، امتيازات الوزراء أثناء المناقشة في جلسة عامة…الخ.



الفصل الرابع:
أشكال النظام التمثيلي

ليس للنظام التمثيلي شكل محدد أو واحد، و إنما تتعدد طبيعة النظم السياسية التي تعتمد النظام التمثيلي كأساس لنظام الحكم، باختلاف طبيعة العلاقة بين السلطات العامة في الدولة، و خاصةً السلطتين التشريعية و التنفيذية، و ذلك باختلاف المفهوم المعتمد فيها لمبدأ فصل السلطات.
واستنادا على معيار الفصل بين السلطات يمكن التمييز بين الأنظمة التي تأخذ بالفصل المرن بين السلطات (النظام البرلماني ) وبين الأنظمة التي تكرس التفسير الجامد لهذا الفصل (النظام الرئاسي)، وبين تلك التي تدمج بين النظامين البرلماني والرئاسي وبين تلك التي ترفض فكرة الفصل نهائيا(النظام المجلسي). وهو ما سنتناوله في العناصر التالية:


المبحث الأول : النظام البرلماني
إنّ النظام البرلماني Le régime parlementaire هو نتاج لتطور تاريخي طويل، فقد ولد هذا النظام و ترعرع بطريقة تجريبية Empirique في إنكلترا، و لم يصبح موضع دراسة نظريه إلا بعد أن استكمل أغلب عناصره. فلذلك من أجل فهم هذا النظام لابد من فهم التطور التاريخي لنشأة النظام البرلماني في إنكلترا لنعرف، و بشكل سريع[4]، الحالة التي وصل إليها هذا النظام، و ذلك من أجل تحديد الخصائص الأساسية المشتركة للنظم البرلمانية المطبقة في أغلب دول العالم[5].
1- : نشأة و تطور النظام البرلماني:- كما نوهنا سابقاً، إلى أنه في إنكلترا وبعد ثورة 1688، جيء بملوك جدد، حيث أبعد إدوارد الثاني عن السلطة و حل محله زوج ابنته غيوم، الذي أجبر قبل اعتلاء العرش على التوقيع على إعلان حقوق Bill of Rights، و بموجب هذا الإعلان دعمت سلطات البرلمان و قلّت من امتيازات التاج بشكل كبير. فدور الملك أصبح محدوداً في تنفيذ القوانين مع حق التدخل في المجال التشريعي من خلال الحق في اقتراح مشاريع القوانين أو الاعتراض على قانون أقره البرلمان[6]، إذا رأى ضرورة لذلك. و لم يعد له الحق، كما كان سابقاً، في توقيف تنفيذ القوانين أو الإعفاء من تطبيقها. و لكن النظام البرلماني الإنكليزي تطور بعد ذلك بشكل سريع نتيجة لظروف خاصة مرت بها هذه الدولة. فبعد موت الملك غيوم سنة 1714 بدون ترك وريث[7]، انتقلت الملكية إلى جورج الأول و هو من عائلة هانوفر الألمانية، و الذي كان بالغاً من العمر 54 سنة و كان لا يتكلم الإنكليزية، أما ابنه الذي خلفه جورج الثاني فقد كان يفهم الإنكليزية و لكن لم يكن يتكلمها، فهذا الأمر أدى إلى تراجع دور الملك و ظهور سمات النظام الإنكليزي الحديث، و لكن بشكل متلاحق، و على عدة مراحل :
أولاً- ظهور منصب أو وظيفة الوزير الأول : في مواجهة المؤسسات الملكية كان الرأي العام الإنكليزي منقسماً. فقد كان هناك حزبان قويان: حزب التوري Tory (الذي أصبح اسمه في القرن 19 حزب المحافظين) المؤيد لسلطات التاج، و حزب الويج Whigs (الذي سمي فيما بعد بحزب الأحرار) المؤيد لسلطات البرلمان. و كان من المنطقي أن يستند ملوك عائلة هانوفر في حكمهم على حزب التوري Tory ضد حزب الويج Whigs. و لكن حزب التوري Tory كان متهماً بأن أنصاره لا يزالون يريدون أن تعود الملكية إلى جاك ستيوارت، و يحاولون التآمر على العائلة المالكة الجديدة (هانوفر). لذلك فإن ملوك هانوفر فضلوا اختيار وزرائهم و مساعديهم من حزب الويج Whigs. و لما كان الملوك الأوائل من عائلة هانوفر لا يتكلمون الإنكليزية لم يحضروا اجتماعات مجلس الوزراء. بل كانوا يكلفون أحد الوزراء بنقل توجيهاتهم إلى باقي الوزراء، و يقوم هذا الوزير بتقديم ملخص لمجريات اجتماعات الوزراء إلى الملك. و شيئاً فشيئاً أصبح له دور هام و مميز عن بقية الوزراء و أصبح يسمى بالوزير الأول. و قد استقر و تكون منصب أو وظيفة الوزير الأول خاصةً في عهد والبولWalpole الذي استمر في هذا المنصب 21 سنة (1721-1742).
ثانياً- حلول مسؤولية الوزراء السياسية محل مسؤوليتهم الجنائية : كان والبول Walpole من حزب الويج Whigs و يملك أغلبية من الويج Whigs في مجلسي البرلمانيين، مستعدة لمساندة سياسته من خلال التصويت على القوانين أو منحه الاعتمادات التي يطلبها. و لكن في سنة 1742انشق تيار من حزب الويج Whigs بزعامة وليم بيت William Pitt و انضم إلى حزب التوري Tory.
من حيث المبدأ فإن مصير الوزراء متعلق بالملك وحده الذي يسميهم و يعزلهم بإرادته المنفردة دون التقيد في اختيارهم سواء كانوا من حزب الأغلبية في البرلمان أم لا. و لكن كان يوجد في النظام الإنكليزي ما يسمى حالياً بحق الاتهام الجنائي L'Impeachment حيث بمقتضاه كان يمكن لمجلس العموم الحق في اتهام الوزراء و إحالتهم للمحاكمة أمام مجلس اللوردات. و قد كان هنالك عدة سوابق في هذا المجال أدت إلى عقوبات قاسية جداً بحق الوزراء المتهمين (إعدام، مصادرة أموالهم،…). فلذلك عندما لوح مجلس العموم باستخدام حق الاتهام الجنائي ضد والبول Walpole، قدم هذا الأخير استقالته للملك منسحباً بشرف. و بعد ذلك تبعه جميع الذين خلفوه باتخاذ نفس الموقف عندما يشعرون بفقدان ثقة مجلس العموم بسياستهم. فلذلك يمكننا القول : إنّه منذ تصرف والبول Walpole سنة 1742 قد ظهرت المسؤولية السياسية للوزراء، و حلت محل مسؤوليتهم الجنائية.
ثالثاً- ظهور المسؤولية الجماعية أو التضامنية للحكومة (حجب الثقة) : إن استقالة والبول Walpole لم تؤد إلى استقالة جميع الوزراء، فوالبول Walpole ذهب و لكن بقي جميع الوزراء في مناصبهم، فالوزارة لم تكن تشكل هيئة جماعية، فكل وزير كان مسؤولاً بمفرده أمام الملك، و منذ حادثة والبول Walpole في عام 1742 أصبح مسؤولاً بمفرده سياسياً أمام مجلس العموم فلم تكن مسؤوليتهم جماعية أو تضامنية : أي أن استقالة الوزير الأول لا يستتبع معها استقالة الوزراء جميعاً. و لكن منذ الوقت الذي بدأ الملك باختيار الوزراء بناء على اقتراح الوزير الأول بحسب ارتباطهم السياسي أو بحسب سياسة الحزب الذي ينتمي إليه، فقد أصبح يظهر الوزراء في عيون الرأي العام و البرلمان متضامنين في تنفيذ السياسة العامة للوزارة. ففي عام 1782 كان لورد نورث Lord North بمنصب الوزير الأول في عهد الملك جورج الثاني، و قد حاول لورد نورث Lord North تغيير سياسته تجاه أمريكا. و لكن أمام المعارضة الشديدة لهذه السياسة من قبل مجلس العموم، اضطر لورد نورث Lord North إلى الاستقالة، و استقال معه جميع الوزراء. بهذا الشكل ولد مبدأ تضامنية الوزارة، بحيث لو استقال رأسها يتوجب على بقية الوزراء الاستقالة، و ذلك تحملاً لنتائج إسهامهم في اتخاذ القرارات و تحديد السياسة العامة للوزارة، أي أن السياسة العامة للوزارة أصبحت تحدد بشكل جماعي من قبل هيئة تسمى مجلس الوزراء.
رابعاً- ظهور حق حل البرلمان بمفهومه الحديث : كان حق الحل متروكاً لإرادة الملك يستعمله متى شاء، و في كثير من الأحيان كان يستخدمه لأسباب شخصية. و لكن عندما خلف وليم بيت لوجونle Jeune William Pitt (ابن وليم بيت William Pitt خصم والبول Walpole) اللورد نورث Lord North، رفض أن يستقيل على الرغم من معارضة مجلس العموم له، و حاول إخضاع البلاد إلى برنامج إصلاحي. فعندما شعر أن أصوات الناخبين تؤيد أفكاره من أجل الإصلاح، طلب من الملك حل مجلس العموم، وبذلك احتكم إلى الناخبين لحل النزاع الموجود بينه و بين البرلمان. بنتيجة الانتخابات هزم معارضيه هزيمة ساحقة، الذين خسروا /160/ مقعداً، فأصبحت الأغلبية الجديدة من مناصريه. و بعد ذلك استعمل حق الحل من قبل الذين خلفوه لحل النزاع السياسي بينهم و بين البرلمان، وبهذه الطريقة ظهر حق الحل بمفهومه الجديد : أي لحل خلاف سياسي بين الحكومة و البرلمان.
2- : الخصائص الأساسية للنظام البرلماني:- في الحقيقة لا يوجد نظام برلماني واحد في دول عالمنا، و لكن توجد عدة أنظمة برلمانية، أو عائلة أنظمة برلمانية، تتسم بخصائص مشتركة. و يمكننا تعريف النظام البرلماني انطلاقاً من خصائصه المشتركة بالتالي : النظام البرلماني يتميز بالتعاون بين السلطتين التنفيذية و التشريعية، الأولى بالرغم من استقلالها مسؤولة أمام الثانية. أي يمكننا القول بأن فكرة وجود مسؤولية الحكومة أمام البرلمان هي الميزة الأساسية للنظام البرلماني.
و بشكل إجمالي يمكننا القول : إنّ هناك خاصتين أساسيتين تميزان الأنظمة البرلمانية المعاصرة هما : الثنائية في الهيئة أو السلطة التنفيذية، و التوازن و التعاون بين السلطتين التنفيذية و التشريعية.
أولاً- ثنائية الجهاز التنفيذي:- نقصد بثنائية الهيئة أو السلطة التنفيذية L'exécutif bicéphale في الأنظمة البرلمانية هو وجود رئيس دولة غير مسؤول و وزارة مسؤولة.
I- وجود رئيس دولة غير مسؤول : بشكل عام في أغلب الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني يعتبر رئيس الدولة (ملك، أمير أو رئيس… يصل إلى الحكم بالوراثة أو الانتخاب المباشر من قبل الشعب أو من قبل البرلمان أو هيئة ناخبة) أحد أركان السلطة التنفيذية. و من حيث المبدأ لا يتولى رئيس الدولة سلطات تنفيذية فعلية، فلذلك لا تقع على عاتقه أية مسؤولية سياسية سواء كان رئيس الدولة ملكاً أم رئيساً للجمهورية[8]. لذلك فإن أغلب القرارات التي يتخذها رئيس الدولة يتوجب توقيع الوزير المختص (أو الوزراء المختصين) إلى جانب توقيع الرئيس و هو ما يسمى بالتوقيع الإضافي Le Contreseing[9]، بحيث يتحمل الوزير المختص (أو الوزراء المختصون) المسؤولية السياسية عن هذه القرارات. و قد اختلف الفقه حول حقيقة دور الرئيس في الأنظمة البرلمانية : فمنهم من قال إنّ دوره سلبي، و منهم من قال إنّ دور الرئيس إيجابي، و الرأي الثالث و السائد هو احتلال الوزارة لمركز الصدارة.
II-وجود وزارة مسؤولة سياسياً : تعتبر الوزارة في النظام البرلماني مركز السلطة التنفيذية، حيث يقع على عاتقها تحديد السياسة العامة للدولة، فلذلك تكون مسؤولة سياسياً أمام البرلمان. و المسؤولية السياسية للوزارة La responsabilité politique du gouvernement أمام البرلمان تعتبر مع حق السلطة التنفيذية بحل البرلمان Le droit de la dissolution أهم ركنين في النظام البرلماني. و مسؤولية الوزارة أمام البرلمان قد تكون تضامنية أو جماعية، و قد تكون مسؤولية فردية لوزير معين. فلذلك يملك البرلمان سحب ثقته من الوزارة بكاملها، أو من وزير معين، و يترتب على ذلك ضرورة استقالة الوزارة أو الوزير في هذه الحالة.
و في الحقيقة هناك شكلان للنظام البرلماني. فهناك النظام البرلماني المزدوج Le régime parlementaire dualiste، حيث رئيس الدولة ليس فقط مجرد حكم بين السلطات، بل يمارس اختصاصات هامة تسمح له بالتدخل في سير النظام السياسي، وخاصةً سلطته في تعيين الوزراء و عزلهم، بحيث يعتبر الوزراء إضافةً إلى أنهم مسؤولون أمام البرلمان، مسؤولين سياسياً أمام رئيس الدولة، الذي يملك أيضاً حق حل البرلمان دون الرجوع إلى الحكومة. و هذا النوع من النظام البرلماني موجود في فرنسا و أغلب الدول العربية و منها سورية. و هناك النظام البرلماني الفردي Le régime parlementaire moniste، الذي يعتبر الأكثر كمالاً أو تقليدياً و الأكثر انتشاراً، حيث لا يلعب رئيس الدولة سوى مجرد دور شرفي. و في هذا النظام الحكومة و الوزراء ليسوا مسؤولين سياسياً سوى أمام البرلمان، و تملك الحكومة بالمقابل حق حل البرلمان، حتى لو كان هذا الحق يمارسه رئيس الدولة من الناحية الشكلية فإنه يتوجب عليه الرضوخ للإرادة الحكومية دون أن يملك أية سلطة تقديرية في ذلك. و هذا النظام مطبق في إنكلترا و معظم الدول الأوربية و الديمقراطيات في العالم.
ثانياً- التوازن و التعاون بين السلطة التنفيذية و التشريعية :- إن النظام البرلماني يقوم على أساس الفصل المرن و المتعاون بين السلطات و خاصة السلطتين التنفيذية و التشريعية. هذا يستتبع وجود نوع من التوازن بين هاتين السلطتين يسمح لكل سلطة بإمكانية الحد من تمادي السلطة الأخرى، إضافة لوجود نوع من التعاون يساعد أيضاً في منع تمادي إحدى السلطتين.
I-التوازن بين السلطتين التنفيذية و التشريعية : تملك كل من السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية آليات دستورية تتمكن بموجبها من الحد من السلطة الأخرى مما يخلق نوعاً من التوازن بينهما، يجنب البلاد خطر الوقوع في الأزمات السياسية. و أهم هاتين الآليتين هما : مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، و حق حل البرلمان.
1- مسؤولية الحكومة السياسية : تعتبر الوزارة، كما أشرنا سابقاً، مسؤولة سياسياً أمام البرلمان عن سياستها. و بهذا الصدد يملك البرلمانيون حق توجيه الأسئلة Les questions و الاستجوابات Les interpellations إلى الوزراء بشأن السياسة التي تتبعها الوزارة، و يمكن للبرلمان سحب الثقة من الوزارة بأكملها أو من وزير معين. و في هذه الحالة يتوجب على الوزارة أو الوزير الذي سحبت منه الثقة تقديم استقالته. و يمكن تحريك مسؤولية الحكومة الذي قد يؤدي لسحب الثقة بناء على طلب الحكومة نفسها، أو بناء على طلب من البرلمان. يمكن أن تحرك مسؤولية الحكومة أمام البرلمان من قبل الحكومة نفسها رغبة منها في الحصول على ثقة البرلمان، فتطرح الثقة بنفسها La question de confiance من تلقاء نفسها، و في حال جاء التصويت سلبياً تسقط الحكومة. و في هذه الحالة لا تطرح الحكومة الثقة بنفسها طبعاً أمام البرلمان رغبةً منها في حجب الثقة عنها و إنما لأسباب أخرى : الرغبة في التأكد من مساندة الأغلبية لها و تدعيمها عندما يظهر أن هناك انقساماً في صفوفها، بمناسبة التصويت على قانون تعتبر الحكومة مسألة الموافقة عليه مسألة ثقة بها، في معرض طلب الموافقة على جزء من سياستها أو على سياستها العامة. و في معظم هذه الحالات تستخدم الحكومة وسيلة طرح الثقة بنفسها، كوسيلة للضغط على الأغلبية التي تؤيدها في البرلمان.
و يمكن تحريك مسؤولية الحكومة من قبل البرلمان الذي يطلب، سحب ثقته من الوزارة Montion de censure. و يخضع طلب الثقة هذا إلى شروط (يحددها الدستور و ينظمها النظام الداخلي للبرلمان) تتعلق بتوقيع عدد من البرلمانيين على الطلب، و بعض الإجراءات المتعلقة بالمواعيد، و نسبة المصوتين لصالح سحب الثقة…الخ. و هذا الإجراء لا تستخدمه عادةً الأغلبية البرلمانية التي تنبثق عنها الحكومة[10]، و إنما تستخدمه المعارضة في الكثير من الحالات على الرغم من أنها تعرف مسبقاً بأنها لا تملك الأغلبية المطلوبة للتصويت على حجب الثقة، و ذلك كإجراء احتجاجي على سياسة الحكومة في مجال معين. و في بعض الدول كألمانيا هناك ما يسمى بحجب الثقة البناء Défiance constructive، حيث لا يمكن لمجلس البندستاغ سحب الثقة من المستشار (و بالتالي من الحكومة بكاملها) إلا إذا اختار مستشاراً جديداً يحل محل من فقد الثقة.
2- حل البرلمان : في مواجهة مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، و هو يمكن هذا الأخير من إسقاط الحكومة من خلال حجب الثقة، تملك السلطة التنفيذية حق حل البرلمان Droit de dissolution. و حق الحل يمكن السلطة التنفيذية من إنهاء ولاية البرلمان[11] قبل أوانها، يترتب عليه إجراء انتخابات مبكرة لاختيار برلمان جديد[12]. و حق الحل يمكن أن يكون بيد رئيس الدولة يستخدمه وفقاً لسلطته التقديرية كما في فرنسا و سورية و معظم الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني المزدوج، و قد يكون في يد الوزير الأول كما في أغلب الأنظمة البرلمانية، و قد يكون بالتوافق بين رئيس الدولة و الحكومة أو الوزير الأول. و حق الحل هذا تلجأ إليه السلطة التنفيذية استثنائياً لحل خلاف بين السلطتين التشريعية و التنفيذية و بالتالي العودة إلى الهيئة الناخبة باعتبارها السلطة العليا في الدولة، و لكن غالباً ما تلجأ إليه السلطة التنفيذية لأسباب سياسية انتخابية بحتة نذكر منها :
-البحث عن أغلبية برلمانية قوية، إذا لم تكن الحكومة تتمتع بهذه الأغلبية البرلمانية، نتيجة قيامها على أساس ائتلافي هش.
- التهديد بالحل من أجل توحيد الأغلبية البرلمانية المؤيدة للحكومة في حال ظهور انشقاق في صفوفها.
- البحث عن تدعيم الأغلبية البرلمانية المؤيدة للحكومة، إذا كانت الاستطلاعات تشير إلى أن الرأي العام مناسب لإجراء انتخابات مبكرة، تعطي الحكومة أغلبية برلمانية لفترة ولاية برلمانية جديدة.
باختصار يمكننا القول : إنّ وجود حق حجب الثقة للبرلمان و حق الحل للسلطة التنفيذية يحقق نوعاً من التوازن بين السلطتين التنفيذية و التشريعية.
II-التعاون بين السلطتين التنفيذية و التشريعية : إضافة إلى التوازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، يوجد نوع من التعاون بين هاتين السلطتين لتجنب الوصول إلى طريق مسدودة بين الجانبين يؤدي إما إلى استخدام حجب الثقة أو حق الحل. و أهم صور هذا التعاون تتمثل في حق السلطة التنفيذية باقتراح القوانين، و مشاركة الوزراء في مناقشة مشروعات القوانين المطروحة أمام البرلمان سواء من خلال المشاركة في مناقشات اللجان البرلمانية، أم الدفاع عن السياسة العامة للوزارة أمام البرلمان بهيئته العامة. بالإضافة لذلك تملك السلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان للانعقاد و فض دورات انعقاده، و تحديد جدول أعماله.
بالمقابل يستطيع البرلمان تشكيل لجان تحقيق برلمانية للتحقيق في بعض أعمال السلطة التنفيذية، إضافةً للجان الدائمة المختصة في مجالات عمل الحكومة. حيث يمكنهم الاستماع إلى أعضاء السلطة التنفيذية. و لكن التعاون الأكثر أهمية يتمثل بموافقة البرلمان إعطاء أو تفويض الوزارة سلطة التشريع Délégation législative لمدة محددة في مجال محدد.
-----------
[1]- من النادر وجود دول تأخذ بثلاثية المجلس أو تعدديته، و في التاريخ الحديث لم يوجد ذلك إلا في أفريقيا الجنوبية في ظل دستور التمييز العنصري، و في يوغسلافيا قبل إصلاحات 1974 حيث كانت تعتمد المجلس النيابي ذا الإدارة الذاتية.
[2]- من الدول الأوربية الأخرى التي تأخذ بنظام المجلسين يمكننا أن نذكر : إيطاليا (مجلس نواب و مجلس شيوخ)، أسبانيا (مؤتمر البرلمانيين و مجلس شيوخ)، بلجيكا (مجلس الممثلين و مجلس شيوخ)، أيرلندا (مجلس الممثلين و مجلس شيوخ)، و هولندا. و من الدول العربية التي تأخذ بنظام المجلسين (على الرغم من شكل الدولة البسيط) : الأردن فالفصل الخامس من الدستور يبين بأن من يمارس السلطة التشريعية هو مجلس الأمة، الذي ينقسم بموجب المادة /60/ من الدستور إلى مجلسين هما مجلس الأعيان و مجلس البرلمانيين. و في مصر و وفقاً للتعديل الدستوري عام 1980 أنشئ مجلس الشورى إلى جانب مجلس الشعب، و لكن اختصاصات مجلس الشورى في المجال التشريعي بقيت استشارية بحتة، كذلك أخذت المغرب بنظام المجلسين بموجب التعديل الدستوري لعام 1997.
[3]- فعلى سبيل المثال يتكون البرلمان في بعض الدول الأوربية التي تأخذ بنظام المجلسين على النحو التالي : ففي ألمانيا يتكون البرلمان من البندستاغ، الذي يعتبر المجلس الشعبي، من 662 عضواً لمدة أربع سنوات ينتخب نصفهم بنظام الدوائر الفردية بالأغلبية البسيطة، و النصف الأخر بنظام القوائم النسبية، أما المجلس الثاني المسمى بالبندسرات، و الذي يمثل الأقاليم، فيتألف من 68 عضواً يعينون من قبل حكومات الأقاليم. و في فرنسا يتكون البرلمان : من الجمعية الوطنية المؤلفة من 577 عضواً ينتخبون لمدة خمس سنوات بالأغلبية المطلقة على دورتين، و من مجلس الشيوخ المؤلف من 321 ينتخبون لمدة تسع سنوات بالاقتراع غير المباشر. و في بريطانيا يتكون البرلمان : من مجلس العموم المؤلف من 659 ينتخبون لمدة خمس سنوات بالأغلبية البسيطة على دورة واحدة، و من مجلس اللوردات المؤلف من نحو 1200 عضو لمدى الحياة بالوراثة أو بالتعيين. أما في الولايات المتحدة فيتألف البرلمان المسمى بالكونغرس من مجلس الشيوخ المكون من 100 عضو ينتخبون لمدة ست سنوات، و من مجلس النواب المؤلف من 435 عضواً ينتخبون لمدة سنتين.
[4]- سوف نتطرق لهذا الموضوع بشكل مفصل عند دراسة النظام الإنكليزي الحالي لاحقاً.
[5]- معظم كبرى الديمقراطيات في العالم تأخذ بالنظام البرلماني : بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، أسبانيا…اليابان، الدول الاسكندنافية، أستراليا…الخ، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي تأخذ بالنظام الرئاسي و سويسرا التي تأخذ بالنظام المجلسي.
[6]- حق الملك في الاعتراض على القوانين ألغي بدوره منذ عام 1707.
[7]-لم يتمكن أخوه جاك ستيوارت من اعتلاء العرش لأنه كان كاثوليكياً، و ذلك بموجب قانون صدر في 1701.
[8]- أما بالنسبة للمسؤولية الجنائية فإنّ الأمر مختلف. فأغلب الدول البرلمانية ذات النظام الملكي لا يسأل الملك فيها جنائياً على أساس قاعدة أن الملك لا يخطئ، أما في الدولة البرلمانية ذات النظام الجمهوري فإن الرئيس يسأل جنائياً عن الجرائم التي يرتكبها.
[9]-حول هذا الموضوع المنصوص عليه في المادتين 19 و 22 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 و موقف الفقه و القضاء الفرنسيين من طبيعة هذه القرارات و هل Le Contreseing مسألة اختصاص أم مسألة شكل، يمكن مراجعة رسالة أستاذنا البرفسور رينة هوستيو المنشورة في دار نشر رسائل الدكتوراه القيمة L.G.D.J. و هي بعنوان : René HOSTIOU :”Procédure et Forme de l'acte administratif unilatéral en droit français“,L.G.D.J.,1975,R.215.
[10]- إلا في حالة الانشقاق في صفوفها.
[11]-إن معظم الدول البرلمانية التي تأخذ بنظام المجلسين لا تعطي السلطة التنفيذية سوى حق حل المجلس الشعبي، باستثناء بعض هذه الدول كبلجيكا و هولندا على سبيل المثال.
[12]- هناك بعض الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني ألغت حق حل البرلمان، و من هذه الدول النرويج و النمسا… و لبنان.


.../... يتبع




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



القانون الدستوري - الجزء السادس Emptyالإثنين 13 مايو - 20:03
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: القانون الدستوري - الجزء السادس



القانون الدستوري - الجزء السادس

- النظام السياسي البريطاني كتطبيق للنظام البرلماني: -
تعتبر بريطانيا مهد الديمقراطية البرلمانية في العالم. ففيها نشأت و توطدت الركائز الأساسية لهده الديمقراطية ومنها انتشرت إلى مختلف الدول التي تبنتها فيما بعد.
والميزة الرئيسية التي يتصف بها النظام البرلماني في بريطانيا تكمن في انه يقوم بالأساس على مجموعة من القواعد القانونية الدستورية العرفية. ودلك بالإضافة إلى بعض القوانين العادية ذات الطابع الدستوري التي أقرتها البرلمانات في فترات متباعدة.
ولقد مر النظام السياسي في بريطانيا، عبر تاريخه الطويل بمراحل مختلفة إلى أن استقر على الوضع الذي هو عليه الآن.


الفقرة الأولى: التطور التاريخي للنظام البرلماني البريطاني :
تعود الأصول التاريخية للنظام البرلماني القائم حاليا في بريطانيا إلى بدايات القرون الوسطى. فمنذ ذلك الحين عرف هذا النظام تطورات هامة بفعل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في جسم المجتمع البريطاني.
ويمكن تلخيص هذا التطور التاريخي بثلاث مراحل رئيسية استمرت الأولى من القرن الثاني عشر إلى القرن السابع عشر، وتميزت بالصراع بين الأرستقراطية والملك من أجل توطيد الحريات العامة والحد من السلطة الملكية المطلقة. ودامت الثانية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وتم فيها توطيد سلطة البرلمان وإقامة الأسس التقليدية للنظام البرلماني. وأما المرحلة الثالثة التي بدأت خلال النصف الأول من القرن الماضي فقد كانت مرحلة النضال في سبيل إرساء قواعد النظام الديمقراطي.


أولا: الصراع من أجل الحريات العامة، والحد من السلطة الملكية المطلقة
تميز تاريخ بريطانيا منذ استيلاء النورمانديين عليها في عام 1066 بصراع مرير على السلطة بين الملوك الذين كانوا يطمحون لحكم مطلق و بين طبقة النبلاء الأرستقراطيين،ملاكي الأراضي، الذين كانوا يحرصون على صيانة امتيازاتهم ويطمعون بالحد من سلطات الملك المطلقة لمصلحتهم.
و خلال هدا الصراع الطويل الذي استمر حتى النصف الثاني من القرن السابع عشر اضطر الملوك أمام ضغط النبلاء و تمردهم للتخلي عن جزء من سلطاتهم وللاعتراف للنبلاء ببعض الحقوق والحريات. إلا أن تراجع الملوك في هدا الصدد لم يخل من عدة محاولات ناجحة لإعادة بسط الحكم المطلق الذي لم يتم وضع حد نهائي له ألا بعد ثورة 1688.
ولقد تجلت انتصارات النبلاء خلال هدا الصراع بعدد من الشرع التي أعلنها الملوك أو اضطروا للقبول بها و التي كان من أهمها الماكناكارتا، وعريضة الحقوق، وقانون الهابياس كوربوس (أو قانون سلامة الجسد)، ولائحة الحقوق.
1- الماكنكارتا ( Magna – Carta) أو الشرعة الكبرى وأصدرها عام 1215 الملك جون، المعروف باسم جون بلا أرض (Jean sans terre) على أثر الثورة التي أعلنها الأرستقراطيون ورجال الدين بعد أن أخذ حكم الطاغي يهدد مصالحهم. فما كان منهم إلا أن تمردوا على سلطته ونشروا لائحة ضمنوها مطالبهم، ولم يعودا للطاعة إلا بعد أن رضخ الملك ووافق على الاعتراف لهم بالحقوق الواردة في لائحتهم.
ولقد تضمنت الشرعة عددا من المواد المتعلقة بحقوق النبلاء الإقطاعيين وخاصة لجهة صيانة ممتلكاتهم من تعديات الملك وتأمين حرية الكنيسة في اختيار رؤسائها والتزام النزاهة والعدالة في الإدارة والقضاء وضمان الحرية الشخصية لأفراد الطبقة الأرستقراطية. كما نصت الشرعة على اعتراف الملك بحق البرلمان في الموافقة على فرض الضرائب، وفي تقديم العرائض والاقتراحات له. واشترطت الشرعة تشكيل لجنة من 25 عضوا من الطبقة الأرستقراطية مهمتها مراقبة تنفيذ أحكامها، وذلك تحت طائلة استئناف التمرد في حال مخالفة الملك لها أو نقضه لأحكامها.
إلا أن الملك جون تنكر في العام التالي لهذه الشرعة وتمكن من تجاهل ما جاء فيها من بنود. وهكذا عاد الحكم المطلق للظهور، وظل قائما حتى مطلع القرن السابع عشر. وطوال تلك المدة كانت الماكناكارتا تمثل رمزا للصراع في سبيل الحرية، ومن هنا استمدت قيمتها كأهم وثيقة دستورية في تاريخ بريطانيا السياسي، باعتبارها المصدر الأول وحجر الزاوية للحريات الإنجليزية الحديثة.
ومع ارتقاء الملك جاك الأول، أول ملوك أسرة الستيوارت، عرش بريطانيا في عام 1603، واستئنافه للحروب التاريخية ضد ملوك فرنسا، سنحت الفرصة ثانية للنبلاء للمطالبة بحقوقهم. واتخذت هذه المطالبة شكل صراع بين الملوك والبرلمان الذي يمثله حول حق هذا الأخير في الموافقة على فرض الضرائب. لما كان الملك الجديد مضطرا للحصول على الأموال اللازمة لتغطية نفقات الحرب اضطر لتنازل أمام البرلمان ووافق على منحه حق التصويت علة فرض الضرائب.
2- عريضة الحقوق (Pétition of right) وهي الوثيقة التي أصدرها الملك شارل الأول في عام 1628 بعد تجدد الخلاف الذي نشب بينه وبين البرلمان الذي اعترض على محاولة الملك فرض ضرائب جديدة على النبلاء دون موافقته. وقد أكدت العريضة، مرة أخرى، على حقوق البرلمان ولاسيما في مجال مناقشة المسائل الضريبية وإقرارها، كما تضمنت تأكيد على مبدأ الحرية الشخصية وتحريم توقيف الكيفي للمواطنين.
ورغم إعلان الملك لهذه العريضة فقد تفاقم الصراع بينه وبين البرلمان إلى أن انتهى بقيام ثورة 1642 التي قادها أوليفر كروموبل (O. Cromwell) وحظيت بتأييد البرلمان، ولاسيما مجلس العموم، والتي قامت بإعلان الجمهورية في عام 1649، وبإصدار أول دستور خطي حديث في بريطانيا والعالم. لكن الجمهورية الجديدة لم تصمد إلا أشهرا قليلة بعد وفاة زعيمها في عام 1658، حيث عاد النظام الملكي مجددا إلى البلاد باعتلاء الملك شارل الثاني العرش في عام 1660 بعد أن تعهد للبرلمان باحترام سلطاته وحقوقه، واعترف للمواطنين بالحرية الدينية.
3- قانون الهابياس كوربوس ( Habeas Corpus Act) (أو قانون سلامة الجسد) وهو قانون أصدره البرلمان البريطاني في عام 1679. واضطر الملك شارل الثاني للموافقة عليه. والغاية منه ضمان الحرية الشخصية للمواطنين و حمايتها من تعسف السلطة. و يتضمن القانون القواعد الأساسية المتعلقة بحماية المواطن من الاعتقال، وبالإجراءات القانونية اللازمة للآعتقاله و لتقديمه للمحاكمة أمام القضاء بعد ذلك. ويعتبر هذا القانون الهام المحور الأساسي للحريات الشخصية التي ما يزال يعتد بها في بريطانيا.
4- لائحة الحقوق (Bill of rights) وهي إعلان دستوري وضعه البرلمان ووافق عليه الملك ويليم الثالث، في عام 1689، بعد اعتلائه العرش بدعوة من البرلمان على إثر الثورة التي نشبت في العام السابق ضد الملك جيمس الثاني، آخر ملوك آل ستيوارت، الذي حاول العودة بالبلاد، مرة أخرى، إلى عهود الحكم المطلق. وقد وضعت هذه الثورة واللائحة التي نجمت عنها حدا نهائيا للحكم الملكي المطلق في بريطانيا وفتحت المجال لعهد جديد هو عهد الملكية البرلمانية. فقد تخلى الملك بموجب هذه اللائحة عن حقه السابق في التشريع، وفي تعليق مفعول القوانين. كما أكدت اللائحة حرمان الملك من فرض أية ضرائب جديدة بدون موافقة البرلمان، وأقرت حق هذا الأخير في مراقبة نفقات الدولة وتحديدها سنويا، وحظرت على إنشاء المحاكم بدون موافقة البرلمان، كما منعته من القيام بأي تجنيد منظم للقوات في وقت السلم، وأقرت اللائحة، أخيرا، عددا من الحريات الشخصية واعترفت للمواطنين بحق تقديم العرائض.


ثانيا: قيام النظام البرلماني
أخذت ملامح النظام البرلماني في بريطانيا تبرز منذ أواخر القرن السابع عشر وخاصة بعد ثورة 1688. ثم ما لبثت أسس هذا النظام وقواعده التقليدية أن اتضحت وترسخت خلال القرنين التاليين. فالصراع الذي دار بين الملك والبرلمان، الممثل للأرستقراطية، خلال القرون الخمسة السابقة أدى تدريجيا إلى ضعف وزن الملك وتأثيره في الحياة السياسية في حين انتقلت مهام ممارسة الحكم إلى حكومة متضامنة منبثقة عن البرلمان وتعمل تحت مراقبته. وهكذا أصبح البرلمان، الممثل للإرادة "الشعبية" المصدر الأساسي للسلطة بينما تحولت الملكية إلى مؤسسة رمزية تتولى ولا تحكم.
ولقد لعبت بعض الظروف التاريخية الطارئة دورا مساعدا وهاما في قيام النظام البرلماني وتوطيد أسسه.
ومن أهم هذه الظروف أن الملك ويليم الثالث اضطر للتخلي عن جزء هام من مقاليد الحكم ومهامه إلى وزرائه، وذلك نتيجة انهماكه بأمور الحرب مع الملك لويس الرابع عشر، ملك فرنسا، في بداية القرن الثامن عشر. ونظرا لما كانت تتطلبه هذه الحرب من نفقات باهضة لابد من تغطيها بواسطة الضرائب الجديدة التي لا سبيل لفرضها إلا عن طريق البرلمان، فقد اضطر الملك لاختيار وزرائه من بين أعضاء البرلمان، وخاصة من الأعضاء المنتمين لحزب الأغلبية فيه وذلك رغبة في كسب تأييده ودفعه للموافقة على الاعتمادات التي تتطلبها الحرب. وهكذا نشأ واستقر العرف البرلماني المتمثل بأن يترك الملك شؤون الحكم الفعلية لوزارة منبثقة عن البرلمان وتعمل تحت إشرافه ومراقبته. وبعد وفاة الملك ويليم الثالث، وخليفته الملكة أنا، تولى العرش للملك جورج الأول، (1714)، وكان هذا الملك الألماني الأصل يجهل اللغة الإنجليزية تماما لذا كان لا يستطيع المشاركة في مناقشات مجلس الوزراء. وأدى هذا الأمر لنشوء واستقرار قاعدة عرفية جديدة في النظام البرلماني البريطاني وهي أن يجتمع الوزراء فيما بينهم فيتداولوا ويقرروا ما يشاءون في أمور الدولة بغياب الملك، وبدون أخذ رأيه فيها. وأدى قيام الوزراء بممارسة مهام الحكم الفعلي بعيدا عن تأثير وتدخل الملك الذي كان مضطرا لاختيارهم من بين أعضاء البرلمان، لظهور القاعدة البرلمانية الجوهرية المتمثلة بمسؤولية الحكومة سياسيا أمام البرلمان، وكان وزراء الملك في السابق، المختارين من قبله بحرية ليعاونوه في شؤون الحكم، مسؤولين مباشرة أمامه فقط. وهكذا أضيفت إلى مسؤولية الوزراء السابقة أمام الملك، مسؤولية جديدة أمام البرلمان. وقد استمرت قاعدة المسؤولية السياسية المزدوجة هذه طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكانت خلال ذلك تتحول شيئا فشيئا ومع ازدياد سلطة البرلمان ونفوذه لتصبح مسؤولية وحيدة اتجاه البرلمان فقط. ولم يكن الوزراء في البدء مسؤولين أمام البرلمان إلا انفراديا، كما كان حالهم أمام الملك. وقد بدأت هذه المسؤولية بالظهور في الميدان الجنائي حيث كان باستطاعة مجلس العموم أن يوجه للوزراء الاتهام في حال ارتكابهم لجرم ما، ويؤدي هذا الاتهام لتقديمهم للمحاكمة أمام مجلس اللوردات، وشيئا فشيئا أخذ البرلمان يعتبر ارتكاب الوزراء لأخطاء سياسية فادحة بمثابة جرم يمكن أن يؤدي إلى توجيه اتهام يكون من نتيجته على الأقل إجبار وزير على استقالته. لما كان الوزراء قد اعتادوا أن يجتمعوا فيما بينهم ويتداولوا ويقرروا ما يشاءون من أمور متعلقة بقضايا الحكم، فقد ظهر لديهم شعور من التكافل والتضامن ما لبث أن تطور تدريجيا ليأخذ شكل المسؤولية التضامنية أمام البرلمان باعتبارهم يشكلون هيئة جماعية واحدة.
ومقابل تخليه لوزرائه عن مهام الحكم الفعلي، احتفظ الملك لنفسه بحق اعتباره غير مسؤول عن أعماله اتجاه أي سلطة أخرى. وإذا كانت حرمة الملك وقدسية شخصه قاعدة مؤكدة منذ القدم ومستندة للاعتقاد القائل بأن الملك لا يمكن أن يخطأ فإن هذه القاعدة أصبحت مقبولة بصورة أفضل بعد ابتعاد الملك فعليا عن ممارسة مسؤوليات الحكم. وهكذا استقرت من خلال الظروف والممارسات العرفية مجموعة القواعد الأساسية التي اتصف ويتصف بها النظام البرلماني.


ثالثا: إرساء أسس الديمقراطية
كانت الديمقراطية بمعناها الواسع، الذي يفترض مشاركة جميع المواطنين، على قدم المساواة، في تقرير شؤون الحكم وتسيير القضايا العامة، غير معروفة في المجتمع البريطاني حتى بداية القرن الحالي- القرن 20 - . فالنظام البرلماني الذي أمكن تحقيق خلال المرحلة السابقة من خلال الصراع بين الأرستقراطية والملك. كان نظاما غير ديمقراطي لأنه كان يحصر قضية المشاركة في الحياة السياسية بفئة قليلة من أفراد الشعب تضم بشكل رئيسي أبناء الطبقتين الأرستقراطية والبرجوازية الكبيرة، في حين أن الأغلبية الساحقة من أفراد الشعب كانت مستبعدة عن الحياة العامة ومحرومة من أبسط الحقوق السياسية.
ولقد تصدت الطبقة البرجوازية منذ بداية القرن التاسع عشر لقيادة الحركة الديمقراطية وذلك خدمة لمصالحها السياسية وتلبية لمطالب جماهير سكان المدن الكبرى التي كانت ترى أن من غير الطبيعي استمرار إبعادها عن الحياة السياسية بعد أن ازداد وزنها وتأثيرها في حياة البلاد الاقتصادية والاجتماعية.
وقد استهدف نضال الحركة الديمقراطية تحقيق أمرين رئيسيين القضاء على نظام الانتخاب القديم وإقرار مبدأ الانتخاب العام و الشامل، وإعطاء الأولوية في الحياة السياسية لمجلس العموم باعتباره المجلس المنتخب من الشعب والمعبر بالتالي عن إرادته.
1- نظام الانتخاب: كانت المؤسسات السياسية التمثيلية التي قامت في بريطانيا منذ عدة قرون، لا تعبر إلا عن إرادة جزء يسير من الشعب البريطاني. أما الأغلبية الساحقة من هذا الشعب فلم يكن لها أي دور في الحياة السياسية. فنظام الانتخاب الذي كان معتمدا لاختيار أعضاء مجلس العموم كان نظاما مقيدا يحصر حق الانتخاب بفئة قليلة من المواطنين، الذكور والأغنياء الذين يؤدون للدولة مقدارا مرتفعا من الضرائب. أما القسم الأكبر الباقي من المواطنين فكان محروما من جميع الحقوق السياسية ولاسيما حق الانتخاب والتوظيف وذلك بسبب الوضع الاجتماعي (البرجوازية الصغيرة والعمال) أو المذهب الديني (الكتوليك واليهود والبروتستانت المنشقين عن الكنيسة الإنجليكانية) أو ضعف الولاء للتاج (الإرلنديين) كما كان نظام الانتخاب نظاما غير متكافئ لا تتمثل بموجبه مختلف المدن والمقاطعات بنسبة عدد سكانها. فقد كانت المقاعد المخصصة للمدن والمقاطعات في مجلس العموم محددة بإرادة ملكية منذ زمن بعيد. ولم يطرأ عليها تعديل يذكر رغم التغيير الجذري الذي حدث في المجتمع البريطاني، خلال القرنين الماضيين، نتيجة الثورة الصناعية، و الذي أدى إلى تضخم عدد سكان المدن بشكل كبير بالنسبة لعدد سكان المقاطعات الريفية، و إلى ظهور مدن صناعية جديدة وهامة لم يكن لها أي ممثل في المجلس.
ولقد بدأت الحركة الديمقراطية بتحقيق أولى انتصاراتها في هذا المجال في النصف الأول من القرن التاسع عشر. ففي 1828 تمكنت من دفع البرلمان لإصدار قانون يتضمن الإقرار بالحقوق السياسية للبروتستانت المنشقين عن الكنيسة الإنجليكانية، وفي العام التالي دفعت البرلمان أيضا لإصدار قانون مماثل يقر بهذه الحقوق للأقلية الكاثوليكية.
وفي عام 1832 وبعد فترة من النضال والاضطرابات الثورية العنيفة.حققت الحركة الديمقراطية انتصارا هاما تمثل بصدور "قانون الإصلاح" الذي زاد عدد مقاعد مجلس العموم ووزعها على المدن والمقاطعات التي كانت محرومة منها، كما وسع حق الانتخاب ليشمل فئات جديدة من المواطنين وذلك بتخفيض المقدار المطلوب من الضرائب السنوية التي يجب على المواطن دفعها لخزينة الدولة من أجل التمتع بحق الانتخاب.
إلا أن هذا الانتصار، على أهميته، لم يؤد إلى دائرة توسيع نطاق الجسم الانتخابي، إلا بحدود ضيقة استفادت منه بالدرجة الأولى الطبقة البرجوازية الكبيرة التي زادت عدد ممثليها في مجلس العموم، ولهذا استمر نضال الحركة الحيمقراطية الشعبية من اجل التوسيع التدريجي لحق الانتخاب، وظهرت في عام 1838، الحركة الشارتية (اللائحية) التي أعلنت أن هدف نضالها النهائي يتمثل بتحقيق مبدأ الانتخاب العام والشامل والسري. ولقد أثمرت جهود هذه الحركة شيئا فشيئا ففي عام 1876 صدر قانون يقضي بتخفيض مقدار الرسم الانتخابي، وفي عام 1884 صدر قانون آخر ألغيت بموجبه فروقات تمثيلية بين المدن والأرياف، وفي 1918 توجهت الحركة الديمقراطية الشعبية انتصاراتها بإقرار حق الانتخاب العام والشامل للرجال والنساء مع تميز واحد يكمن في أن الرجال يبلغون سن الرشد الانتخابي في الواحدة والعشرين، في حين أن النساء لا يبلغونه إلا في الثلاثين وقد ألغي هذا التمييز بموجب قانون صدر في عام 1928. وفي عام 1970 صدر قانون جديد قضى بتخفيض السن الانتخابي للرجال والنساء إلى 18 سنة.
2- ازدياد وزن مجلس العموم: إن توسيع حق الانتخاب ليشمل كافة القطاعات الشعبية كان بحاجة لكي يأخذ كل معانيه السياسية أن يقترن بتغيير وزن المجلس الممثل للإدارة الشعبية داخل البرلمان.
فحتى عام 1909 كان مجلس اللوردات متمتعا بسلطات تشريعية ومالية وقضائية تميزه عن مجلس العموم وتعطيه مركز الأولوية داخل البرلمان. وكان لابد للحركة الديمقراطية أن تتعرض بالنقد لهذه المؤسسة الأرستقراطية وذلك من أجل إضعافها لصالح مجلس العموم لقد سنحت الفرصة للحركة الديمقراطية لتحقيق هذا الهدف على إثر الخلاف الذي نشب في عام 1909، بين حكومة الأحرار ومجلس اللوردات حول إقرار مشروع قانون الموازنة العامة الذي كان يتضمن بعض التدابير الإصلاحية ومن بينها فرض ضريبة على الدخل. وقد اعتبر المجلس أن من شأن هذه التدابير إحداث تغيير جدري للمجتمع يهدد مصالح أرستقراطية، ولذلك قام برفض الموافقة على المشروع، وإزاء هذا الموقف، قررت الحكومة الاستمرار في المواجهة وإدخال الشعب في القضية، فطلبت إلى الملك حل مجلس العموم وإجراء انتخابات جديدة \يمكن من خلالها معرفة ما إذا كانت الأغلبية الشعبية تساند الحكومة في موقفها أم تعارضها وتؤيد مجلس اللوردات. وعندما أسفرت الانتخابات عن فوز الأكثرية الجديدة من حزب الأحرار تأكدت الحكومة من تأييد الشعب لها فزادت من ضغطها على مجلس اللوردات الذي لم يجد أمامه إلا الإذعان بالإرادة الشعبية فرضخ للحكومة المجسدة لها، واضطر في عام 1911 للتصويت بالموافقة على مشروع قانون هام عرف فيما بعد "بالقانون البرلماني" الذي نص على حصر جميع الصلاحيات المالية بمجلس العموم فقط، وعلى قصر صلاحيات مجلس اللوردات، في المجال التشريعي العادي، على تصويته بالفيتو على مشاريع القوانين التي يقرها مجلس العموم. وكان من شأن هذا التصويت تأجيل تنفيذ القانون لمدة عامين، وفي عام 1949 أقر البرلمان البريطاني قانونا جديدا خفض بموجبه هذه المدة وجعلها تقتصر على عام واحد فقط.
وهكذا أصبح مجلس العموم المنتخب من الشعب هو المجلس الأهم في البرلمان البريطاني، في حين تراجع مجلس اللوردات ليكتفي بدور رمزي وهامشي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.


الفقرة الثانية: المؤسسات السياسية في النظام البرلماني البريطاني
يقوم النظام البرلماني في بريطانيا على أساس تفاعل تام بين عدة مؤسسات سياسية من بينها المؤسسة الانتخابية والحزبية والبرلمان، والحكومة، الملك.


أولا: المؤسسة الانتخابية
1- أهميتها: تلعب المؤسسة الانتخابية دورا هاما في الحياة السياسية البريطانية رغم أنها قد تبدو ذات أهمية ثانوية إذ نظرنا للموضوع نظرة غير عميقة. فوجود مؤسسة ملكية القائمة عبر مبدأ الوراثة وكذلك مجلس اللوردات المكون من أعضاء يعينون لمدى الحياة أو يتولون مناصبهم بالوراثة قد يدعو للاعتقاد بأن الانتخابات لا تلعب إلا دورا هامشيا محدودا في الحياة السياسية إلا أن الحقيقة مغايرة لهذا تماما. فالمؤسسات السياسية الوراثية لم يعد لها تأثير كبير في البلاد. أما الدور الرئيسي الذي تلعبه المؤسسة الانتخابية فيبدو من خلال تفاعلها وتأثرها بطبيعة النظام الحزبي القائم في البلاد، والمتميز بوجود حزبين رئيسيين فيها. فلقد أدى انقسام الأغلبية الساحقة من الشعب البريطاني إلى تيارين سياسيين رئيسيين: يتجسد الأول بحزب المحافظين ويتمثل الثاني بحزب العمال، إلى زيادة أهمية وفعالية وتأثير المؤسسة الانتخابية في حياة البلاد، بالنسبة للمؤسسات السياسية الأخرى. فالشعب البريطاني عندما يتجه، مبدئيا مرة كل خمس سنوات، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس العموم ويحمل إلى هذا المجلس أغلبية من النواب منتمين إلى أحد الحزبين الكبيرين إنما يقوم بشكل مباشر باختيار السياسة العامة التي يفضل أن تسير عليها البلاد خلال السنوات الخمس التالية، كما يقوم، في نفس الوقت، باختيار الوزير الأول، الذي سيكون حتما رئيس الحزب الفائز بالانتخابات، وأعضاء الحكومة الذين سيكونون أيضا من بين أعضاء اللجنة القيادية لهذا الحزب. ونظرا للأهمية البالغة لهذه النتائج المباشرة للانتخابات في بريطانيا، فإن الوزير الأول ومن ورائه الحكومة بكاملها، يجد نفسه مسؤولا، بشكل مباشر وفعلي، عن سياسته وأعماله، أمام الشعب أو الهيئة الناخبة وليس أمام أية سلطة أخرى. وفي هذا الأمر تعديل عملي للقاعدة النظرية الرئيسية في النظام البرلماني والمتمثلة في مسؤولية الحكومة والوزير الأول أمام البرلمان. فالواقع أن الوزير الأول في بريطانيا لم يعد يخشى حدوث أي صدام حقيقي مع مجلس العموم وذلك بسبب وجود أغلبية حزبية منضبطة ومؤيدة له و لحكومته، بشكل ثابت داخل المجلس ولقد عطل هذا الواقع جوهر الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة ولم يعد الوزير الأول يحسب حسابا حقيقيا إلا للشعب حين يتخذ مواقفه المختلفة من القضايا السياسية والعامة الأخرى ويتجسد هذا الأمر من خلال حرصه على فوز حزبه بالانتخابات العامة المقبلة. ويتحقق الوزير الأول من رضا الشعب عن مواقفه وتأييده لسياسته في مناسبات مختلفة يأتي في مقدمتها الانتخابات الجزئية وحل مجلس العموم قبل انتهاء مدته القانونية.
فالانتخابات الجزئية تحدث في بريطانيا باستمرار لملئ المقاعد النيابية التي تشغل بسبب وفاة بعض أعضاء مجلس العموم أو استقالتهم لأي سبب كان. وتعتبر هذه الانتخابات وسيلة مهمة لقياس الاتجاهات السياسية للرأي العام بحيث تقوم الحكومة والمعارضة بتعديل مواقفها على ضوء نتائجها.
أما حل مجلس العموم قبل انتهاء مدته الرسمية، فقد أصبح نوعا من التقليد المتبع في بريطانيا ويحدث هذا الحل عادة بسبب رغبة الحكومة بمعرفة رأي الشعب في قضية عامة مهمة ومصيرية بالنسبة للبلاد، أو بسبب رغبتها في تدعيم قوة الأغلبية الحزبية المؤيدة لها في المجلس، وفي هذه الحالة الثانية يختار الوزير الأول موعد الحل وإجراء انتخابات الجديدة في وقت يعتقد بأنه أكثر ملائمة لفوز حزبه. ومهما يكن السبب، فإن هذا الأمر يسمح للناخبين بإبداء آرائهم في القضايا السياسية في فترات زمنية غير متباعدة نسبيا.
2- نظام الانتخاب: يعتمد النظام البريطاني أسلوب الانتخاب الفردي الأكثري لدورة واحدة. حيث تقسم البلاد إلى دوائر انتخابية صغيرة جدا يخصص لكل منها مقعد واحد في مجلس العموم. وعند إجراء الانتخابات يعتبر رابحا المرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات المقترعة مهما كان هذا العدد ولقد بدأ تطبيق هذا الأسلوب في بريطانيا منذ القرن الثالث عشر وما زال معمولا به حتى الآن دون انقطاع.
ويتميز هذا الأسلوب الانتخابي ببعض الحسنات كما أن له في الوقت ذاته بعض المساوئ.
أما حسناته فتكمن في أنه يساعد على استمرار انقسام الناخبين بين حزبين كبيرين، وهذا ما يؤدي غالبا لإيجاد أغلبية نيابية منسجمة وحكومة مستقرة. إلا أن هذا النظام يتطلب إيجاد تنظيم جيد للأحزاب. فبما أن الانتخابات تتم من الدورة الأولى فإن على كل حزب أن يحشد أقصى الطاقات من أجل جمع أكبر عدد من الأصوات. كما يتطلب من الناخب نوعا من الوعي لأهمية الصوت الذي يدلي به والقرار الذي يتخذه بخصوص المرشح والحزب الذي يفضله. وهذا ما يدفعه عادة لاختيار المرشح المنتمي لأحد الحزبين القويين، والامتناع عن التصويت للأحزاب الصغيرة أو للمستقلين الذين لن يكون بإمكانهم الحصول على أغلبية في مجلس العموم، ولن يستطيعوا بالتالي التأثير بشكل حاسم على سياسة الحكومة والبلاد. ومن حسنات هذا النظام أيضا وضوحه وبساطته وعدم تعقيده فبالنظر لضيق حدود الدائرة الانتخابية يكون من السهل نسبيا على الناخب التعرف على المرشحين وتفضيل أحدهم، وبالنظر لأن انتخابات تحسم في دورة واحدة وعلى أساس قاعدة الأكثرية النسبية فإنه يكون من السهل التعرف بشكل سريع جدا على نتائج العملية الانتخابية. إلا أن لأسلوب الانتخاب هذا، بالمقابل، بعض المساوئ، ومن أهم هذه المساوئ أن هذا الأسلوب غير عادل ولا يعطي صورة صادقة عن الاتجاهات السياسية للرأي العام. فقد يحصل أن يفوز أحد الأحزاب بأغلبية المقاعد في مجلس العموم دون أن يكون قد حصل بالفعل على الأغلبية النسبية للأصوات في مجمل البلاد. ففي عام 1951 على سبيل المثال فاز حزب المحافظين الانتخابات العامة وحصل على 51.36 بالمائة من المقاعد رغم أنه لم يجمع إلا نسبة 47.96 بالمائة من الأصوات الإجمالية في حين أن حزب العمال حصل على نسبة أقل من المقاعد (47.20 بالمائة) رغم تجميعه لنسبة أعلى من الأصوات الإجمالية بلغت نحو 48.80 بالمائة. وسبب هذه الظاهرة هو أن أحد الأحزاب يمكنه أحيانا أن يفوز في عدد كبير من الدوائر، وذلك بحصوله، في كل منها، على تفوق بسيط على خصمه في عدد الأصوات. في حين يفوز الأخر بعدد قليل من الدوائر التي يحصل في كل منها على أغلبية كبيرة جدا من الأصوات. وهذا الأمر يعطي للحزب الثاني عددا كبيرا نسبيا من الأصوات وعددا قليلا من المقاعد النيابية، ولهذا يمكن القول إن أسلوب الانتخاب هذا ينطوي رغم بساطته، على شيء من الظلم ومن مظاهر عدم العدالة في هذا النظام أيضا أن الأحزاب الأخرى الأقل شئنا وقوة في البلاد تحصل عادة على عدد من المقاعد النيابية أقل بكثير من عدد الأصوات التي حصلت عليها نسبيا في مجمل أنحاء البلاد ففي انتخابات 1974، على سبيل المثال، حصل حزب الأحرار على نسبة 19.3 بالمائة من مجموع أصوات الناخبين في مختلف أنحاء البلاد في حين لم يحصل إلا على نسبة 2.2 بالمائة من عدد المقاعد الإجمالية في مجلس العموم. و السبب في هذه الظاهرة أن الأحزاب الضعيفة نسبيا تحصل في عدد كبير من الدوائر الانتخابية على عدد من الأصوات لا يصل لحد الأكثرية النسبية ولا يسمح لمرشحها في كل دائرة منها بالفوز بالمقعد المخصص لها. وبذلك تضيع قيمة هذه الأصوات وتذهب هدرا ولا تأثر بالتالي في تحديد عدد المقاعد التي يفوز فيها الحزب في المجلس.
ومن مساوئ هذا النظام أيضا أنه يخضع الحياة السياسية لإرادة نفر بسيط من الناخبين المترددين وخاصة في مثل هذه البلاد التي تعيش في ظل نظام الثنائية الحزبية فمن الواضح أن لكل حزب سياسي قواعده الانتخابية الثابتة والمستقرة. وهذا يعني أن القسم الأعظم من الناخبين مستقرين إلى حد كبير في اختياراتهم وانتماءاتهم السياسية. ولكن تبقى هناك أقلية من الناخبين الغير مستقرين على رأي سياسي معين.
وهذه الأقلية تنحاز حينا لهذا الحزب وحينا للحزب الآخر وذلك بسبب جملة من الأسباب والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الظرفية. ولهذا فإن الصراع والتنافس الانتخابي بين الحزبين الكبيرين يجري عادة من أجل كسب ثقة وتأييد أكبر عدد من الأصوات هذه الأقلية المترددة. وبقدر نجاح الحزب بهذا يستطيع أن يحقق لنفسه الفوز في الانتخابات ولهذا فإن هذه الفئة القليلة تصبح فعليا المتحكمة في تقرير السياسة العامة في البلاد من خلال تأييدها لهذا الحزب أو ذالك.
وتزداد أهمية هذه الظاهرة عندما نعلم أن هذه الأقلية من المواطنين تتبني عادة مواقف سياسية متوسطة بين اليسار واليمين وإن الحزبين الكبيرين يتجهان من أجل كسب ثقة وتأييد هذه الأقلية للتخلي عن أفكارهما ومواقفهما المتطرفة ولتبني حلول وبرامج سياسية وسطية أكثر فأكثر. وهذا الأمر يدفع الحزبين السياسيين الكبيرين في بريطانيا نحو الوسط بحيث يمكن القول الآن أنه بسبب وجود هذه الظاهرة إلى حد كبير، فإنه لم يعد هناك حزب يساري وآخر يميني وإنما هناك حزب يمثل يمين الوسط وآخر يمثل يسار الوسط.


ثانيا: المؤسسة الحزبية
يعرف البعض النظام السياسي البريطاني بأنه نظام حكم حزبي، وذلك بمعنى أن السلطة تكون طوال مدة ولاية مجلس العموم بيد الحزب المتمتع بالأغلبية البرلمانية فيه. وعلى هذا يلعب الحزب الحاكم وقيادته بشكل خاص دورا أساسيا في رسم معالم الحياة السياسية في البلاد ومن الواضح أن السبب الجوهري في قدرة حزب واحد على التمتع بأغلبية مقاعد مجلس العموم يعود انقسام الأغلبية الساحقة من الشعب البريطاني إلى حزبين كبيرين لابد لأحدهما، غالبا، من الفوز بأغلبية المقاعد أثناء الانتخابات.ونظرا لاستمرار هذه الظاهرة التاريخية منذ عدة قرون،سمي النظام البريطاني أيضا بأنه نظام يعيش في ظل الثنائية الحزبية، وهذا بالرغم من وجود عدة أحزاب أخرى هامشية في البلاد.
أ- نشأة نظام الثنائية الحزبية: يعود تاريخ الحركة الحزبية، في بريطانيا، إلى بداية القرن السابع عشر حين أخذت تتبلور داخل صفوف البريطانيين عامة، وأعضاء البرلمان، بصفة خاصة اتجاهات ومواقف فكرية وسياسية معبرة عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية المتباينة لكل من الطبقتين الأرستقراطية والبرجوازية. وكان من أهم القضايا المطروحة على بساط البحث في ذلك الحين: الموقف من قضية الإصلاح الديني وما يتفرع عنها من تسامح تجاه أتباع المذاهب الدينية المختلفة، والموقف من علاقة البرلمان بالملك والتوازن الذي يمكن أن يقوم بينهما. ولقد انقسمت هذه الاتجاهات إلى حزبين كبيرين متعارضين هما "التوريز" (Torys) المعبر عن الاتجاه المحافظ للطبقة الأرستقراطية، وحزب "الويكز" (Wight) المعبر عن الاتجاه الليبيرالي (التحريري) للطبقة البرجوازية الناشئة. ولقد تولى هذان الحزبان الكبيران قيادة الحياة السياسية البريطانية، وأسهم وجودهما وتنافسهما الدائم على السلطة في رسم معالم النظام البرلماني وإرساء قواعده الرئيسية. وخلال القرن التاسع عشر بدأ الحزب الأول يعرف باسم حزب المحافظين في حين اتخذ الثاني لنفسه اسم حزب الأحرار. ومع بداية القرن العشرين وازدياد نفوذ الطبقة العاملة وانتشار الافكارالاشتراكية بتأسيس حزب ثالث هو "حزب العمال". وبقي هذا الحزب يحتل دور القوة الثالثة في البلاد ألا أن مكنته أحداث الحرب العالمية الأولى، والنتائج التي تمخضت عنها على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي من الفوز بالانتخابات التشريعية العامة، للمرة الأولى، في عام 1924، وذلك بعد أن استأثر بتأييد ودعم الأغلبية الساحقة من أنصار حزب الأحرار وبذلك تحول حزب العمال إلى قوة رئيسية في البلاد إلى جانب حزب المحافظين أما حزب الأحرار فقد أخذت مكانته تضعف تدريجيا بعد أن تحول قسم آخر من أنصاره لتأييد حزب المحافظين.
ب- مزايا نظام الثنائية الحزبية وآثاره: أدت هيمنة الثنائية الحزبية على النظام البرلماني البريطاني إلى طبع الحياة السياسية ببعض المزايا الإيجابية في نفس الوقت الذي عطلت فيه آلية هذا النظام وقلبت عمليا قواعده الجوهرية رأسا على عقب.
فمن جهة أولى ساعدت الثنائية الحزبية التي تترجم عمليا بوجود حزب واحد متمتع بأغلبية مقاعد في مجلس العموم، على قيام حكم قوي ومستقر في بريطانيا، فالحكومة البريطانية المؤلفة من أعضاء اللجنة القيادية لحزب الأغلبية في مجلس العموم والتي يرأسها رئيس هذا الحزب، تعتبر دوما حكومة قوية لأنها تستند لتأييد أغلبية برلمانية حزبية منسجمة ومنضبطة انضباطا شديدا. وهذا الأمر يكفل لها إمكانية الحكم بشكل مستقر وبدون أزمات أو هزات طوال مدة ولاية مجلس العموم. ونظرا لتشكل الحكومة البريطانية من فئة حزبية واحدة فإنها تقوم بممارسة مهام الحكم على هدي البرنامج السياسي الذي أعلنه الحزب والتزم بتنفيذه أمام المواطن قبيل الانتخابات العامة ولهذا تكون سياسة الحكومة في خطوطها الرئيسية على الأقل، سياسة ثابتة وواضحة وبعيدة عن التقلب والتردد الذي تتميز به سياسة ومواقف الحكومات القائمة على أساس تحالف ظرفي بين عدة أحزاب.
وأخيرا فإن نظام الثنائية الحزبية كما أشرنا سابقا، يساهم في زيادة فعالية وتأثير الجسم الانتخابي لأن الناخب البريطاني عندما يقوم بعملية الاقتراع والمصادرة بين الحزبين الكبيرين إنما يقوم بطريقة مباشرة باقتناء الوزير الأول الذي سيكون حتما رئيس الحزب الفائز بالأغلبية، وأعضاء الحكومة الذين سيكونون من بين أعضاء اللجنة القيادية لهذا الحزب، كما يقوم بتحديد السياسة العامة التي ستنتهجها الحكومة المقبلة وتسير عليها. ومقابل هذه المزايا الإيجابية، أدت الثنائية الحزبية من جهة أخرى لتعطيل القاعدة الجوهرية للنظام البرلماني متمثلة بمسؤولية الوزارة أمام البرلمان. فمسؤولية الحكومة البريطانية أمام مجلس العموم، لم تعد، بسبب نظام ثنائية الحزبية إلا قضية شكلية فارغة من أي مضمون حقيقي. فنظرا لاستناد الحكومة الحزبية لأغلبية منسجمة ومنضبطة من نفس الحزب فإنها لم تعد عمليا تخشى من حدوث مواجهة سياسية مع مجلس العموم يكون من نتائجها حجب الثقة عنها وإجبارها بالتالي على الاستقالة ويشهد التاريخ البرلماني المعاصر في بريطانيا على ندرة حدوث مثل هذا الأمر ولهذا يمكن القول إن الحكومة لم تعد حقيقة خاضعة لرقابة المجلس فالسياسة البريطانية تقررها اللجنة القيادية للحزب الحاكم، وذلك من خلال الحكومة التي تكون متأكدة من أنها ستلقى تأييد مجلس العموم الذي يضم أغلبية من نفس الحزب. على أن نظام ثنائية الحزبية لم يعطل هذه القاعدة البرلمانية الجوهرية فحسب بل إنه قلب أوضاع العلاقة بين الحكومة والبرلمان رأسا على عقب وذلك لمصلحة الحكومة والوزير الأول فالحكومة البريطانية لم تعد فقط غير خاضعة لرقابة مجلس العموم بل إنها أصبحت أيضا تتدخل في صلب اختصاصاته الدستورية ولو بصورة شبه مباشرة. ذلك أن الحكومة البريطانية أصبحت تقوم عمليا بجل العمل التشريعي ولا تترك لمجلس العموم إلا مهمة إخراجه بصورة قانونية. فهي من خلال مشاريع القوانين التي تعدها بنفسها واقتراحات القوانين التي توعز لنواب حزبها في المجلس بتقديمها إليه، تضمن إقرار أي نص تشريعي ترغب بإصداره وبالإضافة لهذا تستطيع الحكومة، من خلال تأييد الأغلبية النيابية الحزبية بطلبها أن تحصل من مجلس العموم، في أي وقت تشاء على تفويض يسمح لها باتخاذ مراسيم تشريعية لها قوة القانون. وهكذا يمكننا أن نلاحظ بسهولة كيف أدت الثنائية الحزبية بالتوازن يفترض أن يقوم بين البرلمان والحكومة، لمصلحة هذه الأخيرة.
ج- خصائص الأحزاب البريطانية: تتميز الأحزاب السياسية الكبرى في بريطانيا بطابعها الإيديولوجي المعتدل، وبكونها أحزاب أطر شديدة التنظيم.
1- فمن جهة أخرى تعتبر هذه الأحزاب أحزابا إيديولوجية لأنها تجسد تاريخيا مصالح الطبقات وفئات اجتماعية متباينة. الحزب المحافظ يعتبر تقليديا حزب الطبقات الأرستقراطية والبرجوازية الكبيرة، وحزب العمال يمثل مبدئيا الطبقة العاملة وحزب الأحرار يعبر إلى حد ما مصالح بعض قطاعات البرجوازية الصغيرة وأرباب المهن الحرة إلى أن هذا التقسيم المبسط للأمور لا يمكنه أن يحجب عن الأنظار واقع التقارب الإيديولوجي الكبير بين هذه الأحزاب والذي يتمثل بعدم وجود تناقض صارخ بين برامجها وأهدافها السياسية المختلفة، ويعود هذا التقارب الواضح إلى عدة عوامل من أهمها:
- قيام اتفاق اجتماعي عام بين أبناء الشعب البريطاني، أو أغلبيته الساحقة على الأقل، حول أسس النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي القائم،وقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق العام،تاريخيا، على إثر الإنجازات الضخمة التي حققها المجتمع للإنسان البريطاني في كافة الميادين، ولاسيما في مجال الحقوق الشخصية والحريات العادية والمكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي شملت بآثارها كافة الموطنين ولهذا لم يعد الانقسام السياسي في المجتمع انقساما حادا وإنما أصبح انقساما ثانويا يدور حول قضايا فرعية. وتعبر عنه الأحزاب المختلفة من خلال برامجها السياسية المتقاربة.
- ولقد ساعد على إضفاء طابع الاعتدال على الأحزاب البريطانية نوعية النظام الانتخابي الفردي الأكثري ذي الدورة الواحدة ووجود حزبان كبيران يحتكران واقعيا إمكانية الحصول على أغلبية برلمانية في مجلس العموم، ويحرصان على بذل أقصى الجهود لتحقيق الفوز في دورة الانتخاب الوحيدة. فنظرا لثقة كل حزب باستمرار تأييد أنصاره التقليديين له أثناء المعركة الانتخابية فإنه يسعى قبيل هذه المعركة لكسب تأييد الفئة غير المنحازة سلفا إلى أي حزب، والتي تنتمي بشكل عام لتيار الوسط ولكي يتمكن من ذلك يحرص كل حزب على أن يظهر كل حزب نفسه بمظهر الاعتدال ويتبنى برنامجا سياسيا متوازنا يتخلى فيه عن الموقف والآراء المتطرفة ولقد أدت هذه الظاهرة السياسية الواضحة إلى تعميق طابع الاعتدال الإيديولوجي للأحزاب البريطانية الأكثر فأكثر بحيث صار من المتعذر على الملاحظ أن يميز بين يسار ويمين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
2- وتعتبر الأحزاب البريطانية من جهة أخرى أحزاب أطر (Partis de cadres)، فهي لا تقوم على أساس انتماء رسمي ومباشر ومكثف لجماهير الشعب وإنما على أساس تنظيم يظم عددا محدودا نسبيا من الأطر والشخصيات السياسية والاجتماعية الهامة والفاعلة في مختلف قطاعات الحياة العامة.
و يتميز التنظيم الحزبي هذا بقوته وانضباطه الشديد وهو انضباط لابد منه لتماسك الحزب ومحافظته على الانسجام بين عناصره بصفة عامة، وممثليه في مجلس العموم بشكل خاص.
د- دور الأحزاب في الحياة السياسية: تلعب الأحزاب السياسية دورا هاما في الحياة السياسية ولاسيما في كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية. ويتجلى هذا الدور من خلال مظاهر عديدة من بينها.
- أن الحزب الذي يتمتع بالأغلبية النيابية في مجلس العموم، والذي تنبثق الحكومة عن لجنته القيادية، يتحكم بحرية تامة في رسم سياسة البلاد وتحديد مواقفها من القضايا الدولية والداخلية الراهنة وفي إصدار كافة التشريعات التي يراها ضرورية لوضع سياسته موضع التنفيذ. ولا يحد من سلطة الحزب في هذا المجال، وكما أشرنا إلى ذلك سابقا،إلا قوة الرأي العام الشعبي واتجاهاته ومواقفه التي لابد للحزب الحاكم أن يأخذها بعين الاعتبار إذا ما أراد أن تجدد له الأغلبية الشعبية ثقتها أثناء دورة الانتخابات التالية.
- أن الأحزاب البريطانية تسيطر بشكل شبه مطلق على مختلف القضايا المتعلقة بالعملية الانتخابية فقيادات الأحزاب هي التي تختار الدوائر الانتخابية التي ستقدم فيها مرشحيها، وهي التي تختار أيضا بحرية المرشحين وتوفر لهم الدعم السياسي والمالي اللازم للنجاح وتستغل الأحزاب بنجاح واقع كون الترشيح المستقل صعب جدا في البلاد بسبب الأعباء المالية الباهظة التي يتطلبها وكذلك إحجام المواطن البريطاني غالبا عن تأييد المرشحين المستقلين لاعتقاده بأن تأييدهم ورفعهم إلى سدة المجلس لن يكون له تأثير حاسم على مجريات الحياة السياسية في البلاد. وهكذا يشعر المرشح الحزبي الفائز بأنه مدين في حصوله على عضوية مجلس العموم إلى حزبه الذي وفر له أسباب النجاح المختلفة.وهذا الشعور لابد منه لضمان استمرار انضباط النواب الحزبيين والتفافهم حول قيادة الحزب.


.../... يتبع




أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



القانون الدستوري - الجزء السادس Emptyالإثنين 13 مايو - 20:16
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
صاحب الموقع
الرتبه:
صاحب الموقع
الصورة الرمزية

محمود

البيانات
عدد المساهمات : 78913
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
رابطة موقعك : http://www.ouargla30.com/
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://ouargla30.ahlamontada.com


مُساهمةموضوع: رد: القانون الدستوري - الجزء السادس



القانون الدستوري - الجزء السادس

ثالثا: المؤسسة الملكية
تطور دور المؤسسة الملكية وتأثيرها في الحياة السياسية في بريطانيا، تطورا جذريا حاسما. فبعد أن كان الملك في الماضي يتولى كافة مهام السلطتين التشريعية والتنفيذية، فيصدر القوانين كما يشاء ويتولى الإشراف على تنفيذها من خلال وزرائه ومعاونيه، أخذت سلطاته تنكمش شيئا فشيئا لتصبح منذ أوائل القرن الثامن عشر مجرد سلطات رمزية يلخصها القول المعروف بأن "الملكية تتولى ولا تحكم".
تقوم المؤسسة الملكية، بطبيعة الحال، على مبدأ الوراثة، وينتقل العرش فيها من الملك الراحل إلى ولده الأكبر سواء أكان ذكرا أم أنثى. ويتمتع الملك ببعض الصلاحيات التقليدية و الشرفية التي ما يزال يحتفظ بها من العصور السابقة ومن أهم هذه الصلاحيات.
- صلاحية التصديق على القوانين التي يقرها البرلمان. ومصادقة الملك وتوقيعه لابد منها من أجل نشر القوانين وإصدارها ووضعها موضع التنفيذ. ومع أن الملك يستطيع نظريا أن يعترض على القوانين ويحول بالتالي دون تنفيذها فإنه لم يقم بأي بادرة من هذا النوع منذ عام 1707.
- صلاحية اختيار الوزير الأول، وهي صلاحية كان الملك يتمتع بممارستها بحرية تامة، إلا أن الظروف والأعراف الدستورية حدت فيما بعد من حريته في هذا المجال بحيث أصبح ملزما بتعيين رئيس حزب الأغلبية في مجلس العموم، بهذا المنصب.
- صلاحية تعيين بعض أعضاء مجلس اللوردات وكذلك تعيين كبار الموظفين في السلكين المدني والعسكري.
- صلاحية تمديد مدة ولاية مجلس العموم وحل هذا المجلس قبل انتهاء ولايته وذلك بناء على اقتراح من الحكومة.
- صلاحية إعلان الحرب، والسلام، وإبرام المعاهدات الدولية والاعتراف بالدول الحكومات الأجنبية وإرسال المبعوثين الدبلوماسيين للخارج لاستقبال ممثلي الدول الأجنبية في بريطانيا.
- صلاحية منح الألقاب والأوسمة.
- صلاحية إصدار عفو خاص عن المحكومين.
- صلاحية تولي القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية.
والجدير بالذكر بالنسبة لجميع هذه الصلاحيات التقليدية، أن الملك لا يستطيع مباشرتها وممارستها إلا بناء على اقتراح الحكومة ومشاركة الوزير الأول وبعض الوزراء المعنيين، بالتواقيع على المراسيم الملكية المتعلقة بها. وهذا يعني أن سلطات الملك في كافة هذه المجالات ما هي إى سلطات رمزية فقط إلا أن الملك يتمتع مقابل تخليه عن كافة السلطات الفعلية، بحصانة مطلقة سواء على الصعيد السياسي أم الجنائي. فالملك شخص مقدس لا يمكن انتهاك حرمته. وهذه الحصانة المطلقة هي في الواقع استمرار لقاعدة عرفية قديمة تقول باستحالة الملك بأي عمل خاطئ. وهذه الحصانة تجد حاليا ما يبررها ولاسيما على الصعيد السياسي،في واقع تخلي الملك لوزرائه عن كافة السلطات الفعلية وذلك مقابل تحملهم للمسؤولية كاملة.


رابعا: الحكومة
تتولى الحكومة قيادة السلطة التنفيذية. وهي تنبثق مبدئيا عن البرلمان وواقعيا عن الشعب من خلال تأييد غالبيته لأحد الحزبين الرئيسيين في البلاد.
والحكومة البريطانية هيئة تقليدية بدأت تتطور منذ مطلع القرن الخامس عشر وتتحول تدريجيا من مجرد مجلس يضم مستشاري الملك إلى مجلس أصبح يحتكر لنفسه سلطات الملك في مجال السلطة التنفيذية.
أ- تنظيم الحكومة: وتضم الحكومة البريطانية بالإضافة للوزير الأول، عددا من الوزراء وكتاب الدولة والكتاب البرلمانيين.
1- الوزير الأول: يعينه مبدئيا الملك. إلا أن الملك ملزم عمليا باختيار رئيس حزب الأغلبية في مجلس العموم لهذا المنصب. ويتمتع الوزير الأول بمركز مهم وبصلاحيات واسعة إذا أنه يعتبر الرئيس الفعلي للبلاد. وهو يقوم باختيار باقي أعضاء الحكومة ويحقق له تعديلها، كما يحقق له الطلب لأحد الوزراء أو بعضهم بالاستقالة وكذلك فإنه يستطيع أن يقدم استقالته للملك ويؤدي عمله هذا إلى استقالة الحكومة حكما. ويقوم الوزير الأول وحده بتأمين الاتصال بين الحكومة والملك. أما الوزراء فلا يستطيعون الاجتماع بالملك إلا بعد أن يحصل لهم الوزير الأول على إذن بذلك. وغالبا ما يحضر هو شخصيا اجتماع الملك بالوزراء. كما يراقب الوزير الأول أعمال الوزراء وسياستهم ويهتم بشكل خاص بأمور السياسة.
2- الوزراء وكتاب الدولة: ويتولى كل من هؤلاء وزارة معينة. والفرق بين الوزير وكاتب الدولة هنا ليس في الدرجة أو الأهمية وإنما في تاريخ إنشاء الوزارة. فلقد جرت العادة على أن يطلق اسم مكتب (Office) على الوزارات القديمة (مثل وزارات الداخلية والخارجية والحرب) ويقوم بالإشراف عليها كاتب دولة أما اسم وزارة فيطلق على الوزارات التي أنشأت في وقت حديث نسبيا (وزارة التعليم) ويقوم بإشراف عليها الوزير. ويعتبر كل وزير أو كاتب دولة مسؤولا فرديا عن أعمال وزارته وسياستها ولذلك فإن عليه أن يستقيل في حال عدم ثقة مجلس العموم أو الوزير الأول به.
3- الكتاب البرلمانيون: يقوم إلى جانب كل وزير أو كاتب دولة،كاتب برلماني يعينه الوزير الأول مع الوزير المختص ويقوم هؤلاء بتأمين الاتصال بين الوزير أو كاتب الدولة والبرلمان حيث يجيبون بدلا عنه، في بعض الحالات، على الأسئلة الشفهية لأعضاء البرلمان.
4- "الكابنت" (Le cabinet ) وهو تشكيل خاص يتميز به النظام البرلماني البريطاني. ذلك أن مجلس الحكومة البريطانية يضم في الواقع عددا كبيرا من الأعضاء يصل أحيانا إلى نحو مائة بين وزير وكاتب دولة وكاتب برلماني. ولهذا يقوم من بين هذا المجلس الواسع تشكيل خاص محدود العدد يضم عددا من الوزارات المهمة فقط: كوزارات الداخلية والخارجية والحرب والعدل والمال... وتجتمع الكابنت برئاسة الوزير الأول وتعتبر الجهاز الأعلى المسؤول عن رسم السياسة العامة للبلاد وعن اتخاذ القرارات الأكثر أهمية.
ب- صلاحيات الحكومة: تتولى الحكومة البريطانية صلاحيات هامة وواسعة، رغم أنها تخضع نظريا لمراقبة الملك والبرلمان. ومن أهم هذه الصلاحيات :
- تحديد السياسة العامة للبلاد في مختلف المجالات.
- مراقبة الإدارة والسهر على حسن تنفيذ القرارات التي تتخذها الحكومة.
- حق اتخاذ المبادرة في قضايا التشريع المالي. وبهذا تسيطر الحكومة على مجمل الحياة المالية في البلاد.
- مشاركة البرلمان في حق المبادرة للتشريع. والحكومة تقوم في الواقع بالمبادرة لاقتراح الجزء الأكبر من القوانين التي يصدرها البرلمان.
- تتمتع الحكومة بحق إصدار نصوص لها قوة القانون وذلك بناء على تفويض خاص تحصل عليه من مجلس العموم وبموجب هذا الحق تتحول الحكومة الممارسة صلاحيات التشريع في البلاد.
ج- دور الحكومة في الحياة السياسية: إن الأهمية الكبيرة للدور الذي تلعبه الحكومة البريطانية في الحياة السياسية لا تعود لطبيعة المهمات التقليدية التي تتمتع بها الحكومات في الأنظمة البرلمانية وإنما لكون هذه الحكومة تستمد ثقتها الفعلية من الشعب مباشرة فمن الناحية النظرية يقوم الشعب البريطاني بانتخاب ممثلين له في مجلس العموم.ومن ثم يقوم هؤلاء باختيار الوزير الأول إلا أن الواقع يشير إلى أنه بفضل نظام ثنائية الحزبية وتنظيم وانضباط الأحزاب،والتزام الملك باحترام الإرادة الشعبية فإن الشعب يقوم أثناء الانتخابات باختيار الوزير الأول الذي يقال عنه بأنه "ملك منتخب لمدة محدودة" كما يقوم باختيار الحكومة التي تتشكل من اللجنة القيادية للحزب الفائز.
إن هذا الوضع يعطي الحكومة البريطانية مكانة ومركزا قويا ضمن الحياة السياسية للبلاد فهي لم تعد عمليا مسؤولة عن أعمالها وسياستها أمام البرلمان وإنما هي مسؤولة مباشرة أمام الشعب الذي تستمد قوتها من ثقته بها.


خامسا: البرلمان:
يعود الأصل التاريخي للمؤسسة البرلمانية في بريطانيا إلى "المجلس العام للمملكة" الذي درج الملوك منذ القرن الحادي عشر لدعوته للاجتماع في بعض الأوقات العصيبة، وكان يضم عددا من كبار النبلاء (البارونات) ورجال الدين الذين يختارهم الملك بملء حريته. وكان دور المجلس في البداية استشاري ويقتصر على بيان الرأي في القضايا التي يعرضها عليه الملك، وفي عام 1265 دعي الملك بعض المقاطعات والمدن الهامة لانتخاب ممثلين عنها من كبار أعيانها و فرسانها، لحضور اجتماعات المجلس العام إلى جانب النبلاء ورجال الدين. وخلال القرن الرابع عشر اتفق أعضاء المجلس العام على أنه يجتمع النبلاء ورجال الدين في مجلس خاص ويجتمع ممثلو المقاطعات والمدن في مجلس آخر و لقد تكرس هذا الانفصال في عام 1351. فأخذ المجلس الأول اسم مجلس اللوردات،في حين دعي المجلس الثاني بمجلس العموم، وهما المجلسان اللذان يتألف منهما البرلمان، بالإضافة، رسميا، للملك، الذي كان الأصل في نشأة هذه المؤسسة.
أ- تنظيم البرلمان : يتألف البرلمان البريطاني عمليا،من مجلس اللوردات، والعموم.
1- مجلس اللوردات: وهو مجلس يمثل بقايا الطبقة الأرستقراطية وتقاليدها التاريخية، ويضم حاليا حولي ألف لورد. ويحتل أعضاؤه مقاعدهم فيه بشكل عام إما بالوراثة أو بالتعيين لمدى الحياة من قبل الملك وبناء على اقتراح الحكومة. ويرأس هذا المجلس حكما وزير العدل الذي يسمى في هذا المنصب بمرسوم ملكي يشارك في التوقيع عليه الوزير الأول. ويتألف من حيث تركيب أعضائه من فئتين : الفئة الأولى وتضم اللوردات الروحيون وعددهم 26 وهم يمثلون رؤساء الكنيسة الإنكليكانية وهم يستمرون في عضويته طالما استمروا في شغل مهامهم الكنسية. وأما الفئة الثانية فهي تضم اللوردات الزمنية وهي تشتمل بدورها على أربعة أصناف:
- اللوردات بالوراثة وعددهم تقريبا 800،
- اللوردات الذين يعينهم الملك من بين الشخصيات التي قدمت لبريطانيا خدمات جليلة أو أعمالا قيمة في مختلف مجالات العلم والفكر والسياسة ويبلغ عدد هؤلاء تقريبا نحو مائة لورد،
- لوردات يمثلون مقاطعات اسكوتلندة وينتخبهم اللوردات الذين ينتمون إلى هذه المقاطعة وعددهم ستة عشرة وهم يحتفظون بعضويتهم طوال مدة ولاية مجلس العموم،
- لوردات الاستئناف العادي وعددهم تسعة ويعينهم الملك لمدى الحياة للقيام بالصلاحيات القضائية لمجلس اللوردات. والجدير بالذكر أن هؤلاء اللوردات يشكلون بمجموعهم لجنة خاصة يرأسها حكما وزير العدل، للقيام بمهام محكمة الاستئناف العليا في المملكة. وتتولى هذه المحكمة، بالإضافة لمهام الاستئناف العادي صلاحية محاكمة أعضاء الحكومة في حال توجيه اتهام إليهم في قضايا جنائية من طرف مجلس العموم. وكذلك محاكمة أعضاء مجلس اللوردات في حالة الخيانة العظمى.
2- مجلس العموم: وهو الهيئة الممثلة للشعب البريطاني لأنه ينتخب انتخابا مباشرا من قبله. وهو يضم حاليا 635عضوا، ومدة ولايته خمس سنوات، إلا أن العادة جرت على أن يكمل المجلس مدة ولايته الرسمية إذ أنه يحل عادة خلال السنة الخامسة. وينتخب المجلس من بين أعضائه رئيسا يدعى المتحدث (Speaker) ويتمتع هذا ببعض الحقوق والامتيازات ومن أهمها: حق تنظيم المناقشات في المجلس. وحق البت فيما إذا كان مشروع القانون المعروض على المجلس طابعا ماليا، وبالتالي لا يجوز عرضه على مجلس اللوردات.
ب- صلاحيات البرلمان: يتمتع البرلمان بثلاث صلاحيات رئيسية هي: الصلاحية المالية الخاصة بإقرار الموازنة والضرائب وصلاحية تشريع القوانين العادية وصلاحية مراقبة أعمال الحكومة (التي يختص بها مجلس العموم فقط).
ولقد كان مجلسا البرلمان(اللوردات والعموم) يتمتعان في الماضي بنفس الصلاحيات فيما يتعلق بإقرار القوانين المالية والعادية. فاتفاقهما كان ضروريا لإقرارها. إلا أن صلاحيات مجلس اللوردات أخذت بالتناقص لحساب مجلس العموم وذلك منذ نهاية القرن السابع عشر. وكان الاعتقاد السائد هو أن مجلس اللوردات لا يحق له تعديل مشاريع القوانين المالية التي يقرها مجلس العموم وذلك انطلاقا من المبدأ القائل بضرورة موافقة الشعب بواسطة ممثليه على كل ضريبة يتحملها، وبما أن مجلس اللوردات غير منتخب من الشعب فإنه لا يحق له فرض الضرائب عليه وذلك على قدم المساواة مع مجلس العموم. إلا أنه كان يحق لمجلس اللوردات أن يوافق أو يرفض الموافقة على مشاريع القوانين المالية كلية. وكان هذا الحق سلاحا فعالا بيده لعرقلة مشاريع القوانين المالية التي يقرها مجلس العموم لكن مجلس اللوردات فقد هذا الحق منذ 1911 وذلك على إثر الأزمة التي وقعت بينه وبين حكومة حزب الأحرار وأدت إلى صدور " القانون البرلماني" الذي سبقت الإشارة إليه والذي لم يعد لمجلس اللوردات بموجبه أية صلاحية في القضايا المالية.
أما فيما يتعلق بصلاحية تشريع القوانين العادية، فقد احتفظ مجلس اللوردات بموجب "القانون البرلماني" الذي سبقت الإشارة إليه والذي لم لمجلس العموم. وكان من شان هذا التصويت تعليق تنفيذ القانون لمدة سنتين. لكن هذه المدة اختصرت إلى سنة واحدة فقط، منذ عام 1949، حين صدر قانون بذلك على اثر رفض مجلس اللوردات الموافقة على مشروع قانون خاص بتأميم صناعة الفولاذ كانت قد تقدمت به حكومة حزب العمال.
وتجدر الإشارة إلى انه نظرا لقيام القانون الدستوري البريطاني في جوهره على العرف، ولعدم تمييزه بين القوانين التشريعية العادية والقوانين التشريعية ذات الطابع الدستوري من حيث الإجراءات الشكلية المطلوبة لإقرارها وتعديتها، فانه يمكن القول بصورة طبيعية، أن البرلمان يتولى في نفس الوقت الصلاحية الأساسية.
ج- علاقة الحكومة بالبرلمان: هناك اعتقاد سائد بان البرلمان البريطاني يتمتع بصلاحيات واسعة فيما يتعلق بمراقبة أعمال الحكومة. وهذه الصلاحيات تعتبر بشكل طبيعي من السمات البارزة للنظام البرلماني إلا أن مركز البرلمان أخذ يضعف، في الواقع أمام الحكومة نتيجة لوجود نظام الثنائية الحزبية الذي يركز السلطة عمليا في يد الحكومة التي هي في نفس الوقت الجنة القيادية لحزب الأغلبية.
أن الصورة التقليدية التي تقدمها البرلمانية للعلاقة بين الحكومة و البرلمان تقوم على أساس مراقبة البرلمان لأعمال الحكومة من جهة، وإمكانية حل الحكومة للبرلمان من جهة مقابلة. وهذا ما يحقق قيام نوع من التوازن بين السلطتين. وفي حال حدوث خلاف بينهما فانه يجري اللجوء للشعب لمعرفة رأيه من خلال الانتخابات. فإذا حدث ووجدت الحكومة أن الأغلبية النيابية تعارض سياستها فان بإمكانها بدل أن تستقيل اللجوء إلى إصدار قرار يحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة لمعرفة رأي الشعب في القضية موضوع الخلاف. فإذا أدت الانتخابات لمجيء أغلبية جديدة من نفس رأي الأغلبية السابقة المعارضة للحكومة وجب على هذه الأخيرة الاستقالة إذا ما كانت مخالفة في رأيها للأغلبية السابقة فإنها تكون عند ذاك متفقة ورأي الحكومة ويكون بإمكان هذه أن تستمر في الحكم.
إلا أن هذه الصورة التقليدية النظرية لا توجد في الواقع في بريطانيا، حيث لا تخشى الحكومة عادة أن تجد نفسها أمام أغلبية معارضة لسياستها لان هذه الحكومة بالذات تستند في وجودها بالحكم على الحزب المسيطر على الأغلبية في مجلس العموم. ولهذا فان بريطانيا لم تعرف تصويتا بعدم الثقة بالحكومة منذ عام 1924.
والحكومة البريطانية عندما تلجا عادة لحل مجلس العموم فإنها لا تقوم بذلك لأنها تكون أمام أغلبية معادية لسياستها، بل لأنها ترغب بتدعيم مركز حزبها وأغلبيتها في مجلس العموم عندما تعتقد بان الظروف السياسية في البلاد مواتية لإجراء انتخابات تكون نتيجتها لصالح حزبها، كما أنها قد تلجا لحل مجلس العموم في بعض المناسبات الهامة عندما تعتبر أن الشعب البريطاني يواجه قضية هامة وان من الضروري أخذ رأيها من خلال الانتخابات.













***************



البقية في الجزء السابع













=======================





.



أدخل عنوان بريدك الإلكتروني هنا يصــــلك كل جديــــد





بلغ الادارة عن محتوى مخالف من هنا ابلغون على الروابط التي لا تعمل من هنا



توقيع : محمود


التوقيع



الكلمات الدليلية (Tags)
القانون الدستوري - الجزء السادس, القانون الدستوري - الجزء السادس, القانون الدستوري - الجزء السادس,

الإشارات المرجعية

التعليق على الموضوع بواسطة الفيس بوك

الــرد الســـريـع
..
آلردودآلسريعة :





القانون الدستوري - الجزء السادس Collapse_theadتعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

اختر منتداك من هنا



المواضيع المتشابهه

https://ouargla30.ahlamontada.com/ منتديات ورقلة لكل الجزائريين والعرب